Skip to main content

Full text of "الدين والدم ابادة شعب الاندلس - ماثيو كار"

See other formats


سد 
14 201 


الدين والدم 


ابادة شعب الأندلئس 





مائيو كار 


الدين والدم 


إبادة شعب الأندلس 


د. مصطفى قاسم 


مراجعة 


9 أحمد خريس 


11_طماع !© :161 ]أللا 11 


الطبعة الأولى 1434ه 2013م 
حفوق الطبع محفوظة 
© هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة مشروع «كلمة» 
3 3712 1857. 101253 
-1955 ,للاع71130112 تنه 
[غنتوط لمد لمو81] 
الدم و الدين : إبادة شعب الأندلس / تأليف ماثيو كار ؛ ترجمة مصطفى محمد عبد الله قاسم. مراجعة 
د. أحمد خريس -أبوظبي : هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة» كلمة» 2013. 
8 ص. ؛ 21.513.7 سم. 
ترجمة كتاب : 18هم5 5[10نا184 04 عمنتعسنط عط : طغندط لصة لمما8 
تدمك: 978-9948-17-201-7 
1- المسلمون في إسبانيا. -2 إسبانيا- تاريخ- القرن 17 
أت قاسمء مصطفى محمد عبد الله. 


يتضمن هذا الكتاب ترجمة الأصل الإنجليزي: 
كهن اع 3130 
ملهم5 لتادنا8 05 عمأعسناط عط نطانةط لمة لمو1ا8 
9 ,صهن بلكعط 1313 © 
لع عوع: كاطع [اهم 


كلمة 
#اتنهكا 26.ونسااعا.ييييم 
ص.ب: 2380 أبوظبي. الإمارات العربية المتحدة. هاتف: 300 6215 2 971+ فاكس: 127 6433 2 971+ 


6 


هيئة بوذ بى للسياحة والثقافة 


1081197كاق 66ناتاناء 8 7081514 اققنا0 ناه 


إن هينة أبوظبي للسياحة والثشافة مشروع «كلمة» غير مسؤولة عن آراء المؤلف وأفكاره. وتعبر وجهات النظر الواردة في هذا 
الكتاب عن آراء المؤلف وليس بالضرورة عن الهينة. 





حفوق الترجمة العربية محفوظة ل مشروع «كلمة. 

يمنع نسخ أو استعمال أي جزء من هذا الكتاب بأي وسيلة تصويرية أو إلكترونية أو ميكانيكية بما فيها اللسجيل 
الفوتوغرافي والتسجيل على أشرطة أو أقراص مقروءة أو أي وسيلة نشر أخرى .ما فيها حفظ المعلومات واسترجاعها 
من دون إذن خطي من التاشر. 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 


الدين والدم 


إبادة شعب الأندلس 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 


الغزو للتنصير 


الباب الثاق: 


قطيع واحد.. راع واحد 
8- («بيت مليء بالأفاعي والعقاردب» 0 
9- حياتان متوازيتان 0 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 


فقوو وم 6 و ووو 696م6مه 


0000000 0 1 


فم ع ةو مارم وم مث نوه 


وعءء ثم م.م مو ومو 


الكارثة 


16- في الطريق إلى الطرد 10077 
17- «خطر وشيك»: (1609-1598) 0 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 


إهداء 


ما كان لهذا الكتاب أن يرى النور لولا الكتاب والمؤرخون الكبار 
الذين تناولوا موضوع المورسكيين من قبلي بفترة طويلة. فمع أني كنت 
أتبع غرائزي واهتاماتي» وأعبّر عن منظوراتي واتكاري: فقد كنت إلى 
حد كبير رحالة في أرض استكسَّمَتُها -سابقاً- ووضّعت خرائطها بحوثٌ 
كتاب آخرين وأعمالهم. ولقد حرصتٌ على أن أذكر أسماءهم في ال هوامش 
وقائمة المراجع» لكنني أود أن أوجه شكرا خاصا لتريفور دادسون 
:11670 الذي كانت مقترحاته القيّمة» في المراحل الأولى لكتابة 
هذا الكتابء دافعاً لي إلى البحث عن «صوت المورسكيين». 

ولا يفوتني أن أتوجه بالشكر إلى إيزابيل أغيري عتناعة 153061 
بالأرشيف الحكومي الإسباني في شلمئقة» التي بذلت كل ما تستطيعه 
لتجعل من زيارتي للأرشيف مثمرة إلى أقصى حد. كما أتوجه بالشكر 
أيضا إلى ميغيل نافارو 0كنة7130 اوناج81؛ المؤرخ الرسمي لكورتيس دي 
بايا 221125 عل 00.:65. الذي اصطحبني في رحلة لا تنسى إلى الأماكن 
المورسكية في المرتفعات البلنسية» واستضافني إلى واحدة من أشهى 
الأكلات التي أكلتها ني حياتي؛ وهي طبق الأرزٌ البلسي: 

وأتوجه بالشكر أرخ يضاً إلى فريق مكتبتي المحلية في ماتلوك 1201001 
بديربشاير» الذي استجاب بصبر إلى طلباتي المتواصلة للكتب والمقالات 
من مختلف أنحاء البلاد. 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 


الدين والدم 
وأخيراً وليس آخراء لا يفوتني أن أعبّر عن عظيم شكري وامتناني 
إلى زوجتى جين 13806 وابنتى لارا 32.آ؛ رفيقتي الدائمتين, اللتين كانتا 
قوم عر ن ف اللسراءبوالضراء. كنهاتها م لعامين ونمفت رومظ 
المورسكيين» سواء أكان ذلك على هواهما أم لا 
إلى هؤ لاء جميعاًء أهدي هذا الكتاب» مع كل الحب والتقدير. 


8 1_طماع !© :161 ]أللا 1 


تقديم المترجم” 


مآسي الهوس الديني 
تحذير من إسبانيا القرن السادس عشر 


الأندلس.. يا له من اسم محبب إلى قلب كل عربي» سواء أقربت 
بلاده من الأندلس أم بعدت» وسواء أعرف الكثير عنها أم القليل. وما 
أكثر المدن والأحياء والشوارع والمؤسساتء وحتى المحلات الصغيرة 
والمجموعات والمنتديات على مواقع الإنترنت» التي تحمل اسم الأندلس 
أو إحدى حواضرهاء وما أكثر حديثنا عن فتح الأندلس وفاتحيها وأحداثها 
ومعاركهاء وما أكثر إشادتنا بأمجاد الأندلس وإنجازاتها العلمية والفكرية 
والثقافية والمارية» وما سادها من تسامح فكري وديني وتعددية وقبول 
للآخرء في زمن كانت أوروبا تحرق فيه المخالفين في الفكر والعقيدة. 
لكن كيف كانت نباية الأندلس» وماذا حدث لشعبها؟ هل انتهى 
شعب الأندلس بسقوط المالك الأندلسية» بمعنى هل غادر شعبها البلاد 
إلى شال إفريقيا أو غيرها من بلاد المسلمين مع حكامه المهزومين» أم 
(1) على امتداد صفحات الكتاب. يشير الرقم المذكور بين قوسين معقوفين مرتفعين [ ] إلى 
هوامش الفصول التي جمعها المؤلف بعد المتن» في حين يشير الرقم المذكور بين قوسين هلاليين 
مرتفعين ( ) إلى الهوامش التوضيحية؛ التي ذيّل بها المترجم صفحات الكتاب [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 





الدين والدم 


بقي ني بلاده وعاش تحت الحكم النصراني الجديد؟”" وماذا حدث لمن 
قبلوا العيش تحت حكم المالك النصرانية» وكيف سارت حياتهم» وكيف 
كانت علاقاتهم بالدولة والكنيسة و«مواطنيهم» النصارى؟ هل ذابوا في 
المجتمعات النصرانية» وتلاشت خطوط الفصل الدينية والثقافية» التي 
كانت تفصلهم عن النصارى زمنّ ال مالك الإسلامية؟ وكيف تعاملت 
المالك النصرانية مع الاختلاف الديني والثقافي للمسلمين الذين 
خضعوا لسلطانها؟ إنها تساؤلات لا أظن كثيراً من محبي الأندلس يملكون 
إجابات عنها. إن هذا الكتاب يجيب عن هذه التساؤلات وغيرها. 

لا بد أن أعترف بداية بأن معرفتي بالأندلس أو أيبيريا الإسلامية- 
قبل قراءة هذا الكتاب- كانت تقف عند عام 1492» الذي سقطت فيه 
آخر مالك المسلمين (غرناطة) ودانت للملكين الكاثوليكيين فيردناند 
الأراغوني وإيزابيلا القشتالية. ولا بد أن أعترف أيضاً بأنني حين كنت أقرأ 
عن أهوال محاكم التفتيش الأوروبية» التي وقف أمامها غاليليو غاليلٍ؛ 
وتراجع عن آرائه عندما عرضت عليه أدوات التعذيب» والتي قضت 
مثلاً بحرق الفيلسوف الإيطالي جوردانو برونو على الخازوق لهرطقاته 
المتعلقة بتأييده النظام الكوبرنيكي» وقد كانت تستخدم أدوات تعذيب 
بشعة من نوع «العروسة الحديدية»» وهي إطار حديدي كان يقحم مئات 
المسامير ببطء في جسم الضحية» ولا يتركها إلا بعد أن تنحول إلى كتلة 
دموية حية؛ لتلقى بعد ذلك في حفرة من السكاكين الدوارة - لا بد أن 
أعترف بأنني حين كنت أقرأ عن محاكم التفتيش هذه. لم أتخيل يوماً أن 
المسلمين كانوا من زبائنها التعساءء بالطبع في إسبانيا والبرتغال. 
(1) يحرض الارسي على اتتغدام تسطليدات عصر الاسترداد والحروب الصليبية والجهاد 


الإسلامي» ولذلك يستخدم مصطلح «النصرانية» ومشتقاته بديلاٌ عن مصطلح «المسيحية» 
ومشتقاته للعصر ما قبل الحديث [المترجم]. 


10 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


تقديم ا مرجم 

لقد ظهرت في العقود الثلاثة الماضية بحوث كثيرة حول آخر من بقوا 
من أيبيريا الإسلامية» والذين أطلق عليهم الإسبان الاسم الازدرائي: 
«المورسكيين»» الذي يعني «الأندلسيين الصغار»» لكن أحداً منها م 
يستطع أن يفلت من أسوار «الغيتو الأكاديمي»؛ كا فعل ماثيو كار 
بكتابه الرصين والمحايد والمتوازن والشامل» الذي يقدم قصة المورسكيين 
ومصيرهم المأساوي لجمهور القراء العام والمتخصصء على حد سواء. 

تبدأ القصة بالحرب «الصليبية» التى غزت» لعشر سنوات» مملكة 
غرناطة الأندلسية» وانتهت بسقوطها عام 1492, الذي كان -في الوقت 
نفسه- بدابة لعملية طويلة امن التطهير الديئق والعرقى الأسائيا 
المقدسة». استهلت باليهود الإسبان ف هذا العام المشؤوم نفسه» ثم 
تحولت إلى المسلمين على مدى أكثر من قرنء وهي حرب صليبية؛ لأن 
الجيوش النصرانية ضمت في صفوفها كثيراً من المتطوعين الأجانب» 
الذين جذبهم الوعد البابوي بغفران ذنوب من يحاربون الكفارء فضلاً 
عن فرص النهبء التى كانت توفرها أمثال تلك الحروب. 

يبدأ الكتاب بعد المقدمة التي تحدد الهدف منه بمدخل يوجز تاريخ 
الأندلس منذ فتحها عام 711 على يد القائد المسلم طارق بن زياد مطوفا 
بمالكها القوية وحواضرها الزاهرة وحروبها ضد المالك النصرانية في 
أراغون وقشتالة» ثم يتوقف قليلاً أمام سقوط غرناطة» فيعرض بإيجاز 
فلم تسقط غرناطة في حرب كبرى بين جيشين» بل سقطت عبر حروب 
كثيرة دامت عقداً من الزمن» إذ «شق زهاء ستين ألف فارس وجندي 
من المشاة طريقهم عبر الوديان النهرية والسهول حتى جبال غرناطة 
العالية» مدعومين بأرتال إمدادات ووحدات غير نظامية» كانت مهمتها 
الوحيدة حرق محاصيل العدو وتدميرها». وف هذا الحصار الخانق» 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 11 


الدين والدم 


اضطر أهل غرناطة إلى أكل الخيول والكلاب والجرذان» وفي النهاية 

اضطر السلطان محمد الثاني إلى توقيع اتفاقية استسلام المملكة. وتوجه إلى 

منفاه في جبال البشرات» تاركاً خلفه شعباً ذاهلاً من صدمة الاستسلام. 

وبذلك اكتملت عملية «استرداد»”' النصارى لأيبيرياء ووجد المسلمون 

في غرناطة أنفسهم خاضعين لحكام نصارىء تماماً ىما حدث مع المسلمين 

في الممالك الإسلامية الأخرىء التى سقطت قبل غرناطة. 
كان سقوط غرناطة سقوطاً لحالة «الاستثناء الأيبيري»» التى أقَرّآت 

أيبيريا الإسلامية والنصرانية©» على خلاف حالة العداء والحرب الدائمة 

بين المسلمين والنصارى في كل الأماكن الأخرىء طيلة القرون التي 
هذا التعايش لم يصل إلى حد الأركادية” ما قبل الحديثة للتعددية الدينية 
والثقافية» التي تخيلها بعض المؤرخينء فإنها كانت أكثر تسامحاً من النظام 
الجديد الذي تلا انهيارها النهائى». فبعد أن كانت القاعدة هي القبول 

(1) يشير الحدث التاريخي الواحد مشاعر متناقضة لدى الشعوب والجماعات المختلفة» ولذلك تحد 
للحدث الواحد أسماء أو ترجحمات مختلفة» ومن أمثلة ذلك مصطلح ممع الذي 
يشير في اللغات الأوروبية إلى «استرداد» إسبانيا من المسلمين أو إعادة فتحهاء على أساس 
أنها كانت أوروبية نصرانية قبل الفتح الإسلامي» في حين نترحمه نحن العرب والمسلمين 
إلى «سقوط الأندلس»؛ مع ما يتضمنه ذلك من تأكيد على «عر وبة» أو «إسلامية» الأندلس 
بعد القرون الثمانية) التي كانت فيها جزءاً من العالم الإسلامي» وإحدى أبرز حواضره. ومن 
ذلك أيضاً مصطلح :000065 الذي يترجمه المؤيدون للحدث إلى «فتح»» في حين يترجحمه 
الكارهون له إلى «غزو» أو حتى «احتلال» [المترجم]. 

(2) كان التعايش بين أتباع الأديان الثلاثة هو القاعدة في الممالك النصرانية» كما في الممالك 
الإسلامية» قبل اكتمال عملية الاسترداد وتوحيد إسبانياء ومن أمثلته في الممالك النصرانية 
تملكة قشتالة في عهد الملك ألفونسو العاشر قي القرن الثالث عشر [المترجم]. 

(3) أركادية منطقة جبلية في بلاد اليونان القديمة اشتهرت بأنها موئل الرعاة البسطاء القانعين بما 
قسم لهم. وتستخدم الكلمة للدلالة على البلاد المتسامحة» التي تلفظ الكراهية والعنف وتتبنى 


قيم التسامح والتفاهم والتعايش [المترجم]. 


12 ١_طماع‏ !© :161 ]آنل 1 


تمدع اللرسم 

المتبادل «المشروط» بين أصحاب الأديان الثلاثة» والحرية الدينية «المقيدة» 
لأتباعهاء حل نموذج التطهير الديني والشوفينية الثقافية في أيبيريا 
النصرانية”". 

كان اليهود أول ضحايا هذا التحول المشؤوم؛ فعلى الرغم من أن 
اتفاقات الاستسلام ضمنت للأندلسيين من مسلمين ويهود ومولدين© 
الاحتفاظ بدينهم ومؤسساتهم الدينية» فإن الملكين نقضا هذه المعاهدات 
ومعها نموذج التعايش السابق» وشرعا في تنصير اليهود قسرا. فمع 
اكتهال «الاسترداد» وتوثق علاقات إسبانيا بالعالم النصراني» اكتسبت 
النصرانية الإسبانية الطابع الجهادي, الذي كان سائداً في أوروبا آنذاك» 
وبدأ رجال الدين يحرضون الغوغاء ضد اليهود؛ «قتلة المسيح»» وبدأت 
عمليات التنصير القسري لليهود الذين يوا بين التعميد والنفي» مع 
وضع عراقيل شديدة أمام الخيار الثا؛ ضيّعت معنى الاختيار. وبالفعل 
نُضَر عشرات الآلاف من اليهود في أشهر قليلة. وحتى بعد أن نُضَرواء 
لم يسلم اليهود من الأذىء إذ استصدر فيردناند وإيزابيلا في عام 1477 
مرسوماً بابوياً أجار تشكيل حكمة تفئيش في قشتالة» لكشف الزنادقة 
الذين ارتدُوا إلى شريعة موسى»» ظلت تلاحق المنُضَرين اليهود حتى 
قضت على كل أثر لليهودية في إسبانياء وكذلك في البرتغال» التي ضغط 


)1( تر بجع «المشروطية» و«التقييد» في الأندلس إلى أن أصحاب الدينين الآخرين غير المهيمنين- 
النصرانية واليهودية في حالة الممالك الإسلامية والإسلام واليهودية في حالة الممالك النصرانيةه- 
م يكن مسموحاً لهم بالترويج لدينهم» وضم أتباع جدد أو التعبير عن دينئهم بصورة تفوق 
الدين المهيمن؛ مع أن حرية العقيدة كانت مكفولة للجميع, ولم تبذل أي محاولة لإدخال الناس 
قسرا في الدين المهيمن. وهذه الحالة وإن كانت القاعدة في جنوب البحر الأبيض المتوسط 
وشرقه» مثل مصر وبلاد السام والعراق وتركياء فقد كانت ممثل استثناء للرفض الأوروبي 
القاطع للإسلام ومحاولة اجنائه. ولذلك كان اقتراب إسبانيا من أوروبا والكنيسة الرومانية 
بعد الاسترداد, فاتحة لانتقال عدوى الهوس الديني و«الجهادية» النصرانية إليها [المترجم]. 

(2) المولدون هم النصارى الإسبانء الذين اعتنقوا الإسلام في زمن الممالك الاإسلامية [المترجم]. 


١_طماع‏ !© :11 ]آنل 1 15 


الدين والدم 


الملكان على ملكها ليفعل باليهود ما فعلاه بهم. 

يعرض الفصل الثالث أحوال المسلمين في أيبيريا كلها بعد سقوط 
غرناطة. لقد تشكل الأندلسيون من العرب والأمازيغ والمولدين» 
وتذهب بعض التقديرات إلى أن عددهم بلغ ستة ملايين في بداية القرن 
الثاني عشرء لكن مع نهاية القرن الخامس عشرء انخفض هذا العدد إلى ما 
بين خمسمائة وستتائة ألف نسمة» من إجمالي سكان إسبانياء البالغ عددهم 
سبعة أو ثانية ملايين نسمة. كان معظم الأندلسيين يعيشون في الريف 
ويعملون بالزراعة واليستنة: فضلاً عن الحرف الحضرية» وغيرها من 
الأعمال المتواضعة؛ ذلك أن هجرة الطبقة العليا الأندلسية من الأعيان 
والمثقفين لم تترك من المسلمين غير القاعدة البروليتارية للأندلس. وهكذا 
تحول الأندلسيون المسلمون من سادة البلاد وحكامها إلى مستضعفين 
يعملون في أدنى المهن والحرف» ويتعرضون من حين لآخر إلى هبات 
عنف من جانب النصارىء لكنهم مع ذلك عاشوا في جماعات منفصلة» 
واستطاعوا أن يحافظوا على دينهم وثقافتهم وتقاليدهم وسط مجتمع 

لكن إسبانيا «الكاثوليكية» الطامحة إلى الوحدة والنقاء الدينيين» 
والمتطلعة إلى قيادة العالم النصراني» ما كانت لتسمح ببقاء المسلمين على 
دينهم. فبعد التخلص من اليهود, بدأت ماكنة القمع والتنصير و«تفتيش 
الأرواح» الكاثوليكية تحول أنظارها إلى الأقلية الدينية والعرقية الأخرى 
على أراضيهاء وشرعت فور غزوغرناطة في تنصيرهم قسرياء وهي العملية 
التى بدأها رجل الدين المتعصب ثيسنيروسء الذي عِيّن رئيساً لأساقفة 
غرناطة عام 1499. فبعد أن أخفق ثيسنيروس في إقناع المسلمين بالتخلٍ 
عن دينهم واعتناق النصرانية. استخدم الشدة والتعذزيب والسجن لإجبار 
المسلمين على اعتناق النصرانية» ولقد بدأ رئيس الأساقفة بحامد الثغري؛ 


14 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


تقديم ا مرجم 

ذلك القائد الذي أبل بلاء حسناً في حروب الدفاع عن المالك الإسلامية» 
إذ أجبر المُعذْبٍ على إعلان اعتناقه النصرانية بوحي من الله جاءه في 
المنام وهو في سجن ثيسنيروس. بدأ رئيس الأساقفة بالمولدين» وحين 
ثار الناس في ربض البيازين العربي بغرناطة على هذا الانتهاك لمعاهدات 
الاستسلام» استخدم السيف لتنصيرهمء وهفي السادس عشر من يتاب 
فاك تعق ليستبروسض #الغراب فى خلس الكنيسة قائلاً: الا يوجد الآن 
في المديئة إنسان واحد غير نصراني» وكرّست كل المساجد كنائس)8. 

لكن مسلمي غرناطة لم يذعنوا جميعاً إلى هذا الترتيب الجديد» ولم 
يمض وقت طويل حتى اندلعت الثورة. فرّ زعماء البيازين بدينهم إلى 
جبال البشراتء التي كانت فضلاً عن كونها حصنا طبيعياًء موطناً لأكثر 
المسلمين تمسكاً بدينهم. وقد عمّت الثورة جبال البشرات» وفرض 
المسلموق العقاما بشعا عل السكان التضارى المحليين: ويخاصة رخال 
الدين الذين كانوا رمزاً لقهرهم. وسرعان ما امتدت الثورة إلى مقاطعة 
«المرية» المجاورة. فحشد الملكان الكاثوليكيان ثانين ألف جندي لسحق 
الثورة. كانت أسلحة المسلمين بدائية مقارنة بجيش إسبانيا الذي كان في 
طريقه إلى أن يصبح من أقوى جيوش أوروبا والعالم. ولذلك ابارت 
المدن والقرى الثائرة تباعاً بعد مقاومة شرسة. ومع أن كثيراً من المسلمين» 
ولاسيما النساء» فضل الموت على التنصيرء فإن غالبيتهم قد انحنوا للتيار 
وقبلوا التعميد, اعتقاداً منهم بأنهم سيتركون وشأنهم بعد ذلك. وجرى 
تعميل المتتلمين وحط أجر اد احقاليةة وكا الآلاف تعبدون وتكدس 
المساجد كنائس وسط أغان ودق أجراس الكنائسء وبذلك نصّر كل 
مسلمي غرناطة في بضعة أشهر. 

وفي قشتالة أصدرت إيزابيلا مرسوماً يبَر المسلمين بين التنصير 
والنفي؛ لكن الشروط هنا أيضاً كانت تميل بشدة إلى الخيار الأولء إذ لم 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 15 


الدين والدم 


يكن مسموحاً لمن آثروا النفي أن يأخذوا معهم الذهب أو الفضة وسلعاً 
أساسية كثيرة أخرى» وحرموا أيضاً من السفر البري عبر أراغون للتأكد 
من أنهم لن يستقروا هناك» وكانت موانئ المغادرة مقصورة على خليج 
بيسكاي الأطلسيء وم يكن مسموح اهم التوجه إلى أي بلد إسلامي كانت 
قشتالة في حالة حرب معه. وقد حرمهم ذلك من الهجرة إلى معظم العالم 
الإسلامي, والأهم من ذلك كله أنهم لم يكن مسموحاً لهم اصطحاب 
أولادهم دون عمر الرابعة عشرة وبناتهم دون عمر الثانية عشرة. الذين 
تقرر أن يُعطوا لعائلات قشتالية» كي تنشئهم تنشئة نصرانية. وفي مختلف 
أنحاء قشتالة» تحول التعميد الجماعي إلى احتفالات مدنية» في حين كانت 
المساجد تُكرّس كنائس أو تهدم» وكانت العائلات المسلمة تُعمّد علناً 
بأكملهاء وتتخذ أسماء نصرانية أمام حشود مبتهجة. 

لم يكن دين الأندلسيين وحده هدف الاستئصالء وإنما ثقافتهم 
وتقاليدهم؛ التي كانت ترتبط في كثير من جوانبها بالإسلام. فأصدر 
حكام إسبانياء بين عامي 1511 و1526» سلسلة من المراسيم الملكية 
والأوامر؛ قصد بها استئصال ثقافة الأندلسيين وتقاليدهم, التي رأوا أنها 
تعيق تبنيهم الصادق للنصرانية. وكان اللباس الأندلسي» وبخاصة لباس 
المرأة وغطاء الوجه النسائي المعروف بالملحفة» هدفا لعدوانية خاصة من 
جانب المسؤولين ورجال الدين النصارى. 

ثم جاء الدور على مسلمي أراغونء وهم الأقدم بين جماعات 
المدجنين”' في إسبانيا كلها. لكن التنصير هنا لم يحدث بمراسيم من الدولة 
أو على أيدي موظفيهاء وإنم| عبر ثورة قامت بها الطوائف الحرفية المحلية» 
(1) الدجدون: هم المسلموت العرب والأمازيخ الذين بقوا تحت حكم الممالك النصرانية واحتفظوا 

بدينهم؛ والمدجن من الفعل دجن .ععنى أقامموضع أو سكنه. لكن الأرجح أن الاسم مأخوذ 

من الخضوع والإذعان» باعتبار أنهم قبلوا العيش تحت سلطان أعدائهم [المترجم]. 


16 _طماع !© :11 1أنلا 1 


تقديم ا مترجم 
شيف ين الراديكالية الاجداعة والثتوفيية الديية: كان المسلمون 
العاملون في ضياع ملاك الأراضي النصارى يشكلون منافساً اقتصادياً 
للمزارعين النصارى. كيا شكل المسلمون جزءاً من الجيوش الإقطاعية 
والملكية» التي تصدت لثورة الطوائف. ولذلك فسرعان ما تحولت الثورة 
على الإقطاعيين «المتغطرسين» إلى حملة إبادة وتنصير «للأندلسيين الكفار». 
ومع أن الدولة والكنيسة لم تدفعا هذا التنصير أو تقفا وراءه» فإنه) قبلتا 
بنتيجته» ورفضتا مطالب ملاك الأراضي بنقض تنصير الأندلسيين» لأنه 
جرى تحت حد السيف. وأصدر الإمبراطور شارل في إبريل من عام 1525 
مرسوماً أقر التعميد القسري. وكيا حدث في غرناطة» فقد ثار مسلمو 
قشتالة وأغلقوا بلداتهم وتراهم بالمتاريس» لكن ضعف إمكاناتهم أدى 
إلى هزيمتهم هناك أيضأء وتلا المزيمة فرار بعضهم إلى شهال إفريقياء 
وانضما م غالبيتهم إلى صفوف الْتضرين الجدد من الأندلسيين. 
ظن المسلمونء عبر الانحناء للريح وقبول التعميد» أنهم سيّتركون 
وشأنهم» وحينها سيكون بمقدورهم أن يحافظوا على دينهم الإسلامي 
حياتهم المنزلية وثقافتهم وعاداتهم؛ مع التخفي وراء واجهة نصرانية. 
لكن تعميدهم, الذي جرى تحت حد السيف بكل معنى الكلمة» أوقعهم 
تحت طائلة محكمة التفتيشء التي كانت معنية با هرطقة بين النصارى فقط. 
أنشئت محكمة التفتيش أول مرة في القرن الثاني عشر في إطار الكنيسة 
الكاثوليكية الرومانية؛ بهدف «محاربة البدع» وانتهاك «القانون الكنسي»» 
ثم توسعت بعدها إلى بلدان أوروبية أخرى. ومع أن محاكم التفتيش 
كانت تعقد بأمر بابوي» د الرومانية» فقد ضغط الملكان 
الكاثوليكيان على البابا لإنشاء محاكم تفتيش إسبانية تابعة للتاج ل للحفاظ 
على القوامة الكاتوليكية في ممالكهماء وبخاصة ضد هرطقات المشريي 
البوؤدء ولاحقاً التشرين المسلمين: تعاملت المحكمة في البداية مع اليهود 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 17 


الدين والدم 

الممَضَرين» ونجحت فعلاً في قطع دابر اليهودية تماماً من إسبانيا. وعلى 
مدار القرن السادس عشرء كان المسلمون هم الضحية الأولى لمحكمة 
التفتيش التى مدت فروعها إلى كل المدن الحاوية مُتَضْرين أندلسيين. 
وحتى القرى والبلدات النائية م تسلم من زيارات محكمة التفتيش 
الكريهة» التي كانوا يطلقون عليها اسم «محكمة الشيطان». وكانت محكمة 
التففيش عل حل وك ماقيو كارة شكلد من الالجيزة الأمية الخذيفة: 
ولاسيما ما يعرف بأجهزة أمن الدولة أو الأمن الوطنىء إذ كان الاختلاف 
أو الانشقاق الدينى يعدان إضعافاً للدولة وخيانة لهاء لذلك كانت مهمة 
المحكمة ضمان الوحدة الدينية والتمائل المطلق. 

وبعد التنصير الأوّلي للمسلمين» أعفى حكام إسبانيا المسلمين من 
يطتى كيه التتيتر وتديوا قي برافج لخررية عزدودة ويائسة 1 تعد 
إلاني تأكيد اليأس من تحويل ارين المسلمين إلى نصارى حقيقيين . على 
أن اعتناق النصرانية حقاً - من منظور الحكام ورجال الدين الإسبان- 
استلزم القطيعة مع كل مفردات الثقافة الأندلسية» من عادات أكل ونوعية 
أطعمة وملابس» وبخاصة النسائية» واستخدام اللغة القشتالية ونسيان 
اللغة العربية» وممارسات الزواج ودفن الموتى وإدخال المواليد في الجماعة» 
ونبذ الموسيقى والرقصات الأندلسية» وهي قطيعة يصعب إنجازها 
حتى لو أرادت الجاعة المضطهّدة ذلك. د «أخفق» المورسكيون في 
الاستفادة من «الكرم والشهامة» الإسبانيين» وقاموا بثورتهم الكبرى التي 
عرفت بحرب البشرات (1570-1568) للحفاظ على هويتهم» أخضعوا 
لمعاملة وحشية من جانب محكمة التفتيشء لدرجة أن المسلمين شكلوا 
2 تمن حاكمتهم محكمة التفتيش الغرناطية بين عامي 1560 و1571» 
وهو نشاط جارتها فيه أفرع المحكمة في سرقسطة وبلنسية وأراغون 
وقشتالة. وظلت محكمة التفتيش تفتك بهم» حتى طردهم تماما من إسبانيا 


18 1_طماع1© :1ع]]آئلا 1 


تقديم ا مترجم 
فى نباية العقد الأول وأوائل العقد الثاني من القرن التالي» ى) ظل من بقى 
منهم بعد الطرد هدفاًلهاء فبين عامي 1615 و1700 شكل الأندلسيون 9/ 
من ضحايا هذه المحكمة الدموية. 
ورغم سخف المحاكىات التي كانت تفتش في «ضائر» الناس بالتعبير 
الحديث». وتحاكمهم على جرائم تافهة مثل الاستحام أو غسل الرأسن 
أو غسل «أعضاء الجسم المخزية»» باعتبارها دليلا على بممارسة الشعائر 
الإسلامية» فقد كانت المحكمة تحترم الشكليات وما نسميه اليوم «عدالة 
الإجراءات»» فكانت المحكمة تخصص أحد أعضائها للدفاع عن المتهم؛ 
مع أنه لم يكن يفعل شيئا غير حث المتهم على الاعتراف. وكانت المحكمة 
تتبع ترتيبات وإجراءات ثابتة. فحين كانت تحط بمدينة أو قرية» كانت تبدأ 
بعد القداس بقراءة «مرسوم العفو». الذي يحدد المرطقات ويحض الرعية 
على الاعتراف للمحكمة بم| ارتكبوه منها «لإراحة ضمائرهم». أو الإبلاغ 
عن الآخرين الذين لديهم بيّنة على ارتكابهم هذه الحرطقات. ونظراً لأنه 
مرسوم «عفو»» فإن الأشخاص الذين كانوا يتطوعون بالاعتراف على 
أنفسهم في خلال فترة العفو (من ثلاثين إلى أربعين يوماً)» كانت المحكمة 
تتصالح معهم دون عقوبات قاسية. وبعد الاستعاضة عن «مرسوم 
العفوا بامرسوم الإيان»؛ ألغيت فترة العفو, في تحول نحو الشدة مع 
المهرطقين. وكان المخبرون أو الواشون هم مصدر المعلومات الأساسي 
للمحكمة في اتهام الناس وإدانتهم. وفي حالة المسلمين» كان جيرانهم 
النصارى يبلغون المحكمة عن جرائم لهم مثل «رفض أكل لحم الخنزيرا» 
أو «التفوه باسم محمد» في لحظة غضبء أو التلبس بالاستحمام أو غسل 
«الأعضاء المخزية». إلى غيرها من الجرائم السخيفة وغير العقلانية» التي 
عَذْب المسلمون وأحرقوا بسبيها. 
كان المتهم يحتجز أحياناً لسنوات قبل أن تفحص قضيته. بل وقبل أن 


11_طماع !© :1ع]1]أللا 1 19 


الدين والدم 

يعرف تهمته. وفي أثناتهاء كانت تصادر ممتلكاته لتغطية تكاليف المحاكمة 
وإعاشته في السجنء مما دفع المتهمين إلى الفقر والعوزء حتى لو ثبتت 
براءتهم في النهاية» ثم تأتي المرحلة الأقسى من الإجراءات الشكلية وهي 
المحاكمة. وهنا تبرز السمة الأبشع للمحكمة وهي التعذيبء الذي كان 
يحدث بأدوات وأساليب يعرض الكتاب الحالي بعضهاء منها المخلعة 
والكعم والإغراق الكاذب والتكبيل في الحديد والتعليق في السقف 
والأذرع خلف الظهر مع ربط أثقال بقدمي المعذب. 

وتحت التعذيب البشعء كان المتهمون يعترفون غالبا بالتهم» التي يراد 
منهم الاعتراف بهاء وحينها تأتي الأحكام المتراوحة بين البراءة وتعليق 
المحاكمة. وهي نادرة جداء والكفارة والنفي والغرامات والسجن 
والعزل في المعتزلات الرهبانية» أو تسليم المدان إلى «الذراع العلماني 
للدولة»» المرادف للإعدام حرقاً على الخازوق. ومن باب تأكيد المحكمة 
على الشكليات» كانت الإجراءات -إذا مات المتهم قبل تنفيذ الحكم- 
تستكملء» فتحرق المذنب عبر صورة أو تمثال له. لكن الحرق على الخازوق 
كان حكاً معتاداً في مدن المسلمين وقراهم» فقد شكل على سبيل المثال 
0 من الأحكام. التي أصدرتها محكمة التفتيش البلنسية بعد عام 1530. 

وأياً كانت العقوبة» فقد قُدَّم المدانون في العرض التكفيري عل ماله 
© الرامز إلى عودة المذنب إلى الكنيسة في حالة عدم الإعدام» أو بث 
الرعب في نفوس الآخرين في حالة المدانين المحكوم عليهم بالإعدام. 
حضرت هذه العروض القيادات الدينية والعلانية بالمدينة أو المملكة أو 
حتى الإمبراطور نفسه إن كان موجوداًء قضلاً عن حشود كبيرة من عامة 
الناس» حيث كانت تقام في أوسع الميادين وفي أيام الإجازات. وكانت 
العروض التكفيرية تبدأ عادة من الليلة السابقة بمواكب «الصليب 
الأخضر» للإعلان عن الحدثء وتدوم طيلة اليوم» وتبدأ بقداس 


20 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


تقديم ا مرجم 

كاثوليكي» وصلاة» ثم استعراض عام للمدانين أمام الجمهورء ثم قراءة 
الأحكامء ثم اقتياد المدانين إلى مكان الحرق» وسط تهليل الغوغاء ورجمهم 
للمدانين» ومحاولة اختطافهم من أيدي الجنودء وأخيرا يشد المدان إلى 
خازوق فوق كومة من الحطب. ويحرق حياء وسط أصوات مبتهجة من 
الغوغاء» واستحسان من رجال الدين والدولة. 

كانت هذه محكمة التفتيش التي أخضع ها المسلمون بعد تنصيرهم 
القسري. ومع اشتداد نشاطات «الجهاد البحري».؛ الذي يسميه الغربيون 
«القرصنة»» على المدن الساحلية والسفن الإسبانية من جانب حكام 
شال إفريقيا ومسلميه» اشتدت محكمة التفتيش في مطاردة المورسكيين 
بتهم الخيانة والتعاون مع القراصنة والتخطيط للثورة بمساعدة السلطان 
العثماني وحكام شال إفريقياء إلى جانب التهم القديمة المتعلقة بممارسة 
الإسلام سرا. 

كشفت تحقيقات محكمة التفتيش عن وجود «حياتين متوازيتين» كان 
المورسكيون يحيونهم| في نشاطاتهم اليومية. فكانوا نصارى على السطح. 
ومسلمين من الداخلء وهي الازدواجية التي تمسكوا بها بعد وصول 
فتاوى إليهم؛ منها فتوى مفتى وهران أحمد بن جمعة, التي تحثهم على 
التمسك بدينهم كالقابض على الجمر) مع مصانعة النصارى بأداء 
الشعائر النصرانية المفروضة عليهم. فكانوا يصومون رمضانء ويحتفلون 
بالأعياد الإسلامية» ويصلون في بيوتهم ليلآء فرادى أو جماعات. وقد 
كشفت محكمة التفتيش حالات صلاة جماعية» وخطبا دينية» واجتماعات 
سرية لقراءة القرآن» والاستماع لخطب الفقهاء والوعاظ المتجولين. وكانوا 
بعد أن يعمّدوا أطفالهم في الكنائس» يرجعون إلى بيوتهم ليغسلوهم جيدا 
من زيت التعميد ثم يقومون بطقوس التسمية والعقيقة والختان في سرية 
تامة. وهو ما كان يحدث أيضاً في الزواج ودفن الموتى» عبر أمثلة بطولية 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 21 


الدين والدم 

وكانت النساء المورسكياتء كنا أكذ رجال الدين التضارى هراراً 
وتكراراًء أقوى حراس التقاليد الإسلامية» وربها كن لذلك هدفاً لمراسيم 
وإجراءات تقبيدية كثيرة. ويقدم الكتاب أمثلة رائعة لمورسكيات دافعن 
عن تقاليدهن دفاعاً أشد من الرجالء فمنهن إيزابيل دي مدريد التى 
اعتقلت لأنها ردت على سب النصارى لما ب«كلبة أندلسية» بالقول: «أنا 
وسأموت أندلسية»» وماريا لاا مونخاء التى قالت لمحكمة التفتيش بقونكة: 
«إن العالم كله لن يوقفها عن القول إنها أندلسية» فذلك كان مصدراً عظياً 
للفخر بالنسبة إليها»» ولويسا ايرنانديث من بلدة تيناخاس بقونكة؛ التي 
قدمت لمحكمة التفتيش لأنها فقدت أعصابها وصاحت قائلة: «الأندلسى 
الواحد يساوي عشرة من النصارى» وذلك حين سمعت طفلاً مورسكياً 
بان في الشارع”". ومنهن أيضا المورسكية ثركمودونيا التي قاتلت بسيف 
ودرع» وقيل إنها قتلت ثانية عشر جندياً نصرانياً بيديها في حرب البشرات» 
وسعى الجنود النصارى لاقتناصها بالرصاص للتغلب على تأثيرها الملهم 
في المدافعين الآخرين. ومنهن أيضا مورسكية أخرى قاتلت في الشوارع 
في هذه الحرب بسيف في يدء وتحت ذراعها الآخر أخواها الصغيران قبل 
أن يقتل ثلاثتهم. 

ومع تتويج فيليب الثاني» دخلت إسبانيا فترة عاصفة من تاريخها كانت 


(1) لاحظ أن الناس في ذلك الزمان كانوا يخلطون أو يماهون بين القومية» أو العرق إن شئت» 
والانتماء الديني» فكان الإسلام قومية ووطناً للأندلسيين وكذلك المسيحية بالنسبة إلى 
الإسبان» ولذلك فإن التعبير عن الانتساب «للقومية الأندلسية» هو شكل آخر للتعبير عن 
الانتماء للإسلام» ولايزال هذا الخلط قائماً إلى اليوم في الكتابات الغربية التي تستخدم كلمة 
«الإسلام» للإشارة إلى المسلمين أو العرب» وفي فكرة الأمة الإسلامية عند تيارات الإسلام 
السياسي [المترجم]. 


22 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


تقدم ا مرجم 

لما نتائج درامية على المورسكيين» فدخلت إسبانيا عدداً من الحروب 
مع إنجلترا البروتستانتية والثوار الكالفينيين ا مولنديين وال هوغونوت 
الفرنسيين. وبالتوازي مع ذلك شدّدت الدولة حربها على المهرطقين في 
الداخل. وفي ذلكء قال فيليب للبابا بيوس الرابع في عام 1564: (إنني 
أفضل أن أفقد كل تمالكى وأن أفقد حياتي مئة مرة لو استطعت, على 
أذ يلق أى اذى يدين الله ا حقيقي» فأنا لن أكون يوماً حاكاً لزنادقة». 
وجاءت المواجهة بين إسبانيا والإمبراطورية العثانية لتزيد موقف 
المورسكيين وداه لأنهم كانوا يتهمون دائاً بأنهم «طابور خامس» 
للأتراك ولحكام شمال إفريقيا داخل إسبانيا. وتناوبت على المورسكيين 
في هذه السنوات فصول من التبشير اليائس والإخضاع لمحكمة التفتيش» 
والأوامر والمراسيم التي تستهدف القضاء على ثقافتهم. 

كان من أشد هذه المراسيم تقييدا للحريات المورسكية» وافتئاتا على 
ثقافتهم» مرسوم غرناطة» الذي أصدره فيليب في نوفمبر 1566» والذي 
تضمن حظر استخدام اللغة العربية والحمامات العامة الأندلسية» واللباس 
الأندلسي» وبخاصة غطاء الوجه النسائي» ومنع الموسيقى والرقصات 
الأندلسية» وحرق الكتب والمخطوطات المكتوبة باللغة العربية» ومنعهم 
من غلق أبواب بيوتهم في أيام الجمع» لضمان عدم تأدية الصلاة. وجاء 
تعيين بيدرو دي ديئا عضو المجلس الأعلى لمحكمة التفتيش الطموح 
والمعادي للمورسكيين رئيساً المحكمة غرناطة» ليزيد الموقف تفجراء إذ 
صمم على تطبيق المرسوم بحذافيره» رغم محاولات العقلاء من أمثال 
الوجيه المورسكي فرانثيسكو نونيث مولاي تخفيف حدة اشتراطات 
المرسوم. ورفض المورسكيون المرسوم وحاولوا أن يشتروا بالمال عفواً أو 
إرجاء له من فيليب» كما كانوا يفعلون مع أبيه» لكن دون جدوى. وهنا بدأ 
الإعداد السري للثورة الكبرى المعروفة بحرب البشرات» بتجنيد الرجال 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 23 


الدين والدم 
والاتصال بحكام شمال إفريقيا والسلطان العثاني طلباً للمساعدة وتخزين 
الأسلحة انتظاراً للحظة انطلاق الثورة. وبدأ ابن جهور الصغير يحرض 
المورسكيين على الثورة ويجمع أسماء المستعدين للانضمام إليها. وفي نهاية 
عام 1568.» انتخب الثوار مورسيكيا يدعى فرناندو دي بالور؛ ارتد إلى 
اسم الأتدلدى تمد ين آميةه سلطاناً للاندالين: 
كانت خرب البشرات من أكثر الحروب «الأهلية» الإسبانية دموية» 
لدرجة جعلت مندوسه مركيز موندخار يطلق عليها اسم «الحرب 
القذرة». لجأ الثوار كالعادة إلى جبال البشرات لوعورتها وكثرة المورسكيين 
فيها. وكالعادة أيضاً صب الثوار جام غضبهم على رجال الدين المحليين. 
وعلى منوال الحروب والثورات السابقة» تميزت هذه الحرب بدرجة 
من الدموية من جانب الإسبان أدانها حتى بعض المحاربين والمؤرخين 
الإسبان. كانت هذه الحرب غير متكافئة بكل المقايبس؛ فالثوار كانوا في 
الغالب يقاتلون بحجارة وأسلحة قديمة في مقابل جيش كان من أقوى 
جيوش أوروبا؛ عركته حروب متواصلة على جبهات كثيرة. ولذلك فرغم 
بسالة الثوار واستاتتهم في القتال» هزموا وأحَذت مدنهم وقراهم تتساقط 
الواحدة تلو الأخرى. وتجلت وحشية الإسبان في الإعدام الفوري لقرى 
كاملة وبيع آلاف الأسرى لتجار العبيد» الذين كانوا يرافقون الجيوش 
النصرانية. وهنا أيضاً أثبتت المرأة المورسكية قوة وعزة فريدتين» إذ قاتلت 
جنباً إلى جنب مع الرجالء وبعد الهزيمة فضلت كثيرات منهن أن يلقين 
بأنفسهن وأطفالهن من فوق الجبال رفضاً لذل العبودية أو الاغتصاب من 
جانب الجنود النصارى. ودبٌ الخلاف في قيادة معسكر الثوار» وقتل ابن 
أمية في ظروف غامضة: وعين عبدالله بن عبو خلفاً له وحاول الأخير 
أن يواصل الجهاد. لكن تكالب الجيوش النصرانية التي استدعيت من 
الخارج أدى في النهاية إلى تشتيت الثوار من حوله. وظل ابن عبو يقاتل إلى 


24 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


تقدم ا مترجم 

أن قتل وأحرقت جثته. وبذلك انتهت آخر الحروب الكبرى للمسلمين 
في الأندلس. 
فرناظة: نايع الورسكيوق أولاً ق يريو 1569 عن بريضن البازينة 
ثم أبعد كل المورسكيين من غرناطة إلى قشتالة. وهكذا اجتمعت على 
المورسكيين الغرناطيين «حرب قذرة» تلاها مباشرة تشريد وإيعاد عن 
بيوتهم ومدنهم وقراهم. ففي وسط الأمطار الغزيرة وثلوج الشتاء 
الأولى» اقتيد المورسكيون إلى نقاط تجميعهم في غرناطة فيا وصفه دون 
خوان أنه الأبشع منظر في العالم» ذلك أنه في لحظة المغادرة هطلت أمطار 
وهم ينوحون)». وقد أبعد الرجال أولاء تلتهم النساء ف مرحلة تالية» 
وقد وصف خينيس بيريث دي هيتا النساء المورسكيات وهن «يبكين 
وينظرن إلى بيوتبن ويعانقن جدرانها ويقبلنها مرات ومراتء متذكرات 
ماضيهن المجيد وإبعادهن الحالي والمستقبل المشؤوم الذي ينتظرهن» في 
إبعاد جماعي شبّهه بسقوط طروادة. وكثير من العائلات لم يلتئم شملها 
ثانية» وتعرض الكثير من المورسكيين للاختطاف في أثناء الترحيل من 
جانب اللصوص ومرافقيهم أنفسهم. لبيعهم عبيداً في أسواق النخاسة 
الإسبانية» التي راجت تجارتها رواجاً كبيراً على حساب الثورة والثوار. 

ورغم هزيمة الثوار وقتل عشرات الآلاف من المورسكيين» ورغم إبعاد 
المسلمين الغرناطيين عن بيوتهم وتشتيتهم في قشتالة» ظل المورسكيون في 
أراغون. وتحديداً في بلنسية» يشكلون «الخوف الكبير» للحكام ورجال 
الدين الإسبان. كانت محكمة التفتيش هى المولّد لهذا الخوف با روّجته 
من تقارير حول وجود اتصالات بين المورسكيين والسلطان العثانٍ 
وحكام شال إفريقيا. وبالفعل كان المورسكيون يقدمون الدعم المعلوماتي 


_طماءع !© :انلا 1 25 


الدين والدم 

لقراصنة شمال إفريقيا في غاراتهم على السواحل الإسبانية. وإلى جانب 
إطلاق يد محكمة التفتيشء التي أفنت عائلات كاملة وأخضعت قرى 
وبلدات كاملة» لتحقيقات متواصلة كان الحرق على الخازوق معتاداً فيهاء 
كما تعرض المورسكيون لحملات متكررة لمصادرة الأسلحة» ومنعوا من 
العمل في الحرف المتعلقة بإنتاج السلاحء وأبعدوا عن المناطق الساحلية 
تماما. 

وهكذاء ذُفع الأندلسيون إلى أسفل السلم الاجتماعيء وركزوا في 
مهن وحرف «متواضعة» مثل البغالين والباعة المتجولين» حتى باتوا في 
نظر الإسبان «أراذل الناس»). وهنا يقدم ماثيو كار نظرية مفيدة لتفسير 
التمييز والاضطهاد. يرى كار أن التمييزء سواء بسبب الدين أو العرق 
أو البيولوجيا أو الثقافة أو غيرها من أوجه الاختلاف» يستخدم دائ] 
لتبرير الهيمنة والإقصاءء وحتى الإبادة» من جانب اللجاعة التي تفترض 
في نفسها التفوق. صحيح أن كراهية الإسلام وماضي السيطرة الإسلامية 
على إسبانيا كانت من أسباب التمييز ضد المسلمين واضطهادهم؛ لكن 
الأسباب الاجتتاعية والاقتصادية تتجلى أيضاً في شروط المقُطعية(© 
المجحفة» التي قبل بها المسلمون من مُقطعيهم©» ولم يكن يقبل بها 
الفلاحون النصارى. وكانت كذلك سبباً في سخط المقُطعين© النصارى 
على نظرائهم المسلمين في ثورة الطوائف الحرفية. ولكي يقبل الفرد أو 
الجماعة المعينة العمل بمهن «حقيرة» وتقاضى أجور أقل» وقبول ظروف 
مدل متيتق ومكانة العتراعة دونك لايد أولا عر سرفيات الوضاعة 
التي تحتقرهم وتحط من شأنهم. أي كانت أسباب هذه الدونية دينية أو 
(1) الُطعية 6ه ةلهودة؛ حالة القع أو شروط إقطاع الأرض له [المترجم]. 
2( المفطع سيد إقطاعي تستأجر منه الأرض [المترجم]. 
(3) المقطع [وووة؛ شخص يقطعه السيد الإقطاعي أرضا لقاء إيجار أو حصة من المحصول وتعهده 

بتقديم المساعدة العسكرية إليه [المترجم]. 


26 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


تقديم ا مرجم 
عرقية أو بيولوجية أو غيرهاء ولا بد أيضاً أن تستدمج الجاعة المضطهّدة 
هذه السرديات» ويتجلى ذلك في التخوف الذي أبداه رئيس أساقفة بلنسية 
خوان دي ريبيرا لمساعده خايمي بليدا من طرد المورسكيين من إسبانياء 
حين قال: «ربها نضطر في المستقبل لأن نأكل الخبز والأعشاب ونصلح 
أحذيتنا بأنفسنا». فرئيس الأساقفة» الذي أسهم أكثر من أي شخص 
آخر في طرد المسلمين لعدم صدقهم في النصرانية» لم يخش على «خلااص 
أراوحهم» كما كان يتشدق دائما» وإنما خشي من فقدان عبيد طائعين. 
ومن الغريب أن اشتداد اضطهاد النصارى الإسبان للمسلمين كان 
في جزء منه ناتجا عن ممارسة أوروبا شمال البرانس للتمييز ضد الإسبان 
أنفسهم. فمن غرائب علم اجتماع التمييز والاضطهاد البشريينء أي كان 
مبرره» أن الجماعات التي تمارس التمييز ضد غيرها وتحتقرهاء تكون هي 
نفسها موضوعاً للتمييز والاحتقار من جانب جماعات أخرىء ومثال 
ذلك أن الرأي العام الشعبي والرسمي في أوروبا على امتداد العصور كان 
يرى أن إفريقيا «البربرية وال همجية» تبدأ من جنوب البرانس» بمعنى أنها 
تضم إسبانيا نفسها التي كانت ترى نفسها على قمة هرم الحضارة. وبذلك 
نكون إزاء ممارسة التمييز والاضطهاد أمام هرم؛ يهارس فيه كل مستوى 
أعل التمييز ضد كل مستوى أو مستويات أدثى مثة. وعلى هرم التمييز 
والاضطهاد. تمارس الماعات الوسيطة أشد درجات العنف والقمع 
ضد الجماعات الأدنى منهاء كي تثبت وحسب للجماعات الأعلى أنها جزء 
منهاء وكي تطهر نفسها من الدونية التي تنظر إليها بها الجماعات الأعلى 
على ال رم بدماء وأشلاء الجماعات الأدنى. فهنا تندفع الجماعات الوسيطة 
بعقدة النقص لديها إلى إضطهاد الجماعات «الأدنى» أو محل اضطهادهاء 
كي تفصل وحسب نفسها عنها وتتبرأ منها. 
ودخلت «المسألة المورسكية» طورا جديدا مع تعيين خوان دي ريبيرا 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 27 


الدين والدم 

رئيساً لأساقفة بلنسية في عام 41568 ذلك الرجل المتعصب والمتعالي الذي 
لعب الدور الأكبرء يليه مساعده خايمي بليداء في طرد المورسكيين من 
إسسافاء بذأ وييرا يديم برائص اقيرب المسلعين لعي عل تقض 
إيوانهم النصراني وطلب لهم العفو من الملك. لكنه سرعان ما أعلن يأسه 
منهم, ما جعل ماثيو كار يشك في أن الرجل إنها بدأ هذه البداية كي يؤكد 
للملك استحالة تحويل المورسكيين إلى نصارى صادقين. من أدلة ذلك 
أنه حت الكهنة العاملين في المناطق المورسكية على مواصلة «العمل مع 
أولئك الناس الذين يمقتوننا»» وطمأهم إلى أن الإخفاق في بلوغ نتائج 
ملموسة سيكون إيجابياً لإسبانيا «لأن صاحب الجلالة ... سيطهرها من 
الكفارا. 

وجاءت النهاية حين اعتلى فيليب الثالث العرش ومعه مستشاره 
الفاسد الدوق ليرماء الذي اكتمل بوجوده أبطال مسرحية الطرد: ريبيرا 
وبليدا وليرما وفيليب الثالث. كان فيليب الثالث حاىا متردداء وكان إلى 
درجة كبيرة ألعوبة بأيدي معاونيه. ومع تحسن الوضع الدولي لإسبانيا بعد 
انشغال الإمبراطورية العثمانية عنها بمشكلاتها في الأناضول وبلاد فارس 
وتوصل إسبانيا إلى اتفاقيات سلام مع فرنسا ثم مع أعدائها في شمال 
أوروباء استطاع ثلاثي الطرد أن يدفعوا فيليب إلى اتخاذ القرار بطرد جميع 
المورسكيين من إسبانيا. فبعد سيل من التقارير من ريبيرا وأمثاله وبعد 
توصية مجلس الدولة أكثر من مرة بطرد المورسكيين» أمر فيليب الثالث في 
اثالث والعشرين من يونيو 1609 بالشروع فوراً في طرد المورسكيين إلى 
شهال إفريقيا. وبدأت عمليات وحشية لاجتثاث أكثر من ثلاثائة وخحمسين 
ألف مورسكي من بلادهم. وفي صبيحة الرابع والعشرين من سبتمبر 
9 أخذ المنادون في مدينة بلنسية يعلنون مرسوم الطرد بمصاحبة 
الطبول والقرون والأبواق. وبدأت قوافل الإبعاد تسوق المطرودين من 


28 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


تقديم ا مرجم 

مدنهم وقراهم إلى المدن الساحلية التي جرى شحنهم منها بالسفن إلى 

سواحل شال إفريقيا يا. وشملت المرحلة الثانية من الطرد مسلمي غرناطة 
ومرسية وأندلوسياء والمرحلة الثالئة مسلمي قشتالة» وبعدها أراغون 
وقطلونية. 

تعرض المورسكيون لأهوال كثيرة حتى قبل أن يغادروا بيوتهم. فكان 
النصارى هجمون عليهم في بيوتهم لسرقة ممتلكاتهم وقتلهم في حالات 
كثيرة. وفي أثناء الترحيل إلى الموانئ تعرضوا إلى السرقة والاختطاف. 
حتى من جانب الجنود المرافقين لهم. وكانت المآسي الأكبر في انتظارهم 
على السفن التي تآمر عليهم بحارتها في حالات كثيرة» فسرقوا تمتلكاتهم 
واغتصبوا نساءهم, وألقوا بهم في البحر أو باعوهم عبيداً أو ألقوا بهم 
عل شواطئ معزولة, وبع الورسكيون الذي فاجروا م 
فرنساء لم تل رحلتهم من السرقة والابتزاز والقتل في بعض الأحيان. 
ومن المورسكيين أيضاً من رفض الطرد ولجأ إلى الثورة» وهؤلاء قمعتهم 
الجيوش النصرانية وباعتهم لتجار العبيد واقتادت بعضهم إلى السواحل 
لوبعادهم. وحتى بعد الوصول إلى شمال إفريقياء تعرض بعضهم للقتل 
والسرقة والاغتصاب من القبائل البدوية الخارجة على القانون. 

وتواصلت عمليات الطرد إلى أن أعلن فيليب في شهر أغسطس 1614 
الإنماء الرسمي للطرد. وفي أقل من خمسة أعوام؛ طرد حكام إسبانيا 
زهاء ثلاثائة ألف رجل وامرأة وطفل إلى المنفى أو أرسلوهم إلى الموت» 
واستأصلو | آخر بقايا الحضارة الأندلسية؛ التي بدأت قبل ألف عام 
تقريباء حين وصلت جيوش طارق بن زياد أول مرة إلى الصخرة التي 
حملت اسمه. 1 

وفي الفصل الأخير وتحت عنوان «الحساب»». يعدّد المؤلف أشكال 
الخراب التي لحقت بإسبانيا جراء الطرد. فقد أخليت مئات القرى من 


11_طماع !© :1ع]1]أللا 1 29 


الدين والدم 

سكانهاء وتعطلت أراض شاسعة عن الإنتاج» ودخلت إسبانيا انحطاطها 
الاقتصادي والسياسي والاجتاعي الطويل. لقد قدم رجال الدين 
المتعصبون الطرد باعتباره مرضاة لله بإبعاد الكفار» على أمل أن رضا الله 
الناتج عنه سيفتح لإسبانيا آفاق التقدم والتوسع والانتصار على أعدائها. 
لكن على خلاف ذلكء كان القرن السادس عشر هو آخر عهد إسبانيا 
بالقوة والمهيمنة» وظلت في تراجع مستمر حتى آخر عهد الدكتاتور فرانكو 
في أواخر القرن العشرين. 

وكا بدأ كار كتابه بمدخل أبرز فيه أن مأساة المورسكيين كانت 
دوماً جزءاً من دينامية متواترة تكررث في سياقات أخرى كثيرة سعت 
فيها أغلبية مهيمنة إلى إعادة صياغة هويتها أو تعريفها عبر الاستئصال 
المادي لأقليات يفترض أنها غير متجانسة» وأن وجودها مدنّس أو مفسدء 
يختتم الكتاب بخاتهة تعد بياناً للتعايش وقبول الآخر والاختلاف. يبرز 
كار في خاقته التاثل والتطابق بين خطاب إسبانيا القرن السادس عشر 
«الكاثوليكية» المعادي للإسلام والرافض للتعددية» الذي اعتبر اختللاف 
الثقافة نقصافي الوطنية ومبررا للطرد من جانب». وخطاب معاداة الإسلام 
ورفض الثقافة الإسلامية في الغرب المعاصر «العلاني» من جانب آخر. 

فيرصد كار الحركة في الموقف الأوروبي من الأقليات والمهاجرين 
نحو الأحادية الثقافية» وتخوين تعبيرات الاختلاف الثقافي» وسرديات 
الخوف من الهلاك السكاني الوشيك بسبب ارتفاع الخصوبة الإسلامية» 
وشيخوخة المجتمع الأوروبي. 

# د 

لقد أراد ماثيو كار بكتابه أن يذكر القراء الغربيين في الأساس بمأساة 
شعب حوربت ثقافته بأبشع الأساليب. واجتث من أرضه أخيراً بسبب 
الاختلاف في الدين والثقافة» كي يبرز لهم أن التضييق على المسلمين 


30 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


تقديم ا مرجم 

وغيرهم من المهاجرين في أمور الدين والثقافة في الوقت الراهن لا يختلف 
كثيراً عما كانت تفعله الحكومات الدينية في إسبانيا وأوروبا فيها قبل العصر 
الحديث. 

وإذا كان المؤلف «الغربي» قد وجد أن الدرس الأول الذي يمكن 
استخلاصه من قصة المورسكيين يكمن في تحذير الغرب من الانسياق 
وراء الخطاب الشوفيني المعادي للإسلام ومفردات الثقافة الإسلامية 
حتى لا يجد الغرب نفسه في مربع إسبانيا «الكاثوليكية»؛ إذا كان هذا 
كذلك. فإن القارئ العربي يمكن أن يستخلص دروساً أخرى من الكتاب 
منطلقاً من واقع مجتمعه وظرفياته. 

وأول هذه الدروس- في واد هو التماثل الذي يكاد يصل حد 
التطابق بين حالة الحوس الديني في إسبانيا القرن السادس عشر والخطاب 
الدينى «الدعوي» الذي فرض نفسه على المجتمعات العربية بعد «ثورات 
الربيع العربي». وأنا أقصد بالخطاب الدين «الدعوي» أو نسخة الإسلام 
«الدعوي». ذلك الخنطاب وتلك النسخة التي يروّج ها من يسمون 
ب«دعاة» الفضائيات» الذين لا ينتسبون في الغالب إلى المؤسسات الدينية 
الرسمية» مثل الأزهر في مصر. وهؤلاء في معظمهم أناس لم يدرسوا 
الدين بروية» مقتبل حياتهم» في مدارسه وجامعاته» وإنما تخرجوا في 
غالبيتهم من تخصصات غير دينية» ثم درسوا الدين إما من الكتب أو 
على أيدي «دعاة» آخرين» ولذلك تجدهم- في مصر مثلا- ساخطين على 
الأزهر وعلمائه» ورافضين مرجعيته. ومنهم أيضاً خريجون من الأزهر لم 
يحصلوا فيه على المكانة «التي يستحقونبها». ولذلك أيضا تجدهم ناقمين 
على الأزهر كمؤسسة. ويزايدون على علمائه لسحب البساط من تحت 
أقدامهم. ويفترض من اسمهم أنهم مكرسون «للدعوة» إلى الإسلام 
بين المسلمينء بها يتضمنه ذلك من أن المسلمين يحتاجون للدعوة كغير 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 31 


الدين والدم 

المسلمين. ونظراً لأنهم تعلموا الدين في سنوات قليلة على طريقة احرق 
المراحل»» فقد وقعت غالبيتهم في الظن بأنهم كانوا في جاهلية قبل دراسة 
الدين» ورأوا المجتمع كله في حالة جاهلية ينبغي أن تقاوم وتصحح. أو 
بالأحرى تبدد ب«فتح» و(إسلام» جديدين. 

فثمة تشابهبات مذهلة بين الخطاب الديني التكفيري الحاقد في إسبانيا 
زمن الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش من جانبء والخطاب الديني 
«الدعوي» العربي في أيامنا من جانب آخر. فالاثنان قائان على «تديين» 
كل شيء في المجتمع؛ بمعنى النظر في كل أمر من منظور الدين أولاً 
وأخيراء مع تبني رؤية سطحية وقشرية للدين» وبث الحقد والكراهية 
تجاه المخالفين في الرأي داخل الدين الواحد والمذهب الديني الواحدء 
وليس خارجه فقط. 

يتجلى التشابه بين الخطاب الديني في إسبانيا القرن السادس عشر 
(الكاثوليكية» والخطاب الإسلامي «الدعوي» لدى عرب العقد الثانٍ 
من القرن الحادي والعشرين في اقتراف أبشع الأفعال أو تبريرها باسم 
الدين ومرضاة لله وطلباً للتأييد الإلحي. 

كان رجال الدين الإسبان يصفون المسلمين دوماً أنهم عرق ملعون» 
وكفار فاسقون. وبرابرة دون مرتبة البشر» ووحوش لهم رؤوس الكلاب» 
وذئاب مفترسة وكلاب ضارية» وما إليها. وهي الأوصاف نفسها التي 
نعتوا بها النصارى المخالفين لهم في الرأي أو المذهب من أطلقوا عليهم 
المهرطقين. ولعل من اللافت للنظر أن نجد الإسلام «الدعوي» عندنا قد 
تجاوز نعت غير المسلمين بالكفار إلى تكفير المسلمين أنفسهم المخالفين له 
في الرأي» داخل مذهبه «السني» نفسه وليس أتباع المذاهب الأخرىء. بل 
أخذ مروّجو هذا الخطاب يسبّون مخالفيهم بأنهم «صراصير» و«كلاب» 
و«لوطيون» و«أنجاس» و«دنس» إلى غيرها من الشتائم» التي ستجدها 


32 _طماءع !© :انلا 1 


تقديم ا مرجم 

تعواتر كثيراً على ألسنة رجال الدين الكاثوليكيين في القرن السادس عشرء 
والني لم تكن معتادة من علماء الدين المسلمين. حتى إن بعضهم برّر ما 
نسب إليهم من سب وشتائم بأن الرسول الكريم كان يسب ويلعن» بل 
زعم بعضهم أن الرسول كان يأمر بتعذيب الناس لإنطاقهم باعترافات. 
ثمة تشابه- إذن- بين نسخة من الإسلام تستبيح لعن المخالفين وتكفيرهم 
وتبرر ذلك باتباع الرسولء والمسيحية الأوروبية فيا قبل العصر الحديث. 

ومما يرتبط بذلك في كتابنا أنك ستجد أن رجال الدين كانوا المحرك 
لكل عمليات القتل والإبادة والتطهير والتهجير والاضطهاد والتعذيب 
وبث الحقد والكراهية في نفوس أتباعهم تجاه المسلمين والمخالفين في 
الدين من أصحاب الديانات الأخرىء أو حتى داخل المذهب المسيحي 
الواحد. وستجد أن رجال السياسة كانوا دوماً أقرب إلى الرفق والحلول 
غير العنيفة من رجال الدين» وستجد أن من رجال الدين من قدم 
اقتراحات بشعة للتخلص من الأندلسيين» من قبيل الحرق والإخصاء 
ووضعهم في سفن بلا أشرعة ثم خرقها في عرض البحر إلى غيرها من 
اقتراحات كان رجال الدولة غير الدينيين يرفضونها ويشمئزون منها. بل 
إن رجال الدين الإسبان» ى) يرد كثيراً في هذا الكتاب» كانت تؤرقهم 
مظاهر التعايش وقبول الآخر التي شهدوها بين المسلمين والنصارى. 
فقد كان عامة الناس من أتباع الدينين الكاثوليكي والإسلامي مستعدين 
دوما للتعايش والاندماج في هوية ثقافية واحدة مزيج من الثقافتين» وقد 
فعلوا ذلك في حالات كثيرة. لكن المؤسسة الدينية ورجاها كانوا يعتبرون 
ذلك خطراً على الدين الكاثوليكيء ولذلك أصدروا القوانين للفصل بين 
الجماعتين وتمييز المسلمين في الفضاءات العامة» وأخذوا في بث العنف 
والحقد والكراهية في أتباعهم تجاه المسلمين. 

ليس غريباً- إذن- أن الحروب الدينية قديياً كانت أشنع الحروب» 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 33 


الدين والدم 

وأن خطوط الفصل والاصطفاف الديني أو الحضاري حديثئاً من أصعبها 
تجاوراً. وليس غرياً أيضاً أن تمد غامة الناس؛ ف العروضن التجفيرية: 
يقطعون المحكوم عليهم بالإعدام حتى قبل أن يصلوا إلى محارقهم. كيف 
لاوهم قد بُشّروا بأن ذلك طريق إلى الجنة وتقرب إلى الله؟ وكيف لا وهم 
يتعرضون إلى شحن يومي يطفح بالكراهية والازدراء لهؤلاء المختلفين في 
الديه؟ 

لذلك أجد أن الحدث الأسعد في التاريخ الإنساني» ىا يوحي لي هذا 
الكتابء هو انتقال أوروبا إلى العصر الحديثء بقيمه ومبادئه وأفكاره 
الجديدة القائمة على الحرية عموماً وحرية العقيدة والضمير والتسامح 
وقبول التنوع» ليس فقط لأن أوروبا شقت بذلك طريقاً للبشرية 
سارت فيه كل أمم الأرض رشعوبها وحضاراتها وثقافاتها خلفهاء وإنا 
لأن الأروونين كائرا الأشت تعصا وتطرهاً في دينهم بين أمم الأرض 
وشعوبها. فلو ينتج هذا التحول غير إراحة البشرء والأوروبيين أنفسهم. 
من ويلات الحروب الدينية والتعصب الديني الأوروبي لكفى به نتيجة. 
وربما بسبب هذا التطرف في «تديين» المجتمع نفسه كانت أوروبا أول 
الناجين من صيغ الحكومات الدينية وسيطرة الدين الرسمي على حياة 
الناس» كبا سيرد بعد قليل. 

ففي مقابل المؤلف الذي رأى أن الدرس القادم من إسبانيا القرن 
السادس عشر النصرانية يتمثل في تحذير أوروبا المعاصرة من الانجرار 
إلى خطاب النقاء الديني وتخوين الأقليات الدينية» يرى المترجم أن 
تحذيراً ممائلا يجب أن يرفع في وجه أصحاب الإسلام «الدعوي». الذين 
اقتربوا في خطابهم كثيراً من خطاب رجال الدين الإسبان في مبالغتهم في 
«تديين» المجتمع» ورفضهم للمخالفين في الرأي وتفكيرهم وتخوينهم» 
وفي فحشهم وبذاءتهم في وصف الخصوم والمخالفين» وقبل كل شيء في 


34 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


تقديم ا مترجم 

استغلال الدين لبلوغ القوة» سواء أكانت سلطة أم مالاً. 

أما الدرس الثاني الذي يلح عليه الكتاب» وهو مرتبط بالدرس 
الأول» فهو أن إسبانيا النصرانية لم تكن يوماً دولة دينية أو «ثيوقراطية» 
كا يحب أنصار الإسلام «الدعوي» أن يقولوا. فالدولة الدينية هي التي 
يقع على رأس هرم السلطة فيها رجل دين أو رجال دين. وهذه الحالة لم 
تتوافر في إسبانياء أو في معظم الدول الغربية» إبان الفترة التي ننعتها بفترة 
«الدول الدينية». فباتباع التصنيف المسيحي «ديني» و«علاني»» يفترض 
أن تكون الدولة التي يحكمها شخص من غير رجال الدين دولة «علانية» 
أو على الأقل دولة غير دينية. وهو ما أرى أنه ينطبق على إسبانيا وغيرها 
من الدول الأوروبية فيا قبل العصر الحديث. فالناس في أوروبا وإسبانيا 
كانوا ولا يزالوت اايعطوت ما لقيصر لقيصر وما لله »وم يتنازل الملوك 
يوماً عن سلطتهم لأحد باسم الدين ولم يقبلوا بأن يصبح لهم أنداد حتى 
وإن كان البابا نفسه. الذي بدت سلطته روحية فقط. تماما ىا هي الآن. 

لكن إذا كانت الحال كذلك. فا وجه الاختلاف بين أوروبا العصور 
الوسطى وأوروبا الحديثة؟ ومن أين جاءت فكرة فصل الكنيسة عن 
الدولة إذن؟ أعتقد أن ما عاشته أوروبا في عصورها المظلمة لم يكن «دولا 
دينية» بالمعنى الدقيق للكلمة» وإنما دول غير دينية انطبعت بحالة من 
ا هوس الديني. فإسبانيا مثلاً كانت تحكمها أسر ملكية» قد يلقب بعض 
أفرافها بألقاب ذيقة» لكنها أولاً وأمرا حكومات غير ديئية. ومضدر 
الالتباس يكمن في حالة الحوس الديني, التي سيطرت على إسبانيا وأوروبا 
ووجدت طريقها إلى الحكام والحكومات» وسعى رجال الدين جاهدين 
خلاها إلى تلبيس الحكام بها. ونجا منها حكام من أمثال ألفونسو العاشر 
القشتالي حتى فيردناند الأراغوني نفسه. في حين وقع خلفاؤهما في حبائلها. 

بل يمكن القول. على خلاف فكرة الحكومة الدينية أو «حكم الدين»» 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 35 


الدين والدم 

أن الدين في الحالة الأوروبية استخدم من جانب الحكام ورجال الدين 
لأغراض سياسية واقتصادية واجتاعية نفعية» بمعنى أنه كم ول يحكم. 
وتلك هي طبيعة الأمورء لأن الدين لا ينطق وإنما ينطق به الرجال. 
صحيح أن البابا حاول في بعض الحالات أن يخلع بعض الحكامء كا في 
حالة جون ملك إنجلترا في نهاية العقد الأول من القرن الثالث عشرء 
لكن على طول الطريق كان الدين يستخدم من جانب الحكام «غير 
الدينيين» لتطويع رعاياهم» وني أحيان كثيرة رغم أنف البابوية» وحتى في 
هذه الحالة الاستثنائية» نجح جون في البقاء على عرشه بدفع جزية للبابا 
إنوسنت الثالث. 

يكمن الفارق- إذن- بين أوروبا الحديثة وما سبقها في حالة الموس 
الديني التي روّج ها رجال الدين» وجعلت المجتمع كله مكرساً لأهداف 
الدين وغاياته ى] رآها رجال الدين» ويسببها عاشت أوروبا في الظلام 
ودخلت حروباً دينية حصدت أرواح مئات الآلاف. وقمع ملايين الناس 
وعذبوا واضطهدواء وبسببها أيضاً صممت أوروبا على فصل الكنيسة 
عن الدولة» بمعنى عدم الخلط بين الدين والسياسة. وللأسف يروج 
أنصار الإسلام «الدعوي» عندنا لحالة الهموس الديني نفسها. فالخصوم 
السياسيون يتحولون فجأة إلى عصاة أو كفار يحاربون شرع الله والسياسة 
والدولة تتحولان من أداتين لقضاء حاجات الناس وتقدم المجتمع إلى 
أداتين لفرض شرع الله وضبط الحياة بضوابط الشرع كا فهموه هم فقط. 

ومع أن الآديان جميعها تحوي في صفحاتها وتاريخها كل ما يرومه 
الطالب. تجد المهووسين دينياً في أوروبا عصور الظلام وأصحاب 
الخطاب «الدعوي» الظلامي عندنا يركزون على الجوانب التي تحض على 
العنف والحقد ونبذ الآخر. فعلى خلاف الأمر النصراني بالتسامح والحب 
والسلام ونبذ العنف والكراهية والصراعء ركز رجال الدين النصارى في 


36 _طماءع !© :انلا 1 


تقديم ا مرجم 

هذه العصور على جانب من النصرانية يأمر بقتل الناس وحرقهم أحياء 
وتمزيق أجسادهم بالكلاليب» ويجيز إدخال الناس في الدين عنوة وقسراء 
ناهيك عن صكوك الغفران وغيرها من ال مارسات المعروفة. وني الإسلام 
أيضاً جوانب مشرقة في قرآنه وسيرة نبيه» في حين تجد دعاة الخطاب 
الظلامي يركزون على أمور من قبيل الولاء والبزاء» وتكفير المجتمع؛ 
واختزال الإسلام في قشور المظهرء وتهميش الأخلاقيات والقيم 
والغايات التي جاء الإسلام ليرسيها. وكأننا في الحالتين أمام رجال دين 
يفرضون نسختهم الخاصة من الدين» على أنها الدين المنزّل والوحيد. 

يجد بعضهم أملاً في حالة ال موس الديني عندناء على أساس أنها تبشر 
بتغيير جذري في ثقافة المجتمع ورؤيته للعالم من النوع الذي حدث في 
أوروبا وصنع المجتمع الحديث. فقد ذهب بيرنارد لويس إلى أن الحكم 
الديني في إيران والتراتبية الدينية الشيعية التي اقتربت كثيرا من التراتبية 
الكنسية سيؤديان حتماً إلى قطيعة من النوع الذي حدث في أوروباء وهي 
ليست قطيعة مع الدين» وإنما مع استخدام الدين في السياسة: أو ما سمي 
في الحالة الغربية فصل الكنيسة عن الدولة». وفي الإسلام السني أيضاء 
قد تقود حالة ال هوس الديني من أصحاب الإسلام «الدعوي» إلى قطيعة 
عمائلة» وكأن «تديين» المجتمع يجب أن يصل إلى حده الأقصى. حتى 
ينتفض المجتمع ويصحح هذا الوضعء جاعلاً الأمور ني نصابها. 

والدرس الثالث الذي يبرزه الكتاب هو أن القارئ لتاريخنا العربي 
الإسلامي وتاريخ أورويا يجد أن تبادلاً للأدوار والمواقع قد حدث بين 
الثقافتين. فالعرب المسلمون الذين مارسوا التعددية الثقافية والتسامح 
الديني في زمن «الوحدة الدينية» و«النقاء الدينى» في أوروبا النصرانية» 
فأعطوا للنصارى واليهود حرية العبادة والاحتكام إلى شراتعهم في ظل 
الحكم الإسلامي. يتجهون اليوم باندفاع إلى شكل من التعصب الديني 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 37 


الدين والدم 

والشوفينية الدينية يجعلهم لا يكفرون غير المسلمين فحسبء وإنا 
يكفرون إخوانهم في الدين» الذين يختلفون معهم في درجة التدين أو 
مدى «إظهاره» أو حتى الموقف السياسي» على نحو ما حدث في أورويا 
«عصور الظلام». وستجد في هذا الكتاب أيضاً أن من الأمور التي كرهها 
رجال الدين الإسبان في المسلمين افتتا:هم بالرقص والموسيقى والتنزه 
والحب والعشق وغيرها من مفردات الثقافة المعتدلة «المحبة للحياة». 
وهي الثقافة التي تبناها الغرب الحديث» وينبذها «دعاتنا» طلباً مجتمع 
«طاهر) يخلو من كل أشكال المتع والمباهج. 

لكل ما سبق أرى أن الرسالة الضمنية الأوسع للكتاب. تأت في 
وقت نحن في أمس الحاجة إليها في مجتمعاتنا العربية» التي تعيش حالة 
من السيولة وإعادة التشكلء بعد أن اجتاز بعضها ثورات هدمت نظما 
استبدادية قديمة» وتسعى إلى بناء نظم جديدة. ففي هذه العملية» هيمنت 
على المشهد جماعات وأحزاب تستخدم الدين وسيلة للصعود السياسي 
والوصول إلى الحكمء وتلعب على الحس الديني الساذج لدى الشعوب». 
فتروّج بينها أفكاراً تبث الكراهية ونبذ الآخر الداخلي والخارجي» وترفض 
التعايش والقبول» وتحط من قيمة الإنسان» سواء المرأة أو المخالف في 
الفكر والرأي. وينبغي أن نتذكر جميعاً أن أبشع الأعمال الوحشية تكون 
ممكنة فقط- كما يعلمنا التاريخ الذي يقدمه الكتاب- حين تُنزع الصفة 
الإنسانية عن الخصوم, ويحط من شأنهم. فا المشكلة في قتل «الكفار 
الأنجاس» أو تعذيب «الكلاب اللوطيين»؟ لا مشكلة بالطبع. 

0# # 

وأخيراًء فإنك ستجد في هذا الكتاب مآمي ومظالم وأهوالاً لم تكن 
تتخيلهاء تعرض طا المسلمون على أيدي النصارى الإسبانء باسم الدين 
للأسف. وكل ما أتمناه أن تصلك الرسالة العكسية: انظر: كيف أدى 


36 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


تقدم امرجم 

التعصب الديني والدوغماطية الفكرية والشوفينية العرقية والقومية إلى 
دفع البشر إلى اقتراف أفعال «شيطانية». فالمترجم لم يقصد قط بترجمته هذا 
الكتاب- والمؤلف بالتأكيد- إثارة الكراهية والأحقاد بين أتباع الأديان 
المختلفة» وتحديداً إثارة كراهية المسلمين للمسيحيين على إطلاقهم أو 
المسيحيين الإسبانء الذين فعلوا في المسلمين الأندلسيين ما فعلواء وإن| 
قصدا أن يستنير المرء وينأى بنفسه عن مثل هذه الأحقاد. وإذا كنا لا 
نستطيع أن نحاكم التاريخ» أو بالأحرى المذنبين فيه» من وجهة نظرنا 
طبعاً فبإمكاننا أن نستخدم هذا التاريخ كي نحاكم أنفسنا ثم نصحح 
وؤاناء 

وأعلم أنك تق رأ كتاباً عن فترة ومجتمع كانا من الأشد عداوة للإسلام» 
ولذلك تكثر فيه الأوصاف التي قد يعتبرها بعضهم «مسيئة» للإسلام. 
على أن الأمانة في الترحمة اقتضت ال حفاظ على هذه الأوصاف والتعبيرات 
في مجملهاء مع تخفيف بعضهاء وتوضيح ما بقي في الحواشي. وتذكر أننا لا 
نجد غضاضة في نقل الأوصاف المسيئة التي ألصقها كفار قريش بالرسول 
الكريم والإسلام. 

2# #6 

على أن المهمة الأصعب التي تواجه المترجم في ترجمة الكتابات التاريخية» 
ولاسيي)ا حول أمم ودول انقطع وجودها منذ قرون. ك) هي الحال مع 
الأندلس والأندلسيين» تتمثل في التعامل مع أسماء الأشخاص والأماكن 
والأحداث. فعمر الأندلس البالغ ثانية قرون أو يزيدء أنتج بالتأكيد 
أسماء عربية لكل المدن والقرى والجبال والأنبار «الإسبانية»» وأنتج حتى 
«نطقه» الخاص لأسماء الأعلام الإسبانية» لكن انقطاع الوجود الإسباني 
أضاع كثيراً من هذه الأساءء أو جعلها غير متداولة وغير معروفة. لذلك 
سيستخدم المترجم الأسماء الأندلسية للأماكن والأشخاص والأحداث 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 39 


الدين والدم 

متى توافرت وكانت مؤكدة. وني هذه الحالة سيشير في حاشية إلى الاسم 
نفسه في اللغات الأوروبية» وفي حال عدم توافر الأسماء الأندلسية» أو 
عدم تمكن المترجم من معرفتهاء سيقوم بنقل الاسم الأوروبي الوارد في 
الكتاب إلى الحروف العربية بالطريقة المعتادة» مع كتابة الاسم الأجنبي 
بجانبه» مع التقيد طبعا بقواعد نطق اللغة الإسبانية التي تختلف كثيرا عن 
اللغة الإنجليزية. 

وقبل أن أنهي تقديمي للكتابء لا يفوتني أن أتقدم بوافر الشكر 
لمشروع «كلمة» بهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة» على دوره البارز في إثراء 
الثقافة العربية» ورفد المكتبة العربية بكتب عظيمة طال انتظارها قبل 
تدشين المشروع. وأشكر «كلمة» أيضاً على أن خصتني بهذا الكتاب الذي 
أتشرف بأن يضاف إلى رصيدي من أعمال الترجمة. 

وحتى لا تنسيكم الفقرات الأخيرة مأساة الأندلس التي ستقرؤون 
فصوها فيا يلي أنبي تقديمي ببذه الأبيات من قصيدة «رثاء إشبيلية» 
للشاعر الأندلسى أبو البقاء الرندي: 


تلك المصيبة أنستُ ما تقدمها 
يا راكبين عتاق الخيل ضامرةً 
وحاملين سيوف الهند مرهفة 


وما لها مع طول الدهر نسيانُ 
كأنها في حال السبق عقبالٌ 
كأنها في ظلام النقع نيران 


40 


وراتعين وراء البحر في دعة 
أعندكم نبأ من أهل أندلسس 
كم وسيم ها هود وهم 
ماذا التقاطع في الإسلام بينكمُ 
ألا نفوس أبَاتٌ لهاهممٌ 
يامنلذلةقومبعدعرَّهمُ 


لهم بأوطانهم عر وسلطالٌ 
فقد سرى بحديث القوم رُكبانُ؟ 
قتلى وأميرى فما يهتز إنسان؟ 
واتسع ياعياة الل إخسوان؟ 
أما على الخير أنصارٌ وأعوانٌُ 
أحال حالهمْ جور وطغيانٌ 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 


تقدم ا مرجم 


بالأمس كانوا ملوكا في منازلهم 
فلو تراهم حيارى لا دليل لهم 
ولو رأيت بكاهُم عند بيعهمُ 
يارب أمّ وطفل حيل بينهما 
وطفلة مئل حسن الشمس إذ طلعت 
يقودُها العلج للمكروه مكرهة 


واليومَ هم في بلاد الكفر مُبدانٌ 
عليهم من ثياب الذلٍ ألوان 
لهالك الأمرٌ واستهوتك أحزانٌ 
كما تفرق أرواحٌ وأبدانٌ 
كافاينافوت وفرجان 
والعينُ باكيةٌ والقلبُ حيرالٌ 
إن كان في القلب إسلامٌ وإيمانُ 


المترجم 
3 مصطفى قاسم 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 


41 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 


مقدمة 

بين عامي 9 و1614 أمر فيليب الثالث ملك إسبانيا بطرد السكان 
المسلمين جميعاً من الأراضي الإسبانية. فطرد زهاء ثلائمائة وخمسين ألف 
يجل بواقرأة وظفل قب من يريم و أخلوا عن يلاد هي :فى :وابحنة فين 
أكبر عمليات إبعاد السكان المدنيين في التاريخ الأوروبي» وهي تفوق - 
كذلك- طرد اليهود من إسبانياء الذي نُفِذْ في وقت سابق» عقب غزو 
النصارى لغرناطة عام 1492. وعلى خلاف اليهود, عمّد كل المسلمين 
قسراً في المذهب الكاثوليكيء بداية القرن السادس عشر. وعلى مدى أكثر 
من مئة عام» عاش المورسكيون”"» وهو الاسم الذي أطلق على رافضي 
التنصير» حياة خطرة وسط مجتمع نصراني» سعى إلى استئصال تقاليدهم 
الدينية والثقافية» واضطهدهم حين ثبت أنهم غير راغبين أو غير مؤهلين 
للانصياع لتلك المطالب. 

يقن حكام إسنبانباء مع بداية القرل السابع عشزه من أن المورسكيين 


جميعاً لن يجتازوا هذا التحول. وتبلور إجماع مؤثر» صوّرهم على أنهم جما 
أجنبية لها انتهاءات سياسية ودينية خارج حدود إسبانياء وأن أعضاءها 


(1) المورسكيون 7401505 كلمة إسبانية معناها «الأندلسيين الصغار» أو «(أنصاف الأندلسيين»» 
استخدمها الأوروبيون. خاصة في شبه جزيرة أيبيرياء للإشارة إلى المسلمين الذين نُضَروا قسرا 
في إسبانيا والبرتغال بعد سقوط ممالك المسلمين في الأندلس» ومع الوقت أصبحت الكلمة 
تستخدم بشكل ازدرائي للإشارة إلى الكاثوليك بالاسم فقطء الذين يُشتبه في أنهم يطبقون 
تعاليم الإسلام وطقوسه سراً [المترجم]. 


43 
1_طماع !© :1]61]أللا 1 


الدين والدم 

رفضوا الاندماج في المجتمع النصراني» وأن وجودهم يشكل تهديداً 
للسلامة الدينية لإسبانياء وخطراً على الأمن الداخلي للدولة. وفي عام 
9ه وبعد أعوام من التردد والنقاشات الرسمية الملتوية» أصدر فيليب 
ووزراؤه القرار المتطرف بإبعاد المورسكيين جميعا عن التراب الإسباني. 
ولقد لقي قرار الطرد حينذاك ترحيب غالبية المؤرخين المرتبطين بالدولة» 
عقر قراراً جذرياً يحقق التطهير الديني لإسبانياء وأن من شأنه أن 
يجلب لها الرخاء والمكانة والنجاح العسكري. لكن كثيراً من الإسبان بدأ 
بعد بضعة أعوام من الإنباء الرسمي للمرسوم. يرى أن ذلك خطأء إن لم 
يكن كاركة: 

وأخذت الأجيال المتعاقبة تولّد تفسيراتها المختلفة لهذا الحدث. 
ففي القرن التاسع عشرء رحب المؤرخون الإسبان المحافظون بإبعاد 
المورسكيين» واعتبروه مَعْلّاً أساسياً في التطور القومي لإسبانيا. فبالنسبة 
إلى مانويل دانبيلا كولادو (1830-1906) 0011800 هاأناهةط [عنتمدالل 
بدا الطرد عملاً ضرورياء وإن كان قاسياء صحيح أنه «لم ينطو على أي 
شفقة أو رحمة بالمورسكيين» لكن الوحدة الدينية كانت تلوح في سماء 
إسبانيا متألقة مشرقة» ويا سعد ذلك البلد الذي يكون متحدا في مشاعره 
الكبرى»!'!. ىا أثنى أمين المحفوظات والحاكم المدني فلورنسيو جانيه 
(1831-1877) معصول هنعمعءواظ على الفوائد التي جلبها الطرد لإسبانيا 
في شكل «وحدة الدين وأمن الدولة»» وإبعاد احضارة شرقية تفتقر إلى 
الآأفكار والمقومات الأساسية للحضارة الحديثة»!2. 

ونظر كتاب آخرون إلى الطرد من منظور عرقيء وليس دينياً. فكتب 
الناقد الأدبي الإسباني من القرن التاسع عشر مارسلينو منينديث بيلايو 
ملزةاء5 2علدعمع81 ممزتاعمعة31 «إن من الحهاقة أَنْ نعتقد أن المعارك 
الوجودية والصراعات الضارية غير الدينية بين الأعراق يمكن أن تنتهي 


44 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


مقدمة 


بغير الطرد والإبادة. وعادة ما يستسلم الجنس الأدنى وتكون الغلبة في 
النهاية لمبدأ القومية الأقوى والأكثر عنفوانً»!3]. ونظر المؤرخ العسكري 
البريطاني فوللر :»1اد5 .© .5 .1 إلى الطرد على أنه (صرخة بالدم من أجل 
عرق الشعب الإسباني وروحه» وهو دافع في غاية القوة»ك!. وفي كتابهما 
«تاريخ إسبانيا» (1934)), دفع المؤرخان الفاشيان لويس برتراند 5ذناه.آ 
0م ء8 والسير تشارلز بتري عنناءط 0165 بأنه لولا إيعاد المورسكيين» 
لأصبحت إسبانيا «واحدة من تلك البلدان اللقيطة» التي تترك الأجانب 
يتقاسمونها ويستغلونهاء ولا تمتلك فنا أو فكراً أو حضارة تميزها»!5ا. 

في حين تبنى المؤرخون الليبراليون بوجه عام موقفاً أقل تأييداً من 
الطرد. ففي كتابه الملحمي «تاريخ إسبانيا العام» (1858-1850) المكون 
من ثلاثين مجلدا» وصف المؤرخ الإسباني موندستو لافوينتي 110065160 
عامعءناقة1 الطرد أنه الأبشع إجراء يمكن تخيله»» وأنه أسهم يقينا في 
التراجع الاقتصادي والسياسي لإسبانيا لاحقاً. ونظر المتأسبن”؟ ومؤرخ 
محكمة التفتيش الأمريكي هنري لي 162 .© 816059 إلى إبعاد المورسكيين 
بوصفه انتصاراً للتعصب الديني على المصالح العقلانية للدولة» إذ ضحى 
بالرخاء المادي والتطور الفكري لإسبانيا من أجل وحدة الدين. 

ويتفق غالبية المؤرخين على وحشية عملية الطرد.» بغض النظر عن 
مدى قبولهم أهدافها. وكثيراً ما يوصف إبعاد المورسكيين أنه مأساة 
تاريخية» حكمت بالضياع على عشرات الآلاف من الرجال والنساءء 
الذين فقدوا بيوتهم وموارد أرزاقهم» فضلاً عن حياتهم في حالات كثيرة. 
على أن الطرد -أيضا- جريمة تاريخية لا تنسى. فحتى بعد أربعمائة عام؛ 
لاتزال هذه الجريمة تبدو وكأنها من وقائع العصر الحديث. وتاريخ 


(1) المتأسبن- على وزن المستعرب أو المستشرق- هو العالم المتخص في كل ما يتصل بالإسبان 
وبلادهم وتاريخهم ولغتهم وأدبهم [المترجم]. 


_طماءع !© :انلا 1 45 


الدين والدم 


الدولة القومية يحفل بحوادث إبعاد لجماعات زائدة أو غير مرغوب فيها 
عن أراضيها وبيوتهاء أو إبادتها جسدياً لتحقيق تجانس الدولة دينياً أو 
عرقياً أو ثقافياً. وينطوي إبعاد المورسكيين في أهدافه ودوافعه وفي توليفة 
التنظيم البيروقراطي واستخدام الموارد الإدارية والعسكرية والاقتصادية 
لإبعاد أولئك السكان المدنيين غير المرغوب فيهم؛ على مكونات كثيرة من 
تلك التي أصبحنا نربطها بظاهرة «التطهير العرقي». 

وتعد عمليات الترحيل والمذابح التي اقترفت بحق الأمريكيين 
الأصليين في أثناء توسيع الحدود الأمريكية غربء وحملة «التتريك» 
الشرسة التي قتلت زهاء مليون أرمني في عامي 1916-1915., والنقل 
الجماعي للنصارى الأتراك إلى اليونان والمسلمين اليونانيين إلى تركيا بعد 
الحرب اليونانية-التركية في عام 1923» والمحرقة النازية» والعمليات 
الوحشية لتبادل السكان المسلمين والهندوس التي تلت إعلان دولتي 
الحند وباكستان الحديثتين» وإبعاد”" الفلسطينيين عن أرضهم عام 1948 
والحروب الأهلية في يوغسلافيا السابقة- تعد كلها أحداثا وقعت على 
منوال حملة التطهير الكبرى التي حدثت في إسبانيا بين عامي 1609 و1614. 

وإذا كان ثمة من يدفع بأن التوقعات والفرضيات التي أدت إلى الطرد 
كانت من بنات زمنها وتقتصر عليه» فإن الرد على ذلك هو أن مأساة 
المورسكيين كانت جزءاً من دينامية متواترة تكررت في سياقات أخرى 
كثيرة» سعت فيها أغلبية قوية إلى إغادة صياغة هويتها أو تعريفها عبر 
الاستئصال المادي لأقليات يفترض أنها غير متجانسة» وأن وجودها 
مدنس أو مفسدء أو إبعاد هذه الأقليات. 

عد عند عند 


المعاني تشير إلى فعل طوعي إرادي لم يتوافر في حالة الفلسطينيين» الذين طردوا بالقوة من 
بلادهم عبر عمليات حرق القرى والمدن والإبادة الجماعية للسكان [المترجم]. 


46 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


مقدمة 


لقد أظهرت الحضارة الأيبيرية «الأندلسية)”"2» أكثر من أي فترة أخرى 
5 التاريخ الإسلامي. قدرة استثنائية على استدعاء نفسها ف 
تاريخية مختلفة» والتسلل إلى أجندات سياسية مختلفة» ذلك أن المنظورات 
التاريخية المتضاربة حول الطرد تتماس دائاً مع الجدل الأوسع حول 
الوجود الإسلامي في إسبانياء ومعنى الهوية القومية الإسبانية» والقيمة 
النسبية للحضارة «الشرقية» في مقابل الحضارة «الغربية»» والعلاقة 
بين الإسلام والمسيحية. ففي العالم الإسلامي ترتبط الذاكرة التاريخية 
للأندلس غالباً بالحنين إلى فترة ماضية من العظمة والإنجاز الثقافيين 
الإسلاميين» كثيرا ما يُبكَس إسهامها مقارنة بإسهام أوروبا. وعلى امتداد 
معظم تاريخ إسبانيا الحديثء كان الإسبان ينظرون إلى الماضى الإسلامى 
بخزي؛ باعتباره انحرافاً غير ذي صلة أو مدمراً الجوهر إسبانيا الأوروبي 
والنصراني. 
لقد امتعض كثير من الإسبان من فكرة أن «إفريقيا تبدأ من جبال 
البراتين:2 التي قال مها لأول مرة ألكسندر دوما تقصدط عملسصدءءاف 
ررددها من يعده عراقيوت أجانب آخرون. وق القرن الباسع علي كان 
عدد من الكتاب الأجانبء البروتستانتيين بالدرجة الأولى» يقارنون كثيراً 
(1) الكلمة المستخدمة في مثل هذه المواضع هي ممم أو رمم أو طاوذ:ههم التي تعني «مغار بي ») 
إذ يدو أن الإسبان ربطوا مسلمي بلادهم بالمغاربة» نظرا لأنهم كانوا العنصر الغالب في إسبانيا 
في القرون الأخيرة للحكم الإسلامي. وقد وسّع الأوروبيون دلالة الكلمة في مراحل تاريخية 
مختلفة للإشارة إلى المسلمين جميعاًء ومن هنا أطلق الغزاة الإسبان اسم «المورو» على مسلمي 
الفلبين» وهو التوسيع نفسه الذي حدث مع كلمة «عربي» وكلمة «تركي» في أزمان سيادة 
هذين العنصرين وقيادتهما العالم الإسلامي. لكن شعب الأندلس لم يكن يتكون من المغاربة 
فقط» وإنها من كثير من مناطق وأعراق العالم الإسلامي آنذاك» وعلى رأسهم العرب» وأيضاً 
من سكان أيبيريا الأصليين الذين اعتنقوا الإسلام» كما تنطوي كلمة «مورو» على شكل 
من الازدراء» ولذلك آثر المترجم أن يترجم هذا المصطلح إلى «أندلسي» ومشتقاته اللغوية 
[الترجم]. 
(2) يُعرّب اسم هذه الجبال أيضاً إلى «البرينييه» [المترجم]. 


١_طماع‏ !© :121 ]آنل 1 47 


الدين والدم 

بين رؤية عاطفية إيجابية للأندلس من ناحية» وإسبانيا المعاصرة التي 
اعتيروها قاعدة متخلفة للتعصب الكاثوليكي من ناحية أخرى. وتواصل 
الجدل حول الماضي الإسلامي حتى القرن العشرين. فنجد- من جانب- 
كتاباً من أمثال برتراند وبتريء كان الإسلام في إسبانيا بالنسبة إليها 
«خالياً من أي مكون حضاري»»؛ وكلوديو سانشيث ألبورنوث هذكودة1© 
2---_5300062 الذي صوّر كيف «حرّفت إفريقيا البربرية”" ناقصة 
العقل... المصير المستقبلى لأيبيريا وشوهته»67!. وعلى الجانب الآخر» نجد 
مفكرين سانا من أمثال أمريكو كاسترو 0تأقة© 410611600 وفرانثيسكو 
ماركيث بيانوبا 8لاعنامة111/ 2عناوكة81 مءواعمةء2 والر وائي والكاتب 
خوان غويتيسولو وامدنالاه© هقنال» احتفوا بالأندلس لكوتها إسياماً 
إيجابياً في التاريخ الإسباني» وحزنوا على دمارها. 

واليوم؛ في مطلع القرن الحادي والعشرين, لاتزال إسبانيا الأندلسية 
تتسلل إلى الأجندات السياسية المعاصرة؛ في الوقت الذي يتورط فيه 
العالمان الإسلامي والغربي في مواجهة معقدة ومتعددة الأوجه ذات أبعاد 
سياسية وثقافية ودف من ذلك تحذير أسامة بن لادن ومساعده أيمن 
الظواهري في رسالة مصورة في أكتوبر 2001 من أن «العالم أجمع يجب 
أن يعرف أننا لن نقبل بأن تتكرر مأساة الأندلس مرة أخرى». كما ذكر 
منفذو تفجيرات مدريد المفزعة في الحادي عشر من مارس 2004 «فقدان» 
الأندلس. كأحد المررات «لعمليات محطة القطارات المميتة». وطالب 


(1) «البربرية» هنا ليست صفة من الاسم الآخر لشعب الأمازيغ (البربر ,ءطمء8) الذي يقطن 
شمال إفريقيا منذ القدم» والذي لعب دوراً بارزأ ورئيساً في الحضارة الأندلسية؛ وإنما هي 
الصفة 0,328 [من البرابرة]» .معنى الهمج أو المتوحشين» وهو الوصف الذي أطلقته 
الحضارة الأوروبية في مختلف مراحلها منذ الإغريق القدماء» على أعدائهاء سواء الفايكنغ 
أوالجرمان القادمون من الشمال أو الفرس والعرب والأمازيغ والأتراك القادمون من الجنوب 
والشرق» وفيما بعد على الشعوب التي اصطدموا بها في العالم الجديد [المترجم]. 


46 ١1_طماع‏ !© :161 ]آنل 1 


مقدذامة 


زكريا موسوي الذي يسمى بالمختطف العشرين في محاكمته عن دوره في 
هجات الحادي عشر من سبتمير على الولايات المتحدة» «بعودة إسبانيا 
إلى المغاربة»”". وكما سعت القاعدة وفروعها إلى حشد ذكرى الأندلس 
لأغراضها الدعائية» استّدعى الماضى الإسلامى في إسبانيا كتفسير 
للحاضرء إذ زعم رئيس الوزراء الإسباني السابق خوسيه ماريا أثنار في 
محاضرة له في جامعة جورج تاون في سبتمبر 2004 أن «مشكلة إسبانيا مع 
القاعدة والإرهاب الإسلامي ل تبدأ بأزمة العراق» ولا علاقة لها بقرارات 
الحكومة» بل عليك أن توغل في الماضي لألف وثلاثمائة عام على الأقل» أو 
لأوائل القرن الثامن» حين رفضت إسبانيا التى غزاها المغاربة حينذاك أن 
تصبح جزءاً آخر من العالم الإسلامي. وخاضت معركة طويلة لاستعادة 
هويتها»!”!. 

تنحو هذه السجالات حول معنى الأندلس» ودخوطا في السجالات 
المعاصرة. إلى تجاهل حملة التطهير المؤلمة التى كتبت كلمة النهاية للأندلس. 
ويسود بين عامة الناس ميل إلى ربط خهاية إسبانيا الإسلامية بعام 1492 
البالغ الأهمية. الذي توحدت فيه إسبانيا تحت الحكم النصراني» مع تجاهل 
حقيقة أن أكثر من نصف مليون مسلم بقوا في البلاد بعد ذلك التاريخ. 
لقد تعرفتٌ على قصة المورسكيين أول مرة في عام 1992 حين كنت أعيش 
في إسبانيا أثناء الاحتفال بمرور خمسائة عام على سقوط غرناطة ورحلات 
الإعلام» طوى النسيان الجانب المظلم من ماضى إسبائيا الإمبراطوري 
أو حُيّد بكلمات مبتذلة وتلطيفية» ولم يحظ طرد المورسكيين باهتمام يذكر. 
أما أنا فلم أتمكن من الإفلات من التأثر بمأساة هؤلاء المسلمين» الذين 
(1) أبقيتٌ على كلمة «المغاربة» هنا لأن الأندلسيين كشعب لم يعد موجوداًء إلا إذا كانت بقايا 


المورسكيين في المغرب العربي لاتزال مميزة عن بقية السكان [المترجم]. 
1_طماع !© :161 ]أللا 1 


الدين والدم 


نصّرواء والذين كانوا يتحدثون الإسبانية ويكتبون بالعربية» والذين 
اعتبرهم الكاثوليك الإسبان نصارى سيئين» واعتبرهم إخوانهم في 
الدين مسلمين سيئينء والذين تمزقوا حتى بعد طردهم بين الارتباطات 
المتعارضة بدينهم الإسلامي ووطنهم الإسباني. 
ومنذ ذلك الحين- أي الاحتفال بذكرى سقوط غرناطة- أصبح 
الطرد وثيق الصلة بعصرنا الحالي على نحو موجع. ففي أوروباء وّدت 
هججات الحادي عشر من سبتمبر وحالة الطوارئ الدولية اللاحقة ضد 
الإرهاب مناخاً مسمماً يقوم على الخوف ورُهاب الأجانب» تركز على 
المهاجرين عامة» وعلى المسلمين الأوروبيين خاصة. وني الوقت الذي 
كان فيه كثير من السياسيين الأوروبيين يستعيضون عن أفكار المواطنة 
المتعددة الثقافات «الفاشلة"”© بمفهوم صارم وأحادي للهوية القومية 
يعتبر التنوع الثقافي تهديداء تأت قصة المورسكيين كمثال مروّع للعواقب 
الوخيمة التي يمكن أن تنشأ عن دمج الجماعات بالقوة. وفي الوقت الذي 
يثير فيه المفكرون المحافظون أفكارا مغرضة حول «صدام الحضارات»؛ 
ذلك المفهوم الذي ينصرف عموما إلى الصدام بين الإسلام والغرب 
«اليهودي-المسيحي»؛ يذكرنا التدمير الوحشى للأندلس بمدى سيولة 
هذه المقولاك» فللوهلة الأ وه لا بنذو كنة تابه بين السياسين :ف 
أوروبا الديمقراطية الليبرالية» الذين يطالبون المسلمين إما بالانصياع 
للأفكار الأوروبية عن التسامح العلمانيٍ أو مغادرتها من ناحية» وملوك 
القرن السادس عشر الكاثوليك الذين طالبوا اليهود والمسلمين باعتناق 
0 الكلساكر جارد و مره وج نازر قم اليا اواك روي لزلا 
ولا وصفه ولا صياغته» وإنما رؤية مَنْ يعرض آراءهم وصياغتهم, فهو على العكس من ذلك 
تماما يريد بالكتاب كله أن يكون صرخة من أجل التعايش بين مختلف الثقافات والحضارات 
واحترام خصوصيات كل ثقافة أو حضارة» وهي صرخة ضد العنصرية والكراهية والحقد بأي 
اسم كانء الدين أو العرق أو القومية [المترجم]. 


530 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


مقدذمة 

النصرانية وأحرقوهم على الخازوق”" حال رفضهم من ناحية أخرى, في 
حين أن الديناميات والفرضيات التحتية للفترتين ليست متباعدة كا قد 
يبدو. 

توجد أدبيات وفيرة حول المورسكيين» حللت الفترة عبر عدد من 
المنظورات: التاريخي واللغوي والثقافي والديني والأدبي والأنثروبولوجي. 
ولس هذا الكتاب معنياً بالإضافة إلى جهو د السابقين في هذه الأذيات؛ 
أو أن يستكشف أرضاً جديدة. فهدفي أكثر تواضعاً من ذلك؛ وهو أن 
أقدم قصة المورسكيين للقراء» الذين ربما لم يسمعوا عنها شيئاً. وهي قصة 
معقدة ومثيرة للاضطهاد الديني والثقافي والثورة والتعصب والكراهية. 
لكنها قصة للفرص الضائعة أيضأء والقرارات السيئة والسياسات 
الرديئة» والمنظورات والإمكانات التي أهملت أو أهدرت. واليوم, في عام 
الذكرى الأربعمائة للطرد. أريد أن أقدم للقارئ العام هذا الفصل المظلم 
من التاريخ الإسباني» وأستخلص منه الدروس الممكنة لمأزقنا الحالي» إن 
وجدت. 


8 


(1) قد يفهم من عبارة «الحرق على الخازوق» أن المدان كان يحرق في اللحظة التي يتم إدخال 
خازوق في مؤخرته؛ كما حدث مثلاً في العقوبة البشعة التي أنزلها الغزاة الفرنسيون في مصر 
بالمناضل سليمان الحلبي؛"قاتل كليبر قائد الحملة الفرنسية في السابع عشر من يونيو 01800 فلقد 
أعدموه بإدخال خازوق في مؤخرته وشده عليه جنباً إلى جنب مع حرق يده اليمنى. لكن 
عبارة «الحرق على الخازوق» على امتداد الكتاب تعني فقط أن المسكين كان يشد إلى خازوق 
أو وتد أو عمود أو يربط فيه فوق كومة من الحطب لتثبيته أثُناء حرقه حيا [المترجم]. 


١1_طماع‏ !© :11 ]آنل 1 531 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 


مدخل 
«نهاية مآسى إسبانيا» 


لا يفصل مدينة طنجة المغربية عن إسبانيا غير واحد وثلاثين ميلاً 
بحرياًء وهي بذلك أضيق نقطة في البحر الأبيض المتوسط الذي يفصل 
بين أوروبا وإفريقيا. ومن ذلك المكان بدأ تاريخ إسبانيا الإسلامية في 
إحدى ليالي ربيع عام 2711 بعد أقل من قرن من وفاة النبي محمد - صل 
الله عليه وسلم- حين عبر القائد المسلم طارق بن زياد وسبعة آلاف 
محخارب أمازيغي المضيق» ونزلوا على الصخرة التي تعرف الآن باسم جبل 
طارق. على أن الغرض من هذه الحملة لم يكن واضحا. كانت مقاطعة 
إسبانيا الرومانية السابقة» على مدار القرون الثلاثة السابقة» تسيطر عليها 
قبائل قوطية من ألمانياء كانت قد عبرت جبال البرانس واحتلت أيبيريا في 
أثناء تفكك الإمبراطورية الرومانية. وفي عام 0589 تحولت الطبقة القوطية 
الحاكمة في إسبانيا من النصرانية الآريوسية”" إلى الكاثوليكية» وأقامت 
عملكة نصرانية أيبيرية قوية كانت عاصمتها طليطلة©. ومن غير المرجح 
أن يكون طارق قد تخيل أنَّ باستطاعة هذا الجيش الصغير أن يسقط 
القوط» وأن تطلعاته في تلك المرحلة ربما لم تتجاوز الإغارة والسلب. 


(1) نسبة إلى الكاهن السكندري آريوس (توفي في عام 336)) الذي قال بأن الابن (المسيح) غير 
مساو للآب (الله) في الجوهر [المترجم]. 
(2) 10160 في اللغات الأوروبية [المترجم]. 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 


الدين والدم 
عه 

كان الملك القوطي لذريق”'" يقوم بحملة على بلاد الباسك حين علم 
بالوجود الإسلامي على أراضيه. فزحف فوراً ناحية الجنوب على رأس 

اس الله ا ع : 
جيش قوي قدر عدده بثلاثين ألف رجل أو يزيد. وني يوليو اشتبك 
الجيشان في ميدان المعركة" في مكان قريب من وادي لكة" بمقاطعة 
قادس” الحالية. ورغم التفوق العددي الساحق للقوطء فقد دُّحر لذريق 
وقتل» ومعه أغلب محاربيه البارزين. 

وبعد هذا النصر المذهلء اغتنم طارق الفرصة» وشن هجوماً مزدوجاً 
جريئاً على أندلوسيا وشمالاً نحو طليطلة عاصمة القوط. وبحلول نهاية 
العام» كانت طليطلة قد استسلمت بلا مقاومة» وتمكن جيش طارق من 
إفريقيا© في الربيع التالي» مدّ المسلمون سيطرتهم سريعاً إلى بقية شبه 
الجزيرة. وفي غضون ثلاثة أعوام» تقلص الوجود النصراني جنوب جبال 
البرانس إلى جيب صغير في جبال أوسرتياس 335,نا481 الوعرة» وزالت 
إسبانيا القوطية من الوجود نهائياً. 

أطلق المسلمون اسم الأندلس ودلهلم2-4» بمعنى أرض 
الونداليين» على الأراضى التى فتحوها. وبالنسبة إلى النصارى 
(1) مععءدهه في اللغات الأوروبية [المترجم]. 
(2) تسمى هذه المعركة في التاريخ الإسلامي معركة شذونة أو وادي لكة أو سهل البرباط» وتسمى 
(3) 0020216 في اللغات الأوروبية [المترجم]. 
(4) 5012© في اللغات الأوروبية [المترجم]. 
(5) أندلوسيا 82010514 منطقة في جنوب إسبانيا تضم مقاطعات الميرة وقادس وقرطبة وأولبة 

وجاين ومالقة وأشبيلية» واسمها مشتق من كلمة «الأندلس» العربية [المتريحم]. 
(6) ينصرف مصطلح «شمال إفريقيا» طوال الكتاب على دول المغرب العربي الثلاث المغرب 

والجزائر وتونس تحديداًء وكذلك موريتانيا وطرابلس بدرجة أقل» وهو في حالات كثيرة 


ترجمة لمصطلح 282:05 .معنى بلاد الأمازيغ أو أرض البربر [المترجم]. 
(7) الونداليون ١/300215‏ قبائل جرمانية اجتاحت فرنسا وإسبانيا وشمال إفريقيا في القرنك ‏ - 


24 _طماع !© :11 آنل 1 


مدخل «انهاية مأسي إسبانيا» 

الأيبيريين» أصبح الفاتحون يعرفون باسم المورو 000 أو المور :200 من 
الكلمة اللاتينية نهم أو أ105ا 0508 وهو الاسم الذي أطلقه الرومان 
على أمازيغ شمال إفريقيا. ومن منظور العالم النصراني اللاتيني» كان غزو 
الكفار لإسبانيا القوطية كارثة لا تصدق. ف «حتى لو تحولت أوصال 
الإنسان إلى ألسنة» لما استطاعت الطبيعة البشرية أن تعبّر عن خراب 
إسبانيا وشرورها الكثيرة والكبيرة»» كما ر ردني فتح إسبانيا في كتاب «تاريخ 
عام 1754 اللاتيني مجهول المؤلف» الذي كُتب بعد نصف قرن تقريباً من 
الأحداث التى يصفها!!. 

نظر بعض النصارى إلى سقوط القوط بوصفه عقاباً إهياً على الفساد 
الأخلاقي للذريق وبلاطه. ووجد غيرهم تفسيراً في خيانة اليهود الذين 
قيل إنهم فتحوا أبواب طليطلة للغزاة. وألقت بعض التواريخ النصرانية 
باللائمة على مسؤول بيزنطى غامض يدعى الكونت خوليان غهداه© 
عذال أو الخائن الأكبر» الذي قيل إنه شجع المسلمين على دخول إسبانياء 
وكان دليلهم في التحرك انتقاما من الملك لذريق الذي اغتصب ابنة 
الكونت. ولفترة قصيرة» بدا أن التقدم الإسلامي عازم على الاستمرار إلى 
ما بعد جبال البرانس» حيث شن القادة العرب في شمال إسبانيا سلسلة من 
غارات النهب على وادي الرون ومناطق أكيتين ءهنهانناوى ببلاد الغال". 
لكن. بعد هزيمة الجيش العربي-الأمازيغي في سُلسلة من المعارك المربكة 


5-5 الخامس الميلادي» وفي عام 5 احتلت روما ونهيتهاء وهذا الاسم بذلك ررها يكون بديلاً 
لمصطلح القوط الغربيين 73518015 الذين ينتمي إليهم لذريق والطبقة الحاكمة لإسبانيا قبل 
الفتح الإسلامي [المترجم]. 

(1) كان اسم «بلاد الغال» 01© يطلق في العصر الحديدي والعصر الروماني على المنطقة التي 
تضم حاليا فرنسا ولوكسمبورغ وبلجيكا ومعظم سويسرا والجزء الغربي من شمال إيطاليا 
والأجزاء من هولندا وألمانيا الواقعة على الضفة اليسرى لنهر الراين. وتنظر فرنسا الحديثة إلى 
الغال» وفيما بعد الإمبراطورية الكارولنجية» على أنهم سلفها [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 55 


الدين والدم 


حول بواتييه”" في عام 732 أمام الملك الفرنجي شارل مارتل» اكتفى 
المسلمون بدعم سيطرتهم على أراضيهم جنوب جبال البرانس. 
أخذ المؤرخون الغربيونء من إدوارد غيبون ههط616 170:0 فصاعداء 
يرددون القول بأن بواتييه كانت اللحظة الفارقة في التاريخ الأوروبي» 
حيث أنُقذت الحضارة الغربية فيها للمرة الأولى من الحشود الإسلامية» 
لكن المهاجمين الذين عبروا جبال البرانس ربا كانوا معنيين بالغنائم أكثر 
من الفتح» فلم يبد الأندلسيون اهتاماً كبيراً بممالك الفرنجة خلال 
القرون التالية. وسرعان ما تطورت الأندلس المنفصلة عن المراكز الرئيسة 
قوة الإسلامية والنصرانية من مقاطعة حدودية نائية بالإمبراطورية 
الإسلامية إلى حضارة أندلسية-أيبيرية فريدة اشتملت مكوناتها على 
العرب السوريين واليمنيين» وأمازيغ شال إفريقياء و«الجنود الرقيق» 
السلافيين المعروفين بالصقالبة» الذين جاؤوا إلى إسبانيا كخدم للخليفة 
وشكلوا لاحقا إقطاعاتهم الخاصة؛ والنصارى القوط والروم-الإسبان» 
وأكبر تجمع بودي في أوروبا©. ومع ازدياد أعداد المسلمين عبر ال هجرة 
واعتناق الإسلام» اكتسبت مدن إسبانيا الرومانية والقوطية الطابع 
الشرقي والإسلامي تدريجياء فانتشرت بها المساجد والمآذن والقصور 
والحمامات العامة والحدائق المزينة بالبرك والنخيل والروائح الحريفة 
والألوان الزاهية التي تميز شمال إفريقيا. 
غبّر الأندلسيون أيضاً المنظر الطبيعي الأيبيري. فجلبوا محاصيل 


(1) وقعت المعركة الرئيسة المعروفة باسم بواتييه 5ع()ز50») أو بلاط الشهداء كما تعرف في التاريخ 
الإسلامي» في العاشر من أكتوبر 2,732 وانتصر فيها الفرنحة بقيادة شارل مارتل على المسلمين 
بقيادة عبدالر حمن الغافقي» وكانت أكبر هزعة للمسلمين في فتح غرب أوروباء وبسببها 
توقف هذا الفتح عند حدود الأندلس التاريخية [المترجم]. 

(2) تحمل هذه الفقرة تأكيدا لذهاب المترجم إلى ترجمة كلمة :200 و0:مم [مغاربي] إلى 
«أندلسي »» إذ تشير إلى المكونات العرقية المختلفة التي تكوّن منها شعب الأندلس [المترجم]. 


56 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


مدخل «انهاية مأسي إسبانيا» 

جديدة» مثل السكر والأرز والبرتقال والليمون والحرير والقهوة. وبفضل 

بخراتهية ومهارتهم في الزراعة والبستنة» أدخلوا تقنيات ري جديدة. 

ووسعوا النظم القائمة» من السهول الخصبة في منطقة غرناطة ووادي 

نهر الوادي الكبير'" إلى تلال سيرانيفادا (جبل الثلج) والمنطقة الساحلية 
العشبية لبلنسية. ووضع الإنتاج الزراعي للأندلس وصلاتها التجارية 
بالعالمين الإسلامي والنصراني الأسس الاقتصادية لثقافة حضرية عالمية 
جذبت العلاء والموسيقيين والمفكرين من أنحاء الإميراطورية الإسلامية 
كافة. وبدأت الفترة الأكثر إشراقاً في تاريخ الأندلس في عام 2755 حين شق 
أمير أموي هارب يدعى عبدال رحمن” طريقه من بغداد إلى إسبانياء بعد أن 
ذبحت العائلة العباسية المنافسة عائلته. أسس عبدال رحمن خلافة أيبيرية 

جديدة» عاصمتها قرطبة» نافست بغداد ودمشق في ثرائها وعظمتها. 
كانت قرطبة» في أوجهاء إبان القرن العاشرء مدينة لا نظير لها في 

العالم النصراني» فزهت بطرقها المعبدة وشوارعها المضاءة ومستشفياتها 

ومدارسها وحماماتها العامة ومكتباتها العامة. وفي الوقت الذي كانت 
فيه أكبر مكتبة في أوروبا النصرانية تضم ستائة مجلد على الأكثرء كانت 
الصناعة المنزلية للخطاطين العرب في قرطبة تنتج زهاء ستين ألف كتاب 
مكتوب باليد في العام» ويقال إن المكتبات العامة في عهد الخليفة الأموي 
الحكم”" «المهيب والمتعلم والإداري» المولع بالكتب كانت تضم نحو 

(2) 2أءمء1لا في اللغات الأوروبية [المترجم]. 

(3) عبدالر حمن بن معاوية بن هشام الأموي القرشي الملقب بصقر قريش (731 إلى 788)» حفيد 
الخليفة هشام بن عبدالملك عاشر الخلفاء الأمويين» كان أحد الأمراء المرشحين لخلافة الدولة 
الأموية قبل أن يطيح بها العباشيون» ففر منهم إلى الأندلس» وأسس فيها خلافة قرطبة الأموية 
في عام 2755 وبعدها اتخذ لقب عبدالرحمن الفاتٌ أو الداخل [المترجم]. 


(4) الحكم الثاني ابن عبدالر حمن الناصر الملقب بالمستنصر بالله (13 يناير 915 إلى 16 أكتوبر 976)» 
تاسع الحكام الأندلسيين وثاني الخلفاء الأمويين: حكم من عام 961 إلى عام 976 [المترجم]. 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 537 


الدين والدم 

أربعمائة ألف مخطوطة في مختلف الموضوعات من الشعر واللاهوت إلى 
الفلسفة والطب والزراعة. 

انعكس هذا المدى المتنوع للاهتتامات في عدد من العلماء والمفكرين 
الأندلسيين البارزين» منهم الفيلسوف واللاهوتي اليهودي موسى بن 
ميمون (1204-1138) والفيلسوف الموسوعي ابن رشد (1198-1126)» 
الذي كانت تعليقاته على أرسطو قرأ على نطاق واسع في أوروبا. ومن 
الشخصيات المعروفة بدرجة أقل رجل الدولة والمؤلف الغرناطي من 
القرن الرابع عشر ابن الخطيب. الذي ألفٌ أكثر من حمسين كتاباً في 
الموسيقى والشعر والطب والسفرء وعباس بن فرناس؛ معلم الموسيقى 
وعالم الرياضيات والفلكي القرطبي من القرن التاسعء الذي قفز ذات 
مرة من فوق مئذنة مسجد بمظلة اصطناعية ليرى إن كان يستطيع 
الطيران. استلهم العالم الثقافي الأندلسي من تقاليد متنوعة» هي الإسلامية 
واليهودية والنصرانية والأصول اليونانية-الرومانية» ومع ذلك فلم 
تحظ محاولات أبطاله الكبار للتوفيق بين المعرفة والفلسفة الدنيويتين» 
والمحددات الصارمة للمقدسء دائياً بقبول المرجعيات الدينية للأديان 
الثلاثة. 

كان لهذه الاهتمامات أيضاً أصداء مهمة خارج إسبانيا. فإلى جانب 
صقلية الإسلامية» أصبحت الأندلس قناة فكرية بين العالم النصراني 
الأوروبي والعالم العربي» مكنت أوروبا من إعادة بناء ارتباطاتها المقطعة 
بترائها الكلاسيكي. فكانت قوافل الأمتعة من بغداد ودمشق تأتي بالكتب 
والمخطوطات العربية من المكتبات العامة ببغداد ودمشق إلى إسبانيا إلى 
جانب ترجمات النصوص اليونانية واللاتينية الكلاسيكية التي اختفت 
من أوروبا منذ اهيار الإمبراطورية الرومانية. ى) قطع سلسلة من العلماء 


28 1_طماع !© :11 ]أنل 1 


مدخل «انهاية مأسي إسبانيا» 
النصارى» من أمثال أبيلارد البائي" وروبرت الشيستري*" وجيرالد 
الكريموني© الرحلة الشاقة جنوب جبال البرانس لزيارة المكتبات العامة 
ومدارس الترجمة التي ازدهرت في أيبيريا الأندلسية والنصرانية» وترجمت 
هذه النصوص إلى اللغة اللاتينية» إلى جانب ترجمات الأعمال العربية في 
عالات الكيمياء واللاهوت والرياضيات والفلك والطب. وقد شكلت 
هذه اللقاءات جزءاً ما أسماه المؤرخ ريتشارد بوليت :هذلانا8 فمدطك81 
«النقل الهائل للثقافة والعلم والتقنية» من العالم الإسلامي إلى أوروباء 
وهو النقل الذي أسهم في وضع الأساس لعصر النهضة الأوروي» حتى 
وإن كانت الأندلس تشهد حينذاك تراجعها الطويل المو]!2!. 
و 

كانت الإنجازات الثقافية للأندلس تقوم دائاً على بنية سياسية هشة» 
فبدت عرضة للخضومات العرقية والقبلية وهات العنفية المدمر. وفي 
أوائل القرن الحادي عشر انفجرت خلافة قرطبة كلها : شيا سد نلية 
من الثورات الأمازيغية» حوّلت القصر الأموي الفخم والمبهج المسمى 
المدينة الزهراء إلى حطام مهجور يفترشه العشب. ولم يتمكن الحكام 
المتعاقبون من منع تفتيت الأندلس إلى عديد من الإمارات الصغيرة 


(1) )83 04 0و[ءطه نسبة إلى مدينة باث الواقعة جنوب غرب إنحلترا [المترجم]. 

(2) تعأوعط0) 04 نأزعط20 نسبة إلى مدينة شيستر البريطانية الواقعة على نهر دي بالقرب من الحدود 
مع ويلز [المترجم]. 

)3( 38 01 66311 نسبة إلى مدينة كركونا الواقعة في مقاطعة لومباردي بشمال إيطاليا على 
الضفة اليسرى لنهر البو [المترجم]. 

(4) المدينة الزهراء 82358 24301834 قصر عربي إسلامي محصن بناه الخليفة الأموي عبدالرحمن 
الثالث الملقب بالناصر (961-912) على الضواحي الغربية لقرطبة بين عامي 936 و940: كان 
عثابة عاصمة للأندلس لاشتماله بين جدرانه على إدارة الأندلس وحكمهاء وكان يضم 
صالات استقبال ومساجد ومكاتب إدارية وحدائق وداراً لسك العملة وورشاً ونكنات ونزل 
إقامة وحمامات» وكانت المياه تصله عبر قنوات [المترجم]. 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 59 


الدين والدم 


عرفت باسم الطوائف أو دول الطوائف. في الوقت الذي كانت المالك 

النصرانية في شمال أيبيريا تقوى وتشتد. وعلى مدار القرن الحادي 

عشر تعرض حكام الطوائف لضغط متزايد من أمراء الحرب والحكام 

النصارى في البرتغال وفي مملكة أراغون وقطلونية”" المتحدتين حديثا. 

وقبل الجميع من مملكة قشتالة وليون التي كان غزوها لطليطلة في عام 

5 بقيادة ألفونسو الخامس القشتالي؛ الإمبراطور المطالب بكل إسبانياء 

نقطة التحول في العملية المعروفة باسم الاسترداد. 
ورد على التقدم النصراني» طلب حكام الطوائف العون من إمبراطورية 

المرابطين" الأمازيغية بشمال غرب إفريقيا التي حكمت إسبانيا الإسلامية 

من زهاء عام 10030 حتى عام 45 . وعلى مدى القرون القليلة التالية 
كانت أيبيريا فسيفساء معقدة من المالك الإسلامية والنصرانية» التى 
كان حكامها في أغلب الأحيان أكثر انشغالاً بمتابعة صراعاتهم العائلية 

والإقليمية بعضهم مع بعض» من الكفاح المتبادل ضد العدو المشترك. 

فلم تكن إسبانيا النصرانية بحال من الأحوال متفقة متفقة أو متحدة في التزامها 

بالاسترداد ى) يزعم المؤرخون اللاحقون. بل مرت فترات طويلة ظل 
الحكام النصارى فيها قانعين بانتزاع الجزية من المالك الإسلامية بدلاً 

من غزوهاء وكانت فترات الهدنة تقطعها حروب متفرقة لم تؤثر : 

(1) ه02 في اللغات الأوروبية [المترجم]. 

8 الراعوة ا ل ار 
حكامها إل القبائل الأماريقية ف خنوئة بحنوب الصحراءالكرى: العيت دور 0-0 
سقوط الأندلس أمام الممالك النصرانية الأيبيرية» حين ألحق حاكمها يوسف بن تاشفين هزيعة 
ساحقة بائتلاف من الجيوش القشتالية والأراغونية بقيادة ألفونسو السادس في معركة الزلاقة 
في الثالث والعشرين من أكتوبر 1086 التي سميت بذلك الاسم لأن الجنود كانوا ينزلقون 
على الأرض بسبب الدماء الكثيرة التي أرقيت فيهاء لكن هذه الإمبراطورية لم تدم طويلاً» 
إذ سقطت في أوج قوتها بسبب ثورة من قبائل مصمودة بقيادة ابن تومرت مؤسس دولة 
الموحدين [المترجم]. 


60 ١_طماع‏ !© :121 ]آنلا 1 


مدخل «انهاية ماسي إسبانيا» 

توازن القوة السائد. ومع ذلك ظل هدف استعادة الحكم النصراني في 
أيبيريا فكرة طموحة كانت تطرح جانبا لفترات» ثم يلتقطها مجددا حكام 
نصارى متعاقبون» وظل توازن القوة يتحول ببطءء. لكن بعناد؛ بعيدا عن 
إسبانيا الإسلامية. 

وفي عام 1145 خلّفت دولة المرابطين في الأندلس دولة أمازيغية 
أخرى من شال إفريقياء هي دولة الموحدين”'" التي حاول حكامها دون 
جدوى أن يوحدوا ملوك الطوائف للوقوف بوجه قشتالة وحلفائها. 
وجاءت نقطة التحول مع معركة العٌقاب” عام 1212 حين تمكن تحالف 
ال مالك النصرانية» ومنها قشتالة وأراغون والبرتغال» من هزيمة جيش 
إسلامي ضخم.ء فكان ذلك بمثابة النهاية لمحاولات الموحدين إيقاف 
التقدم النصراني. ومع انسحاب الموحدين من أيبيريا عام 1223» دخل 
الاسترداد أقوى فتراته وأنجحها. وأخذت قشتالة تفتح المدن الإسلامية 
الكبرى بالجنوب الواحدة تلو اللأخرىء وبلغت العملية أوجها بسقوط 
إشبيلية”” عام 1248. وفي الفترة نفسها انتزعت البرتغال الغرب من 


(1) الموحدون دولة إسلامية أمازيعية تأسست في القرن الثاني عشر في تنمل بجبال أطلس زهاء عام 
0 بقيادة ابن تومرت من قبائل مصمودة» تلاه عبدالمؤمن بن علي بين عام 1130 ووفاته في 
عام 1163» هزمت دولة المرابطين وامتد سلطانها على المغرب والأندلسء إلى أن تلقت هزيعة 
ثقيلة بقيادة محمد الثالث الملقب بالناصر (1214-1199) في معركة العُقاب في السادس عشر من 
يوليو 1212 أمام ائنلاف نصراني من أمراء قشتالة وأراغون ونبارة والبرتغال» تلا ذلك سقوط 
الممالك الإسلامية الأيبيرية» وبقي حكمها في المغرب بعد أن تآكلت ممتلكاتها لصالح دولة بني 
مرين واقتصرت أخيراً على مراكشء وقتل آخر ملوكها إدريس الثاني الملقب بالوائق على يد 
عبد في عام 1269» وبذلك ذهبت دولة الموحدين وولدت دولة المرينيين [المترجم]. 

(2) تعرف هذه المعركة في التاريخ الأوروبي المسيحي باسم 101058 06 213735 1.35 [المترجم]. 

(3) عاذناء5 في اللغات الأوروبية [المترجم]. 

(4) الغرب عبموعام منطقة في أقصى جنوب البرتغال فتحها العرب في أوائل القرن الثامن» 
واستردتها مملكة البرتغال في منتصف القرن الثالث عشرء واسمها الأوروبي مشتق من كلمة 
«الغرب» العربية [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 61 


الدين والدم 

السيطرة الإسلامية وأكملت أراغون غزو بلنسية الإسلامية بقيادة الملك 
جيمس الفاتح. 

وبحلول منتصف القرن الثالث عشر كانت قشتالة وأراغون المملكتين 
المهيمنتين في أيبيريا النصرانية» ولم يبق تحت السيطرة الإسلامية غير 
إمارة غرناطة في الركن الجنوبي الشرقي من إسبانيا. وعلى مدى أكثر 
من قرنين ونصف. استطاعت غرناطة أن تحافظ على استقلاها الهمش في 
عهد النصريين كدولة تابعة لقشتالة. ومع أن بني نصر تمكنوا من حين 
إلى آخر من مضاعفة ثراء الأندلس المتلاشي» كما يتجلى في إكمالهم قلعة 
قصر الحمراء الأسطورية» فقد كان بقاؤهم يعتمد دوما على الانقسامات 
الداخلية في قشتالة أكثر من قوتهم الذاتية. 

ومع زواج إيزابيلا القشتالية من فيردناند الأراغوني عام 21469 باتت 
أيام إمارة غرناطة معدودة. وقد تزامن اتحاد أقوى تملكتين نصرانيتين 
في إسبانيا مع فترة كان العالم النصراني اللاتيني فيها يترنح من سقوط 
القسطنطينية عام 1453 أمام الأتراك العثمانيين وزوال الإمبراطورية 
البيزنطية. التقط الزوجان الجديدان راية الاسترداد. مستلهمين دعوة 
البابوية لإعداد حملة صليبية جديدة» ومدفوعين في الوقت عينه برغبتها 
في توحيد رعاياهما الهائجين بعد أعوام من النزاع العائلي والحرب الأهلية» 
وعزما على غزو آخر معاقل الإسلام على التراب الإسباني. 

على أن المهمة لم تكن سهلة بحال من الأحوال. فغرناطة رغم ضعفها 
السيامي, لم تستسلم بسهولة للغزو العسكري. فقد وفرت بلداتها ومدنها 
المسوّرة وقلاعها المحصنة وتضاريسها الجبلية عقبات هائلة أمام الجيش 
المهاجم. لكن فيردناند وإيزابيلا المصممين على تجنب الفشل حشدا 
قواتهه| ببطء. وفي ديسمبر 1481. اتخذا من غارة إسلامية على بلدة الزهراء 
الحدودية ذريعة لغزو الإمارة. وعلى مدار العقد التالي» شق زهاء ستين 


62 1_طماع1© :11 ]آئلا 1 


مدخل «نهاية ماسي إسبانيا» 

ألف فارس وجندي من المشاة طريقهم عبر الوديان النهرية والسهول 
حتى جبال غرناطة العالية» مدعومين بأرتال إمداد ووحدات غير نظامية 
كانت مهمتها الوحيدة حرق محاصيل العدو وتدميرها. ضمّت الجيوش 
النصرانية في صفوفها كثيراً من المتطوعين الأجانب» جذيهم الوعد البابوي 
بغفران الذنوب لمن يحاربون الكفارء فضلا عن فرص النهب التي كانت 
توفرها هذه الحروب. فقد شارك رماة وحاملو فؤوس إنجليز ومحاربون 
قدامى من حرب الوردتين”" ومرتزقة سويسريون ولوردات وفرسان من 
أنحاء أوروبا كافة في حرب أساها الدبلوماسي البندقي أندريا نافاجيرو 
همع38 3ع4201 «حربا جميلة ربحناها بالحب). 

لم تكن الفروسية والاتقاد الروحي اللذان يتغنى بها المؤرخون 
النصارى حاضرين دائما في حرب الاستنزاف الطاحنة» التي تقررت 
نتيجتها بعمليات الحصار والكيائن والمناوشات» وليس عبر معارك 
كبرى. فقد كانت حرباً جمعت الاستخدام الجديد للبارود والمدفعية 
مع الطقوس والتقاليد القديمة لحروب القرون الوسطى. حيث كانت 
إيزابيلا وسيدات البلاط يراقبن المعارك من خيام حريرية» وكان 
الفرسان المتنافسون يتحدى بعضهم بعضا لقتال فردي» واستخدمت 
المدافع لتحطيم أسوار المدن المحاصّرة وإرهاب سكانهاء وكان السكان 
المحاصرون يجوّعون حتى الاستسلام. 

أشرفت إيزابيلا شخصيا على مهمة تمويل المجهود الحربي النصراني» 


(1) حرب الوردتين وع1205 )04 138/315 سلسلة من الحروب الأسرية على عرش إنحلترا بين ميدي 
فرعين متنافسين من سلالة بلانتاجينيه» هما لانكستر ويورك؛ اتخذا من الوردة «الحمراء» 
والوردة «البيضاء» شعاراً لهدما على التوالي» جرت على نحو متقطع بين عامي 1455 و1485» 
وكان النصر النهائي فيها لهنري تيودور من آل لانكستر على آخر ملوك يورك ريتشارد الثالث. 
تزوج هنري من إليزابيث اليوركية ابنة إدوارد الرابع ليوحد الأسرتين» وحكم آل تيودور 
إبحلترا وويلزلمدة 117 سنة [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 63 


الدين والدم 


وجمعت الأموال عبر عدة وسائل» من فرض ضرائب خاصة على رعاياها 
اليهود إلى رهن مجوهراتها الخاصة في إحدى فترات توقف الحرب. 
وكان زوجها فيردناند الذي أدار العمليات العسكرية يجمع من القسوة 
والبراغماتية ما جعل ميكيافيللي يلقبه الأمير المثال لعصر النهضة. وكانت 
البلدات والمدن التي تستسلم تستطيع عموماً أن تتفاوض على شروط 
مواتية أو اامعاهدات استسلام» كانت تحفظ ها الحياة والممتلكات وحرية 
العبادة. في حين كان السكان الذين يقاومون الغزو تنتظرهم معاملة أشد. 
تتراوح من الإعدام الفوري إلى العبودية. ففي مالقة'2- على سبيل المثال- 
قاوم السكان المسلمون في عام 1487 هجمات وقصفا مدفعيا متكررا قبل 
أن يجبرهم الجوع على الاستسلام» فعوقب السكان على مواجهتهم بأن 
بيعوا جميعاً عبيداً» أو قُدِموا «هدايا» للحكام النصارى الآخرين. 

كان المسلمون العاديون يقامون الغزو دائياً بإصرار أثار إعجاب 
أعدائهم أنفسهم. وقد أبدى المؤرخ الإسباني فرناندو دي بولغار 
تدع انا« عل هلمقمرء إعجابه بالتحدي الذي أظهره سكان الحمة» حين 
«بذل الأندلسيون كل قوتهم وطاقتهم في القتال» ى) يتحتم على الرجل 
الشجاع أن يفعل حين يدافع عن حياته وزوجته وأطفاله من تهديد الرق. 
ولذلك لم يكونوا يحجمون عن القتال فوق جثث أطفاهم وإخوانهم 
و أحبتهم على أمل إنقاذ الباقين»!3ا. لكن الموارد البشرية والمادية المتوافرة 
للجيوش المهاجمة كانت دائياً أكبر. من ذلك ما قاله مسلم غرناطي يجهول 


(1) 283لة2 في اللغات الأوروبية [المترجم]. 

(2) وجه سقوط الحمة (الحامة) 813:08 أمام جيوش ماركيز قادس ضربة قاسمة لمملكة غرناطة 
لأنه فتح الطريق إلى عاصمة المملكة» وقد شن المسلمون معركة شرسة لاسترداد الحامة في 
2 لكنهم فشلوا بسبب تدفق التعزيزات على المدينة من قشتالة وأراغون ولأن فيردناند 
وصل لقيادة الجيش بنفسه؛ ثم حاولت جيوش الملكين غزو لوشة 102 لكنها فشلت في آخر 
انتصار للمسلمين في الأندلس [المترجم]. 


04 _طماع !© :11 ]آنل 1 


مدخل «نهاية ماسي إسبانيا» 

لاحقاً حين تذكر: «هاجمنا النصارى من كل حدب وصوب في سيل لا 
ينقطع» فرقة بعد أخرى.. وأخذوا يضربوننا بحماس وإصرار كالجراد في 
كثرة فرسائهم وأسلحتهم ... وعندما ضعفت قوتناء خيّموا في أرضنا 
وضربوتناء بلدة بعد أخرى .. وأحضروا كثيرا من المدافع الكبيرة التي 
هدمت الأسوار الحصينة للمدن»!*!. وقد تقوّض الدفاع عن الإمارة أكثر 
بفعل قيادة مترددة ومتعاونة مع العدو كان حرصها على ضمان ممتلكاتها 
وامتيازاتها أهم من مقاومة الغزاة". 

تجلى هذا الضعف في الحاكم النصري محمد الثاني عشر المعروف 
للإسبان باسم أبي عبيدل©» الذي تقلب بين فترات غير مؤثرة من المواجهة 
والعلاقات السرية مع العدو النصراني. على أن انقطاع المساعدات من 
شهال إفريقيا كان قد قرر مصير الإمارة. فتساقطت بلداتها ومدنها واحدة 
تلو الأخرى أمام التقدم النصرانيء إلى أن وقفت جيوش فيردناند وإيزابيلا 
أخيراً على أبواب العاصمة الأسطورية لبني نصر: غرناطة نفسها. 

# د 


(1) كانت غرناطة تغلي بالثورة والحروب الداخلية في أوج صراعها مع الملكين الكاثوليكيين. فبعد 
سقوط الحمة خرج الأميران أبوعبدالله ويوسف على والدهما أبي الحسن علي سلطان غرناطة 
انتصاراً لأمهما عائشة «الحرة» على ضرتها القشتالية الحسناء إيزابيلا دي سوليس (ثريا)» 
ودارت الحرب بين الطرفين» قُتل فيها يوسفء إلى أن نظم بنو السسراج ثورة في مدينة غرناطة 
وأبعدوا الأب وأحلوا ابنه عبدالله (أبي عبيدل) محله, وبدأ الابن قتال الكائوليك إلى أن أسرته 
إيزابيلا ثم أطلقت سراحه ليجد أباه قد استرد الحكم؛ فعادت الحرب بينهماء وحتى حين مات 
الأب تولى أخوه الزغل السلطنة واستأنف الحرب مع ابن أخيه؛ إلى أن ضج الناس ويئس الزغل 
وأبرم اتفاقاً مع إيزابيلا في عام 1489 وغادر إلى تلمسان. وحتى بعد أن استتب الأمر لعبدالله» 

تواصلت الثورات والمؤامرات والتواطء مع الأعداء من جانب كبار رجال دولته [المترجم]. 
2( أبو عبدالله محمد الثاني عشر (من حوالي 1460 إلى 1527) آخر ملوك بني نصر والمسلمين عموماً 
في الأندلس الملقب بالغالب بالله» تولى الحكم بعد حرب أهلية ضد أبيه ثم عمهء وأسرته 
جيوش إزابيلا قبل أن تطلق سراحه ليعود إلى إمارته» أسماه الإسبان أبا عبيدل وأسماه أهل 
غرناطة الزغابي» بمعنى المشوؤوم أو التعيس [المترجم]. 


1_طماع !© :161]أللا 1 65 


الدين والدم 


وبحلول صيف عام 1491. كانت المدينة التي تغنى بها الشعراء 
وبات بمقدور أبي عبيدل وحاشيته أن يروا من قصر الحمراء خيام 
الجيوش النصرانية وأعلامها وراياتها المعسكرة في مرج غرناطة» على 
بعد بضعة أميال. وداخل أسوار المدينة كان السكان متخمين بالجنود 
تصلهم إمدادات غذائية متضائلة من الوديان الواقعة وراء الحائط الثلجي 
لسيرانيفادا. ومع ذلك كان الفرسان المسلمون ينفذون هجمات متكررة 
خارج المدينة لتحدي نظرائهم النصارى ف قتال فردي» وكان الجانبان 
يدخلان في مناوشات متقطعة. لكن إظهار شجاعة الفرسان على هذا 
النحولم يجلب لسكان غرناطة المحاصضرين غير العزاء النفسي. 

وفي يولي وأظهرت الجيوش النصرانية عزيمتها ومواردها المتفوقة» حين 
أحرقت نيران غير مقصودة فسطاطها تماماً. ففى بضعة أشهر استعاضوا 
عن هذا المعسكر بفسطاط بُنى على شكل صليب أسموه سانتافيه 8)هة5 
6 [العقيدة المقدسة]. ومن خلال تأمين مواقعهم, آثر النصارى تجويع 
غرناطة حتى الاستسلام» بدلا من تنفيذ هجات مكلفة. وعلى مدار 
الصيف والخريف. راحت قوات فيردناند تنشر الدمار في وادي القرن"© 
وجبال البشرات”" وتحرق القرى وتحطم المحاصيل والبساتين التي كانت 
اليهود والجنويين” والعبيد الأفارقة والأسرى النصارى في غرناطة إلى 
أكل الخيول والكلاب والجرذان. وفي نوفمبرء بدأ أبو عبيدل ومستشاروه 


(1) ءالولا «نرمم]1 في اللغات الأوروبية [المترجم]. 
(2) كهتهاهتاه1/10 مسد زناماه في اللغات الأو روبية [المترجم]. 
(3) نسبة إلى جنوى الدولة-المدينية الإيطالية [المترجم]. 


66 ١_طماع‏ !© :161 ]آنلا 1 


مدخل «نهاية مآسي إسبانيا» 

مفاوضات الاستسلام مع السكرتير الملكي القشتالي ايرناندو دي ثافرا 
عل ولسقدمعقع. وفي الشهر التالي وقع الملك النصري اتفاقية سرية 
على تسليم المدينة في السادس من يناير 1492. وحين أثارت الشاتعات 
حول هذه المفاوضات احتجاجات عنيفة في ربض البيازين”" بالمدينة» 
طلب أبو عبيدل تقديم تاريخ التسليم خمسة أيام. 

وفي ليلة أول أيام يناير» سمح لفرقة من القوات النصرانية بالدخول 
سراً إلى قلعة قصر الحمراء» وفي الصباح التالي استيقظ سكان غرناطة 
المذهولون ليجدوا أن الحرب قد انتهت وأن رايات قشتالة والقديس 
جيمس قاطع رقاب الأندلسيين, ذلك الحواري الذي أصبح أيقونة 
الاسترداد» ترفرف فوق الأسوار الحمراء الشاهقة لقصر أبي عبيدل 
الفخم. ومن أطول الأبراج- برج الرياح- أعلن صليب فضي ضخم 
الانتتصار النصراني لفيردناند وإيزابيلا اللذين كانا يراقبان من مسافة 
قصيرة ومعههما| جيوشه| وحشد من الحاشية والنبلاء ورجال الدين. 


(1) ربض البيازين «]ءنهط1هم هو الحي العربي بغرناطة [المترجم]. 

(2) كان أبو عبيدل أو عبدالله الصغير وكبار قادته مهمومين مصير أنفسهم وعائلاتهم وممتلكاتهم 
قبل صالح شعبهم ودولتهم؛ رما لما تأكدت لهم الهزيمة» حتى أن الوزير أبي القاسم بن 
عبدالملك ومساعده في المفاوضات يوسف بن كماشة قيل أنهما كتبا إلى الملكين الكاثوليكيين 
خطاباً يؤكدان فيه إخلاصهما واستعدادهما لخدمتهماء بل إن أبا عبيدل نفسه رغم أنه عقد 
معاهدة استسلام ضمنت حقوق رعيته وسلامتهم وأمانهم كان معنياً في المقام الأول بخلاصه 
وممتلكاته» بل عقد هو ووزراوه مع النصارى معاهدة سرية حصلوا ممقتضاها على ضياع 
وأموال نقدية» ولذلك فحين تسربت أنباء الموافقة على الاستسلام عم الحزن والغم ربوع 
غرناطة وانتفض الناس للدفاع عن المدينة» فما كان من أبي عبيدل إلا أن اتفق مع فيردنائد 
على تسليم المدينة قبل الموعد في الثاني من يناير 1492» ويبدو أن إدخال القوات النصرانية ليلا 
إلى قلعة قصر الحمراء كما سيرد في الفقرة التالية كان مقصوداً به عدم إفلات الأمر من يد أبي 
عبيدل وتسليم المدينة قبل أن يطيح به الثوار [المترجم]. 

(3) هكذا اسمه في اللغات الأوروبية 28/100511 عطا وعم[ 6م51 مع مراعاة ترجمة :00 
إلى «أندلسيين» وليس «مغاربة» [المترجم]. 

(4) اسمه في المصادر العربية برج الحراسة [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 67 


الدين والدم 
/ ولدى رؤية العلّم والصليب, تعالت الهتافات المبتهجة «قشتالة!»؛ 
وأغلنت إيزابيلا «ملكة غرناطة» الجديدة. كانت العاطفة جياشة جدا 
لدرجة أن الجنود الأشداء تعالت أصواتهم بالبكاء وأخذ يعانق أحدهم 
الآخر. وسجدت إيزابيلا القشتالية «اللبؤة العظيمة» شكرا لله» وتبعها 
الجيش كله. فيها كانت الجوقة الملكية تغنى ترنيمة 52105ة300.آ تناءط ع1 
[لك الحمد يا ألله]. وبعد ذلك قاد الكاردينال مندوسة 11670028 رئيس 
أساقفة طليطلة وأعلى رجل دين في المنطقة موكباً من الجنود والرهبان 
والأساقفة نحو المدينة المفتوحة في عرض مهيب للأبهة والقوة العسكرية 
القشتالية. وفي الجهة المقابلة» كان أبو عبيدل يخرج من قلعة قصر الحمراء 
ومجبط التل ومعه حاشية من الفرسان والأقارب والخدم. وعندما اقترب 
«الملك الصغير»؛ كما كان النصارى يدعونه باستهزاء. من الملكين» أعطى 
فيردناند مفاتيح المدينة التي ناوها بدوره إلى زوجته. فيا هلل المنادي 
الملكي: «صاحبي السمو الملك فيردناند والملكة إيزابيلاء اللذين ربحا 
مدينة غرناطة وكامل مملكتها بقوة السلاح من الأندلسيين الكفار». 
كثيراً ما يصوّر المؤرخون والكتاب والشعراء هذه اللحظة الأيقونية 
ويزخرفونها. ولعل تمثيلها البصري الأشهر هو لوحة فنان القرن التاسع 
عشر فرانثيسكو براديا أورتيث 02 :ز113نله, مءواعمةر1» التي تصوّر أبا 
عبيدل معمما وعبداً أسود حافياً يممسك بزمام حصانه. وفي الخلفية يظهر 
قصر الحمراء. وفي مواجهته يوجد فيردناند وإيزابيلا مدثرين بملابسها 
المبهرجة ومحاطين بالحاشية والكهنة وسط بحر من الرايات والحراب 
والأعلام. إنها لوحة رومانسية لما كان في حقيقته عملاً قد سبق عرضه من 
أعمال المسرح السيامي, لأن النقل الفعلي للسلطة كان قد تم فعلاً في الليلة 
السابقة» لكنه مع ذلك يمسك بأهمية المناسبة من منظور أبطاها النصارى. 
ثم شق الحاكم الأخير للأندلس طريقه بعيداً إلى المنفى في ضياعه 


68 1_طماع !© :11 ]آنل 1 


مدخل «نهاية مأسي إسبانيا» 

الواقعة في جبال البشرات. ولم توقفه غير «الزفرة الأخيرة» الأسطورية”", 
حسرةً على مملكته الضائعة التي وجدت طريقها إلى الروايات الكثيرة 
لسقوط غرناطة» من واشنطن إرفينغ إلى سلمان رشدي. لكنه ترك خلفه 
رعاياه المهزومينء الذين أغلقوا عليهم بيوتهم. فبدت المدينة مهجورة 
«وكأنها مدينة ضريها الطاعون» بتعبير أحد المؤرخين اللاحقين. فلم يظهر 
مسلم واحد في شوارع غرناطة في اليوم الأول لاستيلاء القوات النصرانية 
المبتهجة على المدينة. وتوجه فيردناند وإيزابيلا مباشرة إلى قصر الحمراء» 
وقضيا فيه بقية اليوم. وفي وقت متأخر من مساء اليوم نفسه نزلا إلى المدينة 
ليتلقيا هتافات الجنود قبل العودة إلى فسطاط «العقيدة المقدسة». فيا كان 
قصر الحمراء يجهز لاستقبال البلاط. 

هكذا انتهى ما أسماه أحد المعاصرين «أسعد وأببى يوم طلعت 
عليه الشمس في إسبانيا». فبالنسبة إلى الكاهن والمؤرخ الملكي أندريس 
بيرنالديث 86031062 820:65 كان سقوط غرناطة الخاتمة المجيدة «للفتح 
المقدس والمهيب» الذي أثبت أن إسبانيا وحكامها كانوا مباركين من 
الرت!: وبالسبة إلى نتن مازتز الأنقيازي © العالمٍ الإيطالي بالبلاط 
القشتالي» كانت نهاية الإسلام الأبرق تثير عييا إلى «نهاية مآسي 
إسبانيا» التي بدأت حين اجاء هذا الشعب الهمجي ... من موريتانيا 
قبل زهاء ثمانائة عام تقريباء وأنزل اضطهاده القاسي والمتغطرس بإسبانيا 
المحتلة»6أ. وفي أنحاء إسبانيا كافة» احتفل الناس بأخبار الاستسلام 


(1) لايزال هذا المكان يعرف باسم «زفرة الأندلسي الأخيرة» رمم اعل ممتمكناة مصسنآن اع 
الذي بكى فيه أبو عبيدل؛ فقالت له أمه عائشة الحرة: «ابك مثل النساء ملكأ مضاعاً لم 
تحافظ عليه مثل الرجال»» مع أن غيرة عائشة من ضرتها القشتالية كانت السبب وراء خروج 
أبي عبدالله وأخيه يوسف على أبيهماء وما تلاه من حرب أهلية مضنية كانت من العوامل 
الأساسية لضعف غرناطة وسقوطها [المترجم]. 

(2) أمعنطعمة عبوزيو]ز3 رماعط نسبة إلى مدينة أو منطقة أنغياري دمءتطعمه الإيطالية [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 69 


الدين والدم 

بالولائم الشعبية والمواكب الدينية والقداسات الخاصة. وفي بعض المدن» 
استمرت المهرجانات والألعاب لأيام. 

كما قوبل خبر فتح غرناطة بحماس مساو في أنحاء أورويا كافة. 
ففي الوقت الذي كانت فيه الانتصارات النصرانية على الكفار قليلة 
ومتباعدة» وكانت أجراس الكنائس في النمسا وألمانيا تدق ثلاث مرات 
يومياً لتذكير سكانها بالتهديد الوجوديء الذي كان «الأتراك المروّعون» 
يفرضونه عله أفلن فيردناند وإيزابيلا بطل العالم النصرانيء وكافأهما 
البابا بلقب «الملكين الكاث و ليكيين» 5مع1611هه وعلزء: 105. وني إنجلتراء جمع 
هنري السابع البلاط لصلاة خاصة في كاتدرائية القديس بول وهناك 
وعظ الجمع بأن «ينشدوا لله أنشودة جديدة»؛ وأثنى على «بسالة ملكي 
إسبانيا فيردناند وإيزابيلا وتقواهما». 

أما نتائج سقوط غرناطة في التاريخ الإسباني فقد أصبحت مادة 
مكررةة كيت خصل الكامز احنوي. اللي كرشتوفر كولوميوس 
أخيرا على الإذن من فيردناند وإيزابيلا للقيام برحلات الاستكشاف 
التي قدمت لإسبانيا إمبراطوريتها الشاسعة فيها وراء البحار» وكيف 
ححوّلت الطاقات العسكرية» التى تراكمت عبر قرون الحرب المقدسة 
شبد الكفان إل فتوحات جديذه يأبة عن الدين» وكيف ريدت اكه 
قشتالة الفقيرة من قرون العزلة» لتصبح إمبراطورية عالمية. لكنء بالنسبة 
إلى كل من المنتصرين والمسلمين المهزومينء الذين أصبحوا رعاياهم في 
إسبانيا النصرانية الموحدة» كانت نهاية حرب غرناطة فاتحة لنوع جديد 
من المواجهة لم يتوقعه أحد الطرفين أو يستعد له. وكي نفهم كيف تكشّف 
هذا الصراعء نحتاج إلى أن نرجع إلى الوراء بعيداء نحو العالم الذي انتهى 
في ذلك اليوم المهم من شتاء عام 1492. 


4 ١_طماع‏ !© :121 ]آنلا 1 


الباب الأول 


الغزو للتنصير 


وأين قرطبة دار العلوم فقكم من عالم قد سما فيها له شان 
وأين حمص”2 وما تحويه من نزه ونهرها العذب فياض وملآان 
قواعد كن أركان البلادفما عسى البقاء إذا لم تبق أركان 
تبكي الحنيفية البيضاء من أسف كما بكى لفراق الإلف هيمان 
على ديار من الإمسلام خالية قد أقفرت ولها بالكفر عمران 
حيث المساجد قد صارت كنائس ما فيهن إلا نواقيسشن وصلبان 


أبو البقاء الرندي, رثاء إشبيلية (1267) 





(1) كانت إشبيلية تعرف أيضاً باسم «(حمص»؛ بسبب نزول جند الشام فيها أول ما نزلوا بالأندلس 
[المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 


1 
الاستتناء الأيبيرى 


أجى سقوط غرناطة ما كان يعد من عدة نواح انحرافاً استثنائياً عن 
المواجهة الدينية والحيوسياسية المريرة بين الإسلام والنصرانية. فقد 
وقعت أحداث معظم تاريخ الأندلس على خلفية الحملات الصليبية» 
حيخ كانت دعاية الخرب التصرالية فضوّر الساراكينوس © المسَلمين دوماً 
أمهم «عرق ملعون»» وكفار فاسقونء وبرابرة دون مرتبة البشرء ووحوش 
لهم رؤوس كلاب لا يستحقون غير الإبادة. فوحشية الحرب الصليبية 
وخطاب الجحرب المقدسة» الذي كان جرد العدو من إنسانيته» والذي كان 
في الوقت عينه وقوداً لاستمرارهاء كان يصحبها دائاً احتقار للإسلام 
نشبية» وا كداز هنة: 
فبالنسبة إلى نصارى القرون الوسطىء لم يكن الإسلام ديناء بل «نحلة 
ضالة» و«فيروساً مهلكاً» و«إهانة للرب»»؛ وكانوا ينظرون إلى أتباعه أنهم 
(1) الساراكينوس أو السراسنة 572668 مصطلح تاريخي ممعنى «الشرقيين» ويبدو أنه مشتق من 
الكلمة العربية» استخدم للإشارة إلى جماعات معينة؛ لكن ,معان مختلفة. فاستخدم في القرون 
الأولى لميلاد المسيح في اللغتين اليونانية واللاتينية للإشارة إلى سكان المناطق الصحراوية في 
مقاطعة البتراء الرومانية أو حولهاء الذين كانوا ثميزين عن العرب؛ وفي أوروبا في العصور 
الوسطى المبكرة بدأ استخدامه لوصف القبائل العربية» وفي القرن الثاني عشر أصبح مرادفاً 
لكلمة «مسلم» في أدب العصور الوسطى اللاتيني؛ وهو التوسيع للمصطلح الذي حدث قبل 
قرون بين البيزنطيين كما يتضح في الوثائق اليونانية البيزنطية من عهد الخلافة الأموية. ولا 
يخفى ما يتضمنه المصطلح من تحقير وازدراء [المترجم]. 


75 
11_طماع !© :1]61]أللا 1 


الدين والدم 
وثنيون وزنادقة وعباد أوثان و«عباد حجارة»» في إثخثارة إل حجارة الكنية 
في مكة. وبالنسبة إلى توما الأكويني"., كان امون «أناساً غير عقلاء» 
تنقصهم الدربة في الأمور الإلهية والإنسانية» فهم أقرب إلى البهائم» وهم 
يقطنون البراريء ويجهلون كلية كل التعاليم الإلهية». وعلى مدار العصور 
الوسطىء كانت العداوة النصرانية تتكشف دائا في كتيبات الجدل المعادية 
للإسلام» التي كانت تهاجم البطلان والتضاربات المفترضة في القرآن. 
ا 00 
قبع ككيراً بأنه نبي كاذب» و«ساحر)» و«شهواني» ومتعدد الزوجات» 
خدع أتباعه السذج بوعود كافرة «باالجنس في الحنة) © . . ودحض بعض 
الكتاب الدينيين الادعاءات الإسلامية بأن محمداً - صل الله عليه وسلم- 
قد صعد إلى السماء ف صحبة ة الملايكة20, وقالوا إن - جثته أكلتها الكلااب 
والخنازير. 
انتشرت هذه الكتيبات الحدلية في أيبيريا قي وبعضها كان ينتج 
خضيهاً للقراء الإسبان. ففي عام 2 كلف رئيس دير كلوني لإمنا© 
بجنوب فرنسا رجال دين إسباناً بإنجاز ترجمة لاتينية للقرآن» كي يُشْرّحوا 
«أخطاءه». وثمة ترحمة ممائلة أنجزها مارك الطليطلٍ 6 2131 عام 
(1) توما الأكريني 25 11011135" ( من 1225 إلى مارس 1274) راهب دو مينيكي إيطالي بالكدسية 
معلمي الكنيسة الثلائة والثلايين) وأحد الشخصيات الماثرة في مذهب اللاهوت الطبيعي» 
وأبو المدرسة التوماوية في الفلسفة واللاهوت. يعرف بالعالم الأنغليكاني والعالم المحيط» 
ينسب إلى بلدة «أكوين» الإيطالية» أثر تأثيراً كبيراً على الفلسفة الغربية الحديثة» ولو فقط من 
باب الثورة على أفكاره في مسائل الأخلاق والقانون الطبيعي والنظرية السياسية [المترجم]. 
(2) كل الكلمات والعبارات المسيئة للإسلام ورسوله الكريم» وحتى للمسلمين والمورسكيين- 
كما أكدنا في حاشية سابقة- لا تعبر عن رأي المؤلف» ولا هي حتى من تعبيره» وإنها هي تعبير 
النصارى أو المؤلفين في تلك الأزمان؛ ولذلك وضعها مؤلفنا بين مزدوجين» فهو يورد هذه 
(3) الإشارة إلى حادثة الإسراء والمعراج [المترجم]. 


74 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


1- الاستشناء الأيبيري 
0 تضم تقديياً لرئيس أساقفة طليطلة» أوضح فيه كيف «أغوى محمد 
الشعوب البربرية بأوهام خيالية». وكشفت العاطفة المعادية للمسلمين في 
إسبانيا النصرانية عن نفسها في مفردات ازدرائية أشارت إلى الأندلسيين 
بألفاظ الساراكينوس الحاجريين (الأحفاد اللقطاء للمحظية هاجر 
كا ورد في التوراة©) ات محمد الأقذار» و«أعداء الرب». ومع أن 


(1) الهاجريون 65)فمع112 أو عانمهع 112 فرع من الإسماعيليين ورد ذكره في التوراة» وهم سكان 
مناطق طور سيناء عنا]ء1 ونافش طوفطمج]7 ونوباد 7]0520 الواقعة شرق جلعاد» يكنّ لهم 
اليهود- والنصارى تأثراً باليهود وتبنياً لروايتهم- عداوة قديمة؛ منذ أن حاربهم بنو رأوبين 
والجاديون في أيام الملك شاؤول وانتصروا عليهم؛ ودعا عليهم أساف بأن ينتقم الله منهم 
ويحملهم باعل اخل؛ مثل القش أمام الريح. كنار تحرق الوعرء كلهيب يشعل الجبال. هكذا 
اطردهم بعصفتك؛ وبزوبعتك روعهم. املأ وجوههم خزياًء فليطلبوا اسمك يا رب. ليخزوا 
ويرتاعوا إلى الأبد» وليخجلوا ويبيدوا. ويعلموا أنك اسمك يهوه وحدك؛ العلي على كل 
الأرض» (المزمور 83 :5-17). وكما سيرد في مواضع لاحقة من الكتاب فهم نسل إسماعيل 
ابن هاجر «الجارية» التي أمرت سارة إبراهيم- كما في رواية التوراة- بعد أن رزقها الله 
بإسحاق بأن يطردها هي وابنها من البيت» فأخذهما إلى بئر سبع أو برية فران» وهناك تعلقت 
به هاجر وتوسلت إليه ألا يتركهما في هذا المكان المقفر لأنها ستموت حتماً هي وطفلهاء 
لكن إبراهيم أشاح وجهه عنها وانصرف داعياً الله لهماء ثم قفل عائداً إلى بلاد الشام. وتقول 
الرواية القرآنية إن إبراهيم استيقظ صباحاً فأمر هاجر بأن تتبعه بابنها الرضيع إسماعيل» فخرج 
بهما وهو لا يدري إلى أين يأخذهماء وكان كل ما مر.مكان فيه شجر ونخل وزروع قال: إلى 
ههنا يا رب؟ فيجيبه جبرائيل: امض يا إبراهيم» حتى وصل بهما إلى مكة؛ حيث لا زرع فيها 
ولا ماءء وهناك تركهما داعياً لهما الله: إربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند 
بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة» فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الشمرات 
لعلهم يشكرون» (إبراهيم: 37). وإسماعيل أيضاً توج من مصرية كأبيه؛ وهو في الإسلام 
لبي ابن بني» لكنه في العهد القديم ليس نبيأً» إذ قصرت التوراة النسل الوارث للنبوة في أيناء 
سارة: إسحاق ويعقوب. وإذا كان إسماعيل أبا العرب, أو على الأقل العرب المستعربة» فإن 
لعن الهاجريين ينصرف إلى العرب؛ مع أن الله كما ورد في سفر التكوين بالعهد القديم أنقذه 
وأمه من الهلاك وجعله أمة عظيمة: : «فبِكرَ إبراهيم صباحاً وأخذ خبزاً وقربة ماء وأعطاهما 
لهاجر واضعاً إيَاهما على'كتفها والولد إسماعيل وصرفها. فمضت وتاهت في برية بثر 
سبع. ولما فرغ الماء من القربة طرحت الولد تحت إحدى الأشجار ومضت وجلست مقابلة 
بعيداً نحو رمية قوس لأنها قالت لا أنظر موت الولد فجلست مُقابلة ورفعت صوتها وبكت. 
فسمع الله صوت الغلام. ونادى ملاك الله هاجر من السماء وقال لها مالك يا هاجر. لا - 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 7 


الدين والدم 


بعض المسلمين الإسبان كانوا يشيرون إلى أنفسهم باسم الأندلسيين» فإن 
المصطلح كان ازدرائيا عموما حين يستخدمه النصارى واكتسب مدى 
من الدلالات الثقافية والدينية السلبية كانت توضع غالبا في مقابل طهر 
التضرانية وسموها. 

وف مقابل الأندلسيين المتوحشين والبرابرة والهمجيين كان النصارى 
عقلانيين ومتمدنين. وفي حين كان النصارى يبجلون العفة والتبتل؛ كان 
الأندلسيون داعرين ويخالطون نساء كثيرات”" ويعجزون عن السيطرة 
على شهواتهم الجنسية. وبينا كان النصارى مسالمين ويوفون بالعهد 
ويحفظون الميثاق» كان نظراؤهم الأندلسيون يحبون الحرب وعدوانيين 
ومخادعين وخائنين. وبالنسبة إلى سانشو الرابع القشتالي كان «الأندلسيون 
محرد كلاب... فتلك الأشياء التي يعتبرها النصارى شريرة وآثمة 
يعتبرونها هم جيدة ومفيدة» والتي نعتبرها مفيدة للخلاص يعتبرونها هم 
)للا 


- تخافي لأنَّ الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو. قومي احملي الغلام وشدي يدك به. لأني 
سأجعله أمّة عظيمة. وفتح الله عينها فأبصرت بثر ماء فذهبت وملأت القربة ماء وسقت الغلام. 
وكان الله مع الغلام ذ فكبر» وسكن في البرية» وكان ينمو رامي قوسء وسكن في برية فاران. 
وأخذت له أمّه زوجة من أرض مصر» [المترجم]. 

(1) الإشارة هنا إلى تعدد الزوجات في الإسلام [المترجم]. 

(2) اعتاد الغرب؛ حتى قبل ظهور النصرانية» على نعت أعدائه بالبرابرة والهمج والمتوحشين ونزع 
الصفة الإنسانية عنهم وشيطنتهم وتحقيرهم. وفيما يخص أعداءه المشرقيين تحديدأء بدأ هذا 
الوصف التحقيري والنازع للإنسانية من جانب الإغريق الأثينيين بحق أعدائهم الفرسء وفيما 
بعد من جانب النصارى الأوروبيين عموماً بحق العرب المسلمين ثم الأتراك المسلمين» وظل 
باقياً حتى في كتابات العصور الحديثة المبكرة لكتاب مشاهير من أمثال ميكيافيللي وماكس 
فيبر وغيرهماء وحتى الان لايزال هذا الميراث يتردد صداه في كتابات حديثة من تلك التي 
تروج لفكرة الصدام الحضاري بين الغرب والإسلام؛ كما سيتاكد في الفصل الأخير من هذا 
الكتاب عند كتاب من أمثال بات يور وميلاني فيليبس. وللأمانة» فإن الملمين طوروا أيضاً 
نسختهم من تكفير النصارى والتشكيك في كتابهم وعقيدتهم؛ فضلاً عن نعتهم بالبربرية 
والهمجية والقذارة» على نحو ما جاء- على سبيل المثال لا الحصر- في رسالة ابن فضلان - 


6م ١_طماع‏ !© :161 ]آنل 1 


1- الاسشناء الأيبيري 


على أنه كانت هناك بعض الاستثناءات لهذا التصوير السلبي» مثل 
المحاربين الأندلسيين المثاليين» الذين يصوّرون كثيراً في القصائد الغنائية 
النصرانية للقرون الوسطى على التخوم الغرناطية. فشخصية «الأندلسي 
النبيل» كانت فكرة.نمطية ثابتة في الأدب الإسباني بالقرون الوسطى 
والعصر الحديث المبكرء وجدها نصارى كثر غريبة وساحرة. وكان 
هؤلاء الأندلسيون المصورون في الأدب دائياً فرساناً أو أرستقراطيين» 
ركاتت فروستهم في العشق والقتال تضاهي فروسية نظرائهع التصاري» 
وصوّروا غالبا بإجلال وإعجاب حتى ينقضا العداوة التي ميزت المواقف 
النصرانية من العدو الأندلسي. وقد أوجد التصوير النصراني الرومانسي 
للأندلسي في القصائد الغنائية بالقرون الوسطى المتأخرة» مثل شخصية 


- عن بلاد جورجيا وروسيا والبلاد الإسكندينافية» حيث قال في الروس «وهم أقذر خلق الله 
لا يستنجون من غائط ولا بول» ولا يغتسلون من جنابة» ولا يغسلون أيديهم من الطعام؛ بل 
هم كالحمير الضالة» يجيئون من بلدهم فيرسون سفنهم بإتل؛ وهو نهر كبير» ويبنون على 
شطه بيوتاً كباراً من الخشب. ويجتمع في البيت الواحد العشرة والعشرون والأقل والأكثن 
ولكل واحد سرير يجلس عليه؛ ومعهم الجواري الروقة (الجميلات) للتجار فينكح الواحد 
جاريته ورفيقه ينظر إليه ... ولا بد لهم في كل يوم من غسل وجوههم ورؤوسهم بأقذر ماء 
يكون وأطفسه (أنجسه). وذلك أن الجارية توافي كل يوم بالغداة» ومعها قصعة كبيرة فيها ماء» 
فتدفعه إلى مولاها فيغسل فيها يديه ووجهه وشعر رأسه؛ فيغسله ويسرحه بالمشط في القصعة 
ثم بمتخط ويبصق فيهاء ولا يدع شيئا من القذر إلا فعله في ذلك الماء. فإذا فرغ ثما يحتاج 
إليه حملت الجارية القصعة إلى الذي جانبه ففعل مثل فعل صاحبه ..»؛ وقال في الدمركيين: 
«كانوا يغتسلون في النهرء ويتخلصون من نفاياتهم خارج الأبواب .. ومع ذلك لم يكونوا 
حقاً نظيفينء إلا بالمقارنة» يقصد مقارنة بقذارة الروس» وقال فيهم أيضاً «ويتألف بجتمع 
تريلبورغ غالبا من الرجال» وجميع النساء من الجواري» ولا توجد زوجات بين النساء. 
وينال الرجال من يشاؤون من النساء بحرية وكيفما يشاوئُون»رسالة ابن فضلان» تحقيق سامي 
الدهان. مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق؛ 1959). وخشيةٌ من أن تحرح الأوصاف 
المسيئة للإسلام والمسلمين كبرياء القارئ العربي, فد قررتٌ للوهلة الأولى أن ألحق بالكتاب 
أحد كتيبات المسلمين الأوائل من هذا النوع؛ لكنني تذكرت أن الرسالة الأساسية للكتاب 
تتمثل في تعزيز التعايش والتسامح وقبول الآخرء ولذلك عدلتٌ عن هذه الفكرة لأنها تحيل 
الكتاب إلى سجال في السباب والشتائم» .ما يخرجه عن هدفه الأصلي [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 777 


الدين والدم 


ابن عبار”" المجهولة» شكلاً من الندية بين الحانيين» وكان فاتحة للميل إلى 
إضفاء طابع مثالي على الماضى الأندلسى والحنين إليه» الذي أسماه الدارس 
الفرنسي جورج سيروت 0106 5ع6018 0 «الولع الأندلسي ف الأدب» 
تأوزانطمم ه31 لامةره:11. وكان الشعراء التروبادوريون© النصارى 
يتغنون كثيراً بجيال الأندلسيات» من الأميرات المحجبات الغامضات 
إلى العاميات الناطقات باللغة العربية في الغيتو © الإسلامي, اللاتي كلفوا 
مهن في كثير من القصائد والأغاني الشعبية. 
غير أن عناصر الفتنة والتوق في التمثيلات الثقافية النصرانية لم تكن 
بحال من الأحوال كافية لإضعاف حدة العداء الديني للعدو الكافر» 
الذي كان العالم النصراني جله يعتبره مغتصبا ودخيلا على الأراضي 
النصرانية. على أن تشويه الأندلسيين لم يتخذ طابعاً عرقياً بالمعنى الحديث. 
(1) ابن عمار 4663:537 قصيدة رومانسية من الأدب الإسباني للقرون الوسطى مكونة من ستة 
الثاني القشتالي» تصف أحداثاً تاريخية وقعت في عام 1431 لكن مرلفها وتاريخ تأليفها غير 
معروفين. تمجد القصيدة عظمة الأندلسيين وقتالهم من أجل استقلال مملكتهم, وتبدأ بثناء 
الملك على نبل ابن عمار. ينظر الملك إلى غرناطة من بعيد ويسأل ابن عمار عن القلاع 
والقصور الشاهقة التي يراها بداخل المدينة» فيرد ابن عمار بوصف بعض العجائب المعمارية 
رأى املك غرناطة وسمع عن ثرائهاء خاطب المدينة نفسها طالباً يدها للزواج» ومقدماً لها 
قرطبة وأشبيلية مهراً لها لكنها أبت بكبرياء قائلة: «إنني متزوجة. ولست أرملة» وزوجحي 
الأندلسي يهيم بي حباً» [المترجم]. 
(2) الشعراء التروبادوريون :0ا200هنامخ] طبقة من الشعراء الغنائيين و«الشعراء الموسيقيين» اشتهروا 
في جنوب فرنسا وشمال إيطاليا من القرن الحادي عشر إلى نهاية القرن الثالث عشر [المترجم]. 
(3) آثرثٌُ الاحتفاظ بكلمة «الغيتو» لإبراز المعاناة والاضطهاد اللذين تعرض لهما المسلمون في 
الأندلس» ماما مثل اليهود الذين عاشوا في «الغيتوهات» اليهودية التي عرفت بهم واستعطفوا 
بها وبالمحرقة- التي يخصص الكتاب الحالي فصلا كاملاً عن طرد المورسكيين باعتباره 
«المحرقة المستساغة)»- العالم حتى ميتزهم على البشر 20 وأعطاهم أرضاً لست أرضهم 
وأمدهم بالدعم والحماية وخصهم بقوانين تحميهم من النقد. في تعارض صريح مع حرية 
الرأي والتعبير [المترجم]. 


78 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


]- الاسشناء الأيبيري 

فعلى الرغم من أن بعض التواريخ النصرانية من القرون الوسطى تذكر 
سواد بشرة المحاربين الأندلسيين لتعزيز تمثيلاتها للمسلمين على أنهم 
أجانب وبرابرة» تضم الرسوم التوضيحية بكتاب الشطرنج لآالفونسو 
الحكيم”" أندلسيين سمراً يلعبون الشطرنج مع النصارى. ما يوحي بأن 
لون البشرة لم يكن وصمة عار في إسبانيا القرون الوسطى. 

كان العداء النصراني الأيبيري يدفعه في الأساس إحساس بالتفوق 
الديني والثقاني» تعزز بفعل تجربة الغزو والإخضاع. لكن في حال 
تحييد الحقد الديني» ولو نظرياً على الأقل» فإن الشوفينية الثقافية كان 
من الصعب تأييدها بالأدلة. فقد يصوّر المؤرخون النصارى الأندلسيين 
على أنهم برابرة بدائيين» لكن هذه الفرضيات لم تكن تصمد كثيراً أمام 
الحضارة الإسلامية المجاورة التي تفوقت عليهم في إنجازاتها. من ذلك 
أن مؤلف «التاري يخ العام الأول لإسيانيا» 4ه عاءتهمعك لممعمعء0 )مز 
منهم؟ الذي يعود إلى القرن الثالث عشر, عند وصفه غزو فيردناند الثالث 
القشتالي لإشبيلية عام 1248» لم يتمكن من كبح انبهاره بعجائبهاء وقال: 
الا توجد مدينة في العالم بهذا التناسق والتناغم». 

ومع تقدم عملية الاسترداد. طوى النسيان قوة إسبانيا الأندلسية 
وإنجازاتهاء وغدا العدو الأندلسي المرهوب الجانب سابقاً مستضعفاً 
ومحتقراً أكثر منه مصدر تبديد. وفي العصور الوسطى المتأخرة كانت 
مدن وقرى إسبانية كثيرة تنظم مواكب ورقصات مهرجانية كانت تعرف 
باسم «الأندلسيين والنصارى»» كان النصارى المحليون يلبسون فيها زي 
لذ لدي هزمهم النصارى في معارك وهمية. وفي بعض الحالات» كان 


(1) الفونسو الحكيم 0عم:دع.1 ءطا وومه415 هو ألفونسو العاشر ملك قشتالة وليون وجليقية 
(حكم من 252إإلى 1284)) اهتم بالعلم» واتخدذ القشتالية لغة للتعليم» وكان مولفاً غزير 
الانتاج [المترحم]. 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 70 


الدين والدم 


النصارى يحتفلون بانتصارهم بتحطيم دمى للنبي محمد أو إغراق مقلّد أو 
ممثل له في البئر المحلية!3ا. 
ا 6 
على أن الحقد والعداوة لم يكونا من جانب النصارى فقطء فقد كان 

لإسبانيا الإسلامية مفردات تشويه واحتقار خاصة لوصف النصارى». 

منها وصفهم أنهم أعداء الله والنصارى (أي أتباع الناصري”"). 

والكلاب. والخنازير» والفرنجة» وهو مصطلح عام لكل النصارى 

الأوروسين كان مرادفا للهمجية والقتل وانعدام الثقافة. ومن ذلك 
وصف الجغرافي الأندلسي إبراهيم بن يعقوب للجليقيين” أنهم ١غادرون‏ 
وأقذار ولا يستحمون إلا مرة أو مرتين في العام وبلماء البارد. ولا 
يغسلون ملابسهم إلى أن تبلى» لأنهم يزعمون أن الأوساخ التي تتراكم 
نتيجة لعرقهم ترقق أجسامهم»#ا. وهذه الصورة للنصارى كأناس 
بدائيين أقذار غير متحضرين كانت تقترن دائ]ً بعداوة دينية لم تكن أقل 
عمقاً من نظيرتها النصرانية. ومع أن المسلمين قبلوا بعضاً من جوانب 

الدين النصراني» فإنهم رفضوا ما اعتبروه تعاليم كافرة» مثل الثالوث» 

وإلوهية المسيح» وبتولة مريم» وفي بعض الأحيان» كتب علاء الدين 

المسلمون كتيبات جدلية معادية للنصرانية» كانت تسخر من «الأخطاء» 

والتضاربات في الكتاب المقدس. 
ليس غريباً إذن أن النزاعات المسلحة بين امالك النصرانية والإسلامية 

(1) ربماعلى منوال لفظ «التصارى» الذي استخدمه المسلمون قديرماًء أطلق النصارى على المسلمين 
اسم «المحمديين» أو «الطائفة المحمدية»» ليس فقط من باب التحقير» كما سيرد في حواشي 
لاحقة» وإنما من باب إنكار دينهم وتكذيب نبيهم [المترجم]. 

(2) نسبة إلى منطقة جليقية 0811618 في شمال غرب إسيانيا تتمتع الآن بحكم ذاتي» لكنها لم 
تكن يوماً دولة أو مملكة مستقلة» كما كانت الحال مع قشتالة مثلاً؛ لكنها مع ذلك لم تخضع 
يوم للحكم الإسلامي» ولعبت دوراً في عملية الاسترداد لوقوعها على طرق الحج النصراني» 
وتعرّب اليوم غاليسيا [المترجم]. 


580 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


وج الاسشناء الأيبيري 


في أيبيريا كانت متكررة» وتتميز في الغالب بنوع المذابح التي تصوّرها 

قصيدة «سيد» الملحمية من القرون الوسطى". التي يتطلع فيها الفارس 

يسيل إلى أعلى مرفقي». وطوال تاريخ غرناطة النصرية» كان المحاربون 
النصارى والمسلمون يقومون بعمليات هجوم على الماشية وغارات 
متبادلة شبه طقوسية» وكان الجانبان فيها يستعرضون رؤوس أعدائهم 

المقتولين وآذائهم كتذكار للحرب. 
وفي كل مكانء اقترف النصارى والمسلمون كلاهما أعمالا وحشية 

وانتهاكات كثيرة» أكدت وعززت العداوة المتبادلة بينهماء على أن الحروب 

بينهما في أيبيريا لم تكن جميعها بدافع الدين» حتى وإن كان خطاب الحرب 
المقدسة يثار غالباً من الحانيين كلبه| كدعوة للحشد وتبرير للغزو. علاوة 
على أن الحروب الأيبيرية لم تكن تقع فقط بين النصارى والمسلمين» فقد 
تعاون الحكام المسلمون والنصارى أيضاً بعضهم مع بعضء وشكلوا 
تحالفات عسكرية مؤقتة. وكان النصارى يقاتلون أحياناً إلى جانب 
قوات إسلامية ضد مسلمين آخرين» والعكس. وبطل الاسترداد العظيم 
رودريغو دياث دي فيفار أو «إل سيد»" قاتل بجانب المسلمين» وكذلك 

(1) قصيدة سيد 10 6) 06 «رعوط هي أقدم قصيدة ملحمية قشتالية محفوظة؛ تحكي قصة حقيقية 
للبطل القشتالي سيد أو إل سيد 014 81 (اسمه الحقيقي «مينايا» هلإدمز34؛ و«سيد» أو 
«السيد») كلمة من أصل عربي ممعنى القائد) الذي خاض معارك شرسة ضد الأندلسيين في 
حرب الاسترداد» كي يسترد مكانته واعتباره عند ملك قشتالة ألفونسو السادس بعد أن نفاه 
الأخير عقب اتهامه بالسرقة بسبب وشاية من أعدائه [المترجم]. 

(2) رودريغو دياث دي فيفار 7/1026 06 2132 0ع12001 هو إل سيد المذكور في الحاشية السابقة؛ 
وهو تارب إساي ولداعام 1048 نقريا في قيغار بالقرب عن يرغكن وتوقى في العاشر مين 
يوليو 1099 في بلنسية» تكثز حوله القصص الموئوقة وغير الموثوقة» كان فارسأً بارزا في حرب 
الاسترداد» وتولى منصب القائد العام لجيش قشتالة وليون في زمن فيردناند الأول وابنه الملك 
سانشو الثاني وأخيه ألفونسو السادسء تحسدت بطولاته الحربية في قتاله لملوك الطوائف 
المسلمين. نفاه ألفونسو بعد معركة قبرة هوطه© (1079) الني هزم فيها الأمير عبدالله حاكم - 


_طماع !© :]آنل 1 8 


الدين والدم 

ضدهم. وفي القرن الثاني عشر قاتل مرتزقة نصارى نيابة عن الحكام 
المسلمين في المغرب. في حين تحقق الغزو القشتالي لإشبيلية في عام 1248» 
الذي أثار الرثاء الحزين من جانب الشاعر الرندي بمساعدة جنود 
أندلسيين من غرناطة. 

وبين هذه الحروبء امتدت أيضاً فترات طويلة من الاستقرار النسبي» 
كان النصارى والمسلمون يتصرفون فيها ب| يتفق مع مصا حهم السياسية 
أو الإقليمية المحددة» وليس كممثلين لدين كل منهما. ومن بداية الفتح 
الإسلامي لإسبانياء كان الأندلسيون والنصارى مضطرين أيضاً للعيش 
جنباً إلى جنب على الأرض نفسها. ففي القرون الأولى للأندلس» عاش 
النصارى تحت الحكم الإسلامي. ومع الصعود النصراني بداية من القرن 
الحادي عشر فصاعداء انقلبت هذه العملية» فوجد المسلمون أنفسهم 
يعيشون تحت حكم نصراني. وفي أثناء هذه القرون من المودة المفروضة» 
استطاع المسلمون والنصارى أحياناً أن يفصلوا أنفسهم عن المواجهة 
المؤللة» التى كانت تتكشف في أماكن أخرى. 

كن نظ طبع هله العلاقة أحد أكثر الجوانب إثارة للجدل في 
تاريخ الأندلس. ففي أوائل القرن التاسع عشرء روّج كتاب ورحالة 
أجانبء من أمثال شاتيوبرياند 549ة:اندء:0© وواشنطن إرفينغ» رؤية 
غريبة لإسبانيا الأندلسية باعتبارها أنشودة رعوية شرقية حالمة في أسفل 
أوروباء وباعتبارها الأركادية ما قبل الحديثة للتسامح الديني» عاش فيها 
اليهود والمسلمون والنصارى جنباً إلى جنب على أساس الاحترام المتبادل 
والمساواة. وكثيراً ما كان المؤرخون الليبراليون والبروتستانتيون في القرن 


- غرناطة لأنه لم يستأذنه في الحرب أو بسبب الغيرة أو السرقة من الغنائم أو غير ذلك؛ فذهب 
إلى البرتغال فرفضوا خدماته, وذهب إلى دولة سرقسطة حيث رحب به أميرها يوسف المؤتمن 
ابن هود وولاه قيادة جيوشه وظل فيها في عهد خليفته المستعين الثاني» وفيها حصل على لقب 
«السيد» [المترجم]. 


852 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


1- الاستشناء الأيبيري 

التاسع عشر» ومنهم المؤرخ الإنجليزي ستانلٍ لين-بول -عمهآ إعلمة5 
عامه5» يصورون إسبانيا الأندلسية بلغة ممائلة. 

وروّج بعض المؤرخين الإسبان الرؤية نفسها للأندلس لكن دون اللغة 
المنمقة. ففي كتابه «الإسبان: مقدمة إلى تاريخهم» (1948), سك العالم 
اللغوي الإسباني الكبير أمريكو كاسترو تعبير «التعايش) 18أ001717620© 
لوصف التناغم بين الأديان الثلاثة» واعتبر ذلك جوهر الأندلس. ورأى 
كاستروء المنفى الليبرالي في عهد دكتاتورية فرانكوء أن هذا التعايش كان 
بديلاً كونياً وجذاباً أكثر من الشوفينية القومية التي جسدها نظام فرانكو. 
قوبلت أفكار كاسترو برفض شديد من ناقده الرئيس كلوديو سانشيث 
ألبورونوث 0202ءطاى 2عطءهة5 015نة01. ومنذ ذلك الحين يتحداها 
مؤرخون إسبان وأجانب» منهم ريتشارد فلتشر ععطعاء11 لتقطءتلاء 
الذي وصف التسامح الأيبيري بأنه «أسطورة من صنع الخيال الليبرالي 
الحديث؛»[5]. على أن هذا الجدل يصعب حسمههء جزثياً لأن الأدلة 
التاريخية مختلطة ومتناقضة» وكذلك لأن الأفكار الحديثة حول التسامح 
والتعددية الثقافية هي نفسها مفاهيم محل جدلء ومعانيها وتوقعاتها 
المعاصرة لا تفيد دائأ في تقييم العلاقات التي كانت سائدة في أيبيريا 
الإسلامية أو النصرانية. 

منذ المراحل الأولى للفتح الإسلامي» كانت معاملة النصارى واليهود 
في أيبيريا الإسلامية تتحدد وفقاً للنظام القرآني المعروف بأهل الذمة 
أو العهد الذي يعطي «لأهل الكتاب» الحاية» لكنه يعتبرهم أقليات 
خاضعة في الدولة الإسلامية. فشمح لليهود والنصارى بالعبادة وإدارة 
شؤون جماعاتهم» كل 'وفقا لشريعته» لكن هذا الحكم الذاتي كان مقيدا 
دائياً. فلم يكن مسموحاً لأحد الدينين الدعاية لنفسه وضم أتباع جدد. 
ونظرياً على الأقل م يكن مسموحاً هما ببناء كنائس أو معابد جديدة أو 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 83 


الدين والدم 

القيام بمواكب دينية عامة أو دق أجراس الكنائسء وكذلك كان اليهود 
والنصارى يخضعون لضريبة رأس خاصة تعرف بالجزية» كان المسلمون 
معفيين منها. 

كان اليهود هم المستفيدون الرئيسيون من هذه الترتيبات في الفترة 
المبكرة من عمر الأندلس. لأن الفتوحات الإسلامية حررتهم من منزلة 
المنبوذين, التي أخضعهم ا القوط. وفي عهد خلافة قرطبة» بلغ عدد من 
اليهود مكانة عالية في البلاطات الإسلامية كمستشارين وأطباء ورجال 
دولة ودبلوماسيين. ومن أمثلة هؤلاء حسداي بن شبروط الطبيب 
الشخصى لعبدال رحمن الثالث» الذي أدى عدداً من الخدمات الدبلوماسية 
للخليفة ورعى حلقة من الشعراء والمفكرين اليهود شكلت كتاباتهم 
إحدى أكثر الفترات إبداعاً في تاريخ إسبانيا اليهودية. ومن أمثلتهم أيضاً 
الشاعر ورجل الدولة إسماعيل بن النغريلة (1056-993)» الذي تمتع 
بحياة مهنية حافلة لأكثر من ثلاثين عاماً كوزير لحاكم غرناطة. 

على أن هذا التسامح لم يكن دائاً أو عمومياً. ففي عام 1066. قتل 
زهاء ثلاثة آلاف يهودي في غرناطة في مذبحة عامة لأسباب غير واضحة. 
وقد حدث اختلاف كبير في طريقة معاملة اليهود في قرطبة القرن العاشر 
ومعاملتهم اللاحقة في عهد دولة المرابطين والموحدين الأكثر صرامة 
ومحافظة في حقبة الطوائف. حين مورس التمييز ضدهم في الفترة الأخيرة» 
وأجبروا أحيانا على لبس شارات صفراء كعلامة على مكانتهم» بوصفهم 
رعايا من الدرجة الثانية. لكن حتى في عهد أكثر الحكام المسلمين قمعأء 
لم تحدث محاولة منظمة لاستئصال اليهودية أو النصرانية من أيبيريا. وم 
تخضع الكنيسة الأيبيرية للهجوم المدمر الذي يصفه المؤلفون المجهولون 
لكتاب تاريخ إسبانيا» من القرن الثالث عشر: 

دمرت المقادس» وهدمت الكنائسء ودنست الأماكن 


84 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


1- الاسشناء الأيبيري 


خارج الكنائس. وأتلفوا الزيت المقدس والكتب وكل 
تلك الأشياءٍ التى تمجد النصرانية وداسوها. ونسيت 
الأعياد والاحتفالات جميعها. وتحوّل جلال القديسين 
وحمال الكنيسة إلى قبح وقذارة. والكنائس والأبراج 
التى كانوا يستخدمونها لتمجيد الرب» باتت أماكن 
ينادون منها محمد كا" 
ترجع هذه د للغزو البربري إلى السرديات الدعائية لعملية 
الاستر داد» 0 ون الدقة -50 .٠‏ ففي القرون الأول لإسبانيا 
مصلحتهم إحداث مثل هذا ا 0 فالسلطة الإسلامية 
في أيبيريا تأسست عبر اتفاقات أبرمت بالتفاوض وبالقوة العسكرية أيضاء 
وقد وفروا للحكام النصارى المحليين استقلالا دينيا في مقابل خضوعهم 
السياسى للحكم الحديد. ومن ذلك المعاهدة التى وقعت بين الحاكم 
المسلم عبدالعزيز© وتدمر” حاكم مرسية”" القوطي في عام 713, التي 
نصت تحديدا على أن النصارى المحليين «لن يُكرهوا في أمور الدين» ولن 
تحرق كنائسهم» ولن تؤخذ منهم أشياؤهم المقدسة» شريطة أن يقسموا 

بالولاء لحكامهم الجدد. وأن يدفعوا الضرائب المفروضة عليهو!”. 

(1) الإشارة للأذان بالتأكيد [المترجم]. 

(2) هو عبدالعزيز بن موسى بن نصيرء الذي عيّنه أبوه على إشبيلية في عام 2713 ثم ولاه الخليفة 
الأموي سليمان بن عبدالملك (717-674) على الأندلس» تروج من أم عاصم أرملة لذريق 
فائقة الجمال التي ملكت زمامه؛ ويقال إنها أوعزت إليه بأن يضع تاجاً فوق رأسه وأن ينحني 
له الناس تشبها بملوك القوط التي كانت منهم؛ وقد أدى ذلك إلى قتله. رتما بسبب الشك في 
نواياه في الانفصال عن الخلافة الأموية [المترجم]. 

(3) أو تدمير جند 70600 في اللغات الأوروبية [المترجم]. 

(4) 8618 في اللغات الأوروبية [المترجم]. 


1_طماع !© :161]أللا 1 85 


الدين والدم 
ومع استتباب الحكم الإسلامي في أيبيرياء تحولت أعداد كبيرة من 
النصارى الإسبان إلى الإسلامء إما بدافع الاقتناع أو جلب المنفعة» 
وأصبحوا يعرفون باسم المولدين. وأصبحت الجماعات النصرانية الباقية 
أقلية خاضعة في وسط ثقافة عربية/ إسلامية مهيمنة» وباتت تعرف باسم 
المستعربين أو الكاثوليك المستعربة. وا هي الحال مع كل الأقليات؛ 
واجه المستعربون خطر تآكل سماتهم الدينية والثقافية المميزة على المدى 
الطويل من خلال الاتصال المستمر بثقافة الأغلبية المهيمنة. ومع أن بعض 
الحكام المسلمين أشركوا النصارى في بلاطهم, فإن الحراك الاجتماعي 
والمناصب العليا كانت مقصورة عموما على المسلمين ومتحدثي اللغة 
العربية» ما عزز بلا شك إغراء اعتناق الإسلام. وحتى النصارى الذين 
آثروا ألا يعتنقوا الإسلام لم يسلموا من تأثير الثقافة الإسلامية المحيطة 
+هم. وكم| يوحي اسمهم, فقد كان كثير من المستعربين يتحدثون اللغة 
العربية إضافة إلى اللغة اللاتينية» حتى إن الكنيسة المستعربة أدبحت اللغة 
العربية في القداسء وهو تطور لم يرض عنه النصارى خارج إسبانيا الذين 
اعتبروا الكنيسة الإسبانية مهرطقة في ذلك. 
وبالنسبة إلى الكنيسة الإسبانية» كان التهديد الرئيس للدين لا يأتي 

من الإكراه الديني الصريح» وإنما من تعرضه الطويل للثقافة العربية/ 
الإسلامية العلانية» التي وجدها كثير من النصارى العاديين مغرية 
وجذابة» وحتى تحررية. ومن دلائل ذلك أن المؤلف النصراني بول 
ألباروس 5دمة17ى 1ناه2 تحسرء في قرطبة القرن التاسع» من شعبية الشعر 
والأدب العربيين بين الشباب النصرانيء إذ آلمه أن: 

يقبل النصارى على قراءة القصائد والقصص الخيالية 

العربية» ويدرسون علاء الدين والفلاسفة العرب. 

ليس بغرض دحضهم. وإنا لاكتساب لغة عربية 


86 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


1- الاسشداء الأيبيري 

صحيحة وبليغة. أين الرجل العادي الذي يقرأ 

التعليقات اللاتينية على الكتاب المقدسء. أو الذي 

يدرس الإنجيل أو الأنبياء أو الحواريين؟ واحسرتاه! 

لقد غدا النصارى الموهوبون جميعاً يقرؤون الكتب 

العربية ويدرسونها بحىاس» ويجمعون مكتبات ضخمة 

بأموال كثيرة» ويحتقرون الأدب النصراني لكونه غير 

جدير باهتمامهم. ونسوا لغتهم؛ لدرجة أنه في مقابل كل 

شخص يستطيع كتابة رسالة لصديق باللغة اللاتينية» 

يوجد ألف شخص يستطيعون التعبير عن أنفسهم 

بلغة عربية بليغة» ويكتبون قصائد بهذه اللغة أفضل من 

العرب أنفسهو!"!. 

فبالنسبة إلى ألباروس وغيره من النصارى الذين كانوا يعيشون في 

ظل الحكم الإسلامي. كان فقدان الهوية الثقافية اللاتينية يحمل معه أيضا 
إمكانية اعتناق الإسلام. وقد دفعت هذه المخاوف معاصر ألباروس 
المؤثر؛ الكاهن القرطبي يوليوجيوس «نااعهاناتآء إلى بث عقيدة الااستشهاد 
بغرض دق إسفين بين الجماعات النصرانية والإسلامية في قرطبة القرن 
التاسع. ومع ذلك؛» فقد وصف يوليوجيوس قرطبة في عهد عبدالرحمن 
بأنها «سامية في الشرف» وواسعة في المجدء ومليئة بالثروات والطاقة» 
وتحفل بوفرة من كل مباهج العالم» التي تفوق قدرة المرء على التصديق 
أو التعبير»» وهو الواقع الذي عمّق يأس الرجل على مستقبل الكنيسة!9. 
وبين عامي 850 و859 أعدم ثانية وأربعون من أتباع يوليوجيوس في 
قرطبة بسبب الدعوة إلى دينهم أو سب النبي [الكريم] محمد. وبلغت 
الحركة أوجها بإعدام يوليوجيوس نفسه. ومع ذلك. فلم يفلح «شهداء 
فرطبة» في تغيير الترتيبات القائمة في المدينة» إذ ظل النصارى يعيشون 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 57 


الدين والدم 


وفقاً للتشريع الممنوح لإخوانهم النصارى في مناطق إسبانيا الأخرى. 
0 
لكن مع تقدم عملية الاسترداد» انقلبت هذه الدينامية» إذ وجد 
المسلمون أنفسهم يعيشون كأقليات دائمة تحت الحكم النصراني. وجاءت 
معاملة هؤلاء المدجنين (أي من لم يغادروا إسبانيا بعد الاسترداد)» الذين 
وجدوا أنفسهم خاضعين لملوك نصارى. مماثلة تماما لنظام أهل الذمة 
الذي طبق على النصارى في السابق. وقد تحدد المبدأ الأساسي للنظام 
الجديد في قانون الأجزاء السبعة» الذي أصدره الملك القشتالي ألفونسو 
العاشر في القرن الثالث عشرء والذي نص على أن «يعيش الأندلسيون 
بين النصارى على طريقة... اليهود نفسهاء الذين يلتزمون بشرائعهم 
الخاصة ولا يسيئون إلى شرائعنا»!19). على أن قانون الأجزاء السبعة 
رفض الاعتراف بشرعية الإسلام كدين أو «تشريع»» ووصفه بأنه «إهانة 
للرب». فحظر على المسلمين بناء المساجد في المدن النصرانية أو القيام 
بالأشكال العامة للعبادة الإسلامية» في حين سمح لهم باتباع دينهم داخل 
جماعاتهم. وني القرن الثالث عشر أصدر جيمس الفاتح الأراغوني قانوناً 
مماثلاً للمدجنين في وادي أويتشو بز116ة/1 6[] ذهب أبعد من ذلك إلى: 
إننا نرغب في أن يعيش المسلمون وفقا لسنتهم [الشريعة 
الإسلامية] في الزواج وكل الأمور الأخرى. ويمكنهم 
أن يعبّروا علناً عن شريعتهم في صلواتهم والتعليم العام 
لأبنائهم [المشتمل] على قراءة القرآن» دون أن يلحق بهم 
أي أذىق بسب ذلك: ويمكنهم التنقل وراء أعمالهم في 
كل أراضي المملكة وألا يعيقهم أحد عن ذلك!'"'!. 
ذكرت قوانين الأندلسيين 5 هل 5ولزولء التى غرفت بقوانين 
جيمس الفاتح» أدق التفاصيل الهادفة إلى تنظيم التفاعلات اليومية بين 


88 1_طماع1© :21 ]آئلا 1 


اوت الاسضناء الأيييري 


المسلمين والنصارىء وتقليل إمكانية النزاع. فالوثيقة التي منحها جيمس 
لمسلمي بلنسية عام 1242 حددت لهم الأماكن المسموح لهم السفر إليهاء 
والأعشار التي كان عليهم أن يدفعوها على القمح والشعير والمنتتجات 
الزراعية الأخرىء وكيفية حصوهم على المياه» والأراضي والممتلكات 
التي سمح لهم بالاحتفاظ بها. وحظرت الوثيقة نفسها على النصارى 
أيضاً أن يجوروا على أراضي المسلمين أو أن يمنعوا المسلمين من السفر» 
أو أي محاولة لتقييد شعائرهم الدينية. وثمة قوانين أخرى أرست حقوق 
وراثة الممتلكات داخل الجماعات الإسلامية» والضرائب والأعشار 
التى يدفعها الجزارون والمواخير والعاهرات من المسلمين» والعقوبات 
الحدلقة على العلاقات الجنسية بين المسلمين والنصرانيات أو بين 
النصارى والمسلماتء وجرائم محددة مثل السرقة والقتل المتورط فيها 
أندلسيين ونصارى كضحايا أو جناة. 

اختلفت هذه الاتفاقات بين أجزاء إسبانيا المختلفة» لكنها مع 
ذلك كانت الأساس لتعايش واهنء كان يتأثر دائاً بالتقلبات في المناخ 
السيامي والاجتماعي. فلم يكن التسامح الأيبيري يعني الاحترام المتبادل 
أو الاحتفاء بالتنوع الديني والثقافي كإنجاز إيجابي في ذاته. ففي إسبانيا 
الإسلامية والنصرانية على حد سواء كان يصحب التعايش غالبا الفصل 
أو العزل الذي كانت السلطات الدينية للأديان الثلاثة حريصة دائ] 
على الحفاظ عليه. فالمسلمون واليهود في امالك النصرانية إبان القرون 
الوسطى عاشوا عادة منعزلين عن النصارى في أحياء منفصلة تسمى 
(موريريا»”" و«خوديريا»© على التوالي. وكانت الجماعتان تتعرضان من 
حين إلى آخر إلى قوانين تحدد لباسهم ومظهرهم بغرض تمييزهم عن 
(1) 6:18,ون: ومعناها بالإسبانية الأحياء الأندلسية المترجم]. 


(2) 512ع0ناز ومعناها بالاسبانية الأحياء اليهودية [المترجم]. 
زو : جم 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 89 


الدين والدم 

النصارى. ففي عام 1332» أمِر المسلمون في قشتالة بإطلاق الحاهم أو حلق 
شعرهم على شكل حلقة؛ فيهما كان المسلمون واليهود في أراغون القرن 
الرابع عشر محظوراً عليهم ارتداء بعض الألوان أو الخواتم المصنوعة من 
الذهب أو الأحجار الكريمة. 

كان المقصود بعلامات التمييز من هذا النوع أن تضمن سهولة 
التعرف إلى أتباع الأديان الثلاثة وتقليل خطر العدوى الدينية» التي قد 
تنشأ عن القرب المكاني بينهم. وكان المقصود منها أيضاً أن تقلل إمكانية 
العلاقات الجنسية عبر خط التقسيم الديني. فالأديان الثلاثة كانت 
تحرّم هذه العلاقات» وأفردت لها عقوبات قاسية. ففي بعض الجماعات 
اليهودية» اقترح أحبار محليون تشويه اليهوديات اللاتي ضاجعن نصارى 
أو أندلسيين حتى لا يكن جذابات لمحبيهن. وحتى يكون ذلك ردعا 
للأخريات عن اقتفاء أثرهن. وني أراغون القرن الرابع عشرء كان 
المسلمون الذين يضاجعون نصرانيات يتعرضون لانتزاع أحشائهم 
وتقطيع أجسامهم أرباعاًء وكانت النساء يحرقن أحياءء في حين كان 
النصارى الذين يضاجعون مسلات يلزمون بالجري عراة في الشوارع. 
وكانت المسلمات اللاتي يعارسن الجنس مع نصارى يتعرضن للجلد أو 
الرجم حتى الموت طبقا لشريعتهن. لكن هذه العلاقات كانت تحدث 
حتماء رغم ذلكء. وكان يتسامح معها غالباء وإن على مضض. 

وبغض النظر عن أوامر السلطات الدينية للجماعات المحلية» 
كانت هذه الجماعات تصوغ ترتيباتها الخاصة؛ التي لم تكن تعكس دائاً 
أولويات حكامها. ففي عام 1382» حظرت السلطات البلدية في مدينة 
بيبانة هة778116 البلنسية على المسلمين والنصارى أن يعيشوا معا تحت 
سقف واحد لمنع «وقوع الشرور الكثيرة وخطر الموت وانتهاك الدين 
الكاثوليكي». وفيٍ عام 1436 تذمر مسؤولو الكنيسة في بلدة بروغة 


90 1_طماع !© :161]أللا 1 


)- الاسشناء الأيبيري 


دععسطعء8 القريبة من طليطلة من أن «اليهود والأندلسيين لديهم علناً 
في بيوتهم خدم من النصارى؛ رجال ونساءء يأكلون ويشربون معهم 
باستمرار»» ومنعوا هذه الاتصالات. وفي أراغون القرن الخامس عشرء 
انتقد رئيس أساقفة سر قسطة(2 النصارى في تيروال اعدمع5 الذين 
«يزدرون الدين الكاثوليكي» بشراء اللحم من الجزارين المسلمين. حتى 
إن الحكام النصارى في نبارة سمحوا بإقامة كازينو قمار داخل الجماعة 
الإسلامية للتغلب على التحريم الديني لمثل هذه الأفعال. 

على أن الحدود بين الثقافات والحضارات تكون دائا أكثر نفاذية 
ما يبدوء وقد أظهرت إسبانيا القرون الوسطى أمثلة كثيرة للتفاعلات 
اليومية بين أتباع الأديان الثلاثة» تحدّت الخصومة المتبادلة بينهم. فكان 
النصارى والمسلمون واليهود يختلطون في الأسواق المحلية» ويشترون 
ويبيعون فيا بينهم. ففي تيروال القرن الرابع عشرء باع رهبان نصارى 
أرضا لمسلمين محليين وضمنوا هذه الصفقة بالقسم: «لا إله إلا الله» الذي 
قبله الطرفان!2!!. وربها كانت الكنيسة تحظر على النصارى شراء اللحم 
من الجزارين المسلمين» لكن هذا اللحم كان أرخص في بعض الأحيان» 
ما جعل النصارى يقبلون على شراته. وكان البناؤون والحرفيون المسلمون 
يبنون الكنائس والكاتدرائيات» والأطباء المسلمون واليهود يطببون 
المرضى النصارى. وكان المسلمون يقامرون ويسكرون مع النصارى 
في الخانات. وكانوا يعملون جنباً إلى جنب في الحقول وأحياناً في مواقع 
العمل الحضرية. وكان التجار المسلمون والنصارى يؤسسون شركات 
نجارية معا. 

ثمة إشارات أيضاً على وجود حياة أيبيرية مشتركة شارك فيها أتباع 


(1) مدمع عدج في اللغات الأوروبية [المترجم]. 
(2) عستنرولة في اللغات الأوروبية [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 91 


الدين والدم 

الأديان الثلاثة على قدم المساواة. ففي عامي 1323-1322, اشتكت مجالس 
الكنائس في بلد الوليد”© وطليطلة من أن النصارى واليهود والمسلمين 
كانوا يحضرون أفراح بعضهم وجنائزهمء وأن النساء النصرانيات كن 
يدعين صديقاتهن اليهوديات والمسللات للقداس. وفي نوبة الجفاف 
التي ضربت بلدة باليس ١/8165‏ في عام 1470 صلى اليهود والمسلمون 
والنصارى معا للاستسقاء. وحتى عام 1486» كان فيردناند مضطرا إلى 
أن يحظر على النصارى في بلدة طرطوشة”© السماح للمسلمين بالصلاة 
في كنيستهم المحلية في الأيام المقدسة الإسلامية» التي كانوا يُسمعون فيها 
وهم «يهللون ويعظمون الاحتفالات والأشياء التي تأمرهم به ديانتهم 
الإسلامية, وعاداتهم الشيطانية»!2'). وقد عبّر ابن عر بي؟ الصو ف 
الأندلسي العظيم» في قصيدة مشهورة عما اعتبره الكثير تمثيلا الجوهر 
التسامح الأندلسي قائلا: 


لقد صار قلبي قابلا كل صورة فمرعى لغزلان ودير لرهبان 
وبيت لأوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن[!! 


وعلى مدار معظم تاريخ الأندلسء لم يكن حتى هذا المثال مطمحأء 
. : : . ع راواه 
لكنه لم يغب كليا. فالروح التي عبّر عنها ابن عربي يمكن أن ترى في قبور 
الحكام النصارى والنصارى العاديين ذات النقوش المكتوبة باللغتين 
العربية واللاتينية» ولدى الشعراء اليهود القرطبيين» وفي أشعار المستعربين 
(1) 110ه1120ة/ا في اللغات الأوروبية [المترجم]. 
(2) 101058" في اللغات الأوروبية [المترجم]. 
(3) العبارة المستخدمة في أمثال هذه المواضع هي انه 5قاعموطة2 [ الطائفة أو النحلة المحمدية] 
التي كان النصارى يستخدمونها للإشارة إلى الإسلام وأتباعه من باب التحقير وإنكار شرعية 
أو سماوية دينهم [المترجم]. 


52 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


1- الاسشساء الأيبيري 

الملغزة المعروفة باسم الخرجات”"؛ التي كانت تكتب باللغة اللاتينية 
وتلحق بنهايات قصائد عبرية أو عربية أطول. وفي عام 1137» بعد عودة 
ألفونسو السابع إلى طليطلة من معركة أوريليا©, يسجل كتاب تاريخ 
باللغة اللاتينية أن المسلمين واليهود والنصارى شاركوا جميعا في المواكب 
الموسيقية» واحتفلوا بالانتتصار النصراني «وغنوا جميعا شكراً لله... كل 
بلغته». وفي «كتاب الألعاب» الذي ألفه الملك ألفونسو الحكيم ملك 
قشتالة العظيم بالقرن الثالث عشرء نرى نصرانيا وفارسا مسل| يلعبان 
الشطرنج ورمحاهما منتصبان خارج الخيمة؛ والشطرنج نفسه. المستجلب 
من جانب العربء كان ذا شعبية واسعة بين الطبقة الراقية النصرانية. 

ومع أن ألفونسو شارك في غزو إشبيلية» الذي قاده أبوه فيردناند في 
عام 1248» فإنه أصر على أن تكتب النقوش على قبر أبيه باللغة اللاتينية 
والعربية والقشتالية والعبرية. ىا كلّف «إمبراطور العلم» فريقاً من 
الباحثين والعلماء بترجمة بعض الأعمال الرئيسة لأيبيريا الإسلامية إلى 
اللغة القشتالية. وشارك اليهود والمسلمون والنصارى جميعهم في التجربة 
الفكرية الفذة لطليطلة» وهى «مدرسة الترحمة». حيث شكلوا جماعة 
من العلياء "كان طلب العلم بالنسبة إلبهم يتجاوز الانقسامات الدينية. 
وعلى مدى قرون شكلت أيبيريا منطقة التخوم بين الإسلام والنصرانية» 
وا هي الحال في كثير من مناطق التخوم» سمح القرب المكاني والألفة 
بحدوث تبادلات وتأثيرات ثقافية» لم تكن ممكنة دائ في أماكن أخرى. 


(1) الخرجة وزموطط! المعروفة أيضاً باسم المركز 62 هي القرار أو اللازمة الأخيرة ف الموشح 
الغنائي الأندلسي» كانت تكتب باللغة العربية أو العبرية [المترجم]. 

(2) لم يجد المترجم شيئاً عن معركة أوريليا هزاءنه» لكنها رما كانت إحدى المعارك التي خاضها 
ألفونسو السابع القشتالي لضم مملكتي نبارة وأراغونء اللتين انفصلتا عن قشتالة بعد موت 
ألفونسو الأول [المترجم]. 

(3) أحد ألقاب ألفونسو العاشر ملك قشتالة وليون وجليقية [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 9 


الدين والدم 
يمكن رؤية هذا التخصيب المتبادل في انصهار الأساليب والموضوعات 
المعمارية للمستعربين والماجنين» وفي القفاطين الحريرية الأندلسية بين 
طبقة النبلاء القشتاليين» والوصفات الطبية العربية التى معت لملوك 
بلنسية» وشعبية الموسيقى الأندلسية في المجتمع النصرأني. فكثيرا ما كان 
السرور على حاشيتهم» وكان الموسيقيون المسلمون يُدعون أيضاً إلى 
الكنائس النصرانية لإقامة سهرات عيد الفصح الطويلة على شرف 
السلطات الدينية. وعزف الموسيقيون الأندلسيون والنصارى الموسيقى 
معافي سرور في مجموعة الأغاني الجميلة «أناشيد مريم العذراء» لألفونسو 
الحكيم”"» ما يؤكد الحدود الثقافية غير الصماء, التي كثيراً ما كانت تصدم 
الرحالة النصارى إلى إسبانيا في القرون الوسطى. ففي عام 1466» وصف 
ليون دي روسمتال [2طاند05 ع0 «مع.1؛ بارون بوهيمياء زيارة قام بها إلى 
كونت قشتالي في برغش"' استقبله هو وحاشيته فيها ب«فتيات وسيدات 
حميلات مزينات بثراء على الطريقة ة الأندلسية» وكن في مظهرهن العام 
وأكلهن وشربهن يتبعن تلك الطريقة. ورقصت بعضهن رقصات حميلة 
على الطريقة ة الأندلسية» وكن جميعاً سمراوات بعيون سوداء». ووجد 
الرحالة التشيكي تأثيراً أندلسياً مائلاً في البلاط القشتالي نفسه. الذي 
ذكر بنقمة أن الملك إنريكو الرابع” «يأكل ويشرب ويلبس على الطريقة 
الهمجية لأعداء النصارى)15!1!. 
وانْتّقد إنريكو أيضاً على ميوله الأندلسية من جانب مؤرخين إسبان» 
(1) أناشيد مريم العذراء (بالقشتالية ضع1/3 52202 عل كدع030:1). بالإنجليزية بو[10؟ ؛ه وهاء م0 
[93) مجموعة من 420 قصيدة بالتدوين الموسيقي كتبت باللغة الجحليقية-البرتغالية في عهد 
ألفونسو العاشر السابي؛ وعادة ما تنسب إليه [المترجم]. 


(2) 8101805 في اللغات الأوروبية [المترجم]. 
(3) إنريكو عنداو:ه8 باللغة القشتاليةء وهنري برزمع]ط باللغات الأوروبية الأخرى [المترجم]. 
حم 


04 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


1- الاستشناء الأيبيري 

من أمثال ألونسو دي بالينثيا هكهمء1ة2 عل هعدهاة» الذي أسماه ١عغدو‏ 
الدين الموالي للأندلسيين». لكن نفاذية الحدود الثقافية بين إسبانيا 
الأندلسية والنصرانية التي أذهلت الزوار الأجانب لم تكن تعني بالضرورة 
أن النزاع والعداوة قد تلاشيا. فالنبلاء القشتاليون الذين أحبوا الحرير 
الأندلسي أو استخدموا موسيقيين أندلسيين لتسليتهم كانوا في الوقت 
عينه يقاتلون العدو الإسلامي نيابة عن الدين. لكنء مع أن المسلمين 
والنصارى واليهود كانوا ينظرون بعضهم إلى بعض بعين العداء والريبة» 
بن والاشكرائ» ققد اشتطروا أيضا لتثرات طويلة أن يعيشوا ويعملوا 
ويتعبدوا جنب إلى جنبء وأن يقبلوا وجود بعضهم كواقع معيش في ال حياة 
الأيبيرية. وفي بعض الأوقات استطاعوا أن يتفاعلوا معاً بطرق يمكن أن 
نخرج منها بدروس إيجابية للحاضر. وإذا كان هذا التعايش لم يصل إلى 
حد الأركادية ما قبل الحديثة للتعددية الدينية والثقافية التى تخيلها بعض 
المؤرخينء فإنه كان أكثر تساحاً بكثير من النظام الجديد الذي تله اخبياره 
النهائى. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 95 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 


2 
الغالبون 


كان اشمتزاز ليون دي روسمتال من التأثيرات «الوثنية» على البلاط 
القشتالي يعكس ارتياباً أوسع بين النصارى الأوروبيين في العلاقات 
المعقدة والغامضة التي ترسخت بين المسلمين والنصارى في أيبيريا. ففي 
عالم القرون الوسطىء الذي كانت تستحوذ عليه فكرة وضع خطوط 
فصل واضحة بين الأديان والتماثل الكامل داخل الكنيسة؛ لم يكن قرب 
النصارى والمسلمين في إسبانياء وضبابية الحدود الخارجية بين الثقافة 
والدين» التي ظهرت أحياناً في شكل اللباس واللغة والسلوك» موضع 
ترحيب في أوروبا. ورب كانت هذه العلاقات ممكنة في المقام الأول بفضل 
عزلة إسبانيا الجغرافية والسياسية عن بقية أوروبا. صحيح أن الكاثوليكية 
الإسبانية كانت تحتفظ دائماً بصلات روحية بالكنيسة الرومانية» حتى في 
أوج القوة الإسلامية» لكن هذه الصلات كانت ضعيفة دائء وكان 
الكهنة الإسبان مضطرين بحكم موقفهم إلى أن يقرّوا تسويات كان 

يستحيل تصورها في أي مكان آخر. 
وحتى مع اكتمال الاسترداد» حين بدأت الكنيسة تستعيد سلطتها 
السياسية ومكانتها المهيمنة في شبه الجزيرة» ظل رجال الدين مضطرين 
إلى أن يأخذوا بعين الاعتبار واقعاً أيبيرياً م تكن مقتضياته تتفق بالضرورة 
مع ما كان يحدث خارج حدود إسبانيا. فقد كان بإمكان باباوات الحرب 
597 

١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


الدين والدم 


الصليبية أن يدعو النصارى إلى طرد الساراكينوس من الأراضي المقدسة. 
في حين كان من غير الممكن دائ| تنفيذ سياسة مائلة في إسبانيا نفسها التي 
كان وجود المسلمين فيها دائا ضرورة للاقتصاد المحلي للممالك النصرانية» 
ولأن النصارى الذين يعيشون خارج هذه المالك كانوا عرضة لخطر 
المعاملة بالمثل. ومع أن الحكام النصارى بإسبانيا كانوا يقدمون الاسترداد 
دوما كمشروع مقدس نيابة عن العالم النصراني كله. فقد بدت هناك دائ) 
فجوة بين الخطاب والمارسة. فحين أكمل جيمس الفاتح الغزو النصراني 
لبلنسية ومرسية» حرّضه البابا وبعض أساقفته على (إبادة الساراكينوس» 
من أراضيه التي ضمها حديثاً. على أن كلمة «إبادة» لم تكن تعني القتل 
بالضرورة. لأن أصلها اللاتيني 2356 أصممء)»اه كان يتضمن أيضا فكرة 
الطرد. لكن الملك الأراغوني لم يكن بمقدوره أن يمتثل لهذه المطالب دون 
فقدان السكان الذين يفلحون الحقول ويحصدون ويزودون التاج نفسه 
بدخل كان أساسيا بالنسبة إليه. 

وكانت معاملة اليهود تخضع غالباً لقيود ممائلة. فحتى حين كان اليهود 
يتعرضون لاضطهاد متزايد في أماكن أخرى من أوروباء ظل الحكام 
النصارى في إسبانيا يظللون رعاياهم اليهود بحاية رسمية» بموافقة كارهة 
من الكنيسة. لكن التسامح الأيبيري كان دائا أكثر هشاشة ومشروطية 
مما كان يبدو. ومع ازدياد اندماج إسبانيا في بقية العالم النصراني» باتت 
معاملتها لليهود والمسلمين أكثر تأثراً بالتطورات فيها وراء جبال البرانس. 

د د 

دخلت الكنيسة اللاتينية» بداية من القرن الحادي عشر فصاعداء 
أزمة سياسية وروحية طويلة» اقترن فيها الخوف من الانشقاق الدينى 
الداخلي وفقدان السلطة البابوية هوس المحرطقة المتنامي. وقد وت 
مؤرخ العصور الوسطى مور 340056 .85.1 تطور العالم النصراني الغربي 


08 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


2- الغالبون 


ف تلك الفترة بأنه «مجتمع قائم على الاضطهاد»؛ أخذت فيه «المؤوسسات 
الحكومية والقضائية والاجتاعية توّجه عنفا متعمدا ويجازا اجتماعياً ضد 
جماعات من الناس تحذدت بخصائص عامة مثل العرق أو الدين أو 
طريقة الحياة» وأصبحت العضوية في هذه الجماعات في ذاتها ميرراً كافياً 
هذه المجيات؟!!!, 

ففي عام 21209 أطلقت البابوية حملة صليبية مجية داخلية ضد هر طقة 
الكاثار”" في جنوب فرنسا المجاورة في حرب إبادة بكل معنى الكلمة. وبعد 
إبادة المعاقل الأخيرة للكاثار في عام 1229 عُقدت محكمة تفتيش بابوية في 
تولوز لاستئصال من بقي منهم على قيد الحياة»؛ وشقت نشاطات المحكمة 
طريقها أيضا إلى شمال إسبانيا وقطلونية اللتين فر إليهما بعض الكاثار 
هربا من الاضطهاد. وقابل هوس البابوية بالانشقاق الديني و«الدنس» 
الداخلي للهرطقة عزيمة متجددة على وضع حدود واضحة بين النصارى 
وغير النصارى. من ذلك أنه في عام 1215» أمر المجمع المسكوني الرابع 
لكنيسة لاتيران© اليهود والمسلمين في أنحاء العالم النصراني كافة بارتداء 


(1) الكاثار (مةتددععتطلق) )دنمهط 01 رمعنى الطاهر في اللغة اليونانية) أتباع حركة دينية نصرانية 
بالاسم نفسه كانت تضم في عقيدتها عناصر ثنائية وغنوصية انتشرت في معظم أرجاء أوروياء 
انطلقت من جنوب فرنسا في القرن الحادي عشر وازدهرت في القرنين الثاني عشر والنالث 
عشر وأخمدت في العقود الأولى من القرن الغالث عشر عن طريق الحملة الصليبية الكاثارية 
التي أبادت الكاثار ولم تترك لمحاكم التفتيش غير اللمسات الأخيرة [المترجم]. 

(2) مجالس أو بجامع لاتيران واأعصلاهء ودءعج.1 يجالس أو سندوسات إكليروسية للكنيسة 
الكاثوليكية عقدت في روما في قصر لاتيران المجاور لباسليقيا لاتيران» عقدت منها خمسة 
مبحالس» دعا إلى رابعها- والثاني عشر بين المجامع المسكونية- البابا إنوسنت الثالث في التاسع 
عشر من أبريل 1213 وعقد فعلاً في الحادي عشر من نوفمبر 1215 وأدى الفارق الزمني الكبير 
بين تاريخ الدعوة وتاريخ الانعقاد إلى حضور كثيف من كبار رجال الدين النصارى من 
مختلف أرجاء العالم ما جعله يأخذ اسم «المجمع العظيم», لحشد الجهود وجمع الأموال لدعم 
الحملات الصليبية بعد إخفاق حملتين وتآكل الإمبراطورية البيزنطية» وكان من مقرراته فرض 
لباس خاص على المسلمين واليهود في البلاد النصرانية لتمييزهم عن النصارى [المترجم]. 


1_طماع !© :161]أللا 1 09 


الدين والدم 

لباس مميز لإزالة إمكانية «الخلط اللعينة» معهم. وطبقت هذه التعليات 
في أيبيريا لكن ىا كانت ال حال دائمء لم تفرض أو تراعً بالشدة الواجبة. 

انجذبت إسبانيا كثيراً أيضاً إلى فلك العالم النصراني اللاتيني عبر ترسخ 
الحج إلى شنت ياقوب”" وطائفة القديس جيمس قاطع رقاب الأندلسيين 
بداية من القرن الحادي عشر فصاعداً. ساق طريق الحج أعدادا متزايدة 
من النصارى إلى إسبانياء حتى إنه عزز الأهمية الروحية لإسبانيا نفسها 
داخل العالم النصراني. ويدين رواج طائفة القديس جيمس بالكثير إلى 
جهود الدير البنيديكتى في كلوي بجنوب فرنساء الذي ألف رئيسه بالقرن 
الثاٍ عشر بيتر البجل ماطف هرا عطا اعاءط كتيّبين مؤثرين حول «هرطقة 
الباراكنوس 4 كانا موجوين خصضاً للقراء الأسبان. وكان وؤساء 
الأديرة الكلونيون© الأقوياء من أشد أنصار الحملات الصليبية» ووفرت 
صلاتهم الوثيقة بالحكام النصارى المشاركين في عملية الاسترداد» إضافة 
إلى دورهم الرئيس في تنظيم وتسهيل طريق الحج الشعبي إلى شنت 
ياقوب» قناة أخرى لنقل العداء الأوروبي للمسلمين إلى إسبانيا. 

تزامن الطابع الجهادي للكنيسة اللاتينية في العصور الوسطى المتأخرة 
مع فترة كان الحكام النصارى الأيبيريون يحققون فيها سلسلة من 
الانتصارات المذهلة على الأندلسيين» وبدا أن أوَج الاسترداد لا يمكن 
صذه. وعلى خلاف الإسلام؛ كانت المعاملة النصرانية للمسلمين واليهود 
تأتي دائم| بمثابة تنازل براغماتي» وليست التزاما دينياء إذ كانت تسترشد في 
(1) شنت ياقوب أو سانتياغو دي كومبوستيلا 5]612هم050© 6ل 1460ادة5 مدينة في منطقة 


جليقية بشمال غرب إسبانيا ترجع جذورها إلى ضريح القديس جيمس الكبير» أو يعقوب بن 
زبدي كما يسمى في المصادر اللغة العربية» الذي يشكل الآن كاتدرائية المدينة» ويعد مقصداً 
للحجيج النصارىء ولعب وجوده على طريق الحج الكاثوليكي في القرن التاسع الذي لعب 
دوراً في حشد الدعم النصراني لاسترداد الأندلس وطرد المسلمين منها [المترحم]. 

(2) نسبة إلى مدينة كلونٍ الواقعة بجنوب فرنسا [المترجم]. 

(3) مع2ناهة5 في اللغات الأوروبية» وتعني القديس يعقوب [المترجم]. 


100 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


2- الغالبون 

المقام الأول بالرغبة في ضمان المعاملة بالمثل للنصارىء الذين كانوا يعيشون 
عل الأراضي الإسلامية وبالمنافع الاقتصادية التي كان المسلمون واليهود 
يدرّونها على تمالك إسبانيا قليلة السكان. ومع اشتداد القوة النصرانية 
وتحول السكان النصارى مرة أخرى إلى الأغلبية في أيبيريا كلهاء أصبح 
موقف المسلمين الذين يعيشون تحت الحكم النصراني محفوفا بالمخاطر. 
ولذلك قمعت ثورات المدجنين في أندلوسيا وبلنسية في النصف الثاني من 
القرن الثالث عشر بطريقة دموية وتلتها مذابح متقطعة لكن بشعة بحق 
المسلمية: 

تجلى التحول في إسبانيا على نحو موجع في تغير معاملتها لليهود 
الإسبان. كان اليهود في العصور الوسطى المبكرة يلقون معاملة طيبة 
من الحكام النصارى في أيبيرياء حتى إن كثيراً من اليهود الأوروبيين 
بدؤوا يعتبرون سيفاراد 4دمه]ء5- اسم إسبانيا في اللغة العبرية- وطنهم 
الطبيعي. على أن إسبانيا لم تكن محصنة كليا ضد اندلاع العنف المعادي 
للسامية والقمع الرسمي لليهود اللذين انتشرا في أنحاء أوروبا بعد الحملة 
الصليبية الأولى» لكن ظروف اليهود في أيبيريا النصرانية كانت مُرضية 
با يكفي لجذب مهاجرين يبود من أوروباء وأيضاً من دولتي المرابطين 
والموحدين اللتين كانتا أشد ممارسة للتمييز ضد اليهود. ونظريا على الأقل؛ 
كان اليهود محميين من اضطهاد الحكام النصارى. الذين ثمنوا مهاراتهم 
الإدارية والمالية العالية» واستطاع اليهود في البلاطات النصرانية أحياناً أن 
يصعدوا إلى مناصب عالية كان يصعب تخيلها في أماكن أخرى في أوروبا. 
وبحلول العضور الوسطى المتأخرق كانت إسباتيا قد أصبحت وطناً 
لأكبر تجمع يهودي على القارة» وكانت لدى اليهود الأيبيريون مبررات 
للتفاؤل حول مستقبلهم أكثر من معظم اليهود الأوروبيين الآخرين. 

لكن ذلك كله بدأ يتبدد من أواخر القرن الثالث عشر فصاعداء مع تأثر 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 101 


الدين والدم 


إسبانيا بالكاثوليكية الجهادية التي كانت تنتشر عبر أوروبا والكراهية التي 
تجمعت على اليهود «قتلة المسيح». وفيما كانت كنيسة القرون الوسطى 
المبكرة مهيأة لقبول اليهودية إلى حد ماء أخذ علاء الدين والرهبان 
الواعظون على نحو متزايد يشجبون «اليهود الغادرين» ويطالبون اليهود 
إما باعتناق النصرانية أو الطرد من المجتمع النصراني. وفي إسبانياء ى] 
كانت الحال عبر أوروباء وجدت هذه الدعوات حمهورا متقبلا وسط 
الأوبئة والمجاعات والحروب الأهلية الكارثية التي دمرت البلاد في القرن 
الرابع عشرء وبلغت ذروتها بأهوال الطاعون. وكان الاختيار يقع دوماً 
على اليهود ككبش فداء لهذه الكوارثء فكانوا يتهمون بتسميم النصارى 
وبقائهم آمنين. واشتدت معاداة السامية الشعبية بسبب السخط على 
المكانة التي بلغها بعض اليهود في المستويات العليا للمجتمع النصراني. 
وفي العقد الأخير من القرن الرابع عشر أنتجت هذه المشاعر سيلا من 
الحقد والعنف سمّم العلاقة بين أتباع الأديان الثلاثة. 


باينا 
انفجرت هذه العواطف بوحشية إلى سطح المجتمع الأيبيري في عام 
)02 


1 حين قدم كاهن أندلومبي”"" يدعى فيران مارتنيث 62ملعة]/1 مقدء] 
سلسلة من الخطب الشريرة المعادية لليهود في إشبيلية. فانقض الغوغاء 
النصارى على الحى اليهودي وذبحوا كثيراً من قاطنيه. وأطلقت هذه 
المذبحة عاصفة 5 عبر إسبانياء فأحرق الغوغاء النصارى البيوت 
والمعابد اليهودية» وقّتل الآلاف من اليهود أو اضطروا لاعتناق النصرانية 
كي ينقذوا حياتهم وممتلكاتهم. وقد تفجع أحد الناجين من هذه المذابح 
قائلاً: «انتحبى أيتها التوراة المقدسة المجيدة وارتدي ثياباً سوداء لأن 
شراح كلماتك المشرقة قضوا في النيران»؛ وكتب في لفيفة التوراة الخاصة 
(1) نسبة إلى منطقة أندلوسيا #ذونال8848 وليس للأندلس [امترجم]. 


102 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


2- الغالبون 
بأبيه أنه اعلى مدار ثلاثة أشهر انتشرت الحرائق عبر المعابد المقدسة لمنفيى 
إسرائيل في سيفاراد... وكانت الكلمة العليا للسيف والذبح والدمار 
والتنصير الإجباري والأسر والسلب والنهب»212. 

وعلى مدار العقدين التاليين» آثر عشرات الآلاف من اليهود أن 
يعتنقوا النصرانية لتفادي الاضطهاد والتهديدات بمزيد من العنف. 

ع 20 

وأصبح هزد” اليهود المتحولون يعرفون باسم «المتصرين» 0076,505 
أو «اليهود المتضّرين» 05 + _ أو «التصارى الجدد). لتمييزهم 
عن النصارى الإسبان «القدامى» الذين لم يكونوا من أسلاف يبود أو 
مسلمين. ومع أن السلطات الدينية والعلانية أدانت العنفء فإنها لم 
تستطع أن تكبح مد الكراهية الذي انتشر خلال كثير من البلدات والمدن 
الإسبانية في تلك السنوات. لكنها أيضاً لم يكن لديها الرغبة لنقض آثاره. 
فبعد جدل مطول حول الشرعية اللاهوتية للتنصير القسري من خلال 
العنف والإكراه. أعلنت الكئيسة أن هذه المعمودية شرعية» وأعطت 
تصديقها بأثر رجعى على ما بدأه الغوغاء. وأسهمت السلطات النصرانية 
أيضاً في عملية التنصير. ففي عام 1412 أمرت الإنجليزية أم إيزابيلا 
والوصية على عرش قشتالة وليون كاثرين اللانكسترية اليهود والمسلمين 
بقطع كل الاتصالات الاقتصادية والاجتاعية مع المجتمع النصراني» 
وأن يتقيدوا بأحيائهم وإلا واجهوا الموت أو مصادرة ممتلكاتهم» فيا 
عرف ب«قوانين كتالانيا»"» التى نتجت عن ضغوط من بابوية أفيئيون2) 
والراهمب البلنسي الناري القديس بيسنتي فرير 1350) ممه عامعوالا 
9) عضو جماعة «كلاب الرب» الدومينيكانية» التى دعت إلى فصل 
010 كتالانيا س1 هر اسم كائرين باللغة القشتالية [المترجم]. 
(2) أفينيون 00م مدينة في إقليم فوكلوز بجنوب شرق فرنسا تشتهر بقصور الباباوات» عاش 


فيها الكثير من الباباوات الحقيقيين والمزيفين» خاصة في القرن الرابع عشر [المترجم]. 
(3) تنتسب هذه الجماعة أو الأخوية إلى القديس دومينيك الذي تقول المصادر المبكرة أن أمه - 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 103 


الدين والدم 

اليهود المنَضَرين عن اليهود الباقين على دينهم لضان ألا يرتدوا عن دينهم 
الحديد. 

كان الخطيب الساحر فرير يحب الوعظ في المقابر في وقت الغروب» 
وفي هذا الموقف كان وجود التائبين واللاطمين يعزز التأثير العاطفي 
للخطب التي كان يحرض الناس فيها على ضرورة عزل اليهود والمسلمين 
عن المجتمع النصراني لأن «النصراني والكافر يجب ألا يعيشا معاً في بيت 
واحد لأن الإثم مُعْد):!*! وتأثر الرهبان الحفاة عبر إسبانيا بمواعظ فرير 
المهيّجة» فانقضوا على المعابد يلطمون أنفسهم ويأمرون اليهود بالاستماع 
إلى الخطب الليلية التي تحثهم على اعتناق النصرانية. 

كان المقصود بقوانين كاثرين هو أن تأتي بالنتيجة عينهاء وهي إجبار 
اليهود. وبدرجة أقل المسلمين» على الاختيار بين منزلة المنبوذين أو 
التنصر. ومنع اليهود من العمل في الحكومة القشتالية وكل المهن الأخرى 
التي يتصلون فيها بالنصارى؛ والساح لهم بالعمل داخل جماعاتهم 
وحسب. ولقد أجبر الآلاف منهم على ترك منازهم والانتقال إلى الغيتو 
المعزول لفصلهم عن النصارىء, وأجبر آخرون على عيش حياة صعبة 
والجوع أو التجمد حتى الموت». في حين كان أحبارهم يصلون باستماتة 
في المقابر اليهودية لأرواح الصالحين لتتوسط نيابة عنهم. لقد كانت فترة 
مقيتة ومروّعة تبنى فيها كثير من اليهود اعتقاد عالم بودي قال إن «السماء 
تغطيها سحابة [ثقيلة جداً] تمنع مرور أي صلاة إلى الله)!4ا. 

ونتيجة لهذه الأحداث الكارثية عمد زهاء ثلاثاتة ألف .بودي وعدد 
غير معلوم من المسلمين كانصارى جدد). وكان هذان العقدان حداً 
- العاقر حجت إلى سيلوسء وجاءها في المنام أن كلبا يقفز من رحمها يحمل مشعلاً ويحرق العالم» 

ومن هنا جاء اسم الجماعة» وجاء أيضا من اللعب بالكلمات باسمها اللاتيني ونامةء أنه 

[الدومينيكانيين] وتقطيعه إلى 3515 101مم70 التي تعني «كلب الرب أو السيد» [المترجم]. 


104 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


2- الغالبون 

ل ليه د 
المعمودية جميعهم تحت الإكراه. فكثيرون منهم اعتنقوا النصرانية على 
صدقهم في اعتناقها شديداً لدرجة أن علماء الدين اليهود كانوا يشجبونهم 
أحاناً وتيمو يانه مرتدون. وغل عدار النضف الأول من القن 
الخامس عشر تحققت آمال الملشرين ن بدرجة كبيرة» إذ غدا بمقدورهم 
الزواج مع النصارى وبلوغ مكانة بارزة في طبقة النبلاء والبلاط وكبار 
رجال الدين. لكن هذا النجاح سرعان ما أنتج رد فعل غادراً من 
القطاعات الأكثر عداء للسامية في المجتمع التصرال» التى انيت كرا 

اوري بالارتداد عن دينهم الجديد وأداء الطقوس اليهودية خلف 
واجهة نصرانية. 
(الخنازير)» كا كان هؤلاء المرتدون المزعومون يعرفون» إلى هوس سام 
في الجتيع النصراني» وبخاصة بين طبقة الجلاء الدتيا والطبقة الوسطى 
الحضرية اللتين اغتاظتا من مستوى اندماج اريت وتزاوجهم مع 
النصارى. ولاسيما من طبقة النبلاء العليا. لاشك في أن بعض الْتَضَرين 
اليهود ارتدوا إلى اليهودية» لكن عددهم يختلف كثيراً عن الصورة التي 
رسعها اليتجون امعادون للمتصرين لزامرة وابيغة اكريرة من يالب 
المارانو في قلب إسبانيا النصرانية» وأنهم يمارسون السحرء ويعبدون أوثانا 
كفرية» وينفذون جرائم قتل طقوسية بحق الأطفال النصارى. وتعمقت 
(1) المارانو ومموستةهم اسم إسباني من أصل غربي معني «المحرّع» أطلقه التصارى في أيبيريا 

على اليهود الذين اعتنقوا النصرانية أو نُضَروا كرهاء وبعضهم ظل يودي الطقوس اليهودية 


سرأء وظهر المصطلح في عام 1492 مع مرسوم الحمراء الذي نقض اتفاقية غرناطة لعام 1491 
واكتسب الاسم دلاللات ازدرائية. إذ أصبح يعني الخنازير والأقذار والغادرين [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 105 


الدين والدم 

كراهية المارانو بفعل تصوير اليهود كعرق أو سلالة أو ذرية ملعونة» 
انتقلت عقائدها الدينية الحقيرة خلال ذريتهم ودمهم «الفاسد). 

وفي هذه الفترة ظهر المذهب العنصري المعروف بنقاء الدم 2 أمصم نا 
عع هده عل على السطح لأول مرة كإحدى القوى الدافعة المهمة في المجتمع 
الإسباني. كان مفهوم نقاء الدم بدرجة ما تعديلاً للأفكار الأرستقراطية 
حول النسب النبيل و«الدم الأزرق»2©. وفي حين كان النبيل الإسباني 
يبرر مكانته في التراتبية الاجتماعية على أساس «شرف» التحدر من نسبه 
المتفوق» رجع مذهب الدم الأزرق إلى قرابة دم متخيلة كانت تربط 
النصارى القدامى بواضي إسبانيا القوطي واللاتيني ما قبل الإسلامي. 
وفي مقابل هذا الاعتقاد بوجود نسب نصراني «نقي» غير مشوبء انتشر 
تصور لليهودية على أنها «سلالة» لا تمحىء أو «جرثومة» انتقلت خلال 
«الدم». ذهب هذا الخط الفكري بعيدا إلى حد الدفع بأن «الخزي» المستمد 
من هذا النجس لا تمحوه المعمودية أو التزاوج مع النصارى» ويشكل 
مصدراً قوياً جداً للدنسء لدرجة أن «القطرة» الواحدة من هذا الدم 
مفسدة [بنجسها] تماما. 

فبعد قرون من التنصير والتزاوج بين كل الجماعات العرقية بإسبانياء 
زعم بعض إسبان القرن الخامس عشر أنهم يمتلكون تحدرا سلاليا نقيا. 
لكن وهم النقاء والدنس أثبت أنه ليس أقل إقناعا وجدوى في القرن 
الخامس عشر من العنصرية «العلمية» أو «البيولوجية» بالقرنين الثامن 


(1) الدم الأزرق 1004 عنناط مصطلح إنحليزي يرجع لعام 1834 يشير إلى النسب أو الأصل 
النبيل» ظهر كترحمة للعبارة الإسبانية 2201 0876ة5 التي تصف العائلة الملكية الإسبانية وعلية 
النبلاء الذين زعموا أنهم من أصل قوطيء على خلاف الأندلسيين» ويبدو أن المصطلح نشأ 
من المجتمعات الأوروبية في العصور القديمة والوسطى وعيز بين الطبقات العليا التي تبدو 
أوردتها الدموية السطحية «زرقاء» بسبب بشرتها التي لم تسفعها الشمسء والطبقة العاملة 
التي ضيعت الشمس والأوساخ الناتحة عن العمل هذه الزرقة فيها [المترجم]. 


106 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


2- الغاليون 

عشر والتاسع عشر أو النظريات العنصرية النازية» التي قدمت اليهود 
باعتبارهم قبحاً في «تخزون الدم» الألماني يحتاج إلى «تنظيف عرقي». 

ويمكن القول إن مذاهب النقاء «الديني» الإسبانية كانت بمثابة 
القالب الذي صُبَت فيه تنويعاتها الأكثر تطرفاً فيا بعد. ففي مقابل 
لز التقاء بالقرق اتقاسين عقر الذيى: صرلاروا «الخرماقةة البمودرة 
كمصدر لتلوث الدم بنى المستعمرون الإسبان ملاك العبيد لاحقاً مفهوم 
«الدم الأسود» لعبيدهم الزنوج على أساس من الارتباطات السلبية للون 
البشرة. لتبرير التراتبية الاستعمارية التي مبيمن عليها الإسبان «البييض» 
أنقياء الدم» وللأسف لايزال هذا المنطق مقبولاً في كثير من دول أمريكا 
اللاتينية إلى يومنا هذا. ففي مقابل مذهب نقاء الدم الإسباني الذي صنف 
الناس إلى أنصاف نصارى جدد أو أرباع نصارى جدد وفقاً لأنسابهم» 
صَنّف سكان مستعمرة هايتي الفرنسية لاحقا إلى 128 درجة مختلفة من 
الدم الأسود إلى الدم الأبيضء كا اتبعت المجتمعات مالكة العبيد في 
منطقة الكاريبى الناطقة بالإنجليزية وجنوب الولايات المتحدة تصنيفات 
أنتتجت تراتبيات مائلة: أرباع زنوج وخلاسيين"" وأثمان زنوج31©. 

تستدعى هذه التراتبيات دائأ» سواء كانت متتخيلة من منظور العرق 
أو الدين أو القومية» لتبرير التمييز أو الاضطهاد أو الاستغلال» ولم تكن 
إسبانيا القرن الخامس عشر استثناء لذلك. فقد كانت الأهداف الرئيسة 
مذهب التقاء هم ارين الذين وجد الإسبان في مكانتهم في المجتمع 
النصراني تحدياً وتبديداً متناميين. على أن هذه المذاهب لم تمر بلا تحد أو 
تشكيك فيها. ففي القرن الخامس عشر دحض النصارى واللشروةة 
داخل الكنيسة وخارجهاء مفهوم نقاء الدم بشدة على أسس دينية 


(1) هم الأشخاص المولودون من أبوين أحدهما أبيض والآخر زنحي [المترجم]. 
(2) تُمن الزنجي هو شخص نسبة الدم الزنحي إلى الدم غير الزنحي فيه تساوي تمن 1/8 [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 107 


الدين والدم 

وأخلاقية» وانتقدوا الطريقة التي كان يستخدم بها لإقصاء اريف 
ومع ذلك استمرت حملة الشائعات ضد المارانو «الأفاعي» و«أبناء 
الشيطان». واكتسبت أوجاً. ففي عام 1449. أصدر مجلس مدينة طليطلة 

تشريعاً يقضي بحرمان امنَضَرِين في المدينة من الوظائف العامة بسيب 
أصلهم اليهودي. 

أصدر هذا القانون وسط ثورة سلمية ضد الوزير الأول المكروه 
لقشتالة ألبارو دي لونا ههسآ عل 0:هاى» الذي كان من أصل مَنَضّري» 
وسرعان ما تحولت إلى مذبحة بحق الْضَرينَ. تعرض الثوار إلى اتتقادات 
قاسية من كبار رجال الدين الإسبان ومن الباباء وأبطل القانون والقوائين 
السابقة بقة عليه» لكنها فُقلت لاحقاً مرة أخرى. وأصبح القانون الطليطلي 
تموويعاً للقوانين الماثلة التي بدأت تتكاثر في الرهبنات الدينية والجامعات 
الإسبانية والمئؤسسات الأخرى من أواخر القرن الخامس عشر فصاعدا. 
مهد ذلك الطريق لما أسماه جوزيف بيريث 26562 م1056 «التعصب الماكر 
لنقاء الدم... الذي سمّم روح الشعب الإسباني»!؟ا. 

على أن هذه العملية لم تحدث بين عشية وضحاها ,#وكان الشجب القري 
لقانون طليطلة والحجج المشبوبة بالعاطفة المؤيدة والمعارضة لدمج امُضَرين 
مؤش على شدة الصراع الذي كان يحدث داخل المجتمع النصراني في القرن 
الخامس عشر. وبحلول النصف الثاني من ذلك القرنء بدأ هذا الصراع 
يشكل ت#هديداً خطيراً على الاستقرار الاجتماعي والسياسي لإسبانيا. 

د عد د 

وحتى قبل زواج فيردناند وإيزابيلا كانت أزمة ارين قد بدأت 
فد أعادا خط ة على الاستقرار. ففي إشبيلية النتي كانت جماعة المنَضْرِين 
عظلى يمكانة يبارز وهاو قدت ل عام 1165 معاركك بر ارع ضارية بين 
المتضرين والتصارئ القدامى . وفي عام 1473 طرد النَضَرونَ من قرطبة 


108 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


2- الغالبون 
بعد معركة حشدوا فيها ثلاثائة فارس مسلح. ووقعت اضطرابات أخرى 
معادية للمُتَضَرين في المدن الأندلوسية الأخرى في الفترة نفسها. وفي عام 
7 زار الملك والملكة أشبيلية» وهناك أخبرهما رجال الدين المحليون 
ع و ع 
بأن «المتهودين»”" المارانو تكاثروا بين جماعة الْمنَضَرين. وتقول الأسطورة 
إن الملك والملكة أخذا إلى ضواحي المدينة في مساء يوم جمعة» وقيل لما إن 
. 52 7 . 0 
قاطني الحي يلتزمون بعدم العمل في يوم السبت كا في تعاليم اليهودية. 
انزعج فيردناند وإيزابيلا كثيراً مما رأياه وسمعاهء لدرجة أنهها استصدرا 
مرسوما بابويا من البابا سكتوس الرابع أجاز تشكيل محكمة تفتيش في 
قشتالة لكشف الزنادقة الذين ارتدوا إلى (اشريعة موسى). 
أدخل فيردناند وإيزابيلا بذلك مؤسسة خبيثة قُدّر ها ا هيمنة على 
المجتمع الإسباني أكثر من ثلاثة قرون. على أن إدخال محكمة التفتيش 
الإسبانية كان مطلباً قدياً لجاعة الضغط المعادية للمُتَضَرين: وجاءت 
مختلفة عن سلفها في القرون الوسطى في أن كبار موظفيها كان يعينهم 
حكام إسبانيا وليست البابوية. معنى ذلك أنها كانت تعمل كأداة سياسية 
في يد التاج الإسباني» حتى حين شنت حرباً ضد الهرطقة مع السلطة 
الدينية في البابوية. وفي عام 1480» فوّض رجلا دين دومينيكانيان لإجراء 
تحقيقات تفتيشية كاملة حول مؤامرة المارانو في أشبيلية. وسرعان ما 
- و 
حولت التحقيقات إلى حقبة من الإرهاب ضد جماعة المتضّرين» حين 
سمعت ابنة تاجر بودي أصبحت تعرف بعد ذلك بالعذراء الجميلة 12 
##طتمعط وومسعط؛ أباها ومجموعة من الحيران يناقشون طرقا للمقاومة» 
(1) المتهودون 25 مُصطلح مسيحي مشتق من كلمة لاتينية تعني «الذين يعيشون وفقاً 
للأعراف اليهودية»» كان يستخدم بشكل ازدرائي في القرون الوسطى» وكذلك للإشارة إلى 


اليهود الذين نصّروا قسراً وكانوا يمارسون اليهودية سرأء أو يعتقد فحسب أنهم كانوا يمارسونها 
سرا [المترجم]. 


11_طماع !© :1]61]أللا 1 109 


الدين والدم 


وكلت ماذاز يعهم إل سبيها البصران: ونتيجة لهذا الطيش» ٠‏ قبض 
عل مئات ارين وعذبوا وأحرقوا على الخازوق» منهم أبوها نفسه. 
وعوقب آخرون بغرامات ومصادرة تمتلكاتهم أو أكرهوا على ارتداء 
الساستعرا" أو السارة التكفيرية بقية حياتهم 0 على الخزي الدائم. 
قضى هذا المجوم على جماعة المُضَرين الأشبيلية» فمدت محكمة التفتيش 
نشاطها إلى بلدات ومدن أخرى في قشتالة تحت إشراف المفتش العام 
المتعصب الكاردينال توماس دي توركومادا 208معنا10:0 06 10035. وفي 
عام 1484» بدأ المكتب المقدس”© العمل في أراغون» رغم المعارضة المحلية 
القوية التي اقتربت من الثورة والعصيان في بعض المدن الأراغونية. وحتى 
في أثناء حرب غرناطة» كان مفوضو محكمة التفتيش مصحوبين بمرافقين 
أو «مساعدين»© خضر الثياب يجوبون إسبانيا طولاً وعرضاً لاستفصال 
«عدوى» الحرطقة من المجتمع الإسباني. واعتادت البلدات والمدن في 
أنحاء إسبانيا كافة على النمط الطقوسي هذه التحقيقات, التي كانت تبداأً 
بالقراءة العامة لمرسوم الإيمان الذي يدعو السكان للؤبلاغ عن المتهودين 
المندسين في وسطهم أو الاعتراف بقائمة مفصلة بالممارسات المحرمة أو 
الإبلاغ عن العلامات الواضحة على ممارسة «الخحرافة اليهودية». وكان 
من بين هذه الأدلة الإحجام عن أكل لحم الخنزير أو ارتداء ملابس نظيفة 
أو عدم العمل في يوم السبت أو دفن الموتى في تربة طاهرة أو عدم الإيماء 
بإشارة الصليب. وكان المذنبون الذين يعترفون طوعا بهذه المخالفات 


(1) السامبينيتو م6زمع6م3؟ أو السانبينيتو 60زم53066 ثوب تكفيري» استخدمته محاكم التفتيش 
الإسبانية» يشبه الوشاح؛ كان لونه أصفر ومرسوم عليه صلبان القديس أندرو للمهرطقين 
التائيين أو أسود مزخرف بصور رهبان وتنانين وشياطين للمهرطقين غير التائبين [المترجم]. 

(2) 05606 لإاوط اسم آخر لمحكمة التفتيش كان يستخدم في الكنيسة الرومانية [المترجم]. 

(3) المساعدون أو الأتباع ومهذاندهج6 مكتب تابع لمحكمة التفتيش كانت وظيفته تتمثل في القبض 
على المتهمين أو المشتبه بهم [المترجم]. 


110 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


2- الغالبون 
مكن أن تنتظرهم معاملة مخففة في المحاكمة الأولى» لكن المذنبين الذين 
يكررون المخالفات كانوا عرضة للحرمان الكنسى واللعن المرعب الذي 

كان يعلن بمرسوم محكمة التفتيش في بلنسية: 

لعنهم الله في ماكلهم ومشرءهم» وفي صحوهم ونومهم» 
وفي مجيئهم وذهابهم. ولعنوا في حياتهم وموتهم, ومَدٌ 
وخاب عملهم؛ وقصرت أيامهم وأئمت. وتمتع غيرهم 
بممتلكاتهم» ونيتم أطفالهم وترملت زوجاتهم. وكتب 
الله الفاقة على أطفالهم وألا يجدوا من يساعدهمء وأن 
يرجعوا فيجدوا منازهم وأشياءهم قد أخذها المرابون» 
وألا يجدوا من رحمهم» وأن يفتقر أطفالهم وينبذون» 
وتمحا أساؤهم أيضاًء وأن يبقى إثمهم حاضراً أبداً في 
الذاكرة الإلحية7120. 
وكانت عمليات الإبلاغ تؤدي إلى مزيد من الاعتقاللات والتعذيب 

العرض التكفيري الجماهيري المسرحي المعروف باسم «موكب الإيهان2”, 

(1) هذا مثال «للحقد المقدس» الذي ورد في تقديم المترجم أنه أخذ يبرز في النطاب الديني 
«الدعاتي» في دول ما بعد «ثورات الربيع العربي» [المترجم]. 

(2) يذكرني الإيهام الكاذب في اسم «موكب الايمان» الذي يشير إلى عرض المدانين وهم في 
طريقهم إلى الحرق على الخازوق» والجماهير الحاقدة تنهش فيهم وتتخطفهم من أيدي الجنود» 
يذكرني باسم «وزارة الحقيقة» في رواية «1984) للروائي الإنجحليزي جورج أورويل الني 
كانت في حقيقتها وزارة تزييف التاريخ وفقاً لمصالح الطبقة الحاكمة» و«وزارة الوفرة» التي 
تشرف على النقص والمجاعة؛ و«وزارة السلم» التي تشرف على الحرب وارتكاب الأعمال 
الوحشية. إذ يدو أن الإيهام الكاذب وإطلاق أسماء جيدة وأخلاقية على ممارسات بشعة 
أقدم كثيراً من نظام الحكم الفاشي الذي تنبأ جورج أورويل بأنه سيسود العالم في عام 21984 
ويدو أيضاً أن جذوره دينية محضة. ومن أمئلته «الحرب المقدسة» و«الحقد المقدس» و«مرسوم 
الإمان» وغيرها [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 111 


وفيه كان الزنادقة «التائبون» الذين أنكروا آثامهم أو اعترفوا بمخالفات 
غير خطرة يُعرّضون وهم يرتدون قبعاتهم المخروطية والسامبينيتو 
ويحملون شموعا مشتعلة". أما المذنبون الأكثر جرماء فكانوا #يسلمون 
إلى الذراع العلماني»؛ أي السلطات المحلية لتحرقهم على الخازوق. وبين 
عامي 5 و1501» أحرق زهاء 2000 مُنَضْر حتى الموت. منهم 250 في 
طليطلة وحدهاء في الفترة الأكثر دموية من تاريخ محكمة التفتيش. 

وحتى في الوقت الذي كانت محكمة التفتيش تجري فيه تحقيقاتها 
العديمة الرحمة مع الحراطقة المارانو» ظل عشرات الآلاف من اليهود 
يؤدون علنًالطقوس والبارسات نفسها التي كانت تقود الآخرين ن إلى 
السجن والخازوق. لكن» نظراً لأنهم لم يتنصروا أصلاًء فقد ظلوا خارج 
سلطان محكمة التفتيش التي اعتبرتهم رغم ذلك مسؤولين عن إغواء 
إخوانهم السابقين في الدين للارتداد عن النصرانية. 

وكلما كشفت محكمة التفتيش مزيداً من الأدلة على التهرّد بين 
وه 5 و 
المتضَّرينء اشتد دفع مسؤولي المحكمة بأن وجود اليهود غير المنضَّرين كان 
يفاقم المشكلة. فتحدث بعضهم عن إبادة السكان اليهود كلياً. وحرض 
آخرون فيردناند وإيزابيلا على إبعادهم عن التراب الإسباني. تردد الملكان 
الكاثوليكيان© في البداية في اتخاذ مثل هذه الخطوة المتطرفة. لكن في عام 
0ه وبين| كانت الحرب في غرناطة تقترب من نهايتهاء اكتّشفت جريمة 
مثيرة في بلدة لاغوارديا 012:01 هآ بقشتالة اهم فيها مجموعة من اليهود 
والمتضرين بقتل طقوسي بشع لطفل نصراني. 
(1) كان هذا العرض التكفيري 16 03 3060 دائماً جزءا من العقوبة فقطء وكان الجزء الآخر 

والأشنعء الذي بقي في ذاكرة الأوروبيين» هو الإعدام حرقاً على الخازوق [المترجم]. 
(2) تذكر أن لقب «الملكان الكائثوليكيان» منحه البابا لفيردناند وإيزابيلا بعد فتحهما لغرناطة 


مكافأة لهما على تطهير إسبانيا من الممالك الإسلامية وطرد اليهود في عام 1492» وسيشار 
إليهما طول الكتاب بهذا اللقب [المترجم]. 


112 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


2- الغاليون 

لم يُعثر على طفل مقتول قطء ولم يتضح حتى أن أي عائلة في لاغوارديا 
قد فقدت طفلاء لكن في أثناء تحقيقات محكمة التفتيش التي استمرت 
ستة عشر شهراً اعترف يبوديان وخمسة مُتَضَرون بأنهم صلبوا الطفل 
وانتزعوا قلبه كجزء من أحد طقوس السحر الأسود يفترض أنه كان 
موجهاً ضد محكمة التفتيش ذاتها. وفي السادس عشر من نوفمير 1491 
انتزعت أحشاء اليهوديين المدانين بكلاليب ساخنة في مكان عام؛ وأحرق 
المتخيرون القة عل الشازوق غل عجرينة ملفقة بالتاكد. حرجت 
قضية «طفل لاغوارديا المقدس» أسوأ الخزعبلات حول المؤامرة اليهودية 
لتقويض إسبانيا النصرانية» ولذلك تأكد توركومادا شخصياً من أنها 
حظيت بالدعاية القصوى. وربما أقنعت هذه القضية الملكين الكاثوليكيين 
أيضاً بضرورة تبني الحل الجذري لمشكلة المُضَرين؛ وهو ما حدث بعد 
استسلام غرناطة. 

بين 

لم يكن التخلص من ججماعة غير مرغوب فيها ظاهرة جديدة تخص 
أوروبا عصر النهضة. ففي العصر القديم, كثيراً ما أبعدت روما جماعات 
متمردة كشكل من العقاب الجماعي أو الإجراء الأمني, وقد كان الشتات 
البهردي تقنه نبة لأحدى سنالات الإبعاد الفقاي بعد الثورة البهردية 
ضد الاحتلال الروماني ليهود”" وتدمير المعبد الثاني بأورشليوم2. وفي 
أثناء العصور الوسطى تعرض اليهود للطرد من جانب كثير من الحكام 
(1) يهودا 1062[ هو اسم الجزء الجنوبي الجبلي من أرض إسرائيل» وقد سميت على اسم قبيلة 

إسرائيلية سيطرت على المنطقة خلال العصر الحديدي وأقامت مملكة يهودا التي استمرت حتى 

عام 586 قبل الميلاد» واستمر الاسم حتى الحروب اليهودية- الرومانية حين استبدل مقاطعة 

فلسطين السورية [المتريحم]؛ 
() هي بيت المقدس قديما أو القدس «العربية» حالياء على أن استخدام اسمها «اليهودي- 


المسيحي» لا يعني الاعتراف بيهوديتها ولا حتى مسيحيتهاء وإنما جاء فقط من باب التقيد 
بالأسماء التي استخدمها أبطال الأحداث التي يعرضها الكتاب [المترجم]. 


1_طماع !© :161]أللا 1 113 


النصارى, بدءاً بطرد إدوارد الأول اليهود من إنجلترا في عام 1290. 
كما حدث طرد جزئى للمسلمين أو جرت محاولات لتنفيذه هو الآخر 
في ممالك إسبانيا التصرائية في أثناء الاسترداد. على أن تلك الأحداث 
جميعها تبون أمام النكبة التي تعرض ها اليهود الإسبان في عام 1492 
حين وقع فيردناند وإيزابيلا مرسوماً في قصر الحمراء في اليوم الأخير من 
شهر مارس قضى بتجريم التفاعل بين النصارى واليهود «الذين يبدو أنهم 
يسعون دائماً وبأي وسيلة تتوافر لهم إلى أن يفسدوا النصارى المخلصين 
ويخرجوهم من دينهم الكاثوليكي المقدس ويسلخوهم منه»ا"!. 
وبعد أن أعلن الملكان الكائوليكيان أن قرارهما جاء بعد استشارات 
متأنية مع «الأساقفة وكبار النبلاء ... وغيرهم من الأشخاص ذوي العلم 
والرأي». أمرا كل اليهود في تمالكهماء أينم| كان مكان إقامتهم, بأن يدخلوا 
في النصرانية أو يغادروا أرض إسبانيا في غضون أربعة أشهر وعشرة أيام. 
وني أثناء هذا الوقتء كان متوقعاً منهم أن يبيعوا متلكاتهم ويسددوا 
ديونهم وينهوا أعمالهم التجارية. أحدث إعلان هذا المرسوم في أبريل 
حالة من الذعر واليأس بين السكان اليهود في قشتالة وأراغون. فآثر زهاء 
خخسين يبودياً اعتناق النصرانية» منهم الحبر اليهودي البارز وأمين بيت 
المال الملكي أبراهام سينيور 568105 «نةطلةءطاة. في حين فضل ما بين مئة 
ألف ومئة وخمسين ألف .بودي النفي على ترك دينهم. وعلى مدار صيف 
عام 1492» شق اليهود طريقهم إلى حدود إسبانيا وموانئها في نزوح جماعي 
وصفه الكاهن والمؤرخ أندريس بيرنالديث على النحو التالي: 
تركوا جميعاً مسقط رأسهم في حالة من اليأس» الأطفال 
والبالغون» والمسنون والشباب» مشياً على الأقدام» 
وعلى عربات» والسادة على حمير وغيرها من البهائم» 
وتوجهوا جميعاً إلى موانئ الترحيل. جازوا في رحلتهم 


114 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


2- الغالبون 


خلال الطرق والحقول في حالة من البؤسء ليلاقي كل 

مصيره» فيقع بعضهم وينهض آخرون. ويموت بعضهم 

ويولد آخرون» ويمرض كثيرونء ولذلك لم يكن هناك 

نصراني واحد لم يأسف الهم ودعاهم إلى التعميد. 

وبعضهم تنصر على مضض وبقواء لكنهم قليلون جداً. 

وفي الطريق كان الأحبار يشدٌون أزرهم. وكانت النساء 

والشباب يغنون ويضربون الدفوف. لتشجيع الناس 

وإدخال السرور عليهم» هكذا اجتازوا قشتالة ووصلوا 

إلى الموانئ ”ا . 

ألقى بيرنالديث معادي السامية الشرس ومسؤول محكمة التفتيش» 

مثل نصارى كثرء باللائمة عن هذه المعاناة على اليهود الذين قادهم 
تمسكهم العنيد ب«الهرطقة الموسوية الفاسدة» إلى «إتكار المخلص 
والمسيح المنتظر الحقيقي» سيدنا ومخلصنا المسيح الذي يمد يديه مبسوطة 
لاستقباهم دائي». وكان مصير هؤلاء المنفيين مرعباً في كل الأحوال. 
فبعضهم قتلوا على السفن التي كان يفترض أن تنقلهم, أو غرقوا في 
العواصفء أو ماتوا من البرد والجوع. وماتت حمولة سفينة من المبعدين 
اليهود المتجهين إلى نابولي بسبب الكوليرا والزحار»ء ما تسبب في نشر 
الوباء بين السكان المحليين. وهاجر كثير من اليهود إلى شمال إفريقيا. 
ومع أن بعضهم وجدوا ملجأ آمناً في موانئ شهال إفريقيا ومدنهاء فقد 
أنْزِل كثيرون منهم على سواحل وشواطئ معزولة» تعرضوا فيها للسرقة 
والقتل والاغتصاب من جانب القبائل البدوية المسلمة. وقد انكسر بعض 
اليهود بفعل هذه المعاملة وعادوا إلى ما أسماه بيرنالديث «أرض الشعب 
المتمدن» ووافقوا على التعميد'". 


(1) حتى في أشد الحظات همجيتهم: يصر الكتاب والمؤرخون الغربيون على وصف أنفسهم - 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 115 


الدين والدم 


لكن الغالبية الساحقة لم ترجع إلى إسبانيا. ووجد كثيرون منهم 
استقبالاً أفضل في أراضي الإمبراطورية العثمانية التي قيل إن حاكمها 
البلطات بائؤيد ابلق دعتك من #الملولة الاسبانة الذيق طردوا فعا 
في ذكاء اليهود». وبعضهم استقر في تركياء وآخرون في اليونان والبلقان 
وشمال إفريقيا. وتوجه كثير من اليهود إلى البرتغال المجاورة التي استقبلوا 
فيها بترحاب في البداية. لكن في عام 1497 أعطاهم الملك البرتغالي مانويل 
الأول الاختيار نفسه بين المعمودية أو النفيء وهو أمر فرضه عليه فيردناند 
وإيزابيلا في مقابل قبوهما زواجه من ابنتهما إيزابيلا. وأضاف الطرد 
البرتغاللي لمسة جديدة للوحشية؛ حين أمر مانويل بأخذ كل الأطفال اليهود 
تحت عمر الرابعة عشر من آبائهم وإعطائهم لعائلات نصرانية لتربيتهم. 
وكان المقصود بذلك جزئياً هو إجبار آبائهم على التنصر بحيث تتمكن 
البرتغال من إنجاز التزامها أمام إسبانياء مع الاحتفاظ بجماعة اعتبرت 
مصدراً اقتصادياً ثميناً. ومع أن معظم اليهود تنصروا في البرتغال» فقد 
رجه الاستصال الريخني لليهود سيان شيرية قاثله لارات التعليكن 
الذي ميّز القرون الوسطى. وكان أيضاً فاتحة لمرحلة جديدة في التاريخ 
الإسباني ستتمحور على السكان المسلمين طوال القرن التالي. على أن 
حكام إسبانيا لم يتبنوا الإبعاد الجماعي للسكان غير المرغوب فيهم لضمان 
- بالتمدن والتحضر ووصف الآخرين بالهمجية والبربرية» وكأن طرد اليهود وإجبارهم على 
التنصر وقتلهم وتعذيبهم لم يحدث على أيدي «الشعب المتمدن». و«أرض الشعب المتمدن» 
لا تختلف هي الأخرى عن «وزارة الحقيقة» أو «وزارة السلم» الأورويلية. مع أن اليهود 
ازدهروا طوال هذه القرون تحت الحكم العربي الإسلامي «الهمجي» في الأندلس والمغرب 
وكل الدول العربية على امتداد التاريخ القديم والوسيط والحديث, بل إن الممالك النصرانية 
التي نرت البهوة قسراً م ورثتهم أصلاً ار » عن بمالك 9 مسلمون» 0 


لتالية [المترجم]. 


116 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


2- الغالبون 
الوحدة الدينية لرعاياهم فحسبء بل إن الدولة أرادت أن تظهر قدرتها 
اللوجستية على تنظيم الإبعاد على نطاق غير مسبوق. غير أن إبعاد اليهود 
يضع حداً لمشكلة النَضَرين التي ظلت تؤرق إسبانيا لقرنين آخرين» 
لكن أهميته تكمن في أن القيادات النصرانية» داخل وخارج إسبانياء 
اعتيرته انتصاراً مبهجاً. من ذلك أن بيتر مارتر الأنغياري أثنى على مليكيه 
لاحقاً لأهم| كانا لأحكم الناس» حين طهرا تمالكهها من «جماعة ملوثة». 
في حين منح البابا ألكسندر السادس فيردناند وإيزابيلا لقب «الملكين 

الكاثوليكيين» جزئيا كتقدير لقرارهما بطرد اليهود. 

نانانا 
دخل المؤرخون في سجال طويل حول ما إذا كانت دوافع الطرد هي 
الدين أم الاقتصاد أم معاداة السامية. كانت كراهية اليهود بالتأكيد عاملا 
006 مع أن فيردناند وإيزابيلا لم يكونا شخصياً معاديين للسامية» إذ 
حظي اليهود وامْتضَرون بمواقع بارزة في البلاط الملكي. ولاشك في أن 
كثيرا من التضارى امتفادوا ماديا مخ الظردة من المضباربين الذين اشتروا 
الأراضى والممتلكات اليهودية بأسعار زهيدة. إلى المدينين الذين أفلتوا 
من دائنيهم اليهود. واستفاد التاج أيضاً من مصادرة الممتلكات المشاع 
لليهود وبيعها وفرض ضريبة ركوب السفن على اليهود المنفيين. لكن 
فيردناند وإيزابيلا رفضا أيضاً عروضاً من كبار أحبار إسبانيا بدفع مبالغ 
كبيرة لإقناعهم بالتخلي عن المرسوم, وبالتأكيد خسر التاج أكثر على المدى 

البعيد من الطرد من الناحية الاقتصادية. 
وفك فيردناند نفسّه إبعاد اليهود كبادرة تنم عن إنكار الذات» أراد 
مها حماية شري «رغم الضرر الكبير الذي لحق بناء إذ آثرنا وفضلنا 
إنقاذ الأرواح عل مكاسينا ومكاسب الأفراد)!19]. عل أننا ينبغي 
ألا نأخذ هذه التقوى بمعناها الظاهري. فربما كان الإنقاذ الروحي 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 17 


الدين والدم 


للمتضرين أحد الدوافع» لكن الدين ومصالح الدولة كانا لا ينفصلان 

في إسبانيا عصر النهضة. فقد قصد بالطرد جزئيا أن يرضي أعداء السامية 

المتطرفين الذين كان يمكن لكراهيتهم 2 دائيا أن تت تتحول إلى الملك نفسه. 

وتأئر الطرد أيضا بمناخ الحاسة الدينية النصرانية الذي هيمن على معظم 

إسبانيا وأوروبا في العقود الأخيرة من القرن الخامس عشر. فقد كانت 
فترة عاش فيها نصارى كثر في انتظار يوم الحساب الوشيك وبداية العصر 

الألفي النصراني الجديد”". 
ففي عشية حرب غرناطة انتشر في إسبانيا عدد من النصوص النبوثية؛ 

تنبأت بمجىء الإنكوبيرتو أو الخفى © أو «الخفاش العظيم» المصور 

في سفر الرؤيا» الذي بهزم المسيح الدجال ويبدأ آخر الزمان وألفية 
نصرانية جديدة©". ووفقاً ل«رسالة الوحي» واسعة الانتشار التى كتبها في 

(1) العصر الألفي السعيد «ونانمم21116 اعتقاد لدى بعض الطوائف المسيحية بأنه سيأنتي عصر 
ذهبي أو تتحقق الجنة على الأرض حين «يحكم المسيح» الأرض لمدة ألف عام قبل يوم 
الحساب الأخير [المترجم]. 

(2) الإنكو بيرتو :76طمعم5* .1 التي تعني «الخفي» 006 8110065 ع1 في اللغة الإسبانية تشير 
إلى قائد غامض وساحر من بقايا الثوار في المراحل الأخيرة من ثورة طوائف الحرفين في 
أراغون» يسمى أيضاً «الملك الحعي اه يعتقد أنه مختبئ من أجل سلامته ويظهر نفسه بأوامر 
إلهية لإنقاذ إسبانيا من الدمار. وحدٌّ الخفي الثوار لفترة قصيرة وبث الحماسة النصرانية في 
أتباعه وقادهم في غارات كر وفر ضد الحكومة الملكية والنبلاء غير المتعاونين والفلاحين 
المسلمين (المدجنين). وقتل الخفي في الثامن عشر من مايو 1522 في بوراسوت 625506زنا8 في 
مقاطعة بلنسية بإسبانيا وسرعان ما انهزم الثوار بعدها [المترجم]. 

)23( «الخفاش العظيم» 3ط غ3عمع رما هو «التنين العظيم» المخلص» الذي يخلص العالم من الشيطان 
الذي ورد ذكره في الإصحاح الثاني عشر من سفر الرذياء» حيث جاء فيه: «فطرح التنين 
العظيم الحية القديعة المدعو إبليس والشيطان الذي يضل العالم كله طرح إلى الأرض وطرحت 
معه ملائكته, وسمعت صوتاً عظيماً قائلاً في السماء ألآن صار خلاص إلهنا وقدرته وملكه 
وسلطان مسيحه لأنه قد طرح المشتكي على إخوتنا الذي كان يشتكي عليهم أمام إلهنا نهاراً 
وليلاً» (الرؤياء 12: 10-9) [المترجم]. 

(4) أو العصر الألفي السعيد- وفقا للمسيحية» وبخاصة البروتستانتية- الذي سيملك فيه المسيح 
المخلص على الأرض باعتباره «الملك الألفي» أو «الملك المقدس) لمدة ألف عام في آخر - 


118 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


2- الغالبون 
عام 6 نبيل قشتالي يدعى دون رودريغو بونسي الليوني8002180 ه10 
ووم.ا عل عمدو كان فير دناند نفسه هو «الخفي». الذي استطاع أن «يخضع 
كل الممالك من البحر إلى البحرء وسيحطم كل الأندلسيين في إسبانيا». 
وبالنسبة إلى بعض الإسبان أكد غزو غرناطة قدر إسبانيا باعتبارها 
«إسرائيل الجديدة»» التي اختارها الرب لتتولى مهمة استرداد أورشليم. 
وكان بحث كولومبوس عن طريق جديد إلى جزر الهند الشرقية يقصد به 
جزئياً توجي سيوم بزديج عن الإبلام من الخرف والغرب» 

حتى إن كولومبوس اصطحب معه متّرجما يبوديا يتتحدث اللغة العربية» 
بدأ هذا المترجم في التحدث بالعربية مع السكان الأصليين المشدوهين في 
كوباء اعتقاداً منه ومن كولومبوس بأنهم| نزلا أرضاً إسلامية. وفي رسالته 
إلى فيردناند وإيزابيلا التي كتبها في عام 1493» وعد كولومبوس بأنه «في 
خلال سبعة أعوام من اليوم سيمكنني أن أزود جلالتكم بخمسة آلاف 
فارس وخمسين ألف جندي مشاة للحرب وغزو أورشليم الذي من أجله 
بدأنا هذا العمل»!!!!. ومن المؤكد أن الملكين الكاثوليكيين كان يشتركان 
إلى حد ما في هذه التطلعات. ففي عام 1494» وزعت في إسبانيا أوامر 
بابوية بحملة صليبية لحشد الدعم لحملة عسكرية على شمال إفريقيا. 
وبعد ثلاثة أعوام استولت إسبانيا على ميناء مليلة المغربي» ونالت أول 
قواعدها العسكرية والتجارية في شمال إفريقيا. 

والسوّال عما إذا كان فيردناند وإيزابيلا قد اعتيرا إبعاد اليهود مقدمة 
لحملة صليبية جديدة لايزال سؤالاً مفتوحاًء لكن الاعتقاد بأن التطهير 
الداخلي لإسبانيا كان ضرورياً لنيل التأييد الإلهي للغزو الخارجي سيئبت 
أنه موضوع متواتر على دار القرن التالي. كما أفاد الدافع الجديد نحو 





> الزمان تسمى أحياناً «أيام الماشيح» أو «أيام المسبيح» سيسودها السلام والعدل في عام التاريخ 
والطبيعة وفي مجتمع الإنسان والحيوان [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 119 


الدين والدم 

الوحدة الدينية أيضاً وظيفة سياسية داخلية. ففي بلد كان لايزال عبارة 
عن خليط من المالك خاضعة للهيمنة القشتالية وليس دولة موحدة» 
وفرّت الكاثوليكية إحساساً با هدف الجماعي والهوية المشتركة التي يمكن 
أن ينضوي تحتها كل رعايا إسبانيا. على أن الدين لم يكن ضرورياً للحفاظ 
على السلطة المحلية للحكم الملكي فحسب. وإنا أفاد أيضا في إضفاء 
الشرعية على أفعال إسبانيا على المستوى العالمي» بجعل هذه الأفعال 
مرادفة لمصالح الدين ككل. 

وفي الوقت الذي كانت فيه الدوقيات والإمارات والدول المدينية”" 
عبر أوروبا تبدأ في الاندماج في كيانات إقليمية أكبرء كان الحكام 
الأوروبيون يعتبرون التهاثل الديني شرطا للسلم الاجتماعي والاستقرار 
السيامي الداخلي. وكان وجود جماعات يهودية ومسلمة كبيرة في إسبانيا 
يشكل عقبات هائلة في طريق بلوغ هذا ا هدف. فهؤلاء لم يكونوا متميزين 
عرقياً عن النصارى فحسب. وإنما كانوا أيضاً أقليات تذكّر النصارى دائمً 
بالوجود الإسلامى الذي كان مكروهاً في ذاته» داخل إسبانيا وخارجها. 
وكاق وبعرة بها القراعات شاذاً على وجه الخصوص في بلد قدم نفسه 
بصفته سيف النصرانية. ورغم الاحتفال بانتصار فيردناند وإيزابيلا في 
غرناطة وفي أوروباء ظلت قيادات نصرانية كثيرة تنظر إلى إسبانيا أنها بلد 
مشبوه يفسده اليهود والأندلسيون والزنادقة» وهى شكوك أكدها النطاق 
الواسع لحملات التطهير التي نفذتها محاكم التفتيش» بدل أن يدحضها. 


(1) الدولة-المدينية أو الدولة-المدينة ع]]5-تإ)فن كيان سياسي مستقل أو قائم بذاته» يتكون إقليمه 
من مديئة واحدة؛ أو مدينة واحدة كبيرة وملحقاتهاء من أمثلتها التاريخية المدن السومرية 
في بلاد ما بين النهرين مثل بابليون وأورء ومدن كنعان الفينيقية مثل صور وصيداء ومن 
أشهر أمثلتها التاريخية المدن اليونانية مثل أثينا وإسبرطة وثيفا وكورينث» ثم البندقية وصقلية 
وغيرها من الدول المدينية الإيطالية» ومن أمثلتها المعاصر إمارة موناكو وسنغافورة والفاتيكان 
[المترجم]. 


120 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


2- الغالبون 

كانت هذه إذن إسبانيا في عهد الملكين الكاثوليكيين: بلد تشكل عبر 
قرون من الحرب المقدسة ضد الكفار ونية القيام بمزيد من الغزو نيابة عن 
الدين» بلد رافق الشوفينية الدينية فيه خزي في تراثها السامي, بلد أرقته 
أفكار النقاء والدنسء بلد كان أقل إبداء للاختلاف الدينى أو الثقافي فيه 
يمكن أفايقوالرجالترالسناء إلى التازوق: ومخ تطهير إسبانيا من اليهرة 
وتطلعها إلى الحملات الصليبية والغزو في الخارج. تحول انتباه حكامها إلى 
الكفار الباقين داخل حدودها: الأندلسيين. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 121 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 


3 
المغلوبون 


«قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء»”". 
هذا ما كتبه محمد المقري؟؛ المؤرخ المسلم من القرن السابع عشر لصعود 
الأندلس وانهيارها!'©. قبل فترة طويلة من سقوط غرناطة» كان إيقاع 
الغزو قد بدأ يتحول بشكل حاسم لصالح إسبانيا النصرانية. ومع نهاية 
القرن الخامس عشر كانت قوة الأندلس وعظمتها قد أصبحت ذكرى 
قديمة لدى المسلمين الذين بقوا في أيبيريا. تذكر بعض التقديرات أن 
السكان المسلمين في أيبيريا في بداية القرن الثاني عشرء بما في ذلك الأمازيغ 
والعرب والسكان الأصليين الذين اعتنقوا الإسلام» كان عددهم زهاء 
خمسة ملايين ونصف المليون. ومع نباية القرن الخامس عشرء كان عدد 
المسلمين في إسبانيا يتراوح بين خمسائة ألف وستائة ألف نسمة» من 
إجمالي سكان إسبانياء الذين كان عددهم يتراوح بين سبعة وثانية ملايين 
نسمة!2]. وكان نصف السكان المسلمين تقريباً يعيشون في إمارة غرناطة 
السابقة» ومعظم الباقين في أماكن خاضعة لتاج أراغون» الذي شمل 
(1)آل عمران: 226 رما لا يعرف املف أنهاآية من القرآن [المترجم]. 

(2) المقري التلمساني هو أبوالعبائس أحمد بن محمد المقري القرشي الملقب بشهاب الدين (من 1578 
إلى 1631) مؤرخ ولد وعاش في تلمسان الجزائرية» صاحب كتاب «نفح الطيب في غصن 
الأاندلس الرطيب» و«كتاب الرحلة إلى الشرق والغرب» الذي بقيت منه نسخة وحيدة أهدتها 
ابنة المستشرق الفرنسي جورج ديفلان عام 1993 إلى المكتبة الوطنية الجزائرية [المترجم]. 


125 
1_طماع !© :161]أللا 1 


الدين والدم 


ملكتي أراغون وبلنسية وإمارة قطلونية التي كان إجمالي سكانها مليون 
ونصف مليون نسمة تقريباً. وفي بلنسية شكل المسلمون البالغ عددهم 
مئة وثلاثين ألف شخص تسعة وعشرين بالمئة تقريبا من السكان, ما 
جعلهم ثاني أكبر تجمع إسلامي خارج غرناطة. 

وفي أراغون نفسهاء كان الخمسون ألف مسلم يشكلون نحو خمسة 
عشر بالمئة من السكانء وكان ثانية آلاف آخرون يشكلون أقلية صغيرة في 
قطلونية. وكان هناك زهاء مائتي ألف مسلم مبعثرين عبر أراضي قشتالة 
الشاسعة؛ إضافة إلى جماعة مسلمة صغيرة في مملكة نبارة البرانسية التي 
ضمتها قشتالة في عام 1512 وفي جزر الكناري التي فتحتها مؤخراً. كان 
المسلمون في قشتالة يعيشون غالبا في جماعات صغيرة في البلدات والمدن 
النصرانية. وكان المسلمون في أراغون ريفيين بالدرجة الأولى. وكانت 
القرى والمستوطنات الإسلامية متفرقة عبر مملكة أراغون قليلة السكان 
من تلال البرانس في الشمال إلى السهول الجنوبية الواقعة في مهب الرياح 
وعلى الضفتين الخصبتين لنهر أبرة”"» الذي يجري من أراغون عبر قطلونية 
إلى البحر. 

وفي بلنسية أيضاًء كان المسلمون يعيشون غالبا في الريف. وبعد أكثر من 
قرنين من الاستعمار النصراني» كان السكان المسلمون قد أزيحوا تدريجياً 
بعيداً عن الساحل إلى المنطقة الداخلية الجبلية الأكثر جفافاً المعروفة 
بالقاطع. ومع أن بعض المسلمين البلنسيين واصلوا العيش قرب الساحل 
وفي الغيتوهات الحضرية في البلدات والمدن النصرانية» فقد كانت غالبية 
السكان المسلمين تعيش بعيداً عن المراكز السكانية النصرانية في القرى 
والريف. وعبر إسبانيا النصرانية كلها شكلت هذه الجماعات أقليات 
كانت بمثابة برك ذات حواف صخرية خلّفها المد الإسلامي المنحسر. وفي 
(1) 8:0 في اللغات الأوروبية [المترجم]. 


124 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 





3- ا مغلوبون 
غرناطة- في المقابل- ظل المسلمون يشكلون الأغلبية لبضعة أعوام بعد 
الغزو. واختلفت هذه الجماعات عن بعضها كثيراً في علاقتها بالمجتمع 
النصراني ودرجة اندماجها الثقاني وارتباطاتها بالعالم الإسلامي. وبعد 
7 غرناطة أثبتت هذه الاختلافات أنها مهمة» حيث واجه مسلمو 
إسبانيا مستقبلاً جديداً في إسبانيا النصرانية الموحدة. 
ده 

من حيث المهن والحرف» كانت الجماعات المسلمة بإسبانيا تتشابه 
عموماً في القيام بأعمال متواضعة في المجتمع الأيبيري. فمع استتباب 
الاسترداد» اضطر الأرستقراطيون والقادة العسكريون وعلاء الدين 
والأطباء ورجال العلم الذين جذبتهم الأندلس سابقاً إلى مغادرة أيبيريا 
بحئا عن وظائف جديدة في قلب العالم الإسلامي. وكانت الجماعات 
التي تركوها وراءهم تشكل في معظمها القاعدة البروليتارية للأندلس» 
كالحرفيين والفلاحين والبستانيين والصناع وعمال البناء. وتذكر وثيقة 

من القرن الرابع عشر في مملكة أراغون أكثر من ثلائين حرفة إسلامية 
مختلفة» منها المحاسب وصانع الأسلحة والنجار والمهرّج وعازف البوق 
وصاحب الخان والمزارع وجراح العيون/"!. وكان المسلمون يعملون 
أيضاً صباغين ودباغين وصناع أحذية وصنّاع دروع وراقصين وبستانيين 
وبغالين. 

وكانت النساء المسلمات يعملن خادمات وقابللات ومرضعات» 
وعمل بعضهن وصيفات للنساء وجليسات للأطفال النصارى» رغم 
المنع الرسمي هذا القرب بين الطرفين. وحتى في غرناطة التي ظلت 
البنية الاجتاعية التقليدية فيها ى) هي تقريباء كانت غالبية السكان 
تتكون من فلاحين ومزارعين صغار وحرفيين حضريين. كانت هناك 
بالطبع استثناءات لهذه القاعدة البروليتارية. ففي غرناطة انضمت طبقة 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 125 


الدين والدم 


الأعيان” ملاك الأراضي إلى النزوح الجماعي من الأندلسء» لكن بقي 
أعيان كثيرون بعد الغزو وظلوا ب يتمتعون بالثروة والمكانة التي اعتادوا 
عليها. وفي كل مناطق إسبانيا الأخرىء كان هناك تجار وملاك أراض 
مسلمون أثرياء ازدهرت أععمالهم حتى تحت الحكم النصراني» كان 
بعضهم من الثراء بها مكنهم من تأجير الأراضي والممتلكات للنصارى. 
ففي أراغون عملت عائلة البلوي© القوية مع الإدارة النصرانية» وظل 
أفرادها يشغلون منصب القاضي العام المهم- أي قاضي الاستئناف العالي 
في بلنسية وأراغون الإسلامية- كمنصب عائلي حتى في عهد فيردناند. 
وسمح لعائلة البلوي أيضاً بالتجارة الدولية» وكانت ا ارتباطات 
تجارية بتجارة التوابل امتدت إلى إسبانيا وإيطاليا وشمال إفريقيا. لكن 
هذه الحالات لم تكن شائعة» فعلى خلاف اليهود. نادراً ما كان المسلمون 
يشغلون مواقع اقتصادية وإدارية في المستويات العليا للمجتمع الإسباني» 
ولم يرتبطوا كذلك بالمهن المحتقرة مثل جمع الضرائب. 

وفي مجتمع نصرانٍ كان يحتقر العمل اليدوي, كانت المكانة الاجتماعية 
الاقتصادية المتواضعة للمسلمين الإسبان تولد نحوهم الازدراء وليس 
الكراهية. وفي الوقت عينه كانت شهرة المسلمين بالاعتدال والتدبير 
والكد تجعلهم حذابين ججدا لآربات الأعال رلك الأراضي النصارى» 
وهي المزايا التي بقيت في أمثال نصرانية مثل 050 ع2ء1) 52010 عمع نا معتت 0 
(من يمتلك أندليها يمتلك ذهباً) و 323212ع8 125 70105 1235 60ئلقلاكء 
(زيادة الأندلسيين تعني زيادة الربح). فكان العامل المسلم سلعة ثمينة» 
وبخاصة في بلنسية وأراغون, التي كان معظم المسلمين فيها يعملون 
() الطبقة الاجتماعية القابلةلطبقة البلا الأوروبية في المجتمع العربي والإسلاسي ماقيل النديث 

هي الوجهاء والأعيان» لذلك تترجم كلمة ©1201 ومشتقاتها إلى وجهاء أو أعيان في حالة 

الأندلسيين مع إبقائها «نبلاء» في حالة الإسبان [المترجم]. 
(2) 15ااء8 البلوي أو البلي [المترجم]. 


126 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


3- ا مغلوبون 

كأقنان في خدمة الإقطاعيين النصارى. 

عمل هؤلاء القُطّمين المسلمين كفلاحين مستأجرين أو محاصصين”" 
في أراضي الإقطاعيين الإسبان. وإضافة إلى أنهم كانوا يقدمون لفُطعيهم 
العمل والإيجار وحصة من محاصيلهم. فقد كانوا يخضعون دائياً لعدد 
من الواجبات الثقيلة» لم يكن نظراؤهم النصارى مطالبين بها عموماً. 
فكان المْقُطَعونَ المسلمون يجمعون الحطب للمُقْطِع ويخبزون له الخبزء 
ويصنعون له الملابس ويصلحونهاء ويقلمون له الكرم ويعتنون ببساتينه. 
وكانوا يقدمون له أيضا حيوانات كهدايا في زفاف بناته» وينقلون عائلته 
ومتاعه حين يسافر» ويخدمون في جيشه الخاص» ويوصلون رسائله. وهذا 
العمل الأخير كان يستغرق أحياناً أكثر من يوم في الضياع الريفية النائية. 

ونتيجة لذلك اعتبرت طبقة النبلاء في بلنسية وأراغون العمال المسلمين 
أساسيين لاستمرار رخائهم. ٠‏ وربح التاج الأراغوني أيضاً عائدات كبيرة 

عن التطعين المسلمين الذين شكلوا «الكنز الملكي» من عدة نواح؛ منها 
العمال المسلمين في أراضي التاج» والضرائب المفروضة على مدى واسع 
من النشاطات. من الحمامات العامة والجزارين المسلمين إلى بيع رخص 
الدكاكين والشحاذين والحانات والمواخير. وقد كان لذلك كله نتائج 
مختلطة على المسلمين أنفسهم. وعلى الرغم من أن المقُطَعين المسلمين كانوا 
يتعرضون كثيراً لاستغلال قاسء فقد كانوا يحظون بحاية مُفُطعيهم؛ كى) 
استفادوا من الاتجاه المتساهل بين النبلاء الأراغونيين والبلنسيين نحو 
عمارسة شعائرهم الدينية» وهو اتجاه كان يختلف دائماً عن اتجاه القطاعات 
الجهادية بالكنيسة. ففى بلنسية- على سبيل المثال- كانت السلطات 
الدينية تحرص دائاً على كبح التعبيرات العلنية للإسلام مثل أذان الصلاة 
في حالة المسلمين الذين كانوا يعيشون بالقرب من نصارى. وفي المقابل» 
(1) المحاصص مزارع يستغل الأرض لمصلحة المالك مقابل جزء من المحصول [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 177 


الدين والدم 
سمح البارونات النصارى للمؤذن بالنداء للصلاة بالصوت أو بالقرن» 
فضلاً عن أتهم سمحوا لأتباعهم ببناء مساجد جديدة على ضياعهم. 
ومع أن هذا التسامح كانت تدفعه المصلحة الشخصية في المقام الأول 
فقد أغضب محكمة الفيان الاك الدنيا اللمراية 0 الت 
أنهم انر 7 5 النظام الى وبالمثل كا كانت الطوائف الحرفية 
الحضرية النصرانية تنظر إلى المسلمين- واليهود- على أنهم منافسون 
اقتصاديون. وني أوقات الأزمات الاجتاعية كانت هذه المشاعر تنفجر 
بسهولة في حالات من العنف. ى) حدث مثلاً في اضطرابات عام 1455 
في مديئة بلنسية» حين دمر الغوغاء النصارى الحى الانذلمى.. 
حركت المخاوف المتواترة من حدوث انتفاضة إسلامية هذه 
الاضطرابات جزئياء وهو هاجس كان يؤرق المملكة التى كان المسلمون 
يشكلون أكثر من ربع سكانها. | تعزز الاعتقاد بأن مسلمي بلنسية كانوا 
ينتظرون لوهم متأهبون ورماحهم مشحوذة» بالخوف من القراصنة!". 
(1) مصطلحا القرصنة والقراصنة من المصطلحات المختلف في نظرها بين الجماعات والشعوب 
المختلفة. ففي حين اعتبرته الجماعات الممارسة له من المغارية «جهاداً بحرياً» ضد مالك 
نصرانية (اغتصبت» الأندلس واضطهدت أهلهاء وكانت تسعى إلى احتلال المغرب العربي 
نفسه. اعتبرته الشعوب التي عانت منه قرصنة وحشية. وإذا كان حكام شمال إفريقيا 
«المجاهدون البحريون» من أمئال عروج وخير الدين بربروس وغيرهم من رياس البحر 
يشرفون على عمليات «القرصنة» ويأخذون نصيباً من عائداتهاء فإن ملوك إسبانيا أيضاًء 
كما سيأتي لاحقاً في الكتاب» كانوا حين يطلقون أيدي جنودهم في نهب المسلمين وسلبهم 
وأسرهم, كانوا ياخذون نصيباً من العائدات. كما كانت سفن إسبانيا في القرن السادس عشر 
هدفا للقراصنة الهولنديين المعروفين ياسم الشحاذين البحريين 5688355 8ه5 الذين اتخذوا 
من القرصنة نوعاً من الحرب غير النظامية ضد إسبانيا التي كانت تحتل بلادهم. وكانت المدن 
الساحلية الإسبانية تتعرض من حين لآخر للنهب والسلب والتدمير من جانب الأسطول 
الملكي الإنجليزي [المترجم]. 


128 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


3- ا مغلويون 
الذين كانوا يغيرون على بلنسية من شمال إفريقيا طلباً للعبيد والغنائم 
والأسرى لإطلاقهم في مقابل فدية. والعبارة الإسبانية المقابلة لعبارة 
«الساحل خالي» وهى 00568 12 61 120105 '(113 20 التى تعنى حرفيا: ١لا‏ 
يوجد مغاربة على الساحل»؛ نشأت بفعل القرون الطويلة التي شكل فيها 
قراصنة شمال إفريقيا مصدر رعب للتجمعات النصرانية القريبة من البحر. 
فوقوع بلنسية على بعد عشرين ميلا فقط من شمال إفريقيا وسواحلها 
الطويلة غير المحصنة جعلاها أكثر عرضة من غيرها لهذه الغارات» التي 
كانت خاسة حداء لدرحخة أن يعضن البلذات العضرانية السائحلية كانت 
تحتفظ بأموال دائمة لدفع الفدية للأسرىء الذين يأخذهم القراصنة إلى 
شمال إفريقيا. وكانت هذه الغارات تعود بنتائج مدمرة على سكان بلنسية 
المسلمين» وبدت عاملاً حاسماً في تشكيل السياسة الرسمية نحوهم في 
القرن الذي تلا سقوط غرناطة. 
د 

كان مسلمو إسبانيا يعيشون جميعاً في عالم إسلامي الدين والثقافة» 
يقوم على القرآن والحديث؛ أي أقوال النبي محمد وسيرته. وكانت حياتهم 
تقوم على أربعة من أركان الإسلام الخمسة: الشهادتين والصيام والصلاة 
اليومية والزكاة» وقليل منهم استطاع أداء فريضة الحج إلى مكة. وهي 
الركن الخامس. وإلى جانب الأعياد والعطلات الموجودة في التقويم 
الإسلامي» كان للمسلمين الإسبان أماكن للحج الديني وصوامع 
وأولياء وأعياد وتقاليد خاصة بهم. ففي المناطق التابعة لغرناطة» كان 
المسلمون يحتفلون بقدوم شهر رمضان بمواكب تجوب الشوارع تضم 
راقصين وموسيقيين يرشون بعضهم بالفاكهة والماء الملون. وفي بلنسية 
كانت النساء المسلمات يحتفلن برأس السنة بزيارة المقابر المحلية التي كن 
يخضبن أنفسهن لما بالحناء» وينسجن أغطية كتانية لتغطية الموتى. وفي 


1_طماع !© :161]أللا 1 129 


الدين والدم 


مرسية الريفية» كان المزارعون والفلاحون المسلمون يحتفلون بالحصاد 
عبر مهرجانات الموسيقى والغناء والرقص في مزارع الكرمة والبساتين. 
كان دخول المولود الجديد إلى الجماعة الإسلامية يبدأ بعد سبعة أيام من 
الولادة بمراسم التسمية المعروفة بالفدا”"» التي كان الأطفال المولدون 
فيها يخضبون بال حناء» وتعلق في رقابهم تعاويذ بها آيات قرآنية. وفي 
حالة الأطفال الذكورء تلت الختانَ احتفالات مهيجة يدعى لما الأقارب 
والجيران. وكانت حياة المسلمين الإسبان تنتهي بالدفن على الطريقة 
الشرعية الإسلامية» إذ تغسّل الحثة وتلّف في قهاش كتاني نظيف. وتوضع 
في تراب طاهر على جانبهاء باتجاه مكة. وكان كثير من المسلمين يدفنون 
مع أقاريهم زبيباً وطعاماً و«خطاب تعريف»! يقدم الموتى لملائكة الموت 
على أنهم مؤمنون صادقون» ويساعدهم في التعرف على طريق الحنة. 
ثمة سهات أخرى للإسلام الأيبيري كانت أقل ارتباطا بالدين. 
فكما كانت حال النصارىء كان المسلمون الإسبان يؤمنون بالتنجيم 
والدلالات السحرية للأعداد. وكانوا يستشيرون الطالع والتقويم 
ويسجلون التواريخ المبشرة والمشؤومة في تقويم كان ينبئع بحالة الحصاد- 
سيئ أم جيد- والمطر- وفير أم شحيح- وكذلك حالة السلام والحرب. 
وكشأن النصارى الإسبان أيضاء كان المسلمون يؤمنون غالبا بالخرافات 
لدرجة كانت تفزع زعماءهم الدينيين. وكانوا يلبسون التعاويذ والأساور 
المزودة بآيات قرآنية لجلب الحظ السعيد أو تجنب العين الشريرة. وكانوا 
يتلون رٌقى ويصنعون جرعات لإيذاء أعدائهم, أو إيقاع الأفراد في الحب 
أو الكراهية» أو علاج الحسدء أو إثارة الرغبة الجنسية» أو منع الأرواح 
الشريرة من دخول البيت الجديد. وكانت هناك جرعات لإخفاء الناس 


(1) الفدا 6208 مؤكد أنه «الفداء» وهي ممارسة ذبح كيش أو غيره من الحيوانات للمولود, فيما 


130 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


3- ا مغلويون 

وتمكنيهم من قطع مسافات كبيرة بسرعة» ورؤية الأرواح بخلط جلد 
دجاجة سوداء ودهن دجاجة بيضاءء وفرك الخليط في العين. 

كانت بعض هذه الجرعات والرقى تستخدم لأغراض طبية. ومع 
أن الطب كان أحد أهم مجالات الدراسة في الأندلسء فعند نهاية القرن 
الخامس عشر كانت المستشفيات والمدارس الطبية بإسبانيا الإسلامية قد 
اختفت في معظمهاء وأصبح علاج الأمراض مهنة العشَّابِين والمعا جين 
الشعبيين» الذين كان معظمهم نساء اتبعن في الغالب ممارسات كانت تعد 
في السابق خرافية وغير علمية. 

ورغم اشتهار المسلمين الإسبان بالاعتدال والرصانة» فقد كانت 
الموسيقى والأغاني والرقص جوانب أساسية في حياتهم. وكانت الآلة 
الأشيع بينهم هي العود, الذي انبثق عنه الجيتار في عصر النهضة. ومن 
الآلات الأخرى. المزاميز والناي والأبواق والسناطير”" ومجموعة 
متنوعة من آلات النقر» كانت تستخدم جميعاً المصاحبة الغناء والرقص 
في الحفلات وولائم الختان وحفلات الزفاف وغيرها من المناسبات. 
ومن أشهر الرقصات الإسلامية الرقصة الليلية المعروفة بالليلة والزمرة© 
(بمعنى «فرقة من الموسيقيين»)» وهي رقصة كانت إسبانيا تنفرد بهاء 
وأصبحت لاحقاً الأساس «للرقصة الأندلسية»» التي انتشرت في 
أوروبا عصر النهضة. ويزعم بعضهم أبا تطورت إلى رقصة الموريس 
19 («الأندلسية») الإنجليزية. وكانت احتفالات الزفاف الإسلامية 
مناسبات صاخبة جداًء تقام دائاً في الشوارع» حيث تركب العروس على 
بغل أبيض إلى بيت الزوجية» يرافقها الموسيقيون والمغنون والراقصون 
(!) السنطورآلة موسيقية قديمة تشبه القانون [المترجم]. 
2( 8 لمقة 1613 هي ر قصة أندلسية شهيرة» رعا تكون أصل الرقصة المغاربية التي تسمى 


«السمرة» حالياًء يرجع بعضهم اسمها إلى كلمة «الزمرة» #عنادمة< العربية» التي تعني البطانة 
المرددة ما يغنيه المنشد [المترجم]. 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 131 


الدين والدم 

والعائلات» فضلاً عن إلقاء الحلوى على الحضور استبشاراً بالخير. 

ومع أن المسلمين الإسبان ظلوا مرتبطين رمزياً بأمتهم الأكبر (الأمة 
الإسلامية) ومركزها في العالم العربي» فقد تآكلت هذه الارتباطات 
كثيراً في قرون الحكم النصراني. احتفظت غرناطة بأغلب بهارج المجتمع 
الإسلامي المستقل» بتراتبيتها الاجتاعية التقليدية ومؤسساتها الدينية 
ونخبها الثقافية وصلاتها التجارية والثقافية بشمال إفريقيا. وظل معظم 
المسلمين فيها يتحدثون اللغة العربية» على الرغم من أن المسلمين الذين 
كانوا يعيشون بالقرب من الحدود تحدثوا القشتالية (الإسبانية) أيضا 
إلى جانب العربية» في حين احتفظت الطبقات المتعلمة باللغة العربية 
الفصحىء التي كانت اللغة التقليدية للثقافة والعلم الراقيين. 

كانت اللغة العربية تستخدم أيضا على نطاق واسع في بلنسية بسبب 
قريها الجغرافي من شال إفريقيا وغرناطة. أما قشتالة» فكانت تضم 
جماعات المدجنين التي عاشت تحت الحكم النصراني قرابة ثلاثائة عام» 
ولذلك كان كثيرون منهم يتحدثون القشتالية فقط أو لغة عربية مشوهة. 
ونتيجة لانقطاع روافد الدين والثقافة الإسلاميين وعدم وجود الكتب 
والخطاطين والمدارس وغيرها من فرص الدراسة» بات استمرار البقاء 
الإسلامي معتمداً بالدرجة الأولى على الجهود المتواصلة للأئمة والفقهاء 
المحليين» الذين تولوا مسؤولية التعليم الديني والثقافي لجماعاتهم في 
مساجدهم المحلية. كانت المهمة شاقة بالتأكيد. فكثيرا ما كانت تتطلب 
الارتجال وأنصاف ال حلول, إذ كان الوعاظ مجبرين على الكتابة والوعظ 
باللغة الإسبانية لنقل العقيدة الدينية الإسلامية لجمهور لا يستطيع أن 
يتحدث لغة القران. 

رفض بعض عل)ء الدين المسلمين جواز بقاء المسلمين في أراضي 
النصارى المعروفة بدار الحرب؛ ودعوهم إلى العودة إلى دار الإسلام. وفي 


1322 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


3- ا مغلوبون 

ذلك كتب ابن جبير؛ العالم المسلم الإسباني من القرن الثالث عشر”" ما 

نميه 1[ يرك عت عه اه للسيدم الذي بوتي يلاد الكثره ٠:0‏ 
كان عابرأًء فالطريق واد ضح إلى ديار الإسلام» . وفي فتوى صدرت أواخر 
القرن الخامس عشرء أمر مفتي وهران الونشريسبي2© إخوانه في الدين 
بمغادرة إسبانياء وأعلن صراحة أن «العيش بين الكفار حرام ولو ليوم 
واحدء بسبب الدنس والفحش اللذين يجراهما على فاعله»!4. 

ربا لم يعلم كثير من المسلمين الإسبان بهذه الفتوى المحددة» لكنهم مع 
ذلك كانوا يعلمون بالأمر الديني الذي ينص على العيش في ديار الإسلام. 
فلاذا لم يغادروا إذن؟ لقد كان كثير من المسلمين فقراء لا يستطيعون تحمل 
تكاليف هذه الرحلة» في حين كان آخرون ممنوعين من المغادرة بأوامر 
من حكامهم النصارى. وربا برر بعض المسلمين استمرار وجودهم في 
دار الحرب بالاعتقاد أن الحكم النصراني لن يدوم. لكن كثيرين منهم» 
وربما غالبيتهم» تبنوا لحل التوفيقي عينه بين التزاماتهم الدينية وظروفهم 
الفورية» الذي يضطر المسلمون الذين يعيشون في أوروبا المعاصرة للأخذ 
به في سياق مختلف تماماً. على أن المسلمين الإسبان لم يكونوا جميعاً من 
الملتزمين دينياً بالقدر نفسه؛ وحتى المؤمنون الأكثر تمسكاً كانت لديهم 
التزامات أخرى. فكما أنهم مسلمون. كانوا أيضا رعايا لحكام نصارى» 


(1) أبو الحسن محمد بن جبير الكناني المعروف بابن جبير الأندلسي (من 1 سبتمير 1145 إلى 01217) 
جغرافي ورحالة وكاتب وشاعر عربي أندلسي» يقال إن الأمير أبا سعيد أرغمه يوم على 
شرب سبعة كؤوس من الخمر وأعطاه ملوها دنانير» فقرر أن يحج إلى بيت الله تكفيراً عن 
خطيئته» وأنتجت هذه الرحلة كتابه المسمى «تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار» في ف 
6؛ ومن مؤلفاته الأخرى «اعتبار الناسك في ذكر الآثار الكريمة والمناسك» و«ارحلة ابن 
جبير» [المترجم]. 

(2) هو أبو العباس أحمد بن يحيى بن محمد بن عبدالواحد بن علي الونشريسي (من 1430 إلى 
9تقريباً), حافظ المذهب المالكي بتلمسان وفاس» تلمساني الأصل والمنشأ وفاسي الدار 
والمدفن» ولد بإحدى قرى ونشريس بناحية بجاية بشرق الجزائر» من أهم مؤلفاته «المعيار 
المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب» [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 133 


الدين والدم 

ومُفْطْعين لقُطعين نصارى» وأعضاء في جماعاتهم وأحيائهم وأفراد في 
عائلات كانت آفاقهم في الغالب مقيدة بالعالم اليوميّ» الذي عاشوا فيه. 
وحتى اليوم لايزال الإسبان يُظهرون ارتباطا بمناطقهم يذهل الزوار من 
البلدان ذات السكان الأكثر حركة وتنقلاً. وكان هذا الارتباط بالمكان 
أوضح في عالم القرون الوسطى» لدى كل من المسلمين والنصارى. 

وحتى وسط المجتمع النصراني» الذي كان ينظر إليهم عموما بعين 
العداء ونوع من التسامح القسريء. ظل المسلمون قادرين على العيش 
في نسخ مصغرة من العالم الإسلامي الأكبرء طالما كان مسموحاً لهم 
بأداء شعائر دينهم. ففي المدن الكبرى مثل إشبيلية وقرطبة وسرقسطة 
وطليطلة» كان المسلمون يعيشون في أحيائهم الخاصة بشوارعها المميزة 
المواجهة للداخل المبنية حول فناء داخلي» ومساجدهم وحماماتهم 
ومقابرهم المدفون بها أسلافهم. وفي البارونيات والدوقيات النصرانية 
بأراغون وبلنسية» ظلوا يفلحون ويزرعون الأراضي نفسها ويخدمون 
السادة أنفسهم الذين خدمهم آباؤهم وأجدادهم. 

وكذلك لم يكن الحكم النصراني قمعيا على إطلاقه. ففي القرن الخامس 
عشرء كانت الضرائب المفروضة على المسلمين في غرناطة المسلمة أعلى من 
المفروضة على المسلمين في ال مالك النصرانية» وبدا ذلك أحد أسباب عدم 
شعبية أبي عبيدل وعائلته بين رعاياهم. وفي بعض مناطق إسبانياء كانت 
القوانين النصرانية أكثر لينا من الشريعة الإسلامية في بعض المخالفات» 
ولذلك بعاول: السلهون. أحياناً نقل قضاياهم إلى المحاكم النصرانية 
للحصول على عقوبات أخف. . ومع أذ السلين هروما انوا يشكلون 
جاعة هامشية عل حراق الجتيع النضراي» فلتيع م يكونرا معزولين 
كليا. فقد كان الحرفيون والبنّاؤون المسلمون يعملون في الكنائس 
النصرانية» وكان المزارعون والفلاحون يأتون بمحاصيلهم إلى الأسواق 


134 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


3- ا مغلوبون 

النصرانية. حتى إن المسلمين والنصارى واليهود كانوا مندمجين جداً في 
مدينة تيروال الأراغونية في القرن الرابع عشرء لدرجة أن المؤرخ وقيّم 
السجلات المحلي أنطونيو فلوريانو 0هةة5!06 دنهه:هةى علق على العلاقات 
«الودية بل والأخوية» بين أتباع الأديان الثلاثة في هذه الفترة!!. 

ورغم حنين بعض المسلمين إلى عالم الأندلس المفقود. توقفت المقاومة 
الجدية للحكم النصراني كلياً تقريباً بعد ثورات المدجنين في أواخر القرن 
الثالث عشر. وحتى في أثناء حرب غرناطة» حين سجل النصارى من جميع 
أنحاء أوروبا أنفسهم في جيوش فيردناند وإيزابيلاء لم يكن هناك إقبال 
مماثل من المتطوعين المسلمين للقتال من أجل آخر مملكة إسلامية أيبيرية 
مستقلة» سواء من داخل ! إسبانيا أو خارجها. على أن التضامن الإسلامي 
ل يغب تماماًء إذ جمع بعضص بعض المسلمين البلنسيين الأموال لمساعدة حكام 
غرناطة من بني نصرء لكن في الغالب الأعم كانت الجماعات الإسلامية 
بإسبانيا ممزقة ولا تقوى على تحدي الفاتحين ولم تنج إلا ببقائها في الظل في 

د 

ينطوي التسامح دائماً على درجة من الكراهية للشيء الذي تتسامح 
معه. ولم تكن إسبانيا القرن الخامس عشر استثناء لذلك “ول يكن المسلمون 
الإسبان مميزين عن النصارى في أشكال عبادتهم فقطء وإن) أيضاً في قواعد 
ومحرمات تقاليدهم الدينية والثقافية. فالمسلمون» بخلاف النصارىء كان 
محرماً عليهم شرب الكحولء على الرغم من أن كثيراً من المسلمين كانوا 
يشربونه. لدرجة أن سكر المسلمين كان من المشكلات الاجتتاعية الجدية 
في مناطق إسبانيا النصرانية. وكان محرماً عليهم أيضاً أكل لحم الخنزير 
وحيوانات أخرى محددة كان النصارى يأكلونها. وكانوا يذبحون لحومهم 
بموجب الشريعة الإسلامية» ويطبخون بزيت الزيتون بدلا من دهن 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 35] 


الدين والدم 

الخنزيرء الذي كان النصارى يستخدمونه» وكانت منازههم تعبق بروائح 
مختلفة عن منازل النصارى. وفي حين كان النصارى يأكلون على مناضد» 
كان المسلمون يأكلون عموماً على الأرض. وكانوا يتحدثون اللغة العربية: 
أو ما أطلق عليه النصارى اسم الغربية اطدمةعلة (البريرة طاكنمءططنع), 
وهي لغة لم يكن يتحدثها أو يفهمها إلا قليل من النصارى. وكانوا يطلقون 
على أطفاهم أسماء إسلامية واجه النصارى دائم) صعوبة في نطقها. 

ومن جانب لون البشرة وملامح الوجه؛ء لم يكن هناك اختلاف 
واضح بين النصارى والمسلمين. صحيح أن هناك كثيراً من الأفارقة 
السود في إسبانيا القرن الخامس عشرء كان بعضهم عبيداً حالبين أو 
سابقين للمسلمين والنصارىء إلا أن الإشارات النصرانية المتكررة إلى 
«الأندلسيين البيض» و«الأندلسيين السمر» توحي بأن لون البشرة م 
يكن عنصراً أساسياً في تقرير الاختلافات بينهم. في حين كان الاختلاف 
البصري الأوضح بين المسلمين والنصارى هو لباسهمء لكن حتى هذا م 
يكن قييزه سهلا وسريعا. ففى غرناطة ما قبل الاسترداد. كان الرجال 
عموماً برتدوة اللبانن الأنذلسى التقليدي» مقل العاءات القضتاضة 
والعمائم والعباءات المقلنسة» ل الأزياء النصرانية كانت منتشرة أيضاً 
بين الطبقات الراقية من المسلمين. وفي عام 1529» نشر المصور الألماني 
كرستوف فيلتز 1/1012 طامه:0:15 «كتاب أزياء» حول إسبانيا تضمّن 
صورة لافتة لموسيقيين وراقصين أندلسيين يؤدون الزمرة» وجميعهم 
يرتدون الصدرة والبنطال الضيق النصرانيين. وفي عام 1482» أبدى 
فيردناند قلقا كبيراً من غياب الاختلافات الواضحة بين جماعتى السكان 
في بلنسية» فأمر المسلمين بارتداء اللباس الأزرق فقط. لكنه اد أربعة 
أعوام ظل يشكو من أن المسلمين لايزالون يلبسون «مثل النصارى. وكثير 
منهم يرتدي صدرات حريرية ولباسا رفيعا». 


1]36 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


3- ا مغلوبون 
كان تمييز المسلمات الأندلسيات من مظهرهن أسهل كثيراً من تمييز 

الرجال» وكان لباسهن دائ؟ً مصدر فتنة وإعجاب من جانب الرحالة 
الأوروبيين الذين زاروا إسبانيا في القرن السادس عشرء ومنهم فيلتز 
والمصور الفلمنكي جورج هوفناغل اء11061038 06018. وتوضح نقوش 
فيلتز أندلسيات حافيات يرتدين بنطلونات مطوية فضفاضة وسترات 
طويلة وملحفة بيضاء أو حجاباً كان يغطي رؤوسهن ووجوههن في 
الأماكن العامة. وأذهل النصارى الإسبان دائاً الاختلاف الشديد بين 
لباس الرجال المسلمين المتواضع جداً وحلي نسائهم ولباسهن ذي الألوان 
الزاهية» الذي كان مغايراً تماماً للمظهر الأكثر تجهما للنساء النصرانيات. 
وكانت الأندلسيات في معظمهن مولعات بالزينة الشخصية. مثل الحسناء 
الجزائرية زوريدة 20612109» التي وصفها الراوي النصراني في «حكاية 
الأسير» لدون كيخوته: 

لا أبالغ إن قلت إن اللآلئ المتدلية من رقبتها الجميلة 

وأذنيها وشعرها كانت أكثر عدداً من شعر رأسها. 

وفوق قدميها الحافيتين على الطريقة الأندلسية» كان 

يطوق كاحليها خلخالان من الذهب النقي مثبتة فيه| 

ماسات كثيرة» أخبرتني لاحقاً أن أباها'قدرها بعشرة 

آلاف دولارء وكانت الماسات التي ترتديها حول 

رسغيها تساوي أكثر من ذلك بكثير أ6ا. 

وإذاكان هذا اللباس الغريب يزيد الإغراء الجنسى للأندلسيات في أعين 

الرجال النصارىء فإن الثروة المتخيلة في هذه الحلي كانت تثير أيضاً الطمع 
النصراني في زمن السلمء وبالتأكيد في زمن الحربء إذ أخذت ملابسهن 
وحليهن في الغالب كغنائم حرب. وفي الوقت نفسه. كان الكهنة الإسبان 
يستهجنون هذا العبث من النساء» وراعهم أن كثيراً من الأندلسيات كن 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 137 


الدين والدم 
يزين أجسامهن أيضاًء بشعرهن المضفر أو بأوشام ا حناء المعقدة» التي كن 
يخضبن بها سيقانهن وأيديهن وأقدامهن. كانت هذه العادات الأندلسية 
تعكس موقفاً من الجسد مختلفاً تماماً عن نموذج الزهد المتضمن في مفهوم 
«احتقار العالم) نلهناحة كناأمتمعغهمن)» الذي كانت الكنيسة تتبناه» وكانت 
تولّد أحياناً مزيجاً متوتراً من الجاذبية والاشمئزازء وهو موقف لا يختلف 
عن المواقف الإسبانية من النود «العراة» في العالم الجديد. 
كان الولع الإسلامي بالحمامات العامة أحد المارسات الثقافية التي 
نظرت إليها الكنيسة بعين الرعب. ففي العصور الوسطى كان الام 
الإسلامي أو الام العام قد أصبح سمة لكثير من المدن الإسبانية» وسمح 
الحكام النصارى لليهود والنصارى بزيارة الحمامات في أيام مختلفة. وبداية 
من القرن الخامس عشر فصاعداً» حظرت الحمامات العامة في أنحاء إسبانيا 
وأوروبا كافة. نتج هذا التحول جزئياً عن الاعتقاد أن الاستحام يفتح 
مسام الجلد ويضعف دفاعات الجسم ضد الطاعون, لكنه كان يعكس 
أيضاً الاقتران الشائع بين الحمامات والدعارة والفسق77. وفي إسبانيا القرن 
الخامس عشرء كانوا ينظرون غالباً إلى الحمامات كأماكن للعلاقات الجنسية 
المحظورة» مع أن الحمامات كانت تخصص أياما منفصلة للرجال وللنساء. 
وقد نظر بعض النصارى إلى الولع الإسلامي بالاستحمام أنه تعبير عن 
الشهوانية والفجور الأندلسيين» وهو فهم يفسر بلا شك النقمة الشديدة 
من المؤرخ الكنسي من القرن السابع عشر فرانئيسكو بيرموديث دي 
بدراثا معدرلء2 عل عل تاتصسء8 معءدونهمة:1 على المسلمين الغرناطيين» الذين 
اعتادوا الاستحام «حتى في ديسمبر». ونظر بعض النصارى إلى الاستحام 
باعتباره فعلاً محشاً ربها يكشف عن اللواط» ومنهم مؤرخ القرن الخامس 
عشر فرناندو دي بولغار الذي أرجع هزيمة المسلمين في الحمة" في 
(1) راجع حاشية سابقة حول مدينة الحمة التي كان استيلاء الملكين الكاثوليكيين عليها في - 


138 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


3- ا مغلوبون 

حرب غرناطة إلى حماماتهم التي تسببت في «نعومة أجسامهم»!*]. وترجع 

الكراهية النصرانية للاستحام العام أيضا إلى ارتباطه المدرك بالطقوس 

الدينية الإسلامية» ذلك أن بعض المسلمين الإسبان لم يكونوا يغسلون 
أيدهم فقط قبل الصلاة» وإنما كان الغسل للجسم كاملا با يعرف باسم 

الوضوء”"» الذي يتضمن تطهير ما كانت تعتبره الكنيسة «أعضاء محزية». 
وعلى مدى معظم القرن الخامس عشرء لم تكن علامات الاختلاف 

الثتقافي والديني من هذا النوع تشكل أولوية لحكام إسبانيا. فربما كانت 

هذه الاختلافات محلاً للكراهية أو الرفضء لكن السلطات الدينية 
والعلمانية كانت مهيأة عموماً للتسامح معهاء بشرط ألا تخترق العادات 
الإسلامية المجتمع النصراني على نطاق واسع. ورغم نوبات القمع 
المتفرقة» لم تبذل محاولة منظمة لفرض القواعد والمعايير النصرانية على 
السكان المسلمين. ومع أن بعض المسلمين نُضروا قسراً في أثناء الثورات 
التي وقعت بين عامي 1391 و1412» فإن أعدادهم لم تكن كبيرة إلى 
درجة تثير تهديداً وجودياً وتشكل مصدراً ممكناً للفساد داخل المجتمع 
النصراني. وعلى الرغم من أن المسلمين الإسبان شكلوا أقليات ضعيفة 
ومعزولة داخل إسبانيا نفسهاء فإنهم على خلاف اليهود كانت تربطهم 
الثقافة والدين بدول إسلامية تتمتع بقوة سياسية وعسكرية حقيقية 
يمكن نظرياً أن تستخدم ضد النصارى. وإضافة إلى ذلك كان مسلمو 
أراغون وبلنسية يتمتعون بحماية قوية من النبلاء المحليين» الذين كانوا 
> عام 1482 البداية الفعلية لحرب غرناطة التي ستنتهم بعد عشرة أعوام بسقوط غرناطة نفسها 
[المترجم]. 

(1) كلمة ع300ناع الإسبانية المستخدمة هنا تعني «الوضوء»؛ لكن العملية المشار إليها هي الاغتسال 
أو رفع الجنابة» مع العلم بأن مسلمي إسبانيا حين منعوا من الوضوءء كانوا يستحمون كاملا 
للصلاة» كما حثتهم فتوى أحمد بن جمعة» ويقال في الروايات العربية إن ذلك كان أحد 
أسباب منع الحمامات العامة» ورما اكتسبت كلمة «الوضوء» في الإسبانية لذلك هذا المعنى 
الواسع: الاستحمام [المترجم]. 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 139 


الدين والدم 

أكثر اهتماماً باستغلالهم اقتصادياً من تحويلهم إلى النصرانية. 

وهكذا فإن حكام إسبانيا كانوا في الغالب الأعم مهتمين بالحفاظ 
على المسافة الفاصلة بين المسلمين والنصارى عبر التفرقة أكثر منهم عبر 
الاضطهاد خلال القرن الخامس عشر. وقد كانت قوانين العزل المعروفة 
بقوانين كتالانيا لعام 1412 تستهدف المسلمين واليهود؛ تماماً مثل مرسوم 
إيزابيلا لعام 1480 الذي أمر الأقليتين بأن تعيشا في مناطق معزولة 
بغرض منع «الضرر والبغضاء الكبيرين» اللذين يسببهم| «استمرار 
الاختلاط والحياة المشتركة لليهود والأندلسيين مع النصارى» في قشتالة. 
لكنء في الوقت الذي كان فيردناند وإيزابيلا يخوضان فيه الحرب على 
غرناطة» حمت السكان المسلمين في بقية إسبانيا اتفاقيات المدجنين من 
القرون الوسطىء التي وقعت مع أسلافها النصارى. لكن إلى أي مدى 
ظلت هذه الترتيبات سارية المفعول في إسبانيا النصرانية الموحدة التي لم 
تعد مستعدة للسماح لسكانها اليهود بالوجود على أراضيها؟ 

فبعد الحرب مباشرة» لم تكن نوايا حكام إسبانيا نحو رعاياهم المسلمين 
واضحة تماماء بل كانت متناقضة في غالبيتها. ففي عام 1497 أجبر فيردناند 
وإيزابيلا البرتغال على طرد المسلمين واليهود في أثناء المفاوضات حول 
زواج الملك البرتغالي من ابنتهما. لكن هؤلاء المسلمين سمح لهم بالسفر 
عبر قشتالة» ثم استقروا فيها. فحين أراد الملكان الكاثوليكيان استئصال 
السكان المسلمين من البرتغال» عملا دون قصد على زيادة عدد الكفار في 
مالكهما. هل كان هذا التناقض الظاهر ناتجا عن محاولة ماكرة لاكتساب 
ميزة اقتصادية قصيرة المدى؛ مع العلم بأن هؤلاء المسلمين سيواجهون 
قريباً الاختيار نفسه الذي فرض على اليهود؟ أم تراه يشير إلى التزام طويل 
المدى بالتسامح الديني؟ لم تتضح إجابات هذين السؤالين إلا في نهاية 
القرن مع ضم إسبانيا النصرانية لأحدث مسلميها. 


10 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


4 
وعود مهدرة 
غرناطة (1500-1492) 


كان الملكان الكاثوليكيان ملتزمين ظاهرياً بوجود إسلامي دائم في 
مملكة غرناطة المفتوحة حديثاً. تأكد هذا الالتزام في اتفاقيات الاستسلام 
الكاشفة عن شهامة واضحة. تلك التي وقع عليها أبو عبيدل في نوفمبر 
31. كفلت هذه الاتفاقيات للسكان المسلمين الاحتفاظ بأراضيهم 
وممتلكاتهم ودخلهم على الدوام؛ كما سمحت لهم أيضاً با هجرة إلى شمال 
إفريقيا والعودة للعيش في إسبانيا بعد ذلك إن أرادوا. ونصت الاتفاقيات 
أيضاً على أن «القضاة والعمد وا حكام» المعينين لحكم غرناطة يجب أن 
يكونوا أأشخاصاً يحترمون الأندلسيين ويعاملونهم بالحسنى». وفي مسألة 
الدين» كان الملكان الكاثوليكيان لا يقلان شهامة:, إذ أعلنا: 
يسمح صاحبا السمو وخلفاؤهما للملك أبي عبدالله [أي 
عبيدل] وقادته» والقضاة والمفتين» والقادة العسكريين» 
وعلية القوم» وعامتهم, كبيرهم وصغيرهم. بأن يعيشوا 
دائماً وفق شريعتهم دون المساس بسكناهم وجوامعهم 
ومناراتهم» ولن يتدخلا في أوقافهم التي أوقفوها لتلك 


الأغراض» ولن يعيقا عاداتهم وتقاليدهم في غير حين!'!. 


141 
1_طماع !© :1]61]أللا 1 


الدين والدم 

وقد تعززت هذه الوعود بإنشاء مجلس بلدي مشترك في مدينة غرناطة 
كان من حق السكان المسلمين انتخاب ممثليهم فيه. بشر ذلك كله بتعايش 
طويل المدى بين غرناطة المسلمة وحكامها الجدد. لكن ثمة شكوك كثيرة 
فيي) إذا كانت هذه التدابير الجديدة قد أريد لها حقاً أن تدوم. وحتى في 
هذه الفترة المبكرة» وفقا لمؤرخ القرن السادس عشر الغرناطي لويس دي 
مارمول كارباخال 81ز03202 أمتصعة381 عل تنآ حرض كبار الأساقفة 
الإسبان فيردناند على «استئصال الطائفة المحمدية واسمها من إسبانيا 
كلها» بإصدار الأمر لمسلمي إسبانيا بالاختيار نفسه. الذي فرض على 
اليهود بين النفي والمعمودية» ابتداء من غرناطة. ووفقاً لمارمول» فإن 
فيردناند رفض هذه الطلبات على أساس أن هذه السياسة قد تتطلب 
«العودة إلى الحرب مرة ثانية» في وقت كان فيردناند فيه مشغو لا بافتوحات 
أخرى» خارج إسبانيا. وعوضاً عن ذلك. اختار فيردناند سياسة إطلاق 
الحرية على أمل- بحسب مارمول- أنه «من خلال الاتصال المحلي مع 
النصارى ومناقشة الأمور الدينية سيفهم [المسلمون] الخطأ الذي وقعوا 
فيه ويقلعون عنه... ويصلون إلى معرفة الدين الحق ويعتنقونه. | فعلت 
أمم أخرى بربرية كثيرة في الماضي)21. 

هذا النهج التدريجي فرضته في المقام الأول اعتبارات اقتصادية وأمنية. 
فبعد عشرة أعوام من الحرب كان فيردناند حريصا على تعزيز السيطرة 
النصرانية على غرناطة» وتحويل السكان المسلمين إلى مصدر دخل. وعلى 
الرغم من أن الحاريق الذين شاركوا قي حرب غرناطة. كوفئوا ينتج 
من الأراضى والمقطعين المسلمين» فقد ظلت الهجرة النصرانية ضعيفة 
ومتفرقة فى التثرة الغالبةالشرو ساشرف وكاقت مبالنةالاعتدال ضور 
لضان استمرار تعاون السكان المسلمين مع الحكم الجديد. ومن أجل 
هذه الغاية» كانت الإدارة الجديدة لغرناطة مليئة برؤساء نصارى محنكين 


142 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


4- وعود مهدرة.. غرناطة (1500-1/492) 

يتمتعون بمعرفة مباشرة بالمملكة الجديدة» مثل السكرتير الملكي إيرناندو 
دي ثافرا الذي تفاوض عل اتفاقيات الاستسلام وإنيغو أورتادو دي 
مندوسه 381600028 06 112800 15180 كونت تانديلياء الذي عين قائدا 
عامأء وهو منصب مكافئ تقريباً لنائب الملك والحاكم العام. ترأس 
تانديليا سليل عائتلة مندوسه القوية» وهي واحدة من أكبر عائلات عصر 
النهضة الإسباني» حامية صغيرة في قصر الحمراء» وحافظ على علاقات 
ودية مع النخبة المسلمة المحلية. 

انعكست سياسة المصالحة أبضا في تعيين إيرناندو دي طلبيرة""؛ 
الراهب الورع بالأخوية الرهبانية للقديس جيرومء وكاهن الاعتراف 
الملكي السابق لإيزابيلاء في منصب أول رئيس أساقفة لغرناطة. وطلبيرة 
الذي يعود إلى جذور مُنَضَرية© وكان في الستينيات من عمره في الوقت 
الذي تولى فيه هذا المنصب الجديد المهم بناء على طلبه» عُرف بالورع 
والاعتدال» وكتب في كتيب له عام 1480 بعنوان «الطعن الكاثوليكي» 
مةأعةمونامصسة وعنامندك أن «المرطقات يجب أن تصحح بالعقوبات 
والجلد. وبالفكر الكاثوليكي أيضا». 

ع عد د 

كان التشديد على الأخير - أي الفكر- هو الذي حدد معاملة طلبيرة 
مع السكان المسلمين في أبرشيته الجديدة» فلقد عارض طلبيرة دخول 
قضاة التفتيش إلى غرناطة» مفضلاً أن يستميل المسلمين إلى النصرانية عبر 
«الكلمة والكتاب والقدوة» لا الخوف. وشرع من بداية تعيينه في تنفيذ 
هذه المبادئ على أرض الواقع» فكان يقدم عدة عظات كل أسبوع» وأحيانا 
في اليوم الواحد لتجمعات منتقاة من المسلمين. وأنشأ «دار العقيدة» في 


(1) 3جء1212' عل ملمقمروا في اللغات الأوروبية [المترجم]. 
(2) نسبة لطائفة المنَصَرِين من اليهود السابقين [المترجم]. 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 143 


الدين والدم 

ربض البيازين بالمدينة» وكان يعظ فيها أفراداً وجماعات صغيرة من الفقهاء 
المسلمين عن طريق مترجم. ىا تركزت هذه الجهود بالدرجة الأولى على 
النخبة المسلمة هيدف بدء عملية تنصير من أعلى لأسفل. وأجرى طلبيرة 
بعض التجديدات الخلافية أيضاً في محاولة منه الجعل النصرانية أكثر إغراء 
لت حا ا د 
وأصر ل وكلفت رح 1 
القواعد الأساسية للغة العربية باللغة القشتالية تسهيلاً للمهمة. ورغم 
سنه المتقدمة» حاول طلبيرة نفسه أن يتعلم العربية» وقيل إنه تمككن من 
قراءة الوصايا العشر ومقتطفات من كتاب العقيدة مها. 

لم يكن القصد من هذه الجهود أن توسّع الفهم الثقافي لرجال الدين أو 
أن تضع الأساس لثنائية لغوية» وإنها على حد تعبير بيدرو القلعي”" مؤلف 
كتاب القواعد القشتالية -العربية» كان الغرض من كتيبه «إخراج هؤلاء 
الممَضَرين حديئاً من الظلام والأخطاء الكثيرة ة التي غرسها فيهم الدين 
الإسلامي». وعلى الرغم من أن طلبيرة احترم في المسلمين رصانتهم. 
وأعلن في إحدى المناسبات أننا «يجب أن نتبنى أخلاقهم» ويتوجب 
عليهم أن يتبنوا ديننا»» فإنه كان متحمساً لاستئصال «الطائفة المحمدية»» 
كأي رجل دين آخر في عصره. وبالنسبة إلى طلبيرة» كان تنصير مسلمي 
غرناطة مرادفاً لتمدينهم. ووفقاً لبيرموديث دي بيدراثاء فقد كان رئيس 
الأساقفة يدعو الوجهاء والأعيان الأندلسيين إلى العشاء كي يغرس فيهم 
«حب العادات النصرانية»؛ مثل الجلوس على الكرامي» وأكل الطعام 
النصراني» واللبس «على الطريقة القشتالية»!12. 

ورغم هذه الطريقة الأبوية» يبدو أن طلبيرة كان محبوباً وموقراً في 


(1) 15عاخ عل مرلعم نسبة إلى بلدة قلعة النهر عمتهمع11 عل 16212 [المترجم]. 


144 1_طماع !© :161 ]أللا 1 


4- وعود مهدرة.. غرناطة (1500-1492) 

غرناطة. يصف بيدرائا كيف ظهرت «كرة من النار» فوق رأس طلبيرة 
في أثناء إحدى عظاته. وهي المعجزة التي أكسبته اللقب المحترم «الفقيه 
النصراني المقدس» بين المسلمين المحليين. وفي عامي 1495-1494» زار 
طبيب نمساوي يدعى يرونيموس مينسر 1/107265 05ا0طلا111615021 الإمارة 
السابقة» كجرزء من رحلته خلال إسبانياء وبحوي سرده للرحلة وضفا 
حياً للمجتمع النصراني والإسلامي المختلط» الذي تشكل في فترة ما بعد 
الحرب!4. وفي بعض البلدات الغرناطية» وجد مينسر أن السكان المسلمين 
قد أزاحهم النصارى» وأن مساجدهم قد أعيد تكريسها كنائسء في حين 
ظلت في مناطق أخرى إسلامية كلياء وهو الأمر الذي أدهش مينسر. 

ومع أن مينسر كان معادياً للممارسات الدينية «للساراكينوس» 
الغرناطيين, فإنه افتتن أيضاً بالعالم الإسلامي الذي بدا له أجنبياً وغريبا 
ولقد أثنى على الإنتاجية والمهارة الزراعية للسكان المسلمين. وأبدى 
مينسر إعجاباً شديداً بالعاصمة الغرناطية» التي وصفها ب«أعظم مدينة في 
العالم». وفي أول ليلة له في غرناطة» لاحظ بذهول كيف «كان الضجيج من 
مآذن المساجد لا يصدق» في أثناء أذان الصلاة المسائية”"". وتجاسر السائح 
النصراني الجريء على دخول الشوارع الضيقة المرصوفة بالحصى في ربض 
البيازين» وشاهد الفيلات الفخمة الواسعة لأعيان المسلمين بحدائقها 
الفخمة؛ وأشجار السرو فيهاء والمنازل الصغيرة شديدة الازدحام, التي 
يعيش بها أغلبية السكان, والحي اليهودي السابق الذي هدم بأوامر من 
الملكين الكاثوليكيين بعد طردهم. 
الأولى» حيثث أحصى مينسر أكثر من مائتي مسجدء. منها واحد «اكان 
مزدحما جداً إلى درجة أن المصلين كانوا يصلون في الشوارع». وزار 
(1) مؤكد أنها صلاة العشاء [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 145 


الدين والدم 

مير أيغاً الخامية التصرانية ق قضر الكمراف فوجد عبالاً مسلمين 
من ربض البيازين ينفذون الإصلاحاتء وفيها استضافه القائد العام 
تانديليا في حدائق القصرء وأجلسه على العشب فوق فرش حريري 
على الطريقة الأندلسية. وقابل أيضاً طلبيرة الذي وصفه بأنه «القديس 
جيروم الجديد»» المسؤول عن «تنصير كثير من الساراكينوس». لكن هذه 
المزاعم لم يؤكدها وصف مينسر لانتشار الإسلام وهيمنته. ولم تنعكس في 
الاتتقادات الصادرة من رجال الدين ومسؤولي محكمة التفتيش من خارج 
غرناطة؛ أن طرق طلبيرة لم تكن تؤتي النتائج السريعة المطلوبة. ووقعت 
توترات أيضا في غرناطة نفسهاء حيث حدث عدد من الاضطرابات 
العنيفة في العاصمة في الأعوام الأولى التالية للاستسلام» منها واحد 
قتل قادته ومزق أجسامهم. لبث «الرعب والطاعة اللازمين» في نفوس 
السكان. ى] جاء في وصف أحد المؤرخين. 

ربها أسهمت هذه التوترات في التدفق الثابت للمهاجرين المسلمين إلى 
شمال إفريقياء غالبيتهم من الطبقات العليا. ففي خريف عام 1493 تخل 
أبو عبيدل نفسه عن ضياعه الريفية في جبال البشرات» وتوجه إلى المنفى 
في شمال إفريقياء ومات هناك بعد بضعة أعواهم”". وحذا أعيان آخرون 
حذوه منهم الحسن الوزان المعروف بالجغرافي والرحالة ليون الإفريقي/© 


(1) بعد أن أقام أبو عبيدل بضع سنوات في قصره بالبوجراس بالأندلس» رحل إلى المغرب الأقصى 
عند سلطان المغرب محمد الشيخ الملهدي. حيث نزل مدينة غساسة بإقليم الناظور؛ ودخل 
معركة مع قريبه حاكم فاس قتل فيها في 1527. وقد سبقه إلى ذلك المصير عمه وغرعه الزغل» 
اللذان تحاربا معأ على حكم غرناطة وتبادلا التحالف مع ملوك النصارىء مما أسقط دولتهم. 
فبعد أن يئس الزغل من الحرب أبرم مع إيزابيلا اتفاقا لضمان سلامته هو وحاشيته» وتوحه 
إلى تلمسان» وهناك سجنه سلطان المغرب محمد الشيخ وسمل عينيه وأخذ أمواله عقايا على 
تحالفه مع النصارى [المترجم]. 

(2) هو الحسن بن محمد الوزان الزياتي أو الفاسي أو ليون الافريقي أو يوحنا ليون الإفريقي أو 
الأسد الإفريقي» ولد وعاش في غرناطة» وبعد سقوطها انتقل وأسرته إلى فاس بالمغرب وأصبح 
سفيراً لسلطانهاء زار مدنا ومناطق كثيرة» منها مصر وإسطنبول وبلاد العرب ومناطق ‏ - 


146 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


4- وعود مهدرة.. غرناطة (1500-1492) 

الذي هاجرت عائلته إلى فاس. وظل بعد أعوام يتذكر البلاط المزجج 
لمدينته الأم» والولائم والرقصات التي رافقت مراسم ختانه» والملحفة 
البيضاء التي كانت أمه ترتديها. 

وفي رسالة إلى مليكيه في صيف عام 1495 أبدى السكرتير الملكي دي 
ثافرا رضاه عن هذا النزوح الاعي» وزعم أن «كل الباقين في طريقهم 
للخروجء وأنهم لم يعاملوا معاملة قاسية من أي نوعء بل لم يعامل الناس 
بمثل هذه الطريقة الحسنة»!0]. وذكر في الثاني والعشرين من سبتمبر من 
تلك السنة أن «هؤلاء الأندلسيين مطمئنون جميعاًء وكلهم في خدمة 
سموك..: لكنني أتمقى ألا يبقى منهم أحد» ليس لأن عندي أي دواع 
للشكء والحمد لله لكن بإخضاعهم لبعض القمع يستطيع الشخص 
المتواضع الذي عينته سموك في تمالكك أن يطردهم)!؟. لكن لا توجد 
إشارات على أن فيردناند وإيزابيلا كانت لديهم| نية من هذا النوع في 
تلك المرحلة» ما عدا بعض المحاولات المؤقتة لتحفيز ال حجرة بين النخبة 
الإسلامية» لكن استمرار هجرة كثير من الأعيان الأندلسيين توحي يقيناً 
بتضاؤل الثقة في مستقبلهم تحت الحكم النصراني. 

وفي الفترة نفسهاء كان المهاجرون النصارى يتدفقون على مدينة 
غرناطة» مدفوعين بالإعفاءات الضريبية والحوافز الأخرى. من الحرفيين 
الحضريين وصغار المزارعين إلى بيروقراطيي الطبقة الوسطى الباحثين عن 
مناصب في الجهاز الإداري الجديد» الذي تأسس في المملكة الجديدة. ولم 
يكن كثير من هؤلاء المهاجرين يروق لهم نموذج التعايش الذي أرسته 
المعاهدات أو الاعتدال» الذي أظهره رئيس الأساقفة مع سكان كانوا 


> إفريقية» أسره قراصنة إسبان على جزيرة جربة واقتادوه إلى روما هدية للبابا ليون العاشر الذي 
حمله على اعتناق النصرانية والبقاء لتدريس اللغة العربية في روماء وضع كتباً في اللغة والأدب 
والجغرافيا من أشهرها كتاب «وصف إفريقيا» [المترجم]. 


1_طماع !© :161]أللا 1 17 


الدين والدم 


يعتبرونهم كفاراً مغلوبين. وكان الاتصال بين هؤلاء المهاجرين والسكان 
المسلمين المحليين يغضب الزعماء الدينيين من الجانبين» الذين اعتبروا 
قربهم مصدراً ممكناً للنزاع والعدوى الثقافية. ففي مارس 1498. حظر 
طلبيرة على النصارى تأجير الممتلكات للمسلمين» وارتداء اللباس 
الأندلسي» وزيارة الحمامات» وشراء اللحوم من الجزارين المسلمين. 

تبع هذه التعلييات اتفاق متبادل على تقسيم المدينة إلى منطقتين 
منفصاتين» مع تركز معظم السكان المسلمين في المنطقة العليا حول ربض 
البيازين. وفي صيف عام 1499» عاد الملكان الكاثوليكيان إلى مكان أعظم 
انتصاراته] ليريا المدينة بنفسيهماء وجاءا بعد فترة قصيرة بالرجل الذي 
فعل أكثر من أي فرد آخر لنقض المعاهدات. 

انآ 

قوبلت زيارة فيردناند وإيزابيلا إلى غرناطة» بعد غياب سبعة أعوام» 
بترحيب حشود متحمسة؛ منهم آلاف من النساء المسلمات اللواتي أظهرت 
ملحفاتهن البيضاء. وفقاً 0 ألونسو دي سانتا كروث عل 10050له 
2ن 25322018 يشهداً 3 يستحق إعجاباً عظيا» . لكن من الصعب الاعتقاد 
بأن غزاة غرناطة أعجبتهم أيضاً تلك التعبيرات العامة للديانة الإسلامية» 
التي كانوا يرونها ويسمعونها كلما نظروا إلى ربض البيازين من قصر 
الجمراء. 

وني الخريف, لحق بفيردناند وإيزابيلا في غرناطة رئيس أساقفة طليطلة 
فرانئيسكو خيمنيث دي ثيسنيروس 01506505) 06 11926062 معقاعمة1. 
كان ثيسنيروس المولود عام 1436 من أكثر الشخصيات رمزية وتأثيراً 
في عصره»ء وشملت حياته العملية السياسة والدين والغزو العسكري. 
وكان مثل طلبيرة كاهن الاعتراف السابق للملكة» ورجلاً ورعأء وكانت 
حماسته الدينية تمتزج بقسوة وتصلب لا يقبلان المساومة. ظهر ثيسنيروس 


148 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


4- وعود مهدرة.. غرناطة (1500-1/492) 

في الحياة العامة متأخراً نسبياً. فبعد دراسة القانون في جامعة شلمنقة". 
دخل الكنيسة» وبدا أنه مصمم على الوصول إلى منصب ديني رفيع» حين 
سجن لأنه أخذ وظيفة كان أحد رؤسائه قد وعد بها شخصاً آخر. قضى 
يسنيروس حك بالسجن عل انه لرؤسائه» وقرر بعد ذلك أن يصبح 
راهبا فرانسيسكانيا» وينسحب تماما من الشؤون الدنيوية. وعاش لبضعة 
أعوام ناسكاً في غابات معترّل ديني بالقرب من طليطلة في صومعة من 
القش تكفي بالكاد للتمدد فيها. وكان يقتات على النباتات» ولم يكن 
يلبس شيئاً غير قميص من الوبر» وكرس أيامه للصلاة والتأمل الروحي 
وإفاقة اسك 

أعجبت إيزابيلا المتدينة بهذه الحياة الدينية الصارمة» فاختارته عام 
2 كى يكون كاهن الاعتراف الخاص ببها. قبل الراهب في عمر السادسة 
واللوسين هذا التعيين باعتباره واجبه الديني» مع أن رعبه من النساء 
جعله يرفض أن ينام تحت سقف واحد معهن. وصل الرجل إلى البلاط 
القشتالي شاحباً وهزيلاً كالجيفة مرتديا رداء الراهب وصندله؛ وكان يشبه 
«سكان الصحراء» ى!| وصفه بيتر مارتر. يُظهر نقش معاصر صورة جانبية 
معقوفة حادة والرأس الحليق على طريقة الرهبان لهذا الرجل المتصلب 
الذي أثبت سريعاً أنه عنيد ويمتلك إرادة حديدية في السعى وراء أهدافه 
السياسية اما أن هذه الأهداف تكس مصالم الرب». " 

وسرعان ما أظهر ثيسنيروس جلده وهمته حين كلف بمهمة إصلاح 
الأخويات الرهبانية الفاسقة بإسبانياء التي سقط كثير منها عن معايير 
التقوى بالقرون الوسطى لدرجة أنهم كانوا يعيشون علناً مع «زوجات» 
ومحظيات» وقد كانت مهمة صعبة بكل معنى الكلمة. زار ثيسنيروس 
الأديرة بنفسه في أنحاء البلاد كافة على بغل» وفرض سلطته على هؤلاء 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 149 


الدين والدم 

الرهبان الضالين بقوة جعلت المئات منهم يغادرون إسبانيا مع رفيقاتهم 
بدلا من الإذعان للتقشف الجديد الذي يطالبهم به. وكوفئ ثيسنيروس 
على جهوده بالترقية إلى رئيس أساقفة طليطلة بعد إصرار إيزابيلا. وما 
هى عادته وافق على منصبه الحديد وهو يلبس عباءة الراهب وصندله. 
لكنه وافق لاحقاً على لبس الحرير وفرو «القاقم»؛ اللذين يتطلبههما العُرف 
بعد إصرار البابا» وظل يلبس قميص الوبر تحت ملابسه المتبرجة. 

هكذا كان الرجل الذي انطوى مزاجه على هوس بالحرب أكثر مما 
يلبق بأستف يعور كات شيرنه اين القرة السادس عكر اباو شوميية 
دي كاسترو 03550 060106206 4107314 . وفي نوفمبر غادر فيردناند وإيزابيلا 
غرناطة إلى إشبيلية تاركين ثيسنيروس في المدينة ليعمل مع طلبيرة لأسباب 
لاتزال غير واضحة. لم يبد الأسقف الطليطلي حماسا للطرق التبشيرية 
التي كان زميله يتبعها لإدخال مسلمي غرناطة في النصرانية» وذات 
مرة شبّه ترجماته العربية للكتاب المقدس «بإلقاء اللآلئ أمام خنازير». 
وبدأ ثيسنيروس جهوده باختيار مجموعات من الفقهاء «بأسلوب لين 
عذّب» بتعبير غوميث. وأغدق عليهم هدايا من الأقمشة الحريرية الملونة 
والقبعات القرمزية بغرض إغرائهم. 

لكن سرعان ما نفد صبره بسبب معدل التقدم البطيء, وبدأ في 
إرسال المسلمين العنيدين إلى السجنء وفيه عوملوا بها وصفه غوميث 
دي كاسترو «طرق لم تكن صحيحة" إلى أن يوافق الواحد منهم على 
اعتناق النصرانية. كان من أولئك المسجونين وجيه أندلسي يدعى الثغري 
أثاتور”" عهد به ثيسنيروس إلى عناية كاهن شرس يعرف بالأسد من لقبه 


60 أسم هذا المعذّب في اللغات الأوروبية هو 8723101 1ا[عع.2» وحكايته الموجزة الواردة هنا 
تطابق مع حكاية حامد التغري مع يسنيروسء التي تقول في نسختها العربية إن التغري لم 
يمكث في قبضة يستيروس عشرين يوماً فقطء بل بدأت حكايته مع سلف تيسنيروس قبل أكثر 
من عقد من الزمان» حين كان الثغري (اسمه مشتق من «الثغور» .ما يحمله من معنى الرباط - 


1530 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


4- وعود مهدرة.. غرناطة (1500-1492) 

«66.آ. وبعد عشرين يوماً في صحبة هذا «الأسد» المؤلمة» أي بالوجيه 
الأندلسي في القيود ذليلا ومتسخا أما ثيستيروس» وآعلن أن اله أمره في 
المنام بأن يعتنق النصرانية. فأمر ثيسنيروس للثغري على الفور بأن يغتسل 
ويرتدي عباءة قرمزية» ودفعه برفق في حوض التعميد الذي تلقى فيه 
الاسم النصراني غونثالو فيرنانديث ثغري؟ 

شجع هذا النجاح ثيسنيروس الذي كثف جهوده. وتباهى أمام البايا 
ألكسندر السادس في ديسمير بأن ثلاثة آلاف أندلسي تنصروا في يوم 
واحده وكان نطاق النتضير وابتعاء لترية آن عفرا من المسلعيق كانوا 
أحياناً يرشون بالماء المقدس بدلاً من أخذهم إلى حوض التعميد. وحين 
اقترح مجلس كنيسة ثيسنيروس في طليطلة أن هذا التنصير قد يشكل خرقا 


> والجهاد) آخر من دافع عن مدينة رندة ضد الجيوش القشتالية» وبعد سقوطها لجأ إلى مالقة» 
وقاد الدفاع عنها في معارك مستميتة في شهر أغسطس من عام 1487» وحين طالبه الوجهاء 
بالتفاوض مع القشتاليين قال لهم «إني تسلمت المدينة لأحميهاء لا لأسلمها»» وفي هذه 
الحرب وقع أسيرأء وانقطعت أخباره وظن الناس أنه استشهد. وحين نادي المنادي في الناس 
بأنه سيفر ج عن حامد الثغري من كنيسة «سان سلفادور». تردد الناس في دخول الكنيسة 
التي كانت يوماً مسجدأء لكن فضولهم ورغبتهم في رد الاعتبار للمجاهد الشهير دفعت 
كثيرين منهم ليكونوا شهوداً على إطلاق سراحه؛ فتزاحموا ليكونوا مع بطلهم في الحظة تحرره 
ليحملوه على الأعناق» لأنهم أهل «جاهته وعزوته». وني الكنيسة ,صفق رئيس الأساقفة من 
كرسيه الوثير» فإذا بأربعة حراس يدخلون مطوقين رجل ناحل بأسمال بالية» متعثر الخطى» 
مطأطئ الرأس»؛ مكبل اليدين والقدمين, لم يتعرف عليه الكثير من أهله بسبب ما طاله من 
تغيير» فقد نالت منه الأيام وخربت ملامحه؛ بعد أن كان قبل عقد من الزمان أسداً من أسود 
المقاومة. طلب منه تيسنيروس أن يصارح الأندلسيين بأمره» فتنحنح الأمير وسعل وتلعثم 
ثم قال: «جاءنٍ هاتف في سجني ليلة أمس أخبرني بأن الله يريد مني أن أتنصر»» وأضاف 
وهو مطأطئ الرأس: «هذه إرادة الله ومشيئته». فصدح الأرغن بلحن كنسي ابتهاجاًء وجفل 
الناسر ل وسالت دموعهم أسفاً. ثم أمر رئيس الأساقفة» فأخذ الثغري وغسلوه وصففوا شعره 
وألبسوه ثوباً حريرياً» ثم جيء به مشي مترنحاً كأن الأغلال لاتزال في قدميهء وركع عند 
قدمي يسنيروسء» الذي تناول كأس التعميد من يد أحد معاونيه وغمس أطراف أصابعه في 
الكأس ثم نثر بعضاً من مائه على رأس الثغري وهو يتمتم بكلماته المقدسة» واختار حامد 
لنفسه اسم غونثاليث فرناندو ثغري [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 151 


الدين والدم 
لاتفاقيات الاستسلام لم يبد رئيس الأساقفة أسفاء معلناً أنه «إذا تعذر 
جذب الكفار إلى طريق الخلاص» وجب جرهم إليه جراً». وبالنسبة إلى 
ثيسنيروس.ء كان التنصير أحد الواجبات المفروضة على العدو الكافر 
المهزوم. وأخبر زملاءه في كنيسته في إحدى رسائله بأن الزعاء الدينيين 
المسلمين في غرناطة سلموه القرونء التي كانوا يستخدمونها لأذان الصلاة 
«تماماً مثل مفاتيح المدينة»). بيد أن مسلمي غرناطة لم يذعنوا جميعاً للتدبير 
الجديد, ولم يمض وقت طويل حتى أنتجت جهود ثيسنيروس استجابة 
مختلفة تماما. 
+ د “2# 

ظهرت الإشارات الأولى للمقاومة بين الحرفيين والخياطين ونساجي 
الحرير في ربض البيازين حول قضية المتحولين من النصرانية إلى الإسلام 
المعروفين باسم «العلوج» 5©اءاء (بمعنى «الأجانب» في اللغة العربية). 
فبالنسبة إلى النصارى والمسلمين على حد سواءء كان الشخص الذي 
يترك دينه ويعتنق ديناً آخر يعتبر مرتداً» وقد اتضح موقف النصارى من 
هؤلاء المرتدين في حادثة شنيعة تلت حصار مالقة في عام 1487 حين 
قتل النصارى الذين سبق أن اعتنقوا الإسلام بطريقة بشعة» حيث شدوا 
إلى خوازيق واندفع نحوهم الجنود على ظهور خيولهم مسلطين رماحهم 
إل في تمرين قاس على المثاقفة. نظرياء كان العلوج الغرناطيون تحميهم 
من هذه المعاملة بنود محددة في معاهدات التسليم التي اشترطت ألا يكره 
المتحولون الذين «أصبحوا أندلسيين»”" على العودة إلى النصرانية على غير 
إرادتهم. 
(1) لاحظ الخلط في العصر ما قبل الحديث بين ديانة الناس وقوميتهم أو عرقهم, فالنصراني حين 

يدخل الإسلام يصير «أندلسيا» والعكسء» وذلك ليس غريباً على عصر الحروب الدينية 


والدول الدينية وسيطرة الكنيسة على أمور المجتمع؛ ورتما لذلك كان تصميم الإسبان على 
تنصير اليهود والمسلمين بالقوة» ليس لكي يصيروا نصارىء بل ليصيروا إسباناً [المترحم]. 


152 1_طماع1© :21 ]آئلا 1 


4- وعود مهدرة.. غرناطة (1500-1492) 

سمحت هذه الاتفاقيات لمؤلاء المتحولين بألا اليستجوبهم) 
رجال الدين النصارى إلا في وجود مرجعيات دينية إسلامية'". لكن 
ثيسنيروس أسرع في استغلال هذا الثغرة» وبدأ في استدعاء العلوج إلى 
مكتبه» وأرهبهم لإعادتهم إلى الكنيسة» وسجن من رفضوا. وكانت 
جهود ثيسنيروس تتركز دائئاً على النساء النصرانيات اللاي تزوجن 
من رجال مسلمينء وهو التركيز الذي أغضب السكان المسلمين الذين 
استاءوا من انتهاك حرمة المنازل التي يجب أن تصان. وفي الثامن عشر 
من ديسمبر» أرسل ثيسنيروس شرطياً يدعى بلاسكو دي باريونوبو 
ولاعناو210ة8 عل 1613500 ومساعدا له إلى رباض البيازين لجلب علجة 
شابة للاستجواب. وبينما كان الشرطيان يعبران الحي بالشابة المعتقلة» 
أخذت الشابة تصرخ معلنة أنههم| يجبرانها على التنصر. وفي خلال دقائق 
أحاط حشد غاضب بموظفي ثيسنيروسء وقتل باريونوبو ببلاطة رصف 
القبنة عليه من #افذةطابق علرى» ق سين تنا مسافكه بالاعياء عدت 
سرير امرأة مسلمة محلية آوته. 

انفجر الغضب الذي كان يغلي في النفوس على مدى الشهرين 
الأخيرين في ثورة مفتوحة» حيث أغلق سكان ربض البيازين شوارعهم 
بالمتاريسء» وأخرجوا الأسلحة من المخابع. كانت هذا اللحظة بالنسبة إلى 
سكان المديئة النصارى وحاميتها الصغيرة لحظة خطرة فعلاً» إذ انقض 
حشد غاضب على بيت رئيس الأساقفة ثيسنيروس» ونصحه موظفوه 


(1) نصت المادة الثلاثون من معاهدة الاستسلام على أنه «لا يجوز إرغام أي نصرانية تزواجت من 
أحد المسلمين» واعتنقت الدين الإسلامي؛ على العودة إلى النصرانية» إلا طائعة» وبعد أن تُسأل 
في ذلك أمام جمع من المسلمين والنصارى. وفيما يتعلق بأبناء النصرانيات وبناتهن» فلهم 
نفس الحقوق المنصوص عليها في هذه الفقرة». ونصت المادة الحادية والثلاثون على أنه «إذا 
سبق لنصراني» ذكراً كان أو أنفى؛ اعتناق الديانة الإسلامية قبل إبرام هذه الاتفاقية» فلا يحق 
لأحد من النصارى أن يهدده؛ أو ينال منه بأي صورة؛ ومن يفعل ذلك يعاقب» [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 1533 


الدين والدم 


بأن ينجو بحياته. لكنه رفض هذا الخيار وأعلن رغبته في أن «ينتظر تاج 
الاستشهاد إذا كانت تلك هي إرادة السماء». وعلى مدار الليل ظل هو 
وموظفوه يبيئون أنفسهم لهجوم لم يحدث. فلقد تفرق الحشد تدريجياً. 
وعلى مدار الأيام القليلة التالية» بدأت الثورة تأخذ شكلاً أكثر تنظيهأء 
إذ اختار سكان البيازين مسؤوليهم وقياداتهم. وجد تانديليا وطلبيرة 
نفسيهم| أمام المواجهة التي فعلا الكثير لتجنبهاء فسعيا إلى نزع فتيل 
الأزمة. فحاول طلبيرة برفقة موكب من الكهنة والرهبان يحملون صليبا 
أن يدخلوا ربض البيازين المحصن. فانهال عليهم وابل من الحجارة. 
فأظهر طلبيرة شجاعة شخصية فائقة بالتقاط الصليب والاقتراب وحده 
من المتاريسء فأثار ذلك إعجاب المسلمين المحليين» الذين قبل بعضهم 
حاشية ثوبه تقديرا «لفقيه النصارى». 

وتدخل تانديليا أيضاً لتهدئة الموقفء. فدخل البيازين على حصان 
ورمى قبعته الحمراء إلى الحشد في إشارة على حسن النية. وفي بادرة 
أخرى على حسن النية» نقل القائد العام زوجته وأطفاله إلى بيت مجاور 
للجامع الرئيس في البيازين. وبعد عشرة أيام» بدأ المسلمون في تسليم 
أسلحتهم؛ وسلموا قتلة شرطي ثيسنيروس الذين أعدموا فوراً. في هذه 
الأثناء» كانت تقارير مشوشة عن هذه الأحداث قد وصلت إلى الملكين 
الكاثوليكيين في إشبيلية» اللذين اعتقدا للوهلة الأولى أنها يواجهون ثورة 
عامة. ثار فيردناند وقال لزوجته: «رئيس الأساقفة الذي اخترته كلفنا 
الكثير» فحماقته جعلتنا نخسر في بضع ساعات ما حققناه في أعوام». 
وحين استدعي إلى إشبيلية لتقديم تفسير لأفعاله» اعترف ثيسنيروس بأن 
«حماسه المفرط لما فيه صالح الدين» أسهم في الاضطرابء لكنه دفع بأن 
المسلمين هم الذين خرقوا المعاهدات» وليس هوء بإشعال ثورة مسلحة. 

وبدلا من فرض عقوبة الموت المعتادة في حالة العصيان. اقترح 


15 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئلا 1 


4- وعود مهدرة.. غرناطة (1500-1492) 


ثيسنيروس بمكر أن يصدر فيردناند وإيزابيلا عفواً جماعياً عن الثوار. 
بشرط أن يدخلوا في النصرانية. تكشف موافقة الملكين الكاثوليكيين 
الفورية على هذا الاة قتراحء أنه| كانا يعتبران المعاهدات مجرد ترتيب أملته 
الظروف وليست ترتيباً دائيأ ورجع ثيسنيروس المُرَأ إلى غرناطة ليترأس 
موجة أخرى من موجات التنصير. وني خلال بضعة أسابيع» كانت 
غرناطة قد تحولت إلى مدينة نصرانية» ظاهرياً على الأقل» إذ كانوا يحتفلون 
بالتعميد الجماعي وتكريس المساجد كنائس بدق أجراس الكنائس» وهو 
ما أطلق عليه المسلمون بشكل ساخر «أجراس الثور ملك إسبانيا»”". 
ري العاوس غشر من يناير 1300ج نعل ابسيروس كالغرات في جلي 
الكنيسة بأنه «لا يوجد الآن في المدينة إنسان واحد غير نصراني» وكدست 
كل المساجد كنائس»77ا. وكانت العملية نفسها تجري على قدم وساق في 
البلدات والقرى الواقعة ة على أطراف غرناطة» وتوقع ثيسنيروس أنه في 
غضون وقت قصير «ستدخل المملكة برمتها في النصرانية» إذ لم يبق فيها 
أككر من مائتى ألف شخص». وانحسرت الانتقادات الموجهة لطرق 
يسنيروس العدوانية بعد هذه النجاحات. وحتى طلبيرة نفسه اعترف 
بأن زميله «حقق انتصارات أكبر من انتصارات فيردناند وإيزابيلاء لأنهها 
فتحا الأرضء في حين اكتسب هو أرواح الغرناطيين»©!". وفي شهر 
واعد آو يزيد قلبلاء تقضن تسترومن المعاقدات قاماء.واطلق سليلة 
من الأحداث ستبلغ ذروتها بالطرد بعد أكثر من قرن. لكن حتى حين 


(!) جرس البقرة أو الثور: هو جرس يعلق في عنق البقرة يحدث صوتاً يعرف مكانها بواسطته 
[المترجم]. 

(2) وكأن ثيسنيروس أقنع المسلمين الغرناطيين بترك الإسلام واعتناق النصرانية باللين والحسنى» 
وليس بالقتل والسجن والتنكيل والتعذيب! مع أن المهمة التي يحيا على إنجحازها لم تكن تتطلب 
غير كائن متعصب عديم الرحمة والإنسانية وأدوات قتل وتعذيب» فضلاً عن الأدوات البشرية 
المتمثلة في الجند وسلاحهم [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 155 


الدين والدم 


كانت أجراس الكنائس تحتفل بتحول غرناطة إلى مدينة نصرانية» كانت 
الثورة تنتشر عبر الأرياف المحيطة. 


156 1_طماع1© :11 ]آثلا 1 


5 
الثورة والتنصير القسري 


لا توجد حتى في بلد كإسبانياء معروف بعظمة مناظره الطبيعية 
وروعتهاء مشاهد طبيعية بروعة المناظر الموجودة في جبال البشرات. 
والبشرات الممفحمة بين قمم سي رانيفاداء المغطاة بالثلوج والسللاسل 
الساحلية القاحلة والممكدة لتحو أربعين ميلا إلى توب غرتاظة نفسهاء 
يصل الناس إليها عادة من العاصمة باتباع الطريق الذي يمتد من مرج 
غرناطة إلى الممر الدائري عبر جسر طبلانة”". ومن هناك يمتد الطريق عبر 
وادي القرن» ماراً بسفوح ومنحدرات تغطيها بساتين التين والسفرجل 
وا حمضيات» وسفوح تلال تغطيها أشجار الزيتون واللوز. ويكمن 
جمال البشرات في تنوع تضاريسهاء وفي التباين بين قممها الألبية القاحلة 
وغاباتها وأخبارها سريعة الجريان ووديانها الخصيبة. فحين تسلك الطريق 
المنحدر الذي يلتف من بلدة أرجبة© نحو سيرانيفاداء تجد نفسك تدخل 
في عالم من الممرات والوديان المجوفة والممرات الجبلية الوعرة المنقطة 
بقرى أندلسية بيضاء كلاسيكية» تعطيها جدرانها وحجارتها الصخرية 
وأسقفها ذات الآجر المسطح مسحة عضوية وكأنها نبتت من المنظر 
الطبيعى المحيط. 
(!) 0018 لقاات1 في اللغات الأوروبية [المترجم]. 
2( 2 في اللغات الأوروبية [المترجم]. 


17 
1_طماع !© :161 ]أللا 1 


الدين والدم 

والمنطقة - كاملة- تشبه جبال أطلس المغربية» وهو ما قد يفسر 
جاذبيتها للمستعمرين الأمازيغيين الذين نحتوا المصاطب وقنوات 
الري أو السقيات”"» التي لايزال يمكن رؤيتها في أنحاء البشرات كافة. 
وبحلول نباية القرن الخامس عشر لم يكن يقطن هذه الجبال غير الفلاحين 
المسلمين وصغار المزارعين من كانوا يربون الخراف أو الماشية أو يرعون 
أشجار التوت وطرح دود القزء الذي كان يوفر المادة الخام للنساجين 
والخياطين في ربض البيازين. قبلت جماعات الجبل بشدتها واستقلاليتها 
وارتباطها الوثيق بتقاليدها الدينية الحكم النصراني على مضضء وحمّلت 
أبا عبيدل الخزي والعار» لدرجة أن الملك الصغير أجبر على الابتعاد عن 
ضياعه في البشرات طلباً للأمان» حتى قبل مغادرته النهائية. ولكون 
سلسلة البشرات حصنا طبيعيا فقد بدت دائياً ملجأ للمنبوذين وقطاع 
الطرق والثوار الهاربين من السلطة المركزية» وإليها فر الزعماء العنيدون 
لثورة البيازين في يناير 1500» محذّرين من أن التنصير الذي حدث غرناطة 
سيعم المنطقة أكملها قريبا. 

3 * 

لم يكن لدى الثوار إستراتيجية عسكرية أو سياسية متماسكة أبعد من 
الرفض العام للإذعان لما اعتبروه انتهاكا لاتفاقيات الاستسلام» لكن 
البلدات والقرى في أنحاء البشرات كافة انتفضت في ثورة تلقائية» وقتلت 
المسلمين الذين تعاونوا مع السلطات النصرانية» وكذلك المستوطنين 
النصارى القلائل والمبشرين الموجودين في المنطقة» ومنهم كاهنان رَجما 
حتى الموت وأحرقا. وامتدت الثورة إلى مقاطعة المرية© المجاورة., ولذلك 
حُشِد نحو ثمانين ألف جندي نصراني في عجالة» لإخضاع «الوحوش 
(1) كةذناوءة مأخوذة بالتأكيد من الكلمة العربية (سقيا» [المترجم]. 
(2) ونمع اك في اللغات الأوروبية [المترجم]. 


1538 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


5- الثورة والتصير القسري 

البرية في البشرات» في عمليات عسكرية وصفت باغياب الشهامة ورقة 
الشعور»» وهما الصفتان اللتان نسبههما ألونسو دي سانتا كروث إلى حرب 
غرناطة. 

وكا هي الحال في الحرب السابقة» كان الثوار الذين يستسلمون 
يستطيعون عموماً أن ينجوا بحياتهم وممتلكاتهم» لكن بشرط واحد وهو 
أن يوافقوا على التعميد. فيا عوملت البلدات والقرى التى أخذت بالقوة 
معاملة قاسية. ففي بلدة غوخار تدزعند6 الواقعة إلى الشمال من غرناطة» 
فتح الثوار قنوات الري لمنع الحجوم النصراني بقيادة المركيز تانديليا 
وغونثالو القرطبى 0010063 ع0 6002810؛ ذلك الجندي الأسطوري. 
الذي أكسبته مآثره في إيطاليا لاحقاً لقب «القائد العظيم». غاصت خيول 
الفرسان النصارى حتى بطونها في الوحل والماء» ما فرض عليهم بعض 
الخسائر قبل اقتحام البلدة» وساعتها أعملوا السيف في السكان الذكورء 
في حين ذهبت النساء والأطفال إلى أسواق العبيد. 

وقعت حوادث ممائلة في أماكن أخرى. ففى بلفيك عداو6ء1اء8, تحمل 
المكان المتلموة ضارا شديدا للذئة أشهر في البرد الشديد قبل أن 
يجبرهم السكرتير الملكي الحاضر دائما دي ثافرا على «الاستسلام تحت 
رحمة الملك»» حين قطع عنهم إمدادات المياه. وبأوامر دي ثافراء ألقي 
مئتان من زعماء الثوار من فوق مئذنة أحد المساجدء واستعبدت النساء 
والأطفال. وفي بلدة أندرش ع.همهكهة» ذبح ثلاثة آلاف مسلم بأوامر من 
القائد الإسباني لويس دي بيومونت 2086دادء8 عل و5ذنداء منهم ستائة 
امرأة وطفل جروا داخل مسجد كانوا قد لجؤوا إليه. وني بلدة لانخارون 
دقل زممل التي تشكل البوابة إلى وادي القرن. قاد فيردناند قواته قخصياً 
في هجوم على ثلاثة آلاف ثائر كانوا منتشرين حول قلعة محصنة؛ متوقعين 
أن يأتي اهجوم النصراني من ناحية غرناطة. وبدلاً من ذلك صعد فيردناند 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 1539 


الدين والدم 


وقواته الجبل المطل على البلدة ليلا من الجهة المقابلة. وفي الصباح التالي 
نزل الجنود النصارى على المدافعين المذهولين» وشقوا طريقهم إلى القلعة) 
واستسلم الثوار أخيراًء ما عدا قائدهم: وهو «أندلسي أسود» ألقى بنفسه 
من فوق أسوار القلعة. 

ومع أن بعض المسلمين فضلوا «الموت كأندلسيين» على أن يُتَصَرواء 
انحنى آخرون أمام ما اعتبروه أمرا حتمياء ووافقوا على التعميد اعتقادا 
منهم بأنهم سيّتركون وشأنهم بعد ذلك. وحدثت أيضا حالات تحول 
صادقة إلى النصرانية» منها بيدرو دي ميركادو 2162200 عل 0:لء2 وهو 
مزارع من قرية بالقرب من رندة”» رفض الانضام إلى الثورة لأنه «يأمل 
أن يكون نصرانياً»» وتموض لاحقاً بعد أن أحرق الثوار بيتهه واختطفوا 
زوجته وإحدى بناته» وقتلوا ماشيته. وثمة مُتَضْرون آخرون. وفقاً 
لثيسنيروس نفسه. أخلصوا لدينهم الجديد. لدرجة أنهم كان يقبلون 
الموت على الرجوع عنه وماتوا شهداء «يصلون للسيد المسيح وسيدتنا 
العذراء». 

# ب« 

لم يندم ثيسنيروس على الفوضى التي تسببت أفعاله في إطلاقهاء من 
ذلك أنه قال لزملائه في الكنيسة إن الثوار «إما يُنصضّرون أو يُستعّدون. 
وحتى في حال استعبادهم سيكونون نصارى صادقين وستطمئن البلاد 
إلى الأبد». وى هي ال حال دائماء كان فيردناند مرناء ويضبط سياساته على 
مايمليه الموقف المحلي. ففي بعض الأماكن سمح للمسلمين با هجرة. وفي 
أماكن أخرى قدمت هم امتيازات خاصة وحوافز مالية إذا قبلوا التنصر. 
وعلى مدار بقية السنة» امتد «غزو غرناطة الثاني» عبر أنحاء المملكة 
جميعها. وفي يناير 1501» شعر فيردناند بثقة كافية لإعطاء الأمر لجيشه 


(1) 10203 في اللغات الأوروبية» وهي بلدة شاعر «رثاء إشبيلية» أبو البقاء الرندي [المترجم]. 


160 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


5- الثورة والتنصير القسري 
بالمجوع؛ لكن ما إن بدأ تسريح الجيش حتى وصلت البلاط أخبار عن 
انطلاق ثورة أخرى من رندة بالجبال الحمراء”"» إلى الجنوب الشرقي من 
البشرات» التي قيل إن القرويين المسلمين فيها قتلوا الكهنة وباعوا النساء 
والأطفال النصارى رقيقاً في إفريقيا. فأزْسِلت في عجالة قوة من ألفي 
جندي مشاة وثلاثائة فارس إلى الجبال الحمراء بقيادة ألونسو دي أغيلار 
جوانبعة عل 50هداث» أحد نبلاء إسبانيا البارزين ومن محاربي غرناطة. 

م يشك أحد من النصارى في قدرة هذه الحملة القوية على دحر الثوار في 
وقت قصير. لكن أغلبية جنود أغيلار كانوا أفراداً في مليشيات أندلوسية 
حلية» وأدى ضعف انضباطهم إلى نتيجة مختلفة تماماً عما كان متوقعاً. ففي 
السادس عشر من مارس لاحق رجال أغيلار مجموعة صغيرة من الثوار 
المسلحين إلى «الحبال الحمراء» المقفرة. وهناك وجدوا القوات الثائرة 
الرئيسة متمترسة في مواقع دفاعية حصينة على المنحدرات العليا لقمة 
مرتفعة. وعلى الحضبة المنبسطة خلفهم, جمعوا النساء والأطفال وكبار 
السن من القرى المحيطة وممتلكاتهم وأشياءهم الثمينة. تحركت شهية 
فرقة أمامية من الجنود النصارى لفرصة النهب التي لاحت» وصعدت 
التلء وأجبرت الثوار على التراجع. ْ 

ومع اندفاع النصارى في السهل المفتوح. وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه 
أمام هجوم مضاد عنيفء إذ انضم إلى الثوار مسلمون آخرون من القرى 
الواطئة. ودارت معركة عنيفة استمرت حتى الغسق» حين اضطر أغيلار 
وثلائماثة من رجاله لبناء معسكر مؤقت على السهل المفتوح. وفي جنح 
الظلام؛ زحف الثوار على الخطوط النصرانية ودخلوا مع المدافعين في قتال 
التحامي في ظلام لم ينره.لبرهة غير انفجار برميل من البارود. وبحلول 
الفجر كانت قوات أغيلار قد أفنيت عن أبيها. بعضهم قاتلوا وماتوا في 
8017 وببمز5 في اللفات الأوروية [الترجم]. 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 161 


الدين والدم 

مكانهم» وبعضهم اقتنصهم المسلمون على الجبال المحيطة» أو وقعوا في 
الوديان المحيطة وهم يحاولون الفرار. وأصيب أغيلار بسهم وسقطت 
أسنانه كلها ومات والسيف في يده في معركة حُلّدت بعد ذلك في قصائد 
وأغان نصرانية كثيرة. 

وأصيب نائب أغيلار الكونت أورينا 8 06 غصنامك في المعركة. 
لكنه تمكن من الهرب با بقي معه من جنود لإخبار البلاط المذهول بموت 
أحد أبن" تجنوة إسبانيا وزيادة اللاملة كانه تقريا. فاستعد فيردناند لشن 
حرب إبادة في الجبال الحمراء» لكن الثوار أنفسهم لم يشجعهم النصر الذي 
حققوه على التقدم» وجنحوا إلى السلم. وهنا أيضاً أظهر الملك شهامة 
وسمح لهم بالاختيار بين النفي والتعميد. معلناً «إذا أوقعك حصانك» 
فإنك لا تمسك سيفك وتقتله» بل تعطيه أولا صفعة على مؤخرته» وتضع 
غماء على رأسه. رأبي ورأي الملكة هو أن يُعمّد هؤلاء الأندلسيون, وإذا لم 
يصبحوا نصارى صادقينء فإن أطفالهم وأحفادهم سيفعلون»!'!. 

في حقيقة الأمر لم تكن المعمودية أو النفي دائ) بديلين ممكنين بالقدر 
نفسه. فقليلون جداً من المسلمين كانوا قادرين على دفع أجرة رحلة 
الإبعاد» وهي عشر دوبلات ذهبية» كان فيردناند ينتزعها من الفرد 
الواحد مقابل توفير النقل إلى شمال إفريقياء ويوحي فرض هذه الشروط 
أن الملكين الكاثوليكيين كانا يفضلان مُنَضَرين غير موثوقين أو منافقين 
على تملكة منزوعة السكان. وفي يوليو 1501» رجع الملكان الكاثوليكيان 
إلى قصر الحمراء» فوجدا ثيسنيروس مصابا بالحمى» وحالته سيئة للغاية» 
لدرجة أن الملك والملكة خشيا على حياتهه| من مجحرد الدخول عليه. ومن 
المفارقات أن وجيهة مسلمة هي التي أنقذت حياته» إذ أتت له بعشّابة 
أندلسية في عمر الثانين. وعلى خلاف توصيات أطبائه النصارى» عولج 
ثيسنيروس «بمراهم وأعشاب» عجلت بتعافيه. وعاش الرجل ليصبح 


162 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


5- الشورة والتنصير القسري 
رئيس محكمة التفتيش» ويشن حرباً على الكفار خارج حدود إسبانيا. ففي 
عام 1506» ساعد في تنظيم حملة عسكرية على وهران في شمال إفريقياء 
وبعدها بئلاثة أعوام قاد بنفسه هجوماً آخر على المدينة» وعاد إلى جامعة 
قلعة النهر”" التي أنشأها بنفسه. في هيئة قيصر روماني يرافقه موكب من 
الأسرى المغاربة والجهال المحملة بغنائم الحرب. ومات في عام 1517» 
وهو وصي على حاكم قشتالة» وانتهت بموته حياة مهنية غير عادية أخذته 
من صومعة من القش قرب طليطلة إلى قمة السلطة السياسية. 
8# 

وبنهاية عام 1501 كان سكان غرناطة المسلمون جميعهم تقريباً قد 
أصبحوا امُتضرين جدداً» أو «تصارى جدداً أندلسيين». ففي غضون 
عقدين شهدت غرناطة صدمة الحرب والغزوء تلتها ثورة دامية وتنصير 
جماعي لسكانها. وني الأعوام الأولى من القرن الجديد» زار غرناطة 
مؤلف مسلم قشتالي مجهول. معروف للتاريخ باسم مانسيبو (الشاب) 
الأريفالي”» وتعرف فيها على وجيه مسلم مُنَضْر يدعى يوسي بنيغش 
5 عننالا . 

أقام الشاب مع بنيغش وابنته في ضياعه الغناء على أطراف غرناطة. 
وني اليوم الثالث لزيارته» دعاه مضيفه للتجول في بساتينه الرحبة» وبدأ 
بنيغش يتحدث بطريقة مؤثرة عن «أمور غرناطة». أبرزت القصة التى 
حكاها الخسارة الشخصية الفادحة النى تعرض إليها الرجلء إذ قُتل ثلاثة 
من أبنائه «دفاعاً عن دينهم»» وتلا ذلك وفاة زوجته وثلاث بنات» وم 
يعد له غير ابنة واحدة «تعزيه». كانت تلك حكاية واحدة فقط من المأساة 





4 1636 ع0 12وه1ة في اللغات الأوروبية [المترجم]. 
020 6 عل وراءه1130 مانسيبو تعني الشاب وهو منسوب إلى مدينة أريفالو 850610 التابعة 
لمنطقة آبلة القشتالية [المترحم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 163 


الدين والدم 
الجماعية التي ذكرها بنيغش لضيفه: 
3 راي أن اتنا 1 يك هل يق الفحة مكل أبناء 
غرناطة. لا تشك فيا أقوله» فأنا نفسي واحد منهم 
وشاهد عيان. إذ رأيت بأم عيني سيدات وجيهات 
وأرامل ومتزوجات يتعرضن للاستهزاء» ورأيت أكثر 
من ثلاثمائة عذراء يبعن في مزاد علني, لن أحكي المزيد» 
فالأمر فوق احتالي.... يا بني إنني لا أبكي على الماضي 
لأنه لن يعود. لكنني أبكي على ما سترونه أنتم في قادم 
أيامكم. وما ينتظركم في هذه الأرضء في شبه جزيرة 
إسبانيا. إن شاء الله وببركة قرآئنا العزيز يمكن أن تثبت 
الأيام أن ما أقوله بلا أساسء وأن الأمور لن تذهب 
في الطريق الذي أراهء لكن مع ذلك سيعاني ديننا. ماذا 
سيقول الناس؟ أين ذهبت صلاتنا؟ ماذا حدث لدين 
أسلافنا؟ ... فإذا كنا قد اضطررنا بعد هذه الفترة 
القصيرة للكفاح من أجل البقاء» فاذا سيفعل الناس 
حين تأتي نهاية الفصل؟ وإذا كان الآباء قد أهملوا الدين 
الآذء فكيف سيمجده أحفاد أحفادهم؟ وإذا كان الملك 
الغازي لم يحفظ كلمته» فهاذا تنتظر من خلفائه؟21! 
كانت هذه التساؤلات تثار أيضا في العالم الإسلامي خارج إسبانيا. 
ففي عام 1501» اهتم الملكان الكاثوليكيين كثيراً بتقارير أفادت بأن 
السلطان المملوكي المصري”" بدأ في اضطهاد النصارى الأقباط والحجاج 


(1) كان سلطان مصر في عام 1501 هو الأشرف أبو النصر قنصوه الغوري (حكم من 1501 إلى 
16 آخر سلاطين المماليك البرحية» قتل في معركة مرج دابق بشمال حلب في عام 1516 
ضد سليم الأول العثماني» خاض معارك بحرية مظفرة ضد البرتغاليين في اليحر الأحمر 
والمحيط الهندي نحح بها في إبعادهم عن المنطقة [المترجم]. 


164 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


5- الثورة والنتنصير القسري 

النصارى ومضايقتهم انتقاماً من حملات التنصير في غرناطة» فأرسلا بيتر 
مارتر الأنغياري مبعوثاً خاصاً إلى مصر لينكر التقارير حول الوحشية 
والغدر الإسبانيين. وني وصف رحلته الذي جاء حافلاً بالاحتقار 
للمسلمين الذين قابلهم في مصر الذين وصفهم بأنهم «جنس بربري 
وهمجي... مجردون من الفضائل كلها». أخبر العالم الإيطالي المخلص 
مليكيه بأن السلطان رفض أن يستقبله في البداية بسبب «الزنادقة اليهود 
والأندلسيين» الذين طردوا من تمالكهم| ووجد كثير منهم مأوى في هذه 
البلاد»!'ا. وزعم مارتر أن «الاتهامات الكاذبة والملفقة» التي نشرها 
هؤلاء المنفيين أقنعت السلطان بأن مليكيه «طاغيتان عنيفان وكاذبان». 
وني النهاية سمح له بمقابلة السلطان المملوكيء إذ قال له إن عمليات 
التنصير في غرناطة لم تحدث بالإكراه» ودفع بأن فيردناند وإيزابيلا تصرفا 
بشهامة حين أبقيا على حياة الثوار الذين اقترفوا «مذابح» بحق الجنود 
الإسبان. وأصر مارتر على أن مسلمي غرناطة الذين تنصروا لم يكونوا 
ضحايا مضطهدين. بل «جبناء» تركوا دينهم» في حين طرد اليهود 
ك«اقطيع سقيم وضار ومعدا. 

ويبدو أن هذه الحجج أقنعت السلطان الذي قبل طلبات مارتر بمنحهم 
السماح بالوصول إلى المعابد النصرانية في الأراضي المقدسة» وإيقاف 
مضايقة الحجاج النصارى. وفي الفترة نفسها كذَّب مسلم مجهول من 
غرناطة رواية مارتر للأحداث عبر استغاثة غير عادية بالسلطان العثاني 
بايزيد في شكل قصيدة باللغة العربية الفصحى أصرٌ فيها على أن «الخوف 
من الموت والحرق هو الذي جعلنا نتنصر». وأدان خرق المعاهدات بأنه 
«فعل مشين ومخز يحرمه -الناس في كل مكان» وهو «أكثر خزياً بالنسبة 
إلى ملك»)4ا. وطلب المسلم الغرناطي من السلطان التدخل لدى البابا 
ليرجعوا عن هذه «الخيانة»» لكن لا توجد أدلة على أن هذا المسار غير 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 165 


الدين والدم 

المحتمل للأحداث قد وقع. ولا يُعرّف ما إذا كان بايزيد قد وافق على أن 
يطلب من الملكين الكاثوليكيين السماح لمسلمي غرناطة بال هجرة إلى شمال 
إفريقيا ابلا قوة» وإنم| بدينهم فقط". 

وفي إسبانيا نفسهاء لم يشكك أحد من النصارى في الطرق التي أمكن 
من خلاها إنجاز التنصير الإعجازي أكثر من مائتي ألف كافر. ونظر 
الملكان الكاثوليكيان إلى التنصير باعتباره أحد أعظم إنجازاتها» ونقش 
لاحقا نقش للتعميد الذي حدث في غرناطة في مذبح المصلى الملكي الذي 
يحوي ضريحيهماء إلى جانب نقش لاستسلام أبي عبيدل. وهللت قيادات 
الكنسية أيضاً لعمليات التنصير في غرناطة. وأبدى طلبيرة وحده شكوكاً 
في أن هؤلاء المحَضَرين قد يبقون على دينهم ما ل يقدم لهم التعليم الديني» 
ولذلك أنشأ مدرسة صغيرة في ربض البيازين للصبية المورسكيين» لضمان 
أذ كلقن بعضن التشرين اكد تلن نصرانا. 

لم يستطع أول رئيس أساقفة لغرناطة أن ينشر هذه المبادرات. ففي عام 
1501 أوقع به عضو محكمة التفتيش القرطبي الفاسد دييغو رودريغوث 
لوسيرو 0نعأعناءآ 62ناع25001 معءفط المعروف باسم اجالب الظلام»» 
الذي اتهم طلبيرة بأنه سمح بوجود «معابد سرية». ومع أن طلبيرة بُرّئْ 
في النهاية من كل هذه الاتهبامات» فقد مات بعد فترة قصيرة منها. واعتير 
بعض المؤرخين طلبيرة البديل الخيّر لتعصب ثيسنيروس» وأن وسائله ربا 


يكن بالاتساع الذي يبدو أحياناً. وإذا كان ثيسنيروس أقل صبراً وأشد 
قسوة» فإنه كان أكثر واقعية من طلبيرة أيضاً في إدراكه أن مسلمى غرناطة 
مأكاتوا يدلو التصرائية قط بأعداد كبيرة إلا كرهاً. لكق رجل الدين 
في الأخير كان يجمعها الهدف المشترك. ففي رسالة غير مؤرخة كتبها 
طلبيرة للمُنَصضّرين في ربض البيازين» قدم قائمة مفصلة بتعلييات السلوك 


166 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


5- الثورة والتنصير القسري 

المتوقعة من النصارى» أخبرهم فيها: 

إن طريقة حياتكم قد لا تكون مصدر خزي للنصارى 

بالمولد» لكن الخنوف هو أن يعتقدوا أنكم لاتزالون 

تعتنقون ديانة محمد في قلوبكم. ولذلك يجب أن تتطابقوا 

في كل الأشياء مع طريقة الحياة الجيدة والمحترمة للرجال 

والنساء النصارى الجيدين والمحترمين في لباسكمء 

وأحذيتكمء وعادة حلاقة الذقن» ونوعية الطعام 

والأكل على طاولة» وتحضير اللحم بالطريقة التي يحضر 

بها عادة. والأهم من ذلك في كلامكمء بأن تنسوا اللغة 

العربية قدر الإمكان» وتساعدوا أنفسكم على نسيانهاء 

وألا تتحدثوا بها في بيوتكو"ا. 

صدرت هذه التعليهات بالتأكيد بعد تدخلات ثيسنيروسء وربما أراد 

بها طلبيرة أن يحمي رعيته المسلمين من انتباه محكمة التفتيش. لكن هذه 
النصيحة عينها كانت حرية بأن تصدر عن ثيسنيروس. وفي أكتوبر 1501» 
أمر الملكان الكاثوليكيان بحرق كل الكتب والمخطوطات الإسلامية في 
الإمارة السابقة تحت تهديد الموت أو مصادرة الممتلكات. وهذا القرار 
ينسب عادة إلى ثيسنيروسء وكان الرجل سيقره بالتأكيد» لكن على خلاف 
طلبيرة» يبدو أن رئيس أساقفة طليطلة لم يكن موجوداً في غرناطة حين 
أحرقت آلاف النسخ من القرآن و«الكتب الأخرى للهرطقة الإسلامية 
في محرقة عامة بالمدينة. كان كثير من هذه الكتب مخطوطات عربية مزخرفة 
بطريقة جميلة» توسل بعض المسلمين إلى المراقبين ألا يحرقوها. ولم يسلم 
من محرقة الكتب إلا بضعة كتب طبية وفلسفية شقت طريقها في النهاية 
إلى مكتبة جامعة ثيسنيروس في قلعة النهر. وتعد محرقة غرناطة بالتأكيد 
أحد أفعال الهمجية الثقافية» تماماً مثل إحراق المخطوطات المايانية في عام 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 167 


الدين والدم 


2 بأمر من أسقف يوكاتان”" دييغو دي لاندا كالديرون عل مئء21 


8 1.2002]. ففي الحالتين» كان تعاون الشعب المغلوب في تدمير 
ميراثه الثقافي فعلاً رمزياً للاستسلام؛ قصد به أن يمهد الطريق لإدماجهم 
في ثقافة قاهريهيم ودينهم. 

جمع الحادثان بين التعصب الديني ومفهوم للحكم وإدارة الدولة 
كان مقبولا على نطاق واسع في ذلك الوقت. فقد دفع ميكيافيللي في 
كتابه «الأمير» بأن الدول المغلوبة يسهل الاحتفاظ بها حين يتبنى سكانها 
المهزومون لغة الفاتحين وعاداتهم وقوانينهم. وقد أعملت إسبانيا 
الإمراطورية هذا المبدأ في كل الأراضي التي فتحتهاء وم تكن غرناطة 
استثناء لذلك. وبعد أن قام فيردناند وإيزابيلا بتحويل زهاء ثلاثمائة ألف 
مسلم إلى انصارى جدد» بين عشية وضحاهاء أصبح لزاما عليهم| حينذاك 
أن يوسعا العملية الكثيبة عينها إلى بقية إسبانيا. 


(1) يوكاتان هه:وعدالا إحدى ولايات المكسيك, اكتشفها الغزاة الإسبان في عام 1513 بعد غزو 
بورتوريكوء وقد أدت سياسات التمييز ضد شعب المايا إلى ثورة مسلحة ضد الحكم الإسباني» 
فقمعها الإسبان بقسوة وأحرقوا قادة الثوار» وعلى غرار ما حدث للأندلسيين داخل إسبانيا» 
جمعت كل الكتب المايانية وكل أيقونات ديانة المايا وأحرقت في محرقة عامة في الثاني عشر 
من يوليو عام 1562 [المترجم]. 


168 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


6 
الدين المنتصر 


بفرض الكاثوليكية على مسلمي غرناطة» واجه الملكان الكاثوليكيان 
المعضلة نفسها التى واجهت أسلافههما بعد تكوين جماعة «النصارى 
الحدد) اليهودية» في الفترة من 1391 إلى عام 1412. ف«تنصير) جزء من 
السكان شيء. وإبقائهم على دينهم الجديد شيء آخر» وإلى متى سيبقى 
هؤلاء المسلمون في النصرانية إذا ظلوا يختلطون بإخوانهم السابقين في 
الدين؟ حاول فيردناند وإيزابيلا في البداية أن يتغلبا على هذه المشكلة بمنع 
أي اتصال بين ارين الجدد في غرناطة والمسلمين خارج المملكة» لكن 
كان من الصعب إحكام هذا الحجر. وتمثلت نتيجة ذلك في الحالة الشاذة 
التي صورها الدبلوماسي الفلمنكي التويخ لالينج 8 هآ عمامامةق؟؛ 
كونت هوغستراتن «8:6ماوع200 في وصفه زيارة فيليب الوسيه'" 





(1) هو فيليب الأول (22 يوليو 1478 إلى 25 سبتمبر 1506) يعرف أيضاً بفيليب الوسيم 6() مفاقط2 
تنه عت ,0 عددول5مج1] ابن ماكسميليان الأول الإمبراطور الروماني المقدس» ورث عن أمه 
ماريا البيرغندية جزءاً كبيراً من دوقية بيرغندي وهولندا البرغندية باسم فيليب الخامس» وكان 
أول ملوك هابسبورغ لقشئالة حين تزوج الملكة خوانا القشتالية» التي كانت أيضاً وريثة عرش 
أراغون؛ وكان بذلك أول ملوك هابسبورغ في حكم إسبانياء لكنه لم يرث أباه لأنه مات 
قبله» لكن ابنه الإمبراطور شارل الخامس وحد الممالك الهابسبورغية في بيرغندي وأراغون 
وإسبانيا [المترجم]. 


169 
1_طماع !© :161 ]أللا 1 


الدين والدم 


الهابسبورغي”" صهر إيزابيلا وفيردناند إلى إسبانيا في عام 1501. 
وصل الأرشيدوق البيرغندي” إلى طليطلة في مايو لمقابلة أصهاره. 
وفيها يحكي لالينج أن فيليب أبدى دهشته مراراً وتكراراً من ١كثرة‏ 
الأندلسيين البيض الذين يعيشون في إسبانيا» وتساءل عن أسباب تحمل 
وجودهم: . وعندما علم بالحزية السنوية التي يدفعها المسلمون للتاج» 
حذّر فيليب من أنه «في أحد الأيام يمكن أن يكون الضرر الذي يلحقونه 
بالمملكة أكبر من الجزية» ى) فعلوا في أوقات سابقة». ويضيف لالينج أن 
«الأرشيدوق ظل يكرر هذه الكلمات إلى أن وصلت إلى مسامع الملكة»؛ 
التي «أقرت بصحة ما قاله». وكي تريح زوج ابنتها المستقبلي» وعدت أن 
كل الأندلسيين في ممالكها سيكونون قد اعتنقوا النصرانية بنهاية العام!'!. 
أغضبت هذه الانتقادات إيزابيلا التي م تنفع براغماتية زوجها ف 
تخفيف بغضها للأندلسيين. لكن من المرجح أنها كانت قد قررت مسار 
العمل الذي أدى بها إلى توقيع مرسوم ملكي في يوليو من ذلك العام 
أمرت فيه كل المسلمين في مملكة قشتالة وليون بالاختيار بين المعمودية أو 
مغادرة البلاد. لكن المرسوم لم ينشر إلا في فبراير من العام التالي» وشكل 
خرقا لماضي القرون الوسطى أكثر بكثير من الأحداث الأخيرة في غرناطة. 
(1) آل هابسبورغ 8:ناا1135 أو آل النمسا واحدة من أعرق العائلات الحاكمة في أوروبا العصور 
الوسطى وأوائل العصر الحديث؛ كان منهم الأباطرة الرومان المقدسين من عام 1538 إلى عام 
0 وحكام الإمبراطورية النمساوية والإمبراطورية الإسبانية وبلاد أخرى كثيرة» أخذت 
الأسرة أسمها من قلعة هابسبو رغ التي بناها بين عامي 1020 و1030 في سويسرا الحالية الكونت 
رادبوت الكيتاغي 5ناع:]16 06 :22000 وكان ابنه أوتو الثاني أول من أضاف اسم القلعة 
«الهابسبورغي» إلى لقبه. وحكمت العائلة مناطق واسعة من أوروبا والعالم الجديد في أوجهاء 
وكانت أقوى ممالكها في إسبانيا والنمساء وانته توت آخر ذكورها عام 21700 وهو شارل 
الثاني» الذي أطلقت وفاته حرب الخلافة الإسبانية [المترجم]. 
(2) بيرغندي منطقة تاريخية في غرب أوروبا تشكلت فيها كيانات سياسية مختلفة» مملكة أو دوقية 
أو كونتية» وبحدود مختلفة» وتتطابق اليوم مع المناطق الحدودية بين إيطاليا وفرنسا وسويسرا 
[المترجم]. 


10 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


6- الدين ا منتصر 

ففى غرناطة استخدم الملكان الكائوليكيان تهمة الثورة كذريعة للتنصير 
الجماعى» لكن هذه التهمة لا يمكن رفعها في وجه «الأندلسيين المسالمين» 
في قشتالة» الذين كانوا يتصرفون كرعايا موالين للتاج منذ أن أخفقت 
ثورات القرن الثالث عشر. ومع ذلكء أعلنت إيزابيلا مسؤوليتها عن 
«استمرار العمل المقدس». الذي بدأ في غرناطة» وتصميمها على إزالة 
«أي سبب يمكن أن يفسد المتَضَرين الجدد أو يخرجهم من دينهم الجديد». 

ظاهرياء قُدم لمسلمي قشتالة البديلان نفساهما اللذان عُرضا على 
اليهود: أن يبقوا في إسبانيا ويعتنقوا النصرانية» أو أن يظلوا على إسلامهم 
ويغادروا إسبانيا بنهاية شهر إبريل. لكن الشروط التي عرضها التاج 
كانت تميل بشدة إلى الخيار الأول. فمن أرادوا الحجرة؛ لم يكن مسموحا 
لهم بأخذ الذهب أو الفضة معهم» وكذلك سلع أساسية كثيرة. وحرموا 
من السفر البري عبر أراغون. للتأكد من أنهم لن يستقروا هناك وكانت 
موانئ المغادرة مقصورة على خليج بيسكاي الأطلسيء ولم يكن مسموحا 
لهم التوجه إلى أي بلد إسلامي كانت قشتالة في حالة حرب معه. مما 
حرمهم من الهجرة لمعظم العالم الإسلامي. وأخيرا وليس آخراء لم يكن 
مسموحا لهم اصطحاب أولادهم تحت عمر الرابعة عشرة وبناتهم تحت 
عمر الثانية عشرة. الذين تقرر أن يُعطوا لعائلات قشتالية كي تنشئهم 

كان من غير الوارد أن تسهّل هذه القيود حدوث هجرة جماعية» وربا 
قصد بها أن يُضمن عدم مغادرة المسلمين» وهو أمر يمكن إيزابيلا من 
الوفاء بالتزاماتها الدينية مع الحفاظ على قوة عاملة ومصدر دخل ثمينين. 
ومع أننا لا نعرف عدد.المسلمين الذين قبلوا هذه الشروط. فمن المرجح 
أنهم شكلوا نسبة صغيرة. وفي مختلف أنحاء قشتالة تحول التنصير الجماعي 
إلى احتفالات مدنية» في حين كانت المساجد تكرس كنائس أو هدم 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 171 


الدين والدم 

وكانت العائلات المسلمة تعمد علناً بأكملهاء وتأخذ أساء نصرانية أمام 
حشود نصرانية مبتهجة. وفي مدينة آبلة'© القديمة» احتفلوا بالتعميد 
الجماعي لواحدة من أقدم جماعات المدجنين في إسبانيا عبر مصارعة 
الثيران والمهرجانات. 

وفي السادس والعشرين من نوفمبر 1504» ماتت إيزابيلا وهي توصي 
زوجها من فراش الموت بأن "يشن حرباً لا مهدأ على المغاربة» في شمال 
إفريقيا. وبعد عامين» أدى موت زوج ابنتها فيليب الوسيم إلى أزمة عائلية 
في قشتالة» إذ انتقل العرش إلى أرملته المضطربة عقلياً خوانا المجنونة©, 
التي أثبتت ت أنها دون المسؤولية ارسي عله رجووم يشال العران: 
أصبح فيردناند لفترة قصيرة ملكاً بالوكالة» إلى أن تقررت وراثة المملكة. 
وتلا موته في عام 1516 وصاية ثيسنيروس القصيرة على العرش حتى بلغ 
شارل الغنتي”؛ الابن الأكبر خوانا وفيليب» سن الرشد. وفي عام 1517 
انتهت فترة خلو العرش» حين وصل شارل المراهق إلى إسبانيا أول مرة» 
ليتوج باسم شارل الأول ملك قشتالة وأراغون؛ وهو الأول بين سلالة 
هابسبورغ الإسبانية. وفي ذلك الوقت كانت فئة جديدة قد أضيفت إلى 
مجموعة الحويات الثقافية والدينية المحبرة لإسبانياء حين أصبح النَضَرون 


(1) 4112 في اللغات الأوروبية [المترجم]. 

(2) خوانا الأولى أو خوانا المجنونة (6 نوفمبر 1479 إلى 12 أبريل 1555) أول وصية على عرش 
ملكتي قشتالة (1555-1504) وأراغون (1555-1516): وكانت أيضاً حاكمة ثمالك سردينيا 
وصقلية ونابولي في إيطاليا وإمبراطورية شاسعة في الأمريكتين والفلبين وهولندا البرغندية؛ 
كانت آخر ملوك أسرة تاستمارا 155:85388؛ وأدى زواجها من فيليب الوسيم إلى بدء حكم 
آل هابسبورغ لإسبانياء لكنها طوال عهدها ظلت تحت وصاية زوجها أو أبيها أو ابنها أو 
وصي آخر من خارج الأسرة» وكانت في أغلب الوقت محتجزة في دير للراهبات بسبب 
اختلال عقلها [المترجم]. 

(3) هو شارل الخامس (24 فبراير 1500 إلى 21 سبتمبر 1558) الاإمبراطور الروماني المقدس من عام 
9 وشارل الأول الإمبراطور الإسباني من عام 1516 حتى تنازله عن العرش لابنه فيليب الثاني 
في عام 1556 [المترجم]. 


172 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


6- الدين ا منتصر 
المسلمون بقشتالة وغرناطة يعرفون باسم المورسكيين» وهو تعديل 
ازدرائى للصفة مخ:5:هم ««أندلسى») بمعنى «الأندلبى الصغير» أو 
انلضف الاندلي )»الث يصع سريعاً الالمم تدم لكل دلق 
إسبانيا السابقين. 
عد د د 

مع انتقال العرش إلى آل هابسبورغ. ضمت إسبانيا الممتلكات 
البيرغندية/ ا هابسبورغية في البلاد الواطئة”؟ وألمانياء واكتسبت معها 
دوراً جديداً في قلب أوروبا الغربية. وفي عام 1519 انتخب الملك الجديد 
إمبراطورا رومانيا مقدساً باسم شارل الخامس» وأصبح الرأس العلماني 
للعالم النصراني. وبعد عامين أكمل كورتيس © اكتضاعه الوحشي لمملكة 
الأزتك المكسيكية» وفي أثناء ذلك تحول القديس جيمس- القديس 
الأيقوني للاسترداد- من سانتياغو قاطع رقاب الأندلسيين إلى سانتياغو 
قاطع رقاب المنود» فلقد كان الفاتحون يستحضرون اسمه في أثناء غزو 
العاصمة الأزتكية تينوشتيتلان 1)1388)طء1800. وكان فتح إسبانيا الجديدة 
منصة انطلاق لضم أراض أخرى في الأمريكتين حوّلت شارل إلى أحد 
أقوى الحكام في التاريخ» ورأس إمبراطورية نصرانية عالمية مترامية 
الأطراف تغطي ثلاث قارات. على أن هذه السلطات اطائلة لم تكن بلا 
ثمن. فحملة شارل الانتخابية المكلفة لشغل منصب الإمبراطور الروماني 
المقدس اضطرته إلى الاستدانة بغزارة من المصرفيين الفلمنكيين والألمان 


(1) تشير البلاد الواطئة تاريخياً إلى الأراضي المحيطة بالدلتا الواطئة لأنهار الراين وشيلد وميز التي 
تشمل حالياً دول بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ وأجزاء من شمال فرنسا وغرب ألمانيا» 
وينصرف حالياً إلى دولة هولددا تحديدا [المترجم]. 

(2) ايرناندو كورتيس 0562© 000ةمه81 فاتح إسباني قاد حملة أسقطت إمبراطورية الأزتك 
6م في أمريكا الجنوبية وضم كثيراً من أراضي المككسيك لحكم التاج الإسباني» وعرف 
عنه الإسراف في قتل الأزتكيين والتدكيل بهم [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 173 


الدين والدم 

الذين مؤّلوا حملته» وظلت المشكلات الالية تتوالى عليه طوال عهده. 
وبين عامي 1520 و1522 عادت الحرب الأهلية إلى قشتالة في شكل ثورة 
الأهالي ممتلاعطع متعم تامرم0» التي نتجت جز تيا عن الاحتجاج الشعبي 
على ما اعتبره الثوار فرض ملك هابسبورغي «أجنبي» على قشتالة. ومع 
أن شارل خرج في النهاية مظفرا من هذه المواجهة» فقد واجه تحديات 
أخرى داخل إسبانيا وخارجها. وفي عام 1517» علق مارتن لوثر» 
أطروحاته الشهيرة في كنيسة القلعة في ويتنبيرغ» التي أصبحت الأساس 
الإيديولوجي للإصلاح البروتستانتي» وفتحت حقبة جديدة من الصراع 
الديني والسيامي عبر أوروبا. 

تزامن وصول اللوثرية مع تهديد متجدد لأوروبا الوسطى من السلطان 
العثماني سليمان القانوني» إذ تقدم الأتراك على طول نهر الدانوب وفتحوا 
منطقة البلقان والمجرء وبلغ تقدمهم ذروته بالحصار الفاشل لفيينا في عام 
9. وأدت الفتوحات التركية الأخرى في رودس وشال إفريقيا ومصر 
إلى وضع إسبانيا الهابسبورغية في بؤرة صراع عنيف في البحر الأبيض 

ع ع 

المتوسط قدّر له أن مهيمن على معظم القرن التالي. 

ورغم هذه التحديات والنكبات» كانت الصورة العامة للممالك 
الإسبانية في أوائل القرن السادس عشر تنقل مظاهر القوة والإنجازء 
وفي الداخل كان الغزو الإمبراطوري نيابة عن الدين يوازيه بناء الكنائس 
والكاتدرائيات في أنحاء إسبانيا كافة» التي بُني الكثير منها على أنقاض 


(1) مارتن لوثر #عطاناءآ هناعة3/1 (10 نوفمبر 1483 إلى 18 فبراير 1546) راهب وعالم لاهوت ألماني» 
أطلق حركة الإصلاح الديني في أوروبا ثمثلة في البروتستانتية والإنجيلية واللوثرية» حين نشر 
في عام 1517 رسالته الشهيرة المؤلفة من خمس وتسعين نقطة أتكرت صكوك الغفران وحصر 
تفسير الكتاب المقدس في الكنيسة؛ وغيرها ما سمي لاهوت التحرير. أطلقت أفكاره حرباً 
دينية امتدت رحاها إلى أوروبا كلهاء وحكم عليه البابا والإمبراطور الروماني المقدس شارل 
الخامس عليه بالحرمان الكنسي [المترجم]. 


174 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


6- الدين ا منتصر 

المساجد أو المعابد. وكتب عالم الكوزموغرافي" الملكي بيدرو دي 
مدينة 2101828 عل معلءط ف مؤلفه «كتاب حول عظمة إسبانيا والأشياء 
الخالدة فيها» الصادر في عام 1548 أن «السبب وراء نصرنا هو ديئنا 
الذي لولاه لكان من المستحيل أن نرضي الرب»©. وهذه الآراء كانت 
واسعة الانتشار. وقد رافق الانتصار الكاثوليكي إزالة الطابع الإسلامي 
للمجتمع الإسباني» التي تجلت في عدة نواح» من البحث عن أساليب 
معارية «رومانية» جديدة. إلى الانتقادات التي أثارها طبيب البلاط 
الإسباني والمفكر الإنساني فرانئيسكو لوبيث دي بيالوبوس 0كنعههة 
09 م1 2م16 الذي شجب استخدام الكلمات العربية في اللغة 
الإسبانية الطليطلية» الأمر الذي «يشوّه وضوح اللغة القشتالية ويحجب 
نقاءها»أ2. وفي الجامع الكبير في قرطبة» وهو أحد جواهر الخلافة الأموية؛ 
بنيت كنيسة داخل المبنى في إظهار بليد جداً للهيمنة الكاثوليكية» شجبه 
شارل نفسه لأسباب جمالية حين رآه بعينيه. على أن انتقادات الملك للذوق 
السيئ لمهندسيه المعماريين لم تكن تشير إلى أي احترام أو مودة للإسلام 
نفسه. فقد قبل شارل الكاثوليكي الورع عباءة «حامي حمى الدين». 
التي فرضها عليه منصبه كإمبراطور روماني مقدسء وكان ملتزما بالقدر 
نفسه با حلم ال هابسبورغي بإمبراطورية نصرانية عالمية» اعتبرها كثير من 
الأوروبيين ذريعة للهيمنة ا هابسبورغية على أوروبا. 

كان شارل الأول بين ثلاثة أجيال من الحكام ا هابسبورغيين» حسمت 
قراراتهم مصير إسبانيا الإسلامية على مدى القرن التالي. قضى شارل 
(!) الكوزموغرافيا ن!مهرع00:و0© علم يبحث في مظهر الكون وتركييه العام يشمل علوم 

الفلك والجغرافية والجيؤلوجيا [المترجم]. 
(2) هذه التفسيرات الانتصارية؛ التي ترجع قوة الأمة وعزتها إلى دينها منتشرة في كل الأديان» 


ومنها فن الإسلام قول أمير المومنين عمر بن الخطاب: «نحن قوم أعزنا الله بالإسلامء فمهما 
ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله» [المترجم] . 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 175 


الدين والدم 

معظم عهده الطويل خارج إسبانيا في ساحات المعارك في أوروبا وشمال 
إفريقيا تاركا تمالكه الإسبانية يحكمها في غيابه أوصياء ومجالس وزارية. 
وبصفته الإمبراطور الروماني المقدسء تعهد شارل بقيادة حملة صليبية 
نصرانية ضد الإمبراطورية التركية العثانية في بداية عهده. لكن ثبت 
في النهاية أنه غير قادر على إنجاز ذلك الحلمء لا بسبب غياب الإرادة. 
فشارل المتين البدين ذو الفك اللمابسبورغي البارز؛ تلك العاهة الجسدية 
التى فعل ما بوسعه لإخفائها بإطلاق لحيته» كان معروفا بالشره» وقد 
كمه عاداته الغذائية السيئة كل أسنانه في عمر مبكر نسبياء ولقد اضطره 
ذلك إلى امتصاص الطعام بدلاً من مضغه. وكان أيضاً شجاعاً ونشيطأًء 
وقاد جنوده بنفسه في حملات كثيرة ضد خصومه النصارى والمسلمين. 

كرس شارل أيضاً اهتاماً كبيراً لشؤون الدين في إمبراطوريته 
الشاسعة. فقد أخذ على عاتقه. كا فعل فيردناند وإيزابيلاء واجب 
استئصال الحرطقة» وتزامن عهده مع تكثيف نشاطات محكمة التفتيش 
لتغطي إلى جانب المتَضّرينء اللوثريين المشتبه فيهم والطوائف 
الكاثوليكية المنحرفة مثل الصوفيين غير المؤذين» المعروفين بالنورانيين 
5 اث الذين أكدوا التحول الروحي الداخلي أكثر من التعبيرات 
الخارجية للتقوى الدينية. وبدأت محكمة التفتيش أيضا تبتم بمسلمي 
إسبانيا السابقين» الذين أصبحوا يخضعون لسلطانها باعتبارهم كاثوليك 
معمّدين. واهتمت محكمة التفتيش على وجه الخصوص بالتقارير الواردة 
من غرناطة وقشتالة» التي قالت إن كثيراً من المورسكيين لم يقلعوا تماماً 
عن الممارسات الدينية والثقافية من «زمن الأندلسيين» ويجب أن يعتنقوا 
دينهم الجديد كاملاً. أخفقت هذه الاتهامات كثيراً في التمييز بين الجوانب 
الدينية والثقافية للإسلام الإسباني» لدرجة أن ملابس المورسكيين نفسها 
كانت تؤخذ دليلاً على الردة أو السلوك غير الكاثوليكي. ورأئ كثير من 


16 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


6- الدين ا منتصر 

الكهنة والمسؤولين العلمانيين أن التقاليد الثقافية للمورسكيين كانت 
تشكل عائقاً أمام تقدمهم الديني» وذهبوا إلى أن المورسكيين لن يندمجوا 
كلياً في المجتمع النصراني طالما أنهم كانوا يتحدثون ويأكلون ويلبسون 
بطريقة مختلفة عن النصارى. 

وبين عامي 1511 و1526, أصدر حكام إسبانيا سلسلة من المراسيم 
الملكية والأوامر قصد بها استئصال هذه الخصائص تاما. كانت هذه 
التشريعات تستهدف غرناطة بالدرجة الأولى» التي كان الاختلاف 
الثقافي الإسلامي أوضح ما يكون فيها. ففي العشرين من يونيو 1511» 
صدر مرسوم ملكي بمنع المورسكيين في غرناطة من العمل كعرابين'" في 
مراسيم التعميد وأمر بإعطاء هذا العمل للنصارى القدامى. وفي اليوم 
نفسهء حظر مرسوم آخر الذبح الإسلامي للحيوانات وأمر بأن يقوم 
النصارى القدامى بذبح الحيوانات أو أن يحدث ذلك تحت إشرافهم. 
ومنع مرسوم ثالث الخياطين الغرناطيين من صنع اللباس «الأندلسي»» 
وهذا التشريع كان موجها بالأساس إلى اللباس النسائي. وفي التاسع 
والعشرين من يوليو 1513» شجب مرسوم رابع النساء المورسكيات 
اللاي كن «يمشين بغطاء الوجه»» وأعطى لمن مهلة سنتين إلى أن تبلى 
ملحفاتبن» وبعد ذلك تتعرض المرأة التي تشاهد بغطاء الوجه لسلسلة 
تصاعدية من العقوبات» تبدأ بمصادرة قطعة اللباس المخالفة في المخالفة 
الأولى ثم إلى الجلد والنفي. 

يشكل الخوف من الوجه النسائى المغطى والعداء له موضوعا متواترا 
في العلاقة بين المجتمعات القرية والإتاديةه وتكائت لمان خدلية 


(1) العراب في المسيحية هو الشخص الذي يحضر عملية تعميد الطفل» أو يحمل الطفل في 
أثنائهاء وهو أيضاً الاشبين الذي تكلفه الكنيسة برعاية المعمد روحياً ودينياً» وهو أيضاً شاهد 
الزواج في المسيحية [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]ألا 1 177 


الدين والدم 

في السياقات التاريخية المختلفة. ففي مصر القرن التاسع عشر صوّر 
القنصل البريطاني اللورد كرومر الحجاب على أنه رمز للتخلف الثقاني 
وخضوع المرأة» في حين يصوّر النقاب والحجاب بطريقة مختلفة في عصرنا 
الراهن» باعتبارهما من رموز قهر المرأة والأصولية الإسلامية» وحتى 
الإرهاب. 

ولا حاجة بنا للقول إن تحريرالمرأة لم يكن أولوية أولى في إسبانيا القرن 
السادس عشر. فالكراهية النصرانية للملحفة كانت تقوم دائم! على تخيلات 
شهوانية» تخشى من أن النساء اللاتي يغطين وجوههن ربا كن متورطات 
في علاقات غرامية محظورة أو دعارة. تجلت هذه الشكوك في الإشارات 
التلطيفية إلى «العار وانعدام الشرف». اللذين كانت الملحفة تخفيهماء 
وانعكست هذه الشكوك في الاعتقاد الواسع بأن النساء المسلمات كن أكثر 
شهوانية واتلاطً جتني من نظي راون النصرانيات. على أن الشكوك في 
الملحفة لم تقتصر على استخدام المورسكيات لهاء فبعض النصرانيات كن 
يلبسنها أيضاً أو يغطين وجوههن بطرحات سوداءء» وهي إشارة أخرى 
للتأثير الثقافي الأندلسي على المجتمع الإسباني. ولذلك صدر مرسوم في 
سبتمبر 1523» يحظر على النصرانيات القدييات خصيصا ارتداء الملحفة 
لتفادي أن «يكن مثالاً سيئاً للنصرانيات الجديدات» و«اقتراف بعض 
التزيد في حق ربنا». وربط قانون آخر الملحفة بمخالفة مختلفة تماماء حين 
قضى «بألا يتجاسر رجل نصراني أو مورسكي بالسير ليلا أو نهاراً بلباس 
النساء»» وعاقب على هذه المخالفة بمصادرة هذا اللباس أو الجلد العلني. 

3# 

كان سفور النساء المورسكيات مكوناً واحداً فقط في هجوم تشريعي 
أوسع على الثقافة المورسكية» فتح قسراً المناطق الأكثر خصوصية وحميمية 
في الفضاء المنزلي الإسلامي أمام الأعين العدائية للمجتمع النصراني. 


178 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


فمنعت قوانين أخرى المورسكيين من إغلاق أبواب بيوتهم أيام الجمع 
وفي أثناء طقوس الزفاف لضان ألا يتعبدوا أو يارسوا العادات 
الإسلامية سرا. ومنع المورسكيون أيضا من استخدام الحمامات أيام 
الجمع أو الزواج دون حضور شاهد من النصارى القدامى للتأكد من 
أن احتفالاتهم لا تحوي أي مكون إسلامي. وقد انتقد المحارب والقائد 
العام لغرناطة المركيز تانديليا هذا التشريع بقوة في رسالة إلى أحد مسؤولي 
شارل: 

ما هذا الذي يفعله صاحب السمو يا سيديء أيأمر 

بالتخلي عن اللباس المورسكي؟ هل يعتقد سموه أن 

هذا أمر بسيط؟ أقسم بالله أن المملكة ستخسر أكثر من 

مليون دوكاتية في تغيير الملابس وشرائها... سيديء. ماذا 

كنا نلبس في إسبانيا حتى مجيء الملك إنريكو اللقيط» 

وكيف كنا نضفر شعرنا على غير الطريقة الأندلسية» 

وعلى أي موائد كنا نأكل؟ هل خرج الملوك والقديسون 

من النصرانية بسبب ذلك؟ لايا سيدي واللهانا. 

كانت هذه الانتقادات تعكس جدلاً مستمراً داخل المؤسسات الدينية 
والعلمانية في إسبانيا بين المؤيدين المعتدلين للدمج التدريجي مثل تانديليا 
ومن يشكل القطاعات الأكثر تصلباً وتعصباً داخل الدولة والكنيسة» 
الذين كانوا يرون أن الدمج يتطلب الإقلاع التام عن كل «ذكريات 
الأندلسيين». وقد حملت بعض المراسيم المعادية للمورسكيين الأكثر 
قمعا توقيع الملكة المختلة خواناء لكنها كانت بالتأكيد من اقتراح الأساقفة 
وقضاة محكمة التفتيش ومستشاري البلاط» ومنهم ثيسنيروس ال حاضر في 
كل سكات: 
نخصت هذه المراسيم حياة السكان ال مورسكيين» وأوجدت جموعة 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 179 


الدين والدم 

كبيرة من المشكلات العملية كانت تحتاج إلى تشريعات أخرى لحلها. 
ففي المناطق الريفية بغرناطة كان من الصعب. إن لم يكن من المستحيل في 
أغلب الأحيان أن يجد الجزارون المورسكيون نصارى قدامى للإاشراف 
على عملية الذبح لعدم وجود نصارى قدامى يعيشون بالقرب منهم. 
وكان هؤلاء الجزارون مضطرين إما للذبح بلا إشراف والتعرض للغرامة 
أو العقابء أو أن يتركوا زبائنهم يذهبون بلا لحم إلى أن يتوافر شاهد 
نصراني قديم. وفي حالات أخرى كانت قطعان المورسكيين تصاب 
بالعدوى بسبب عدم قدرة أصحابها على ذبح الخراف أو الماشية المريضة. 
وكان الإصرار على إشراف النصارى القدامى أيضا مدخلا للاستغلال» 
فلقد كان بعض النصارى يطلبون ثمناً لعملهم كعرابين أو شهود على 
زواج المورسكيين» كان يُدفع عادة في شكل نقد أو دجاج أو أقمشة 
حريرية. وكان الكهنة في غرناطة أيضاً يفرضون أجوراً باهظة على إقامة 
القداس أو منح الأسرار المقدسة”" لرعيتهم المورسكيين. 

نظرياء كان سيل اللوائح يقصد به تعزيز الدمج» لكن وصم الثقافة 
المورسكية بأنها شيء وضيع وغير مرغوب فيه وسّع الفجوة بين المورسكيين 
والمهاجرين النصارى الوافدين على غرناطة. فكانت العلاقات بين هاتين 
الجماعتين تتميز دائمأ بالعداء العميق» الذي عُرف عن مجتمعات المستوطنين 
الاستعمارية والذي لم يقدم تجريم عادات المورسكيين شيا لكبحه. وكان 
بعض النصارى الغرناطيين يرفضون السماح بدفن المورسكيين في باحات 
الكنائس. وبعضهم كان ينزع الملحفة عن النساء المورسكيات في الشوارع 
أو يسب الرجال المورسكيين بالكلاب والمرتدين» ضاربا عرض الحائط 


(1) الأسرار المقدسة 0265 - في المسيحية مراسيم- أساسية تحدث النعمة في قلب الموئمن» 
وهي سبعة في الكائوليكية والأروذكسية: التعميد والتثبيت (الميرون) والتناول (الأفخارستيا) 
والتوبة (الاعتراف) ومسحة المرضى والكهنوت والجواز» ولا يعترف البروتستانت إلا 
بالتعميد والتناول [المترجم]. 


180 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


6- الدين ا منتصر 
بنصائح الكنيسة» التي تضمن معاملة الَْضَرين الجدد معاملة حسنة 
ب«العطف عليهم وإكرامهم). 
وفي رسالة بتاريخ الثاني والعشرين من مايو 1524» انتقد الأديب الديني 

الشهير والأسقف المستقبلي لوادي آش”" فراي أنطونيو دي جيفارا 5:2 
0 عل ملمماهم ضديقاً له على إهانة أحد المعارف المورسكيين في 
بلنسية يدعى سيدي عبدالقاسم «أعةء اطق 5103. الذي عمده جيفارا 
بنفسه. أبدى جيفارا استنكاره بلغة لا لبس فيها: 

بصراحة ودون مواربة أقول إن سبّك لنصراني قديم 

محترم بأنه كلب أندلسي وكافر والدفاع عن نفسك 

بالقول إن تلك هي الطريقة التي يتحدثون بها عادة في 

مدينتك. أقول إن ذلك في رأبي يستوجب عقاباً من 

محكمة التفتيشء لأنك بمثل هذا الدفاع تشوه بلدك 

وتضر الدين النصراني... أقسم بالله والصليب أنه لو 

كان سيدي عبدالقاسم سليل الأندلسيين» فإن أجدادك 

أيضا في القبور لكذلكء. فكلنا من تراب وإلى التراب 

نعود "ا. 

ثمة مسؤولون دينيون آخرون أدانوا المعاملة السيئة للمورسكيين 

الغرناطيين» وحثوا النصارى على حسن معاملتهم. لكن المعاملة السيئة 
كانت تيسرهاء بل وتبررها أيضاً في أذهان الجناة القوانين واللوائح التي 
وصمت المورسكيين بأنهم جماعة مشتبه فيهاء وأعطت المسؤولين ورجال 
الدين النصارى السلطة عليهم. وكثيراً ما كان يساء استغلال هذه 
السلطة. سواء من جانب رجال الشرطة. الذين كانوا يقتحمون بيوت 
المورسكيين لسرقة الأموال أو يفرضون عليهم غرامات لجيوبهم- لا 


10( 0201 في اللغات الأوروبية [المترجم]. 





1_طماع !© :161 ]أللا 1 151 


الدين والدم 
للدولة- على مخالفات حقيقية أو ملفقة» أو من جانب الكهنة والحفظة", 
الذين كانوا يطلبون دجاجاً أو أقمشة حريرية أو أموالاً نقدية من رعيتهم 
المورسكيين» ويلزمونهم بالعمل في بساتينهم أيام الآحاد. لم يفعل كل 
ذلك شيئا لتحبيب المورسكيين في الدين وطريقة الحياة التي لم يختاروها 
بأنفسهم» وبات واضحاً أكثر فأكثر أن محاولة اجتثاث الإسلام من 
غرناطة بالمراسيم لم تنجح. 
نيان 

وفي يونيو 1526» زار شارل غرناطة للمرة الأولى والوحيدة في عهده 
ليقضي شهر العسل في قصر الحمراء مع زوجته البرتغالية إيزابيلا. خرج 
السكان جميعهم للترحيب بالزوجين الملكيين في المدينة» وكانت بينهم 
فرقة من الراقصين المورسكيين رقصت رقصة «الليلة» 6113!ا»ء وغنت 
بمصاحبة موسيقيين مورسكيين كانوا يعزفون على الأعواد والدفوف. 
قضى شارل ستة أشهر في قصر الحمراء قال عنها لاحقاً إنها كانت أسعد 
أيام حياته. وفي خلال تلك الفترة» جمع مع شهر العسل شؤون الدولة 
واستقبل زيارات من كثير من الوجهاء والسفراء الأجانبء من المبعوث 
البندقي أندريا نافاجيرو إلى الكونت البلاطينى© فريدريك علءزءلع,ء 
الذي كتب طبيبه يوهانز لاندر :ءع0لههآ 00# وهاذاً لزيارتها. افتتن 
كل من نافاجيرو ولاندر بالعالم الثقافي الأندلسي المحيط بالإمبراطور 
العلماني للعالم النصراني. فوصف لاندر كيف كان شارل وبلاطه يحتفلون 
بمهرجان سان خوان بمصارعة الثيران ومواكب فخمة من «الأندلسيين 
والنصارى»»؛ كانت سيدات البلاط وسادته يلبسون فيها «على الطريقة 
(2) نسبة إلى البلاطينات 231810206 وهما مقاطعتان ألمانيتان كان يحكم كل منهما في عهد 


الامبراطورية الرومانية المقدسة أمير بلاطيني؛ ويمكن أن تكون الكلمة أيضاً نسبة إلى بلاط 
الإمبراطور الروماني المقدس [المترجم]. 


152 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


6- الدين ا منتصر 

المورسكية». وشهدا لاحقاً رقصة أندلسية في قصر الحمراء لنساء 
مورسكيات «كلهن مزينات بلآلئ ثمينة» وأحجار كريمة أخرى في 
آذائهن وعلى جباههن وأذرعهن)31ا. 

كانت هذه الرقصات تُقبل فقط كمشهد استعراضى غريب في البلاط 
الملكي» لكنهم كانوا ينظرون إليها بعين مختلفة تماماً حين كانت تحدث في 
الحياة اليومية للمورسكيين أنفسهم. وشارل نفسه اهتم بتقارير تقول إن 
المورسكيين لم يكونوا يؤدون التزاماتهم الدينية» وصّدم أيضا حين سمع 
من قيادات المورسكيين الغرناطيين عن استغلاههم والإساءة إليهم من 
جانب النصارى. وكلّف لجنة دينية بتقصى هذه الانتهاكات برئاسة أسقف 
وادي آش حينها ورئيس أساقفة غرقاطة مستقبلاً غاسبار دي أبالوس 
5 عل :3م635. أكدت اللجنة هذه الانتهاكات,ء لكنها حلرك مع 
ذلك من أن «المورسكيين لا يزالون مسلمين» فرغم مرور سبعة وعشرين 
عاماً على تنصيرهمء فلا سبعة وعشرين ولاحتى سبعة منهم فقط نصارى 
صادقين)». 

عرضت هذه النتائج على جمع من رجال الدين والأساقفة والمحامين 
الدينيين استدعاهم شارل في غرناطة في الخريف لمناقشة حالة المورسكيين. 
وفي المصلى الملكي الذي أكمل مؤخراء والذي يضم ضريح الملكين 
الكاثوليكيين» شجب هؤلاء الكهنة المعاملة غير النصرانية للمورسكيين 
من جانب رجال الدين الذين يتعاملون معهم. لكن الفحوى المهيمنة 
على النقاش لخصها أنطونيو دي جيفاراء الذي تحدث عن رغبته في كشط 
الحناء عن أجسام النساء المورسكيات بالسكين» وحلق شعورهن لأنمن 
يضفرنها ويزخرفنها «على الطريقة الإفريقية». 

على أن الاشمئزاز من هذه العادات «الإفريقية» عندما يأتي من 
جيفارا؛ الرجل الذي شجب بقوة رفض المورسكيين من جانب المجتمع 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 183 


الدين والدم 

النصراني» كان مؤشراً على المواقف المتناقضة داخل الكنيسة نفسها من 
المسلمين السابقين» الذين كانت تتطلع إلى دمجهم. وبعد أشهر من النقاش 
أصدر مجمع المصلى الملكي سلسلة من التوصيات أقرت كل القيود التي 
فرضت عليهم في العقدين السابقين» ووسعتها في بعض الحالات. فلم يعد 
مسموحاً للمورسكيين بكتابة اللغة العربية أو تحدثهاء وأمروا باستخدام 
اللغة القشتالية حتى داخل بيوتهم. وم يعد مسموحا لهم باستخدام 
الحمامات العامة دون وجود أحد النصارى القدامى للإشراف عليهم؛ أو 
أن يطلقوا أسماء أندلسية على أطفالهم. ومنعت النساء المورسكيات من 
تخضيب أيديبن أو أقدامهن بالحناء «علناً أو سرا» أو تغطية وجوههن. 
وأمروا بأن نظل أبواب بيوتهم مفتوحة أيام اللجُمع وفي حفلات القران. 
ولم يسمح لهم بدفن موتاهم دون إشراف أحد النصارى القدامى. وغدا 
الجراحون والأطباء الذين يجرون عمليات الختان يعاقبون بالإبعاد أو 
مصادرة الممتلكات. 

وفي السابع من ديسمبر» صادق شارل رسمياً على هذه الأوامر. وقد 
كان عناد رجال الدين الإسبان وتصلبهم. فضلاً عن التأييد الرسمي 
الذي لقيه هذا التصلبء مؤشراً آخر على ابتعاد إسبانيا كثيراً عن ماضيها 
بالقرون الوسطى. ففي] كان الحكام النصارى السابقون يصدرون 
التشريعات للحفاظ على الاختلاف الإسلامي بغرض تفادي خطر 
«الخلطى. أصبح شارل يسن التشريعات لإزالة هذه الاختلافات من 
الوجود بغرض دمج سكان غرناطة المورسكيين في المجتمع النصراني. 
وعلى أرض الواقع» خيب الإمبراطور المتعسر مالياً أمل رجال الدين 
الأكثر تشدداء حين وافق على تعليق هذه المقترحات لمدة أربعين عاماً في 
مقابل عرض من مثلي المورسكيين المحليين بدفع مبلغ سنوي وتقديم ما 


بين ثهانين وتسعين ألف دوكانية كاهدية زفاف وطنية). دخلت هذه 


184 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


6- الدين ا متتصر 

الأموال في تمويل بناء قصر عصر النهضة الرائع على أرض مجمع قصر 
الحمراءء لإحياء ذكرى انتصار شارل على الفرنسيين في معركة بافيا"©. 
واشترت هذه الأموال للمورسكبين الغرثاطيين أيضاً إعفاء من محكمة 
التفتيش لفترة الأربعين عاماً نفسها. ولم تكن هذه المرة الأولى ولا الأخيرة 
التى تغلب فيها الاحتياجات المالية الملكية على هدف النقاء الدينى بعيد 
الذع: وفي السنة نفسهاء عقدت اتفاقية تماثلة في أراغون التى اجتاز فيها 
مسلمو إسبانيا الباقون مؤخراً تحوهم المتأخر إلى النصرانية. ‏ 


() معركة بافيا 83118 وقعت في الرابع والعشرين من فبراير 1525 بين إسبانيا وفرنسا بسبب 
التنافس على إيطالياء وكانت الحاسمة للحرب الإيطالية في أعوام 1526-1521) هاجم فيها 
جيش إسباني بقيادة شارل دي لانوي وانطونيو دي ليفا قائد حامية بافيا جيشا فرنسياً بقيادة 
فرانسيس الأول ملك فرنسا خارج أسوار مدينة بافياء أسر فيها فرانسيس نفسه وسجن وأجبر 
على توقيع اتفاقية مدريد المذلة التي تنازل .بمقتضاها عن أراضي كثيرة لخنصمه في إيطاليا 
[المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 155 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 


7 
المعقل الأخير 
أراغون (1526-1520) 


بعد تنصير مسلمي غرناطة وقشتالة» باتت أراغون تشكل الجيب 
الأخير للمدجنين في إسبانيا الكاثوليكية. لكن فيردناند في الوقت الذي 
فرض فيه النصرانية على مسلمي غرناطة: لم تصدر عنه إشارة إلى أنه ينوي 
فرض المصير نفسه على رعاياه هو”". وفي ذروة ثورة البشرات عام 1500» 
كان الملكان الكاثوليكيان يطمئنان رعايا فيردناند المسلمين في أراغون بأن 
ذلك لن يحدث لهمء وأنكرا علناً الشائعات التي قالت (إن نيتنا وإرادتنا 
هي أن نكره كل الأندلسيين بالمملكة المذكورة على العقيدة المقدسة والدين 
النصراني!!!. لكن من الواضح أن هذه التطمينات لم تؤت أثرها المطلوب. 
ففي إبريل 1502 أخبر البرلمان البلنسي فيردناند بأن كثيرا من المسلمين 
كانوا قلقين من أن النصرانية ستفرض عليهم قريباء وأنهم توقفوا عن 
العمل في الحقول وبدؤوا يفرون إلى شمال إفريقيا. ومن أجل منع مزيد من 
الخسائر وإقناع هؤلاء المسلمين بالعودة» دعا النبلاء فيردناند إلى طمأنة 
(1) لعلك لاحظت أن إسبانياء ختى بعد الاسترداد» ظلت ممالك مستقلة» وحتى بعد زواج فيردناند 
وإيزابيلا» ظل كل منهما ملكا على ممالكه السابقة على الزواج فظل فيردناند ملك أراغون 
باسم فيردناند الثاني» وظلت إيزايلا ملكة قشتالة وليون» وبعد موت زوجته أصبح وصيا على 
البلاد من عام 1504 حتى وفاته عام 1516 [المترجم]. 





157 
1_طماع !© :1]61]أللا 1 


الدين والدم 

السكان المسلمين مرة أخرى بأن استقلاههم الديني سيحترم. 

وافق الملك الكاثوليكي على هذا الطلبء. ووعد البرلمانات الإقليمية 
في بلنسية وأراغون في مناسبتين منفصلتين بأن المدجنين في ممالكه سيظلون 
على إسلامهم. وكانت الأحداث في غرناطة وقشتالة قد أوضحت بجلاء 
أن أمثال هذه الوعود غير ملزمة بالضرورة وأن من الصعب تصديق أن. 
فيردناند كان ينوي حقاً أن يسمح بالوجود الدائم للإسلام في أحد أجزاء 
إسبانياء في حين استأصل الإسلام من الأماكن الأخرى جميعها. لكنء 
مهما كانت نوايا فيردناند بعيدة المدى» فقد كان رجل دولة أفطن من أن 
يثير مواجهة مع لوردات أراغون وبلنسية الأقوياء لم يكن متأكداً من 
الفوز فيها. فبالنسبة إلى هؤلاء الإقطاعيين» كانت مصالح ضياعهم دائا 
أولوية أسبق على الوحدة الدينية» واعتبروا أي محاولة لفرض النصرانية 
على أتباعهم المسلمين تشكل عبديدا عسيلا اصدر دخلهم. وحافظت 
المملكتان بقوة على القوانين المحلية التي كانت تقيد السلطان القضائي 
للملك في أراضيهم| . ول قبل محكمة التفتيش في أراغون أو بلنسية اللتين 
اعتيرتاها دخيلاً قشتالياً معرقلاً. 

وتمثلت نتيجة ذلك في سياسة شاذة جداً واصلتها بعد موت فيردناند 
أرملته جيرمين دي فوا"» وبمقتضاها ظل مسلمو أراغون يعيشون وفقاً 
لترتيبات المدجنين السابقة» حتى في الوقت الذي كان فيه إخوانهم في 
الدين يكرهون على اعتناق النصرانية في الأماكن الأخرى جميعها. وبعد 
عقدين تقريباً من تدخل يسنيروس المتطرف في غرناطة» ظلت ال حال على 
ما كانت عليه في أراغون إلى أن وصل شارل الأول عام 1519 للمطالبة 
بميراثه في إسبانيا. وفي تلك السنة نفسها سمع الملك الشاب من مستشاره 
(1) جيرمين دي فوا »«زه؟ عل عمنهدء6 (من 1488 إلى 18 أكتوبر 1538) ملكة أراغون بحكم 


زواجها من فيردناند الثاني ملك أراغون في عام 1505 بعد موت زوجته الأولى إيزابيلا 
القشتالية» وعملت وصية على عرش أراغون بعد موت فيردناند في عام 1516 [المترجم]. 


188 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


7- ا معقل الأخير.. أراغون (1526-1520) 
الإيطالي مي ركورينو غاتينارا همق نائة0 ممسءرء3/1 أن الرب اختاره لإقامة 
«المملكة العالمية... وتوحيد العالم النصراني كله تحت راع واحد»؛ وأعطاه 
وصفا تفصيليا للمسؤوليات التي يمنحها له هذا الدور. ومع ذلك فقد 
اضطر الإمبراطور العالمي الذي كان يشبّه نفسه برقل لأن يحلف يمينا في 
مراسم تتويجه ينص على أنه لن يحاول أن يفرض الكاثوليكية على مسلمي 
أراغون. وخلال بضعة أعوام» نكص على عهده. حين قدمت له ثورة 
شعبية في مملكة بلنسية فرصة لم تتح لأسلافه. 
د اد د 

بدأت سلسلة الأحداث المعقدة» التي أخبت وجود مدجني أراغون, 
في مدينة بلنسية نفسها. ففي أواخر القرن الخامس عشرء كانت بلنسية من 
أكثر مدن إسبانيا ثروة ورخاء. وبلنسية بوقوعها بجانب الأهوار المروية 
أو الورتة "عاط المعروفة أنها بستان إسبانياء وبوفرة بساتين الفاكهة فيهاء 
كانت أيضاً ميناء مزدهراً احتفظ بصلات تجارية عبر البحر الأييض 
المترسط مع الدول المدينية الكبرى إبان عصر النهضة الإويطالي» ومع 
الإسكندرية. وتجلى النجاح التجاري للمدينة في تبادل الحرير في سوق 
لونخا 2زه0!ء وفي سكانها الكونيين البالغ عددهم أربعة وحمسين ألف 
شخص. الأمر الذي جعل بلنسية أحد أكبر المراكز الحضرية في إسبانيا. 
لكن وراء الازدهار التجاري وتقدم عصر النهضة في «بلنسية الجميلة) 
كانت توجد تراتبية إقطاعية قمعية» شغلت قمتها طبقة أرستقراطية 
جشعة, كوّنت ثرواتها بالدرجة الأولى من عمل الأقنان» وكان أعضاؤها 
معروفين بالغطرسة والتفاخر والعنف. 

كان هؤلاء البارونات ممقوتين من الجاهير النصرانية» وتراكمت 
الكراهية الطبقية وانتقلت أيضاً إلى كراهية مُفْطعيهم المسلمين. ومع أن 
النصارى والمسلمين كانوا يحتلون المواقع المتواضعة نفسها ضمن النظام 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 189 


الدين والدم 

الإقطاعي. فإن مقطعي المسلمين العلمانيين والدينيين كانوا يعتبرونهم 
أكثر إنتاجية» فضلاً عن أنهم خضعوا دائاً لترتيبات إقطاعية أصرم. ففي 
مزارع السكر الساحلية شديدة الرطوبة في دوقية غانديا 0820018 بجنوب 
بلشنيةء كان الاق المتطين المتليين يكدحوة فق مرك أجداد سلالة 
بورجيا 80:13 ضمن ظروف عمل لم تكن تختلف عن العبودية كثيراً. 
وكانت الأديرة والكنائس مثل دير بايديغانا 1/21101828 تعتمد بشدة هي 
الأخرى على العمال المسلمين لزراعة البساتين ومزارع الكروم التابعة لهاء 
وحصد محاصيلهاء ورعاية قطعانها. 

على أن السمات التي جعلت المسلمين البلنسيين جذابين لملاك 
الأراضي وأرباب الأعمال لم تحبب عامة النصارى فيهم. ول تنظر الطبقات 
النصرانية الدنيا إلى هؤلاء المسلمين باعتبارهم منافسين فحسبء وإنا 
أسهم استعداد المسلمين لقبول إيجارات أعلى وشروط مُمقٌطعية ثقيلة أيضا 
في إضعاف قدرة المساومة لدى النصارى داخل النظام الإقطاعي. وكانت 
نتيجة ذلك مزيج سام من السخط الاقتصادي والحاسة الدينية وخوف 
من الجماعة المسلمة الكبيرة التي كان يتخيل دائمأ أنها على وشك الثورة» 
أو أنها تتواصل سراً مع شمال إفريقيا المغاري. تفاقم هذا الإحساس بعدم 
الأمان بفعل الفوضى والجريمة الدائمين في المملكة. فحتى في ذروة ازدهار 
المجتمع البلنسي في القرن الخامس عشرء كان مشهوراً بانتشار جرائم قطع 
الطرق والقتل والاغتصاب والسرقة» التي لم يكن يكشف عن فاعليها. 
ولم يكن هذا النشاط مقصورا على طبقة اجتماعية معينة. ففي مملكة كانت 
السلطة المركزية فيها ضعيفة وبعيدة» تصرفت الطبقة الأرستقراطية دائا 
على أنها هي القانون» فكان أعضاؤها ي,ارسون القتل والسرقة بدرجة من 
الحصانة النسبية» الأمر الذي كنف السخط عليهم. 

وفي أواتل القرن السادس عشرء اشتدت الفوضى وغياب القانون في 


190 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


7- ا معقل الأخير.. أراغون (526-1520) 

بلنسية بفعل الكساد الاقتصادي وسلسلة من نوبات الطاعون المدمر. 
وف الفترة نفسها حدثت زيادة في الغارات على اليلدات الساحلية من 
جانب قراصنة شمال إفريقيا التي كان يشتبه دائا في أن المسلمين المحليين 
يسهّلوما. أثارت هذه العوامل كلها توترات عرقية ودينية في أنحاء 
المملكة كافة» وبخاصة في العاصمة. وفي صيف عام 1519» فرٌ السكان 
الأغنى من بلنسية إلى الريف هرباً من تفشي الطاعون. وم يبق فيها غير 
السكان الجائعين والعاطلين والثائرين» الذين اعتقدوا أنهم في مواجهة 
هجوم شامل من القراصنة. وتزامن اهيار السلطة في بلنسية مع شائعات 
متواترة وغير مؤكدة عن ثورات من جانب المسلمين» وروايات عن 
مشاهدة سفن القراصطة: ووقع أيضاً عدد من النذر الفي كانك تسيل 
الهبات الاجتاعية الكبرى دائ) في إسبانيا عصر النهضة» من مشاهدة 
مذنبات غامضة إلى ظهور أسد سحري عملاق» وقد أسهمت 8 
في إشعال المناخ السائد القائم على الحماسة الدينية وكراهية المسلمين 
والراديكالية الاجتاعية!2). 

وفي نهاية العام» انتقلت السلطة السياسية في بلنسية إلى أيدي الطوائف 
الحرفية المحلية» التي كانت تنتمي في معظمها إلى الطبقتين الوسطى 
والوسطى الدنياء وأنشأوا مجلس حكم لإدارة المدينة أطلقوا عليه اسم 
الثالث عشرء على أساس أنه امتداد للمسيح وحوارييه الاثني عشر. في 
البداية» وقف المجلس بجانب الحكومة المركزية» وناشد نائب الملك 
ديبيغو أورتادو دي مندوسه 11620022 عل 112200 معء 11 إعادة تأكيد 
سلطة التاج» وتوفير الأسلحة للسكان للدفاع عن المدينة ضد هجوم 
القراصنة. رأى شارل في ذلك فرصة لتغيير توازن القوة في المملكة على 
حساب الإقطاعيين الميالين للاستقلال» فأجاب المجلس إلى طلبه. وفي 
يناير 1520. أنشأ مجلس الثلاثة عشر مليشيات من المواطنين عرفت 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 191 


الدين والدم 
باسم الأخويات لحاية المدينة. وعلى مدار السنة تطورت المليشيات إلى 
حركة اجتتاعية راديكالية بدأت في تدمير النظام الإقطاعي نفسه. الأمر 
الذي أثار رعب نائب الملك والطبقة الأرستقراطية والطبقات المتوسطة 
الحضرية. وفي ربيع عام 1ه تحرك جيش قوامه ألفا جندي إلى الريف 
البلنسبى» معلنا نيته إبادة كل الإقطاعيين في المملكة. 
عضا أحرقت المليشيات ونهبت ضياع الأرستقراطيين ورجال 
الدين» وحدّ مندوسه والنبلاء صفوفهم وأدمجوا قواتهم العسكرية لسحق 
الثورة. لكن هذه الجهود لم تنجح في البداية» حيث ألحق الثوار سلسلة 
من الهزائم الموجعة بالجيوش الملكية والإقطاعية المشتركة التي كانت 
تضم كثيراً من المقُطَعِين المسلمين بين مشاتها. فحوّل الثوار جام غضبهم 
نحو السكان المسلمين بالمدينة. وفي يوليو هاجت المليشيات مستوطنات 
إسلامية حول مدينة بلنسية بتحريض من راهب فرانسيسكاني صاح فيهم 
«يحيًا دين المسيح .. الحرب على الساراكينوس!» وفي الشهر نفسه خاض 
الثوار معار الاعتيفة مع مالف من الخيوكن الملكية والإتطاعية كانت تضم 
بين صفوفها أعداداً كبيرة مج المطغيق المسلمين. أشعلت هذه المعارك 
المشاعر المعادية للمسلمين. وني الرابع عشر من يوليوء استولى محاربو 
الأخويات على بلدة شاطبة 131178 وهاجموا الحى الإسلامى المحلى. واقتيد 
نات اللملمين إلى الكاتدرائية الرقيسةةوآمروا بالاتضياز بين المعمودلة أو 
الموت. اختار معظمهم المعمودية» فيهما قتل بعضهم. وفي الأسبوع التالي» 
قاد سريت وهو بناء يدعى بيسنت ببريس 5لمء2 غمعء1؟ الثوار إلى 
نصر آخر على اليش الملكي-الإقطاعي الذي كان يضم نحو ثلاثة آلااف 
فين المتطعين المسلمين لدوق غانديا. 
انفعل رجال بيريس بنصرهم. واندفعوا في الغيتو الإسلامي في 
بلدة غانديا صائحين: «الموت للأندلسيين!» وأخدززا السكان هنا أيضاً 


152 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


7- ا معقل الأخير. . أراغون (1526-1520) 

على الاختيار بين المعمودية أو قطع رقابهم. وف خلال ثلاثة أيام عمد 
كثير من المسلمين» إذ كانوا يرشون بقطرات من الماء من فروع قنوات 
الري. وقفت وراء عمليات «التنصير» توليفة غريبة من الانتقام العرقي 
والحاسة الدينية والكراهية الطبقية. فمن ناحية» أراد الثوار أن يرضوا 
الربء ويضمنئوا نجاح ثورتهم بتعميد الكفار. ومن ناحية أخرى» رأت 
الأخويات أن تعميد المقطعين المسلمين. الذين يعملون لدى الإقطاعيين 
المحتقرين» يجعلهم أقل جاذبية لفُطعيهم ما يقضي على المكانة «المنميزة» 
التي يفترض أنهم تمتعوا بها داخل النظام الإقطاعي. 

ولانننا أصعفت اللروقف ال عجري الععبيف فها ودرجة القوة 
المستخدمة فيها مثار نزاع لاخرق كور بن السلطات الدينية. على أن 
المسلمين لم يقتادوا جميعا إلى حوض التعميد تحت حد السيف. ففي 
بعض الحالاات» كان المسلمون يصيحون «نصارى! نصارى!!) لمجرد 
رؤية المليشيات» ويبدون رغبتهم في التعميد. سواء لإنقاذ أنفسهم من 
المعاملة السيئة أو لاعتقادهم أن ذلك هو المطلوب منهم. وانحنى آخرون 
لا اعتبروه الانتصار النهائي للنصرانية»؛ ىا فعل بعض المسلمين في 
غرناطة. وإذا كانت بعض عمليات التعميد قد نفذت «برش المعمّدين 
من قنوات الري»» فإن غالبيتها حدثت في كنائس على أيدي كهنة ورهبان 
وفقاً للطقوس الكاثوليكية» بغض النظر عن الضغوط التي مورست على 
المسلمين قبل أن يأتوا إلى حوض التعميد. وما لا قبل الميداك هو أن 
عمليات التنصير جميعهاء سواء نتجت عن تهديدات مباشرة أو لم تنتج» 
جرت في مناخ من العنف والإرهاب لم يكن ليسمح بالاختيار المتروي!ذ]. 
وعلى مدار صيف عام .1521» وبين) كان كورتيس يكمل إخضاعه 
للمكسيك الأزتكية باسم الدينء كانت المليشيات تخوض حربها الطبقية 
أو بالأحرى حملتها الصليبية في الريف البلسي» وتقتل المسلمين وتنهبهم 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 163 


الدين والدم 


وتنضرهم وتكرس مساجدهم كنائسء وفي بعض الأحيان بمجرد تعليق 
صور للمسيح والعذراء على أبوايها!"ا. 

كان مركب الكراهية الطبقية والحماسة الدينية» الذي دفع الثوار يكشف 
عن نفسه أحياناً في أناشيد مثل «الموت للإقطاعيين! والموت للأندلسيين!» 
وفي حالات أخرى كان الثوار يصيحون «الموت للأندلسبين مالم يُعمّدوا!) 
وفي بلدة آبلة قتل المسلمون ونهبوا حتى وهم في طريقهم إلى الكنيسة 
للتعميد» وذكر شهود عيان انتشار عشرات الجثث على جوانب الطرق. 
على أن النصارى لم يشتركوا جميعهم في هذه النشاطات أو يقرّوها. فبعض 
المسلمين في آبلة حماهم راهب محل ومجموعة من النصارى المحليين» وهذه 
لم تكن المرة الوحيدة التي تدحل فيها نصارى لإنقاذ المسلمين من الثوار. 
وازداد الطابع العرقي والديتي الث رة تأججاًء حين بدأت الغلبة في ساحة 
المعركة تتحول لصالح الجيوش الملكية-الإقطاعية. وفي بلدة بولوب 
م2010 الساحلية ذبحت الأخويات زهاء ستاثة مسلم بعد أن عمدوا 
فعلاء وأعلن القتلة رغبتهم ني أن «يرفعوا أرواحاً إلى السماء؛ ويضعوا 
عملات في جيوببهم). 

وبحلول خريف عام 1521 كان خمسة عشر ألف مسلم على الأقل قد 
عمدواء وكان بيريس يدعو إلى تنصير كل المسلمين في بلنسية. وفي الشتاءء 
بدأ النبلاء يفرضون انتقاماً دامياً على من أرادوا إيادتهمء فيها استعادت 
السلطات الملكية السيطرة على مدينة بلنسية نفسها. وفي مارس 1522. قتل 
بيريس وانتقلت قيادة الثورة إلى شخص مجهول انتحل الإسم التوراتي 
«إل إنكوبيرتو [الخفي]ء وهي شخصية كانت تظهر كثيرا في إسبانيا 
القرن السادس عشر إبان لحظات الأزمات الاجتاعية والسياسية31)0]. 


(1) حول الإنكوبيرتو أو إل إنكوبيرتو 0مءزطنحم 81 أو الخفي, راجع حاشية سابقة للمترجم 
[المترجم]. 


154 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


7- ا معقل الأخير. . أراغون (1526-1520) 

لا يعرف الكثير حول هذا المسيح المنتظر الكاريزميء الذي ادعى أنه 
قريب الملكين الكاثوليكيين» وظهر أول مرة في بلدة شاطبة في مارسء 
وتنبأ بقرب يوم الحساب. أحاط هذا الرجل نفسه بحاشية من الخدم 
وبدأ في الوعظ بمزيج من الراديكالية المعادية للإقطاع والنبوءة التوراتية 
والكراهية الدينية لالمسلفون والبهود. 

ووقعت دورة جديدة من العنف والتنصير بحق المسلمين» قبل 
أن يقتل الخفي في مايو 1522 على يد مأجورين أرسلهم نائب الملك. 
وادعى ثلاثة آخرون على الأقل أنهم «الخفي»: قبل أن تخمد الثورة 
أخيراً في ديسمبر. وفي ذلك الوقت كان زهاء اثني عشر ألف شخص 
قد قتلواء ودمرت معظم بلنسية الريفية. وبالنسبة إلى السكان المسلمين 
بات المستقبل مجهولاً. وبعد أن أظهر المسلمون ولاء نموذجياً للنظام 
المئؤسس وللملك نفسه. توقعوا أن تبطل المعمودية» وانتظر البارونات 
النصارى أيضاً أن يعلن بطلان تعميد المسلمين. لكن سرعان ما خاب 
أمل الطرفين. 

د د ع 

من المنظور اللاهوتي والقانوني» أثارت عمليات التعميد في بلنسية 
أسئلة حول الشرعية تذكّر بالمذابح التي اقترفت بحق اليهود في الفترة من 
1١‏ إلى 1412. ففي الحالتين أدى انفجار العنف الشعبي إلى إيجاد فئة من 
«النصارى الجدد» باستخدام طرق لم تكن تتوافق مع المعارضة اللاهوتية 
للتعميد القسري من جانب الكنيسة. لكن ى) حدث مع اليهود من 
قبلهم» فإن كون المسلمين البلنسيين قد حُمَدوا فعلاً عنى أخهم أصبحوا 
نصارى بغض النظر جما إذا كان تعميدهم قد حدث طوعا أو كرها. 
ومع أن الظروف التي حدث فيها هذا التعميد لم تكن مثالية» فقد دفع 
بعض رجال الدين بأنها أنتتجت نتيجة إيجابية. وذهب آخرون إلى أن هذا 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 165 


الدين والدم 

التعميد إذا كان قد حدث وفقاً للطقوس الكاثوليكية» فلا يمكن إبطاله 
بأثر رجعي دون إنكار القوة التحويلية للسر المقدس. 

ومع ذلك فبعد الثورة» أنكر اللوردات والبارونات في بلنسية أن 
اليد كان معيحا وذعرا إل إنظالة. واكقيبت مشالة صيدة تعمد 
مُقُطعيهم إلحاحاً خاصاً حين بدأ مسؤولو محكمة التفتيش في بلنسية 
يكتبون تقارير تؤكد أنهم رجعوا إلى الإسلام» وفي بعض الحالات 
بتشجيع من سادتهم النصارى. فإذا اعتبر تعميد هوّلاء المسلمين شرعياء 

فإنهم بذلك كانوا مدانين بالردة ومعرضين للتحقيق والعقاب. ومع أن 

بعض المسلمين حوكمواء فإن المحققين كانوا ميالين للرفق بهم إلى أن 

بال اللاهوتية الغامضة. 

وفي عام 1524: أمر رئيس محكمة التفتيش الكاردينال ألونسو د 
مانريك 21301016 عل 41050 عضو المحكمة البلنسبى خوان دي شوروكا 
معنا عل لقتال بالتقصمي حول عدد المسلمين الذي تعمدواء ومعرفة 
الظروف التي تعمدوا فيها. وحتى قبل أن تعرف نتائج هذا التحقيق» 
أعلن شارل نواياه حين كتب إلى البابا كليمنت السابع» طالباً منه إعفاءه 
من قسمه السابق بعدم تنصير المسلمين بالقوة. ربا تأثر الإمبراطور 
بالوصية السياسية التي قدمها له في شتاء 1524-1523 مستشاروه 
الإيطاليون والفلمنكيونء. حين كان البلاط مقي في بامبلونا هه«وامصةط» 
الذين أشاروا على الملك الشاب بالخطوات المطلوب اتخاذها لتفادي 
غضب الربء وضان الإقرار الإلمي لحكمه. وجاء بين التوصيات 
الأخرى أن يطرد شارل كل الأندلسيين والكفار من ممالكه إذا لم يعتنقوا 
النصرانية. 

وفي نوفمبر 1524» بدأت لجنة شوروكا بالتنقل في بلنسية» وجمعت 
قوائم بأسماء المسلمين الذين عَمَدوا وشهادات شهود عيان حول 


156 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


7- ا معقل الأخير. . أراغون (526-1520) 

الظروف التي عَمّدوا فيها. وفي أبريل التالي قدمت هذه النتائج إلى تبجلس 
5 دعاه شارل في مدريد. وعلى مدار أربعة أشهر تقريباء دار نقاش 
مضن في الدير الفرانسيسكاني بمدريد بين أساقفة وأعضاء بمحكمة 
التفتيش ورجال دين وخبراء في القانون الكنسبي حول وضعية مسلمي 
بلنسية. وتضمن النقاش غالباً محاولات ملتوية اعريت نس «الإتيانه 
و التعميد. ودعب ينقى رحال الذين باط إل أن التعميد تم بلوعاً 
لأن المسلمين اختاروه بدلاً من القتل. وتوصل آخرون؛ منهم عضو 
حكمة التفتيش البارشلوني المستقبلي والمؤلف الديني فرناندو لوسيس 
وعءةم.آ وملمقمعء إلى الاستنتاج نفسه بالدفع يأن العنف الذي استخدم 
في معمودية مسلمي بلنسية كان «مشروطاً) ولبضن «مطلقاً» لأن هؤلاء 
المنَضرين ل يُتَضَروا تحت حد السيف. ودفع لوسيس بأن أفعال الثوار مع 
أنها كانت إجرامية» فإن معمودية المسلمين أثبتت قدرة الله على إنبات 
«الخير من الشر)ء ويجب النظر إليها على أنها صحيحة"ا. وقبل شارل 
هذه النتيجة وكتب إلى أرملة فيردناند جيرمين دي فوا بصفتها نائب 
الملك في بلنسية بأن العنف الذي استخدم في تعميد المسلمين «لم يكن 
مقصوداً أو مطلقاً بدرجة تكفي لإخراجهم من الدين الذي تعهدوا به 
في معموديتهم». 

وازداد موقف الإمبراطور وضوحا في مرسوم صدر في إبريل 1525. 
أعلن فيه أن مسلمي بلنسية «كانوا نصارى ويجب النظر إليهم على أنهم 
نصارىء لأنهم حين تلقوا المعمودية كانوا في كامل قواهم العقلية وليسوا 
مجانين» وطلبوا طوعاً أن يتلقوا المعمودية)[7]. وفي يونيو من ذلك العام؛ 
أعفى البابا كليمنت السابع الإمبراطور شارل من قسمه بعدم تنصير 
رعاياه المسلمين بالقوة. وفي سبتمبر» أمر شارل كل المسلمين الذين لم 
يُعمّدوا في بلنسية بأن يتلقوا «ماء المعمودية المقدسة» طوعاًء وألا يضطروا 


1_طماع !© :11 ]أللا 1 157 


الدين والدم 


التاج «لاستخدام وسائل اخرفةء وعد كهرية أصلاو شارل عريعها 
عاماً بالطرد» أمر كل المسلمين في بلنسية باعتناق النصرانية بنهاية ديسمير 
أو مغادرة المملكة. وأعطي المدجنون في أراغون وقطلونية شهراً إضافياً 
لاختيار كان محدداً سلفا. فالمسلمون الذين اختاروا النفي, لم يسمح لهم 
بالسفر من نقاط المغادرة المنطقية على ساحل البحر الأبيض المتوسطء 
بل أجبروا على الحصول على جوازات مرور والسفر إلى الجانب الآخر 
من إسبانيا إلى مينائي كورونا 0058© وفونترابيا 2138618عنا2 الحليقين» 
هناك سمح لهم بالسفر إلى أماكن محدودة فقطء لم يكن شمال إفريقيا من 
بينها. - 
كان المقصود مبذه القيود جزئيا استرضاءً الإقطاعيين البلنسيين 
الذي ظلوا يرفضون صحة التعميد الذي نفذته الأخويات. وحتى قبل 
النشر الرسمي للمرسوم» حذّر وفد من البرلمان الأراغوني شارل من 
أن «الصناعة وازدهار الأرض يعتمدان على الأندلسيين»» وتوقع أن 
رحيلهم سيؤدي إلى انهيار اقتصاديء لكن الإمبراطور لم يأبه للنصحء 
ظاهرياً على الأقل. وفي ديسمبر 1525» سافر وفد من المسلمين البلنسيين 
إلى مدريد في محاولة لإقناعه بتغيير رأيه» وفي الشهر التالي عقد شارل اتفاقاً 
مرياً مع هؤلاء الممثلين قبلوا بمقتضاه أن يدفعوا سنوي ما بين أربعين 
وخمسين ألف دوكاتية كاضريبة» استثنائية في مقابل إعفاء الأربعين عاما 
نفسهاء وأن يعفى المورسكيون البلنسيون خلال تلك الفترة من الحساب 
أمام محكمة التفتيش. وبعد ذلكء عقد اتفاق ممائل شمل المورسكيين 
الغرناطيين. اشترى الوفد الإسلامي لهم وقف تنفيذ حكم الإعدام؛ لكن 
حين وصلت هذه الأخبار إلى بلنسية» كان كثير من إخوانهم في الدين قد 
فقدوا الأمل في المفاوضات. وبدؤوا بتدبير أمورهم. 


نا اننا 


1598 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


7- ا معقل الأخير. . أراغون (1526-1520) 
وحتى قبل إعلان مرسوم شارل. كان كثير من المسلمين قد بدؤوا 
بمغادرة بلنسية إلى شمال إفريقيا. وبدأ آخرون بالاستعداد للمقاومة 
المسلحة. وعلى غرار ما حدث في غرناطة» انسحب المسلمون البلنسيون 
الأكثر إصراراً إلى المعاقل الجبلية الوعرة. وأغلق آخرون على أنفسهم 
بالمتاريس في بلداتهم وقراهم إعلانا للمواجهة التي كانت دائ) قصيرة 
الأمد. ففي قرية مارية 1/1313 أقنع التواز أنفسهم بأن المحارب الأندلسي 
الأسطوري المسمى الطفيمي 4112853 سيأتي على حصان أخضر 
لإنقاذهم؛ واستسلموا على الفور حين خيّب الفارس رجاءهم. وكانت 
المقاومة أشرس في أماكن أخرىء ففي بلدة بني وزير”" الواقعة على بعد 
عشرة أميال من بلنسية» طرد المسلمون المحليون النصارى من البلدة في 
يناير» وأحكموا غلقها على أنفسهم بأسوارها المحصنة» وأعلنوا نيتهم 
«إنقاذ شرعيتهم)!؟!. 
أرسل جيش نصراني إلى البلدة من العاصمة؛ ومعه أوامر من شارل 
بإقناع السكان بالاستسلام أولاً. وحين أصرٌ قادة «برلمان» بني وزير على 
الحصول على مرور آمن إلى شمال إفريقياء رفض طلبهمء وبدأ الحصار 
الذي انتهى بعد شهرين بقصف مدفعي على أسوار البلدة. وبعد 
استسلامهم» زعم بعض سكان البلدة أن زعماءهم الدينيين أجبروهم 
على الثورة. وبصرف النظر عم إذا كانت هذه الادعاءات محاولة للإفلات 
من العقاب. فقد عومل الثوار برفق» لكن هذه الشهامة لم تتوافر دائماً في 
أماكن أخرى. كان المعقل الرئيس للثورة هو جبال سيرا دي إسبادان 
7 نل مم51 شإلي بلنسية: التي لحأ إليها آلاف المسلمين بعائلاتهم 
رفضا للتنصير. وفي هذا المكان القاسى والوعرء حفر الثوار خنادق وبنوا 
أكواخاً وملاجئ مؤقتة» وحَيجزوا على الحجارة بأعمدة خشبية لإهالتها 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 109 


الدين والدم 


على المهاجمين المحتملين. وكانوا يحصلون على الطعام من القرى المجاورة 
المتعاطفة» وانتخبوا ملكاً هم أسموه المنصور, على اسم أحد أشهر حكام 
قرطبة الإسلامية. 

كان كثير من الثوار من مُقْطْعي دوق سقوربة"؛ وهو أحد أقوى 
اللوردات النصارى في بلنسية» وقد أمرته جيرمين دي فوا بأن يقود حملة 
عليهم في ربيع عام 1526. ما رجعت قوات سقوربة بخسائر جسيمة. مما 
أثار اشمئزاز السلطات وعامة الناس في بلنسية» وأطلق شائعات مؤداها 
أن الدوق كان أكثر اهتاماً بالحفاظ على أصوله الاقتصادية من تأكيد 
سلطة الملك. وفي يوليو 1526 قام ثوار مسلمون من إسبادان باللهجوم 
على قرية تشلشيس 011565 النصرانية» ونهبوا الكنيسة المحلية» ويقال 
إنهم هربوا برقاقات العشاء الرباني. كانت أسباب هذا الاستفزاز بتدنيس 
المقدسات غير واضحة. فربا كان المهاجمون ينتقمون للاعتداءات على 
مساجدهم في أثناء ثورة الأخويات. وعلى أي حالء فقد انتشرت موجة 
من السخط عبر بلنسية النصرانية» حيث أغلقت أبواب الكنائس وغطيت 
المذابح بقماش أسود حداداً على هذا الاعتداء الكافر. 

ولذلك اكتسى إخضاع الثورة طابع الحملة الصليبية» وأخذ ممثلو البابا 
في بلنسية يمنحون صكوك الغفران لكل من يقاتلون الكفار. وحشد على 
عجل جيش إقطاعي جديد من ثلاثة آللاف جنديء مدعومين بأربعة 
آلاف مرتزق ألماني كانوا في حينها يمرون خلال برشلونة. تقدم هؤلاء 
الجنود إلى إسبادان في خيلاء «كما لو كانت أفران نارية تشتعل في قلوبهم» 
بتعبير المؤرخ البلسي غاسبار اسكو لانو 8501300 نوكه 0 وهم يحملون 
الراية الرسمية لمدينة بلنسية ويرافقهم حراسها البريتوريون المعروفين 
باسم السنتنار بقمصانهم الحريرية البيضاءء. المزدانة بصليب 


200 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


7- ا معقل الأخير.. أراغون (1526-1520) 


القديس جورجأ”ا. وفي التاسع عشر من سبتمبر» هاجمت هذه القوات 
معسكر الثوار. وتمكن المسلمون المسلحون بالأحجار ومقاليع الحجارة 
والأقواس الصليبية من قتل اثنين وسبعين نصرانيء لكنهم دفعوا ثمناً 
باهظأً لمواجهتهم. وهو خمسة آلاف أسيرء إما ذبحوا أو استعبدهم المرتزقة 
الألمان. 

أبت هذه المذبحة المقاومة في بلنسية. ومع أن بعض المسلمين هربوا 
إلى شمال إفريقياء فقد انضمت غالبيتهم إلى صفوف الْنُضَرين الجدد من 
الأندلسيين. وما حدث في غرناطة» صاحب التعميدٌ الجماعي تكريس 
المساجد كنائسء» وإحراق علني للقرآن والمخطوطات العربية الأخرى 
وتكرر النمط نفسه في مملكة أراغون وفي قطلونية. ومع نباية عام 1526» 
كان شارل الطامح لأن يكون إمبراطوراً عالمياً قد استطاع أن ينجز المهمة 
المستحيلة المتمثلة في استئصال المعقل الأخير للإسلام من إسبانياء مع 
الاحتفاظ بالقوة العاملة التي كان ازدهار المالك الأراغونية يعتمد 
عليها. 

لم يكن هذا الانتصار رائعاً من عدة نواح» فهو انتصار جرى فيه 
التنصير وسط ثورة عنيفة» وأقر رسمياً عبر نظرية لاهوتية مشكوك فيهاء 
ومن خلال انتهازية صريحة. لذلك لم ينظر إلى هذه النتيجة باستحسان 
عام في المجتمع النصراني. فلاحقاء وصف براي دي ريمنخو عل 'إوء8 
> الفقيه المسلم من قرية كادريتي 00,616 الأراغونية القريبة من 
سرقسطة؛ رد فعل صديق نصراني وهو راهب كرملٍ يدعى فراي إستيبان 
مارتيل 1121161 موداءاو به على تلك الأخبار «بأننا كم علينا أن نتنصر 
بالقوة». استدعى هذا الصديق ريمنخو من المسجد إلى بيته وقدم له غداء 

من الرمان ومزبى الفاكهة البلنسية واللحم المشوي. و«بعد أن أكلنا». ىا 
لكر الفقيه لاحقاء «دخلنا مكتب أبيه» ولااحت الدموع في عينيه وقال 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 201 


الدين والدم 


لي: (سيد براي ما رأيك في كل هذه الثورة والطريقة غير النصرانية التي 
انتهجناها؟ من جهتي أقول إنه ليحزن قلبي وروحي أن نفعل ذلك وأنهم 
اقترفوا خطأ كبيرا بحقكم)». ووفقا لريمنخوء فإن: 

هذا الصديق كان متعاطفاً جداً معنا لدرجة أنه ل يتوقف 

عن التحدث أمام الأساقفة والمجالس ضد كل من 

أعطوا موافقتهم لما حدث. والتنديد بهم. وأصدر مع 

كثيرين آخرين دعوة للاحتجاج والتنديد ضد صاحب 

الجلالة ووزراته. وكانت مواقفه ستؤثر لولا أنه مات في 

خلال شهرين. وقد أوصاني بالدعاء له إذا مات لذلك 

زرته في مرضه وبكيت عليه حين مات لأنه كان صديقاً 

وياقال, 

وهذا التقدير المؤثر من جانب هذا الفقيه السابق لراهب نصراني 

وصفه بأنه «صديق عظيم للأندلسيين في هذه المملكة» رسالة أخرى 
تذكرنا بالعلاقات الإيجابية بين النصارى والمسلمين التي كانت ممكنة 
الحدوث في النظام القديم. وهناك نصارى آخرون كانوا أقل تعاطفاً مع 
المتشرين الحدد.ء ونظروا إلى استمرار وجودهم في بلنسية على أساس 
اعتناق ريائي للنصرانية أنه خطر على المجتمع النصراني وضار له. وانتقد 
بعض النصارى التعليق الذي منح لوفد المسلمين البلنسيين في مدريد. 
على الرغم من أن تفاصيل هذه الاتفاقات لم تعلن قطء وألقوا باللائمة 
-عن قبولها- على مستشاري شارل الفلمنكيين والإيطاليين. ووفقاً 
لإحدى الأساطير النصرانية» فإن تمئال مريم العذراء في مدينة توبيت 
1861 الأراغونية بكى احتجاجا على «المعمودية الكاذبة» في بلنسية 
لحر حي را احا صر روا 
عن هذه الترتيبات» فإن حكام إسبانيا حققوا بعض الرضا من استئصال 


202 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


7- ا معقل الأخير.. أراغون (1526-1520) 


الإسلام من على سطح المجتمع الإسباني. وللمرة الأولى منذ سقوط 
القوطء سكت الأذان عبر إسبانياء ولم يسمع ثانية لبعض الوقت”". 





(1) هو وقت طويل على كل الأحوالء إذ لم يعد الأذان إلى إسبانيا إلا في أواخر القرن العشرين أو 
أوائل القرن الحادي والعشرين مع علمنة الدولة الإسبانية والاعتراف الرسمي بالإسلام؛ وإن 
كان ذلك قد حدث أيضاً رغم معارضة من الكنيسة والجماعات المحلية» كما سيأتي في خائمة 
الكتاب [المترجم]. 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 203 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 


الباب الثاني 


قطيع واحد .. راع واحد 


إننا جبرون عل ىأن نصلي معهم في شعائرهم النصرانية دون عُسل» 
وأن نوق رأوثانهم ا مرسومة» ومهزلة ا خفي العظيم. 

لا أحد يتجاسر على الاعتراض» ولا أحد يجر أن يقول كلمة واحدة: 
من ذا الذي يستطي عأن يعبر عن الكرب الذي كتب علينا نحن ا مؤمنين 
بالله؟ 


محمد بن داوود, أغنية شعبية مورسكية؛ 1568 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 


8 
«بيت عملىع بالأفاعى والعقارب» 


يمكن أن يتضمن مفهوم الاستيعاب أو الدمج طيفا من الوسائل 
والمعاني. فيمكن أن يشير إلى علاقة ثنائية الاتجاه. الى 
على دمج أقليات عرقية أو ثقافية- وليس فرضه- وفق أساس المساواة 
والاحترام المتبادل للاختلاف. لكنه يمكن أن يشير أيضا إلى عملية فوقية 
تطلب فيها الأغلبية المهيمنة الاستئصال الكامل للخصائص الثقافية أو 
الدينية أو اللغوية للأقليات التي 7 تعتبرها دونية» وتعتبر وجودها المنفصل 
متنافراً مع خصائصها. وفي إسبانيا القرن السادس عشرء كان الدمج 
ينضوي بالتأكيد تحت الفئة الثانية. فبالنسبة إلى المجتمع النصراني» لم يكن 
اعتناق النصرانية يتطلب من أقلياته اليهودية والمسلمة التخلي الكامل 
#وسطداصم الديية وطفوس عباداهم حيبي وإنا إخفاء كل شيء 
يميزهم عن النصارى أيضا. 

كان حكام إسبانيا مجمعين تقريباً على هذه الأهداف النهائية» في حين 
كان هناك طيف واسع من الآراء المعتدلة والمتطرفة حول أفضل الطرق 
لتنفيذهاء تراوحت من الإقناع والتبشير والإغراءات الإيجابية إلى الإكراه 
والاضطهاد. ولم يكن لدى شارل أو مستشاريه أي شكوك حول التزام 
المورسكيين بدينهم الجديد» لكنهم مع ذلك رأوا أن استعصال المظاهر 


207 
1_طماع !© :161 ]أللا 1 


الدين والدم 

الخارجية للإسلام خطوة أولى أساسية للتحول الدائم لمسلمي إسبانيا 
السابقين إلى «نصارى جيدين وصادقين». وفي أعقاب الأحداث العنيفة 
في بلنسية مباشرةء أخذت السلطات الدينية والعلانية تنحو أكثر نحو 
نموذج تدريجي للدمج. تأكد هذا الموقف في اتفاقات عام 1526 بين 
شارل والوفود الإسلامية في مدريد وغرناطة» التي أعفت المورسكيين 
من اتصلب» محكمة التفتيشء بشرط أن يمتثلوا طوعاً لالتزاماتهم الدينية 
الحديدة. 

على أن الشروط المحددة لهذا الإعفاء لم تكن واضحة تماماً للأطراف 
المعنية» وكانت عرضة لتفسيرات متعارضة من الجانبين. ففي رسالة إلى 
محكمة التفتيش البلنسية عام 1528» أنكر رئيس محكمة التفتيش ألفونسو 
دي مانريك أن التعليق كان يشمل نشاطات محكمة التفتيش وشجب 
«الأشخاص محدودي الإطلاع» على نشر شائعات تقول: إن المورسكيين 
عدوا قرخضة أن بعكنوا كأنداتسين لأريعين عامكء!!!. وغل أرضن 
الواقع قبل مانريك وخلفاؤه عموماً سياسة متساهلة. لكن رئيس محكمة 
التفتيش كان محقاً في أن العفو لم يقصد به العودة إلى وضعية المدجنين. 

نظر المورسكيون إلى هذه الاتفاقات بطريقة مختلفة تمامأء إذ فسر كثيرون 
منهم غياب القمع باعتباره الترتيب الدائم» وليس تنازلاً مؤقت وثمة 
آخرون ربا لم يسمعوا أصلاً بالعفو أو المفاوضات التي أنتجته. لكنهم 
واصلوا «العيش كأندلسيين» بعد تنصرهم, لأنهم لم يعتنقوا النصرانية 
بإرادتهم منذ البداية. ولقي كثير من المورسكيين البلنسيين تشجيعاً على أن 
#يصبحوا أندلسيين» مرة أخرى من مُقَطعيهم النصارىء وافترضوا أنهم 
تحت حمايتهم. وعلى مدار العقود الأربعة التالية» اتضح بجلاء تضارب 
هذه التوقعات. فمقارنة بالأحداث الدامية التى أدخلت المورسكيين 
قالتغيرائيةه كاذه ذه النقود قر عدوء تبي : كن كياب اإرائعية 


208 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


8- «ابيت مليء بالأفاعي والعقارب » 
العلنية أثبت أنه خادع. 
ع د 

كان العفو بمعنى من المعاني اعترافاً بالنقائقكص التي شابت عملية 
التنصير الأولى. ففي رسالة إلى البابا في ديسمبر 1526 اعترف شارل بأن 
اعتناق مسلمي بلنسية للنصرانية «لم يكن طوعياً بالكامل» ومنذ ذلك 
الحين لم يلقّنوا ويوججهوا ويعلّموا ديننا الكاثوليكي المقدس». وكان اقتراح 
الإمبراطورء أن التبشير اللاحق قد يعوض النقائص في عمليات التنصير 
البلنسية» نوعاً من التفكير بالتمني» لكن هذه التطلعات أخذت بجدية على 
المستويات العليا للكنيسة والدولة. نظرياء كان مسلمو إسبانيا السابقون 
يخضعون جميعاً لرقابة حكمة التفتيش» ومع ذلك اعترفت محكمة التفتيش 
العليا (المجلس الأعلى) أن من غير المعقول. ولا حتى المفيدء معاقبة 
المورسكيين على التقصير في تلبية التزاماتهم الدينية في الوقت الذي لا 
يمتلك فيه كثيرون منهم أي فكرة عم| يفرضه عليهم دينهم الجديد. 

فقد كان كثير من المورسكيين يفتقرون إلى المعرفة الأولية بالكاثوليكية» 
وكانوا لا يستطيعون أن يقرأوا صلواتها الأساسية» أو يفهموا الأسرار 
المقدسة والطقوسء وغير معتادين على تقويمها الديني. ولم يتوفروا على 
مَنْ يعلمهم. وفي الوقت الذي اعتلى فيه شارل العرشء كانت البيروقراطية 
الدينية الجديدة في غرناطة قد أسست بنية تحتية للأبرشية حتى في المناطق 
النائية من المملكة» لكن فاعليتها كانت مقيدة بنقص الدافعية لدى رجال 
الدين في الصفوف الدنياء الذين كانوا أكثر اهتاماً بجز صوف رعيتهم 
المورسكيين من ضمان خلاصهم الروحي. 

لم تكن الحال أفضل كثيراً في بلنسية وأراغون. ففي مناطق المورسكيين 
النائية» مرت على المورسكيين شهور دون أن يروا كاهناً أو تمثلاً للكنيسة 
بعد معموديتهم الأولى. وفي عام 1532. أمر البابا كليمنت السابع 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 209 


الدين والدم 
الكاردينال مانريك بتأسيس بنية تحتية أبرشية للمورسكيين البلنسيين. 
لكن؛ مرت سنتان أخريان قبل أن يرسل مانريك جنة دينية إلى بلنسية 
لبدء هذه العملية. وأدت توصياتها إلى تأسيس 120 أبرشية جديدة في 
أنحاء المملكة كافة» لكن هذه الأبرشيات الجديدة أعوزتها الأموال» 
وكانت في الغالب توجد اسمياً فقط. فقد كان متوقعاً أن تمَوّل نفسها من 
الريوع المحلية وأعشار الكنيسة» لكن فقر معظم أبرشيات المورسكيين 
أعجزها عن توليد دخل كاف لتوفير كاهن مقيم؛ أو تغطية تكاليف 
تحويل المساجد إلى كنائسء و تجديدها. 
وعلى نحو ما شهدته غرناطة» حاول كثير من هؤلاء الكهنة التخفيف 
من فقرهم على حساب رعيتهم. وفضل آخرون تجنب بلنسية المورسكية 
0 تاركين أبرشياتهم وشأنها. ففي عام 21547 وجدت لجحنة دينية أن 
من الكهنة في بلنسية المورسكية قد تركوا مناصبهمء وأن بعضهم 
0 الأموال التي كان من المفترض أن يموّلوا بها أبرشياتهم. وقد 
كان نقص الموظفين المؤهلين أو ذوي الدافعية واضحاً لدرجة أن الكنيسة 
البلنسية اضطرت في عام 1542 إلى إعادة تنصيب كاهن يدعى بارتولومي 
دي لوس أنخليس وهاءوهى 105 عل 831010536 سبق أن عاقبته محكمة 
التفتيش بتهمة ابتزاز المال من رعيته المورسكيين. وأعطي لوس أنخليس 
مسؤولية شخصية عن 128 مدينة وقرية مورسكية» وهو عدد كبير جدا 
حتى على رجل دين أكثر التزاماً منه» وخلال ستتين اعتقل مرة ثانية 
بتهمة الابتزاز. كان لوس أنخليس من الكهنة القلائل في بلنسية الذين 
تحدثوا اللغة العربية. فغالبية رجال الدين البلنسيين لم يتحدثوا العربية 
على الإطلاق» وكانوا يلقون عظاتهم على مصلين مورسكيين غير مبالين 
وأحيانا عدائيين» وبلغة كان قليل منهم فقط يفهمونهاء وهي خبرة كانت 
بلا شك غير مشجعة للكهنة» كى)| كانت بالنسبة إلى رعيتهو!2. 


210 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


8- «ابيت مليء بالأفاعي والعقارب» 

وكانت محاولات توفير التعليم الديني غير كافية هي الأخرى. فقد 
أوصت لحنة مانريك بإقامة شبكة واسعة من المدارس لتعليم الأطفال 
المورسكيين. وبعد أكثر من عقدء كانت المؤسسة الوحيدة التي تقدم 
التعليم الديني للأطفال المورسكيين في بلنسية مدرسة خاصة أنشأها 
الكاهن اليسوعي الورع القديس فرانثئيسكو دي بورجيا عل مع5اءعمة1 
في ضياع دوق غاندياء ضمت أماكن لاثني عشر تلميذا مورسكيا 
من إجمالي ثانية عشر مقعداً!3/. ولم يكن الوضع في غرناطة أفضل حالاً. 
ففي عام 1559» أنشأ البسوعيون مدرسة للتعليم الديني في ربض البيازين» 
كان التلاميذ فيها يتعلمون القراءة والكتابة باللغة القشتالية» ويتلقون 
تعلياً دينياً من هيئة تدريسية مكرسة مكونة من اثني عشر أباً يسوعياء 
كان من بينهم مسلم غرناطي سابق يدعى خوان دي ألبوتودو 06 8قنال 
0ه وفيها عايش نحو خمسائة صبي الروتين الزهدي الصارم., إذ 
كانوا يستيقظون قبل الفجر للقداس.ء تليه الصلوات والتعليم الديني» 
ثم الغداء عبارة عن لفة خبزء لكن في غضون بضعة أعوام انقطع معظم 
المورسكيين عن المدرسة» وأصبح غالبية مرتاديها من العائلات النصرانية 
القديمة!4ا. 

د د 

بيد أن هذا الافتقار إلى الحماس ل يكن عاماً. فإذا كان بعض المورسكيين 
لم ممتموا بإرسال أطفاهم إلى المدارس النصرانية أو تلقي التعليم الديني» 
فهناك آخرون طلبوا من السلطات أن توفر لهم هذه المدارس وأن ترسل 
إليهم كهنة. صحيح أن كثيراً من المورسكيين لم يريدوا أصلاً أن يكونوا 
تصارى من البداية» وكرهوا الدين الذي فرض عليهم, لكن التقدم 
البطيء للتبشير لم ينتج كلياً عن عناد المورسكيين. فعلى مدار القرن 
السادس عشر أكدت قيادات الكنيسة مراراً وتكراراً الحاجة إلى توفير 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 211 


الدين والدم 

التعليم الديني للمورسكيينء دون أن توفر الموارد البشرية والمالية» التي 
تؤهل هذه الجهود للنجاح. ونادراً ما كانت الأبرشيات المورسكية تجذدب 
رجال دين يتمتعون بمستوى الالتزام السائد بين الإرساليات التبشيرية 
الإسبانية في الخارج. 

غير أن الكهنة في أبرشيات المورسكيين لم يكونوا جميعاً فاسدين أو 
ابلهاء» غير مبالين» ىما وصف رجل دين إسباني زملاءه في بلنسية» فقد 
كان كثير منهم أدنى من المعايير المطلوبة أو ل يتلقوا الدعم المؤسسي اللازم 
لتحفيزهم. لكن هذا التناقض لم يمر دون أن يلحظه أحد. وفي ذلك كتب 
مؤلف نصراني مجهول في العقد الثامن من القرن السادس عشر: «أنا لا 
أعرف لاذا أصبنا بالعمى إلى هذا الحد... لكي نذهب طداية الكفار إلى 
النصرانية في اليابان والصين ومناطق أخرى بعيدة. كما لو كان بيت إنسان 
مليئاً بالأفاعي والعقارب ولا يبتم بتطهيره؛ فيه| يذهب لاصطياد الأسود 
أو النعامات في إفريقيا»!5!. 

وأشار الكاتب نفسه إلى أنه «يستحيل علينا أن نهدي المورسكيين إلى 
النصرانية دون أن نسترضيهم أولاً ونزيل الخوف والكراهية والعداوة 
التى يكنونها نحو النصرانية». وأبدى رجال دين آخرون ملاحظات 
ماثلة» لكن لم تبذل تحاولة منظمة ومتماسكة لبلوغ تلك الأهداف. لماذا 
م يُنتبه إلى هذه الدعوات؟ يكمن جزء من التفسير في الضعف المؤسسي 
للكنيسة نفسها التي كانت عاجزة عن تلبية الاحتياجات الرعوية للسكان 
النصارى القدامى» وبخاصة في إسبانيا الريفية. وعن ذلك تساءل المصلح 
الكنسي خوان الآبلي 41112 6ل 0ددال من أسقفية غرناطة عام 1547: من 
المفيد أن يكون لدينا وعاظ مكرسون ومتحمسون يجوبون الأبرشيات 
ويستميلون الأرواح» لكن من أين لنا هم؟2؟! وكان هذا النقص 
ملحوظا بالقدر نفسه في بلنسية. وحتى حين حاولت قيادة الكنيسة منع 


212 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


8- (ابيت مليء بالأفاعي والعقارب» 

المعاملة الاستغلالية للمورسكيين من جانب الكهنة ورجال الدين في 
المستويات الدنياء م تتابع هذه المبادرات ى) ينبغي» وتبددت في الغالب 
عبر بيروقراطية دينية مثقلة. 

كان الدمج أيضاً هدفاً لوسائل أخرى. فقد حاولت بعض الإدارات 
المحلية تشجيع الزيجات المختلطة بين النصارى القدامى والمورسكيين 
عبر إعفاءات ضريبية أو حوافز مالية أخرىء لكن هذه الزيجات لم تحدث 
بأعداد كبيرة با يكفي لتدمير خط التقسيم العرقي بين الجماعتين!7!. 
وحدثت محاولات أيضاً لإجبار المورسكيين على العيش في أحياء النصارى 
القدامى والعكس. على أن إعادة دمج الغيتوهات الإسلامية المعزولة 
في المدن النصرانية كانت عملية معقدة» تضمنت إعادة التفاوض على 
اتفاقات طويلة المدى تتعلق بالإيجارات والملكية» وعو جحت هذه العملية 
أحياناً باستخفاف متغطرس بأحاسيس المسلمين. ففي بعض الحالات 
كان المورسكيون أنفسهم مطالبين بتمويل هدم بناياتهم الدينية وأسوار 
غيتوهاتهو!*. وحتى إزالة الحاجز المادي متمثلاً في أسوار الغيتوهات م 
يؤد بالضرورة إلى زيادة الاندماج. وظل كثير من المورسكيين يوانعون في 
مغادرة الأحياء التي قضوا حياتهم فيهاء أو كانوا أفقر من أن يتحملوا 
الإيجارات الأعلى في الأماكن الأخرى, في حين لم يتحمس النصارى 
للعيش في مناطق كانت تعتبر عموماً «الأحقر في المدينة». 

نظريأ كان المورسكيون. بصفتهم نصارى معمّدين» خاضعين 
لوضعية النصارى القدامى القانونية والضريبية نفسهاء لكن هذه المساواة 
نقضتها مراراً وتكراراً قوانين تمييزية وعدد من الأعشار والضرائب 
فرضت على مسلمي إسبانيا السابقين دون غيرهم. فكان المورسكيون 
دائها ملزمين بتقديم إسهامات خاصة لصيانة الطرق والجسور. وكانوا 
يدفعون في غرناطة الضريبة المعروفة بالفرضة 65:03» لصيانة الدفاعات 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 213 


الدين والدم 
الساحلية للمملكة. وحتى بعد تعميدهم ظلوا محرومين من مهن معينة؛ 
مثل التوليد والطب والصيدلة» التي كانت مقصورة على النصارى فقط. 
وني بلنسية لم يكن مسموحاً لهم بتغيير محل السكن تحت هديد الغرامات 
أو الجلد. وفي غرناطة لم يكن مسموحاً للمورسكيين بحمل الأسلحة. 
باستثناء الخناجر ذات الحواف المدورة» كي لا يكونوا قادرين على الدفاع 
كان التمييز الرسمي يصحبه دائاً تعصب وعداء شعبيان. ففي عام 

7» أوقفت نصرانية غرناطية ثرية تدعى كاتالينا ايرنانديث 8متلهة© 
62 هبة كبيرة في وصيتها لإنشاء ملجأ للبنات اليتيهات في المدينة» 
بشرظ استبعاد اليتييات المورسكيات منه. وشكت .زوجة نضرانية لرجل 
مورسكي ذات مرة لمحكمة التفتيش من أن «النصارى القدامى لا 
يريدونني ولا ابنتي لأنني أنجبتها من نصراني جديد». وفي كتابه الجدلي 
المعادي للمسلمين «نقض القرآن» (1532) موءهعا1- نامث خاطب الكاتب 
الدينى بيرناردو بيريث دي تشيتشون ممطءن© عل 2عموط ملتمصءظ 
الروسكية باللغة التالية: 

إن غالبيتكم أناس لا يعرفون القراءة والكتابة ولا 

يعرفون أي شيء عن الرب أو السماء والأرضء لكنكم 

تجوبون الريف كالبهائمء ىا يفعل العرب في شمال 

إفريقيا؛ ذلك الشعب الهمجي الذي لا قانون له ولا 

تلك ولا سلام» ولا ]قامة دائمةه يعيش اليو هنا وغداً 

في مكان آخرء وأنتم أناس غادرون ولصوص وميالون 

للواط مثل كل المغاربة بشمال إفريقيال”ا. 


وإذا كانت هذه المواقف تثير شكوكاً حول استعداد المجتمع النصراني 


214 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


8- «ابيت مليء بالأفاعي والعقارب» 


لتقبل المورسكيين» فهناك أيضاً أدلة كثيرة توحي بأن كثيراً من مسلمي 
إسبانيا السابقين لم يكونوا متقبلين للهويات التي فرضت عليهم. فقد 
ذكر أعضاء بمحكمة التفتيش ورجال دين من مناطق مختلفة بإسبانيا أن 
المورسكيين لم يعتادوا حضور القداس أو الذهاب إلى الاعتراف. أو تعميد 
أطفاهم» أو مراعاة الصوم والأعياد النصرانية. وعند ذهاب المورسكيين 
إلى الكنيسة» كانوا يستخفون دائاً بالطقوس ولا يحترمونهاء فيدخلون 
دون أن يومئوا بإشارة الصليب أو يتخذوا «وذ ضع الجسم اللائق» في 
أثناء الصلاة. وكان مسؤولو الكنيسة يصدمون بشكل خاص من سلوك 
بعض الرعية المورسكيين في أثناء العشاء الرباني. على أن مفهوم استحالة 
الجوهر”" وتحول الخمر والخبز في الشعيرة إلى دم المسيح وجسده كان أحد 
جوانب الكائثوليكية التي استحثت دوما حنق علاء الدين المسلمين» 
وكان كثير من المورسكيين يديرون وجوههم بعيداً عند رفع القربان 
ال مقدسء أو يقرصون أطفالم لكي يبكوا فيتبدد جلال الطقس الديني؛ أو 
يرمون بكسرات من الخبز» وفي إحدى الحالات خرقة متسخة على المذبح. 
غير أن السلوك السيئ في الكنيسة لم يكن مقصوراً على المورسكيين. 
ففي بعض مناطق إسبانيا الريفية» كان الفلاحون النصارى يصطحبون 
حيواناتهم معهم إلى الكنيسة» ويمضون وقت القداس في الكلام ولعب 
النرد» والرقص على صوت أرغن الكنيسة كذلك. لكن الاستخفاف من 
جانب المورسكيين كان دائياً عرضة لتفسيرات شريرة أبعد من الجهل أو 
التخلف الريفي. ففي عام 0» أرسل رئيس أساقفة غرناطة غاسبار 
دي أبالوس مبعوئا خاصاً ليطلع الإمبراطورة إيزابيلاء التي كانت تعمل 
كوصية في أثناء أحد غيابات شارل في شمال إفريقياء على حالة المورسكيين 
الغرناطيين. زود أبالوس مبعوثه بقائمة مطولة بالمخالفات ليثبت للملكة 
(1) استحالة خيز القربان وخمره في الشعيرة إلى جسد لبي رضلاق آثناءالضلب [التريحر]. 


1_طماع !© :161]أللا 1 215 


الدين والدم 


أن «هؤلاء النصارى الجدد أسوأ في دينهم مما كانوا عليه وهم أندلسيون»» 
فهم لم يواصلوا الالتزام بصوم رمضان وإطلاق أساء إسلامية على 
أطفالهم فحسب. وإنما كانوا يرفضون الذهاب إلى الاعتراف أو حضور 
القداس دون إكراه» وكانوا عموماً غير محترمين حين يذهبون «إلا في 
وجود أل من يخشونهم من النصارى القدامى)!0!]. 

وحث رئيس الأساقفة إيزابيلا على اتخاذ إجراءات أشد ضد «الأمة» 
المورسكية» التي أصر على أنها يجب أن «تحكم بالخوف لا بالحب». 
واستجابت الإمبراطورة بواضلة أخرى. عق المنع» فمنعت اللياس 
والأغاني والرقص الأندلسي» لكن هذا المنع يبدو أنه لم يُفْرَض أو يُطع. 
وأثارت محاولات أبالوس لمنع الملحفة والرقص الأندلسي في بلدة غوخار 
اضطرابات» واضطر للتراجع ف النهاية» حين تدخل القائد العام لويس 
أورتادو دي مندوسه ابن الكونت تانديلياء الذي كان أول من شغل 
المنصبء دفاعاً عن المورسكيين. وأجبر القائد العام رئيس الأساقفة 
أيضاً على التوقف عن محاولة إكراه المورسكيين على الذهاب إلى القداس. 
بوضع شرطة على الطرق تحرق أخراج”" المورسكيين الذين يسافرون في 
أيام الآحاد. 

كان التسامح الذي أظهره القائد العام نحو المورسكيين الغرناطيين 
أكثر انتشارا حتى بين النبلاء النصارى في بلنسية» الذين استمروا في 
تشجيع مُقْطْعيهم المورسكيين على أن «يعيشوا كأندلسيين» في ضياعهم في 
عدم وجود الكهنة وقضاة محكمة التفتيش. وفي أثناء محاكمته عام 21544 
وصف الكاهن «المشلوح» بارتولومي دي لوس أنخليس المورسكيين 
البلنسيين بأنهم «أناس عصاة ومتمردون»» وادعى أنه «من كل أربعين 
بيتاً... يذهب خمسة أو ستة فقط إلى القداس»!1!]. وألقى لوس أنخليس 
(1) جمع َُوْجٍ الدابة [المترجم]. 


216 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


8- «ابيت مليء بالأفاعي والعقارب») 


باللائمة في ذلك العناد على مُقطعيهم النصارىء الذين اتهمهم بحاية 
المورسكيين على أراضيهم وإعاقة محاولات تنصيرهم. ورفعت محكمة 
التفتيش البلنسية اتبامات مماثلة وانتقدت الإقطاعيين مرارا وتكرارا 
بإعاقة جهود المسؤولين. وكان أحد أسوأ «البارونات الأشرار» سمعة هو 
سانشو دي كاردونا 8ه00ئة0 عل مطعمد5؟ أدميرال بلنسية الذي اتهمته 
محكمة التفتيش في عام 1570 بالدفاع عن المورسكيين على مدى عقود. 
ذكر أحد الشهود في أثناء محاكمة كاردونا أن الأخير قال للمورسكيين 
في ضياعه عام 2 أن «يتصنعوا المظهر الخارجي للنصرانية» ويظلوا 
أندلسيين من الداخل» حين يأمرهم الكاهن المحلي بحضور القداس. 
وادعى شاهد آخر أن المورسكيين في ضياع الأدميرال كان مسموحا لهم 
بأن يعيشوا "كم لو كانوا في فاس»» وسمح لهم حتى ببناء مسجد جديد. 
ويبدو أن حماية كاردونا لُقُطّعيه المورسكيين كانت ترجع لأشياء أخرى 
غير المصلحة الشخصية الاقتصادية. فقد زعم شهود مختلفون أنه لا 
يذهب إلى الكنيسة ولا يحضر الاعتراف إلا نادراء وادعى شاهد آخر أن 
الأدميرال اقترح ذات مرة أن يخبر البابا بأن الأندلسيين البلنسيين نُضروا 
قسراء ويطلب منه السماح لهم بالعودة إلى دينهي!2!]. 
وكانت هناك أيضا تقارير حول استمرار التمسك «بدين محمد في 
قشتالة. ففي عام 1538 ا#همت محكمة التفتيش بطليطلة مورسكياً يدعى 
خوان البرغشي” «بعزف الزمرة والرقص عليها ليلاً وأكل الكسكسي©» 
(1) 5مق تناه /ن سونال نسبة إلى برغش [المترجم]. 
(2) الكسكسو أو الكسكسي وناوعؤنامح أكلة مغاربية وتنتشر في أقطار عربية أخرىء منها مصر» 
تصنع من طحين القمح أو الذرةتى شكل حيبات صغيرة ويطخ بالبخار ويضاف ليه اللحم 
أو الحليب أو الزبدة أو السكر الناعم» يقال إنها ترجع ف في المغرب العربي إلى ما قبل الميلاد» 
ويقال أيضاً إنها دخلت المغرب مع الجيش العربي الفاتح الذي كان «يكسس» الخبر» أي 


ا ا ا 0 
إحراق الأرض وإتلاف الأشجار والثمار [المترجم]. 





1_طماع !© :1]61]أللا 1 217 


الدين والدم 
ودعوة أصدقائه وأقاربه إلى بيته حيث «يغنون الأغاني الأندلسية» 
ويتحدثون اللغة العربية» وينادون بعضهم بالأسماء التي كانت لهم حين 
كانوا أندلسيين» ويثمّنون هذه الأسماء أكثر من تلك التي أعطيت لهم 
حين أصبحوا نصارى»!3!]. وفي العقد الخامس من القرن السادس عشرء 
أجرت محكمة التفتيش بطليطلة تحقيقات مطولة في بلدة ديميل اءنددنة1. 
اعترفت فيها امرأة مورسكية تدعى ماري غوميث 005062 11351 تحت 
التعذيب بأنها «أندلسية ثابتة». وحاول المحققون دون جدوى اكتشاف 
هوية «نبي» مورسكي مجهول في البلدة ادعى- كما قيل- أنه يستطيع أن 
يتكلم مع الملائكة والموتى» كان يبدي الناس إلى الإسلام في اجتماعات 
سرية. وفي الفترة عينها حقق قضاة محكمة التفتيش في تقارير حول 
وجود العبادات الإسلامية في بلدة أريفالو 767810ى القريبة من شقوبية”» 
تضمنت «القول بوجود نبي صبي», لكنهم لم يتوصلوا إليه. وفي أثناء 
هذه التحقيقات تعرض عدد من المورسكيين» الذين اشتبه في أنهم أدلوا 
بمعلومات أمام محكمة التفتيشء للقتل بطريقة غامضة. 
يدانا 

كان تأكيد الإقناع بدلا من الإكراه مشروطاً دائا بقيام المورسكيين 
طائعين بالتزامات دينهم الجديد. والحوادث من هذا النوع استشهد مها 
المتشددون كدليل على ضرورة تبني طرق أكثر صرامة. ولذلك لم يغب 
القمع يوماً في عهد شارل. فكان الكهنة أو المسؤولون العلمانيون يغرّمون 
المورسكيين دائماً على عدم حضور القداس أو مرا اعاة أيام الأعياد أو النداء 
على بعضهم بأسمائهم الإسلامية. وكانوا أيضا يخضعون لراقبة محكمة 
التفتيش» وبخاصة بعد تعيين رئيسها الطموح والمتشدد فيرناندو دي 
بالديس 65 هل ولمدهلء7 في عام 1546. فبالديس المراوغ والمذعور 


218 1_طماع1© :11 ]آئلا 1 


8- «ابيت ملىء بالأفاعي والعقارب» 


والمصمم على استئصال كل تعبيرات اللوثرية في مهدهاء قاد حملة متجددة 
ضد الهرطقة» لم يسلم منها مسلمو إسبانيا السابقون. 

على أنه لم يُسَلَّم مورسكيون كثيرون إلى «ذراع الدولة العلماني)”" في 
هذه الفترة» فقد واصل المحققون تفضيل التساهل والرفق في العقوبات 
المفروضة عليهم. وآثروا الغرامات ومصادرة السلع والممتلكات 
والجلد و«العقوبات الروحية» من نوع الصلوات والحضور الإلزامي 
في الاعتراف أو القداسات الخاصة. وني بعض الحالات» كانت محكمة 
التفتيش تتخلى تماما عن العقوبات وتعفو عن انتهاكات المورسكيين. لكن 
المحققين الإقليميين كانوا في الغالب قانوناً في ذاتهم» ولم يكونوا يميلون 
جميعاً إلى الرحمة. ففي عام 21535 أحرق خخسة مورسكيين على الخازوق 
في ميورقة 3/9[0:08. وأدين أربعة آخرون وأحرقت دمى و لتعذر 
القبض عليهم. وني العقد الخامس من القرن السادس عشرء تغرض 232 
مورسكيا في العرض التكفيري في سرقسطة. منهم أربعة فقهاء وراهب 
سابق اعتنق الإسلام» وقد أحرقوا جميعا على الخازوق. 

كان المورسكيون يتذرعون ويدفعون مخالفاتهم الدينية غالباً بالجهل» 
زاعمين أنهم لم يعرفوا المطلوب منهم» وكانت هذه الدفوع تنجح أحياناً. 
لكن حتى حين كان الأندلسيون يمنحون عفوا من محكمة التفتيش» 
فإن العفو لم يكن يحترم دائا. ففي عام 1546, أمر البابا محكمة التفتيش 
الأراغونية بعدم مصادرة السلع أو الممتلكات من المورسكيين لمدة عشرة 
أعوام؛ لكن هذه المصادرات تواصلت رغم ذلك. فمحكمة التفتيش 
كانت تعتمد على الغرامات والمصادرات في جزء كبير من دخلهاء لدرجة 


(!) بمعنى أنه لم يعدم مورسكيوان كثيرونء لأن محكمة التفتيش حين كانت تحكم على أحدهم 
بالإعدام» لم تكن تعدمه بنفسهاء بل كانت تسلمه إلى السلطات العلمانية لتحرقه على 
الخازوق, بعد أن تعرضه المحكمة في العرض التكفيري ع5 2ل ماداة [المترجم]. 

(2).معنى أنهم أحرقوا رمزياً عبر دمى لهم, طالما تعذر القبض عليهم [المترجم]. 





1_طماع !© :161 ]أللا 1 219 


الدين والدم 
أن المورسكيين كانوا يظنون كثيراً أنهم يُعْرَمون لدفع رواتب معذبيهم. 
وفي بلنسية وأراغون استاء النبلاء المحليون من العقوبات التي أوصلت 
مُفْطَْعيهم المورسكيين ونسلهم إلى حد الفاقة» وأضرت بأصوهم 
الاقتصادية. 
وفي عام 1556 حلت هذه المشكلة مؤقتاء حين منح رئيس محكمة 
التفتيش بالديس عفواً عاماً عن المورسكيين الأراغونيين عن مخالفات 
محددة. ففي مقابل دفع مبالغ سنوية كبيرة» وافقت محكمة التفتيش على 
عدم مصادرة ممتلكات المورسكيين» وتم التوصل إلى اتفاقات ممائلة في 
بلنسية وغرناطة. ومرة أخرى نجد المورسكيين يفلتون من الاضطهاد 
بدفع نوع من الإتاوة أو الحصانة الرشوية"» لكن هذه التنازلات كانت 
خادعة. فبحلول منتصف القرن السادس عشر لم يعد موقف الموظفين 
الإسبان نحو المورسكيين كا كان عليه في أعقاب التعميد. ففي حين كان 
المحققون في السابق يقبلون التذرع بالجهل على تجاوزات المورسكيين» 
أصبحوا يميلون إلى النظر إلى عنادهم المستمر على أنه رفض عنيد 
للاستفادة من الشهامة النصرانية. 
ارقبظ اتغير المواقفه من المسآلة المورسكية أيضا بالعراسة التزايدة 
للصراع بين الإسلام والنصرانية في البحر الأبيض المتوسط. فعلى 
مدار النصف الأول من القرنء كان الأتراك العثمانيون يحققون 
مكاسب ثابتة في شال إفريقياء وأسسوا سيطرة مباشرة أو غير 
مباشرة على عدد من المدن والأقاليم» ما شكل تهديداً لنظام الحاميات 
الضعيف الذي أقامته إسبانيا على امتداد ساحل شمال إفريقيا. وفي عام 
6ه سيطر الأخوان القرصانان2 اليونانيان عروج وخير الدين 


(1) الحصانة الرشوية حصانة من الملاحقة القانونية يشتريها المجرمون عن طريق الرشوة [المترجم]. 
(2) كما أن المصطلح الواحد, مثل مصطلح 115]8هوه8600 [الاسترداد عند الإسبان 0 - 


220 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


8- «ربيت مليء بالأفاعي والعقارب ») 


بربروس” على الجزائترء وبذلك بدأت المدينة تتحول إلى جيب مستقل 
للقراصنة تحت الحاية التركية التي استمرت ثلاثة قرون أخرى©. 
وبعد موت عروج عام 1518 على أيدي الجنود الإسبان في أثناء حصار 
تلمسانء عين السلطان العثماني أخاه خير الدين قبودان باشا (قائد بحر). 
ولقد مكن هذا الدور بربروس من بناء أسطول قوي كان كثير من 
للقسطنطينية في صراعها مع أوروبا النصرانية إلى جانب تحقيق مكاسب 


شخصيه. 


د 


- والأوروبيين/سقوط الأندلس عن العرب والمسلمين]؛ تكون له معان مختلفة بانسبة للشعوب 
والنقافات المختلفة» فإن الشخصية التاريخية الواحدة تسمى بأسماء وتنعت بصفات متناقضة 
من جانب الشعوب والثقافات المختلفة» من هذه الشخصيات عروج وخير الدين بربروس 
اللذان يعتبرهما الإمبان والغرب قراصنة وقتلة ومجرمين» ويعتبرهما العرب والمسلمون 
بماهدين وحررين وفاتحين ومنقذين. والملاحظة عينها تنطبق على ما يشير إليهم الكتاب باسم 
«القراصنة» إذا يعتبرون في شمال إفريقيا والعالم العربي «مجاهدين بحريين». إنها الرؤى 
والمنظورات التاريخية المختلفة للتاريخ الواحد, أو بالأخرى «التواريخ» المختلفة للحدث 
الواحد والشخصية التاريخية الواحدة [المترجم]. 

(1) عروج إنااش (من حوالي 1474 إلى 1518) و خير الدين [0600إ113 (من حوالي 1478 إلى 4 يوليو 
6) قائدان بحريان في البحرية العثمانية ولدا على جزيرة لسبوس العثمانية» قتل الأول في 
معركة مع الإسبان في تلمسان الحزائرية وتوفي الثاني في الأستانة, أسهمت انتصاراتهما البحرية 
في تأمين السيطرة العثمانية على البحر الأبيض المتوسط في منتصف القرن السادس عشر ومن 
معركة بروزة في عام 1538 إلى معركة ليانتو في عام 1571 وضم الجزائر إلى الإمبراطورية 
العثمانية» وتعاقبا على حكمها كبايات تابعين للسلطان العثماني. والأخوان بربروس» 
وأخوان آخران لهما عملا أيضاً بالبحر والتجارة والحرب؛ ولدوا لأب انكشاري وأم مسلمة 
أندلسية. أما اسم بربروس أو بارباروسا («ذو اللحية الحمراء» في اللغات الأوروبية) فقد أطلق 
أولاً على عروجء ويقال إنه تحريف للامم الذي أطلقه عليه الأندلسيون «بابا عروج» تقديراً 
لجهرده في إنقاذ الآلاف منهم, إذ يقال إن عروج استطاع بين عامي 1504 و1510 إنقاذ سبعين 
ألف أندلسي بنقلهم إلى مدينة الجزائر [المترجم]. 

(2) هي القرون الثلاثة التي كانت الجزائر فيها أيالة عثمانية» أي ولاية عثمانية تتمتع باستقلال 
أكبر من الولايات الأخرىء وكانت الجزائر فيها من أقوى الدول في حوض البحر الأبيض 
المتوسط [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 221 


الدين والدم 

شعرت مدن وقرى ساحلية كثيرة في إسبانيا وإيطاليا بتأثير قائد 
البحر أو ملك الشر كا أطلقوا عليه في إسبانيا. ففي صيف عام 1534» 
دمر أسطول بربروس الذي أعيد تجهيزه ساحل الأدرياتيكي الإيطالي 
وعنت المدن والقرى واعذ الاق التصارى عبيدا. وفي عام 1543؛ استقبل 
بربروس وأسطول يتكون من نحو ثلاثين ألف بحار بترحاب في ميناء 
طولون الفرنسي؛ الذي وقع فيه ملك فرنسا الفالوي”" تحالفاً مؤقتاً مع 
السلطان التركي. وقام أسطول فرنسبى-إسلامي مشترك بنهب دولة 
نيس 2/166 التابعة لآل هابسبورغ» وهو ما أثار اشمتئزاز معظم أوروبا 
النصرانية. 

دفع الصعود التركي في البحر الأبيض المتوسط دعوات من 
البروتستانت والكاثوليك إلى «السلام بين النصارى» والحرب على 
الكفار». وبعد الحصار التركي لفيينا في عام 1529» دعا مارتن لوثر إلى 
الحرب على الأتراك» ذلك العدو الذي اعتيره تجسيداً للشيطان» ودعا 
الباباوات المتعاقبون الإمبراطور الروماني المقدس لتوحيد العالم النصراني 
في حملة صليبية ضد تركيا. وحاول شارل- دون جدوى- في مناسبات 
مختلفة أن يجتذب أمراء نصارى آخرين لهذا المشروعء وأخذ ينظر على 
نحو متزايد إلى شمال إفريقيا باعتبارها فرصة لتوجيه ضربة قاسمة ضد 
السلطان, تحسّن مكانته وتزيل تهديد القراصنة لإسبانيا. 

في البداية» حاول شارل أن يجند بربروس في هذا المشروع» وعرض 
عليه السيطرة السياسية على شمال إفريقيا كلها إذا اعتنق النصرانية» لكن 
هذا العرض لقي رفضاً قاطعاًء حين قطع رأس المبعوث الذي حمله. وحين 
طرد بربروس الحاكم الإسباني الدمية لتونس مولاي حسن في عام 21534 
(1) ملك فرنسا في ذلك الوقت كان فرانسيس الأول (من 12 سبتمبر 1494 إلى 31 مارس 1547) من 

آل فالوا وزه[هلا الذي حكم فرنسا من عام 1515 حتى وفاته في عام 1547 [المترجم]. 


22 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


8- «ابيت مليء بالأفاعي والعقارب» 

قاد شارل أسطولاً مكوناً من خسة وعشرين ألف جندي لاسترداد المدينة 
في السنة التالية. وتلا اهجوم النصراني الناجح أعمال عربدة» هدمت 
فيها المكتبات العامة والمساجد إلى الأرض» وذبح عشرات الآلاف من 
المسلمين» الذين استسلموا في الشوارع أو أخذوا عبيدا. ولدى عودته إلى 
إيطالياء استقبل شارل في المدن المختلفة بمواكب النصر كقيصر روماني» 
ومنها الترحيب الأكثر اتقاناً في ميسينا 5108وء36) الذي صممه الرسام 
كاراباجو 5(ع08:3728© والذي تضمن عربة تحمل مذبحا مغطى بغنائم 
يحيطها ستة أسرى مسلمين مكبلين. 

ربا عزز الانتصار في تونس سمعة شارل كأمير صليبيء لكنه لم يفعل 
شيئا لكبح نشاطات القراصنة من شال إفريقياء الذين واصلوا نبب 
الساحل الإسباني وتهديد صلات إسبانيا التجارية الحيوية مع صقلية. وفي 
أكتوبر 1541» حمل شارل نفسه أكثر من طاقتها حين شرع في محاكاة نجاحه 
في تونس بهجوم على ممتلكات بربروس في الجزائر. نفذت هذه الحملة 
الضخمة بنصيحة من أدميراله الجنوي الشهير جيان أندريا دوريا م01 
8 401763 وانتهت بكارثة» حين غرقت أكثر من مئة وخمسين سفينة 
في العواصفء وهي تنتظر بعيداً عن الشاطئ. وغرق زهاء اثني عشر ألف 
جندي أو قتلهم السكان المحليون» ووصف المؤرخ التركي كيف كانت 
شواطئ شال إفريقيا «تتنائر عليها جثث الرجال والخيول». وتلا موت 
بربروس في عام 1546 صعود قرصان يوناني آخر يدعى الريس درغوث”" 
أو دارغوت كم كانوا يسمونه في أوروبا النصرانية» الذي عِيّن قوبدانا باشا 





() درغوث الريس أو الريس درغوث غداقءنا أو ؛ناوة:2 (من 1485 إلى 23 يونيه 1565) (لا 
يزال لقب «ريس» يستخدم إلى اليوم مع البحارة) قائد بحري عثماني وباي الجزائر وقائد 
البحر العثماني في البحر الأبيض المتوسط, وسع النفوذ العثماني في شمال إفريقياء وشيّد مدينة 
طرابلس وزينها. وكما في حالة الأخوين بربروس و«قراصنة شمال إفريقيا»» يعتبر في الغرب 
قرصاناً [المترجم]. 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 225 


الدين والدم 

في مكانه؛ وسرعان ما أثبت أنه عدو لا يقل هولاً لإسبانيا ا هابسبورغية. 

أثر هذا الصراع المتصاعد في البحر الأبيض المتوسط حتاً على 
المورسكيين» حيث تابع حكام إسبانيا عملية دمج عصبية وغير متماسكة 
أحياناء تناوبت فيها فترات طويلة من الإ*مال والعفو والرشاوى ومراسيم 
العفو ونوبات قمع غير متوقعة. فقد كان يشتبه في أن المورسكيين يقدمون 
معلومات استخبارية للقراصنة المغيرين على الساحل الإسبان» وكانت 
هناك أيضاً تقارير تقول إن التجاحات التركية جرات بعض المورسكيين 
على الاعتقاد بأن تحريرهم كان وشيكاً. وبحلول منتصف القرن بدأ 
الموظفون الإسبان في استنتاج أن غالبية مسلمي إسبانيا السابقين كانوا 
يعيشون داخل المجتمع النصراني» لكنهم لم يصبحوا بعد جزءا منه. 


224 1_طماع © :121 ]آنا 1 


9 
حياتان متوازيتان 


حتى في حال غياب الاضطهاد المنظم كان المورسكيون يشكلون دائا 
قلقاء ويثيرود هواجس وسط مجتمع نصراني كان مصما على استئصال 
كل «ذكريات الأندلسيين» من إسبانيا على المدى البعيد. وبالنسبة إلى غير 
الراغبين في الإذعان للترتيب الجديد, لم تعد المقاومة المسلحة عموماً أحد 
الخيارات» وكان البديل الآخر هو أن يغادروا البلاد. لكن الهجرة كانت 
محظورة بشدة» وكان المورسكيون الذين يضبطون وهم يحاولون ال هجرة 
يتعرضون لعقوبات قاسية» من مصادرة ممتلكاتهم إلى الشنق. ورغم هذه 
الأخطار. استطاع سيل متواصل من المورسكيين ال هرب إلى شمال إفريقيا 
بمساعدة من القراصنة أو من أقاربهم وأصدقائهم الذين هاجروا". في 
حين بقيت غالبية مسلمي إسبانيا السابقين في بيوتهم» وحاولوا أن يكيفوا 
أنفسهم مع هويتهم الجديدة كنصارى. وأعمل مورسكيون كثيرون الأمر 
القرآنٍ المعروف بالتقية» الذي يجيز للمسلمين الذين يواجهون اضطهادا 
بأن ينافقوا حين تكون المصالح الأوسع للدين في خطر. 

وني عام 1504؛ طبق هذ! المبدأ على مسلمي إسبانيا بوضوح مفتي وهران 
(17) رما كان كثير من هوئلاء ممن ساعدهم عروج بربروس في الهرب من إسبانيا إلى شمال إفريقياء 

ورتما لذلك أطلقوا عليه لقب «يابا عروج» [المترجم]. 


22 
1_طماع !© :161 ]أللا 1 


الدين والدم 


أحمد بن بوجمعة في فتوى أصدرها رداً على طلبات من المسلمين الإسبان. 
بالتوجيه الديني» حثت المورسكيين على «التمسك بدينهم كالماسك على 
الجمر»”". كان بوجمعة يدرك تماماً القمع الذي كان المورسكيون يتعرضون 


00 


206 


النامن عشر من نوفمبر 1504» وجاء فيها: «إخواننا القابضين على دينهم كالقابض على الجمر» 
من أجزل الله ُوابهم فيما لقوا في ذاته» وصبروا النفوس والأولاد في مرضاته؛ الغرباء القرباء 
إن شاء الله من مجاورة نبيه في الفردوس الأعلى من جناته» وارثو سبيل السلف الصالح في 
تحمل المشاق وإن بلغت النفوس إلى التراق ... من عبيد الله أصغر عبيده وأحوجهم إلى عفوه 
ومزيده أحمد ابن بوجمعة المغراوي ثم الوهراني: كان الله للجميع بلطفه وستره ... ومؤكداً 
عليكم في ملازمة دين الإسلام؛ آمرين به من بلغ من أولادكم. إن لم تخافوا دخول شر عليكم 
من إعلام عدوكم بطويتكم: فطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس» وإن ذاكر الله بين 
الغافلين كالحي بين الموتى فاعلموا أن الأصنام خشب منجور وحجر جلمود لا يضر ولا ينفع 
وان الملك ملك الله ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله. فاعبدوه واصطبروا لعبادته» 
فالصلاة ولو بالإيماء. والزكاة ولو كأنها هدية لفقيركم أو رياء؛ لأن الله لا ينظر إلى صوركم؛ 
ولكن إلى قلوبكم؛ والغسل من الجنابة ولو عوماً في البحور وإن منعتم فالصلاة قفاء بالليل 
لحق النهار وتسقط في الحكم طهارة الماء وعليكم بالتيمم ولو مسحاً بالأيدي للحيطان فإن لم 
يكن فالمشهور سقوط الصلاة وقضاؤها لعدم الماء والصعيد إلا أن يمكنكم الإشارة إليه بالأيدي 
والوجه إلى تراب طاهر أو حجر أو شجر مما يتيمّم به. فاقصدوا بالإيماء ... وإن أكرهوكم في 
وقت صلاة إلى السجود للأصنام أو حضور صلاتهم فأحرموا بالنية وانووا صلاتكم المشروعة 
وأشيروا لما يشيرون إليه من صنم ومقصودكم الله. وإن التوجه إلى القبلة يسقط في حقكم 
كصلاة الخوف عند الالتحام» وأن أجبروكم على شرب خمرء فاشربوه لا بنية استعماله. وإن 
كلفوا عليكم خنزيراً فكلوه ناكرين إياه بقلوبكم ومعتقدين تحريمه. وكذا إن أكرهوكم على 
محوّم. وإن زوجوكم بناتهم فجائز لكونهم أهل كتاب وإن أكرهوكم على إنكاح بناتكم 
منهم فاعتقدوا تحريعه لولا اللإكراه وأنكم ناكرون لذلك بقلوبكم ولو وجدتم قوة لغترتموه. 
وكذا إن أكرهوكم على ربا أو حرام فافعلوا منكرين بقلوبكم ثم ليس عليكم إل رؤوس 
أموالكم وتتصدقوا بالباقي؛ إن تبتم لله تعالى وإن أكرهوكم على كلمة الكفر فإن أمكنكم 
التوبة والإلغاز فافعلواء وإلا فكونوا مطمئنين القلوب بالإيمان إن نطقتم بها ناكرين لذلك وإن 
قالوا اشتموا محمداً فإنهم يقولون له تُمَدْ فاشتموا تمأ ناوين انه الشيطان أو تمد اليهود فكثير 
بهم اسمه ... وما يعسر عليكم فابعثوا فيه إلينا نرشدكم إن شاء الله على حسب ما تكتبون به. 
وإنا نسأل الله أن يديل الكرة للإسلام حتى تعبدوا الله ظاهراً بحول الله من غير محنة ولا وجلة 
ول مسدمة الاوك لكر موتح نشهد للك ميعيني اللد الك ميلقم اله ور شرع نا ادام 
جوابكم والسلام عليكم جميعاً. يصل إلى الغرباء إن شاء الله تعالى» [المترجم]. 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 


9- حياتان متوازيتان 


لهء ونصحهم بالثبات على دينهم بوضع حاجز صارم بين مظهرهم 
الخارجي وسلوكهم وأفكارهم ومشاعرهم الحقيقية. فإذا أجبروا على 
تلاوة الصلوات النصرانية أو تلقي الأسرار المقدسة, فلا بد أن يرفضوها 
داخلياء وينادوا باسم محمد في سرهم. وإذا اضطروا إلى أكل أطعمة محرمة 
مثل لحم الخنزير» فقد أفتاهم بوجمعة بأن «يأكلوهاء لكن انكروا ذلك في 
قلوبكم». وإذا لم يستطيعوا الوضوء, فيمكنهم أن يطهّروا أنفسهم قبل 
الصلاة «بمسح أيديهم في جدار» أو «العوم في البحر». وإذا لم يتمكنوا من 
أداء صلواتهم اليومية» فيمكنهم- كم في فتوى بوجمعة- أن يصلوا بالليل!'. 

بالنسبة إلى علماء الدين المسلمين داخل إسبانيا وخارجهاء كان 
الرياء هو الرد اليائس على حالة يائسة. وني العصور الوسطى كان قرب 
المسلمين من النصارى يُذكّر كثيراً كمصدر ممكن للتلوث اللاهوتي» 
وكانت هذه الأخطار يضخمها الانغمار اليومي للمورسكيين في الطقوس 
والصلوات والاعتقادات النصرانية. ومَنْ الذي يستطيع أن يحكم إِنْ كان 
المورسكيون الذين يتلفظون بالصلوات النصرانية أو يحنون رؤوسهم في 
القداس ينكرونها حقا «في قلوبهم»؟ وكيف يمكن تمييز المسلم الجيد من 
المسلم السيى» في وقت كان فيه المورسكيون جميعاً مجبرين على تبني مظهر 
النصارى الجيدين على السطح؟ 

شغل هذان السؤالان أيضا السلطات الدينية النصرانية في إسبانياء 
لكن لأسباب مختلفة تاماً. لم يكن المورسكيون الجماعة الدينية الوحيدة في 
أوروبا القرن السادس عشر التي أجبرها الاضطهاد الرسمي على النزول 
تحت الأرض. فا هوغونوت”" البروتستانت في فرنسا الكاثوليكية أجبروا 


ا ا 

(1) الهوغونوت أو البروتستانت الكالفينيون هم أعضاء كنيسة فرنسا الإصلاحية البروتستانتية 
خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر الذين تأثروا باراء المصلح جون كالفن» تعرضوا 
للاضطهاد في فرنساء وفر كثيرون منهم إلى الدول البروتستانتية [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 227 


الدين والدم 
أيضاً على تمارسة دينهم في السرء وكذلك الكاثوليك والبروتستانت 
الإنجليز في أوقات مختلفة”". وني القرنين السادس عشر والسابع عشرء 
أحرقت عشرات الآلاف من النساء في أوروبا البروتستانتية والكاثوليكية 
على أبن ساحرات» بسبب تجاوزاتهن الدينية المتخيلة. لكن قمع الإسلام 
الإسباني لم يكن موجها نحو المعتقد الديني فقطء وإنم)ا كان يقصد به 
استئصال أقلية عرقية لم تكن عاداتها وتقاليدها دينية في أصلها بالضرورة. 
فلم يكن المورسكيون في حاجة لأن يكونوا مسلمين صادقين كي يذوقوا 
الاضطهاد. فحتى المورسكيون الأقل تدينا كانوا مشتبهين في نظر المجتمع 
النصراني بسبب ملابسهم أو لغتهم أو طريقة أكلهم. وكلما اشتدت 
السلطات الدينية والعلانية الإسبانية لاستئصال هذه الاختلافات 
الثقافية بالإكراه والعقابء زاد تمسك المورسكيين بهاء باعتبار ذلك شكلاً 
من العناد والتحدي. وتمثلت نتيجة ذلك في صراع خفي يختلف عن كل 
ما شهدته أوروبا القرن السادس عشرء صراع كان يبدأ غالبا من لحظة 
دخول المورسكيين إلى العالم» ويستمر إلى ما بعد تركه. 
# 

نيخت فتوى وهران على نطاق واسع في تخطوطات سرية طوال القرن 
السادس عشرء لكن المورسكيين لم يكونوا بحاجة لمن يوعيهم بتوصياتها 
المحددة» كي يوارسوا اختلافاتهم ويحافظوا عليها. فبعد فترة طويلة من 
تعميدهم الأولي» ظل كثير من المورسكيين يعيشون في عالم إسلامي مواز 
تحت واجهة نصرانية. فكانوا يتمسكون قدر الإمكان بالتقويم الديني 
الإسلامي. وكانوا يصومون رمضان ويحتفلون بالأعياد الإسلامية. وفي 
اله عا المساجدء كانوا يصلون ويتعبدون في بيوتهم» فرادى وأحياناً 


(1) معنى ممارسة الكاثوليك لعباداتهم سراً في أزمان وجود البروتستانت في السلطة في إنجلتراء 
والعكس [المترجم]. 


226 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


9- حياتان متوازيتان 

فى حماعات. من ذلكء أن فقيهاً مورسكياً يدعى داميان دوبلت 3#نمة2 
اناو من بلدة بونول 01نا8 البلنسية اعتقلته محكمة التفتيش للمرة 
الثانية في عام 1587 لمارسة الشعائر الإسلامية. وفي محاكمته وصف شهود 
مختلفون كيف كان دوبلت يخطب في مجموعات تصل إلى خمسين رجلا 
وامرأة كانوا يجلسون على مقاعد حجرية في فناء بيته الذي كان يعظ فيه 
ويرافق ذلك بالعزف على العود. قال أحد الشهود إنه: 

كثيراً ما كنا نرى المورسكيين والمورسكيات يترددون 

في ليالي الجمعة إلى بيت دوبلت في أحلى ثيابهم وهم 

متنكرون. فارتبنا في أنه يبشر بدين محمد وقررنا ذات 

ليلة أن تأخذهم على حين غرة» ولما وجدنا الباب 

الرئيس مغلقاء دخلنا من باب زائف. فوجدنا دوبلت 

يجلس على كرسي ويحمل عوداً في يديه» وأحد قدميه غير 

منتعل» ويحمل مورسكي آخر كتاباً مفتوحاً أمامه يقرأ 

ويغنى ه2100 

حدئت تجمعات كثيرة مائلة في إسبانيا القرن السادس عشر. وفي بعض 

الحالات. كان المورسكيون يحضرون اجتماعات سرية مع أصدقائهم 
وجيرانهم يقرأون فيها القرآن» أو يسمعون خطبا من الفقهاء والوعاظ 
المسلمين المتجولين. وني حالات أخرى كانت العبادات الإسلامية 
تمارس في البيت تحت إشراف رب العائلة الذكر. وكانت النساء من أقوى 
حراس التقاليد الإسلامية» وكان رجال الدين والقساوسة يذكرونهن 
كثيراً بمقاومتهن «العنيدة» للكاثوليكية. وتحوي سجلات محكمة التفتيش 
أمثلة عديدة هذا العناد. منها إيزابيل دي مدريد 84204 06 اءطهول» التي 


مسجو ا م لل ل ليم 
() لا بد أن هذه الطقوس من النوع الذي يميز الطرق الدينية» أو أن المسيحيين خلطوها بطقوسهم 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 229 


الدين والدم 

اعتقلت لأنها ردت على سب النصارى لها ب«كلبة أندلسية» بالقول: «أنا 
أندلسية وأبي وأمي كانا أندلسيين وماتا أندلسيين» وأنا أيضاً أندلسية 
وسأموتك أندلسية)031©, وقالت المورسكية ماريا لا مونخا 18 1/3118 
3 ! لمحكمة التفتيش بقونكة” إن «العالم كله لن يوقفها عن القول إنها 
أندلسية» فذلك مصدر عظيم للفخر بالنسبة إليها»©. 

على أن التحدي من جانب المورسكيين لم يكن علنيا في غالبه. ففي 
الغالب الأعم كان المورسكيون يرددون كلام الكاثوليكية ظاهراء فيا 
يؤكدون هوياتهم الإسلامية سرا. وكانوا يتوسلون إلى ذلك بعدة طرق» 
منها إبطال الطقوس الدينية النصرانية. فبعد تعميد أطفاهم في الكنائس» 
كانت بعض العائلات المورسكية تعود بأطفاها إلى البيت» وتغسلهم من 
ميرون” التعميد بهاء ساخن أو فتات الخبز. وبعد ذلك يؤدون طقس 


(1) لاحظ أن الئاس في ذلك الزمان كانوا يخلطون أو يماهون بين القومية» أو العرق إن شئت» 
والانتماء الديني» كما ورد في حواشي سابقة للمترجم [المترجم]. 

(2) #عدءدت في اللغات الأوروبية [المترجم]. 

(3) من أمئلة البطولات النسائية الأندلسية المعروفة سليمة بنت جعفر حفيدة أبي جعفر الوراق 
الغرناطي التي أخذت عن جدها حب القراءة وورئت عنه مكتبة عظيمة وشهدت في طفولتها 
محرقة الكتب في ساحة باب الرملة» وكانت من نساء غرناطة العالمات في شتى العلوم» 
خاصة الطب» وججعلت من غرفتها معملا لإنتاج الدواء لتطبيب المرضىء وهو ما جر عليها 
تهمة السحر أمام محكمة التفتيش» كما اتهمتها المحكمة بأنها حملت من الشيطان, لآن 
زوجها سعد المالقي (كارلوس مانويل بعد تنصيره) كان غائباً في أثناء حملها في ابنتها عائشة 
(اسبيرنزا)» وبالفعل كان زوجها هارباً من السلطات لأنه كان من المجاهدين, لكنه كان يتردد 
إلى بيته خفية» ولم تشأ أن تفضح سرهء وقالت فحسب أنهما مختلفان» وأنه عاد لبيته قبل ثلاث 
سنوات ثم غادر ثانية. وزادتها المحكمة تهمة الطيران ليلاً في الهواء التي كانت ترمى بها 
الساحرات» وذلك لأنها أقرت بأن محمداً رسول الله أسري به ليلاً وعرج به إلى السماء. وبعد 
هذه المحاكمة «الهزلية) وما رافقها من تعذيب وتنكيل؛ حكم على عالمة غرناطة بالحرق على 
الخازوق» وأحرقت في المكان الذي أحرقت فيه كتب جدها وهي بعد طفلة» لكنها في الطريق 
إلى الخازوق» تقدمت بكبرياء وثبات حتى لا يتشفى فيها أعداؤها [المترجم]. 

(4) الميرون زيت مقدس يمح به الطفل أو الشخص عموماً عند تعميده» وهو أحد الأسرار المقدسة 
السبعة بالكنسية الكاثوليكية [المترجم]. 


230 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


9- حياتان متوازيتان 

التسمية التقليدي المعروف بالفداء ويطلقون على الطفل اسم إسلامياً 
يستخدمونه فيه| بينهم. ولم يقطع مورسكيون آخرون طقس ختان أطفالهم 
ودعوة أصدقائهم وأقاربهم لحضور الاحتفالات التقليدية التي تليه. 

وكانت الوسائل نفسها تطبق عادة على الزواج. ففي بعض ال حالات» 
كان المورسكيون يزدرون القران النصراني» ويتزوجون وفقاً لطقوسهم 
الخاصة. وكانت السلطات الدينية تجتهد عادة لقمع هذه المارسات وإجبار 
المورسكيين على الزواج على الطريقة النصرانية» لكن كثيرا من العائلات 
كانت تتبع حفلات القران الكنسية الإجبارية بأعراسهم الإسلامية» 
وعادة في اليوم نفسه. وكانت أشد المعارك تدور دائئما حول الموتى» 
فلقد أصرت الكنيسة على ضرورة أن يتلقى المورسكيون المحتضرون 
مسحاً كاملاً بالزيت» وأن يقدموا اعترافاتهم الأخيرة» وكانت العائلات 
المورسكية» التي يفوتها إعلام كاهنهم المحلي بأن أطفالهم أو أقاريهم 
يحتضرون أو مرضى جداً تغرّم وتعاقب. وأصر المورسكيون أيضاً على 
ضيان أن أحباءهم «ماتوا أندلسيين»» كي تدخل أرواحهم الجنة» وكانوا 
يدّعون دوماً أن أقاريهم ماتوا فجأة دون إعطائهم وقت لدعوة الكاهن. 

استمر هذا الكفاح حتى بعد الموت؛. فمهارسات الدفن الإسلامي مثل 
غسل الحثة بياء معطر أو لفها بملابس نظيفة» كانت محظورة بصرامة. 
وتأخر دفن المورسكيين أحياناً إلى أن يفتش الكهنة الحثة» للتأكد من أن 
أظافر يديها وقدميها لم تقصء وأنها ممدة على ظهرها ويداها مربعتان على 
صدرها وفق الطريقة النصرانية. وإذا لم يتمكن المورسكيون من دفن 
موتاهم في مقابر إسلامية» فإنهم يضعون الحئة أحيانا على فراش من 
الأحجار, كي لا تمس الجثة الأرض» ويباركها الفقيه إذا أمكن. وإذا كان 
حفار القبور المحلي من المورسكيين» فإن أقارب الميت كانوا يحاولون التأكد 
تن دقهق تزرة اشر قو راف يطلب اعرد لافار حفر القن أعمق من النقات 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 231 


الدين والدم 
وثمة حالات نبش فيها المورسكيون عن جثث دفنت في المقابر النصرانية 
لإعادة دفنها بالطريقة الإسلامية في تربة طاهرة. والعملية نفسها كانت 
تحدث بالترتيب العكسي» فهناك حالات حوكم فيها مورسكيون أمام 
محكمة التفتيش بعد أن أمر مسؤولون مرتابون بالنبش عن جثث أقاربهم؛ 
أحياناً بعد أعوام» ووجدوها ممدة على جانبها. 
جا د 

لم يكن من السهل الحفاظ على الرياء في مجتمع كان من الوارد فيه أن يجد 
المورسكيون أنفسهم مُبلغاً عنهم لمحكمة التفتيش على التثاؤبء أو عدم 
اتخاذ وضع الجسم الصحيح في الكنيسة» أو ارتداء ملابس نظيفة في أيام 
الجمع. وكانت الحيامات العامة ممنوعة عموماًء لكن حتى المورسكيون 
الذين يغتسلون في بيوتهم كان يمكن أن يجدوا أنفسهم متهمين بأداء 
طقس الوضوء الإسلامي. وفي مدينة قونكة؛ اعتقلت المورسكية ماريا 
دي مندوسه 8 مل 213:13 لأن شاهداً رآها تأخذ إبريق ماء من 
بستان وتبعها إلى بيتهاء وفيه رآهاء ىا أخبر محكمة التفتيش» وهي «عارية 
تماماً كيوم ولدتها أمهاء وكانك ناف عل الرشمن أفاى المي 
يونيو أو يوليو- وكانت تنحني وتغسل شعرها»!*ا. ٍ 

وبالنسبة إلى محكمة التفتيش» بدا هذا السلوك دليلاً على الغسل 
الديني الإسلامي للجسم كله؛ المعروف بالوضوء'". وفي مرسية في 
العقد السادس من القرن السادس عشر أحضر رجل مورسكى يدعى 
خوان دي سبوتشي ع(اعنام5 عل قئال أمام المحقق الفاسد كرستويال دي 
سالاسار 5313236 06 [8150653© بعد أن رآه شخص يغسل يديه ووجهه 
في ينبوع بعد تقطيع الخشب. اعترف المورسكي التعس بعد «التعذيب» 
() حول معني كلمة عقووع فى الإسائة ومطاها الأوسع من طقس الوضوع الفمازف عليية 

راجع حاشية سابقة للمترجم [المترجم]. 


232 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


9- حياتان متوازيتان 

بأنه يتبع المحمدية» واتهم عدداً من جيرانه» ثم سحب اعترافه بعد ذلك 
مباشرة. أمر سالاسار بتعذيبه مرة ثانية حتى تأذت يداه بشدة لدرجة أنه ل 
يعد يستطع أن يلبس ثيابه بنفسهء ومات في السجن بعدها بقليل. 

هل كان دي سبوتشي يغسل نفسه بعد العمل فقطء أم كان يغسل 
يديه ووجهه استعداداً للصلاة؟ إن سجلات محكمة التفتيش مليئة 

عو - 
المورسكيين -عادةً- إن رفضوا دعوة إلى الغداء في رمضانء أو لم تكن في 
5-0 و 

فلوريس 1510265 عل 1038 إلى محكمة التفتيش لأنه «لا يجلس عادة على 
كرمي أو يأكل على طاولة». وفي بعض مناطق إسبائيا كان المسؤولون 
النصارى يزورون بيوت المورسكيين دوريا في أوقات الوجبات للتأكد 
من أنهم لم يكونوا يأكلون وهم جلوس على الأرض. 

غير أن تلك اليقظة لم تكن هذه الشدة في كل الأماكن. ففي الضياع 
اللائة بلفسة واراغوة الريقكين كان الورسكيوق مغنوين غانا فى هذا 
التلصصء وبدوا آمنين في حماية مُقُطعيهم النصارى. لكن حيثا كانوا 
يعيشون بالقرب من النصارىء كان يمكن للملاحظة العابرة» أو الكلمة 
التي في غير محلها أن تجلب لصاحبها كارثة. ومن بين ضحايا العرض 
التكفيري في غرناطة عام 1571. راميرو البلسى 2معه2ا2 عل معنسةا؛ 
المورسكي البرغشى الذي شوهد يتثاءب ويتذمر قائلاً «ليغلق محمد 
عيني )!21 ومورسكية تدعى مايور غرسية 2نتنة6 143/06 سألت: «كيف 
يمكن لامرأة متزوجة أن تبقى عذراء بعد أن تلد؟» في أثناء مناقشة حول 
(1) إما أن التهمة لفقت للرجلء لأن المسلمين لا يدعون محمداً وكأنه الله أو أن المسيحيين سحبوا 

معتقداتهم على المسلمين؛ أو أن ذلك محرد نوع من «العدوى اللاهوتية»» التي كان رجال 

الدين المسيحيون يخشون منهاء لكن في الاتجاه العكسي [المترجم]. 





١_طماع‏ !© :161 ]آئلا 1 2133 


الدين والدم 

مريم العذراء. وجلبت لويسا ايرنانديث 1160308062 ه5ذندآ المورسكية 
من بلدة تيناخاس 5دزهه11 بقونكة أمام محكمة التفتيش» لأنها فقدت 
أعصابها وصاحت: «الأندلسي الواحد يساوي عشرة من النصارى» حين 
سمعت طفلاً مورسكياً يهان في الشارع. وأبلغ عن فرانئيسكو القرطبي 
6 عل معوزعمة] خخرانه النصارى لأنه رفض أكثر من مرة دعوة 
للغداء في رمضان. واعتقل البائع المورسكي خورخي دي بيرالتا 3016 
1 ل. لأنه #مس باسم ١‏ محمد» في نوبة غضب بعد أن رفض شخص 
أن يشتري بضاعته. 

وقبلت المورسكية إيزابيلا غاردا 03508 15366113 دعوة للغداء من 
جارتها النصرانية» وبعد الغداء أخبرتها جارتها بأن الطعام احتوى على 
لحم خنزير. وعلى الفور وضعت إيزابيلا أصابعها داخل فمها حتى 
الحنجرة وتقيأت» فأبلغت الجارة محكمة التفتيش عنها. إننا لا نستطيع أن 
نعرف ما إذا كان اشمئزازها رد فعل طبيعي غريزي لمحرم ديني/ ثقاني؛ 
أم دفعه القلق على خلاص روحها إذا أكلت طعاماً محرماً. وهناك بالتأكيد 
مورسكيون كثر وجدوا أنفسهم في مأزق مماثل لمأزق الحداد المسن» الذي 
اتهمته محكمة التفتيش في عام 1528 بالامتناع عن شرب النبيذ وأكل لحم 
الخنزير و«الوضوء في أوقات محددة»؛ وقد احتج بأنه كان في الخامسة 
والأربعين وقت تعميده. لذلك لم يتمكن من استساغة لحم الخنزير. 

# # 

وإذا كان بعض المورسكبين لم يستطيعوا أن يقطعوا عادات اتبعوها 
دهراً طويلاًء أو لم يرغبوا في ذلك؛ فإن هناك آخرين اختاروا عن قصد 
أن «يعيشوا كأندلسيين». فعل بعض المورسكيين ذلك لخوفهم من اللعنة 
الأبدية» مثل خوان كارائون 033265 1:38 المورسكى من قونكة؛ الذي 
اعترف بأدائه طقس الاغتسالء كي ينقد نفسه من انار جهنم». وخضع 


234 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


9- حيانان متوازيتان 
آخرون لتأثير فقهائهم أو أقارمهم أو ضغط جماعة الأقران» الذين أقنعوهم 
بالثبات على دينهم. وتمسك بعضهم باضيه الإسلامي كرد فعل معاند 
للاضطهاد. وأياً كانت الدوافع» فقد ظل مورسكيون كثيرون يعيشون 
هذا الوجود المؤلم والخطر طوال حياتهم» ونجحوا في نقل هذه ال هويات 

تتأكد الروعة في هذه الاستمرارية بالنظر إلى عزلة الكثير من الجماعات 
المورسكية عن العالم الإسلامي الأكبر. قَهُم دون مساجد أو مؤسسات 
دينية» وبعد حرق كتبهم وحظرهاء ودفع زعمائهم الدينيين إلى العمل تحت 
الأرض» وجد مورسكيون كثيرون أنفسهم أمام المعضلة. التي وصفتها 
المورسكية أنا دي باديا 2841118 عل 4ه حين قالت لمحكمة التفتيش (إنها 
لم تكن تؤدي الطقوس الأندلسية لأنها لا تعرفهاء لكن لديها الرغبة في 
أدائها لو عرفتها». وحاول بعض المورسكيين أن يلتقطوا هذه الطقوس 
والاعتقادات الممنوعة بالاستاع بعناية إلى القوائم المفصلة بالمارسات 
الإسلامية المحرمة» المتضمنة في مراسيم محكمة التفتيش. وقام آخرون 
بتعليم بعضهم ما عرفوه أو درسوه على الفقهاء والوعاظ المتجولين. 
وحافظ كثيرون منهم على الاتصال بواضيهم الإسلامي عبر الأدب السري 
المعروف ب«الألخامية»» المشتقة من كلمة «الجاعة» العربية؟. كانت هذه 
الكتابات تحوي نصوصاً مكتوبة يدوياً باللغة القشتالية أو القطلونية أو 
البرتغالية العامية» لكن باستخدام الحروف العربية لأسباب لم تتضح بعد. 


(1) الألخامية 00وندوز81 هي اللغة القشتالية مكتوبة بحروف عربية» وتشير إجمالاً إلى أي من 
اللغات الرومانسية مثل المستعربية أو البرتغالية أو الإسبانية أو اللاتينية مكتوبة بحروف عربية» 
والاسم مشتق- وفقا للمؤلف- من كلمة «الجماعة» العربية» ويعربها بعضهم إلى «العجمية» 
على أساس أن الكلمة الأجنبية تحريف لكلمة 0هلإزدةز2 [أعجمية] العربية» وليس كلمة 
«الجماعة» كما عند مولفنا. ونظراً للاختلاف حول الأصل العربي للكلمة» فقد آثر المترجم 
نقحرتهاء بمعنى كتابة الكلمة الأجنبية بحروف عربية» إلى الألخامية [المترجم]. 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 235 


الدين والدم 

ويدفع بعض الدارسين بأنهم استخدموا الحروف العربية لإخفاء محتواهاء 
ويجادل آخرون بأن استخدام الحروف العربية جاء من باب تأكيد المقاومة 
الثقافية» في حين تعتبر مدرسة فكرية ثالئة هذه الكتابات مثالا آخر على 
التهجيين الثقافي الذي كان خاصية أصيلة للأندلس. 

والقول إن استخدام الحروف العربية كان شكلاً من الإخفاء لا يبدو 
معقولاً لأن محكمة التفتيش كانت تعد كل المخطوطات الالخامية دليلاً 
على ممارسة «الديانة المحمدية» بغض النظر عن محتوى المخطوطات. ومَنْ 
تضبط في حوزته كان يتعرض للاعتقال والعقاب. ولا بد أن هذه المحاذير 
جعلتها في أعين بعض ممن كتبوها وقرأوها شكلاً من أشكال المقاومة. 
وفي القرن السادس عشرء صودر الآلاف من النصوص الألخامية 
وأحرقتء وبخاصة في أراغون. التي لم تكن اللغة العربية معروفة فيها. 
وكانت هذه المخطوطات تكتشف في تجاويف الجدران وتحت الأرضيات 
والسجاجيد» وفي حالة واحدة بين أسلحة مخبأة في كهف أراغوني. ومع 
ذلك؛ فلم يكن من الصعب دائ] العثور عليهاء إذا صدقنا ثيرفانتتس في 
رواية دون كيخوتة. ففي الجزء الأول من الرواية يقطع المؤلف ثيرفائتس 
معركة بطل روايته مع عملاق, ليخبر القارئ بأن بقية الرواية تأليف 
مشترك «لترجمة» عن مخطوطة عربية كتبها «المؤلف العربي واللامنشي)”" 
سيدي حامد الجيلي©. يذكر ثيرفانتس أنه اكتشف هذه المخطوطة 


(1) نسبة إلى منطقة لامنشا 3اء7630 1.3 في قشتالة [المترجم]. 

(2) أاءعمعمعء8 عنأودم دآ 006 ثمة اختلافات حول لقب «سيدي حامد»» فثمة من يقول إنه 
«الأيلي» (ابن الأيل)» ومن يقول إنه «الباذنحاني» نسبة إلى الباذنحان» الذي كان أكلة مفضلة 
في طليطلة وقت كتابة الرواية. وثمة اختلاف آخر أهمء إذ يذهب بعضهم- ومنهم الكاتب 
عبدالر حمن بدوي- إلى أن الجزء الثاني من الرواية لم يكتبه ثيرفانتس وإنما سيدي أحمد الجيلي» 
وهو ما يتأكد من عبارة «تأليف مشترك "لترجمة' عن مخطوطة عربية كتبها ....»)» فالعمل 
الأدبي إما أن يكون ترجمة أو تأليفاً! [المترجم]. 


236 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


و- حياتان متوازيتان 

مصادفة في سوق طليطلة» حين كان يثرثر مع صبي يبيع «كتباً جلدية». 
منها كتاب «تعرفت على حروفه العربية». يفرح ثيرفانتس بهذا الاكتشاف 
ويبحث عن «أندلسي ناطق بالإسبانية» ليترجم ما سيدرك معظم قرائه 
أنها مخطوطة ألخامية محرمة» كى يكمل سرد مغامرات دون كيخوتة!ةا. 

كان قمع محكمة التفتيش اللتخطوطات الألخامية فعالاً جدأء لدرجة 
أن وجودها طواه النسيان حتى جاء القرن التاسع عشرء حين اكتشف عدد 
من هذه المخطوطات بالصدفة في أثناء أعمال البناء. ففي حادثة وقعت في 
أراغون تفوح منها رائحة السخرية» أنقذ كاهن أحد هذه الكتب للأجيال 
التالية» حين أوقف مجموعة من الصبية المحليين عن تمزيق صفحاتها وإلقائها 
في محرقة. وحين ترجمت المخطوطات الألخامية أول مرة على يد المستعرب 
الإسباني باسكوال غايانغوس 02320805 2350031 ودارسين آخرين ف 
القرن التاسع عشرء أبدى بعض المفكرين الإسبان أملاً في أن تشكل هذه 
المخطوطات إنديزاً أدبياً مفقوداً”" مليئاً بالروائع الأدبية غير المكتشفة. لكن 
هذه التوقعات لم تتحقق حتى الآنأ6]. ومع أن بعض الشعراء المورسكيين 
كتبوا بالألخامية» فإن الشاغل الأساسى في هذه الكتابات كان البقاء الثقافي 
والديني» وليس التعبير الجمالي. وأغلب النصوص التي كشفت إلى الآن 
تتكون من مختارات أدبية مجهولة وتجميعات من مصادر أخرى كان الهدف 
الأساسي منها هو الحفاظ على العالم الديني والثقاني» الذي كان معرضاً 
لخطر الانقراض. وتتراوح محتوياتها من مقتطفات من القرآن؛ وتفسيرات 





(1) الإنديز ووز0م1 أو الإنديز الغربية الإسبانية» بمعنى جزر الهند الغربية إذ اعتقد الإسبان لدى 
اكتشافها أنهم وصلوا إلى الهندء هو الاسم الذي أطلقه الإسبان على مستعمراتهم في منطقة 
الكاريبي التي تكونت من كوبا وهايتي وجمهورية الدومينيكان وبروتوريكو وجامايكاء التي 
كانت أول ما اكتشفه كريستوفر كولومبوس في الأمريكتين؛ وأولى المستعمرات الأوروبية 
هناك. والإشارة هنا تتضمن أن تكون المخطوطات الألخامية اكتشافاً في تحال الأدب في حجم 
اكتشاف الانديز في تحال السياسة والجغرافيا السياسية [المترجم]. 


١_طماع‏ !© :161 ]آنلا 1 237 


الدين والدم 

قرآنية. وكتابات في التشريع الإسلامي؛ وروايات فلكلورية لحياة النبي 
محمدء إلى تجميعات من العلاجات الطبية والرقى والتعاويذ السحرية مثل 
كتاب «الأقوال العجيبة» أو تقوييات متنوعة مثل «كتاب الكهانة»!7. 

وتضم بعض النصوص يفا وصفاً لرحللات وسفرات وكتب 
جدل معادية للنصرانية وأساطير وملاحم من التاريخ الإسلامي 
المبكر. ويعرض كثير منها أبطالاً مسلمين أسطوريين وُهبوا قوى فائقة 
ينتتصرون على أعداء بشريين وشيطانيين» مثل علي ابن عم النبي وزوج 
ابنته والقائد المسلم بالقرن السابع؛ خالد ابن الوليد. ومن أكثر النصوص 
الألخامية شعبية حكاية «ك ركايونة العذراء مقطوعة اليدين»» التي هدتها 
إلى الإسلام حمامة ذهبية» وقطع أبوها الوثني يديها لإسلامها. طردت 
كر كايونة 03:3(0088 من بيتها بسبب معتقداتها» وعاشت في كهف في 
رعاية الحيوانات البرية إلى أن وقع ملك أنطاكية في حبها وتزوجها. وحين 
دفعتها زمرة غيورة في بلاط الملك إلى البرية مرة أخرىء أنقذتها صديقاتها 
الحيوانات وأعيدت يداها في معجزة» مكافأة لها على إيمانها وورعها قبل 
أن ينقذها زوجها أخيراً ويعيدها إلى العرش!8]. 

كانت هذه الحكايات الدينية» با تحويه من ثبات ونهايات سعيدة» 
حين تُقرأ جهرياً في التجمعات العائلية والاجتماعات السرية تجلب بلا 
شك العزاء والأمل لجمهورهاء لكنها كانت أيضاً وسيلة للتمسك بهاض 
إسلامي تلاشى كليا من سطح ال حياة الإسبانية. وهذا الإحساس بالعيش 
في عالم متلاش اتخذ تعبيراً محزنا عند المؤلف المجهول المعروف بالشاب 
الأريفالي» الذي قابلناه في غرناطة» والذي لا يُعرّف عنه غير أنه من بلدة 
أريفالو القشتالية» وأمه كانت على ما يبدو من تحولن إلى النصرانية بصدق. 
عاش الشاب وكتب في النصف الأول من القرن السادس عشرء وجاب 
إسبانيا في بحث روحي وحج إلى التراث الإسلامي المفقود للأندلس. 


236 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


9- حياتان متوازيتان 
تحوي رواية الشاب لهذه الرحلات بعض اللمحات الكاشفة عن 

الحياة السرية للمورسكيين» بتجمعاتها الدينية السرية ومناقشاتها الدينية 
المكروبة» حول ما إذا كانت عباداتهم المرتجلة تكفي لجلب الخلاص. 
إنه عالم الحكيمات البطوليات مثل مورة الأبذية التي لا تقهر, والتي 
التقى بها الشاب في رحلته إلى غرناطة في الأعوام الأولى من القرن. ومورة 
الفقيرة التي قارب عمرها المئة عام الفاقدة البصر تقريباء وغير القادرة 
على السجود للصلاة» تمثل السلطة الدينية في جماعتهاء وتثير قوتها إعجاب 
ضيفها الشاب وتهبه إلهاماً: 

كانت مورة تحكم غرناطة وكل البلاد المحيطة بها. علماً 

بأنها لم تتزوجء وقيل إنها لم تعرف أي رجل قط. وتاك 

عامة الناس بالمنطقة يقولون إن مورة تمتلك رصيدا في 

أمور ديئنا وستتنا النبوية أكثر من أي شخص آخر... 

وكانت معروفة لكل الأممء لأنها أرتني رسائل من 

المدارس الفقهية الأربع جميعهاء وأخرى من مفتين 

وعلماء كبار. لم تسمح لنفسها قط بالركون إلى الراحة. 

لأنبا قالت إن أسمى أشكال الجهاد هو أن نحفظ ديننا 

في أراض لا يحكمها مسلمونا". 

وفي سرقسطة يصف الشاب اجتاعا سريا «للمسلمين المكرمين». 

الذين أعطوه زكاة لمساعدته في الحج إلى مكة. وبعد صلاة المغرب» علق 
بعض هؤلاء العلماء قائلين: «كم أصبح ديننا مهملا»» وطلبوا منه كتابة 
تفسير للقرآن. وقبل الشاب التكليف. واختتم وصفه للاجتماع بالدعاء 
التالي: 

لا يفقدن أحدكم إيمانه» لآن الله خلقنا من عدم» ونحن 
(1) 10608 06 104 نسبة إلى مدينة أبذة لواقعة في مقاطعة جيان بأنلدلوسيا [امترجم]. 


١_طماع‏ !© :161 ]آنلا 1 239 


الدين والدم 

عباده. دعونا نرجو رحمته الإلحية التي تعلو كل شيء؛ 

لأننا لو كنا نعاني الآن يسبب ذنوبناء فسوف يأقي عن 

يغهر نا فئه خيه للقدس وييقطا خضيلذ كه يدكن دولة 

الكفار وإعادة عرش الإسلام من أجل المسلمين في هذه 

الأرض. لذلك دعونا لا نتوقف عن الدعاء له» لأنه 

وعدنا بأكثر ما أعطانا حتى الآن. إنه القوي القدير!2!). 
هذا التداء الباطنى «الخدمة الله وخدمة المسلمين جميعاً» كان دعوة 
خطرة» لأن ملعيف الورغين الملتزمين كانت تنتظرهم دوماً معاملة من 
محكمة التفتيش أشد من معاملتها لمن يعتقلون على المخالفات العادية. 
ومع أن التاريخ لا يسجل مصير الشاب. فإن شوقه الحار إلى خمضة 
الإسلام كان يشاركه فيه بلا شك كثير من المورسكيين. واعتبر بعضهم 
الظلم الذي يتعرضون إليه في إسبانيا اختباراً لإيهاهم» وفسر آخرون- 
ماما كما فعل النصارى من قبلهم- انتصار أعدائهم عليهم أنه عقاب 
من الله على فسقهم وقلة إيمانهم. واستمد بعضهم العزاء من النصوص 
الألخامية النبوئية المعروفة بالجفور”"”» التي تنبأت بأن مسلمي إسبانيا 
يجب أن يتحملوا المعاناة قبل أن يتحرروا في النهاية. وتوقعت بعض هذه 
النبوءات أن تغزو الجيوش التركية أو جيوش شمال إفريقيا إسبانيا في 
أعوام السعد في التقويم التنجيمي. ورأى بعض المورسكيين تأكيداً لهذه 
النبوءات في النجاحات البحرية للجيش التركي في النصف الأول من 
القرن. وردد آخرون النبوءات الألفية© الموجودة في النصوص النبوئية 
النصرانية في تلك الفترة» وتنبؤوا بأن فتحاً إسلامياً جديداً لإسبانيا سيليه 


(1) 5ع:وؤوز من كلمة «الحفر» العربية» التي تعني «التكهن» أو «الكهانة»), ومنها علم الحفر 
[المترجم]. 
(2) راجع حاشية سابقة للمترجم حول عقيدة العصر الألفي السعيد لدئ المسيحيين [المترجم ]. 


210 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


9- حياتان متوازيتان 
الاتتصار العالمي للإسلام. 
+ د “د 

لا سبيل أمام المؤرخ لمعرفة عدد المورسكيين الذين عاشوا هاتين 
«الحياتين المتوازيتين» بعد تنصيرهم» لكن مسلمي إسبانيا السابقين لم 
يكونوا جميعاً يهارسون التقية أو يحلمون بتحررهم الوشيك. فمنهم من 
اعتنق النصرانية صادقاً مثل خوان أندريس 400565 30لا الفقيه البلنبى 
السابق» الذي اعتنق النصرانية في عام 1487 وأصبح قسيساًء واليسوعي 
الغرناطي خوان ألبوتودو. وكان هناك أعضاء سابقين في الأرستقراطية 
النصرية في غرناطة» مثل عائلتي بنيغش والثغريء بلغوا مكانة عالية في 
الإدارة النصرانية بعد الغزو. وعمل بعض هؤلاء النبلاء وسطاء بين 
غرناطة النصرانية والمورسكية» مثل فرانئيسكو نونيث مولاي 0ع5ءمه,5 
ا ١‏ الغلام السابق لرئيس الأساقفة طلبيرة» الذي أخلص 
في خدمة الإدارة النصرانية حتى نال اللقب التشريفي «مولاي» (وهو 
لقب محترم يعطى عموماً لأعضاء طبقة الوجهاء مشتق من كلمة «مولى) 
العربية) في إشارة إلى استمرار منزلته العالية في الجماعة المورسكية. 

وهناك أيضاً مورسكيون غرناطيون ارتقوا من بدايات متواضعة نسبياً 
إلى مواقع رفيعة في المجتمع النصراني» مثل ميغيل دي لونا عل اعنا3118 
3 وألونسو ديل كاستيو 358119© ال 410250 اللذين تخرجا من جامعة 
الطب. التي أنشئت حديثاً في غرناطة. وأصبح ابن المورسكي المنُضَر ديل 
كاستيو مترجماً للغة العربية عمل في البداية مع مجلس مدينة غرناطة وبعد 
ذلك مع محكمة التفتيش. وأصبح المترجم الرسمي لفيليب الثاني» وكُلّف 
مع ميغيل دي لونا بمهمة فهرسة مجموعة المخطوطات العربية في قصر 
الإسكوريال. وني أماكن أخرى من إسبانياء كان هناك مورسكيون مثل 
عائلة زوزالا 2219ده2 من بينا دي إبرو 80 ع0 2103 بأراغون. خدم 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 241 


الدين والدم 

أفرادها في الإدارة النصرانية المحلية على مدى أجيال متعاقبة» وكوّنت 
تمتلكات كبيرة من الأراضي والماشية. وكانت عائلة زوزالا من الثراء 
ما مكنها حين حُكم على فرد منها بالإعدام على القتل والسرقة في عام 
2 من أن تعرض إطعام المدينة كاملة «بكل ما يمكن أن تأكله لمدة 
عام) في مقابل تخليصه من الإقطاعي المحلي» وهو العرض الذي قوبل 
بالرفض!!'. 

وفي مدينة آبلة بقشتالة كان هناك مورسكيون أثرياء تمتعوا بحقوق 
التصويت في المجلس البلدي» وخدموا في المليشيا المحلية. وفي أسفل 
السلم الاجتاعي في وادي جلوقة 116 11102 بأراغون الدنياء كان 
الفلاحون المورسكيون يأتون بأطفاهم بانتظام كي يعمّدوا في الكنيسة. 
ويطلبون من الكهنة أن يبالغوا في دهن أقاربهم المحتضرين بالزيت 
المقدس. وني غرناطة في عام 01550 خرج النصارى والمورسكيون 
معا يبكون فقد قديس محل يدعى جون الإلهي 000 07 102؛ مؤسس 
مستشفى عامة للفقراء كان مرضاها وموظفوها المتطوعون من النصارى 
القدامى والمورسكيين» ووصف مراقب محل كيف «خرج الجميع» حتى 
المورسكيون» يبكون ويتحدثون عن إحسانه العظيم»!2!!. وفي مالقة, 
رقص المورسكيون الزمرة بموافقة من الإدارات المحلية احتفالا بنهب 
شارك أت نس: 

وفي مايو 1539» ماتت زوجة شارل المحبوبة إيزابيلا بالحمى في أثناء 
الولادة» وأخذت جنتها المتعفنة إلى غرناطة كي تدفن في المصلى الملكي. 
وهي الملكة نفسها التي أصدرت قبل عقد تقريباً سلسلة من المراسيم 
القمعية بحق المورسكيين. لكن حين وصل موكبها إلى المدينة» انضم 
آلاف المورسكيين إلى الحشود الحزينة» منهم ثلاثة آلاف امرأة مورسكية 
أخذن يلوحن بملحفاتهن البيضاء فوق رؤوسهن بجانب الأعلام المثلثة 


242 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


9- حياتان متوازيتان 

الملونة للطوائف الحرفية النصرانية» وطفقن «يصرخن ويمزقن شعورهن 
وعباءابن»» كا ذكر مراقب نصراني متعجباً. على أننا لا نستطيع أن نعرف 
كم من هؤلاء المورسكيات كن يمارسن الإسلام سراء لكن من الواضح أن 
هويتهن الثقافية الإسلامية لم تتعارض مع ولائهن السياسي لملكة نصرانية. 

ثمة مؤشرات أخرى من مناطق إسبانية أخرى على أن المورسكيين 
مكنوا من تحقيق صعود تمائل. ولعل من المغري أن نتساءل ما الذي كان 
يكن أن عدت لو أن السلطات سمحت للمورسكين الأككر سخطا 
بمغادرة البلاد في البداية» ىا فعلت مع اليهودء واتبعت برنايجا لينآ 
للتبشير. هل كان الباقون سيشكلون أقلية عرقية وثقافية دائمة في دولة 
نصرانية؟ أم كان ولاؤهم الديني وثقافتهم وتقاليدهم ستتلاشى في 
النهاية» وهو ما كان قد بدأ فعلا في بعض مناطق البلاد؟ 

إنها أسئلة تأملية في الأساسء لكنها تستحق أن تطرح. كي نذكر 
أنفسنا وحسب أن هناك طرق عمل أخرى متاحة لحكام إسبانيا غير 
تلك التي اتبعوها فعلاً. كان هناك بالطبع بديل آخر قد يبدو واضحاً 
للعالم الحديث» الذي اعتاد على مفهوم الدولة العلمانية والمحايدة دينيأء 
القائمة على حرية الضميرء باعتبارها حقا لكل مواطنيها. مع العلم 
بأن التسامح الديني لم يكن مفهوماً غائبا في القرن السادس عشر. ففي 
الإمبراطورية العثمانية» نظمت الجماعات الدينية غير المسلمة في وحدات 
إدارية عرفت بالملل سمح لأعضائها بالاستقلال الديني ودرجة معينة 
من السلطة السياسية والمدنية والتربوية على جماعاتهم في ترتيب يوازي 
نموذج أهل الذمة القرآني. فقد أدمج اليهود والجماعات الأرثوذكسية 
اليونانية والأرمينية-المتورجية في نظام الملل ضمن إطار الإمبراطورية 
العثانية الشاسعة المتعددة الديانات والثقافات. ففي مدينة سالونيك 
اليونانية» كان للجماعات اليهودية والأرثوذكسية اليونانية والإسلامية 


١_طماع‏ !© :161 ]آنل 1 223 


الدين والدم 

تمثلون منفصلون للتوسط مع الحكومة المركزية في القسطنطينية. وفي 

جنب ف جيوش السلطان. وف عام 098) وجد مبعوث خاص من 

التميدا الما يسبووغية عر لخر اد الواقعة تحت السيطرة الكرانة فدضا من 
السكان المسلمين واليهود والغجر والنصارى الأرثوذكس وحتى الرهبان 

الفرانسيسكان يقيمون القداس في كنيسة محلية. 
وفي لهند منح الإمبراطور المغولي أكبر حكا ذاتيا تماثئلا للهندوس 

والنصارى البرتغاليين. وبلغ التزام أكبر بالتعددية الدينية أنه سمح 

للمبشرين اليسوعيين بالعمل في ا هند» وسمح لهم حتى بتعليم أحد أبنائه. 

كان ذلك كله مختلفاً تماماً عن أوروبا التي رفض حكامها السماح بحرية 

الضميرء حتى للنصارى ذوي الرؤى الدينية المخالفة. ومع ذلك. فحتى 
في وسط الصراع العنيف بين أوروبا البروتستانتية والكاثوليكية مرت 
فترات من التعايش المؤقت. ففي عام 1562 أصدرت كاثرين دي ميديثشي 
مرسوم التسامح» الذي أوقف لفترة اضطهاد ال موغونوت في فرنساء قبل 
أن تطلق مذبحة عيد القديس برثولماوس”2 العنان لأولى الحروب الدينية 
الفرنسية. وفي عام 8 انتهت هذه الحروب بإعلان هنري الرابع 

مرسوم نانت©» الذي منح حقوقا مدنية محدودة للهوغونوت. 
وصدرت تشريعات ممائلة في أوقات مختلفة من القرن السادس 

(1) مجموعة من الاغتيالات الموجهة تلتها موجة من أعمال العنف من الكاثوليك الرومان ضد 
الهوغونوت ثم الحروب الدينية الفرنسية» بدأت في الثالث والعشرين من شهر أغسطس 1572 
في عشية عيد القديس برئولماوسء يعتقد أنها حدئت بتحريض من كاثرين دي ميديشي نفسها 
[المترجم]. 

(2) مرسوم نانت 2128165 06 80166 مرسوم أصدره ملك فرنسا هتري الرابع في الثالث عشر من 
أبريل 1598» نسب إلى مدينة نانت الواقعة في بريتاني بغرب فرنسا التي أعلن فيهاء أعطى فيه 
الملك الفرنسي للبروتستانت الكالفيتيين المعروفين بالهوغونوت حقوقهم الأساسية في فرنساء 
التي كانت لاتزال كاثوليكية وقتذاك [المترجم]. 


214 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


9- حياتان متوازيتان 

عشر من جانب الحكام الكاثوليك والبروتستانت في ألمانيا وبولندا 
وترانسلفانيا. وفي عام 1571» منح ملوك هابسبورغ النمساويون أنفسهم 
ترتيباً خاصا للنبلاء في النمسا الدنيا كي يتعبدوا كبروتستانت. 

وكان هناك أيضاً الواعظ وعالم الدين الفرنسي الفذ سباستيان كاستليو 
(1563- 1515) منلاعاكةن) هدننكدء5, الذي احتج على إعدام عالم الدين 
والفيلسوف والطبيب الإسبانيٍ ميغيل سيربيتوس 5ناءع5627 أعداع 111 في 
جنيف الكالفينية بتهم الحرطقة والكفرء لإنكاره مفهوم الثالوث المقدس. 
وجرى إعدام سيربيتوس في الأساس بجهود من جون كالفين نفسه. 
الذي شجبه كاستليو بطريقة انفعالية في كتيبه «هل يجب إعدام الزنادقة» 
(1554): الذي أدان كل أحكام الإعدام من هذا النوع» ودفع بأن «حرق 
إنسان لا يصون مذهباًء لكنه يقتل إنساناً»!3!. 

وسيستغرق الأمر قروناً طويلة من الصراع الديني الدامي والتطور 
السياسي والاجتماعي قبل أن تقبل هذه الفكرة كمبدأ دائم في أوروبا. 
وبالنسبة إلى معظم الدول الأوروبية في القرن السادس عشرء كان 
التمائل الديني «أداة للحكم' تلمع1 112لاأائع 12 لاتأكداً تضفي شرعية على 
سلطة الحكام على رعاياهم وتُظهر قوتهم خارج حدودهم. وقد ترسخ 
هذا المبدأ بقوة لدى سلالة هابسبورغ بتطلعاتها إلى المملكة الكاثوليكية 
العالمية» وكان أيضاً مكوناً أصيلاً في العقيدة الإمبراطورية الإسبانية التي 
كانت تقدم فتوحاتها الخارجية دائئاً باعتبارها ضرورة دينية نيابة عن 
الدين الكاثوليكي. وهذا التقارب بين الدين والدولة أسامي لفهم رفض 
إسبانيا لتقاليدها الأكثر تسامحاً وتحوها إلى مجتمع وصفه رودريغو مانريك 
162 10071090 ابن رئيس محكمة التفتيش في رسالة إلى صديق منفي 
في عام 1533 وصف بلاده فيها بأنها «أرض الحسد والغرور و... البربرية 
٠٠‏ لا يمكن لأحد فيها أن يمتلك معرفة سطحية بالأدب إلا ويجد نفسه 


11_طماع !© :1]61]أللا 1 245 


الدين والدم 

متها بالحرطقة والإثم والتَهَوّدا. 

إن الحكام الإسبان- على نحو ما كانت عليه حال نظرائهم في أوروبا 
كلها- يعتبرون الانشقاق الديني تهديدا ممكنا لسلطتهم السياسية. 
وبالنسبة إلى المجتمع الذي رأى في انتصارات إسبانيا الأخيرة على الساحة 
الدولية إشارة إلى التأييد الإلمي, كان النقاء الديني أساسيا لضمان استمرار 
قوة إسبانيا وهيبتها في العالم الخارجي. ومن أجل إنجاز هذا ا هدف. كان 
حكام إسبانيا مستعدين لنقض نموذج التعايش الذي ساد قروناء وكان 
لايزال باقيا في الذاكرة الحية لرعاياهم. فعلى مدار القرن السادس عشرء 
قافك شكنة النقض الورسكيق والبزوسيتانت مزارا وتكرارا عل 
إبداء الاعتقاد المخزي بأن «كل شخص يمكن أن يجد خلاصه وفقاً 
لشريعته». فبالنسبة إلى الكنيسة والتاج» كانت أمثال هذه الآراء هرطقية 
وخطرة. ومع استبعاد خيار الحرية» وجدت السلطات نفسها في مواجهة 
المهمة الرهيبة المتمثلة ليس فقط في فرض التماثل الديني الخارجي على 
السكان المورسكيين الذين دخل غالبيتهم كرهاً في النصرانية» وإنما ضمان 
أن يصبح المورسكيون نصارى ملتزمين بالكامل «من داخل قلومهم» 
أيضا. 

وبحلول منتصف القرن الخامس عشرء بدأ كثير من المسؤولين الإسبان 
يرتابون في إمكانية بلوغ هذا الهدف. وإلى حد ما كانت الهدنة الفعلية بين 
المورسكيين والسلطات الإسبانية التي تلت عمليات التنصير في بلنسية 
ممكنة بسبب غياب شارل المتكرر عن إسبانيا. مع أن انشغال الإمبراطور 
بأمور أكثر إلحاحاً من الحالة المورسكية لم يكن يعني أنهم قد طواهم 
النسيان تماما. وفي عام 1555» اتخذ شارل الخطوة غير العادية بالتنازل عن 
عرشه وتسليم التاج لابنه فيليب. وفي وصيته السياسية للملك الجديد» 
أمر شارل فيليب بأن يشن حربا شديدة على الهرطقة» ويدعم محكمة 


246 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


9- حياتان متوازيتان 
التفتيش» وأن «يرمي الأندلسيين خارج ممالكه». واعتزل شارل الذي 
أوهنت جسده أمراض السكر والنقرس والأرق وأعوام الحرب. الشؤون 
الدنيوية ليقضى آخر أيامه في معتزله الرهباني في يوست غنودالا. ومات 
عام 1558؛ وبموته فقط تحرر من إخفاقه في توحيد العالم النصراني. وعلى 
مدى معظم عهده.؛ كانت المواجهة بين المورسكيين والسلطات الإسبانية 
متقطعة ومحدودة نسبيا. لكن كل ذلك تغير سريعاء حين عاد فيليب الثاني 
إلى إسبانيا من منطقة الفلاندر'" ليقيم بشكل دائم في ممالكه الإسبانية 


ا هابسبورغية. 





(1) منطقة تاريخية تأسست على أجزاء من بلجيكا وفرنسا وهولندا الحالية» تأسست في عام 862 
ككرضة في غرب فرنساء وتتابع عليها الغالبون الأجانب» حتى انتقلت تبعيتها في عام 1384 
إلى دوقية بيرغندي» ثم في عام 1477 إلى آل هابسبورغ؛ وفي عام 1556 إلى ملوك إسبانياء 
قام أهلها بثورات كثيرة ضد الحكم الإسباني» قمعها الإسبان بوحشية» وكان من أشهر 
قاهريهم الدوق ألبة «مطرقة ثوار الفلاندر»» وهو اسم يذكرنا بالقديس جيمس «قاطع رقاب 
الأندلسيين» [المترجم]. 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 217 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 


10 
سنوات خطرة 


)1568-1556( 


دخلت إسبانيا بتتويج فيليب الثاني (1598-1527) فترة عاصفة من 
تاريخها كانت ها نتائج درامية على المورسكيين. فعلى خلاف أبيه؛ ولد 
فيليب ونشأ في إسبانياء وسبق أن حكم البلاد كوصي في مناسبتين» وكانت 
عودته النهائية في سبتمبر 1559 تأكيدا جديدا من جانب سلالة هابسبورغ 
على ممتلكاتهم الإسبانية. تزامن ذلك مع فترة أزمة سياسية ودينية شديدة 
في أوروباء بدا فيها أن الانشقاق الدينى بين البروتستانتية والكاثوليكية 
دائم» وكانت الانقسامات الدينية تتسع بين الدول وداخلها. وجدت 
الحكومة الإسبانية نفسها في مواجهة صراع ديني مرتقب. وكانت تخشى 
في الوقت عينه من التأثير التحريضي للوثرية داخل إسبانيا نفسهاء ولذلك 
اتخذت عدداً من الإجراءات القمعية لغلق البلاد في وجه التأثيرات الدينية 
الآجنبية» كان من بينها الرقابة على الكتب الأجنبية والقيود على الطللاب 
الوسبان الذين يدرسون بالخارج. 

شهدت الفترة نفسها اشتداد إرهاب محكمة التفتيش. فلم يكد فيليب 
يرجع إلى إسبانياء حتى شاهد إحراق تسعة وعشرين لوثرياً في عرض 
تكفيري ضخم في بلد الوليد بعد اكتشاف خلايا بروتستانتية مزعومة في 


249 
1_طماع !© :161 ]أللا 1 


الدين والدم 

تلك المدينة» وأيضاً في إشبيلية. وكان معروفاً عن «أقوى ملك في العالم 
النصراني» الحاسة الشديدة في أمثال هذه العروض. ففيليب الأب الدافئ 
والحنون» المحب للموسيقىء وذواقة الرسم الفلمنكي, كان أيضاً خص] 
عديم ال رحمة للهرطقة» حتى إنه قال للبابا بيوس الرابع في عام 1564 (إنني 
أفضل أن أفقد كل ممالكي وأن أفقد حياتي مئة مرة لو استطعت على أن 
بلق أى أاى دين الله الحقيقىء فآنا لن أكون يرمساك) لرنادقةة, 

أدى تصميم فيليب على تبني الأصولية الدينية الكاثوليكية إلى جر 
إسبانيا إلى سلسلة من الحروب المنهكة ضد مجموعة من الأعداء. من 
إتحلتزا البروشعانية: والقواو الكالفين: المواندين: إلى الموغوتويت 
الفرنسيين. لكن في مقابل أبيهء الذي أنبك نفسه في ساحات المعارك 
الأوروبية» كان فيليب محارباً بيروقراطياً خاض حروبه من وراء طاولة» 
لكنه لم يكن أقل من أبيه شراسة في دفاعه عن الكاثوليكية. على أن 
الدين لم يكن السبب الوحيد للحرب المتواصلة التي ميزت عهد «الملك 
الحصيف»., وكذلك لم تكن إسبانيا مسؤولة وحدها عن هذه النزاعات» 
لكن دور إسبانيا التي نصبّت نفسها فيه باعتبارها سيف معاداة الإصلاح» 
وفر تبريراً الحملاتها العسكرية ف أوروبا وخارجها. 

ألهبت هذه الحروب أيضا مزاج النزعة القومية الدينية النصرانية 
ورُهاب الأجانب داخل حدود إسبانياء إذ حاول حكامها تقديم إسبانيا 
باعتبارها المعقل الوحيد للعقيدة الصافية. ومهذا المعنى كتب فراي أنطونيو 
بلتاسار ألبار يث 2عنةلالى عدكة1لة8 مندمادة تدرط عام 1590 أنه «في عالم 
اليوم برمته لا يوجد جزء لا يُغضًب فيه إلهنا ويساء إليه غير هذه الزاوية 
الصغيرة المعروفة بإسبانياء التي خلقها في معزل عن العالم لتكون منزلاً 
لرحمته العظيمة»!!!. وتزامنت السنوات الأولى من عهد فيليب مع الجلسة 
الأخيرة لمجمع ترنت الكنسي المسكوني (1563-1545)» التي فصّل فيها 


2230 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


0- سنوات خطرة (1568-1556) 

كبار علماء الدين الكاثوليك ورجاله من مختلف أنحاء أوروبا رداً مشتركاً 
على التحدي البروتستانتي. وفي أثناء هذه المشاورات المعقدة» أصدر 
المجمع 156 مرسوماً حددت المكونات الأساسية للمذهب والطقوس 
الكاثوليكية» من الأسرار المقدسة والصلوات إلى قديسيه وتراتيله 
وأعياده. واشتملت مرا سيم المجمع أيضاً على سلسلة من المقترحات 
لضان التقيد مبذه المعايبرء منها عمليات التفتيش المنتظمة من جانب 
الأساقفة لأبرشياتهم والمراقبة الشديدة من جانب الكهنة للالتزام الديني 
لرعيتهم» كل حضوو القداس» والاعرافه ومراسيم يم المعمودية. 

لعبت الوفود الدينية الإسبانية دوراً مهيا في مختلف جوانب النقاش في 
مجمع ترنت» وبخاصة في الجلسة النهائية الحاسمة في عامى 1563-1562 
التي صدرت فيها معظم المراسيم. ورجع هؤلاء الكهنة إلى إسبانيا وهم 
عازمون على تطبيق أجندة ترنت» التى أيدها فيليب كاملة. وقد تجلت 
الحماسة الدينية الحادة في إسبانيا المعادية للوصلاح بعدة طرق مختلفة: 
عبر التقوى والحاسة الإصلاحية للقديسة تيريزا" وشعر القديس 
جون الصليبي© والرؤى الباطنية لإل غريكو» وعبر تكائر الأخويات 
(1) القديسة تريزا الأبلية هوع5عط1 6مزة5 (28 مارس 1515 إلى 4 أكتوبر 1582) صوفية إسبانية 

بارزة وقديسة كاثوليكية رومانية وراهبة كرملية وكاتبة وعالمة دين من المعادين للإصلاح 

البروتستانتي ومن مصلحي الرهبنة الكرمية [المترجم]. 
(2) جون الصليبي 07055 عط! /ه ص1 6مزة5 (1542 إلى 14 ديسمبر 1591) أحد رموز معاداة 


حركة الإصلاح البروتستانتي الإسبانية وقديس كاثوليكي وراهب كرملي» يعتبر إلى جانب 
القديسة تريزا مؤسس التقاليد الكرملية الزهدية» وأحد علماء الكنيسة الخمسة والثلاثين» 
معروف بكتاباته وأشعاره حول عو الروخ التي تعتبر ذروة الأدب الإسباني الصوفي؛ طوّبه 
البابا بنيديكت الثالث والعشر شرين قديساً في عام 6 [المترجم]. 

() إل غريكو 0ع06 851 أو إل الإغريقي (1541 إلى 7 أبريل 1614): هو الرسام والنحات والمهندس 
المعماري دومينيكوس ثيوتوكوبولوس من فناني عصر النهضة الإسباني» كان أسلوبه الفني 
ملغزاً بالنسبة لمعاصريه لكنه حظي بالتقدير في القرن العشرين» حيث اعتبر من رواد التعبيرية 
والتكعيبية [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]ألا 1 201 


الدين والدم 

الدينية الجديدة ومواكب اللطم'". وعبر النساء المقدسات المعروفات 
باسم بيتا'» وعبر الكاتدرائيات والكنائس الشاهقة التي هيمنت على 
المشهد البصري في البلدات والمدن الإسبانية بمذابحها الذهبية الفاخرة 
ورسومها المتوهجة للسيد المسيح والقديسينء التي كانت تركز انتباه 
المشاهد على مناظر الدم والجروح والاستشهاد. وتزامن عهد فيليب أيضا 
مع ذروة ال هوس الإسباني بنقاء الدم ونقاء الدين. عارض فيليب في عام 
6 حين كان وصيا على العرش قانون نقاء الدم المثير للجدل. الذي 
سنه رئيس أساقفة طليطلة الكاردينال سيليسيو 5[1160 في كاتدرائيته» 
وهو القانون الذي حظر انضمام أسلاف اليهود والأندلسيين إلى الكنسية 
مستقبلاً. لكنه أقره بعد عشرة أعوام حين صار ملكاً. وفي دفاعه عن 
قراره» امتدح فيليب اعتماد إسبانيا على مثل هذه القوانين مقارنة ببلاد مثل 
فرنسا أخفقت في ضان «معرفة ذرية الأندلسيين واليهود. وتمييزها عن 
بقية النصارى الكائثوليك القدامى». ما أدى إلى «عدوى المملكة كاملة 
بهر طقاتهم)!2!. 

فتحت هذه الموافقة الرسمية الطريق لسيل من قوانين نقاء الدم 
أصدرتها الجامعات والكاتدرائيات والصفوف العسكرية. فقد كانت 


(1) اللطمية أو مواكب جلد الذات مسيرات دينية انتشرت في أوروبا النصرانية في القرون من 
الثالث عشر حتى السادس عشرء كان المشاركون فيها يجلدون أنفسهم بسياط وأدوات مختلفة 
من باب إماتة الجسد حرمتها الكنسية الكاثوليكية واعتبرتها أحد أفعال الهرطقة [المترجم]. 

(2) انتشرت في إسبانيا القرن السادس عشر نساء مقدسات عرفن باسم 62]8؛ بعضهن انتسب 
إلى أخويات دينية وبعضهن علمانيات كرسن حياتهن للصلوات» تحدئن عن روذى وخبرات 
صوفية» تحوّلت كثيرات منهن إلى محاور لجماعاتهن المحلية» وتحوّلت بيوتهن إلى أضرحة 
يزورها الناس طلباً للنصح والعون [المترجم]. 

(3) مع أن فرنسا لم تعرف الأندلسيين» وريما اليهود أيضاً في تلك الأزمانء وكانت مشكلاتها 
وحروبها الدينية بين المسيحيين أنفسهم: الكاثوليك الرومان والبروتستانت الكالفينيين. لكن 
يبدو أن الأندلسيين واليهود كانوا يعابع لحكام إسبانيا [المترجم]. 


232 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


0 - سنوات خطرة (1568-1556) 


فترة حقّ للنصارى العاديين فيها أن يفتخرواء كما فعل سانشو بانثاء بأن 
دمهم كان «خالياً من أي خليط من اليهود أو الأندلسيين)»”": في حين بات 
النبلاء يفزعون من ظهور أسمائهم في «الكتب الخضراء»؛ التي كشفت 
أعضاء طبقة النبلاء القشتالين» الذين يحملون «تلوثا» بالدم اليهودي 
أو الأندلسي في أسلافهم. وبلغ التزام فيليب بالنقاء الديني حدا رفض 
عنده السماح للعمال الفرنسيين أو المورسكيين بالمشاركة في مشروعه 
المحبب قصر ودير الإسكوريال» رغم شهرة المورسكيين بالمهارة والخبرة 
في الحرف والبناء. وقد قصد بهذا الشىء الكئيب الذي أراد له أن يكون 
«الأعجوبة الثامنة» بين عجائب العام أن وكوة نضباً تذكاريا المملكة 
الهابسبورغية» لكنه جاء أيضاً رمزاً لصورة إسبانياء التي أراد فيليب 
إبرازها للعالم: الحصن الصارم وال منيع للدين الصافي. وهي صورة لم تكن 
تعكس حقيقة المجتمع الإسباني دائمأ» ويصدق ذلك في أوضح صوره على 
حالة مسلمي إسبانيا السابقين. 
عد عد د 

في العقد التالي لتتويج فيليب» هيمنت على السياسة الخارجية الإسبانية 
المواجهة الوحشية بين ال هابسبورغيين والأتراك العثمانيين في البحر الأبييض 
المتوسط؛ وقد اتضح بداية من منتتصف القرن السادس عشر فصاعداً أن 
المواجهة كانت تميل بقوة لصالح القسطنطينية. ففي عام 1551» قامت 
حملة عسكرية تركية بطرد فرسان مالطة من طرابلس. وبعد أربعة أعوام 
استولى الريس صالح”* بيلرباي”” الجزائر على الجيب الإسباني المهم في 
(1) سانشو بانثا هو تابع النبيل دون كيخوتة في رواية ثربانتس التي ورد ذكرها قبل ذلك [المترجم]. 
(2) الريس صالح أو صالح الريس ؟ذ86 «اءاة5 خلف خير الدين بربروس بايا للجزائر» قاد 

حملات ضد الإسبان وساعد في توطيد السيطرة العثمانية على شمال إفريقيا وغرب البحر 


الأبيض المتوسط [المترجم]. 
(3) بيلرباي بالتركية تعني رئيس البايات» حيث كان الوالي العثماني للجزائر في المرحلة الأولى - 





1_طماع !© :161 ]أللا 1 255 


الدين والدم 


بجاية بالمغرب. وفي عام 8» نهب الأسطول التركي جزر البليار» وأسر 

أربعة آلاف نصراني. وفي السئة نفسها شنت إسبانيا هجوماً على الحامية 

التركية في مستغانم'" من قاعدتها في وهران انتهى ببزيمة كارثية وأسر 
نحو اثني عشر ألف جندي. في حين كانت الكارثة الأسوأ بانتظار عام 

9 حين احتل أسطول إسباني-إيطاللي مكون من مأتي سفينة حصن 

جربة© بهذه الجزيرة الإستراتيجية بغرض القضاء على نشاطات أمير 

البحر القرصان درغوثء. وإيجاد منصة لإعادة غزو طرابلس. لكن في 
الربيع التالي» حاصر أسطول تركي بقيادة أمير البحر التركي العظيم بيال 
باشا 59508 416بإزط الأسطول النصراني الراسى» وأغرق أو أسر ستين 
سفينة. وانتهت حملة جربة باستعادة الأتراك للجزيرة وعاد بيال باشا إلى 

القسطنطينية مظفراً ومعه آلاف الأسرى. 
أوقعت هذه السلسلة من الهزائم إسبانيا فعلياً تحت رحمة سليهان 

القانوني. وعلى مدى الأعوام الخمسة التالية» عاش فيليب وبلاطه 

خائفين من غزو تركي شاملء فيهم| كانت إسبانيا تسعى بشكل مسعور 

إلى إعادة بناء أسطوطا المدمر بإعانات مالية من البابوية. لكن على 

الأرضء لم يقع هذا الهمجوم. وفي عام 1565 أظهر العثمانيون قوتهم في 

غرب البحر الأبيض المتوسط في ضربة أخرى كبرى؛ حين شن سليان 

- (1588-1516) من السيطرة العثمانية يحكم أيضاً تونس وطرابلس الغرب» وتلاها حكم 
الباشوات (1659-1588)» ثم الأوجاق أو المجلس الأعلى للجند (1672-1659)) ثم عهد 
الدايات (1830-1672) [المترجم]. 

(1) ميناء وعاصمة مقاطعة بالاسم نفسه في شمال غرب الجزائر» تأسست في القرن الحادي 
عشرء ضمها خير الدين بربروس للإمبراطورية العثمانية في عام 1516» كانت مركزاً للقراصنة 
وللتجارة [المترجم]. 

(2) جربة هي أكبر جزيرة بشمال إفريقيا تقع في خليج قابس قبالة ساحل تونسء احتلتها إمبانيا 
لفترات قصيرة من عام 21 إلى 21524 وكانت لبعض الوقت قاعدة بحرية عثمانية في زمن 
خير الدين بربروس [المترجم]. 


254 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


0 - سنوات خطرة (1568-1556) 

حملة على فرسان القديس يوحنا في مالطة'". كانت إسبانياء في ذلك 
الوقت» قد بدأت في تعويض سفنها المدمرة» وتمكن فيليب أخيراً من 
نجدة حلفائه المحاصرين» بعد حصار دموي تكبد العثمانيون فيه خسائر 

كان الانسحاب العثماني من مالطة مذلاً لعدو ال هابسبورغيين اللدود 
سليمان» الذي مات في العام التالي»ء لكن الصراع على سيادة البحر 
الأبيض المتوسط استمر بقيادة وريثه الآقل اقتدارا سليم الثاني. ف«على 
الأرض يسود السلام» وفي البحر حرب دائمة»» هكذا كتب المؤرخ 
البلنسي مارتن دي بيسيانا همهء:/ا ع0 3050 في عام 1564. على أن القوة 
التركية لم تكن التهديد الوحيد للمصالح الإسبانية في البحر الأبيض 
المتوسط. ففي الفترة نفسها تزايدت غارات القراصنة من شال إفريقيا 
على السفن والبلدات الساحلية الإسبانية. كانت هذه الحججات جزثياً 
شكلاً من الحرب غير النظامية: لكنها كانت مدفوعة أيضاً بالحاجة إلى 
القوة البشرية. فقد كان القراصنة النصارى والمسلمون على حد سواء في 
حاجة إلى مجدفين لأساطيلهم؛ وكان البحارة النصارىء ومنهم الإسبان» 
يغيرون على ساحل شمال إفريقيا كثيراً بحثا عن العبيد أو المجدفين» في] 
كان القراصنة المسلمون ينفذون غارات مماثلة على الأراضى النصرانية 
الواقعة على البحر الأبيض المتوسط والأدرياتيكي. وكان فرغركة الذي 
خلف بربروس كقبدان باشاء والمعروف باسم «سيف الإسلام المسلول»» 


(1) فرسان القديس يوحنا أو فرسان الاسبتارية فرقة عسكرية صليبية أو جماعة نصرانية جهادية 
انبثقت عن فرقة فرسان المعبد» أقامت على جزيرة رودس ومالطة» كانت معنية بحماية 
الحجاج إلى الأراضي المقدسة في فلسطين» ولعبت دوراً كبيراً في الحملات الصليبية على 
الدول الإسلامية في شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط» حيث كانت تنضم من موقعها 
على الطرق النصرانية البحرية إلى شرق البحر الأبيض المتوسط وجنوبه إلى كل الحملات 
الصليبية المتوجهة إليه» واحتلت طرابلس لبعض الوقت [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 255 


الدين والدم 


وكذلك بيلرباي الجزائر القلج" والأخوان بربروس» من بين آخرين 
كثيرين من القراصنة المسلمين» الذين ابتليت بهم السواحل والملاحة 
الإسبانيتين في النضف-الثانى من القرن السادس عشر. 

كان بعض القراصنة يعملون وكلاء أو نواباً للسلطان التركي أو للحكام 
المسلمين المحليين» الذين كانوا يخصصون م نسبة من أرباحهم. وعمل 
آخرون لمصلحتهم الخاصة منطلقين من موانئ شمال إفريقيا شبه المستقلة 
مثل تونس وطرابلس والجزائر. وأصبحت بعض هذه الموانئ مراكز 
تجارية مزدهرة» كانت اقتصاداتها تقوم على تجارة العبيد وافتداء الأسمرى 
النصارى. فضلاً عن التجارة والزراعة. وكان أكثر هذه الموانىئ نجاحاً 
وأسوأها سمعة من منظور أوروبا النصرانية هو ولاية الجزائر القرصنية» 
التي أسسها الأخوان بربروس. وبحلول منتصف القرن السادس عشر 


(1) القلج أو علج أو علوج علي باشا (1519 إلى 21 يونيه 1587) إيطالي المولد أسر واشترقٌ في 
الجزائر واعتتق الإسلام وأصبح «اقرصاناً» ثم أدميرالاً (ريساً) عثمانياً وحاكماً للجزائر وأمير 
البحر التركي في القرن السادس عشرء عزز تحصينات الجزائر» ورغم محاولات البابا وإسبانيا 
لامتمالته» كان من المتحمسين لمساعدة المورسكيين وناشد الباب العالي مساعدتهم وأيد 
طلبات العون من المورسكيين» لكن السلطان كان على وشك مهاجمة قبرص التي كانت 
تهاجم السفن الإسلامية؛ ولذلك أمر فقط بتزويدهم بالسلاح والجنود إن أمكن؛ على أمل 
أن يتمكن من مساعدتهم لاحقاًء لكن هزيمة العثمانيين ودمار أسطولهم في ليباتتو حالت 
دون ذلك. وقد أرسل القلج أسلحة ككثيرة وبعض القادة العسكريين إلى إسبانياء لكن يقال إن 
الإسبان اكتشفوا مخابئ الأسلحة قبيل اندلا ع الثورة» وكذلك كان مخططاً أن يذهب الأسطول 
الجزائري إلى ساحل المرية لمساعدة الثوار وإنهاك الإسبان» وخطط القلج أيضا إلى دخول 
إسبانيا بنفسه لادارة الثورة» لكن هذه الخنطط حالت دونها أمور منها الأخبار حول استعداد 
دون خوان لمهاجمة بون [المترجم]. 

(2) تذكر التمييز الوارد في حواشي سابقة حول «التواريخ» المختلفة للحدث الواحد والرؤى 
المختلفة للشخصية التاريخية الواحدة وفقاً للثقافة أو الحضارة أو الأمة التي ينتمي إليها كاتب 
التاريخ» فدرغوث والأخوان بربروس الذين نعتبرهم نحن على الحافة الجنوبية والشرقية 
للبحر الأبيض المتوسط أبطالاً تاريخيين وبناة دول يعتبرهم سكان الحافة الشمالية للبحر نفسه 
قراصنة ومجرمين [المترجم]. 


226 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


0- سنوات خطرة (1568-1556) 


كان «السوط المسلط على العالم النصراني»”" قد أصبح مجتمعاً كونياً مختلطاً 
يضم اليهود والمورسكيين والنصارى المتحولين إلى الإسلام والمغامرين 
الأجانب من أنحاء أوروبا كافة» وحتى من الأمريكيتين. 

وفي أوروبا النصرانية كانت الجزائر تصور دائياً ك «دولة مارقة». 
بإقاط المصلحات المعاضرة عل القزة اناس عش ركان قاطتوها 
مجرمين وبرابرة «بلا دين ولا قانون»» لكن القرصنة وضعت الأساس 
لمدينة كونية مزدهرة أثارت إعجاب الزوار الأوروبيين أنفسهم. ففي 
عام 1551» وصف الرحالة والجغراني الملكي الفرسي نيكولاس دي 
نيكو لاي 28/160138 عل ١150135‏ مدينة مزدهرة تضم «الكثير من الحدائق 
الجميلة والمبهجة» وفيها «يهارس الأتراك والمغاربة واليهود تجارة البضائع 
المربجة!". وضمت الكزائر أيضا خظاتر الغية سخة السمعة المسروفة 
باسم البانو 8750» التي كان الأسرى النصارى يجمعون فيها في ظروف 
مروّعة. وكان ثيرفائتس واحداً من كثير من الأسرى الإسبان» الذين 
مروا عبر هذه الحمامات السابقة» التي ربما بلغ نزلاؤها من الأسرى 


(!) هكذا وصف دوغرامي أحد البلاء الفرنسيين الجزائر في عام 1619 وكمالة قولة: «إنها 
رحب أوروبا وجام إيطاليا وإسبانيا وصاحبة الأمر في الجزر». فقد كان من أسماهم الغرب 
«القراصنة» الجز ائريين» ومن نسميهم نحن «المجاهدين البحريين»» يشكلون رعباً لكل مدن 
الساحل الجنوبي لأوروبا فضلاً عن أساطيلهم وسفنهم. ومما له علاقة بذلك أن المترجم كان قد 
شرع منذ عامين تقريباً في ترجمة كتاب بعنوان «الحرب المقدسة والعبودية البشرية - حكايات 
الاسترقاق المسيحي-الإسلامي في البحر الأبيض المتوسط في أوائل العصر الحديث»» وقد 
أعجبني الكتاب كثيرا لما فيه من غريب التاريخ وما ييرزه من بعد إنساني للأحداث والمقولات 
التاريخية والحضارية الكبرى لكن أوقفني عن إكماله ما اعتبرته تحيزاً ضد جنوب البحر 
المتوسط وتصوير أهله على أنهم جماعات من القراصنة. لكن يبدو أن الجرائر التي أسسها 
الأخوان بربروس ورياس البحر كانت تشكل بالفعل كابوساً للشعوب والدول الأوروبية 
[المترجم]. 

0) يبدو أن حظائر العبيد التي يتحدث عنها المؤلف كانت عبارة عن حمامات عامة سابقة 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 2737 


الدين والدم 
في النصف الثاني من القرن السادس عشر مئتان وخمسين ألف شخص. 
كان كثير من هؤلاء الأسرى. مثل مؤلف دون كيخوتة» مهزلون لأعوام 
قبل أن تدفع فديتهم. وكان غيرهم يباعون عبيدا في شمال إفريقيا والعالم 
الإسلامي أو يعتنقون الإسلام لنيل حريتهو!“!. 
ينانا 

كانت لنشاطات قراصنة شمال إفريقيا بالتأكيد نتائج مهمة على مسلمي 
إسبانيا السابقين. فبعد استنزاف أسطول البحر الأبيض المتوسط الإسباني 
في أوائل العقد السابع من القرن السادس عشرء أصبح القراصنة أجرأء 
وأخذوا ينفذون هجاتهم في وضح النهار. وفيليب نفسه شعر بغصة 
شديدة من عجز إسبانيا عن منع هذه الهجمات في أثناء زيارة ملكية إلى 
بلنسية عام 1563» التي كتب منها السفير الفرنسي: «الحديث كله عن 
البطولات والمثاقفة والحفلات الراقصة وغيرها من تسالي النبلاء» في حين 
كان المغاربة لا يضيعون وقتاً ويتجاسرون على أسر السفن من على بعد 
فرسخ من المدينة» ويسرقون قدر ما يستطيعون حمله»[5]. وتجلى الضعف 
الإسباني في مناسبات أخرى كثيرة» حيث كان قادة القراصنة يبحرون في 
أساطيل تضم نحو خمس وثلاثين سفينة» وهو عدد كان يكفي غالباً لأن 
تحشد إسبانيا قوتها ضده. ففي عام 1556 هاجم درغوث مدينة دانية!» 
البلنسية. وفي عام 1565» نزل القراصنة على ساحل غرناطة وزحفوا دون 
معارضة إلى بلدة أرجبة في البشرات» وعادوا إلى سفنهم بمئات الأسرى. 
وفي السنة التالية نهب القراصنة مدينة تابرنا 186061835 الغرناطية الساحلية» 
وأخذوا مئات الأسرى النصارى. 

نفذت إسبانيا بعض المحاولات لتحسين دفاعاتها الساحلية» من 
وضع حاميات دائمة من سلاح الفرسان إلى بناء أسوار دفاعية وقلاع 


256 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


0- سنوات خطرة (568-1556]) 

تعرف باسم أبراج المراقبة على أيدي مهندسين عسكريين إيطاليين. ففي 
عام 61» كلف فيليب المهندس العسكري الشهير جيوفاني باتيستا 
أنتونيل تلأعدمندة هادناة8 أممة0150 بابتكار نظام تحصينات على طول 
الشريط الساحلي البلسي؛ لكن لم يكن بوسع أي عدد من أبراج المراقبة 
أن يضمن حماية وأمنا كاملين. وحتى بعد أن أعادت إسبائيا بناء أسطوطاء 
ظل قراصنة شمال إفريقيا يشكلون تهديداً دائً للمستوطنات النصرانية 
القريبة من الساحل الغرناطى والبلسبى» وكان مجحرد الظهور المفاجئ 
لسفن مجهولة على الساحل يدفع السكان المذعورين إلى الفرار إلى داخل 
البلاد أو إلى القلعة المحلية. حتى أصبحت «شال إفريقيا» في الخيال 
النصراني مرادفاً للاختفاء المرعب وأهوال حظائر العبيد الجزائرية. 

على أن هذا الرعب لم يكن مقصوراً على إسبانيا. فالمسلمون القريبون 
من ساحل شمال إفريقيا كانوا يعيشون أيضا في خوف من الهجمات 
وغارات اصطياد العبيد من جانب القراصنة النصارى. وفي بلنسية 
وغرناطة» كان الفزع من القراصنة يوجه دائياً نحو المورسكيينء الذين 
كان يشتبه في مساعدتهم للقراصنة. وهذه الشكوك لم تكن بلا أساس. 
ففي أثناء هجوم القراصنة على تابرناء شارك مئات المورسكيين المحليين في 
خب البلدة وفروا بعدها إلى شمال إفريقيا. وبعض القراصنة كانوا يضمون 
في أطقمهم مورسكيين ليستفيدوا من معرفتهم المحلية في الحصول على 
معلومات استخبارية وتسهيل الغارات. وفي بعض الحالات كان 
الصيادون المورسكيون يقابلون القراصنة في البحر ويعطونهم معلومات 
حول حالة الدفاعات النصرانية. لكن الشائعات والادعاءات بالغت 
كثيراً في مدى هذا التواطؤء إذ كان الناس يميلون إلى تخيل ما لم يستطيعوا 
إثباته. 

وني ظاهرة لا تختلف كثيراً عن حالات الطوارئ الأمنية في عصرناء 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 259 


الدين والدم 


غذت التنلظات داق حوادت التواطة القعلة م حائب الموورسكين 
أوضح دليل عن ميل أوسع لدى المورسكيين. فإضافة إلى الصلات الممكنة 
بين المورسكيين والقراصنة» كان لدى المسؤولين الإسبان هاجس دائم 
من تقارب المصالح المحتمل بين المورسكيين الأراغونيين والبروتستانت 
الفرنسيين. ومع ظهور إمارة بيرن «مه86 الفرنسية كجيب للهوغونوت 
بداية من العقد السادس من القرن السادس عشر فصاعداًء أخذت محكمة 
التفتيش الأراغونية ترتاب كثيراً في أن المورسكيين كانوا يخططون للثورة 
بمساعدة بيرنية. فكان المورسكيون والهوغونوت تجمعهم امارد 
من الاضطهاد الكاثوليكيء وكان المورسكيون يتخذون دائم) من بيرن 
مأوى لهم وكذلك رحب حكام بيرن بإمكانية التحالف مع المورسكيين 
الأراغونيين» با يساعدهم في استعادة نبارة من قشتالة. 

وفي صيف عام 1559 وقعت حادثة مثيرة في قرية بلاسينثيا ديل مونتي 
02 عل 03مه5ة1ط المورسكية القريبة من مدينة وشقة”" بأراغون. حين 
عُثِر على ثلاثة أشخاص من موظفي محكمة التفتيش ممزقين إرباً في أسفل 
بثر وعُثْر على كاهن محل عمل مسؤولاً بمحكمة التفتيش مذبوحاً في 
مكان قريب. كان هؤلاء المسؤولين في طريقهم لاعتقال فقيه مورسكي 
يدعى خوان ثمباريل اء:03تمد2 هددالء الذي اعتقل في النهاية وعذب 
حتى الموت. لكن ثلاثة عشر مورسكياً آخرين من زُعم أنهم نفذوا جريمة 
القتل فروا عبر جبال البرانس إلى بيرن. وحين اعتقلت المورسكيين 
مجموعة مارة من المسافرين الإسبان. أمنّت السلطات البيرنية إطلاق 
سراحهم ورفضت طلبات بتسليمهم وأفلت القتلة بجريمتهم. 

+ 6 
وضعت حوادث من هذا النوع الولاء الديني المتناقض للمورسكيين 


(1) 2ءوعلاقة في اللغات الأوروبية [المترجم]. 


2060 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


0- سنوات خطرة (1568-1556) 

فى بؤرة الانتباه» وأخذ المسؤولون الإسبان يتخذون أي تعبير عن 
الاختلاف الثقافي والديني دليلاً على الخيانة أو نية الثورة. وأعطت هذه 
التصورات إلحاحاً متجدداً لهدف الدمج. وكلم| ترسخت نظرة المسؤولين 
الإسبان للمورسكيين باعتبارهم عدواً داخلياً ذا صلات بأعداء إسبانيا 
الخارجيين» تعمقت نظرتهم إلى انفصاهم المستمر عن المجتمع النصراني 
كتهديد محتمل لأمن الدولة. ولم تكن الأدلة على هذا الانحراف منعدمة. 
ففي مايو 1568» قام أسقف طرطوشة بزيارة ممتدة إلى أبرشيات المور سكيين 
في أراغون وبلنسية» ولم يرق له ما رآه. ففي ضياع دوق سقوربة في وادي 
أويتشوء اشتكى المورسكيون المحليون للأسقف صراحة من أنهم نُصَروا 
قسراء وأطلعوه على رغبتهم في إرسال ممثلين إلى فيليب والبابا. واشتكى 
منهم الأسقف: «لقد سئمت من هؤلاء الناس لدرجة السخط. فموقفهم 
لعين وجعلني يائساً من صلاحهم... فأنا أجوب هذه الجبال منذ ثمانية 
أيام» وأجدهم أندلسيين أكثر من أي وقت سابق» ومصممين على طرقهم 
السيئة)!؟ا. 

وكان مسؤولو محكمة التفتيش يبدون دائمً إحباطاً ممائلء ويقولون إن 
المورسكيين لم يخفقوا في الاندماج فحسب. وإنهما أصبحوا أكثر تحدياً وعناداً 
بطريقة علنية. ففي عام 1560. أصدرت محكمة التفتيش البلنسية تقرير 
لعن زعم أن المورسكيين في أنحاء المملكة كافة كانوا لا يزالون يحتفظون 
بعاداتهم وتقاليدهم الإسلامية» ويصرحون علناً بالاعتقاد ال حرطقي 
(بأنمم يمكن أن يجدوا الخلاص في نحلتهم الملعونة» وأن كل شخص 
يستطيع أن يحققه عبر شريعته الخاصة». صوّر محققو المحكمة المورسكيين 
البلنسيين بأكثر المصطلحات تخويفاء وأثاروا صور الجيوب المورسكية 
الفوضوية الخارجة كلياً عن سلطة الدولة والكنيسة في «أراض وعرة 
وجبلية وخطرة» كان الكهنة والشرطة يخافون أن يدخلوها. وزعمت 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 261 


الدين والدم 

المحكمة أن هؤلاء المورسكيين لا يقاومون مسؤولي الملك فحسب» وإنا 
ثمة شائعات أيضاً أهم يخططون لثورة بدعم تركي77. 
الإسبان» على أن المورسكيين عوملوا بتساهل أكثر ما ينبغي» وأنه لا 
بد من إجراءات أعنف لتحويلهم إلى نصارى. وفي عام 1561 طلب 
مفوض محكمة التفتيش إلى بلنسية ريغوريو دي ميراندا عل 0,معء:6© 
8 من فيليب إرسال قوات لنزع سلاح السكان المورسكيين. 
ورغم الاحتجاجات من النبلاء البلنسيين على أن نزع سلاحهم يحرمهم 
من استخدام المورسكيين في مليشياتهم الخاصة. فإن الملك وافق على هذا 
الطلب. وني فبراير 1563» طلب من المورسكيين تسليم أسلحتهم بلدة 
بعد أخرى. وصادر مسؤولو الملك أو استلموا نحو عشرين ألف رمح 
وقوس صليبي وسيف وهركوبة” وبندقية. وفي السنة التالية أرادت 
محكمة التفتيش البلنسية أن تعيد تأكيد سلطتها بإعلان صارم أمرت فيه 
كل البالغين والأطفال المورسكيين فوق عمر السابعة بحضور القداس 
بانتظام وألزمت كهنة الأبرشيات باختبار رعيتهم المورسكيين من حيث 
معرفتهم بالصلاة الربانية والسلام المريمي”” والعقيدة" وغيرها من 
القطع المحفوظة عن ظهر قلب. 

وفي ديسمبر 1564» دعا فيليب لاجتماع دينى في مدريد لتقييم التقدم 
الذي أحرز في تنصير المورسكيين في بلنسية. قدمت للاجتاع صورة كثيبة 
(1) الهركوبة سلاح ناري قدي [المترجم]. 
(2) الصلاة الربانية ,عط:18 د01 (أبنا الذي في السماوات) [المترجم]. 
(3) السلام المريمي بص]/ة 11511 هو تحية جبريل للعذراء (ليكن سلام لك يا مريم) [المترجم]. 
(4) العقيدة 07600 هي نص العقيدة الدينية مثل قانون الإعان #عذاءعط 16'5:وومق (1- أؤمن 


بالله الآب القدير خالق السماوات والأرضء 2- أؤمن بالمسيح ابنه الوحيد وسيدناء ...) 
[المترجم]. 


262 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


0- ستوات خطرة (1568-1/556) 

عن الفساد والإهمال والتدهور في الأبرشيات الكائنة في مناطق المورسكيين 
في العقد الرابع من القرن السادس عشر. وتحسر رجل دين بلنسي على أن 
المورسكيين الم يجدوا من يعلمهم أي تعاليم نصرانية علنا أو سراً». وأخبر 
قضاة محكمة التفتيش الاجتماع بأن كثيراً من هذه الأبرشيات في حاجة 
ماسة إلى امال وأن بعض المساجد لم يعد تكريسها كنائسء ولاتزال تحوي 
أبواقهم وقرآنهم وأدوات عبادتهم» في حين تفتقر الكنائس المنشأة حديثا 
إلى كؤوس العشاء الرباني وصور وتماثيل المسيح مصلوباً. 

كانت هذه التقارير اتهاماً يدين إنجازات الكنيسة في بلنسية» وقد أثر 
الاعتراف بهذا الإخفاق سلباًء في مرة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة» 
على المورسكيين أنفسهم. ففي فبراير 1565؛ اقترح اجتماع مدريد هجمة 
جديدة على اللباس والعادات الأندلسية» إلى جانب محاولة منظمة 
لاستئصال «الفقهاء والمختّنين وغيرهم ممن يأتون من الجزائر وغيرها». 
وعلى الجانب الآخرء كان لا بد من معاملة المورسكيين «بكل اللطف 
والمحبة النصرانيين»» وأن يقدم لهم التعليم الديني على أيدي كهنة وقسس 
مؤهلين معينين خصيصاً لهذه المهمة» على أن يعاقب المسؤولون والكهنة 
الفاسدون وأن تستخدم الريوع والأعشار الدينية لصيانة الكنائس 
ودفع أجور الكهنة المحليين» مع إعفاء المورسكيين من كم الضرائب 
(الاستبدادية» المطبقة عليهم. لأنه من غير المعقول ومن غير العادل- كما 
ذهب الاجتماع- أن نتوقع منهم أن «يعيشوا كنصارى ويدفعوا الضرائب 
كأندلسيين). 

لم تكن هذه المرة الأولى التي ترفع فيها مقترحات ببذه الوجاهة» 
لكن ى) حدث في مناسبات أخرى كثيرة» كرست البيروقراطية الدينية 
والعلمانية- مرة أخرى- طاقة وموارد للقمع أكثر ما كرست للإصلاح» 
إذ وجد المورسكيون أنفسهم يتعرضون إلى عقوبات أشد من محكمة 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 263 


الدين والدم 

التفتيشء» بدءاً من الجلد والسجن إلى الغرامات أو قضاء فترة محددة 
في الخدمة كمجدفين على القوادس”". على أن أحكام الإعدام ظلت 
نادرة نسبياً بالمقارنة مع العقد الأول من عهد فيليب. على الرغم من أن 
«الكفارة بغير أجر على مجاديف الملك» كانت أقرب إلى حكم الإعدام 
لأن ظروفهم كانت شديدة الصعوبة» فلقد مات كثير من المجدفين إعياءً» 
أو انتحروا برمي أنفسهم من السفنء أو شنقوا أنفسهم بأغلاهم. 

أفاد التأكيد الجديد على القمع أجندات مختلفة» فوفر عبيد السفن 
المورسكيون قوة بشرية أساسية لأسطول البحر الأبيض المتوسط 
الإسباني» في حين ساعدت الغرامات والمصادرات في دفع الرواتب 
والمصروفات الجارية للمحكمة نفسهاء في وقت واجهت المحكمة فيه 
صنعوباك مالية..وكان قرضن الآتضباظ غل المورورسكين أيضا جزءا من 
محاولة أوسع من جانب آل هابسبورغ لإعادة تأكيد سلطتهم السياسية» 
وبخاصة في ملكة أراغون المتململة. فمن مقرها في الجعفرية©؛ تلك 
القلعة الأندلسية السابقة في سرقسطة. قاضت محكمة التفتيش الأراغونية 
نسبة من المورسكيين أكبر من أي منطقة أخرى بالبلاد» وأرسلت كثيراً 
من المورسكيين إلى عبودية السفن, التي أوصى فيليب في عام 1560 بأن 
يوسع العقاب عينه إلى المورسكيين في مناطق إسبانيا الأخرى «كما هو 
معتاد في سر قسطة)81]. 

قام القمع في أراغون جزئياً على الاعتقاد بأن المورسكيين الأراغونيين 
أكثر عناداً وتمرداً من غيرهم. لكنه قصد به أيضاً أن يضعف «مُفْطعيهِم 
النصارى»» الذين قالت محكمة تفتيش سر قسطة في عام 1565 إنهم لأحرار 
(1) القادوس سفينة شراعية كبيرة ذات مجاديف [المترجم]. 
(2) قصر الجعفرية 196618 : قصر إسلامي حصن من القرون الوسطىء بني في النصف الثاني من 

القرن الحادي عشر في دولة الطوائف الأندلسية في سرقسطة: كان مقرا لإقامة أسرة بني هود 

في عهد أبي جعفر المقتدر [المترجم]. 


264 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


0- سنوات خطرة (1568-1556) 

أكثر مما ينبغي» ولأخهم يتغولون فعلاً على القضاة الملكبين والدينيين» فإنغهم 
سيفعلون الشيء نفسه مع قضاة محكمة التفتيش إن استطاعوا» . وكثيراً ما 
كان قضاة محكمة التفتيش بسر قسطة يزعمون أن المْقُطعين النصارى كانوا 
يحبطون محا ولاتهم لمارسة سلطتهم على التغارينو 180ئة788 ى) كان يطلق 
على المورسكيين الأراغونيين» وحرضوا فيليب على إصدار تشريع لنزع 
السلاح ممائل لما طبق في بلنسية» لكن الملك لم يكن مستعداً للمخاطرة 
بزعزعة استقرار المملكة في وقت كان رعاياه الأراغونيون فيه أكثر سخطاً 
من المعتاد على الحكم القشتالي. وفي رسالة إلى المجلس الأعلى في يونيو 
7» أوضح مسؤولو محكمة التفتيش في سر قسطة أن أيديهم مغلولة» 
وأشاروا إلى رسالة سابقة من رؤسائهم ذكرت أنه «نظرا لخطورة هذه 
الأوقات؛ سنعلق التحقيقات في القضايا ضد التغارينو حالياً»!19. 

ووجدت غكمة افيش معارضة غائلة ل بلنسية: التي اشتكى فيها 
مسؤولو المحكمة عام 1566 من المْمُطعين النصارى الذين «يضايقون 
مفوضي محكمة التفتيش وموظفيها على أراضيهم؛ ويطردونهم ويقولون 
هم إنهم لا يريدون محكمة التفتيش على ممتلكاتهم». كبلّت هذه المعارضة 
قدرة التاج على فرض إرادته على المورسكيين الأراغونيين» وزادت إحباط 
حكام إسبانيا من المسألة المورسكية. وأصبح من المسلم به في المستويات 
العليا للحكومة الإسبانية أن المورسكيين أخفقوا في الاندماج الطوعي 
في المجتمع النصراني» ولا بد من اتخاذ اللازم لتسريع عملية الدمج. ومع 
محدودية مجال المناورة في أراغون» حوّل التاج انتباهه إلى مملكة غرناطة 
المثقلة بالمشكللات. 

0 . 

في الوقت الذي عاد فيه فيليب إلى ميراثه الإسباني» كانت غرناطة 

جزءاً من إسبانيا منذ سبعين عاماً تقريباً. وحينها كانت المملكة الأندلسية 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 265 


الدين والدم 
السابقة قد اجتازت تغييرات كبيرة. فتحول كثير من بلداتها ومدنها بثبات 
إلى الطابع النصراني» واستعيض عن المساجد والمآذن بكنائس وبنايات 
عامة تعكس الأذواق المعمارية القشتالية» ووسعت الشوارع الأندلسية 
الضيقة» وفي بعض الحاللات هدمت البنايات التي تضيّقها. ومع إنشاء 
القاعة والمحكمة الملكية في عام 1505» وهي ثاني أعلى محكمة استئناف 
في قشتالة بعد محكمة بلد الوليد» أدمحت غرناطة بقوة في النظام الإداري 
القشتالي. ومع أن المورسكيين كانوا لايزالون يشكلون الأغلبية في المملكة 
ككلء فإن عدد المهاجرين النصارى فاق عددهم في مدينة غرناطة نفسها. 
جاء هؤلاء المهاجرون من قطاعات المجتمع الإسباني الكثيرة» بدءا 
بالمحامين والبيروقراطيين من الطبقة الوسطى أو موظفي المحكمة الملكية 
حتى المستوطنين الأقل شأناً من أندلوسيا وقشتالة القديمة وبلاد الباسك. 
وكانت اتجاهات هؤلاء القادمين الجدد نحو المورسكيين مختلفة تماماً 
عن اتجاهات المحاربين» الذين شاركوا في حرب غرناطة والمستوطنين» 
تمن سيطروا على المملكة بعد الفتح. فالقادمون الجدد» سواء أكانوا مهنيين 
يبتغون الترقي في البيروقراطية ال هابسبورغية أم طلاب ثراء أم مزارعين 
ريفيين» اعتبروا وجود المورسكيين عقبة أمام تقدمهم الاقتصادي. 
وسخطوا على التسامح الأبوي الذي كان يبديه المحاربون النصارى 
من زمن حرب غرناطة نحو المورسكيين. وكان التسامح الأرستقراطي 
يتجلى في عائلة مندوسه. التي كان أفرادها يشغلون منصب القائد العام 
وراثياء ويستخدمون نفوذهم كثيراً لحاية المورسكيين من محكمة التفتيش» 
ويتوسطون نيابة عنهم في تعاملاتهم مع الكنيسة والحكومة"". 
(!) من طبائع الأمور أن يكون المحاربون القدامى الذين شهدوا قوة غرناطة وعظمتها وعز أهلها 
وبسالتهم؛ وحاربوهم فرسانا لفرسان أكثر احتراما للأندلسيين وشهامة معهم؛ ومن الطبيعي 
أيضا أن الدخلاء الجدد على مدن الأندلسيين» الذين لم يروا الأندلسيين غير تابعين ومخضعين 
ويعملون بالأعمال الوضيعة أن يحتقروهم وينفروا منهم» فالأولون شهدوا عز القوم - 


266 1_طماع1© :21 ]آئلا 1 


0- سنوات خطرة (1568-1556) 

أثارت العلاقة الودية بين عاتلة مندوسه والمورسكيين سخط المحامين 
والقضاة» الذين أخذوا يملأون الجهاز البيروقراطى الغرناطى. وكان 
المببار اميتي المرظتى يشمل ضادة الوسسبات العلافة والديية فا 
ولذلك كان هؤلاء المسؤولون يجمعون دائماً بين الطموح الشخصي 
وا حماس الديني من جانبء والولاء المطلق للملكء الذي أثبت أنه قاتل 
للمورسكيين الغرناطيين من جانب آخر. وعلى مدار النصف الأول من 
القرن السادس عشرء دار صراع سياسي خفي بين عائلة مندوسه؛ وتحالف 
من أعضاء مجلس المدينة وموظفين وقضاة محكمة التفتيش ورجال دين 
متشددينء مما أثر كثيراً على المورسكيين. ففي وقت تتويج فيليب» كان 
منصب القائد العام يشغله إنييغو لوبيث دي مندوسه الكونت الثالث 
لتانديليا. وواصل مندوسه؛ الجندي المقتدر ذو الشخصية المتحفظة 
والغضوبة» التقليد العائلٍ في الدفاع عن المورسكيين مدعوما بأبيه لويس 
أورتادو دي مندوسه؛ المركيز الثاني لموندخار تةزع84020) باعتباره رئيس 
مجلس قشتالة. 

وحتى قبل عودة فيليب» كان تأثير عائلة مندوسه يتضاءل في 
البلاط ال هابسبورغيء الذي أثيرت فيه شكوك حول تأييد القائد العام 
للمورسكيين. ومع غارات القراصنة على ساحل غرناطة وتغلغلهم 
داخل البلاد دون ردعء أخذ الإسبان ينظرون إلى وجود كتلة مورسكية 
كبيرة غير مستوعبة وذات ولاءات متناقضة. باعتباره نقطة ضعف قاتلة في 
دفاعات إسبانيا. وضخمت هذه المخاوف بتقارير من الخصوم السياسيين 
لعائلة مندوسه في غرناطة أفادت بأن المورسكيين كانوا يقدمون معلومات 

الكاثوليكيين ومن سبقوهما ومن تلاهما من ملوك ففيردياند ومن سبقوه عاملوا الأندلسيين 


العهد بنموذاج «التسامح الأندلسي» أو بعذه عنة [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 267 


الدين والدم 


استخبارية للقراصنة» ويختطفون النصارى لبيعهم عبيداً أو يختزنون 
القمح والأسلحة استعدادا للثورة. 

كان بعض هذه القصص من نتاجات الملع النصراني. وكان بعضها 
افتراءات وفقاً لأحد مسؤولي فيليب في عام 1561, الذي اتهم النصارى في 
غرناطة باختلاق القصص حول هذا التواطؤ لإخفاء استغلاهم القاسي 
للمورسكيين الغرناطيين!''!. فقد استولى عدد من النصارى. منهم 
أعضاء بمجلس المدينة ورجال دين» على أراض كبيرة في مرج غرناطة 
وجبال البشرات» كانت في غالبها على حساب المورسكيين. وبين عامي 
9 و1567» أجرت لحنة تحقيق ملكية برئاسة قاض من بلد الوليد يدعى 
دكتور سانتياغو 53001280 1000101 تحقيقاً معلل في غرناطة الريفية لمعرفة 
إن كانت الأراضي المخصصة للتاج قد نقلت بشكل غير قانونيٍ إلى أيد 
خاصة. 

لقد وقعت احتيالات من هذا النوع بلا شك. وكان النصارى هم الجناة 
في أغلب الأحيان. ومع ذلك كان الضحايا الرئيسون للجنة سانتياغو 
هم المزارعون والفلاحون المورسكيين» الذين صودرت أراضيهم لأن 
ملاكها لم يستطيعوا أن يأتوا بصكوك ملكية رسمية» إذ كان مورسكيون 
كثر يحملون سندات ملكية باللغة العربية» وكانوا غير ملمين بالإجراءات 
القانونية الفشتالية» ولذلك م يتمكنوا من الاعتراض على قرارات 
المفوضين في محكمة الاستئناف الغرناطية» التي كانت تخضع لسيطرة 
خصومهيم. وكاات نيجه ذلك قي سيل متراصل من عمليات ترج الملكية 
ولد مزيدا من السخط بين السكان المورسكيين الذين كانوا يخضعون فعلا 
لنظام ضريبي قمعي ومراقبة عدائية من المسؤولين العلانيين والدينيين؛ 
أي الكهنة الذين كانوا يغرّمونهم على عدم حضور القداس» ورجال 
الشرطة الذين كانوا يقتحمون بيوتهبم» ويدسون عليهم أسلحة أو كتبا 


268 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


0- سنوات خطرة (1568-1556) 

ممنوعة لتبرير الاعتقال والرشاوى» وقضاة محكمة التفتيش الذين ظلوا 
يضطهدونهم ويحكمون عليهم بالسجن. وفي بعض أجزاء البشرات» كان 
المسؤولون النصارى يحتفلون بالعطلات العامة بالتجول مع زوجاتهم في 
القرى المورسكية» وينفقون على نزهاتهم دجاجاً وعسلاً وفاكهة وأموالاً 
سرقوها أو ابتزوها من أهالي القرى. 

ففي رسالة إلى فيليب في عام 1569» وصف السفير الإسباني إلى فرنسا 
دون فرانسيس دي ألابا 4.1202 عل 65عهدء ه20 زيارات مختلفة قام بها 
إلى غرناطة على مدى اثني عشر عاماء لاحظ فيها كيف كان المسؤولون 
العلمانيون والدينيون !يستخدمون مبررات عديدة لدفع المورسكبين 
إلى اليأس»» من الابتزاز إلى اغتصاب زوجاتهم وبناتهم والتحرش 
الجنسي مبن. وذكر ألابا لفيليب أنه في إحدى قرى البشرات ناشد 
السكان المورسكيون الكنيسة إبعاد الكاهن المحلي, لأن «عيون أطفالنا 
جميعهم تشبه عينيه»”". ووصف ألابا أيضاً الطقوس الدينية في أبرشيات 
المورسكيينء التى كان الكهنة فيها يستديرون فجأة في منتصف الشعيرة 
قوجيه اكرات عتخطرسة وقدسنية» لرعديد» تشكل جيدها #بذاءة 
وإساءة للرب كانت تجعلني أرتجف من رأسي حتى أخمص قدمي». 
وبعد مغادرة القداسء» يتجول هؤلاء الكهنة «بالبلدة يوزعون تنمرهم 
وغطرستهم على المورسكيين»!!!!. 

لم يفعل الملك شيئاً لتخفيف هذه المظالم» بل كانت أفعاله تزيد دائم) 
الأعياء المفروضة على المورسكيين. ففي عام 1561» زادت الضريبة الملكية 
على إنتاج الحرير الغرناطي وبيعه بنسبة 60/» تلتها زيادة أخرى بعد ثلاثة 
أعوام بنسبة 30/. ووقعت هذه الزيادات بالدرجة الأولى على مربي دودة 
(اأمحى أنهم كانوا يشكوت في أنه كان يزي بشاتهني: ولذلك كانت عيون أطفالهم تشبه عينيه 

[المترجم]. 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 269 


الدين والدم 

القز الريفيين ونساجي البيازين وخياطيها؛ تلك الصناعة التي كانت 
تعاني ركوداً. وفي الفترة نفسها شنت محكمة غرناطة حملة عدوانية ضد 
اللصوص وقطاع الطرق المورسكيين في غرناطة. وبداية من أوائل العقد 
السابع من القرن السادس عشر فصاعداء شرعت المحكمة في اعتقال 
قطاع الطرق السابقين الذين منحهم الْقُطِعون التضارى حق اللجوء 
إلى ضياعهم» وخرقت بذلك تقليداً قديياً في غرناطة الريفية» كان قطاع 
الطرق بمقتضاه يستقرون في الضياع الريفية بعائلاهم ويعملون في هذه 
الأراضي مقابل العفو من جانب أرباب أعماللهم الجدد. وني تحد مباشر 
لسلطة القائد العام؛ بدأ المسؤولون تجنيد مليشيات خاصة بهم عرفت 
باسم الكوادريا 9411ةده لمطاردة قطاع الطرق. وكان هؤلاء الجنود- 
صيادو الثروات يتم عادة إيواؤهم بالقوة في قرى المورسكيين, التي كانوا 
يسرقون أهلها ويبتزونهم دون رادع حتى في أثناء مطاردتهم قطاع الطرق. 
ومع لجوء قطاع الطرق المورسكيين مرة أخرى إلى الجبال لتجنب الاعتقال 
أو للانتقام من مضطهديهم,؛ عمّت الفوضى والقلاقل المملكة. 

وصلت كل هذه التطورات ذروتها في وقت كان عفو الأربعين عاما 
بين شارل الخامس والمورسكيين الغرناطيين الصادر عام 1526 يوشك 
على الانتهاء. وفي خضم الكساد الاقتصادي والفوضى الإدارية» وسيطرة 
القراصنة على الساحلء وقطاع الطرق على الداخل» اشتدت الفوضى 
في غرناطة لدرجة خطيرة. وفي هذا المناخ اتخذ «الملك الحصيف» قراراً 
مشووما حول الموقف من أزمة إل كارقق 


200 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


11 


مرسوم غرناطة 


في مايو 1564» عاد المصلح الكنسي الجهادي ورئيس أساقفة غرناطة 
بيدرو غيريرو 22650هنا0© 96010 إلى أبرشيته من مجمع ترنت» الذي لعب 
دوراً رئيساً في مداولاته الختامية. وقبل أن يغادر إيطالياء مرّ غيريرو 
بروما حيث تلقى أوامر من البابا- على ما يقال- ببذل جهود متواصلة 
لدمج المورسكيين الغرناطيين في المجتمع النصراني. رجع غيريرو إلى 
غرناطة وهو عازم على استغلال انتهاء عفو الأربعين عاماء وتنفيذ محاولة 
أشرس لتحويل المورسكيين عنوة إلى نصارى. كان غيريرو يؤمن بقوة 
أن استمرار تمسك المورسكيين بعاداتهم وتقاليدهم يشكل عقبة أمام 
اندماجهم الكامل في المجتمع النصراني. وفي سبتمبر 1565» ترأس غيريرو 
اجتماعا مجلس كنائس غرناطة» أوصى فيه بتنفيذ كل أوامر مجمع المصلى 
الملكي لعام 1526 بخصوص اللباس والعادات الأندلسية. وأضاف 
المجلس محظورات جديدة من عنده؛ منها منع استخدام الحناء» وعزف 
الآلات الموسيقية؛ ورقصتي الزمرة والليلة» بغض النظر عما إذا كانت 
هذه الرقصات تتضمن محتوى دينياً إسلامياً من عدمه. 

وف العام التالي» قدمت هذه التوصيات إلى لجنة دينية في مدريد 


271 
11_طماع !© :161 ]ألا 1 


الدين والدم 

ترأسها الرئيس الجديد القوي لمجلس قشتالة ورئيس محكمة التفتيش 
لاحقاً الكاردينال دييغو دي إسبينوزا 059مزم85 عل معءنط» الذي عين 
ركنا عد وقاة لويس أورتادو دي مندوسه في عام 5. كان إسبينوزا 
«قبعة») متعجرفة؛ على نحو ما كان الإسبان يطلقون على من يرتدي قبعة 
الكاردينال» وقد وصفه مؤرخ فيليب وأحد أفراد حاشيته لويس كابريرا 
القرطبي 0605© عل همعطدك وذند1 بأنه «هازئ وحازم في غير مهنته). 
وكان نفوذه كبيراً لدرجة أن السفير الفرنسبى فوركوقو عناة/عناوتنا0] 
وصفه بأنه «ملك ثان» في بلاط فيليب. وكان الكاردينال نؤيدا متحسيا 
لسياضة غريرو التغددة نحو المورسكيين: وكادث مواققئه حاسمة عل 
المرسوم الملكي القامي» الذي أصدره فيليب في السابع من نوفمبر 1566. 
: حرو الي سركات راس ا تتبيي الى للد رو 

وإضافة إلى منع الرقصات والأغاني والآلات الموسيقية الأندلسية» أمر 
املك سكان غرناطة المورسكيين جميعهم بترك أبواب بيوتهم مفتوحة أيام 
الجمع وغيرها من الأعياد الإسلامية» وبالتوقف عن تحدث اللغة العربية 
وكتابتها خلال ثلاثة أعوام» وبتعلم اللغة القشتالية. وأمر بالتفتيش عن 
كل الكتب والوثائق المكتوبة باللغة العربية وحرقها إذا اعتبرت مسيئة 
دينياً. وأمر بحرق كل النصوص العربية في المملكة بعد ثلاثة أعوام بغض 
النظر عن محتواها. وأمر أيضا بحظر الحمامات العامة» وهدم القائم منها 
في غرناطة. وحظر بشدة ارتداء اللباس الأندلسي الرجالي والنسائي» بما 
في ذلك الملحفة. وأعطيت المورسكيات مهلة سنتين إلى أن تبلى ملابسهن» 
وبعدها تعاقب أي امرأة تشاهد بغطاء الوجه بسلسلة تصاعدية من 
العقويات: وهكذك قبعد سبعين غاما تقرياً من [دخال المورسكين قيرا 
في النصرانية» أصدر حكام إسبانيا ما كان في حقيقته صكاً للاستئصال 
الكامل للثقافة المورسكية من غرناطة» في وقت كانت فيه التوترات 


272 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


11- مرسوم غرناطة 
المتراكمة في المملكة على وشك الانفجار!!. 
نيبا نيبا لني 

لكنء ما تفسير هذا القرار البغيض؟ برر فيليب المرسوم دينياً بالتزامه 
بإنقاذ أرواح المورسكيين» لكن تصميمه المتصلب على فرض المراسيم 
القمعية التي جربها أسلافه ونبذوها كانت تدفعه -دون شك- مخاوف 
أخرى غير الرفاه الروحي للمورسكيين. فقد نتج المرسوم جزئيا عن 
الاعتقاد أن الاختلاف الثقافي للمورسكيين كان عاملا رئيسا في إعاقة 
تحوهم إلى نصارى. وبالنسبة إلى المتشددين من أمثال غيريرو وإسبينوزاء 
فإن المورسكيين ما كانوا ليقلعوا عن هذه العادات والتقاليد دون إرغامهم 
على ذلك. لكن المرسوم تأثر أيضاً باعتبارات جيوسياسية أوسع. فلجنة 
مدريد اجتمعت بعد عام فقط من النجدة الإسبانية لمالطة المحاصرة. 
ورغم الابتهاج العام في العالم النصراني هذا النصرء استمرت الشائعات 
حول هجوم تركي جديد في غرب البحر الأبيض المتوسطء تتواتر في 
أوروباء وكان البلاط الإسباني يسلم بأن صداماً كبيراً آخر كان وشيكاً. 

أدى هذا التوقع بلا شك إلى تركيز انتباه حكام إسبانيا على المملكة» 
التي جعلها قربها من شمال إفريقيا دائما منصة انطلاق للهجوم على 
إسبانيا نفسها. ولم يكن المورسكيون الغرناطيون حلفاء محتملين للأتراك 
في حالة أي هجوم مستقبلي فحسبء وإنم| أثبتوا أيضاً خيانتهم بتواطئهم 
مع القراصنة. هل كان المرسوم محاولة يائسة لإبعاد التهديد الأمني الذي 
شكله المورسكيون بتسريع عملية دمجهم؟ أم قصد به إعادة تأكيد سلطة 
التاج على جماعة مورسكية «منحرفة» اعتبرها التاج أضعف من أن تقاوم 
سلطته؟ 

ربا تكون الفرضيتان صحيحتين جزئياً. فقبل أن يعطي فيليب 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 273 


الدين والدم 

موافقته على المرسوم» طلب نصيحة أستاذ للاهوت بجامعة قلعة النهر 
يقال إنه أدمج المقولتين المألوفتين: «كلما زاد عدد الأندلسيين زاد الربح» 
و«كلما قل عدد الأعداء كان ذلك أفضل» في مقولة جديدة: «كلما زاد عدد 
الأندلسيين الموتى زاد الربح» لأن عدد الأعداء سيكون أقل». ويقال 
إن فيليب سرّته هذه الصياغة» با يوحي أنه كان مدركاً للتأثير المحتمل 
لقراره. لكنه لو توقع الثورة» لما دفع هو أو أي من وزرائه في اتجاه هذه 
الإمكانية. 

وفي مايو 1566.» عيّن فيليب عضو المجلس الأعلى لمحكمة التفتيش 
بيدرو دي ديثا 122 عل مرلءط رفسا ابحكية غرقاطة: وكان تعيين هذا 
المسؤول الطموح إشارة أخرى على تغير المناخ السياسي في البلاط. فلم 
تكن عائلة ديثا على عداء قديم مع عائلة مندوسه وحسبء بل كان ديثا 
أيضاً من أتباع إسبينوزاء وجاء إلى غرناطة بأوامر صريحة بفرض المرسوم 
حرفياً ورفض أي محاولة لتخفيف شروطه. وكان من العلامات المنذرة 
أن إنييغو لوبيث دي مندوسه. الذي كان حينها مركيز موندخار بعد وفاة 
أبيه» لم يعلم بالمرسوم إلا بعد وصول ديثا. 

وبمجرد أن علم القائد العام بمحتويات المرسوم» سافر إلى مدريد 
في محاولة لإقناع الملك بتغيير رأيه» لكنه لم يمنح مقابلة الملك. بل قابل 
إسبينوزا نفسه. الذي أخبره أن «القرار جاء من الأعلى باجتثاث الأمة 
المورسكية» من غرناطة. وحين حذّر المركيز من عدم وجود قوات 
كفاية في غرناطة لقمع ثورة المورسكيين» وعده إسبينوزا بثلاثائة جندي 
آخرين؛ واستبعد إمكانية الثورة» لأن المورسكيين «شعب حقير أعزل 
يفتقر إلى الصناعة أو الحصون أو أي مصدر للدعم». 

بيد أن هذه الثقة بالذات لم يكن لها أساس في غرناطة نفسهاء فلقد كانت 
العواقب الوخيمة للمرسوم واضحة للمورسكيين والنصارى على حد 


204 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئلا 1 


11- مرسوم غرناطة 

سواء. وبعد فترة قصيرة من وصوله؛ طلب ديثا من ألونسو دي أوروثكو 
م0:02 عل 50هواة الكاهن بكنيسة سان سلفادور في ربض البيازين أن 
يتحدث إلى مجموعة من المورسكيين القياديين» ويطلب مساعدتهم في نشر 
محتويات المرسوم الملكي بين السكان المحليين. ويمكن استخلاص بعض 
الدوافع الكامنة وراء قرار الملك من تعلييات ديثا لأوروثكوء الذي طلب 
منه أن يشرح للمورسكيين أن الكتب العربية «لا فائدة منها ومفسدة جدا 
لعقولهم» وأن أسلوبهم في الملبس «ينبئ حقاً بأنهم يكرهون أن يكونوا 
نصارى وأن ليس من الأمانة ولا اللياقة في المظهر أن يروح النصارى 
ويجيئون بلياس المسلمين». 

فعل أوروثكو ما طلب منه. مطمئناً المورسكيين على أنهم «إن فعلوا 
ذلك طوعاً وأظهروا أنهم يعيشون كما يعيش النصارى في المالك الأخرى» 
سيكونون أهلا للتكريم والعطف والاحترام». لكن المجموعة التي تحدث 
إليها هالتها مطالب المرسوم ورفضوا أن ينقلوا هذه الأوامر إلى السكان 
لأن الناس قد ترجمهم. ومع انتشار أخبار المرسومء أبدى المورسكيون 
الغضب واليأس والذعرء وأرسلوا مبعوثين إلى ديثا والبلاط في محاولة 
لإقناعهم بإبطال القرار. لكن الملك ووزراءه لم يلتفتوا لكل النداءات. 

جاء أبلغ دفاع عن موقف المورسكيين من فرانئيسكو نونيث مولاي» 
الغلام السابق لإيرناندو دي طلبيرة» الذي مثّل المورسكيين الغرناطيين في 
مناسبات سابقة مختلفة في التفاوض مع السلطات الإسبانية. قدم نونيث 
مولاي الذي كان حينها في آخر عمره. استغاثة متقدة إلى ديثا طالبا منه 
إبطال المرسوم أو التوصل إلى حلول وسط لبعض اشتراطاته. وقد نشرت 
حجج نونيث مولاي لاحقاً في واحدة من أهم الوثائق في تاريخ إسبانيا 
المورسكية. تكمن أهمية مذكرة نونيث مولاي المؤثرة في الفهم الرائق 
للعالم الثقافي لغرناطة المورسكية من جانب أحد أبنائهاء وأيضاً فيا تكشفه 


1_طماع !© :161 ]ألا 1 270 


الدين والدم 
من عدم الفهم والإجحاف. اللذين كانت إسبانيا النصرانية تنظر به) إلى 
ذلك العالم. 
تتكون المذكرة في معظمها من تفنيد نقطة بنقطة للمنطق والفرضيات 

الكامنة وراء مطالب المرسوم, حاول فيها نونيث مولاي أن يوضح عدم 
وجود ارتباط آلي بين التقاليد الثقافية المورسكية والممارسات الدينية 
الإسلامية. فدفع بأن الرقص الأندلسي عادة فولكلورية لا يهارسها 
المسلمون الملتزمون» بل يرفضونهاء وأن اللباس المورسكي في غرناطة 
أها مسألة ثقافة وليس دين لآن: 

كل ممالك قشتالة» وكل المالك والمقاطعات الأخرى 

لها أساليبها الخاصة في اللباس التي تختلف عن المالك 

والمقاطعات الأخرى. مع أغهم جما نصارى. وبالمثل 

يختلف أسلوب اللباس والملابس في هذه المملكة تماما 

عن لباس المسلمين المغاربة في شمال إفريقياء بل وتوجد 

اختلافات كبيرة أيضاً من مملكة لأخرى. فما يلبسونه في 

فاس لا يلبس مطلقاً في تلمسان» وما يلبسونه في تركيا 


. 


يختلف كلياً عما يلبسه المغاربة» ومع ذلك فإنهم جميعاً 

إذ ثاب ارين كدو فر كاسن النلمين 1 
رفض نونيث مولاي أيضا الربط بين الملحفة والإسلام. فكى| أن 
النصرانيات القدييأت كن يغطين وجوههن «حتى لا يتعرف إليهن الناس 
حين يردن ألا يُعرّفن»» دفع بأن النساء المورسكيات كن يفعلن ذلك 
من باب التواضع «حتى لا يقع الرجال في الإثم العظيم المتمثل في رؤية 
وجه المرأة الجميل» فيفتنون بها ويلاحقونها بوسائل مشروعة أو محظورة 
للزواج منها». ورفض الربط بين الحمامات العامة المورسكية والوضوء 


2/6 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


]!- مرسوم غرناطة 

والاغتسال الدينيين» مؤكداً أن القصد منها هو الصحة والنظافة ابغرض 
توفير مكان به ماء ساخن وبيئة حارة» لأن الإنسان حين يعرق يطرد 
الجسم كل أنواع القذارة والأخلاط السيئة». وأنكر الاتهامات بأن 
الحمامات كانت تستخدم للعلاقات الجنسية المحظورة» مذكراً ديثا بأن 
الرجال والنساء يذهبون إلى الحمامات في أيام مختلفة. ودفع بأنه لو كانت 
لدى النساء حقا «فكرة مقابلة عشاقهن بغرض الجنس؛ تلك الفكرة 
المقيتة» فمن الأسهل عليهن كثيراً أن يفعلن ذلك في أثناء الزيارات المنزلية 
أو زيارات الكنائس أو حضور الاحتفالات والألعاب. التى يتفاعل فيها 
الرجال والنساء عادة». ْ 

لكن إصرار نونيث مولاي المطلق على «أن اللغة العربية ليس لها علاقة 
مباشرة إطلاقاً بالدين الإسلامى» كان يستند إلى أسس أقل صلابة» وكان 
نقده لاقتراح حظلرها أقل قزق فقن ذكر ويفا بأن رئيس الأساقفة طلبيرة 
دمج اللغة العربية سابقاً في طقوس كنيسته. وأشار إلى وجود نصارى 
في أورشليم يتحدثون اللغة العربية ويلبسون لباس شمال إفريقيا وظلوا 
مع ذلك نصارى جيدين. وشدد أيضاً على الأهمية العملية للغة العربية 
في الحياة اليومية للمورسكيين الغرناطيين» من صكوك ملكية أراضيهم 
والسجلات الضريبية والحسابات إلى قوائم الألوان التي يستخدمها 
الصباغون في ورشهم. وحظر اللغة العربية لا (يعمي» المملكة فحسب» 
كما دفع» بل إن معظم المورسكيين لن يستطيعوا تعلم القشتالية ولو 
أعطيتهم عشرين عاماًء فم| بالك بالأعوام الثلاثة التي اشترطها المرسوم 
المذكور أعلاه». 

على أن تفكير نونيث مولاي الحليم يمتزج غالباً بالغضب. فقد 
هاجم فكرة أن المرسوم قصد به تعزيز الاندماج» وأشار إلى أنه حتى حين 


أذعن المورسكيون للمطالب النصرانية في المافي» ظلوا عرضة للتمييز 


١_طماع‏ !© :161 ]آنلا 1 277 


الدين والدم 
والإساءة: 

فعلى مدى الأعوام الأربعين الماضية» كان الناس هنا 

يتزيون على الطريقة القشتالية ويلبسون النعال؛ على 

أمل أن يُظهر صاحب الجلالة الرحمة ويمنحهم بعض 

الحريات أو يعفيهم من أعبائهم الضريبية أو يجيز لهم 

حمل الأسلحة. لكن شيئا من ذلك لم يحدث. فمع كل 

يوم يمرء يزداد شكلنا ومعاملتنا سوءاً في كل النواحي 

وبشتى الطرق» سواء من جانب ذراع الدولة العلماني أو 

ذراعها الديني» وتلك حقيقة معروفة لا تحتاج إلى مزيد 

من الإسهاب!7). 

على أن المساواة التي طالب بها نونيث مولاي للمورسكيين لم تكن 
عمومية. فقد حظر أحد بنود المرسوم على المورسكيين الاحتفاظ بعبيد 
زنوج» واشترط أن يغادر العبيد المعتقون غرناطة. على أن هذا المطلب 
لم يكن له علاقة بتحرير العبيد. فلقد امتلك النصارى عبيداء لكن عبيد 
المورسكيين كان ينظر إليهم باعتبارهم مسلمين وثواراً محتملين. وانتقد 
نونيث مولاي هذا الحظر متسائلاً «ألا يستحق هؤلاء السود حالتهم 
التعسة؟ هل يجب النظر إلى كل الناس على أنهم متساوون؟ دعهم يجلبون 
أباريق الماء على ظهورهم., أو يحملون الأثقال أو يعملون بالمحراث». 
كان هذا الرأي الأخير من الآراء القليلة التي يمكن أن يتفق فيها 

ديئا مع المورسكي المسشّنء الذي انتقد منطق المرسوم واستخرج نقائصه 
وسخافاته: كيف يمكن للمورسكيين أن يتركوا أبواءهم مفتوحة ويمنعوا 
سرقة بيوتهم؟ وكيف يمكن للنساء أن يتحملن شراء ملابس قشتالية إذا 
لم يتمكن من بيع ما يلبسنه حاليً؟ وكيف يمكن للمورسكيين أن يعرفوا 
«أنسابهم» إذا أجبروا على استخدام أسماء نصرانية؟ وماذا سيحدث 


2716 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


]| - مرسوم غرناطة 

لأولئك الذين سيعجزون عن تعلم القشتالية؟ 

يتجلى يأس غرناطة المورسكية في إصرار نونيث مولاي على أن 
المرسوم سيؤدي إلى «خراب المملكة وأهلها». وأخيرا دعا الرئيس ديئا 
إلى أن يتخيل كيف يمكن أن يكون رد فعل النصارى إذا أمروا بأن يلبسوا 
مثل المورسكيين» أو أن يتحدثوا العربية بدلاً من القشتالية» أو ألا يعزفوا 
موسيقى أخرى غير الزمرة» أو أن يغطوا وجوه نسائهمء أو أن يجروا 
أعالهم اليومية باللغة العربية بدلا من القشتالية. «هل يمكن أن يمتثل 
النصارى بالنظر إلى الأساليب المتنوعة لكل النصارى في هذه المملكة؟» 
وأجاب نونيث مولاي على السؤال بنفسه» مخبراً ديئا: «لن يمتثلواء وإنما 
سيموتون ويعانون تحت الأعباء والعقوبات». 

كانت هذه الحجج مقنعة وحاذقة» لكن لم يكن من الوارد أن تؤثر 
على رجل مثل ديثاء وهو ما كان نونيث مولاي يدركه يقينا. فردا على 
عرضه برفع الضريبة أو الفرضة التي كان المورسكيون يدفعونها لصيانة 
الدفاعات الساحلية لغرناطة» أجاب ديثا بأن الملك «أراد إيمانا وليس 
فرضة» وأنه شدد على أن إنقاذ د واحدة أهم من كل الدخل الذي 
يمكن أن يأتيه من المورسكيين ارين حديثاً). أوجزت هذه العبارة 
الفرق الأساسي بين إسبانيا شارل الأول وإسبانيا ولده. ومع أن ديثا كان 
مهيا لتقديم بعض البوادر اللبقة لتيسير تقدم المرسومء منها مثلا الوعد 
المشكوك فيه بأن التاج سيتحمل نفقات تعليم الأطفال المورسكيين, إلا 
أنه ظل متصلباً. 

واختار ديثا تاريخ الأول من يناير 1567» ذلك التاريخ الرمزي 
الذي كان يوافق ذكرى استسلام غرناطة الرسمي لإيزابيلا وفيردناند» 
لنشر أوامر الملك. ونشر المرسوم الملكي في المملكة عبر منادين جابوا 
البلدات مصحوبين بالطبول والقرون والأبواق. ومع أن اشتراطات 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 0م20 


الدين والدم 
المرسوم لم يكن مقرراً أن تطبق إلا بعد عامء فقد هدم الحمام المزخرف 
القريب من قصر الحمراء بعد ذلك بقليل في تأكيد لنيته وتصميمه. وبدأ 
الكهنة يجمعون قوائم بالأطفال المورسكيين في أبرشياتهم كي يرسلوا إلى 
المدارس النصرانية. أثارت هذه القوائم شائعات بين المورسكيين تقول 
إن أطفالهم سيؤخذون من غرناطة إلى قشتالة» ما عزز غضب الأهالي 
ويأسهم. ومع انسداد طريق المفاوضات تامأ أخذ بعض المورسكيين 
ينظرون باستسلام إلى الموعد النهائي الوشيك. في حين كان اخرون 
يستعدون للمقاومة المسلحة. 
9 

وحتى قبل إعلان المرسوم؛ حذّر الزعماء المورسكيون والمسؤولون 
النصارى الأكثر دراية فيليب ومستشاريه من إمكانية أن يؤدي المرسوم إلى 
رد فعل عنيف. وفي السنة التالية بدأ بعض القادة المورسكيين الاستعداد 
للثورة. كان هؤلاء الزعماء مجموعة متباينة ضمت أعضاء سابقين من نخبة 
الدولة النصرية ومورسكيين ساخطين كانوا يعملون في الإدارة النصرانية 
وقطاع طرق. ومع ذلك فلم يكن تأييد الثورة عاماً بين المورسكيين» إذ 
دفع بعض المورسكيين بأن ملك إسبانيا كان أقوى من أن يخرجوا عليه 
ونصح آخرون بأن التتائج السلبية للمقاومة المسلحة ستكون أسوأ من 
المرسوم نفسه. لكن أنصار الثورة احتجوا على هذه الحجج بالإشارة 
إلى أن نشر أعداد كبيرة من الجنود الإسبان في منطقة الفلاندر وإيطاليا 
أضعف دفاعات إسبانيا الداخلية» وألحوا على أن أي مقاومة كانت أفضل 
من المستقبل الذي كان على وشك أن يفرض عليهم بالقوة. 

كان المورسكيون الحضريون عموماً أكثر تردداً في توريط أنفسهم 
في الثورة» وبخاصة في البلدات والمدن التى كانوا يعيشون فيها بجانب 
النصارىء في حين وجد الثوار جمهوراً أكثر تعاطفاً في غرناطة الريفية» 


260 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


11- مرسوم غرناطة 
ولاسيما في قرى جبال البشرات. واستمد بعض المورسكيين الإلهام 
من النبوءات الدينية أو الجفور التي انتشرت في غرناطة حينذاك التي 
تنبأت بالانهيار الوشيك لإسبانيا النصرانية وعودة الحكم الإسلامي في 
ظل ملك تركي. وتنبأ نص اكتشفته محكمة التفتيش بأن الملكين جبريل 
وميكائيل سيأتيان قريباً في غيمة من الطيور لإعلان مجيء ملك أندلسي 
عديد:وقيات تصوص أحرى با شرا ساسا سبيت يطريقة إعخازية 
عبر مضايق جبل طارق ليمكن جيشاً إسلامياً من العبور إلى إسبانيالة). 
وبدأ الثوار أيضا يطلبون المساعدة من الخارج. ففي إبريل 1568, 

اكتشفت السلطات الغرناطية رسالة من ثائر مورسكي يدعى محمد بن 
داوود» وأرسلتها إلى البلاط الإسباني. كانت الرسالة موجهة إلى بيلرباي 
الجزائر القلج تطلب منه المساعدة للثورة» وتعدد بالتفصيل الإساءات 
المختلفة التي عانى منها المورسكيون في غرناطة» من اضطهاد محكمة 
التفتيش ومحظورات المرسوم الملكي إلى إدخالهم قسراً في النصرانية 
وإخضاعهم لليهود. في إشارة إلى الانتشار المدرك للمُتَضَرين اليهود بين 
قيادات الكنيسة. وتألفت الرسالة في معظمها من شجب مرير للدين 
النصراني» الذي فرض عل المورسكيين: 

حين يدق الجرسء يجب أن نتجمع كي نعبد صورة 

كريهة» 

وفي الكنيسة يزعق الواعظ بصوت مزعج كصوت 

المومةه 

يشيد بالنبيذ ولحم الخنزير» ويقام القداس بالنبيذ. 

ثم يدعي زيفاً أن تلك هي الشريعة الإلهيةتا. 

وأرسل الثوار أيضاً ممثلين كثيرين إلى القسطنطينية وشمال إفريقيا 

طلباً لدعم الثورة» لكن رد الباب العالي كان حذراً وفاتراً. فسليم الثاني 


1_طماع !© :11 ]أللا 1 28١‏ 


الدين والدم 


وريث سليان رأى أن إمكانات نجاح الثورة ضعيفة» واقتصر التضامن 
الإسلامي في البداية على مدهم بالأسلحة والتجهيزات» ووعود بمدهم 
بالجنود عن طريق أتباع السلطان في شمال إفريقيا. وعلى مدار عام 21567 
أخذ زعماء الثوار يجوبون غرناطة متنكرين في هيئة شحاذين وحجاج 
تضارى: ليجمعوا شرا أساء الرجال المستعدين للقتالة وليجمعوا 
معلومات استخبارية حول دفاعات المملكة. وفي حين كان صناع 
الأسلحة المورسكيون يصنعون أسلحة ويخزنونها سراء اشترى زعماء 
الثوار البنادق والذخيرة من القراصنة. وبحلول غهاية العام رأى الثوار 
أنهم جندوا للقتال نحو ثانية آلاف متطوع عبر المملكة. 

وفي يناير 1568» دخل المرسوم الملكي حيز التنفيذ رسميا. ومع 
أن محكمة التفتيش ذكرت في تقاريرها أن أغلب المورسكيين بدا أنهم 
يمتئلون لاشتراطاته» ظلت غرناطة تغلي بشائعات الثورة. وتواصلت 
التقارير حول جرائم القتل والسرقة على أيدي قطاع الطرق والغارات 
من القراصنة. بلغ هذا المناخ الملبد بالترقب والفزع ذروته بتقارير الطوالع 
والنذر» من ولادات حيوانية تتميز بطفرات إلى ظهور مذنبات ونجوم 
غير معروفة وغنامات من الطيور الغريبة. كان الثوار يخططون لبدء 
ثورتهم في خميس العهد”"» لكن التاريخ أرجئ بعد شائعات بأن السلطات 
علمت بنواياهم. وفي ليلة السادس عشر من إبريل الممطرة» كان الهلع 
يسيطر على العاصمة الغرناطية لدرجة أن بعض النصارى فهموا خطأ 
أن المصابيح المتوهجة التي كان الحراس الليليون النصارى يحملونها فوق 
3 خمي العيد أ كن الخسل أو سمس الأتر ار هو ليلة العشاء الأخير الذي تناوله المسيح 

مع تلاميذهء وهو يوم الخميس السابق لعيد الفصح, وفيه يحبي النصارى ذكرى العشاء 

الأخير, الذي تناوله المسيح قبل موته وغسل فيه أرجل تلاميذه؛ وعلمهم كيف يخدم بعضهم 


بعضاء ولذلك يقوم الكاهن في كثير من الكنائس الكائوليكية والبروتستانتية بغسل أرجل 
مساعديه [المترجم]. 


262 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


11- مرسوم غرناطة 
ربض البيازين هي إشارة الثورة. وفي وسط الأمطار المنهمرة سيقت 
النساء والأطفال النصارى إلى الكنائس للحايتهم. في| تقدم مئات الرجال 
المسلحين» ومنهم الرهبان» نحو ربض البيازين لذبح المورسكيين قبل أن 
يقنعهم موندخار وديثا بأن الإشارة كانت إنذارا كاذبا. 
ومع أن الثوار واصلوا استعداداتهم. فقد ظلوا يواجهون صعوبة في 
إقناع السكان بأن الثورة يمكن أن تنجح. وفي سبتمبر» وفقا للمؤرخ 
الغرناطي دييغو أورتادو دي مندوسة. التقى أحد زعماء الثوار» وهو 
مورسكي يدعى فرناندو دي بالور كان يعرف باسم الصغير تعناوة2 اه 
من اسمه العربي ابن جهور «الصغير»» بمجموعة من إخوانه في الدين 
في أحد بيوت البيازين» حيث ذكرهم بالإساءات التي تنهال عليهم على 
مر السنين» وعدّد العواقب الوخيمة للمرسوم الملكي. وني الكلمة التي 
نسبها إليه مندوسه. ذكر الصغير المورسكيين المتجمعين بالخيارات الكتيبة 
إننا نعامل بين النصارى كأندلسيين ونحتقر كأندلسيين» 
في حين يعاملنا إخوتنا المغاربة لا كأندلسيين وإنا 
كمرتدين أو نصارىء ولا يمد لنا هؤلاء أو أولئك يد 
العون أو يثقون بنا. إننا مبحرومون من كل ما يجعل الحياة 
جيدة» ولايُسمح لناحتى بالدفاع عن أنفسنا. لقد منعونا 
من تحدث لغتناء مع أننا لا نفهم قشتاليتهم. بأي لغة 
إذن نتبادل الأفكار ونطلب الأشياء ونعطي الأشياء؟ 
إن الناس بلا لغة لا يستطيعون أن يتعاملوا مع بعضهم. 
بل إن الحيوانات نفسها غير محرومة من فهم الأصوات 
البشرية. ومن ذا الذي 0 يتحدث 
القشتالية لا يستطيع أن يعتنق شريعة النبي محمد أو أن 


1_طماع !© :]ألا 1 283 


الدين والدم 
الإنسان الذي يتحدث العربية لا يستطيع أن يتمسك 
بشريعة السيد المسيح؟!6! 
ونتيجة للتحريض من جانب الصغير» شرع الثوار في البحث عن 

ملك لقيادة الثورة. وفي نهاية العام استقروا على ابن أخيه» وهو ابن وجيه 
مورسكي ساخطء وعضو سابق بالمجلس البلدي لغرناطة يدعى فرناندو 
دي بالور :7/210 عل 00مةممء15 من مدينة الصغير» سبق أن حوكم أبوه 
أمام محكمة التفتيش. كان بالور يرتبط مولداً بالمؤسسين الأمويين لخلافة 
قرطبة الأصلية» وكان في ذلك الحين قيد الإقامة الجبرية في منزله» لأنه 
رفع خنجره في اجتماع أحد المجالس. ومع ذلك فقد قبل بالور الدعوة إلى 
أن يصبح ملك غرناطة» ورجع إلى اسمه الإسلامي ابن أمية في استدعاء 
مقصود لأيام عز الأندلس. وفي ديسمبر 21568 أي بعد سنة تقريباً من 
سريان المرسوم؛ توج ابن أمية سراً ملكاً في بلدة صغيرة"© بالقرب من 
غرناطة» وزين بالأرجوان وأحيط بأربعة رايات وفق العادات القديمة 
للأمويين. وفي ذلك الشهرء أطلق المورسكيون ثورتهم أخيراً. 


(1) هي بلدة قديار أو بنثار في المصادر العربية [المترجم]. 


204 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


12 


«حرب صغفيرة قذرة» 


من بين كل الحروب الأهلية التي شهدتها إسبانياء كانت ثورة 
المورسكيين؛ المعروفة تاريخياً بحرب البشراتء أكثرها وحشية ودموية. 
وكا كانت الحال في عامي 1501-1500» تمثل مركز الثورة في الحصن 
الطبيعي العظيم» الذي كانت توفره جبال البشراتء لكن الحرب الثانية 
كانت أكثر تدميرا وشمولا بكثير من سابقتها. كانت الثورة التي تميزت 
بغياب الأفكار الأولية عن الإنسانية أو القيم الأخلاقية وسيادة الجشع 
والثأر والعواطف العرقية والدينية القاتلة» السابقة التي جرت على منواها 
الحروب الدينية الأوروبية بالقرن السابع عشر. صوّر الجندي والمؤرخ 
الغرناطي لويس دي مارمول كارباخال شلالات المذابح وعمليات 
الحصار والكمائن والأعمال الوحشية المتبادلة بتفصيل مروّع في كتابه: 
تاريخ ثورة المورسكيين في تملكة غرناطة وعقابهم» (1600)» الذي يحوي 
أكثر الروايات شمولاً» وربها موضوعية أيضالهذه الحرب. ومارمول الذي 
كان يتحدث اللغة العربية وشارك في حروب إسبانيا في شمال إفريقياء 
حارب في الجانب النصراني أثناء الثورة» وشهد الكثير من الأحداث التي 
وصفها. ىا يوجد وصف ينحو إلى النقد للسلوك النصراني في الحرب 
في كتاب دييغو أورتادو دي مندوسه: «الحرب في غرناطة»» الذي وزع 


255 
1_طماع !© :161 ]أللا 1 


الدين والدم 

لسنوات في شكل مخطوطة قبل نشره أول مرة في عام 1627. كان مندوسه 
مركيز موندخار والدبلومامي والجندي السابق والشاعر وعم القائد 
العام لغرناطة في ذلك الوقتء منفيا في بيت طفولته في قصر الحمراء إبان 
المراحل الأولى للثورة بعد مشاحنة عنيفة في بلاط فيليب. 

ومع أن عمر الرجل الكبير حال دون أن يحارب بنفسه» فقد راقب 
النزاع الذي أسماه «حربا صغيرة قذرة» عن كثب» وصوّر حماقاتها 
وكوارثها بلغة نثرية ساخرة ولاذعة تذكرنا بالتواريخ التي كتبها نموذجه 
العظيم تاكيتوس©. كا أرّخ للثورة أيضاً صانع الأحذية والجندي والشاعر 
المرسبى" الفذ خينيس بيريث دي هيتا 1118 عل 2عرء2 65مذ0 في كتابه: 
«"حرب المورسكيين» (1619)» الذي جاء مزيجاً من القص الروائي والشعر 
القصصي والتاريخ السردي. وى هي الحال مع مارمول. حارب بيريث 
دي هيتا هو الآخر في صفوف الجيوش النصرانية» لكنه كشأن مندوسه 
انتقد بشدة سلوك الحرب النصراني. وفي حين أنه على خلاف معاصره 
الغرناطي» يمتزج عنده الاشمئزاز من سلوك الجانب الذي قاتل فيه في 
الحرب مع تعاطف قوي مع المورسكيين وحنين «أندلسي» رومانسي إلى 
الماضى الأندلسى لغرناطة. وبعد أكثر من أربعة قرون من الحدثء لاتزال 
هذه القوأزيتة الثلاثة المختلفة تماماً تشكل المرجع الرئيس للحرب الضارية 
التي عرّضت إسبانيا الهابسبورغية لإحدى أخطر الأزمات الأمنية التي 
واجهتها في القرن» وكتبت كلمة النهاية لغرناطة المورسكية. 

عاد د 

ز ز 7 2 0012 ا ا 0 < (56 إلى 117 بعد الميلاد) مؤرخ 

وخطيب ورجل دولة روماني» ولد في شمال إيطاليا لأسرة نبيلة» تولى مناصب عديدة؛ من 

أهم كتاباته «التواريخ» و«الحوليات» و«حياة أغريكولا» و«جرماتية»؛ تميز بروعة أسلوبه 


ودقة عباراته» ويمثل ذروة التدوين التاريخي الروماني [المترجم]. 
(2) نسبة إلى مرسية [المترجم]. 


236 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


2- «رحرب صغيرة قذرة» 

بعد شهور طويلة من الشائعات والترقبء. وجه الثوار ضربتهم الأولى 
أخيراً في عشية عيد الميلاد عام 1568 في أثناء تساقط الثلوج» حين قُتلت 
كتيبة من الجنود النصارى في مقرها في قرية قديار 080186 المورسكية 
ببدوء وهم في مخادعهم. ولم تصل هذه الأخبار إلى العاصمة الغرناطية 
حتى الليلة التالية» وحينها تأهب آلاف المورسكيين للنزول إلى المدينة من 
جبال البشرات ومفاجأة السكان النصارى وسط احتفالات عيد الميلاد. 
لو حدث اهجوم كا كان مخططاً له. لربها سقطت العاصمة الغرناطية سيئة 
الدفاعاتء وتغيرت نتيجة الثورة؛ لكن الخطة ألغيت في الدقيقة الأخيرة 
بعد أن جعلت الثلوج الكثيفة الطرق غير قابلة للحركة تقريباً. وبدلاً من 
ذلك تسلل مئة قاطع طريق أو نحو هذا العدد بقيادة صباغ وسجين سابق 
لمحكمة التفتيش يدعى فرج بن فرج" إلى غرناطة في الساعات الأولى في 
وسط العاصفة الثلجية» وشقوا طريقهم مباشرة إلى ربض البيازين. أخذ 
الرجال يعزفون على المزمار والآلات الموسيقية الأخرى وينادون باسم 
محمد وهم يجوبون الشوارع ويحئون أهلها المورسكيين على الخروج من 
بيوتهم والانضمام إليهم. وكان رجال فرج قد جلبوا معهم سلالم من الحبال 
هدف اعتلاء أسوار قلعة قصر الحمراءء لكن سكان البيازين لم يجدوا 
تشجيعا في عدد الثوار الصغير» فرفضوا الخروج والانضمام إليهم. استاء 
قطاع الطرق من عدم استجابة الأهالي» فحاولوا اقتحام المدرسة المورسكية 
التي أنشأها اليسوعيونء لكنهم لم يتمكنوا من تحطيم أبوابها وانسحبوا إلى 
البشرات مع وصول أخبار وجودهم إلى السلطات النصرانية في المدينة. 

وخلال الأيام القليلة التالية اتتشرت الثورة سريعاً في أنحاء بلدات 
وقرى البشرات كافة؛ وبداً المورسكيون في فرض انتقام مرعب 
على السكان النصارى. فأخذوا يسوقون الكهنة والحفظة والرهبان 





(1) «فتف تاوخ »نوو يعرّب بعضهم اسم هذا الرجل إلى فراس بن فراس [المترجم]. 


11_طماع !© :1]61]أللا 1 217 


الدين والدم 

والمسؤولين العلمانيين عراة عبر الشوارع وأيديهم مربوطة وراء ظهورهمء 
ويستخدمونهم كأهداف حية للتدريب عل البنادق والأقواسء في حين 
احتفظوا بأقسى العقويات لرجال الدين. فحفروا لبعض الكهنة صلباناً 
على وجوههم قبل أن يطعنوهم ويمزقوهم حتى الموت. ووضعوا 
لبعضهم بارودا في آذانهم أو أفواههم ثم أشعلوه. أو غلوهم أحياء في 
والإبر أو يرجمنهم حتى الموت. 

وفي بعض القرى أخذ المورسكيون يقلدون الطقوس الدينية التي 
فرضت عليهم بطريقة ساخرة» فارتدوا رداء الكهنة وهم يعذبون 
ضحاياهم. وفي لوشر دي اندركى ةلث عل عقطعندآ ربط الكاهن 

8 7 عو - 

المحلٍ على كرسي أمام مذبح الكنيسة» في حين أمر حفظته بقراءة سجل 
وتقدمت رعيته السابقة واحدا تلو الآخر بعد ساع اسمه ليصفع كل منهم 
معذبه السابق أو يلكمه أو يبصق في وجهه. وبعدها انتزعت عينا الكاهن 
ولسانه وأجبر على أكلها. وفي قرية خرايراتة 2988:د1. دخل الأهالي 
فجزوا رأسه ووضعوه في حوض من النبيذ. وني الدير الأوغسطيني في 
جسيقة 1[9ع0106» وفقاً لأورتادو دي مندوسه؛ صب المورسكيون زيت 
زيتون مغلياً في بالوعات البناية التي لحأ إليها الرهبان» و«ساعدتهم في 
ذلك وفرة زيت الزيتون الذي جعله الرب وفيراً في تلك الأجزاء لقلى 
رهبانه وإغراقهم». 

وفيها لا يزيد على ستة أيام» قتل الثوار زهاء ثلاثة آللاف نصراني من 
كل الأعمار ومن الجنسين, إذ تكررت هذه المشاهد البشعة في القرى عبر 
البشرات. ووفقاً لأسطورة نصرانية» عرض الثوار الصفح عن ضحاياهم 


288 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


2- ررحرب صغيرة قذرة) 

إذا ارتدوا عن دينهم» لكن النصارى لم يقبلوا هذا العرض. وقد حاولت 
كنيسة غرناطة لاحقاً أن تطوّب «شهداء البشرات» جماعياء لكن هذه 
الدعوات نجحت فقط في حالة ماركوس كريادو 01400 5مع,ة1/1؛ 
الراهب من قرية لابيثة 1.328 الذي قيل إنهم انتزعوا قلبه فوجدوا اسم 
السيد المبيح منقوشاً عليه» وهو ما اعتبر معجزة. 

صدمت وحشية عمليات القتل إسبانيا النصرانية» التي اعتبرتها عموما 
تأكيداًلهمجية المسلمين وكراهيتهم للكاثوليك. وكتب فيليب نفسه لاحقاً 
«إن مجرد رؤية ما فعله المورسكيون في وقت ثورتهم» حين قتلوا كثيراً من 
الكهنة والنصارىء يكفي لتبرير الصرامة مع هؤلاء الناس». وهي ملاحظة 
تجاهلت إسهامه الكارثي في صنع الثورة!!]. وقد كان دييغو أورتادو دي 
مندوسه من المراقبين القلائل» الذين اعترفوا بمسؤولية المجتمع النصراني 
نفسه عن الثورة» حين كتب «بعض من ارتكبوا هذه الجرائم كانوا ثمن 
اضطهدناهم بوحشية» وبعضهم من قطاع الطرق الذين هيأتهم طريقة 
حياتهم لهذه الوحشية» فأصبحت جزءاً من طبيعتهم»!2'. لم ينفجر غضب 
المورسكيين في الناس فقطء وإنما أحرقوا بنايات الكنائس ودمروا ما 
بداخلهاء وحطموا صور المسيح المصلوب وتائيله بالمطارق» وخربوا 
المذابح» وفي حالة واحدة جروا حوض التعميد إلى الشارع واستخدموه 
حوضا لشرب الحيوانات. وبالنسبة إلى كثير من النصارى الإسبان كان 
هذا ا هجوم يربع صدى «غضبة تحطيم الصور والتاثيل الدينية»» التي 
اتتشرت عبر هولندا في صيف عام 1566» حين هاج الغوغاء الكالفينيون 
على الكنائس الكاثوليكية» وأخذوا يحطمون نوافذها ذات الزجاج 
المرسوم وتماثيل المسيح والعذراء. ربم| كان المورسكيون في جبال البشرات 
يعرفون أو لا يعرفون تأكيد مجمع ترنت على الصور التعبدية» لكن هذه 
التماثيل والصور كانت بالنسبة إليهم رموزاً للظلم الذي تعرضوا له في 


١_طماع‏ !© :161 ]آئلا 1 و28 


الدين والدم 
حياتهم اليومية» وكان تدميرها رفضاً لما ترمز إليه من ناحية» وشكلاً من 
التنفيس العنيف من ناحية أخرى. 
كان نبذ الكاثوليكية يصحبه إعادة تأكيد الإسلامء إذ بدأ المورسكيون 
من كل الطبقات الاجتاعية يارسون العبادات الإسلامية علانية لأول 
مرة مذ سبعين عاماً. من ذلك آن كمة التفتيئن حاكمت السيدة 
كونستانسا لوبيث 1.662 008518868 'إ30.آ الوجيهة المورسكية من بالور 
قرية ابن أمية لاحقاًء لأنبا صلت وأثنت على النبي محمد علناً في بداية 
الغورة. ووفقاً لمحكمة النفتيش» فإن السيدة كوتنتانسا اتخدفت أجزاء 
من رافدة المذبح المحطمة بكنيستها المحلية كحطبء وقالت لجيرانها 
النصارى «ماذا كنتم تظنون؟ أن العالم سيظل عالمكم؟ ولآنكم ألبستمونا 
يقة معينة سنصير نصارى؟ على كل» فإننا كنا وسنظل نفعل ما نريد» 
لأننا كنا أندلسيين وسنظل أندلسيين»031©. ولا شك في أن كثيراً من 
المورسكبين كانت تحركهم مشاعر ممائلة» لكن سلوكهم لم يكن يتفق دائأ 
مع التقاليد الدينية الإسلامية ى) يذهب مارمول: 
كان من المذهل أن نرى أنهم - كبارا وصغارا- ملمون إلى 
هذا الحد بطائفتهم الملعونة» فقد كانوا يصلون لمحمد/© 
ويقيمونالمواكب والصلوات. وكانت النساء المتزوجات 
يكشفن صدورهن والعذارى رؤوسهن وشعرهن متدل 
حول أكتافهن وهن يرقصن علناً في الشوارع ويعانقن 
الرجال» حيث كانت وعوهن” الصغيرة ترقص 
(1) راجع حواشي سابقة حول اخلط بن القومية ارقي والقافية من جانب والدين أو القوية 
الدينية من جانب آخر [المترجم]. 
(2) يقصد الصلاة الإسلامية العادية» لكنه را اعتقد أن المسلمين يصلون لنبيهم كما يفعل 


المسيحيون» وربما هي محاولة مقصودة لتشويه الإسلام باعتباره ديناً يعبد أتباعه نبيهم [المترجم]. 
(3) كأنه يوبخ الرجال الذين قبلوا أن تفعل نساؤهم هذه الأفعال [المترجم]. 


250 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


2- برحرب صغيرة قذرة» 
أمامهن» ملوحات بمناديلهن في الهواء وصائحات بأعللى 
أصواتهن بأن زمن السذاجة قد حل !4. 

على أن المورسكيين لم يشاركوا جميعاً في ازمن السذاجة)0©. فقد رفض 
كثير من المورسكيين الانضمام إلى الثورة» وقتل بعض المورسكيين الذين 
اعتنقوا النصرانية عن قناعة» لأهم رفضوا الارتداد عنها. وكذلك لم يكن 
النصارى يُقتَلون دائ). فمعظم النصارى سجنوا أو أخذوا رهائن» وفي 
بعض الحالات ساعد مورسكيون أصدقاءهم وجيرانهم النصارى على 
الهرب. وني أرجبة» استطاع السكان النصارى اتخاذ الكنيسة المحلية ملجأ» 
وصدوا عدة هجمات مورسكية. وكما لاحظ أورتادو دي مندوسه.؛ فإن 
بعض أسوأ الأعمال الوحشية نفذها قطاع الطرق» وبخاصة زعيمهم فرج 
بن فرج الذي أصبح اسمه سريعاً رمزا للوحشية في غرناطة النصرانية. 
وفي بداية يناير» دعا ابن أمية إلى إيقاف هذه المذابح في محاولة لفرض 
النظام على الثورة» حتى بعد أن بدأ الهجوم المضاد النصراني الحتمي. 

عاد عاد جد 

كان الفشل في الاستيلاء على العاصمة الغرناطية ضربة كبرى للثورة» 
وهو ما اتضح سريعاً حين جاب المركيز موندخار المدينة بحثاً عن الثوار 
في الثالث من يناير بقوة جمعت على عجل مكونة من ألفي جندي مشاة 
وفارس. وفي خلال أسبوع, استعاد جنود موندخار السيطرة على القرى 
الثائرة في مرج غرناطة» ووصلوا إلى الجسر الوحيد عبر حنجرة طبلانة» 
الذي يوفر الطريق الوحيد إلى البشرات. وحين وجدوا أن الثوار أزالوا 
أغلب الأخشاب من الجسر لدرجة جعلته غير قابل للعبور فعليأ» أمسك 
راهب فرانسيسكاني سيفاً في يد وتمثال المسيح المصلوب في اليد الأخرى. 
وقاد مجموعة من الجنود النصارى فوق الإطار غير الثابت للجسرء في حين 
(1) السذاجة معنى اهل والبربرية والتحرر من ضوابط الخضارة [الترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 201 


الدين والدم 


كان المورسكيون يمطروهم ببركوباتهم وأقواسهم من المنحدر المقابل. 
واستطاع هؤلاء الجنود في النهاية أن يدفعوا الثوار إلى الوراء ويعيدوا بناء 
الجسر كي يتقدم رجال موندخار دون مقاومة عبر وادي القرن للتخفيف 
عن التصارى المحاصرين في أرجبة» الذين قاوموا اهجوم المورسكي 
لسبعة عشر يوماء وكانوا على حافة المجاعة. 

تحرك موندخار بعدها بسرعة وحسم كبيرين في قلب مركز الثورة في 
المناطق الإدارية الأندلسية السابقة المعروفة باسم الطاعات”" بين أرجبة 
وسيرانيفادا. وتحت موجات متناوبة من العواصف الثلجية والأمطار 
الغزيرة ودرجة حرارة دون الصفرء تسلق الجنود النصارى هذه الجبال 
ودخلوا مع الثوار في سلسلة من المعارك القصيرة والوحشية. ففي الوديان 
الوعرة وعلى القمم النائية تعالت صيحات المعارك القديمة» منادية 
بالقديس جيمس والنبي محمد مختلطة بصرخات الجرحى والمحتضرين 
واصطدام الحراب والسيوف وفرقعات البنادق حين اشتبك النصارى 
مع الرجال والنساء وحتى الأطفال المورسكيين. ورغم تمكن المورسكيين 
من التضاريسء فإخهم كانوا يفتقرون إلى التدريب العسكري والأسلحة 
والخيرة» بل كان أغلبهم يقاتلون بالحجارة. 

ونتيجة لذلك» تحققت الغلبة سريعا لجنود موندخارء وتقدموا لإعادة 
فرض سلطتهم على القرى الثائرة بكفاءة تفتقر إلى الرحمة. فبعد هجوم 
نصراني على موقع مورسكي حصن في قلعة واجرش 0103366 5م.آ» 
أمر القائد العام بذبح الباقين على قيد الحياة من المورسكيين. وفي قرية 
جبيل» قتل العشرات من الأسرى المورسكيين بدم بارد حين حاولوا أن 
يمنعوا جندياً نصرانياً من اغتصاب امرأة مورسكية. ومع سقوط القرى 
(1) الطاعات 15935 تقسيم إداري أندلسي يقابل «المحافظات» الحديثة [المترجم]. 
(2) 1165طنة في اللغات الأورويية [المترجم]. 


202 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


2- برحرب صغيرة قذرة» 

المورسكية أمام التقدم النصراني القاسيء تراجع الثوار إلى المرتفعات 
المغطاة بالثلوج» واصطحبوا معهم عائلاتهم وأسراهم النصارى» وجنود 
موندخار يلاحقونهم بحاس. وبحلول نباية يناير» كانت الثورة قد 
أوشكت على الهزيمة بفضل الاستجابة السريعة من القائد العام. تناقص 
جنود ابن أمية إلى بضع مئات معزولين على الجبال العالية» وأخذ بعض 
كبار قادته يفكرون في الاستسلام. وعبر البشراتء كان المورسكيون 
يتوسلون السلام ويناشدون موندخار ال رحمة. 

استجاب القائد العام إيجابيا لهذه العروض ووعدهم بالعفو 
وضمان العبور الآمن للمورسكيين الذين لم يشتركوا في قتل النصارى 
بطريقة مباشرة. وعند هذه النقطة يمكن القول إن الثورة قد انتهت» 
لكن أعداء موندخار السياسيين في غرناطة بدأوا يرسلون تقارير إلى 
فيليب وإسبينوزا يتهمونه فيها بالفشل في مواصلة الحرب بكفاءة» وأنه 
تصالحي أكثر من اللازم مع الثوار. وكان موندخار مشغولاً بالعمليات 
العسكرية في البشراتء مالم يمكنه من دفع هذه الاتهامات التي وجدت 
أذاناً صاغية في البلاط الإسباني. وقد وصلت أخبار ثورة المورسكيين في 
وقت عسير كانت منطقة الفلاندر فيه لاتزال تغلي بالفتنة» رغم القمع 
الوحشي من جانب دوق ألبة و«مجلس القلاقل2”" التابع له في الصيف 
السابق. خاف فيليب» وكان محقاً في ذلك» من أن تجرَئ ثورة المورسكيين 
أعداء إسبانيا عليهاء وأمر نائبه في نابولي في العشرين من يناير أن اايتكتم 


(1) مجلس القلاقل وعاطنامم1 2ه 1نعمناه© (بالهولندية معرعممء8 738 2330 وبالإسبانية 
113ل 105 عل 3[1وناط151) محكمة خاصة أنشأها فيرناندو دي ألفاريث دوق ألبة الثالك 
زعماء الفتنة في «القلاقل» السياسية والدينية في الأراضي الواطئة» عرف أيضا ب« مجلس الدم» 
بسبب أحكام الإعدام الكثيرة التي أصدرها بحق الهولنديين» وألغي المجلس رسمياً في عهد 
خليفة ألبة في عام 1574 في مقابل معونة مالية من البرلمان الهولندي» لكنه ظل منعقداً حتى 
الدلاع الثورة في بروكسل في صيف عام 1576 [المترجم]. 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 203 


الدين والدم 

على مسألة غرناطة»31. 

أقنع فيليب مستشاروه بأن الحملة ضد الثوار متوقفة» فقبل اقتراحاً 
من ديثا وحلفائه بالسماح للنبيل المرسي دون لويس فاخاردو كتنانآ 1202 
0 مركيز بلش”'" بحشد جيش خاص على نفقته والقيام بحملة 
جديدة ضد الثوار من الشمال الشرقي. وجاء تعبين هذا الأرستقراطي 
المعادي للمورسكيين ليقسم الحملة النصرانية إلى جبهتين منفصلتين بلا 
تنسيق بينها. عبر دي بلش إلى البشرات من خلال المرية» وسرعان ما 
أكد شهرته بين المورسكيين ب«الشيطان ذي الرأس الحديدي» هجوم 
دموي على قرية فليش *ذاء5 الجبلية المورسكية. وسرعان ما انهار أمامه 
المورسكيون الذين كانت الأحجار في الغالب هي سلاحهم الوحيد. 
وفضّلت نساء مورسكيات كثيرات أن يلقين بأنفسهن من فوق الجبال 
على الأسر والعبودية. وخر آخرون على ركبهم ممسكين بصلبان من 
خشب يستجدون الإبقاء على حياتهم. 

لم يبد جنود دي بلش أي رحمة أمام التوسلات, فأعدموا مئات الرجال 
والنساء والأطفال فوراً أو رموهم في الوديان المحيطة» وقتلوا حتى 
الكلاب والقطط. (يا لها من وحشية نصرانية فظيعة لم تُعرّف من قبل في 
الأمة الإسبانية! ما هذا الغضب الجهنمي الذي جعلكم تظهرون كل هذه 
الوحشية وانعدام الرحمة؟» هكذا تعجب خينيس بيريث دي هيتاء الذي 
قاتل في جيش دي بلش. ومع أن وصف بيريث دي هيتا للحرب تزيّنه 
غالباً مسحة درامية» فلا مجال للشك في الرعب الغوياوي© الذي شاهده 
(2) الغوياوي عناووءهزه6 نسبة إلى الرسام الرومانسي الإسباني فرانئيسكو خوسيه غويا 

008 عل عوول مءدنءوورط؛ الذي عكست أعماله الاضطرابات السياسية والاجتماعية 


في عصره. فجاءت ناضحة بأهوال الحروب وماسيهاء ومنها مجموعته «كوارث الحروب» 
و«الرسوم السوداء»» والنسب إليه يشير إلى هذه المضامين [المترجم]. 


204 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئلا 1 


2- «رحرب صغيرة قذرة» 

في فليش» من نوع الأم المورسكية التي ترقد ميتة بين أطفاها الخمسة 
الذين قتلهم الجنود النصارى جميعاء في حين كان طفل رضيع لايزال حياً 
ويحاول الوصول إلى ثدي أمه الميتة ليرضع» منظر حرك مشاعر الجندي- 
الشاعر المرسي» فأعطى الطفل لبعض النساء المورسكيات لرعايتهاكا. 

غابت الشفقة عموماً عن النزاع الضاريء الذي اعتبره بيريث دي 
هيتا حرباً أهلية "بين الإسبان». وحتى حين تحرك جيش دي بلش عبر 
شرق البشرات» بدأ جنود موندخار في سلب ونهب البلدات والقرى 
المورسكية التي وضعها موندخار تحت حمايته. وفي ذلك كتب دييغو 
أورتادو دي مندوسه في واحدة من الإدانات الكثيرة للجنود النصارى» 
الذين اعتبرهم رعاعاً غير منضبطين: «من الصعب التفكير في اعتداء أو 
إساءة لم يتعرض ا المورسكيون؛ ومن الأصعب التفكير في مرتكب هذه 
الاعتداءات عوقب على ما فعله». وبالنسبة إلى بيريث دي هيتا كان جنود 
موندخار «أسوأ لصوص في العالم ومخربين ونهابين» ول يفكروا في شيء... 
إلا السرقة والنهب وتخريب البلدات المورسكية». 

وفي حادثة في بالور بلدة ابن أمية» قتل جنود نصارى بقيادة اثنين 
من رجال موندخار وفداً من الشيوخ المورسكيين خرج لاستقبالهم» ثم 
نببوا البلدة وغادروها بطابور طويل من النساء المكبللات وبغال محملة 
بالأقمشة ا حريرية وا حلي. وبسبب جشعهم أمد الجنود النصارى الطابور 
بالمزيد من النساء لدرجة أدت إلى تعريضهم للخطرء إذ تعرضوا ل هجوم 
مضاد شرسء قتل فيه المورسكيون من بالور والقرى المحيطة ثانائة 
جندي نصراني وحرروا نساءهم. 

ووقعت واحدة من أسوأ حوادث الحرب في السابع عشر من مارس 
09 حين سمح ديثا لأفراد حرس المدينة بدخول سجن المحكمة. 
الذي كان يحتجز فيه مئة وخمسون سجيئاً مورسكياً كرهائن» منهم والد 


11_طماع !© :1]61]أللا 1 205 


الدين والدم 
ابن أمية. يدرت هذه ال هجمة على ما قيل بتقارير قالت إن السجناء كانوا 
يفتحون النوافذ ويغلقونها لإرسال إشارات إلى الثوار في سيرانيفادا كي 
يستعدوا لاقتحام السجنء لكن هذه المزاعم كانت بالتأكيد مجرد ذريعة 
لنهب الرهائن» الذين اختير أغلبهم بسبب ثرائهم في المقام الأول. وعلى 
مدى سبع ساعات. قاتل السجناء المورسكيون المسلحون بدوارق الماء 
والكرامي والطابوق المنتزع من الجدران جنوداً مسلحين وسجناء نصارى 
آخرين داخل السجن. وفي آخر الليل كان كل المورسكيين تقريباً قد قتلوا 
ونهبت ممتلكاتهم وأموالهم على يد آمر السجن الذي قاد الهجوم. 
د جد “د 

وعلى مدار ربيع عام 1569 وصيفه» دفعت هذه السلسلة من أعمال 
النهب والمذابح آلاف المجندين الجدد إلى صفوف ابن أمية. ولا شك في 
أن كثيراً من النصارى في غرناطة كانوا يريدون هذه النتيجة عينهاء ورأوا 
أن حرباً طويلة تمثل فرصة لتصفية الحسابات مع غرناطة المورسكية 
وتكوين ثروات في أثناء ذلك. وكانت هناك إشارات منذرة أيضاً على أن 
الثورة بدأت في الانتشار خارج غرناطة نفسها. ففي بلدة هورناتشوس 
5 المورسكية في إشتريمادورا 8 رذكرت تقارير أن 
الأطفال الصغار أنفسهم كانوا يتلقون تدريباً على الأسلحة. وفي بلنسية» 
تسلحت عدة بلدات واستعدت بعد شائعات عن أن المورسكيين كانوا 
يخرتون الخيونب استعذادا للثورة, 

وفي مارسء انزعج فيليب جداً من الموقف المتدهور لدرجة أنه عين أخاه 
غير الشقيق دون خوان النمساوي؛ الابن غير الشرعى لشارل من عشيقته 
البلجيكية باربرة بلومبيرغ, قائداً عاماً للقوات النصرانية في غرناطة. 
كان دون خوان شاباً طموحا وساحراً ومتأنقاً ق الرابعة والعشرين من 
العمرء ظهر مؤخراً فقط في البلاط الإسباني» ولذلك كان متلهفاً إلى أن 


206 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


2- «رحرب صغيرة قذرة» 

يصنع اسياً لنفسه بعد أعوام من النسيان. وصل دون خوان إلى غرناطة 
في منتصف إبريل على رأس جيش من عشرة آلاف جنديء وفيها لقي 
استقبالاً رسمياً على أطراف المدينة من جانب موندخار ومعه فرقة من 
الفرسان تتزيّن بالملابس والأقمشة الحريرية الأندلسية. وكان في استقباله 
أيضاً موكب من أربعمائة أرملة ويتيم نصراني نجوا من مذابح المورسكيين 
في البشرات. وصف مارمول هؤلاء النسوة بأنهن «كن لابسات ملابس 
بسيطة» ويملؤهن الحزن» ولقد أخذن يروين الأرض بدموعهن وينثرن 
خصلات من شعرهن الأشقر على دون خوان». وناشدنه الانتقام لموت 
أقارمين وأطفالهن على أيدي الزنادقة» في مراسم مرتبة مسرحياء مؤكد أن 
ديثا هو الذي نظمها في محاولة منه لتقويض سياسة موندخار التصاحية 
مع المورسكيين. 

دخل دون خوان المدينة وسط ترحيب حماسى من السكان النصارى. 
وتيخ لكاتب المشكية أر قورت اله كاصاة الور كيرن بطلقوة 
عليهاء وفيها استقبله الرئيس بنفسه. بالنسبة إلى زمرة ديثا كان وصول 
جيش دون خوان يعني خطوة هائلة نحو تدمير غرناطة المورسكية. وفي 
إبريل وافق دون خوان على اقتراح ديثا بإجلاء سكان البيازين جميعا عن 
العاصمة كإجراء أمني. عارض موندخار هذا الاقتراح» ومعه للعجب 
رئيس الأساقفة غيريروء لأسباب اقتصادية ولوجستية وأخلاقية» لكن 
الاقتراح حظي بموافقة فيليب نفسه. 

وفي الثالث والعشرين من يونيو تدفق الجنود النصارى على ربض 
البيازين» يطرقون الأبواب ويأمرون كل الرجال المورسكيين بين 
عمريٌ العاشرة والستين بالتجمع في مستشفى غرناطة الملكي في اليوم 
التالي. وفي الصباح التالي» جاب موندخار والوجيه المورسكي ألونسو 
الغرناطي بنيغش 5دوءم6/١‏ 0130303 عل هؤددو[ة شوارع البيازين لتهدتة 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 257 


الدين والدم 


التتكان التعورين» وحن كاة الرجاله يجميرة :وق هذا البو أجل 
زهاء ثلاثة آلاف ونصف ألف رجل مورسكي عن المدينة» واقتيدوا إلى 
أندلوسيا وقشتالة. حتى مارمولء الذي كان من المستحيل أن يتعاطف 
مع المورسكيين» تأثر بمنظر «الرجال الكثيرين من كل الأعمار؛ رؤوسهم 
محنية» وأيديهم مكبلة» ووجوههم تغسلها الدموع؛ يعتصرهم الألم والحزن 
على فراق بيوتهم وعائلاتهم ووطنهم»؛ دون أن يعلموا إلى أين يساقون. 

وسمح للنساء المورسكيات بأن يبقين مؤقتاء لإعطائهن بعض الوقت 
كي يبعن ممتلكاتهن ومقتنياتهن» وسرعان ما تبعن الرجال على دفعات 
منفصلة. وفي ذلك كتب أورتادو دي مندوسه؛ الذي راقب مغادرة 
النساء أنه «لا يستطيع أن يمنع نفسه عن الشفقة على نساء عرفهن سيدات 
كريمات في بيوتبن». وكثير من هؤلاء النساء لم يجتمعن ثانية بعائلاتمهن» إذ 
اختطفهن مرافقوهن في الطريق وباعوهن جواري. وتركوا خلفهن حياً 
مدمراً لايقطنه غير حفنة من التجار المورسكيين الأغنياء وخدم النصارى» 
وهو آخر بقايا أحد أقدم الأحياء الإسلامية وأشهرها في إسبانيا. 

0 

ورغم هذه الأحداث. كان مد الثورة خارج العاصمة يتحول في صالح 
الثوار. ففي مايو 1569.» قاد ابن أمية بنفسه قوة من عشرة آلاف مورسكي 
في هجوم ضخم على معسكر المركيز دي بلش في بلدة برجة”". ومع أن 
النصارى صدوا ال هجوم. فإنه كان مؤشرا على القوة والثقة الجديدتين 
لقوات ابن أمية. وتدريجياً بدأ المورسكيون يتصرفون كجيش عصابات 
منضبط له قادته وسراياه ومناطقه العسكرية. وفي بعض أجزاء البشرات 
كان الثوار آمنين لدرجة أنهم تمكنوا من زراعة محاصيلهم بلا خوف من 
استيلاء الخصم عليهاء وكانوا يستخدمون الدخان كإشارة للإعلان عن 


208 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


2- ررحرب صغيرة قذرة) 

اقتراب الجيوش النصرانية. 

وكانت الأرتال النصرانية المنعزلة أو ضعيفة الحاية» التي تنتقل 
خلال البشرات عرضة لكمائن منسقة» كانت تبدأ بدق الطبول ونفخ 
القرون والأبواق يليها ظهور المورسكيين بعماماتهم البيضاء مسلحين 
با تيسر لهم» من السيوف واه ركوبات إلى الأقواس ذات السهام السامة 
والسكاكين والحجارة. وعادت بعض البلدات الثائرة مثل أجيجر”" مرة 
أخرى إلى سوق شال إفريقي» تباع فيها الأسلحة والبضاعة القادمة من 
المغرب علانية. ورغم الحصار البحري الإسباني» ظل القراصنة ينزلون 
بانتظام إلى الساحل لتبادل الأسلحة والذخيرة والمؤن في مقابل الأسرى 
النصارى» وهي التجارة التي أوجزها المورسكيون بالعبارة المشهورة 
«نصراني واحد في مقابل بندقية واحدة». 

ضمت صفوف الثوار أيضاً متطوعين من شمال إفريقياء وهي المرة 
الأولى التي يقاتل فيها جنود مسلمون أجانب بأعداد كبيرة على التراب 
الإسبانٍ منذ قرون. ففى أغسطسء عاد القائد المورسكي إيرناندو 
الحبقي أناوة11366 آء مدعا من الجزائر بمئات المتطوعين. بعد أن 
منح القلج عفواً عن المجرمين أو الهاربين من القانون. الراغبين في القتال 
كغزاة أو مجاهدين على التخوم الإسلامية. وضم هؤلاء المجندون أيضا 
جنوداً أتراكاً ذوي خخبرة ومجاهدين أمازيغيين كانوا يلبسون أكاليل من 
الزهور وملابس بيضاء حين يدخلون القتال» في إعلان عن رغبتهم في 
الاستشهاد في الحرب ضد الكفار. وإجمالاء فقد شارك نحو أربعة آلاف 
مقاتل تركي وأمازيغي في أوقات مختلفة بجانب القوات المورسكية:؛ التي 
كانت أعدادها إبعالاً لتر يون خسة وض رين القن مقائل وغسة وأربدين 
ألفا في ذروة الثورة. عل أن العذه الدقيق للمقائلين السلهين والمساندين 
000 7ن في اللغات الأوروبية [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 209 


الدين والدم 

المدنيين غير معروف» ذلك أن كثيراً من النساء كن يقاتلن ويستشهدن 
بجانب الرجال باستخدام ما توافر لهن من أسلحة. وقد لاحظ شاهد 
عيان نصراني نساء مورسكيات في معركة في يناير 1569 بالقرب من المرية 
يقاتلن «باللأحجار وأعواد الأفران». وفي فليش ألقت النساء المورسكيات 
التراب في وجوه الفرسان النصارىء» ومزقن بطون خيوهم بالسكاكين!”. 

لكن رغم الأسلحة التي كانوا يحصلون عليها من شمال إفريقياء 
ظل المووسكيوت دائاً أقل تسليجا يكلين هن أعدائهم. وكان النصارى 
انها يفوقونهم عدداء وتضم صفوفهم جنوداً عترفين وجيوقا إقطاعية 
خاصة ومليشيات حشدتها المجالس البلدية عبر غرناطة وأندلوسيا. 
وكان بعض النصارى تحركهم الرغبة في الانتقام» مثل النبيل ايرناندو 
دي كوسادا 065308 عل ولمدمرعغ. الذي أبن جيشا خاصا باسم 
«ماجدي الصليب» ووه عط 4ه هعصمء|غمء6. بعد أن قتل المورسكيون 
أباه في بدايات الثورة. لكن كثيراً من الجنود النصارى جذبتهم إلى الحرب 
فرص السلب والنهبء ومع غياب هذه الفرص تراجعت روحهم 
المعيوية سريعاً . ففي صيف عام 1569. عزل المركيز يز دي بلش وجيشه بلا 
طعام على الساحل الغرناطي, لأن المسؤولين وضباط الإعاشة النصارى 
الفاسدين استنزفوا المؤنء التي كان يفترض أن تصلهم. ولم يجد جنود 
المركيز غير صيد السمك لإطعام أنفسهم» وسرعان ما انفضوا من حوله 

ألقى دييغو أورتادو دي مندوسه باللائمة عن هذا الفساد وسوء 
الإدارة على «رجال الدولة» الذين كان يسرهم أن تزداد الاضطرابات كي 
تزداد الأزمة سوءا». لكن هؤلاء كانوا الرجال الذين يسمع لهم فيليب. 
وفي الشهر التاللي استدعى الملك موندخار إلى مدريد» وبذلك أخرج أكفأ 
القادة النصارى من الحرب. وعلى مدار النصف الثاني من عام 1569 بقي 


300 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


2- ررحرب صغيرة قذرة» 

جيكن دون خوان ساكناً فى العاصمة الغرناطية»وهو أمر يتعذر تفسيرهةه 
فيا كانت الثورة تتحول إلى مأزق دامي. وإجمالاًء كانت المناطق الجبلية 
الأوعر بالبشرات تخضع لسيطرة الثوار» في حين كانت السهول والوديان 
النهرية يجومها الفرسان النصارى بالرماح ودروع الصدر والمنوذ الْرَيَشْة 
وصفوف من جنود الهركوبات والرماحين ترافقهم قوافل تموينية محملة 
بالسلع المنهوبة من بيوت المورسكيين» وطوابير من العبيد المكبلين 
وقطعان الخراف والماشية المسروقة. 

وفي يونيو من ذلك العام وصلت فرقة جنود من فيلق نابول إلى 
غرناطة بقيادة السفير الإسبانيٍ في روما لويس دي ريكيسنس عل وذلاآ 
ومءوءنوه2 ”". كان الجنود الإسبان المخضرمون بسرايا الفيلق» الذي 
كانت خدمته في أغلبها خارج إسبانياء من أصلب وأكفا المقاتلين في العالم 
في ذلك الحين» وسرعان ما أظهروا مهارتهم العالية بيجوم على حصن 
فرجليانة” المورسكي في جبال بني طوميز'” الجرداء. وفي المعركة اليائسة 
التالية» أزاح الرجال والنساء الروسكون الصخور والأحجار على 
الجنود» قبل أن ينجح الجنود في اقتحام الحصن وفرض العقاب الدامي 
المعتاد على الباقين الأحياء. 

وفي هذا الصيف. ووسط هذه المجازر والخراب» حاول ابن أمية أن 


(!) مع أن هذا الفيلق إسباني» تذكر بعض الروايات العربية أن الثورة المورسكية كانت منظمة 
وقوية لدرجة أن الملك الإسباني المذعور على عرشه وغير الوائق في قدرة جيوشه على قمع 
الثورة وجه نداءات إلى البابوية والممالك النصرانية الأوروبية طالباً الدعم والمتطوعين الحرب 
الأندلسيين» الذين كانت حربهم تهدد بعودة إسبانيا إلى المسلمين وضياعها من النصارى مرة 
أخرى. ولذلك فإذا كانت البشرات آخر الحروبء التي قاتل فيها مسلمون من خارج إسبانيا 
على التراب الإسباني» فيمكن اعتبارها أيضاً آخر الحروب الصليبية التي توافد فيها نصارى غير 
إسبان لحرب المسلمين على التراب الإسباني [المترجم]. 

(2) 04دذانومم في اللغات الأوروبية [المترجم]. 

000 موجن5 في اللغات الأوروبية [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 301 


الدين والدم 

يرفع الروح المعنوية لجنوده بتنظيم سلسلة من الألعاب والاحتفالات في 
برشانة”" بالمرية؛ مقر أبي عبيدل قبل سقوط غرناطة» وإحدى البلدات 
القليلة التى ظلت تحت سيطرة الثوار. وصف بيريث دي هيتا هذه 
الااحفالات بإسهاب برقة ونعاسة شاغريين تتفان غل .طرق النقيشن 
من العنف الدموي الذي يصوره في مواضع أخرى. ففي سرهه البارع» 
تحوّلت برشانة إلى عالم مصغر للأندلس» حيث تزدان البلدة كلها بالأقمشة 
الحريرية والأعلام ا مثلثة» ويجتمع ابن أمية ورعاياه في الميدان الرئيس» 
ليشاهدوا الجنود الأتراك والمورسكيين وهم يشاركون في أحداث رياضية 
فروسية. فهناك مسابقات رفع أثقال ومباريات مصارعة وجوائز للرجال 
الذين يرقصون أفضل رقصة زمرة ومسابقات غنائية للنساء. وفي إحدى 
هذه المسابقات تصعد «الحسناء مورة»» لتغني أمام السلطان المورسكي 
بلباس أسود حداداً على أبيها وإخوتها الأربع» الذين قتلوا في الحرب. 

كانت مورة تدق على صحن كدف, وهي تغني بالعربية «بصوت ناعم 
ورقيق وحزين»؛ أغنية أدخلت جمهورها في حالة من الصمت المروّع. 
تنبأت مورة في أغنيتها بأن الثورة ستفشلء وأن زعماءها سيقتلون جميعاء 
با في ذلك ابن أمية نفسه. قبل أن تختتم أغنيتها بهذه الكلمات: 

إن الأطواق النصرانية غليظة. 

سيعودون مكللين بالمجد. 

محملين بالغنائم. 

وأنا أبكى على مصيبتى. 

والقبر الذى يتعظرق الآنا". 

وبمجرد أن أكملت «الحسناء مورة الحزينة» أغنيتها» أصدرت تنهيدة 
طويلة بائسة» وسقطت ميتة أمام جمهورها المذهول. وحتى مع الأخذ بعين 


302 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


2- «رحرب صغيرة قذرة» 
الاعتبار الحرية الشعرية الكبيرة التي أعطاها بيريث دي هيتا لنفسه. فإن 
القصة تمسك بشيء من التأثير المأساوي لهذا النزاع الوحشي على المجتمع 
المورسكي» الذي كانت إسبانيا النصرانية دائما تعتبر أفراده زنادقة وبرابرة 
ووحوشا غير ادمية. والمسار الذي تصوّره شخصية «مورة» الخيالية عند 
دي هيتا عكس المسار الفعلي للأحداث, إذ بدأت الدولة ا هابسبورغية 
أخيرا في حشد مواردها الحائلة ضد الثوار. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 303 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 


13 
الهزيمة والعقاب 


تزامنت ثورة غرناطة مع سلسلة من التحديات والأزمات عصفت 
بالإمبراطورية الهابسبورغية في مختلف أرجاتهاء من الثورات في منطقة 
الفلاندر والأمريكتين إلى النزاع المرتقب مع فرنسا التي نسبها كابريرا 
القرطبي جميعا إلى «البرابرة» الناقمين» الأوغاد الأفاكين» المرتدين المدنسين» 
الذين فعلوا ى) يفعل اللقطاء والخونة» رغم الدم الذي بذلته إسبانيا من 
أجلهم؛ فأداروا أسلحتهم نحو أمهم التي أهرقوا دمها غزيراً وهي توقف 
عنفهم وتردع عصيانهم»!!]. وبحلول خريف عام 1569 كان دم كثير قد 
أهرق في غرناطة. على أن ثورة المورسكيين» حتى في أوجهاء كانت في 
الأساس رداً عنيفا على الظلم النصراني» بلا هدف طويل المدى. فبعض 
الثوار أرادوا وحسب أن يضغطوا على فيليب لإبطال المرسوم الملكي. 
وبعضهم أراد تأسيس جيب إسلامي مستقل في غرناطة» وإطلاق عملية 
استرداد إسلامية. ومع غياب تدخل تركي كبير أو مشاركة إخوانهم في 
الدين من المناطق الأخرى بإسبانيا أو حتى داخل غرناطة الحضرية؛ كان 
هذا الحكم الذاتي هشاً دائ). وطالما بقي المورسكيون معزولين في منطقة 
جغرافية صغيرة» فقد ظلوا عرضة لهجمات مضادة نصرانية منظمة» ونال 
الضعف من الثورة بفعل التنافس الداخلي نفسه؛ الذي سبق أن قوّض 


30 
1_طماع !© :161 ]أللا 1 


الدين والدم 


المقاومة النصرية للغزو النصراني لغرناطة. 

لم تكن أهداف ابن أمية واضحة كلياء حتى لأتباعه. ففي بعض 
الأحيان بدا مستعدا للتفاوض على معاهدة سلام مع النصارى؛ وفي 
مناسبات أخرى أعدم أتباعه لمجرد أنهم حاولوا أن يفعلوا ما فعله. ومع 
إنهاك الثوار» بدأ السلوك التعسفى والاستبدادي للسلطان المورسكي 
وتصرفاته العضية فى اظرب :تمد غنه أباعة, وفي خريف عام 9 
وصلت هذه التوترات أوجهاء حين أهان ابن أمية رفيقا له يدعى دييغو 
الوزير”" بأخذ خطيبته خليلة له. فانتقم الوزير لنفسه بالتخطيط مع بعض 
المورسكيين الساخطين على ابن أمية وقادة أتراك لقتله©. وفي ليلة العشرين 
من أكتوبر قتله المتآمرون خنقاً في ١قصره»‏ بقرية لوشر دي أندرش زناه ] 
2 «تقعلدة ع0. وانتقل لقب «سلطان أندلوسيا وغرناطة»© إلى أحد 


(1) اأعةدع1ى. معءئ2 في اللغات الأوروبية [المترجحم]. 

(2) هذه الرواية للانقلاب على ابن أمية ومقتله تختلف عن رواية عربية تذهب إلى أن ابن أمية 
أرسل إلى المجلس الحربي بغرناطة يعرض تسليمهم ثمانين أسيرا نصرانيا في مقابل اطلاق 
ديئا أطلق جنوده عليهم وقتلوهم جميعاً. فرفض الإسبان وأجبروا والد محمد بن أمية على 
الكتابة له ناهياً إياه عن متابعة الثورة ونافياً تعرضه للإهانة» فاغتنم بعض رجال ابن أمية 
المتعاونون مع الإسبان هذه الرسالة» وعلى رأسهم دييغو الوزيرء للوقيعة بينه وبين المتطوعين 
الأتراك والعرب القادمين من الجزائر» وأشاع الوزير أن ابن أمية ينوي مهادنة الإسبان وساعده 
الإسبان في تأكيد هذه الشائعة» وزوّر الوزير بالتعاون مع أركش كاتب ابن أمية رسالة منه 
إلى قائده محمد بن عبو بحيث تظهر أنها أمر لحامل الرسالة بقتل ابن عبوء علماً أن ابن أمية 
كان لا يحدد للقوات وجهتها ولا مهمتها إلا برسائل وهي على الخطوط الأمامية نفسها كي 
لا تتسرب أنباء التحركات إلى العدو الإسباني فيستعد ويأخذ حذره. فعادت القوات ومعها 
الأتراك وواجهوا ابن أمية بالأمرء ولم يصدقوا نفيه للرسالة المزوّرة» فأمروا بحسبه وكلفوا 
الوزير وأركش بحراسته» لكنهما قتلاه خنقاً في ليلة العشرين من أكتوبر 1569 [المترجم]. 

(3) المقصود مملكة أندلوسيا 420810514 وغرناطة اللتين شاركتا في الثورة وليس الأندلس 
التاريخية [المترجم]. 


2306 _طماع !© :11 ]آنل 1 


3- الهزيعة والعقاب 

المتآمرين» وهو ابن عم ابن أمية يدعى عبدالله ابن عبو”»» مورسكي آخر 
من ذرية الأمويين» يقال إنه فقد خصيتيه حين شنقه جنود نصارى على 
شجرة في بدايات الحرب. 

احتفل ابن عبو بتتويجه بحصار بلدة أرجبة الإستراتيجية بالبشرات» 
التي اشتهرت حاميتها النصرانية بنهبها للقرى المورسكية المحيطة. نجح 
الثوار في تطويق البلدة وأخذوا يحفرون خنادق بهدف تجويع سكانها حتى 
الاستسلام؛ حين علموا أن رتلاً من الجنود النصارى أرسل من غرناطة 
لفك الحصار بقيادة دوق سيسه 5658 04 16نا(آ. 

سلخ ابن عبو معظم قواته دون أن يشعر السكان المحاصرين ونصب 
كمينا لرتل الإغاثة في مناورة جريئة وصفها الجندي المخضرم دييغو 
أورتادو دي مندوسه أنها ١تكتيكات‏ ماهرة جداً لا تُرى إلا نادر». وف 
معركة ليلية شرسة؛ أجبر الدوق ورجاله على التقهقر إلى العاصمة. 
وني النهاية اضطروا لإجلاء الحامية. كانت هذه هي المرة الوحيدة التي 
استطاع فيها المورسكيون أن يستردوا بلدة من أيدي النصارىء, لكنهم 
أجبروا سريعاً على التخلي عنها مرة أخرى مع دخول القتال مرحلة 
جديدة من الشدة. ففي التاسع عشر من أكتوبر» أعلن فيليب أن الحرب 
يجب أن تخاض بالنار والدم؛ أي «حرب بلا رحمة ولا هوادة». وبغرض 
تحفيز الجيوش النصرانية» أعطى فيليب جنوده حرية النهب وأخذ العبيد 
لأنفسهم. حتى إنه أعفاهم من حمس الغنائم» الذي كان يؤدى عادة 
للتاج0. 

ومع أن فيليب أعلن رفضه أخذ الأطفال المورسكيين تحت عمر 
لدعو وم وريه ل رترت بض الصائن العربية اسمه إلى عبدالله بن أبيه [المتربحم]. 
(2) ها هو فيليب ياخذ نصيباً من الغنائم مثل ١قراصنة»‏ شمال إفريقياء وفي حالة حرب البشرات 

تبرع به لجنوده وأطلق أيديهم في القتل والنهب والأسر تشجيعاً لهم يسبب خوفه من قوة 

الثوار [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 307 


العاشرة عبيداً» وأمر بدلاً من ذلك بتسليمهم إلى عائلات نصرانية لضمان 
أن يتلقوا التنشئة الكاثوليكية الصحيحة. فإن هذا القيد لم يراع إلا نادراء إذ 
استغل العسكر النصارى فرص التربح التي أتاحتها الحرب» سواء أكانت 
أم الملايس والحلٍ المسلوبة من النساء المورسكيات اللاي قتلوهن. وبيع 
الآلاف من النساء والأطفال لتجار العبيد» الذين كانوا يرافقون الحملات. 
العسكرية» أو أخذوا إلى أسواق العبيد الصاخبة بالموانوع والمدن الإسبانية. 
إلى قرطبة ل«يعطي الدفء ويقدم العون عن قرب في قلاقل غرناطة)!3!. 
وفيهما تبقى من الحرب, كانت نجاحات الثوار قليلة ومتباعدة. 
يننا 

كان التحرك السريع من جانب فيليب مدفوعاً جزئياً بالقلق من الموقف 
الدولي المنذر في شتاء 1570-1569. ففى هولندا كانت هناك شائعات 
حول غزو وشيك من جانب الثوار بقيادة المنفي وليام الأورانجي. 
وكانت سفن القرصنة المهولندية المعروفة بالشحاذين البحريين"'" باجم 
الإسبان أن العثانيين كانوا يعيدون تجهيز أسطوهم. وفي يناير 1570 قاد 
القلج؛ الحاكم التابع للعثمانيين في الجزائر» جيشا استولى على تونس بلا 
مقاومةة واعبى خمسة وثلاثين عاما من السيطرة الآسيائية غل المدينة: 
(1) في العقدين السادس والسابع من القرن السادس عشر, كانت الثورة الهولندية من أجل 

الاستقلال عن إسبانيا في أوجهاء وفي أثنائها قام مغامرون وقراصنة ووطنيون هولنديون 

عرفوا باسم الشحاذين البحريين 6688355 568 بالقرصنة على السفن الإسبانية» منطلقين من 

ميناء إمدين 87701 على ساحل مقاطعة فريزلاند الهولندية ولاروشيل ع1اءعطع80 1.2 على 

ساحل فرنسا ودوفر 12076 على ساحل إبجلتراء وكان الشحاذون البحريون يهاجمون سفن 


كل الدول وقرى ومدن الصيد على ساحل المقاطعات الهولندية» ومن أكبر عملياتهم هزيعتهم 
لأسطول إسباني في العاشر من يوليو 1568 [المترجم]. 


308 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


3- الهزية والعقاب 

وغل هداز الشتاء» عاقت الكوية الاساتية ترق هجوما تركا- 
إسلامياً على إسبانيا لمساعدة المورسكيين. لكن سليم الثاني كان يستعد 
لفتح قبرصء التي كانت مستعمرة بندقية وقتذاك» وصدّ وفداً مورسكياً 
إلى القسطنطينية في ذلك الشتاء حاول إقناعه بغزو إسبانيا. 

كان احتمال التدخل التركي يؤخذ بجدية كبيرة لدرجة أن فيليب نفسه 
حزّر السفير البابوي في أكتوبر 1569 من أن تحالفا تركياً-مورسكياً قد 
يؤدي إلى هزيمة إسبانيا. وفي مارس من العام التالي» أمر فيليب رجال 
الدين في أنحاء إسبانيا كافة بالصوم والصلاة والدعاء «بألا باجم 
الأسطول التركي العدو المشترك للنصرانية» الممتلكات الإسبانية في شمال 
0 

في ذلك الوقت. كانت تقارير الثورة قد بدأت تنتشر خارج إسبانياء 
رغم محاولات فيليب التكتم عليها. ففي يوني و 1570» أخبر السفير الإسباني 
في إنجلترا غيراو دي سبس 5 6 061300 الملك فيليب أن جاسوسا 
إنجليزياً مجهولاً في بلاطه أدخل البهجة مؤخراً على مجلس شورى الملكة 
إليزابيث بأخبار تؤكد أن الثورة الغرناطية كانت «تزداد سوءا بالنسبة إلى 
النصارى»!4). وزعم دي سبس أيضا أن الملكة الإنجليزية كانت تخطط 
لنقل الأسلحة والتجهيزات إلى المورسكيين عبر ملك فاس. وفي الثاني 
من أكتوير 9» كتب فرانسيس دي ألابا الى عل د5عدمة:1 لفيليب 
من فرنسا عن انتشار شائعات تقول: إن إسبانيا تتكبد خسائر جسيمة 
في الثورة» وأن الناس يصدقون أن «الأندلسيين وصلوا أبواب غرناطة» 
ويأخذون الحيوانات والحبوب والطحين والناس من مرج غرناطة»51. 

وعلى نحو ما توقع فيليب» أدت الصعوبات التي واجهتها إسبانيا في 
قمع الثورة على أراضيها إلى إلحام الثوار خارج حدودها. وفي ذلك كتب 
الأمير المولندي وليام الأورانجي لأحد رفاقه حين علم بانتقال فيليب إلى 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 209 


الدين والدم 

قرطبة: «إن ذلك مثال لناء فلقد تمكن الأندلسيون من المقاومة لمدة طويلة» 
على الرغم من أنهم قوم لا يملكون غير قطيع من الخراف. ماذا إذن 
يمكن لشعب البلاد الواطئة أن يفعل؟... سنرى ماذا سيحدث إذا تمكن 
المورسكيون من الصمود إلى أن يرسل إليهم الأتراك بعض الدعم)أ؟ا. 

أدرك فيليب ووزراؤه بألم عجز الإمبراطورية الإسبانية عن إحماد ثورة 
على ترابها. وفي الثالث والعشرين من ديسمبر 1569» تم إمداد قوات دون 
خوان بشحنة ذخيرة من مصانع الأسلحة الإيطالية» وخرجت أخيرا من 
غرناطة لتبدأ في تهدتة جبال البشرات. بدأ الهجوم النصراني الذي طال 
انتظاره على نحو مخز بغزو بلدة واجرش سيرا 8جءذ5 عدزءن0. التي تخل 
عنها الثوار دون قتال» وأخذوا معهم نساءهم وأطفالهم إلى سيرانيفادا. 
وبين) لاحقت المليشيات النصرانية السكان إلى المرتفعات التي لجأو إليهاء 
تقدمت قوات دون خوان إلى معقل الثوار المحصن في غليرة 6158 في 
سهل غرناطة. كانت غليرة تقع على صخرة ضخمة تشبه السفينة البحرية» 
ومن غتاجاء اسمها"©» ولذلك كان حصارها سهلاً» وهو هافعله اليش 
الذي أعاد المركيز دي بلش تكوينه. وفي فبراير 1570 انضم جيش دون 
خوان إلى الحصارء وأصبحت غليرة مشهداً لواحدة من أكثر المعارك 
دموية في الحرب؛ حاول فيها السكان المورسكيون مدعومين بمتطوعين 
أتراك وأمازيغ صد زهاء ثمانية عشر ألف جندي نصراني مسلحين تسليحاً 
جيدا ومجهزين بمدافع ميدان. 

ورغم المحجمات المتتالية ونيران المدفعية» لم تتمكن الجيوش المحاصرة 
من اختراق الأسوار الطينية السميكة للبلدة أو تسلقهاء بل كانوا 
يتراجعون مراراً وتكراراً أمام الدفاع المورسكي العنيد» الذي شاركت فيه 
النساء والأطفال. الذين كانوا يقذفون الأحجار على المهاجمين. كان من 
(1) كلمة غليرة 63168 في اللغة الإسبانية تعني سفينة القادس [المترجم]. 


310 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


13- الهزيمة والعقاب 

بين النساء المدافعات عن البلدة امرأة تدعى ثركمودونيا 2312172000818» 
وصفها بيريث دي هيتا بأنها «متينة الجسمء لما ساقان وذراعان قويان 
وتمتلك قوة كبيرة» كانت تقاتل بسيف ودرعء وقيل إنها قتلت ثانية عشر 
جندياً بيديها. وانتهى الحصار أخيراء حين استخدم خبراء الألغام النصارى 
الألغام لفتح ثغرات في الأسوار الدفاعية الحصينة للبلدة. ومع ذلك فقد 
اضطر جنود دون خوان إلى أن يشقوا طريقهم بالقتال خلال الشوارع 
المحصنة بالمتاريس» ويستولوا على البلدة بيتاً بعد آخر, لأن المورسكيين 
كانوا يدافعون عن بيوتهم بشراسة واستماتة. وكانت النساء يقاتلن يجانب 
رجالهن» ومنهم ثركمودونيا القوية التي نجح النصارى أخيراً في اقتناصها 
بالرصاص. للتغلب على تأثيرها الملهم على المدافعين الآخرين. وقاتلت 
مورسكية أخرى في الشوارع بسيف في يد وتحت ذراعها الآخر أخواها 
الصغيران» قبل أن يقتل ثلاثتهم. 

وفي بعض الحالات. اضطر الجنود النصارى إلى إحراق عائلات 
كاملة في بيوتهاء لأن المورسكيين كانوا يصدون تقدمهم بأي أسلحة تقع 
تحت أيديهم» كالسيوف والسكاكين والمساعر الحديدية والأحجار. وبعد 
معركة دامت تسع ساعات. دانت البلدة أخيراً للنصارى» وأمر دون 
خوان جنوده بذبح السكان جميعا عقابا على تحديهم. فقتل نحو 400 رجل 
وامرأة وطفل قبل أن يوقف الأمير الهابسبورغي المذبحة» بعد أن احتج 
جنوده على حرمانهم من غنائمهم. فسيق المورسكيون الباقون على قيد 
الحياة» وهم نحو أربعة آلاف وخمسمائة شخص إلى العبودية» في حين كان 
الجنود النصارى يمشطون البلدة بحثا عن المال والملابس والمجوهرات. 
وحين اكتمل نهب البلدة» أمر دون خوان بهدمها تماماء ونثروا الملح على 
الخرائب والأنقاض على الطريقة الرومانية» لتكون رسالة تذكير دائمة 
لثمن العصيان. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 31 


الدين والدم 
6# 

كان سقوط غليرة بداية النهاية للثورة» حيث اجتمعت ثلاثة جيوش 
نصرانية على البشرات من الاتجاهات المختلفة» وأخذوا يفتحون البلدات 
أورتادو دي مندوسه الكاردينال إسبينوزا من مقره في قلعة قصر الحمراء 
بأن أكثر من عشرة آلاف ثائر «مبعثرين وجائعين» لا يزالون في الميدان» 
السفير الفرنسي فوركوفو أن الثورة المورسكية «تستنفد إسبانيا وتحرقها 
بلهب بطىء1712. لكن في ذلك الوقتء كان الثوار في تقهقر مستمرء فقد 
كانت الجيوش النصرانية تحرق البساتين والمحاصيل لقطع المؤن الغذائية 
عنهم وتدمر الطواحين وأحجار الرحى لمنعهم من طحن ال حبوب. 
وعلى مدار الصيف والخريف أخذ الجنود النصارى يلاحقون الثوار في 
مخابئهم الجبلية. وفي هذه العمليات قتل مئات المورسكيين أو شنقوا أو 
ماتوا اختناقاً حين أشعل الجنود النيران في مداخل الكهوف التى لجأ إليها 
الثوار. وسيق الآلاف إلى أسواق العبيد في إشبيلية ولشبونة ومدن أخرى 
أثرت كثيراً غل حساب الثورة والثوار. 

ومع تناقص صفوف الثوار بشدة» بسبب الموت والهرب وشروع 
المتطوعين الأتراك والأمازيغ في العودة إلى شمال إفريقياء بدأ بعض قادة 
ابن عبو في إجراء مفاوضات سلام فردية. وقد استغل المترجم المورسكي 
ألونسو ديل كاستيو هذه الانقسامات بدهاءء إذ زوّر خطابات ورسائل 
الملك الإسباني وشهامته. أضعف هذا النوع من «الدعاية السوداء» 
الخاص بالقرن السادس عشر مقاومة المورسكيين كثيراً. وفي الثاني 
والعشرين من مايوء زار أحد قادة ابن عبو المؤتمنين» ويدعى إيرناندو 


312 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


3- الهزيمة والعقاب 

الحبقي؛ معسكر دون خوان لفتح مفاوضات الاستسلام» وقدم سيفه 
كبادرة على الاستسلام. قبل الأمير الهابسبورغي عرض الاستسلام 
وطلب منه بلطف أن يحتفظ بسيفه «خدمة صاحب الجلالة)2". 

في ذلك الوقتء كان دون خوان نفسه قد بدأ في استنتاج أن ديثا وزمرته 
كانوا يعرقلون جهوده لإنجاز استسلام بالتفاوض. وفي أغسطس» طلب 
من فيليب إبعاد ديثا عن غرناطة» بجعله أسقفاً أو منحه «عطية أخرى) 
لأن «الرأي العام مجمع على أن الرئيس كان السبب الأول لثورة هؤلاء 
الناس» وقد أخبرني الحبقي في مناسبات مختلفة بأن المانع الأول أمام 
تراجعهم عن الثورة كان الخوف من المحاكمة أمام الرئيسء وأنا من 
جانبى لا أشك في ذلك»!*!. وقد كان من علامات منزلة ديثئا لدى الملك 
أن هذا الطلب قوبل بالرفض. 

م يكن موقف ابن عبو من مفاوضات السلام واضحاً. تقول بعض 
الروايات إنه كان يفكر أيضا في الاستسلام؛ في حين شجعه على مواصلة 
الثورة وصول فرقة جديدة من المتطوعين من شال إفريقياء وأيا كانت 


(1) تقول رواية عربية إن شروط الاستسلام التي توصل إليها إيرناندو الحبقي لم تلغ أي من اشتراطات 
ا مرسوم الملكي. مثل حظر اللغة العربية واللباس الأندلسيء ولم تلغ التنصير الإجباري وأقرت 
تهجيرهم من البشرات» ولذلك رفضها ابن عبو واتهم الحبقي بتجاوز التفويض الممنوح له 
واتهمه بالغدر والخيانة؛ فعاد الحبقي إلى خوان وأخبره جما جرىء واقترح عليه الحبقي أن يأتي 
بابن عبو مكبلا ووافق خوان وأرسل معه ممثلاً لإقناع ابن عبوء لكن ابن عبو رفض وساند 
المتطوعون موقفه. فعمل الحبقي على إرجاعهم إلى بلدانهم وأخذ يروج للاستسلام؛ وتوجه 
على رأس قوة للقبض على ابن عبوء لكن المجاهدين هزموه وقبضوا عليه وسلموه مكبلاً لابن 
عبو الذي أعدمه على خيانته» ثم تابع ابن عبو التفاوض مع خوان على شروط أفضل من خلال 
إيرناندوا برادة والعمل في الوقت نفسه على استنهاض الأندلسيين في المناطق المختلفة للثورة. 
وتفول رواية أخرى إن الحبقي حل ضيفاً على دون خوان بعد مغادرة وفد التفاوض» وأن 
ابن عبو لما علم بذلك ثارت شكوكه في الحبقي وأكدتها شروط الاستسلام التي أقرت إبعاد 
المورسكيين عن البشرات» وأن الحبقي لما سمع ما جرى خرج من معسكر دون خوان إلى بيته 
في بلادة برشل 5هاناطتمء8, فأرسل إليه ابن عبو من قتلوه ورموه في بثر [المترجم]. 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 3153 


الدين والدم 

الحقيقة» فقد أعدم الحبقي بأوامر منه لدى عودته من معسكر دون خوان. 
وعلى مدار ما تبقى من العام» ظل ابن عبو وبضعة آلاف ثائر يتنقلون بين 
مرتفعات البشرات» حيث أخذ جنود الفيلق بقيادة لويس دي ريكيسنس 
يلاحقونهم بلا هوادة. وفي ذلك كتب ريكيسنس إلى أحد سكرتيري 
فيليب في نوفمبر: «إنني لا تأخذني شفقة ولا رحمة ببؤلاء الناس... وقد 
أعدمت عدداً لا يحصى منهم بالسيف». وني ذلك الوقت كان أغلب 
المقاتلين الأتراك والأمازيغيين قد سمح هم بالعودة إلى شمال إفريقياء 
وتوقفت المقاومة المورسكية المنظمة. 

وعلى غرار ما حدث في ثورة عامي 1501-1500» صاحب إخضاع 
البشرات اندلاع جديد للثورة بالقرب من رندة في الخريف. حين عاث 
الجنود النصارى. في إحدى نوبات السكرء فساداً في بلدة أوبريك 
عناوة:6ة] المورسكية. ومرة أخرى ينتفض المورسكيون الغاضبون ثائرين 
ويلجأون إلى جبال الحمراء نفسهاء التي دمرت فيها حملة ألونسو دي 
أغيلار المشؤومة قبل سبعين عاماً. وفي نوفمبر» قاد دوق أركوش حملة 
نصرانية جديدة على جبال الحمراء مرت عبر الهضبة نفسهاء التي أبيد عليها 
أسلافهم التي كانت عظام الجنود والخيول والسروج والأسلحة الصدئة 
والدروع لاتزال متناثرة فوقها. لكن حملة أركوش لم تلاق المصير نفسه. 
بل ركعت الثوار سريعا. وباتباع تكتيك مكافحة الثورة» الذي يرجع إلى 
روما القديمة» شيّدت الجيوش النصرانية سلسلة من الحصون عبر جبال 
البشرات لمراقبة السكان المورسكيين. وحتى قبل أن يكمل ريكيسنس 
وأركوش عمليات التمشيطء قرر فيليب أنه لا بد من إجراءات أخرى 
طويلة المدى؛ لضمان ألا يشكل المورسكيون الغرناطيون أي جهديد على 
الدولة مرة أخرى. 


د عد عد 


314 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


3- الهزيعة والعقاب 

قبل فترة طويلة من اندلاع الثورة» كانت العناصر المعادية للمورسكيين 
الأكثر تشددا في غرناطة النصرانية تطالب بطرد السكان المورسكيين من 
المملكة» متذرعين بالاعتبارات الأمنية» فضلاً عن مصالح الدين. وفي 
يونيو 1569» تحقق هذا الهدف جزئيا بإبعاد السكان المورسكيين من ريض 
البيازين. وفي فبراير 1570» أمر فيليب ديثا بالشروع سراً في الاستعدادات 
لترحيل سكان غرناطة المورسكيين جميعهم إلى قشتالة. وتحت إشراف 
يقظ من ديثاء قسمت غرناطة إلى سبع مناطق إدارية» أمر مسؤولوها 
بجمع قوائم بأسماء المورسكيين في مناطقهمء وتوفير الطعام والمأوى في 
أثناء نقلهم. واستخدم جنود ومليشيات نصرانية إضافية من أندلوسيا 
مرافقة المورسكيين إلى نقاط ترحيلهم في غرناطة ثم إلى قشتالة. 

وفي أكتوبر فقطء أعلن فيليب نواياه وأمر كل المورسكيين في المملكة 
بالتجمع «مع أطفالهم ونسائهمء والرحيل إلى أجزاء وأماكن أخرى من 
ثمالكنا»» كي نضمن «الأمن والسلام والهدوء الكامل» لغرناطة. لم تقابل 
هذه الأوامر بموافقة عامة في غرناطة النصرانية. فقد احتج دون خوان 
على قرار الملكء دافعاً بأن الترحيل سيلهي جنوده عن عملياتهم ضد الثوار 
الباقين. والتمست الكنائس والأديرة من فيليب أن يسمح يبقاء العمال 
المورسكيين في ضياعها. وكتب المورسكيون أيضاً إلى الملك موضحين 
أخهم ظلوا موالين للتاج على امتداد الثورة. وقد لقي بعض هذه النداءات 
استجابة إيجابية. وفي عيد جميع القديسين”", في الأول من نوفمبرء بدأ 
الجنود والمليشيات النصرانية في اقتياد المورسكيين في غرناطة وجمعهم في 
الكنائس. وأعلن المنادون والبواقون في ال هندن 41560010 بمرج غرناطة 
(1) عيد جميع الفنيسين (38 علطتة5 الى أو جد ة1افةة اث أو 1131105 عيد يحتفل به في 


الأول من نوفمبر في المسيحية الغربية» وفي يوم الأحد التالي لعيد الخميس في المسيحية الشرقية 
[المترجم]. 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 315 


الدين والدم 

وصول الفرسان وجنود المشاة من قرطبة. لإتمام عملية جمع المورسكيين. 
وفي بلدة بسطة”"©» أخير المفوض الملكى ألونسو دي كار باخال عل مكههاله 
هزه المورسكيين بأن فيليب ينوي- من أجل حمايتهم- أخذهم إلى 
قشتالة ذات الحصاد الوفير» وأنهم «سيجدون فيها سعة من العيش» إلى 
أن يكون من الآمن إعادتهم إلى بيوتهم. 

حققت هذه الكذبة الهدف منهاء فتجمع المورسكيون بلا اعتراض» لكن 
عملية الجمع لم تجر سلمية دائياً. ففي توروش 70:08 بالقرب من مالقة» 
انفصل المورسكيون عن حراسهم النصارىء ونصبوا كميناً للجنود الذين 
أرسلوا لملاحقتهم قبل أن يعودوا لإحراق قريتهم بأيديهم. وني بولودوي 
80104011 في وادي غبر المنصورة. قتل الجنود النصارى مائتي مورسكي 
قاوموا إبعادهم. وفر كثير من المورسكيين إلى الجبال» لكن معظمهم كانوا 
متفرقين ومحبطين عن القتال أو المقاومة» إذ تُفذ الإبعاد بكفاءة منهجية 
افتقرت إليها الحرب نفسها غالباً. ففي وسط الأمطار الغزيرة وثلوج 
الشتاء الأولى» اقتيد المورسكيون إلى نقاط تجميعهم في غرناطة, فيا وصفه 
دون خوان للسكرتير الملكي روي غوميث 007262 لإناكآ بأنه الأبشع 
منظر في العالمء ذلك لأنه في لحظة المغادرة هطلت أمطار وثلوج غزيرة 
لا أحد يستطيع أن ينكر أن إخلاء تملكة من سكانها هو أقسى منظر يمكن 
تخيله)!9ا. 

ولاحقاً وصف خينيس بيريث دي هيتا النساء المورسكيات وهن 
«يبكين وينظرن إلى بيوتبن ويعانقن جدرانها ويقبلنها مرات ومرات» 
وهن يتذكرن ماضيهن المجيد وإبعادهن الحالي والمستقبل المشؤوم الذي 
ينتظرهن» في إبعاد جماعي شبّهه بسقوط طروادةل"!!. لكن الدوافع 


316 1_طماع1© :121 ]آثلا 1 


3- الهزيمة والعقاب 

الكامنة وراء هذا الإبعاد لها نظائر في العصر الحديث. فقد كان ترحيل 
المورسكيين في جزء منه أحد إجراءات مكافحة العصيان» قصد به تجفيف 
«البحر» المدني الذي ساند الثورة» وفي الوقت نفسه استئصال التهديد 
الإستراتيجي من ساحل إسبانيا الجنوبي. لكن هذا الإبعاد كان أيضاً 
شكلاً من الهندسة الاجتاعية» أريد به دفع هدف الدمج قدماً. فمن 
خلال توزيع أعداد صغيرة من المورسكيين على الأبرشيات النصرانية في 
أنحاء قشتالة كافة» أراد حكام إسبانيا تحطيم روابط التضامن الجماعي؛ 
التي افترضوا أنها هي التي منعت المورسكيين من الاندماج في المجتمع 
النصراني» فضلاً عن «تذويبهم» في الأغلبية النصرانية. 

وبنهاية شهر نوفمبر» كانت المرحلة الأولى من الإبعاد قد اكتملت» 
وأخليت بلدات غرناطة وقراها وأحياؤها بالكامل تقريبا من سكانها 
المورسكيين. وفي الثلاثين من نوفمبرء غادر دون خوان غرناطة ليتولل 
فنصباً جديداء وبضيت لنجله مدا جديدا كتاقد لأسطول الأتحاد 
ا مقدس الذي تكون للقضاء على الاحتلال العثهاني لقبرص”"» قبل 


(1) كانت قبرص تشكل رأس حربة للعدوان المسيحي على العالم الإسلامي» ولذلك قرر السلطان 
العنماني سليم الثاني ضمهاء فتشكل الحلف المقدس من إسبانيا والبندقية والفاتيكان بقيادة 
دون خوان النمساويء وباغت الأسطول العثماني الراسي في ميناء ليبانتو العثماني في اليونان» 
وكان قائدا البحر العثمانيان برتو باشا وموذن علي باشا اللذان كانا في الأصل قائدين بريين 
يفتقران إلى الخبرة البحرية» ولذلك رفضا اقتراح القادة البحريين ذوي الخبرة بعدم دخول 
معركة غير متكافئة والبدء بالقصف .مدافع القلاع العثمانية القوية» ثم خروج الأسطول 
العثمانٍ إلى البحار المفتوحة هما يسمح له بالمناورة واستخدام مدفعيته القوية بفعالية ضد سفن 
التحالف المقدس, لكن برتو باشا رفض الاقتراح وأمر في السابع من أكتوبر 1571 بالقتال 
بالقرب من الساحلء» في حالة من الشجاعة والاستيسال غير المحسوبين. فهُزم الأسطول 
العنماني ودُمر تماماء وقتل قائد البحر مؤذن علي باشا وابنه في بداية المعركة وأسر ابنه الثاني» 
وغرقت سفينة القيادة العثمانية ببرتو باشا وسحبت إلى الشاطئع بتضحيات كبيرة. ومع أن 
قائد البحر القلج أو علوج علي باشا أبلى جيداً ودمر الأسطول المالطي كاملا فإن العثمانيين 


خسروا مئة واثنتين وأربعين سفينة بين غارقة وجانحة.» وأسر الصليبيون ستين سفينة عثمائية - 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 37 


الدين والدم 


حتى أن يكتمل ترحيل المورسكيين إلى الأماكن المخصصة لهم. وظل 

المفوضون الملكيون والقضاة الأول والمسؤولون البلديون من أنحاء البلاد 

كافة يوافون فيليب ووزراءه بأخبار تقدم عمليات الترحيل عبر مئات 
الرسائل التى لاتزال موجودة في الأرشيفات الرسمية الإسبانية في شانت 
مانكش"'". تقدم هذه الوثائق الباهتة لمحات كتيبة لجهاز بيروقراطي من 

القرن السادس عشر لم يكن على مستوى الإنسانية المسحوقة والمحطمة» 

التى كان مطالباً بإعاشتها ونقلها. 
كان كثير من المبعدين المورسكيين مرضى وجوعى وجرحى 

ومصابين بعد عامين من الصراع الوحشي. وكانت أرامل الحرب 

وأيتامها والعجائز والمرضى غير القادرين على السير وحتى الأطفال 

الصغار جداً يشكلون جميعهم جزءاً من هذا الترحيل الكئيب؛ الذي 

يشبه الترحيل الإجباري في القرن التاسع عشر لنود الشيروكي المعروف 

بقافلة الدموع©. فقد أخذ نحو واحد وعشرين ألف مورسكي إلى موقع 

- واستولوا على مئة وسبعة عشر مدفعاً كبيراً ومائتين وستة وخمسين مدفعاً صغيراً وحرروا 
ثلاثين ألف بحدف نصراني كانوا أسرى على السفن العثمانية» وخسر العثمانيون زهاء عشرين 
ألف مقاتل» منهم ثلاثة آلاف وأربعمائة وستين أسيراء وخسر الصليبيون ثمانية آلاف قتيل 
ومئات الأسرى. كانت هذه المعركة من أشرس المعارك البحرية» وكان تأثيرها المعنوي على 
طرفي الصراع أكبر من تأثيرها المادي» فعلى الرغم من أن العثمانيين أعادوا بناء أسطولهم 
واحتفظوا بقبرصء التي فتحوها في الأول من أغسطس 1571. فإن هيبة الدولة العثمانية في 
أعين الأوروبيين قد سقطت,ء ولم تعد الدولة التي لا تقهرء وبدأت بعدها تراجعها الطويل 
[المترجم]. 

(1) 5قعم2قتمز5 في اللغات الأوروبية [المترجم]. 

(2) قافلة الدموع دكةء] 06 15311" هو الاسم الذي أطلق على إبعاد الشعوب الأمريكية الأصلية» 
منهم شعوب شير وكي ومسكوكي وسيمينول وتشيكاساو وتشوكتاو وغيرهاء من موطنهم 
بالإقليم الهندي بجنوب شرق الولايات المتحدة (شرق أوكلاهوما الحالية) بعد قانون إبعاد 
الهنود لعام 1830؛ وينصرف الاسم تحديداً إلى إبعاد شعب شيروكي في عام 1831 الذي 
عانى فيه الهنود من الجوع والمرضء ومات فيه أربعة آلاف من أصل خمسة عشر ألف مبعد 
[المترجم]. 


315 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


3- الهزيعة والعقاب 


الترحيل في بلدة البسيط”"» وصل ستة آلاف منهم في اليوم نفسه. واقتيد 
اثنا عشر ألفاً آخرون إلى قرطبة. وفي ديسمبر» كتب رئيس بلدية مولينا 
دي مسكرة 2810500653 ع0 3101123 إلى فيليب ليخبر ه بأن عشر ة آلاف 
وخمسمائة مورسكي كانوا في انتظار نقلهم إلى إشبيلية» منهم «رجال ونساء 
وأطفال... عرايا ودون أي حماية» وجميعهم في حاجة ماسة إلى المعاطف 
والطعام». وذكر رئيس البلدية أن بعض هؤلاء المورسكيين هاجمهم 
مرافقوهم النصارى وجردوهم من ملابسهمء وطلب بإلزام هؤلاء 
الجنود بإعادة ما سرقووط!!. 

وفي إشبيلية» أشرف على إبعاد المورسكيين الكونت بريغو 04 )اناه© 
معهنط الذي أطلع فيليب في نوفمبر على أن أربعة آلاف وثلاثمائة مبعد 
وصلوا من المرية على أربع وعشرين سفينة» كان كثيرون منهم «محطمين 
تقاماء ومساكين. ومنهوبين» ومرضى لدرجة تثير الشفقة»121]. وفي رسالة 
أخرى في الشهر نفسه. وصف بريغو الصعوبات التي واجهها في توفير 
وسائل الإعاشة للمورسكيين في مدينة كانت قبل وصوطهم «في حاجة 
ماسة إلى الخد 

ومن مواقع وصول السفنء اقتيد المورسكيون سيراً على الأقدام إلى 
البلدات والقرى في أنحاء قشتالة كافة عبر قوافل في كل منها ألف وخمسائة 
مبعد برفقة جنود نصارى. وبعض القوافل كانت ترافقها عربات تحمل 
ممتلكات المبعدين» وكذلك الأطفال الصغار والمرضى والمسنين» الذين لم 
يكونوا يقوون على المثي. لكن لم تكن هناك عربات كافية لهذا الغرض» 
لذلك اضطر المورسكيون الأقل قدرة جسدياً على السير بمتوسط اثني 
عشر ميلاً في اليوم في.طقس بارد وعاصف جداً. ومات كثيرون منهم 
بسبب الجوع والمرضء أو التخلي عنهم في جبال قشتالة وسهوها في أثناء 


ا ا ل ل 
00( عع عم في اللغات الأوروبية [المترجم]. 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 319 


الدين والدم 


عبورهاء وقد دفنوا في قبور سطحية على جانبي الطريق» في حين ظل 
آخرون عرضة للانتباه اللصوصي من جانب مرافقيهم. ومع أن فيليب 
أمر مسؤوليه بضمان عدم تمزيق العائلات» فقد تفرق الأقارب والأشقاء 
والأطفال غالباً في أثناء الرحلة. وفي حالاات كثيرة يسبب تعرضهم 
للاختطاف. 

ارتفع معدل الوفيات بين المورسكيين كثيراً بسبب وباء الحمى النمشية 
التي جعلتهم محلاً للخوف والعداء من جانب السكان النصارى الذين 
مروا بهم. ففي ميريدا 1161308 بإشتريمادوراء أخبر أحد المسؤولين فيليب 
بأن أكثر من نصف الثلائائة مورسكى الذين وصلوا إلى المدينة قد ماتواء 
واشتكى من أن السكان النصارى المحليين «لا يوطدون أنفسهم على 
تقديم الإحسانء بل مبربون منهم لأن أرض اشتريادورا مليئة بالمرض» 
وهم يفهمون أن الشر جاء معهم3!2!!. وقد ألقى الكاتب الطبي الإسباني 
لويس دي تورو 10:0 ع0 هذناءآ باللائمة على المبعدين عن انتشار العدوى» 
التي كانت «فتاكة بشكل خاص بين الساراكينوس بسبب البرودة الشديدة 
والفاقة الحادة التي كان عليهم أن يتحملوها بسبب الحرب»/4!!. 

وأرسلت تقارير مماثلة من آبلة وبلد الوليد. ذكر فيها القاضى الأول 
المحلي أن ألف مورسكي وصلوا على ثلاث دفعات «مات كثيرون منهم 
ويموتون كل يوم». على أن النصارى لم يجتمعوا كلهم على الخوف من 
هؤلاء المبعدين أو احتقارهمء فقد تأثر أنطونيو دي سالاسار عضو مجلس 
مدينة بلد الوليد بمنظر مورسكي يدعى خوان رودريغوث وزوجته ماريا 
وصلا «مريضين لدرجة ملأتنا شفقة عليهم|». حتى إنه أعطاهما طعاما 
وملابس وأسكنههما في بيته حتى تعافيالة'!. 

لقد أبعد حسون ألف مورسكى على الأقل في شتاء 1571-1570» 
وربما بلغ العدد الإجمالي ثمانين ألفاء منهم من غادر بعد عمليات الإبعاد 


2300 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


13- الهزعة والعقاب 

السابقة من ربض البيازين» وعمليات الطرد الخاصة الأخرى التي نفذها 
القادة النصارى قبل إبعاد نوفمير وبعده. وقد مات زهاء عشرين بالمئة من 
المورسكيين الذين أبعدوا عن غرناطة في ذلك الشتاء أو هربوا أو بيعوا 
عبيداً. وبعضهم شقوا طريقهم ثانية إلى غرناطة» وتحول غيرهم إلى قطاع 
طرق» أو استطاعوا «أن يعبروا إلى الجانب الآخراء أي إلى شمال إفريقيا. 

واجه الباقون على قيد الحياة مستقبلاً مريراً في مجتمع قشتالي كان ينظر 
إلى الغرناطيين المطرودين بعين الخوف والريبة. ولقد طبقوا عليهم كل 
اشتراطات مرسوم غرناطة» فحظرت اللغة العربية بصرامة» سواء في 
الأماكن العامة أو في البيوت» وفرضت عليهم متطلبات خاصة تتعلق 
بحضور القداس والاحتفال بالأعياد النصرانية» ومنعوا من التجمع في 
مجموعات أو السفر إلى غرناطة أو بلنسية» وألزموا بحمل بطاقة هوية 
خاصة. وإذا اضطر أحدهم إلى الغياب عن بيته الجديد لأكثر من ليلة 
واحدة» كان عليه أن يخبر القضاة المحليين. ولم تكن هذه القيود جميعا 
كافية في نظر قاض من بلد الوليد» اقترح وسم المورسكيين على جباههم 
بأسماء محال الإقامة التي وزعوا عليهاء وهي عادة كانت تتبع أحيانا مع 
العبيد» بحيث يمكن التعرف إليهم فوراً إذا ضلوا أو هربوا. 

لم يطبق هذا المقترح» كما ثبت أن كثيراً من القيود الأخرى على 
المورسكيين استحال فرضها. ومع ذلك فققد أخضع الغرناطيون المبعدون 
دام لمراقبة خانقة من السلطات العلانية والدينية» وبخاصة في الفترة 
الأولى لوصوهم. وفي غرناطة نفسهاء وجه الإبعاد ضربة نبائية للثورة. 
ففي فبراير 1571 كتب السفير الفرنسي فوركوفو أن الباقين على قيد 
الحياة كانوا #ينزلون من الجبال ليبيعوا أنفسهم للنصارى عبيداً في مقابل 
قوتهم). وفي مارس من ذلك العام» عقد صياد ثروات كان في السابق 
قاطع طريق يدعى غونثالو الشنيش «ندععة آء ملهعده6 اتفاقاً 1 مع 


١_طماع‏ !© :161 ]آنلا 1 321 


الدين والدم 


ديثا على تسليم ابن عبو حياً أو ميتاً. وحين اكتشف ابن عبو هذه النواياء 
نشب قتال عنيف في أحد كهوف البشرات قبل أن يكسر الشنيش جمجمة 
السلطان المورسكي بصخرة”". أعيد جثمان ابن عبو إلى غرناطة على بغل؛ 
حيث ضربت عنقه في وجود ديثاء ثم خوزقت رأس «سلطان الأندلسيين» 
على سارية خارج باب المدينة في مواجهة جبال البشرات» وبقيت كذلك 
أكثر من سنة» كتحذير للثوار. 

هكذا انتهت آخر الحروب الكبرى بين المسلمين والنصارى على 
التراب الإسباني. اغتبط ديثا بنصره وافتخر بأنه «أدب غرناطة بالدم». 
وقد كوفئ على خدمته بمنصب القائد العام لغرناطة» وهو انتصاره 
الأخير على غريمه موندخار. ثم عين ديثا قاضيا في محكمة بلد الوليده 
قبل أن يعينه البابا جريجوري الثالث عشر كاردينالاً بطلب من فيليب. 
وهكذا انتقل اسوط غرناطة المورسكية» إلى روما ومات فيها رجلا ثرياً. 
وأصبح دون خوان بطل إسبانيا العظيم ومنقذ العالم النصراني» الذي قاد 
الاتحاد المقدس في انتصار ساحق على الأسطول العثاني في ليبانتو عام 


(1) وفقاً للروايات العربية» ظل السلطان عبدالله محمد ابن عبو يقاتل إلى آخر لحظة؛ إلى أن ضاقت 
الرقعة التي يسيطر عليها ولح يق معه سوى 400 ماهد منهم برناردينو ابن عامر وكونسالفو 
(غونثالو) الشنيش» فأوعز الإسبان إلى الشنيش بقتل ابن عبو في مقابل عفوهم عنه» وكان 
الشنيش يحقد على ابن عبو لأن الأخير منعه من عبور البحر إلى المغرب» وقبض عليه الإسبان 
وأطلقوا سراحه ومنحوه الأمان ووعدوا بتسليمه زوجته وابنتيه الأسيرات لديهم في مقابل 
الإتيان بابن عبو حياً أو ميتاً. وفي الثالث عشر من مارس 1571 هجم الشئيش وبضعة رجال 
على ابن عبو في كهف كان يختبئ به وقتلوه» ثم أخذوا جثمانه للإسبان؛ الذين أدخلوه 
غرناطة في احتفالات عظيمة ووضعوه في قفص حديدي بعد أن ألبسوها لباسأ كاملاً كأنه 
لايزال حيأء نم حملوه على فرس وجابوا به المدينة تتبعه أفواج من الأسرى الأندلسيين» ثم 
حمل الجثمان إلى النطع فقطعت رأسه وسحل الجسم في الشوارع ومزق ثم أحرق في أكبر 
ساحات غرناطة» ثم وضع الرأس في قفص حديدي فوق باب المدينة المواجه للبشرات وبقي 
مكانه لمدة ثلائين سنة» وكتب عليه «هذا رأس الخائن عبدالله بن عبو. من ينزله من مكانه 
يعدم» [المترجم]. 


32 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


3- الهزية والعقاب 


1 أنهى التقدم التركي في البحر الأبيض المتوسط”". أما فرج بن فرج 
الصباغ» الذي تحوّل إلى قاطع طريق فلم يعثر عليه مطلقا. وتقول قصة 
مشكوك فيها إن أحد رفاقه حاول أن يحطم رأسه بصخرة ليحصل على 
مكافأة» لكنه نجا وظل مشوها إلى درجة مخيفة وعاش بقية حياته شحاذا 
مجهولاً ومحتقراً أينما ذهب©. 

حيّا الجندي والمؤرخ مارمول كارباخال النهاية المظفرة «للحرب التي 
شنث من أجل الدين والعقيدة» والتي أكملت الجهود التي بدأها الملكان 
الكاثوليكيان لنيل غرناطة من «سيطرة الشيطان». لكن الثورة لم تترك 
المجتمع الغرناطي كما كان قبلهاء فالحرب والعبودية والإبعاد أنققتصت 
سكانبها مئة وستين ألف نسمة. وتعرضت مئات الكنائس للإحراق أو 
التدميرء وأخلي الكثير من القرى والأحياء» وأعيقت ال حياة الاقتصادية 
للمملكة أو شلت تماماً. فلم تتعاف صناعة الحرير مطلقاً من فقدان مربي 


(1) في قراءة التاريخ لا يفيد كثيراً البكاء على اللبن المسكوب, لكن ثمة سيناريو بديل للأحداث 
في غرب البحر الأبيض المتوسطء فلو أن السلطان العثماني استغل فرصة تورط غريه الأكبر 
في البحر المتوسط- إسبانيا- ضمن حرب داخلية شرسة» هي حرب البشرات» علاوة على 
حروبها الكثيرة في هولندا ومنطقة الفلاندر» ووجه ضربة لها في عقر دارها بمساعدة حلفائه 
الأقوياء في شمال إفريقياء لكان تجنب الهزيمة الساحقة في ليبانتو» وبخاصة أن عقلية الحكام 
الإسبان في ذلك الوقت- كما كانت عقلية الحكام الأتراك أيضاً بالتاكيد- كانت تستحوذ 
عليها أوهام قيادة العالم النصراني» وما يرتيط بها من دحر الشيطان الإسلامي بمعنى أن المعركة 
الحاسمة بين الطرفين كانت قادمة لا محالة. فإلى جانب نصرة الاخوة في الدين» كان التجاوب 
مع مطالب المورسكيين بالانقضاض على إسبانيا نفسها فرصة لتجنب الهزية في ليباتنو» أو 
بالأحرى لحظة تاريخية من النوع الذي إن فوتته الدولة لم تستطع أن تعوضه مهما فعلت. 
وقد عرض المؤلف مدى خوف ملك إسبانيا من هجوم تركي على الأراضي الإسبانية في أثناء 
حرب البشرات. لكن السلطان العثماني سليم الثاني لم يكن في اقتدار سلفه سليمان ولا في 
حنتكه وبصيرته [المترجم]. 

(2) تذكر الروايات العربية أن فرج بن فرج كان يقوم بعمليات على شواطى المرية وجبل طارق 
دون تنسيق مع قيادة ابن أمية» ولذلك أزاحه الأخير وعين مكانه عمه ابن جهور» فانسحب 
فرج من الثورة وتابع الجهاد منفردأء ولا يُعرّف كيف كانت نهايته [المترجم]. 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 325 


الدين والدم 

دودة القز والغزالين المورسكيين. ورغم بذل محاولات منظمة لجذب 
مستوطنين نصارى إلى القرى والمزارع المورسكية المهجورة. ظل معظم 
البشرات قليل السكان حتى القرن التالي. وبعد أعوام» ظلت السلطات 
في غرناطة والمرية تكتب إلى الحكومة متذمرة من فقرها بسبب قلة العمالة 
ف أراضيها وتطلب معونات مالية. 

وقد استطاع آلاف المورسكيين الإفلات من الإبعاد. وشقوا طريقهم 
بعدها عائدين إلى بلداتهم وقراهم السابقة. قبض على بعضهم وطردوا 
ثانية» واستطاع آخرون البقاء عن طريق التخفي قدر الإمكان. لقد دفعت 
غرناطة المورسكية ثمنا فظيعاً لتحدي أوامر جلالة الملك «الكاثوليكي 
حتى النخاع». وبعد فترة طويلة من انتهاء الحرب. قيل إن المزارعين 
والفلاحين في المناطق النائية من غرناطة الريفية كانوا يشاهدون جيوشا 
من الأشباح تتقاتل في السماء» وكانوا يسمعون أصوات معارك بين 
أشباح. وبالنسبة إلى الغرناطيين الذين اضطروا لبناء حياة جديدة من 
الصفر في قلب المنطقة النصرانية في قشتالة» أصبح ذلك العالم جزءا 
من ماضيهم. وبالنسبة إلى كل سكان إسبانيا المورسكيين» ألقت الثورة 
وعواقبها الوخيمة بظلال قاتمة ظلت تحوم فوقهم إلى أن أجبروا هم أيضاً 
على مغادرة بيوتهم. 


224 1_طماع1© :121 ]آثلا 1 


الباب الغالث 
الكارثة 


توجد بالفعل علاجات حددة لكل الأمراض التي ذكرنّهاء لكنني على 
يقين م نأن ما متذكره م نأمرا ضأخطر وأكثر عدداً ما ذكرت» وليس لها 
علاجات حددة إ إلى الآن. لكن دولتنا يحكمها رجال حكماءء يدركون أن 
إسبانيا تغذي كل هذه الأفاعي ا مورسكية وتربيها في صدرهاء وبعون الله 
سيجد و نغلايحا كيدا وعايعاة وثايجعا لهذا الو فض المخطر , 


ميغيل دي ثيرفانتس, حوار الكلاب 


5 11 01 عناع11210 عط1' معاسو ممع ) عل اعسعاقة 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 


14 
الخوف الكبير 


ربما يكون من البالغة أن نتحدث عما سبق حرب البشرات وما 
بعدهاء لكن لا ريب أن الثورة كانت لحظة فاصلة في المواجهة بين الدولة 
امهابسبورغية ورعاياها المورسكيين. فبالنسبة إلى المورسكيين» وضع 
مرسوم غرناطة وعواقبه الوخيمة نهاية لكل آمال العودة الفعلية إلى ماضي 
المدجنين. وبالنسبة إلى إسبانيا النصرانية» أكدت الثورة صورة المورسكيين 
ك«أعداء داخليين» خطرين داخل حدودها. وعلى مدى أعوام تالية» 
كانت غرناطة تُذكّر في الوثائق الرسمية كدليل على نية المورسكيين 
الأشرار ونذير لأشياء أسوأ قادمة. وفي الوقت نفسه؛ كانت صعوبة قمع 
الثورة ووجود مقاتلين أجانب على التراب الإسباني رسالة تذكّر دوما 
بضعف إسبانيا الإستراتيجي. وظل شتاء 1570-1569 المنغص الذي 
عاش فيه فيليب ووزراؤه مرعوبين من غزو تركي لمساندة المورسكيين» 
يطارد عقول حكام إسبانياء حتى بعد فترة طويلة من انحسار إمكانية 
مثل هذا التدخل. وجاء تدمير دون خوان النمساوي المذهل للأسطول 
التركي في ليبانتو عام 1571» ليوقظ مجدداً الأوهام القديمة حول حملة 
صليبية نصرانية موحدة ضد الإسلام؛ لكن الوحدة النصرانية ثبت مجدداً 
أيضا أنها عابرة . 


277 
1_طماع !© :161 ]أللا 1 


الدين والدم 

وفي عام 1573» أضاف دون خوان غزو تونس إلى قائمة إنجازاته 
لكن في السنة التالية أعاد أسطول تركي فتح المدينة» ومعها حصن حلق 
الوادي'" الإسباني المهم. وني عام 1578» قاد سباستيان ملك البرتغال 
تحالفاً نصرائياً ضد عبدالملك سلطان المغرب©» سائده فيه فيليب على 
خلاف ما هداه إليه تفكيره. تمثلت نتيجة هذه المغامرة الطائشة في كارثة 
في معركة القصر الكبير" التي قتل فيها سباستيان» ودحرت حملته أمام 
جيش مغربي لعبت فيه «المليشيات الأندلسية»؛ التى تشكلت من فرسان 
مورسكيين من غرناطة» دوراً رئيساً!!]. ٠‏ 

كانت هذه الكارثة فاتحة لعصر جديد هيمن عليه مأزق إستراتيجي 
في غرب البحر الأبيض المتوسط. وفي عام 1581» أنبت هلنة إسبانية- 


(1) 601613 1.3 في اللغات الأوروبية» وهي مدينة وميناء تونسي قريب من العاصمة التونسية؛ بنى 
بجواره شارل الأول الإسبان حصن القصبة في عام 1535. فتحها العثمانيون في عام 1575 
[المترجم]. 

(2) عبدالملك المعتصم بالله السعدي الملقب بأبي مروان والغازي سلطان المغرب من عام 1576 
حتى وفاته في أثناء معركة وادي المخازن في عام 1578» اغتيل أبوه محمد الشيخ السعدي في 
عام 1557 وتلا ذلك صراع على السلطة اضطره للفرار من المغرب مع أخيه عبدالله الغالب 
بالله في ذلك العام» ثم عادا في عام 1576 على رأس جيش عثماني هزم ابن أخيهما وغريمهما 
أبوعبدالله محمد المتوكل الذي طلب العون من إسبانياء ولما رفضت ذهب إلى طنجة البرتغالية 
ملتمساً معونة سباستيان في مقابل تنازله له عن جميع شواطئ المغرب في حالة إعادته للعرش» 
واستجابت البرتغال للعرضء وكانت نتيجة ذلك هي معركة القصر الكبير أو وادي المخازن» 
التي قتل فيها سباستيان وتوفي أبو مروان في.نهاية المعركة من المرض والإجهاد, وخلفه في 
حكم المغرب أخوه أحمد المنصور الذهبي [المترجم]. 

(3) معركة القصر الكبير أو وادي المخازن 122301101 حشد لها سباستيان ملك البرتغال دعماً 
من خاله ملك إسبانيا ومن إيطاليا والبابوية وألمانيا بالتعاون مع الملك المتوكل» الذي خلعه 
عبدالملك من عرش المغرب بمساعدة العثمانيين» أفنى الجيش المغربي فيها الجيش البرتغالي 
كاملاء وقتل سباستيان وكل قادة جيشه ونبلاؤه» وغرق المتوكل في نهر وادي المخازن في 
أثناء فراره ووجدت جثته وسلخت وملئت تبناً وطيف بها في أرجاء المغرب؛ وتوفي عبدالملك 
في نهاية المعركة؛ ولذلك سميت أيضا باسم معركة الملوك الثلاثة. بعد هذه المعركة انهارت 
البرتغال وضمتها إسبانيا [المترجم]. 


328 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


4- ا خوف الكبير 

تركية صراع البحر الأبيض المتوسط بين الإمبراطوريتين الهابسبورغية 
والعثانية» الذي هيمن على معظم القرنء فلقد كان الجانبان يركزان 
على أولويات أكثر إلحاحاً في أماكن أخرى. ومع ذلك فقد ظل رجال 
الدولة الإسبان لأعوام بعدها يعتقدون أن السلطان التركي كان يتحين 
الفرصة لضرب إسبانيا مرة أخرى أو يبحث عن تحالف مصالح مع 
أعداء ال هابسبورغيين من البروتستانت» في وقت كانت إسبانيا فيه متورطة 
دائياً في مسرح حرب امتد من منطقة الفلاندر وشمال فرنسا إلى الكاريبي 
وشواطئ إسبانيا نفسها. 

عكست حروب إسبانيا مع البروتستانتية مجموعة متناقضة من 
جوانب القوة والضعف. كانت ها آثار مهمة على المورسكيين. فمن 
ناحية» كانت إسبانيا القوة العظمى الأوروبية المهيمنة وتتمتع بقدرة لا 
تضاهى على خوض حروب متعددة على البر والبحر. لكن في الوقت 
نفسه» ظلت سواحلها وسفنها عرضة للقراصنة المسلمين» وكذلك سفن 
القرصنة ال هولندية والإنجليزية» التي اتخذت من القرصنة شكلاً من 
الحرب غير النظامية”". وفي إبريل 7ه أغرق فرانسيز دريك 5اعمة1 
231 الأسطول الإسباني في ميناء قادس 14012) ضمن هجوم جريء كان 
السبب وراء قرار فيليب بش غزوه المشؤوم لإنجلترا بعد سنتين. وبعد 
تسعة أعوام؛ أبحر أسطول من السفن الإنجليزية وا هولندية إلى قادس 
مرة أخرىء ونهب المدينة وأحرقها لمدة أسبوعين. دون أن يواجه أي 
مقاومة أو هجوم مضاد. أذلّت هذه ا هجمات الملك. وعززت جو الحصار 
على إسبانيا المعادية للإصلاح في العقود الأخيرة من القرن. وانتهت الحال 
وبال كانت القرصحة الإسلاية الطلفة من همال ريا كلام ارب غو اندي د 


عدو طرد المسلمين من الأندلس» ونكل بالباقين فيها واحتل مواقع في شواطئ شمال إفريقيا 
وكان يتزعم العالم النصراني في حروبه ضد ديار الإسلام [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 309 


الدين والدم 


بالتجار والبحارة الإنجليز والاسكتلنديين والععال المهاجرين الفرنسيين 
وزوار إسبانيا الألمان إلى سجون محكمة التفتيشء وأحياناً على المحارق 
في هذه الفترة. لكن بعد الثورة الكبرى في غرناطة» وج الذعر والريبة 
الرسميين نحو مسلمي إسبانيا السابقين. 
9 

ومع هزيمة ثوار غرناطة» تركزت هذه المخاوف بالدرجة الأولى على 
امالك الثلاث التابعة لتاج أر اغونء التي كانت تضم فيم| بينها أكبر عدد 
من السكان المورسكيين في إسبانياء نتيجة لإبعاد الغرناطيين. ففي عام 
0 كتب السفير البندقي أن ثمة «خوفا كبيرا بين النصارى القدامى» 
في بلنسية من أن يثور السكان المسلمون «ويفعلوا كا فعل إخوانهم في 
غرناطة». وقد تفاقمت هذه المخاوف بفعل سيل من التقارير عن مؤامرات 
مورسكية أولية وحاولات لاستجداء المساعدة من القسطنطينية وشهال 
إفريقياء وقد رشّحت هذه الشائعات أيضاً إلى قطلونية وأراغون. 

صدرت غالبية هذه التقارير من محكمة التفتيشء التي أخذت على 
نحو متزايد تعمل كجهاز أمن داخلي. إضافة إلى دورها التقليدي كفارض 
للقوامة الدينية. وفي أراغون» كان قضاة محكمة التفتيش يتحدثون كثيراً 
عن اتصالات سرية بين المورسكيين والبروتستانت الفرنسيين بمملكة 
بيرن 8630 البرانسية. أما الأدلة المؤيدة ذه الإدعاءات فكانت في 
غالبيتها مهلهلة» وتستند إلى ما تسميه الأجهزة الأمنية المعاصرة «ثرثرة». 
ففي عام 1575» على سبيل المثال» أطلعت محكمة التفتيش الأراغونية 
المجلس الأعلى على حادثة في بلدة بينادي إربو الأراغونية وقعت في العام 
الساق» شيع ليها خباطان مورس حا تالقان روا تركاً عيروتهاها 
5 لإسبانيا. ووفقاً لقضاة محكمة التفتيشء. كان الخياطان «يضحكان 
ويبديان رضاً عظياً» نحو احتمال ذبح السكان النصارى[2! 


230 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


4- ا خوف الكبير 

وكانت بعض المؤامرات المزعومة تستند إلى شائعات غير مؤكدة 
تجاوزت حدود الخيال. ففي يناير 21577 ذكرت محكمة التفتيش الأراغونية 
أن أربعمائة تركي اخترقوا أراغون وبلنسية استعدادا لثورة مورسكية. وفي 
الك تقسيهاء امعت غك تتفي الأراغوقة أن ميعدا مورسكا بنع 
خوسو دوارتي عانةناظ اؤ30 تسلل إلى إسبانيا حاملاً رسالة من السلطان 
التركي كتبت «بحروف من ذهب»» يعد فيها بمساندة بحرية في حال أي 
انتفاضة مورسكية. ول يُكتشّف دواري ولا الحروف الذهبية» بل ولم 
تحدث أي محاولة للثورة» لكن هذه التقارير لم تند رسمياً قطاء وعززت 
ضورة رسمية للمورسكيين كانت تؤخد يلا تمحيض: 

وثمة مؤامرات مزعومة أخرى كانت لا تقل غموضاً وضبابية. 
لي عام :1582 زعيت مكمه اللتيان الأراغونية أن ميعداً 20 
بلنسياً يدعى أليخاندو كاستيانو هههلاعاقه0) 0لمدزعاة رجع إلى 0 
بعد عمدين تضياهها في ثركيا ليؤكد نبوءات دينية توقعت غزواً تركيا 
خديدا لإسبانيا. وفقاً لمحكمة التفتيشء فإن هذه النبوءات ادعت أن 
المورسكيين البلنسيين سيشاركون في هذا الاسترداد الإسلامي بقيادة 
شاب محل عملاق له «ست أصابع في كل يد». ومرة أخرى ل( يُعثّر قط 
على كاستيانو أو الشاب ذي الست أصابع» ولم يقع غزو تركي. وفي 
حالات أخرى أدمج قضاة محكمة التفتيش الخيانة مع نية الثورة. ففي عام 
8؛» ذكرت محكمة التفتيش الأراغونية شائعات تقول إن المورسكيين 
الأراغونيين نظموا مصارعة ثيران للاحتفال بهزيمة جيش سباستيان في 
القصر الكبير كدليل على عدم الولاء وإمكانية الخيانة. 

وكانت محكمة التفتيش الأراغونية تستخدم التقارير من هذا النوع 
دائا لإقناع فيليب المتردد كي يفرض سلطته- التي كانت في حقيقتها 
سلطتهم- على المورسكيين ومُقُطعيهم النصارى المتمردين. وكان 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 331 


الدين والدم 


المقصود من الشائعات حول المؤامرات التحريضية والثورة الوشيكة هو 
بث القلق» وغالباً ما كانوا ينجحون في ذلكء بغض النظر عن نوعية الأدلة 
المؤيدة لمزاعمهم. وفي يناير 01575 امم هوغونوتي فرنسي يدعى فرانسوا 
نلياس 5هناء] 5ذه؟1:30 بال هرطقة وعذب في زنازين محكمة التفتيش في 
سرقسطة؛ حتى زعم أنه شهد مورسكيين أراغونيين يخططون للثورة مع 
ابن حاكم بيرن. 

على أنه لا سبيل أمامنا لمعرفة ما إذا كان ما قاله نلياس هو الحقيقة أم 
أنه أخبر مستجوبيه با أرادوا أن يسمعوه كي يرحم نفسه من العذاب. 
وثمة مؤامرات أخرى استندت إلى شهادات من جواسيس ووشاة كانت 
هم مصلحة شخصية في الحفاظ على عملهم. ففي عام 1582 اغْتقلت 
مجموعة من المورسكيين وعُذْبت أمام محكمة التفتيش البلنسية بتهم 
التمرد بعد اتهامات من واش مورسكي يدعى غيل بيريث 56562 011» 
أدين لاحقاً بالحنث والابتزاز. وبالمثل كانت تنتشر دوماً شائعات لا تقل 
شططاً عن مؤامرات وثورات مورسكية في جنوب إسبانيا. ففي إشبيلية» 
نفذت السلطات عام 1580 سلسلة من الاعتقالات بعد تقارير عن أن 
المورسكيين كانوا على وشك الثورة في أنحاء أندلوسيا كافة» بدعم من 
العثانيين وشال إفريقيا. ووقعت حوادث ممائلة بعد ذلك في جيان'" 
ومالقة» ومجدداً في إشبيلية عام 1596. حين فرضت السلطات حظر تجوال 
على المناطق المورسكية بالمدينة» بعد الحجوم الإنجليزي على قادس» خوفا 
من أن يثور المورسكيون بدعم إنجليزي. وفي حادثة أخرى في الفترة 
نفسهاء أخبر الكونت ساستاغو 535880 الحكومة أن المورسكيين في 
أراغون لغْموا بلدة قلعة أيوب© بيراميل من البارود هدف تفجيرهاء 


(1) معول في اللغات الأوروبية [المترجم]. 
(2) 4دا/ا)0213 في اللغات الأوروبية [المترجم]. 


3322 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


14- ا خوف الكبير 

وهنا أيضاً لم تكشفت هذه الاستعدادات قط. 

على أن المؤامرات لم تنتج جميعها عن حالة اهلع الرسمية» فهناك أدلة 
موثوقة على وجود اتصالات بين المورسكيين الأراغونيين وحكام بيرن» 
حتى وإن لم تنته إلى نتائج ملموسة. وأجرى المورسكيون البلنسيون 
محاولات عرضية لطلب الأسلحة والمساعدة العسكرية من السلطان 
العثماني من أجل الثورة» وهنا أيضاً لا توجد أي أدلة على أن هذا الدعم 
قد قدم. ففي العقود الأخيرة من القرنء كان العئانيون متورطين أيضا في 
نزاعات في الشرقء في الأناضول وبلاد فارس والقرمء مما حوّل انتباههم 
بعيداً عن إسبانيا والبحر الأبيض المتوسط!". لكن المسؤولين الإسبان 
ظلوا مع ذلك ميالين دائياً إلى السيناريوهات المذعورة وغير المؤكدة 
بخصوص النوايا التركية. وبعد الفتح الإسلامي الحصن حلق الوادي 
التونسي» تلقى مجلس الدولة رسالة مذعورة من مسؤول في بلنسية حذّر 
فيها من أن العثانيين يستعدون لشن غزو من شمال إفريقيا و«تدمير 
إسبانيا من المكان نفسه. الذي جاء منه الأفارقة ودمروها» قبل ثانية 
قرون» بمساعدة المورسكيين «الأعداء الموجودين بيننا»!4!. 

وم تقدم أدلة مؤيدة لهذه الادعاءات» ولم يقع الغزو. على أن 
الحكومات الحديثة التي تتمتع بموارد أكبر كثيرء تضع سياساتها غالبا 
على أساس تهديدات غير محتملة وحكايات ناقصة ومعلومات زائفة 
من النوع نفسه الذي اعتمدت عليه إسبانياء ولذلك يجب ألا يفاجئنا 
الموقف غير المتشكك من هذه التقارير. لكن المسؤولين الإسبان لم يكونوا 
جميعهم يقبلون هذه الحكايات. ففي ديسمبر 1576» استبعد نائب القاضي 
الأول الأراغوني بيرتاردو دي بوليا ه801 عل ملعهممه86 إمكانية وقوع 
ثورة مورسكية في المملكة» ذاهباً إلى أن المورسكيين كانوا أقل عدداً من 
النصارى بكثيرء ويفتقرون إلى القلاع المحصنة» ومؤكد أنهم اسيكتشفون 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 333 


الدين والدم 


ويدمرون ويذبحون» إذا حاولوا أن يئوروااث). وفي اجتماع مجلس الدولة 
ف مارس 7 استبعد المستشارون المتجمعون تقرير متحكمة التفتيش 
حول ثورة مورسكية وشيكة في بلنسية بدعم تركي» وكان بين المجتمعين 
دوق ألبة (مطرقة ثوار الفلاندر»؛ على أساس أنهم يفتقرون إلى الأسلحة 
والموارد والموانئ الآمنة للأسطول التركي. ولم يكن نائب مملكة بلنسية 
بمبسيانو غونثاغ 0082288 مسفنقدموعلا أقل ارتيابا في هذه التقارير» التى 
وصفها في رسالة في وقت لاحق من تلك السنة بأنها «فضول نزاع جداً 
إلى الشك)»» مضيفاً: (إما أنني أخدع نفسي, أو أن ذلك محض افتراء»!6ا. 
عد د جد 
لكن هذا التقييم الرصين النزيه ل يبدد الشكوك الرسمية في 
المورسكيين. فرغم وقف إطلاق النار الإسباني- العثماني في البحر الأبيض 
المتوسطء واصل القراصنة المسلمون مهاحمة السفن والبلدات الساحلية 
الإسبانية» وكانت أطقم القراصنة تضم أحياناً مبعدين مورسكيين مثل 
سعيد بن فرج الدوغالي'" اللاجئ الغرناطي الذي فرّ إلى المغرب قبل 
فترة قصيرة من حرب البشرات. عمل الدوغالي أولاً في خدمة السلطان 
(1) سعيد بن فرج الدوغالي 81اعد(آ-21 زهمة1 مء8 5310 ولد في تملكة غرناطة» ثم هاجر إلى 
المغرب قبل حرب البشرات» وأقام في تطوان ومنها مارس القرصنة» وفي زهاء عام 1563» كلّفه 
سلطان المغرب عبدالملك السعدي بتشكيل قوة مدفعية بالجيش من المورسكيين» ومنحهم 
أراضي في سهل مراكش الخصيب للتعيش منهاء وشارك الدوغالي في مختلف الحملات التي 
جردها السلطان؛ واستمر الدوغالي في ممارسة «القرصنة», وفي عام 1571 كانت له في سلا 
سبع سفن قرصنة مجهزة احتل بها مدينة الرصيف ع]نععه في لانثاروتي عاممة22آ بجزر 
الكناري طوال شهري سبتمبر وأكتوبر 1571» وفي عام 1573 استولى على بلدة كهوف المنصورة 
عل 25/ءنان) في إقليم غرناطة ونقل جميع سكانها أسرى إلى المغرب. منحه 
السلطان المغربي لقب «باشا» واستخدمه في معركة الحصن الكبير» حيث أوفده على رأس 
عدد من الفصائل لمعرفة المكان الذي رسا فيه سباستيان» وأرسله إلى سوس للدفاع عن رأس 
أغير» انتهت حياته بالإعدام في عام 1579 بعد محاولة الانقلاب على السلطان السعدي أحمد 
المنصور الذهبي» الذي خلف أخاه السلطان عبدالملك بعد معركة القصر الكبير [المترجم]. 


334 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


4- ا خوف الكبير 

المغربي الذي كلفه بتجنيد المليشيا الأندلسية الخاصة التي قاتلت في معركة 
القصر الكبير قبل أن يتجه إلى القرصنة. ومن قاعدته في تطوان. شارك 
الدوغالي في هجمات عديدة على السفن الإسبانية وعلى موطنه السابق» 
منها هجوم القراصنة الكبير على جزر الكناري في عام 1571 الذي احتلت 
فيه لانثاروتي لشهرين. 

ظل المورسكيون أيضاً يزودون القراصنة بالمساعدة من داخل إسبانيا. 
ففي أكتوبر 1583: أعدم خمسة عشر مورسكياً بلنسياًء ومزقت أجسامهم 
بتهمة مساعدة القراصنة الجزائريين في المجوم على بلدة تشلشيس 
الساحلية. وفي هجوم آخر على بلدة كايوسا 0311058 البلنسية؛» حاصر 
ألفا قرصان النصارى المحليين في قلعة دفاعية» ونهبوا البلدة قبل أن 
يغادروا ومعهم كل السكان المورسكبين. وعلى الرغم من أن الاتصال 
بين المورسكيين وإخواهم في الدين في شمال إفريقيا كان محظوراً بشدة 
ويعاقب عليه بالموت» واصل المورسكيون من شمال إفريقيا الإبحار عبر 
البحر الأبيض المتوسط في الليل لزيارة أقاربهم واختطاف النصارى أحياناً 
لبيعهم عبيداً عند عودتهم. كثفت هذه الزيارات الغامضة إحساس عدم 
الأمان المهيمن في بلنسية» وقد كانت الشائعات حول الجواسيس الأتراك 
والظهور غير المفسر للأجانب الأشرار تُرِيّن فيها أحياناً بقصص شعبية 
بشعة عن بعابع مورسكية كانت تغوي الأطفال النصارى بالحلوى- على 
ما يقال- كي تختطفهم إلى شمال إفريقيا. 

تأثر الذعر المعادي للمورسكيين أيضا بنشاطات قطع الطرقء التي 
غدت مشكلة مزمنة في كثير من مناطق إسبانيا في عهد فيليب. على أن 
قطع الطرق لم يكن بأي حال نشاطاً مقصوراً على المورسكيين. فكل من 
المورسكيين والنصارى القدامى «الجؤوا إلى الجبال» وتحولوا إلى الصوص 
وقطاع طرق في العقود الأخيرة من القرن. وابتليت بلنسية بعصابات 


11_طماع !© :1]61]أللا 1 335 


الدين والدم 

تشبه المافياء وجماعات مسلحة ضمت بين صفوفها «قطاع طرق» نصارى 
ورهبانا ساخطين. وكان كل من الكهنة وعامة الناس في بلنسية معتادين 
على حمل الأسلحة؛ وفي مناطق أخرى من إسبانيا كان أعضاء الكنيسة 
يتورطون أيضاً في الجرائم المختلفة» مثل إدارة أوكار القهار والاختطاف 
والقتل. وكان انعدام الأمن الاجتماعي السائد ناتجا جزئيا عن الظروف 
الاقتصادية المريعة التي عاشها معظم السكان الإسبان في الأعوام 
الأخيرة من عهد فيليب. كما أخذت جرائم قطع الطرق أيضا دفعة تقنية 
مع اختراع البنادق والمسدسات المصّوّنة. ففي حين كانت بنادق الفتيل 
تفرض على المهاجم أن يقف أمام ضحيته ويشعل الفتيل بصعوبة لإطلاق 
النار. مكنت التقنية الصوانة من إعداد كمائن يصعب التعرف إليها. 

واستخدم قطاع الطرق النصارى القدامى والمورسكيون هذا التجديد 
لدرجة أن السلطات الإسبانية حاولت منع الجماعتين من استخدام هذه 
الأسلحة. لكن الرعب والفزع الزائدين اللذين أحاطا بقطاع الطرق 
المورسكيين عززتهم| شائعات وحكايات عن جرائم قاسية ومرعبة نفذها 
مورسكيون بحق نصارى» مثل شرب دم الضحايا أو ترك جثث المسافرين 
النصارى عارية ومقطوعة الرؤوس على جوانب الطرق. وفي بلنسية» وفقاً 
للمؤرخ البلسبي غاسبار إسكولانوء كان قاطع الطريق المورسكي سولية 
023 يقود عصابة من «القتلة والشباب الضائع» كانت نشاطاتهم كثيرة 
لدرجة أنه «لم يكن من الممكن السير خلال المملكة دون خطر التعرض إلى 
السرقة أو القتل». وبين عامي 6 و1573. ابتليت أجزاء من أندلوسيا 
وغرناطة بعصابة من العبيد الحاربين والثوار المورسكيين السابقين كان 
يقودها قاطع الطريق؛ الشريق عناونة:85110» الذي كان النصارى يعرفونه 
باسم «الكلب»» قبل أن يفر زعيمها إلى شمال إفريقيا. 

وشهدت قشتالة هي الأخرى زيادة في نشاطات قطاع الطرقء كان 


236 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


4- ا خوف الكبير 

ينسب معظمها إلى المورسكيين المبعدين عن غرناطة. ففي عام 1581 
قدمت محكمة بلد الوليد تقريراً إلى مجلس الدولة أرجع نحو مائتي عملية 
قتل وسط قشتالة في الأعوام الأربعة السابقة لقطاع الطرق المورسكيين. 
وذكر مسؤول التحقيق ومؤلف التقرير الدكتور فرانئيسكو ايرئانديث 
دي ليبانا ههد160نآ عل 2علمقمع1] معوءمورظ أن حالات القتل كانت من 
فعل ست عصابات مورسكية أو سبع ينتمي أعضاؤها بالدرجة الأولى 
إلى «أولئك الذين ثاروا في غرناطة». كانت هذه العصابات تقتل «البغالين 
والمسافرين الفرادى غير المسلحين» في وضح النهار وهم مطمئنون إلى أنهم 
سيجدون ملجأ عند أي من أبناء أمتهم». وضع تقرير لبيان هذه النشاطات 
ضمن سياق التهديد الأوسع للمجتمع النصراني من جانب الغرناطيين 
المبعدين الذين «لا يمكن الثقة في نصرانيتهم ... ولم يُظهروا علامة واحدة 
من علاماتها رغم الطرق الكثيرة المختلفة» التي جربت معهم)!7!. 

ولاريب في أن بعض المورسكيين اعتبروا قطع الطرق فرصة للانتقام 

من المجتمع النصراني» بيد أن نشاطاتهم لم توجه ضد النصارى فقط. 
فقد اتجه المورسكيون إلى قطع الطرق لأسباب كثيرة مختلفة» ولم يكونوا 
يعبؤون حت] بالخلفية العرقية أو الدينية لضحاياهم, ولم يكونوا أكثر 
وحشية من نظرائهم النصارى. وإذا كانت بعض الجماعات المورسكية 
قد قدمت الحاية لقطاع الطرق بفعل التعاطف أو الخوف. فإن قطاع 
طرق المورسكيين في بلنسية كان لهم أيضاً حماة نصارى أقوياء. لدرجة أن 
نائب الملك البلنسي المركيز أيتونا 4028 اضطر في يونيو 1586 إلى إصدار 
مرسوم هدد فيه كلا من النصارى القدامى والجدد. الذين يحمون قطاع 
الطرق المورسكيين بعقوبات قاسية لكليهما. 

حاول أيتونا استئصال قطع الطرق تماماً من المملكة» بسياسة متشددة 
قائمة على الجلد والسجن والشنق» وقد حققت نجاحاً مؤقتأء من أمثلته 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 37 


الدين والدم 
تفكيك عصابة سولية في عام 6 . وفي كل الأماكن الأخرى بإسبانياء 
كانت السلطات تشسْنوّ تشنق قطاع الطرق المورسكيين أو تحكم عليهم بالخدمة 
على القوادس أو تلزمهم بالعمل في المناجمء وفي بعض الحاللات كانت 
تتفاوض معهم على الاستسلام في مقابل نفيهم إلى شال إفريقيا. لكن 
قطع الطرق ظل في حالة من المد والجزر وفقاً للحالة الاقتصادية» مع أنه 
كان يتداخل أحيانا مع أجندات سياسية محددة. فيين عاص 5 و1588غ2 
أضبحت أراغوت الريفية مشهدا لعداء عرقي مري رين المتُطعِينَ المورسكييث 
للكونت ريباغورثا 1103801528 ورعاة الخراف والماشية 3 ة النصارى المعروفين 
باسم «الجبليين» 8100]2765©5» الذين جاؤوا بواشيتهم إلى هذه الأراضي 
للرعي. وفي عام 1585» انفجرت التوترات الكثيرة بين هاتين المجموعتين 
في نوبة من العنف. حين قتل راع نصراني على يد مورسكي من قرية كودو 
0» وانتقامالمقتل الراعيء قام أخوه وجيرانه بقتل مجموعة من الفلاحين 
المورسكيين من كودوء وهم في طريقهم إلى الحقول. 
وسرعان ما تصاعد هذا الثأر. حين قامت عصابة من الجبليين وقطاع 
الطرق النصارى المحليين بقيادة شخص غامض يدعى لوبرسيو لاتراس 
5 ونىءمناآ بإطلاق حقبة من الإرهاب ضد «الكلاب الأندلسيين» 
في ضياع الكونت ريباغورثا"". كان لاتراس ضابطاً بحرياً إسبانياً سابقاً 
(1) بعد طرد الأندلسيين» بعد هذه الأحداث بأكثر من عقدين» ترركت مساحات شاسعة من 
جنوب إسبانيا بلا زراعة» جذبت انتباه رعاة الأغنام الذين وجدوا فيها فرصة كبيرة للمرعى 
الشتوي في مناخ الجنوب الأكثر اعتدالاًء ومنحهم التاج امتيازات الرعي في الممتلكات 
الأندلسية السابقة» وكذلك على طول طرق الترحال والأراضي التي لم تستصلح بعد. وكي 
يحمي أصحاب الاحتكار حقوقهم الرعوية» منعوا المزارعين المحليين من تسييج أراضيهم 
المشاع؛ ما حرم إسبانيا من الاستفادة من حركة تسييج الأراضي التي شهدتها أوروبا في ذلك 
العصر فضلا عن الدمار الذي ألحقته الأغنام المتنقلة بالحياة النباتية وتخريب الزراعة وإنقاص 
قيمة الأرض. وكان ذلك أحد الأضرار الكبرى التي نتجت عن طرد المورسكيين في العقدين 
الأولين من القرن السابع عشر [المترجم]. 


338 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


4- ا خوف الكبير 

وجاسوساً سابقاً في البلاط الإنجليزي. ولذلك كان شخصية غامضة 
ومبهمة تزامنت حربها ضد الكفار المورسكيين مع نزاع قضائي متواصل 
بين تاج قشتالة والمحاكم الأراغونية حول حقوق الملكية للمُفْطعين 
المورسكيين في ضياع ريباغورثا. وسواء كان لاتراس يعمل سراً وكيلاً 
للتاج أم يعمل لحساب نفسه. فلم تتمكن السلطات الملكية أو الإقطاعيون 
النصارى من حماية المورسكيين من العنف الذي ابتلع المنطقة حينها. ففي 
عيد الفصح في عام 1588 أحرق لاتراس وأتباعه من الجبليين قرية كودو 
المورسكية تماماً بعد أن فرّ أهلها. وتلا ذلك هجوم أكثر دموية على قرية 
بينا 51 النصرانية-المورسكية المختلطة» قتل فيه رجال لاتراس مئات 
المورسكيين في الميدان الرئيس أو ألقوا بهم من فوق برج الدير المحلي. 

كان ذلك أشد اندلاع للعنف العرقي منذ غرناطة» وكانت إمكانية 
تفاقم الموقف مفتوحة» حين دفع لاتراس أتباعه ل«تدمير كل المورسكيين 
في المنطقة». ووجدت السلطات الأراغونية نفسها أمام احتمال انتشار حملة 
صليبية داخلية في أرجاء المنطقة كافة» فأرسلت أخيرا قوات لاستعادة 
النظام» اعتقلت وأعدمت رؤساء العصابات المورسكيين والنصارى» 
الذين شاركوا في العنف. وف لاتراس بلا عقاب» وذهب لأداء مهمة 
تجسس أخرى في البلاط الإنجليزي قبل أن يقتل في هدوء لدى عودته 
إلى إسبانيا في عام 1590. سبق الاضطراب في ريباغورثا مواجهة كبرى 
بين مملكة قشتالة والأراغونيين المشاغبين» التي بدأت في عام 1590» حين 
فرٌ سكرتير فيليب المطرود أنطونيو بيريث 26262 مونومادة من اتهامات 
بالقتل عبر اللجوء إلى أراغون. وأثارت محاولات اعتقاله من جانب 
محكمة التفتيش اضطرانات معادية لقشتالة في سرقسطة. وفي سبتمبر 
591 اضطر فيليب إلى إرسال ألف وثانمائة جندي إلى المملكة لإعادة 
سلطة التاج. لم يلعب المورسكيون دوراً في اضطرابات أراغون رغم 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 239 


الدين والدم 
المخاوف الرسمية من أن يستخدمهم حكامهم النصارى لمقاومة ال هجوم 
القشتالي» لكنهم تأثروا بنتائجهاء حين خوّل التاج محكمة التفتيش أخيرا 
مهمة نزع سلاح السكان المورسكيين؛ التي كانت محكمة التفتيش تلح 
عليها مدل أكثر من عقل. 
# # د 

كانت عمليات نزع الأسلحة الدورية واحدة من محاولات مختلفة من 
جانب حكام إسبانيا للقضاء على التهديد الأمني المورسكي المدرك. ففي 
أكتوبر 1575» حظر مرسوم ملكي على المورسكيين البلنسيين الاقتراب 
من الشريط الساحلي دون إذن رسمي. وفي عام 1581» وردا على #جرائم 
القتل والسرقة والنهب الكثيرة» المنسوبة لقطاع طرق مورسكيين؛ أمر 
الغرناطيون المبعدون في قشتالة بحمل أوراق تعريفية في جميع الأوقات 
لإثبات محال إقامتهم. ومنع المورسكيون القشتاليون أيضا من حمل 
الأسلحة» باستثناء السكاكين ذات الحواف المدوّرة. وفي غرناطة أصبح 
أي مورسكي يضبط متلبساً بحمل أسلحة عرضة للشنق. وفي بلنسية في 
أغسطس 1586» منع المورسكيون من تغيير محال إقامتهم. وفي عام 1588 
أمر فيليب السلطات في أراغون بزيادة اليقظة على طول الحدود الفرنسية 
لمنع الاتصالات بين المورسكيين الأراغونيين وال هوغونوت الفرنسيين. 

وجرت أيضاً حاولات متقطعة لمنع المورسكيين من العمل في بعض 
المهن التي كان يفترض أنها تشكل خطراً أمنياً مثل صناعة البارود. وبات 
البعغالون المورسكيون الذين كانوا يسيطرون على صناعة النقل الإسبانية 
محل شكء إذ كانوا يتهمون غالبا بتهريب الأسلحة والبارود والمخطوطات 
المحظورة في الأمتعة المنقولة» وكانت عمليات التفتيش الرسمية تكشف 
من حين إلى آخر عن هذه المواد الممنوعة. لكن كان من غير الممكن إبعاد 
المورسكيين عن مهنة ترفع النصارى عن العمل فيهاء وبدا من غير الممكن 


320 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


4- ا فوف الكبير 

أيضاً منع ا مورسكيين من الخروج من مناطقهم المختلفة. 

كانت محاولات السلطات المستميتة لمراقبة المورسكيين وضبطهم 
تكشف أن إسبانيا القرن السادس عشر افتقرت إلى الموارد اللازمة لتهدئة 
نحاوفها. إذ كيف يمكن للسلطات أن تتأكد من أن الحدادين وعمال المعادن 
المورسكيين لم يكونوا يصنعون أسلحة أو قذائف لتعويض ما يصادر 
منهم؟ وكيف كان لما أن تميز مهرب الخيول الذين كانوا يعبرون جبال 
البرانس بانتظام عن الجواسيس الأجانب أو المورسكيين» الذين كانوا 
يطلبون الدعم لثورة مزعومة؟ وكيف كان للنصارى البلنسيين أن يتأكدوا 
من أن قوارب الصيد المورسكية لم تكن تنسق مع سفن القراصنة بعيداً عن 
أنظار البر؟ وفي عام 1582» وضع مجلس الدولة قائمة مقترحات مفصلة 
لتقليل إمكانية قيام ثورة مورسكية في بلنسية» ووجّه نائب الملك إلى التأكد 
من تزويد المجالس البلدية جميعها بالبارود والبنادق والذخيرة» وتأسيس 
مليشيا نصرانية تقوم بانتظام بالتدريب على إطلاق النار» وتشارك في 
مسابقات إطلاق النار بين البلدات المختلفة كشكل من استعراض القوة 
أمام السكان المورسكيين. لكن هذه المقترحات لم تثمر إلا في عام 1597» 
حين أسست المليشيا البلنسية المعروفة باسم «الفعالة» ه/اناءء81. 

نفذت محاولات متنظمة أيضاً لتأمين الشريط الساحلى الإسباني على 
البحر الأبيض المتوسط. ففي عام كبقل أعادت السلظات البلنسية 
تفعيل خطة جيوفاني أنتونيلٍ بإنشاء نظام من الحصون الدفاعية على طول 
الساحل التى أ*ملت سابقاً بسبب نقص التمويل. ونفذت جهود مماثلة في 
الدلرسياء 5 الغارات الإنجليزية على قادس في عام 1587 وعام 1596 
كشفت نقائصها. وكلم| زاد شعور إسبانيا بالضعف والانكشاف» تضخم 
تهديد المورسكيين أكثر في نظر فيليب ووزرائه. وفي حقبة ما بعد غرناطة» 
أدت هذه ال هواجس إلى تأكيد جديد على القمع الذي كانت تمارسه محكمة 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 341 


الدين والدم 

التفتيش. فمن بين سبعة وعشرين ألف وتسعائة وعشر محاكات نظرتها 
محكمة التفتيش بين عامي 1560 و1614؛ شكل المورسكيون الفئة الأكبر» 
إذ كان نصيبهم أقل قليلاً من تسعة آلاف محاكمة, بنسبة أقل قليلاً من 
اثنين وثلاثين بالمئة من الإجمالي. وكانت هذه النسبة أعلى من ذلك في 
مناطق معينة وفي فترات معينة!ة. فبين عامي 1585 و1595. عاقبت 
عكمة التفعيشن البلاسية ألا وثلاثة وسين مورسكياء مقارتة نا لا يديد 
على مئتين فقط في العقد السابق. وفي أراغون» شكل المورسكيون تسعين 
بالمئة تقريباً من كل ضحايا أحكام الإعدام» التي أصدرتها محكمة التفتيش 
في الفترة نفسها. 

وفي بلنسية مكن اندلاع الثورة, الغرناطية محكمة التفتيش من اتخاذ 
إخراءات أشد عدوانية فيد يعضن الفطلعين التصارى الذيخ كانرا يوفروة 
الحماية للمورسكيين» ومنهم أدميرال بلنسية المدافع عن المورسكيين 
سانشو دي كاردوناء الذي حوكم في عام 1569. وني الفترة عينهاء اتهبمت 
محكمة التفتيش عائلة كوزم بن أمير تنسقمء8 ءم:وه0» وهي واحدة من 
أغنى العائلات المورسكية في بلنسية بالانتماء إلى الإسلام» وبدأت بذلك 
إجراءات قانونية طويلة جلبت غرامات كبيرة إلى خزائن محكمة التفتيش. 
على أن ميل المحكمة لإصدار «التوبة الروحية» والعفو والهّل لم ينعدم 
كلياء لكن هيمنت عقوبات أقسى فيا بعد ثورة غرناطة» فأحرق مئات 
المورسكيين على الخازوق» أو ماتوا تحت التعذيب» أو في سجون محكمة 
التفتيش. وَعُرّم الآلاف منهم أو جلدوا أو حكم عليهم بالخدمة على 
القوادسء أو أفقروا لدرجة العوز نتيجة لمصادرة ممتلكاتهم. 

ولم يكن أحد من المورسكيين في مأمن من هذا الاضطهاد. ففي عام 
7 اعتقلت محكمة التفتيش الأراغونية التاجر ا مورسكي الس رقسطي 


خوان كومبانيرو 256:0م0052) 1020 بتهمة مساعدة مبعوث تركي مزعوم 


342 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


4- ا خوف الكبير 

يدعى خوسو دوارتي. ومع أن كومبانيرو أذكر التهمة حتى تحت التعذيب» 
فإنه اعترف في النهاية بالقيام سرا بالعبادات الإسلامية» واقتيد في العرض 
التكفيري في سرقسطة في عام 1581» الذي أحرق فيه أعز صديق له على 
الخازوق. وحكم على كومبانيرو وزوجته بعشرة أعوام من العزل في أحد 
الأديرة» وفي العام التالي حكم على ابنه الأصغر خوان بالموت غيابيا بعد 
أن فرّ إلى الجزائر. 

اشتاق كومبانيرو الابن إلى الوطن» وحصل أخيرا على إذن بالعودة 
إلى أراغون بعد إعلان رغبته في أن يكون نصرانياً. وبعد فترة قصيرة من 
عودته» اتهم بالردة وحكم عليه «بالتحويل إلى الذراع العلاني». وفي 
طريقه إلى الخازوق سُمع الشاب وهو يصلي بالعربية» فأخذ العامة يرجمونه 
ويضربونه؛ قبل أن يتتزعه منهم المسؤولون مهلهلاً ويحرقوه. ورغم هذه 
الإجراءات الهمجية» ذكرت المحكمة بارتياح أن الإعدام ترك «العامة... 
في حالة من الرضاء وترك المورسكيين في حالة من الذعر)!". 

على أن قصة محكمة التفتيش مع عائلة كومبانيرو لم تنته بعد إذ 
أحرقت ثلاثاً من زوجات أبنائه بتهمة ال هرطقة» ومات زوج ابنته في سجن 
محكمة التفتيشء وأرسل خادم هم إلى الأسطولء ثم أعدم لاحقا. وفي 
عام 1609, أحرقت أرملة كومبانيرو على الخازوق بعد أن أدينت بترتيب 
جنازة إسلامية لقريب لها وتخصيص غرفة للصلاة في بيتها. 

كانت هذه العقوبات الجيلية الممتدة والمتتابعة جزءا من أسلوت حياة 
محكمة التفتيش. فمحكمة التفتيش تمتعت بذاكرة قوية» ى) أن استهداف 
العائلات المورسكية القوية كان جزءاً من هجوم منظم على زعماء الجماعة 
المورسكية» وهم الفقهاء. وكان اضطهاد محكمة التفتيش يطبق جماعياً 
على جماعات كاملة» مثل مستوطنة أغيلار ديل ريو الحمة 0: [عل ةداوه 
3 المورسكية النائية» وهي قرية كانت تأوي نحو مئة عائلة في جبال 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 213 


الدين والدم 


لاريخوا هزه81 .1 المجاورة لقشتالة وأراغون. ففي ديسمبر 1583» ا#بيمت 
امرأة مورسكية من القرية أمام محكمة التفتيش في لوغرونو 1087050 
أبا وصفت عظات راهب محل «بالهراء». وفتح استجوابها سيلا من 
الاعتقاللات والاعترافات والاتهامات» طالت كل جيرانها تقريبا. وعلى 
مدار العامين التاليين أحرق نحو ثلاثين مورسكياً من القرية على الخازوق 
أو ماتوا في السجون. وعذب عشرات آخرون أو جلدوا أو صودرت 
ممتلكاتهم أو حكم عليهم ب«الكفارة غير مدفوعة الأجر على مجاديف 
الملك» في واحدة من أشنع تحقيقات محكمة التفتيشء التي ابتليت بها أي 
جماعة مورسكية. 
+ عد د 

كانت صورة محكمة التفتيش الإسبانية في العالم الخارجي مخيفة 
ومرعبة» منذ أن بدأت الدعاية البروتستانتية المعادية لإسبانيا تصورها 
على أنها يد الطغيان الكاثوليكى المشوهة والمتعطشة للدماء. لكن بالمعايير 
السائدة في ذلك الوقتء كانت محكمة التفتيش مقيدة نسبياً في عنفها. 
فعدد الأرواح التي أزهقت بسبب عقيدتها في بلدان أوروبية أخرى فاق 
عددها في إسبانيا الكاثوليكية التي لم يصل عدد القتلى فيها حتى عدد 
النساء اللاتي أحرقن بتهمة السحر. ورغم السمعة الوحشية البشعة 
لمحكمة التفتيش» فإن طرق التعذيب التي كانت تستخدمها بدت أقل 
وحشية من تلك التي طالت الزنادقة والخونة في برج لندن”". فمحكمة 


(1) برج لندن وهلهن.] و ,ه10 أو القصر والقلعة الملكيين لصاحبة الجلالة» قلعة تاريخية على 
الضفة الشمالية لنهر التيمز بوسط لندن, بني في عام 1066 كجزء من الغزو النورمندي لإتجلتراء 
وفي عام 1078 أمر وليام الفاتح يبناء البرج الأبيض الذي أصبح رمزاً للقمع الذي أنزلته النخبة 
الحاكمة بلندن, وبداية من عام 1100 استخدمت القلعة كسجن من حين إلى آخرء وجاءت 
ذروة استخدامها كسجن في القرن السادس عشرء حين أصبحت عبارة «أرسل إلى البرج» 
كناية عن أن المبتلى في طريقه إلى التعذيب والإعدام [المترجم]. 


44 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


14- ا خوف الكبير 

التفتيش الإسبانية كانت تفضل استخدام الحبال المشدودة بإحكام على 

الأذرع والأرجل والشد على المخُلّعة”© و«القماشة والماء»» وهو شكل مما 

نسميه اليوم الإغراق الكاذب©» بدلاً من الحديد الحارق أو اللولب©. 

وبخلاف القضاة الفرنسيين. لم تكن محكمة التفتيش الإسبانية تأمر بقطع 

ألسنة الزنادقة قبل إعدامهم لحرمانهم من الصلاة» لكنها كانت تكعمه. 

عوضا عن ذلك. 
كانت أبشع التخيلات لمحكمة التفتيش التي نسجها إدغار ألان بو 

ع0 صقااث نتدع580 وغيره من كتاب القرن التاسع عشر تميل إلى حجب 

قي اسن 

المركب الغريب من التقوى والحرص الشديد على اتباع الشكليات 

القانونية والحقد البيروقراطى والقسوة الشديدة التى ميزت محكمة 

التفتيش. وهذه السهات عينها كانت ها دوماً نتائج مدمرة على مسلمى 
إسبانيا السابقين. ومن أمثلة ذلك الأحداث الكارثية التي حلت في الربع 
الأخير من القرن بسكان أركوش في مدينة سال©؟؛ تلك البلدة ذات 

(1) المخُلّعة نهم آلة تعذيب قديمة تتكون من مستطيل أو إطار خشبي مرتفع قليلاً عن الأرض مزود 
ببكرة في طرف واحد أو الطرفين» كانت ساقا الضحية تربطان في إحدى البكرتين ومعصماه 
في البكرة الأخرىء ثم تلف البكرة العلوية تدريجيا لزيادة شد الضحية في القيود» ما يتسبب 
في آلام شديدة. وباستخدام البكرات والرافعات» كان يمكن خلع مفاصل الضحية أو فصلها 
نهائياً. علاوة على أن العضلات حين تشد بدرجة مفرطة تفقد قدرتها على الانقباض» مما 
يقضي على وظيفتها فعلياً [المترجم]. 

(2) الإغراق الكاذب ع«دنلعةوطه)2؛ شكل من التعذيب يصب فيه الماء على وجه المعذب المقيد 
في أثناء تغطية أو لف رأسه بكيس قماشيء ومع التصاق القماش المبلل بالأنف يدخل المعذب 
في حالة من الاختناق الفعلي التي قد تؤدي إلى الموت أو تدمير الرئتين أو المخ [المترجم]. 

(3) اللولب أو القلاووظ الربهامي أداة تعذيب قديمة كان يضغط بها على إيهام أو أصابع المعذب 
والمرافق [المترجم]. 

(4) الكعم هو إقحام شيء (يسمى كعام) في فم الشخص لابقائه مفتوحا أو لمنعه عن الكلام 
والصراخ [المترجم]. 

)03( أأععهمنلء84 عل ومعهى في اللغات الأوروبية [المترجم]. 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 245 


الدين والدم 

الأغلبية المورسكية بمقاطعة قونكة. ففي عام 1575» وصل محققو محكمة 
التفتيش إلى البلدة وقرؤوا مرسوم الإيهان الذي حث المورسكيين على 
الإبلاغ أو الاعتراف طوعاً عن أي من المخالفات المدرجة فيه. وحين لم 
يتقدم أحدء حث مفوض المحكمة الدكتور أرندا 4:2848 أنطونيو موراغا 
8 81101110 أحد زعماء الجماعة المورسكية المحترمين في البلدة على 
استخدام نفوذه كي يقدم الأهالي اعترافاتهم» وإلا سيكون موراغا نفسه 
عرضة للاعتقال. وفي العام التالي» تقدم عدد من المورسكيين» منهم بيتريز 
دي باديا 0118 عل 2زئاهء8) زوجة في عمر الخامسة والعشرين لصانع 
سلال محلي» واعترفت بأنها تصوم وتؤدي الصلوات الإسلامية» وأنها 
«تلتزم بقصد ووعي بدين الأندلسيين». ونظراً لأن باديا اعترفت طوعاء 
فقد «اتصالحت» معها المحكمة وحكمت عليها «بعقوبات روحية معينة)» 
لكن هذه الاعترافات أكدت أن «عش الزنادقة» في أر كوش يحتاج إلى 
مزيد من التحقيقات. 

وفي يونيو 1581» زارت محكمة التفتيش البلدة مرة ثانية» واعتقل 
أنطونيو موراغاء واتهم بأنه احتفل بهزيمة الملك البرتغالي سباستيان في 
المغرب بمصارعة الثيران» وتحريض المورسكيين المحليين على عدم دفع 
الأعشار للكنيسة» والنداء على أطفاله ب«الأندلسيين الصغار». ويبدو 
أن مصدر هذه الاتهامات كان الكاهن المحلى ماركو فيرنانديث دي 
ألمانثا سالك عل دعلمفقمع5 م315 الذي شغل منصبه في عام 1578. 
كان ألمانئا السكير المقامر زير النساء يتحرش دائما بالنساء المورسكيات 
المتزوجات والعازبات لمارسة الجنس معهنء ولم يكن يتورع عن التسلق 
على أسقف البيوت ومحاولة دخوها عنوة. 

وكانت بيتريز دي باديا ممن يشتهيهن الكاهن الداعرء وكانت في 
ذلك الوقت قد عشقت أنطونيو موراغا وتعيش معه في بيته مع ابنتها 


246 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


4- ا خوق الكبير 

الصغيرة ليونور :1.6020 بعد موت زوجة أنطونيو. على إننا لا نعرف 
موقف زوج باديا من هذا الوضعء» لكن من الواضح أن باديا كانت 
مخلصة لحبيبها المسن. وحين سمعت باديا بخبر اعتقال أنطونيوء تحدت 
أوامر منع الزيارة وانسلت إلى البيت الذي كان محتجزاً فيه انتظاراً لترحيله 
إلى قونكة لتعطيه قميصاً نظيفاء فاكتشف أمرها وقبض عليها وسجنت. 
وحين استجوبها أرنداء أنكرت أن القميص النظيف له أي مغزى ديني”, 
لكنها اعترفت بأنها كانت تعيش معه عيشة الأزواج بلا زاوج. وساءت 
الأمور كثيراً بالنسبة إلى بادياء حين اعتقلت صديقة وجارة هاء أخضعتها 
حكمة التفتيش لحفلة كاملة من الربط المشدد بالحبال والشد على المخلّعة 
والتعذيب بالماء. 

ا#بمت سمرونة 2370201278 صديقتها وعدداً من جيرانها بأداء شعائر 
الإسلام سراً. وضعت هذه الاتهامات باديا في فئة «المرتدين غير التائيين»» 
وهي فئة كانت عرضة للحرمان الكسي والموت. ونتيجة لاتهبامات 
سمرونة» أحرق أحد جيرانها على الخازوق» واعتقل آخر ومات في 
السجن. وكانت باديا محظوظة لأنها أفلتت من مصير مماثئل» حين تبين 
أن الشهوى الأشريى ضندها كائرا غير موترقين. ويدلا من ذللك» غعوقيت 
بمئة جلدة واقتيدت خلال البلدة عارية حتى خصرها على بغل» في حين 
كان مناد يعلن مخالفاتها على الأهالي. 

وأطلق سراح حبيبها موراغا من السجن بعد سنتين لعدم كفاية 
الأدلة» واستأنف علاقته بباديا دون زواج» وحاولا أن يعيدا بناء حياتهم|. 
وني عام 1585» مَثْل «الكاهن الفاسد» ألمانثا أمام السلطات الدينية المحلية 
باتبامات من جانب وفد من المورسكيين من البلدة» ودعم من كاهن 
حلي آخر. حكت إحدى المورسكيات للمحكمة أنه هددها بمحكمة 
(1) كأن يكون قميصاً نظيفاً أو طاهراً للصلاة مثلاً [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 217 


الدين والدم 


التفتيش في أثناء الاعتراف إن لم «تمارس معه الفعل القبيح». وذكر شهود 
آخرون أن الكاهن «الفاسد الشهواني» كان يدخل في نوبات سكر يشتم 
فيها الأهالي بأنهم «عاهرات وأندلسيون يجب حرقهم». ونتيجة لهذه 
الشكاوىء. جرد ألمانثا من منصبه وسجن بأوامر من الأسقف المحلى. 
لكن هذه التهم أسقطت بعد ذلك حين نجح في إقناع أسقف قونكة بأن 
التهم كانت مؤامرة مورسكية؛ رداً على دفاعه ا متحمس عن الكاثوليكية» 

في ذلك الوقتء كانت ليونور ابنة بيتريز دي باديا قد تزوجت ابن 
نسبي بعد الأحداث المؤلمة التي عاشتها في الأعوام العشرين الأخيرة. 
لكن محكمة التفتيش لم تنته بعد من أهالي أركوش. ففي عام 1595, عاد 
المتصلب أرندا إلى البلدة واعتقل مجموعة أخرى من المورسكيين» منهم 
فرانثيسكو زكريس 2323:1385 معؤواعمة:1» الذي أحرق أبوه في عام 1583. 
وتحت التعذيبء اعترف زكريس بأنه دخل بيت بيتريز دي باديا ووجدها 
«تغسل أعضاءها المخزية». 

وفي سبتمبر 1596.» اعتقلت باديا ثانية مع ابنتها الحبلى ليونور وزوج 
ابنتها وصديقة للحا تدعى أنا لوبيث 62م6.آ 482 وجيران آخرين. واتهم 
المورسكيون بعدد من الجرائم الخطرة» منها أداء الاغتسالء» وتلاوة 
الصلوات الإسلامية» وترك قريب مريض يموت في البيت دون استدعاء 
الكاهن لمنح الميت «ميتة جيدة ى) يفعل الكاثوليك». وفي أكتوبر 21596 
حوكمت باديا في مقر محكمة التفتيش بقونكة» وادعى عليها الادعاء أن 
شهودا رأوها مع «آخرين من طائفتها» يأكلون على الأرض في بيتها ١على‏ 

يقة الأندلسيين». وذكرت ليونور ابنة باديا المذعورة للمحكمة أن أمها 
تلتزم بصيام رمضان وتؤدي الصلوات الإسلامية بانتظام قبل أن تركع 


248 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


4- ا خوف الكبير 

على ركبتيها لتستجدي ال رحمة من أعضاء المحكمة. 

عذبت باديا إلى أن اعترفت واتهمت ابنتها وأصدقاءها وأقارها الذين 
اعترفوا عليها جميعاً. ودفع الادعاء بأن هذه المخالفات تعد دليلاً دامغاً 
على أن اعترافات باديا السابقة كانت «زائفة ومضللة» وأنها أخفقت في 
الاستفادة من «الرحمة التي عوملت بها" في هذه المناسبات. وعلى اعتبار أن 
باديا امؤلفة هرطقات ومتكتمة على هرطقات».؛ فقد حكم عليها بالموت 
ومصادرة ممتلكاتها وحرمان أطفالها وأحفادها من المناصب العلانية 
أو الدينية أو أي مناصب «شرفية» مماثلة»؛ ومن لبس الحلى أو الحرير أو 
ركوب الخيول. ول اصنييخة العالث صخر من درسينر 394ن اقتيدت باديا 
وصديقتها أنا لوبيث إلى العرض التكفيري بالساحة الرئيسة بقونكة 
وشمل العرض أيضاً زوج ابنتها وابنتها التي وضعت رضيعها في زنزانة 
محكمة التفتيش» ومات بعد ولادته بقليل. 

احتشد جمع غفير من العامة ليشاهدوا الإجراءات مع أصحاب 
الشرف ومسؤولي محكمة التفتيش المتجمعينء الذين كانوا يراقبون من 
مقاعد مرتفعة مرتدين عباءاتهم الأرجوانية» في حين تل القداس وقرأت 
قائمة الاتبامات بتفصيل شامل وممل طوال الصباح. وبعد الظهر سلمت 
باديا وصديقتها آنا لوبيث للسلطات العلانية لإعدامهاء إلى جانب 
خمسة سجينات أخريات كن محكوماً عليهن بالموت. ثم أخذت النساء 
اللفزوعات على بغال إلى مكان الإحراق» وهناك رجمهم الغوغاء قبل أن 
تصل قضية « المورسكية بيتريز دي باديا» أخيراً إلى نهايتها الشنيعة[19]. 

د د 

كان الاضطهاد القابى للمورسكيين من أهالي أركوش. أياً كانت 
ملابساته المحلية المحددة» مؤشراً آخر على التصميم الجديد لدى 
حكام إسبانيا على فرض سلطتهم على إسبانيا المورسكية ككل. على أن 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 249 


الدين والدم 

قمع محكمة التفتيش في إسبانيا المعادية للإصلاح لم يكن موجهاً ضد 
ا مورسكيين وحسب. فقد كان النصارى القدامى أيضاً يحاكمون بأعداد 
كبيرة على «أفكار مخزية» مثل إبداء الشك في وجود الله. أو مخالفات ضد 
المبادئ الأخلاقية الكاثوليكية» لكن عقاب المورسكيين؛ على خلاف 
عقاب النصارى القدامى» كان موجهاً لجباعة دينية وعرقية ينظر إلى 
أعضائها جماعياً على أخهم معادون للكاثوليكية. 

فلم يكن المورسكيون يحاكمون على المؤامرات أو الاتصال بقوى 
أجنبية أو حتى الممارسات الإسلامية في ذاتها. فالأطباء والعطارون 
والعشّابون المورسكيون كانوا يتهمون باتباع الإسلام إذا استخدموا 
تمائم مكتوبة بالعربية أو مكتوب فيها آيات من القرآن في العلاج الذي 
يقدمونه» وكان من الوارد أيضاً أن يجدوا أنفسهم متهمين بالسحر على 
فرض أنهم استحضروا أرواحاً أو جنا لمساعدتهم في عملية العلاج. وقد 
اتبمت معالجة مورسكية بحيازة كتاب سحري بالعلاجات, كان يطير 
إليها حين تستدعيه. وفي عام 1580: اعترف طبيب مورسكي بلنسي 
يدعى إيرونيمو باديت 58066 و«الإدمع111 تحت التعذيب بأنه يستشير 
جنيين شيطانيين وبأنه «استشار الشيطان حول طرق علاج الأمراض 
وخصائص الأعشاب والبول». 

حرك اضطهاد محكمة التفتيش للمورسكيين عدد من الدوافع المعقدة 
والمتناقضة أحياناًء لكن التأكيد الجديد على الإرهاب والقمع كان مقصوداً 
به جزئيا تسريع عملية دمج المورسكبن؛ ذلك الهدف الذي اكتسب إلحاحاً 
جديداً في حقبة ما بعد غرناطة. ولا توجد أدلة على نجاح هذه الطرق. 
وعلى العكس من ذلكء كان المورسكيون يخافون من محكمة التفتيش 
ويمقتونها وكانوا يطلقون عليها اسم «محكمة الشيطان» ويعتبرونها تجسيداً 
للظلم والرياء الكاثوليكيين. تصف إحدى المخطوطات المورسكية قضاة 


3320 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


4- ا خوف الكبير 

محكمة التفتيش بأنهم «ذئاب ولصوص عديمي ال رحمة» حِرّفتهم العجرفة 
والطمع واللواط والشهوة والكفر... والطغيان والسرقة والظلم»!!". 
وفي مقدمة كتابه «دليل الخلاص»» أدان الكاتب المورسكي الأراغوني 
المنفى خوان ديل رينكون همء2ف11 اعل ههن1 «طغيان التضارى» في موطنه. 
الذي اتمارس فيه محكمة التفتيش بحقنا أقصى درجات الحقد والظلم» 
حتى لم يعد مكان في المملكة خالياً من النار وحزم الحطبء والأندلسيون 
المعمّدون حديثاً في كل مكان يقبض عليهم ويعاقبون بالخدمة على 
القوادس والمخُلّعة والنار وغيرها من أنواع العقوبات التي يعلمها الله 
أفضل مناء إنه بكل شيء عليم». 

م يتوقف التعبير عن كراهية محكمة التفتيش عند حد الكلام. فبعض 
المورسكيين هاجموا مسؤولي محكمة التفتيشء ى] قتلوا بعضهم أحياناء 
وبخاصة في أراغون التي كان بمقدورهم فيها أن يعتمدوا على دعم 
المقطعين النصارىء الذين لم يكونوا أقل من المورسكيين مقتا لمحكمة 
التفتيش. لكن في غالب الأحيان كانت المقاومة تتخذ شكل المراوغة 
والااتراء وقد بعلم الورسكرن حت عون السكية وتعبود 
العقاب الأشد بالاعتراف بمخالفات بسيطة؛ وباتهام أصدقاء أو جيران 
ماتوا أو بالتظاهر بالجهل. وني بعض الجماعات المورسكية؛ كان الاعتقال 
من جانب محكمة التفتيش يعتبر وسام شرف لصاحبه. ودفع هذا القمع 
أيضاً كثيراً من المورسكيين إلى الحذر من صحبة النصارىء إذ كان معروفاً 
عن النصارى أنهم يقدمون النبيذ وحم الخنزير للرفاق أو الضيوف 
المورسكيين كي يمكنهم إبلاغ محكمة التفتيش عنهم إذا رفضوا أياً منهما. 

لم يؤد ذلك كله إلى تجسير الحوّة بين إسبانيا المورسكية والنصرانية في 
عصر ما بعد غرناطة. وإذا كان قمع محكمة التفتيش قد زاد من سخط 
المورسكيين على الكاثوليكية» فقد كان يؤكد دائياً أسوأ شكوك النصارى 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 351 


الدين والدم 

العاديين الذين اتخذوا الحضور الزائد للمورسكيين في العروض التكفيرية 
لمحكمة التفتيش برهاناً آخر على انحرافهم الضلالي وعداوتهم للنصرانية» 
بل إن هذا الاضطهاد أنتج استقطاباً وليس اندماجأًء الأمر الذي اتضح 
بشكل مؤلم في حادثة داخل سجن محكمة التفتيش في قونكة» الذي سخر 
فيه السجناء المورسكيون من نظرائهم النصارى القدامى بعمل صلبان 
من القش ودهسها بأرجلهمء في حين هزئ النصارى القدامى من 
المورسكيين بالتفاخر بأكل لحم الخنزير. فحتى حين كان المورسكيون 
والنصارى كلاهما ضحايا للشمولية الكاثوليكية» بدا أنهم عاجزون عن 
تجاوز الكراهية المتبادلة التي باعدت بينهم. 


352 ١1_طماع‏ !© :اعااانلا 1 


15 
«أراذل الناس)”© 


انتقل فيليب الثاني وحاشيته إلى سر قسطة في عام 1585 لحضور زواج 
ابنته كتالينا من دوق سافوي. جمع الملك الزفاف مع زيارة ملكية لأربعة 
عشر شهرا لرعاياه الأراغوثيين المشاغبين» في رحلة ملحمية وشاقة ماث 
خلالها نحو مئة من حاشيته بأمراض مختلفة. أرّخ لهذه الزيارة النتال 
الفلمنكي وقائد الحرس الملكي إنريكو كوك :0061 عناون,م» الذي يحوي 
تأريخه لمحات مباشرة عديدة لعالم المورسكيين الريفيين مصورة في وثائق 
رسمية وتقارير محكمة التفتيش. ففي بني وليد 211©6نم86 على نهر إبرو» 
شهد كوك عرضاً مسرحياً خاصاً من «الأندلسيين والنصارى» قدم على 
شرف الملك وحاشيته» أدى فيه صيادون مورسكيون دور أندلسيين 
يدافعون عن حصن بُني خصيصاً لهذا العرض. في حين يقتحمه النصارى 
ويدمرونه قبل أن يأسروا المدافعين ويسوقوهم في موكب مظفر إلى قصر 
الدوق المحلي. ووصف التبّال الفلمنكي الصيادين المورسكيين وهم 
يصطادون في سلام بشباك وصنارات على ضفتي نهر أوربة 11001578. 

زار كوك أيضا مستوطنة مول 8661 المورسكية القريبة من سرقسطة» 


5 ذزذز[زذز[ [ [ز ا 00000001 
(1) كما جاء في حاشية سابقة للمترجم فإن الكلمات والعبارات الواردة بين مزدوجين ليست من 
لغة المؤلف ولا تعبر عن أفكاره» وإنما أخذها نصا عن أطراف النزاع [المترجم]. 


3253 
1_طماع !© :161 ]أللا 1 


الدين والدم 

وهى بلدة اشتهرت بصناعة الخزف في الفترة الإسلامية» وظلت منتجاتها 
رائجة في العاصمة الأراغونية. يتخلل الوصف «السياحي» الذي يقدمه 
كوك لعمليات الصهر التي كان الخزافون المورسكيون يستخدمونها 
ملاحظات «للأندلسيين» المحليين» الذين كانوا يرفضون أكل لحم الخنزير 
أو شرب النبيذ ويكسّرون الصحون والكؤوس الفخارية التى قدمت فيها 
هذه الأغنياء لغيوفهم التضارى. ولالحظ أ الكتيينة المنخلية مغلفة دايا 
إلا ني «أيام الآحاد والأعياد التي يجبرون فيها بالقوة على سماع القداس». 
ويذكر كوك أن البلدة لم يكن بها غير ثلاثة نصارى قدامى؛ أحدهم كان 
الكاهن. أما بقية سكان مول» فقد علق بسخرية أنهم «يفضلون ا حج إلى 
مكة أكثر من شنت ياقوب»!!]. 

تأثر تصوير كوك للمورسكيين في مول بالإجماع الرسمي حول 
المورسكيين باعتبارهم ثقافة ثانوية أجنبية وغير مندمجة» ظلت منفصلة 
لدرجة خطرة عن المجتمع النصراني. في حين أنه في العقود الأخيرة من 
القرن السادس عشر لم تكن أدلة الانفصال دائ| بهذا الوضوح. فالتعبيرات 
المزعومة للعبادة الإسلامية اختفت منذ فترة طويلة» وتشوش الكثير 
من العلامات التقليدية للهوية الثقافية الإسلامية أو تآكل. ففي بلنسية 
وغرناطة الريفيتين» كانت اللغة العربية لاتزال تستخدم. وحتى في قلب 
قشتالة نفسهاء في آبلة وبلد الوليد وشقوبية كان المورسكيون الغرناطيون 
المبعدون يستخدمون غالباً إحدى تحريفات اللغة العربية» وكانت اللكنة 
العربية لاتزال تصر الآذان النصرانية» لكن معظم المورسكيين أصبحوا 
يتحدثون الإسبانية أو القطلونية في| بينهم» أو يعرفون ما يكفي منها 
للتحدث في صحبة النصارى. 

ترتبط بالمورسكيين دائماً تنويعات لغوية معينة في النطق الإسباني 
و«المورسكي» لبعض الأصواتء مثل دمج المقطعين الموجودين في 


254 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


5- «رأراذل الناس» 


الصوت هذ ما يجعل كلمات مثل وز716 [قديم] تنطق و[06. والصورة 
النمطية للمورسكي الذي يتلعثم بشكل هزلي في «لغة الإمبراطورية» 
كانت مصدرا متواترا للتسلية في إسبانيا القرن السادس عشرء لكنها 
صوزة 1 تكن صطابق :ذانياً مع الواقع وفقاً للفقيه اللغوي بيرناردو 
دي ألدريتي عاءلاى عل ملتقسعءى؛ الذي لاحظ أن أبناء المورسكيين 
الغرناطيين وأحفادهم في قشتالة كانوا «يتكلمون القشتالية بطلاقة... 
مع أن بعض المتصلبين منهم لم يتخلوا عن لغتهم العربية. وينطبق الأمر 
نفسه على أراغون لدرجة أن من لا يعرف المتحدثين لا يستطيع أن يميز 
المورسكيين عن الأراغونيين»21, 

وم تعد قضية اللباس العويصة على ما كانت عليه في السابق. ففي مناطق 
إسبانيا الريفية ظل بعض الفلاحين المورسكيين يلبسون العمائم والنعال 
ذات الحبل الواحد. وظلت المورسكيات يلبسن ملحفاتهن البيضاء. لكن 
معظم المورسكيين الحضريين أصبحوا يلبسون مثل النصارى» وحتى في 
بلنسية» أخذ الرجال المورسكيون والنساء أيضا يلبسون اللباس النصراني 
لدرجة أن نظرة عرضية على شارع إسباني في أواخر القرن السادس عشر 
م تكن تكشف بالضرورة عن أي اختلاف واضح بينهما. وفي عام 1594» 
ذهل السفير البابوي كاميلو بروغيزي 8018056 وانسةن) من الاختلافات 
بين النساء الإيطاليات والنساء الإسبانيات في مدريد, اللاتي كن «يلبسن 
حجاباً على وجوههن مثل الراهبات ورؤوسهن مغطاة كاملة بطرح كن 
يلففنها على وجوههن بطريقة تجعل الرؤية صعبة عليهن»!7. 

وظل المورسكيون يرتبطون في العقل العام بحرف ومهن معينة» إذ 
كان كثير منهم يعملون أصحاب دكاكين وباعة متجولين وبستانيين» 
فضلا عن باعة الفطائر الذين كانوا منتشرين في كثير من البلدات والمدن 
الإسبانية. لكن المورسكيين كانوا يعملون أيضاً كتاباً عدولاً أو موثقين 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 3255 


الدين والدم 


عامين ومسؤولي ضرائب وفي غيرها من «وظائف الجمهورية»». التي كان 
يتعذر تمييزهم فيها عن النصارى القدامى. في حين كان يسهل تمييزهم 
بأماكن إقامتهم. فحتى حين عملوا بين النصارى في البلدات والمدن» 
كانوا في نباية اليوم يعودون إلى بيوتهم في أحياء المورسكيين مثل تريانا 
8 في إشبيلية وسان بيرناردو ه0نهمء8 هد5 في تيروال أو الأرّق 5 
عناوه42 في سرقسطة. وفي كل الأماكن الأخرى. مثل سهول أراغون 
الدنيا المقفرة أو المناطق الجبلية البرية بين بلنسية وقطلونية المعروفة باسم 
مسترائغو 34365:3280» كانت أسقف البيوت المغطاة بالقش والبيوت 
الطينية في القرى والمستوطنات المورسكية تميز بيوتهم عن بيوت النصارى 
القدامى المبنية بالطابوق والآجر على السهول الساحلية. 

لم يخترق نصارى كثيرون هذه الجماعات للدرجة التي تمكنهم من 
مشاهدة العبادات الإسلامية» مع أن المراقب الخبير كان يستطيع أن 
يكتشف استمرار التمسك «بدين محمد) ف منظر الرجال والنساء 
المورسكيين؛ وهم يلبسون أفضل ثيابهم أيام الجمع؛ وفي غياب الدشحان 
المنبعث من مداخن المورسكيين في رمضان. وفي وجوه الرعايا المورسكيين 
الضجرة أو المتجهمة في أثناء القداس. لكن في عصر ما بعد غرناطة؛ لم 
يكن المسؤولون الإسبان في حاجة إلى رؤية العلامات الخارجية لاختلاف 
المورسكيين كي يتخيلوا النوايا العدوانية التي تكمن تحت السطح. فلم 
تكن شكوكهم تستند إلى ما يفعله المورسكيون أو ما لا يفعلونه وإنما على 
موشور من الفرضيات والأحكام المتعصبة كان النصارى ينظرون إليهم 
من خلاله. وهذه الصورة للمورسكيين هي ما سيتناوله هذا الفصل من 
أجل فهم الحالة السيئة التي وجد مسلمو إسبانيا السابقون أنفسهم فيها 
في العقود الأخيرة من القرن. 


ا 


256 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


5- «رأراذل الناس» 

تشكّلت هذه الصورة عبر تداخل معقد للشوفينية الثقافية والدينية 
وما يشبه التمييز العنصري وقومية إسبانية أولية تتحدى التصنيف. دفع 
بعض المؤرخين بأن المفاهيم الحديثة للتمييز العنصري لا تنطبق على 
إسبانيا القرن السادس عشرء وأن الدين وليس العرق كان العامل الحاسم 
في العداء النصراني نحو المسلمين واليهود. لكن هذه الرؤى تتجاهل أن 
كان المي العتصرى الحديثة مجرد استمرار لتقاليد يمكن تتبع محدداتها 
الأساسية إلى الأزمان الكلاسيكية. فكان من أساسيات هذه التقاليد 
فكرة أن كل أعضاء المجتمع أو الجاعة الاجتاعية المحددة يشتركون في 
الخصائص البغيضة أو الدنيئة أو الحقيرة نفسها. وسواء كانت سرديات 
الوضاعة من هذا النوع تنسب لثقافة أو دين أو بيولوجيا معينة» فإنها 
تستخدم دائ) لتبرير الهيمنة والإقصاءء وحتى الإبادة» من جانب الجماعة 
التي تفترض في نفسها التفوق”". 


(1) تصدق هذه الفكرة على التطور التاريخي للعلاقات بين الشعوب والجماعات؛ وعلى 
المورسكيين تحديدأء ففي بعض المراحل كان التمييز بين الشعوب يكتسي ثوباً دينيأ. كما 
في مرحلة الحروب الدينية» وبعد أن خفت صوت الدينء اكتسى التمييز أشكالاً ومبررات 
أخرى» بعضها عرقي أو ثقافي أو غيرها من محددات الاختلاف بين الجماعات. مع العلم 
بأن الجماعة التي يمارس التمييز ضدها في الحالة التاريخية المحددة» ظلت عرضة للتمييز 
لكن ممبررات وأسباب مختلفة في المراحل التاريخية المختلفة؛ لأن الأسباب الأساسية وراء 
مارسة التمييز تكمن في الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي» وليس في المبررات السطحية 
التي ترفع» من قبيل الدين أو العرق أو اللغة. معنى ذلك أن المورسكيين حتى لو تخلوا عن 
دين ابائهم» كما فعل بعضهمء كانوا سيظلون عرضة للتمييز بسبب ثقافتهم المختلفة» حتى 
لو تخلوا عن ثقافتهم وتبنوا ثقافة الإسبان كاملة» كانوا سيتعرضون للتمييز بسبب عرقهم 
أو خصائصهم الجسمية أو مناطقهم, وهو ما أثبته تاريخ الأندلسيين» كما يبرهن الكتاب 
الحالي. فالجماعة المهيمنة كي تستغل أقلية تعيش وسطها اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً تبرر 
ذلك باختلافات هذه الجماعة التي تحتقرها وتصمها بالدونية. فدفع الجماعات إلى أسفل 
السلم الاجتماعي وحصرها في مهن وحرف متواضعة أو «محتقرة» وفي مستويات معيشية 
منخفضة كان ولايزال يستلزم وصم هذه الجماعات بالدونية» أيا كان مبررها دينياً أو عرقياً 
أو ثقافياً [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 377 


الدين والدم 
وفي إسبانيا القرن السادس عشرء كان الدين والثقافة والعرق جميعاً 
جزءاً من العداء المرير الذي كان يوجه دائماً للمورسكيين. ترجع جذور 
هذا العداء إلى الاشمئزاز اللاهوتي من الإسلام نفسهة. الذي عير عن نفسه 
في تصوير المورسكيين بأهم «الساراكينوس»”" أو «الحاجريون» أو «البقايا 
الهاجرية» أو"البهائم ال هاجرية»» في إشارة إلى تحدر إسماعيل من الجارية 
هاجر©. وأخذت كتب المجادلات الإسبانية المعادية للمسلمين في القرن 

شريرة وشيطانية كان أتباعها بدائيين سذجأا ونزاعين للقتال. 
وكما كانت الحال في كل الأماكن الأخرى بأوروباء تشكلت كراهية 

الإسلام أيضاً بفعل الخوف من الإمبراطورية العثمانية التي جعلت مهارتها 

العسكرية والتقنية من «الأتراك» خصياً جيوسياسياً هائلاً وخطراً بدرجة 
أكبر من «الساراكينوس». وفي مختلف أنحاء الإمبراطورية الهابسبورغية 
بالقرن السادس عشرء انتشرت دعاية معادية للأتراك وأوراق شعبية 
عرفت في النمسا بالكتابات التركية 68]ذ:50م1116 دأبت على تصوير 

«الأتراك الرهيبين» على أنهم عدو وحشي وهمجي وغير إنساني!4!6]. 

وهذه الصورة للعثانيين باعتبارهم «العدو الوراثى» للنصرانية وجدت 

(1) حول معنى الساراكينوس» راجع حاشية سابقة للمترجم [المترجم]. 

(2) حول نعت المسلمين والعرب بالهاجريين» راحع حاشية سابقة للمترجم [المترجم]. 
المحاصّرين؛ روّج رجال الدين والسياسة صورة للأتراك على أنهم برابرة وهمج ومتوحشون 
يأكلون لحوم البشر من الأم المغلوبة» كان الهدف منها قطع طريق التراجع والاستسلام أمام 
رعيتهم. فإذا كان الموت هو المصير المؤكد لسكان فييناء سواء في حال هزيعتهم وأكل الأتراك 
لهم أو بالاستماتة في الدفاع عن مدينتهم؛ فإن ا موت دفاعاً عن النفس والأهل والمدينة أفضل 
وأجدى من الموت على موائد أكلة لحوم البشر. وقد نححت هذه «الدعاية الحربية»»؛ حيث 
صمدت فيينا أمام حصارين من جانب الإمبراطورية العثمانية في أوج قوتهاء واحد في عام 
9 بقيادة السلطان سليمان القانوني نفسه وآخر في عام 1683 بقيادة الصدر الأعظم قرة 
مصطفى باشا [المترجم]. 


2538 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


5- «أراذل الناس» 

بقوة في إسبانيا ما بعد الاسترداد". ففي عام 1551: شارك الناقد الكبير 
للعنف الاستعماري الإسباني في العالم الجديد بارتولومي دي لا كاساس 
عدكة0) 195 عل 6دواهة8 في مناظرة تاريخية في بلد الوليد مع رجل 
الدين خوان خينيس دي سبولبيدا 02ء17نمء5 عل 265ذ0 مودال حول 
حقوق اهنود الذين أخضعهم الفاتحون, دفع فيها بأن الغزو كان مفهوماً 
«استبدادياً» و«محمدياً»© لا يجب تطبيقه على الإنديزء "كما لو كان الهنود 
أندلسيين أفارقة أو أتراكاً»!'. وني اتهامه الشهير لسلوك المستعمرين 
الإسبان في الإنديز» أدان الانتهاكات التى اقترفها مواطنوه بأنها «أسوأ مما 
يفعله الأتراك لتدمير النصرانية)1؟ا. ْ 

ففي رأي دي لا كاساسء كان الإسلام هو النقيض العنيف للنصرانية 
الذي كان قتاله بلا هوادة مبررا تماماء بل واجبا على الدولة النصرانية» وفي 
المقابل كان يجب استالة اهنود «الأبرياء» بالوسائل السلمية. وعلى مدار 
القرن السادس عشرء اسْتُحضرت سرديات أخرى كتبرير للفتوحات 
الإمبراطورية الإسبانية في الأراضي الإسلامية. فرجال دين من أمثال 
سبولبيدا صوّروا الشعوب الأمريكية الأصلية أنهم همج ومتوحشون. 
يستحقون أن نغزوهم ونمدّنهم وفقا «للقانون الطبيعي»» وقد طبق 
الإطار المفاهيمي عينه أحيانا على شمال إفريقيا المغاربي؛ الذي صوّر 
قاطنوه أنهم «جماعة من الناس» همجية وبدائية غير جديرة بالأراضي 
التي تسيطر عليها. وهذه الصورة للهمجية المغاربية عززتها الأوصاف 


(1) لاحظ أن آل هابسبورغ كان اسم آخر لآل النمساء إذ جاءت هذه السلالة الحاكمة أصلاً 
من النمسا وظلت فروع منها تحكم النمسا وغيرها من البلدان الأوروبية إلى جانب إسبانيا. 
ولذلك اجتمعت على الأندلسيين كراهية أشد عدوين اكتويا من المسلمين: إسبانيا التي فتحها 
المسلمون وحكموها ثمانية قرون أو يزيد» والنمسا التي تعرضت لحصارين مهلكين من 
الإمبراطورية العثمانية» وظلت عقوداً تعيش في رعب من الاحتلال العثماني [المترجم]. 

(2) وكأن الغزو صار قريناً بالمسلمين ونبيهم [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 359 


الدين والدم 


الإسبانية لشهال إفريقياء من النوع الوارد في كتاب رئيس الأساقفة دييغو 
دي آيدو 113600 عل معءذط «طوبوغرافيا الجزائر وتاريخها العام) (1612) 
الذي ربما ألف جزءاً منه الأسرى النصارى في الجزائر. صوّر آيدو مسلمي 
الجزائر أنهم سكان متوحشون وبدائيونء يتأكد عدم تمدنهم في نظامهم 
الغذائي» وممارساتهم الجنسية» وطريقة تربيتهم لأطفالهم» ومعاملتهم 
النصارىء» وتعاملاتهم بعضهم مع بعض. 

وردد إسبان آخرون بالقرن السادس عشر تصوير آيدو لمغاربة شهال 
إفريقيا أنهم جشعون ومؤمنون بالخرافات وفاسقون وساديون» وكانت 
تلك الخصائص السلبية ترط دائياً ب«الأندلسيين» داخل حدود إسبانيا. 
ففي المخيلة الإسبانية» كان المورسكيون يشتركون في الخصائص الهمجية 
نفسها التي كانت تنسب لمعاصريهم في شال إفريقياء ما وضعهم في مستوى 
أدنى من المجتمع القشتالي الذي كان يرى في نفسه ذروة الحضارة”", 
وكانوا أيضا رسالة تذكير دائمة بهاض إسلامي كان ينظر إليه بخزي 


00 من غرائب علم اجتماع التمييز والاضطهاد البشريين» أي كان تبرير ه أن الجماعات التي 
تمارس التمييز ضد غيرها وتحتقرهاء تكون هي نفسها موضوعا للتمييز والاحتقار من جانب 
جماعات أخرىء مثال ذلك أن الرأي العام الشعبي والرسمي في أوروبا على امتداد العصور 
كان يرى أن إفريقيا «البربرية والهمجية» تبدأ من جنوب البرانسء .معنى أنها تضم إسبانيا 
نفسها التي كانت ترى نفسها على قمة هرم الحضارة. وبذلك نكون إزاء ممارسة التمييز 
والاضطهاد أمام هرم؛ بمارس فيه كل مستوى أعلى التمبيز ضد كل مستوى أو مستويات أدنى 
منه. وعلى هرم التمييز والاضطهاد, تمارس الجماعات الوسيطة أشد درجات العنف والقمع 
بالجماعات الأدنى منهاء ولو فقط كي تنبت للجماعات الأعلى منها أنها جزء منها وكي تطهر 
نفسها من الدونية التي تنظر بها إليها الجماعات الأعلى على الهرم بدماء وأشلاء الجماعات 
الأدنى. وهنا تتدفع الجماعات الوسيطة بعقدة النقص لديها إلى اضطهاد الجماعات «الأدنى» 
أو تحل اضطهادهاء ولو فقط كي تفصل نفسها عنها وتتبرأ منها. وهذه الفكرة عينها تجلت 
بوضوح طوال الكتاب في اتخاذ النصارى الإسيان الأندلسيين والمغاربة والمسلمين عموماً 
والشعوب الأمريكية الأصلية موضوعاً للتمييز والاضطهاد؛ واتخاذ أوروبا شمال البرانس 
للنصارى الإسبان أنفسهم موضوعاً للتمييز [المترجم]. 


200 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


5- «رأراذل الناس» 

واحتقار واشمتزاز. وفي الوقت الذي بدأ فيه بعض المفكرين الإسبان في 
تخيل هوية قومية مشتركة تستند إلى مفهوم الأسبنة 11150201020 بجذوره 
الممتدة إلى الماضى اللاتينى والقوطىء بدت الآثار «الشرقية» و«الإفريقية») 
في الثقافة المورسكية شاذة وممقوتة تماماً. 

نتجت هذه الكراهية جزئياً عن القوة والمكانة الجديدتين لإسبانيا في 
أوروبا النصرانية والموقف المتناقض منها خارج إسبانيا. فمن ناحية كانت 
الثقافة الإسبانية مثار إعجاب واسعء وبخاصة في إيطاليا. وفي الوقت عينه 
كانت القوة الإسبانية- وال هابسبورغية”- مرهوبة في أوروبا الكاثوليكية 
والبروتستانتية على حد سواء. ومع أن فيليب الثاني كان يقدم نفسه بوصفه 
«مطرقة الزنادقة» والمدافع الشرس عن القوامة الدينية الكاثوليكية» فقد 
ظلت قيادات نصرانية أوروبية كثيرة تنظر إلى إسبانيا على أنها بلد مشكوك 
فيه أفسدته قرون السيطرة الإسلامية الطويلة إلى درجة لا تمحى. ففي 
بداية القرن السادس عشرء رفض عام الدين والمصلح الكنسي الهولندي 
إرازموس دعوة لزيارة إسبانيا التي كانت كتاباته شديدة الرواج فيهاء 
وقال لتوماس مور: «أنا لا أحب إسبانياك» على أساس أن المجتمع 
الإسباني كان مليئا باليهود والزنادقة» وهي تصورات رددتها قيادات 
نصرانية أخرى. ففي كتابه «أحاديث المائدة» (1566)» وصف مارتن لوثر 
إسبانيا على أنها بلد «اليهود الكافرين والأندلسيين المعمّدين»» فيها أشار 
البابا المعادي لإسبانيا بول الرابع إلى الإسبان في عام 1555 أنهم «البذرة 
الضلالية لليهود والأندلسيين». 

وني أثناء حروب فيليب مع أوروبا البروتستانتية» كان تصوير إسبانيا 
أنها بلد ملوث ومدنس يدمح دائم| في الدعاية البروتستانتية المعادية 
(1) على اعتبار أن الهابسبورغيين كانت لهم مالك أخرى في أورويا منفصلة عن تمالكهم 

الإسبانية؛ منها النمسا والمجر والبرتغال وممالك أوروبية أخرى [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 361 


الدين والدم 

لإسبانياء التي أرجعت نزوعها الشاذ للعنف والغزو إلى تراثها الأندلسى. 
ووصف كتيب فرنسي من العقد الأخير بالقرن السادس عشر فيليب 
الثاني نفسه بأنه «نصف أندلسي ونصف يهودي ونصف ساراكينوس». 
وأرجع «دفاع»20 (1580) وليام الأورانجي المعادي للإسبان الذي وزع 
على نطاق واسعء القمع الدموي الذي مارسه دوق ألبة بحق سكان 
الفلاندر إلى حقيقة أن «الجزء الأكبر من الإسبان» ولاسيها أولئك الذين 
يحسبون أنفسهم نبلاء؛ من دم أندلسي ومبودي». وفي كتابه «مقالة موجزة 
عن الدولة الإسبانية» (1590)» أرجع الكاتب المهولندي إدوارد دونس 
مهنو لمهس«ة5 «الطغيان» الإسباني في الإنديز أيضاً إلى حقيقة أن 
الإسبان «اختلطوا بالأندلسيين الوحشيين الغادرين»» وشجب الشاعر 
الكائو ليكي أليساندر و تاسوني 1855001 5165538050 الطيمنة الإسبانية 
على بلده إيطاليا في كتيب بعنوان «الفيليبيون»)© (1612) عطءامناة ع.آ 
وصف إسبانيا فيه بأنها «الهمجية الأندلسية القوية في البر والبحر على حد 
سواء». أما وليام شكسبير فقد أعطى كذلك «عطيلاً» الأندلسي اسيفاً من 
إسبانيا» ليقتل به ديدمونة. كانت هذه الصور جارحة ومهينة جدا لبلد 
كان يتطلع إلى أن يكون «عالمياً وكاثوليكياً ومثالياً»» وعززت بلا شك 
تصميم حكام إسبانيا على استئصال هذه التأثير ات الأجنبية من المجتمع 
الإسباني و«تطهير» إسبانيا في نظر العالم الخارجي. 


(1) كان وليام الأورانبجي أحد أبرز قادة الثورة الهولندية أو حرب الثمانين عاماً (1648-1566) ضد 
الاحتلال الإسباني» وفي الخامس والعشرين من مارس 1581» أعلن فيليب «لعن» أو «(حرمان» 
وليام» وصفه فيه بأنه خائن وعدو البشرية» ومكافأة لمن يريح العالم من هذه «الآفة)» فدفع 
وليام هذه التهم عن نفسه في كتيب أسماه «الدفاع»)؛ اتهم فيه الإسبان بارتكاب جرائم بشعة 
بحق الهولنديين [المترجم]. 

(2) نسبة إلى اسم فيليب الذي حمله كثير من ملوك إسبانياء وكذلك اسم دولة «الفليبيين» مشتق 
أيضاً من الاسم نفسه [المترجم]. 


262 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


5- «رأراذل الناس» 
###» 

ألهبت الشوفينية الدينية والتعصب الثقافي العداء النصراني نحو 
المورسكيين» الذي كشف عن نفسه في عدة نواح: في التشريع التمييزي 
وقوانين نقاء الدم» وفي رفض بعض الكهنة تقديم العشاء الرباني لرعيتهم 
المورسكيين» وفي إجبار مجدفي القوادس المورسكيين على تغطية رؤوسهم 
ساعة إقامة القداس على السفن» وفي شتائم «الكلاب الأندلسيين» 
و«العاهرات الأندلسيات» التي كانت توجه إلى المورسكيين من عامة 
النصارى القدامى» وفي الهجوم بالضرب على المورسكيين المدانين» 
الذين حاولوا أن «يموتوا كأندلسيين» في العروض التكفيرية لمحكمة 
التفتيش”"» وفي الوثائق الرسمية» التي كانت تشير إلى المورسكيين بأنهم 
«وباء» أو «طاعون» أو «حمى» أو حشد ضار» أو «بهائم» أو «أفاع» داخل 
ا(لصدر إسبانيا». 

اتتشرت هذه اللغة كثيراً في كتب الدفاع عن العقيدة النصرانية 
والنصوص المعادية للمورسكيين في القرن السابع عشرء وقد كتبت 
لتأييد الطرد» ومنها كتاب الراهب الدومينيكي البرتغالي داميان فونسيكا 
8 وقنصة1 «الطرد المبرر للمورسكيين الإسبان» (1611). ذكر 
فونسيكا الواعظ السابق في بلنسية كيف أن «الخيانة والعادات السيئة» 
للمورسكيين توّرث عبر «دمهم الفاسد» ولبن أمهاتهم. ولذلك فإن كل 
أعضاء «الأمة» المورسكية تشربوا «العادات الفاسدة من أسلافهم... في 
أرحام أمهاتهم». وعبر دمج خطاب نقاء الدم والدين» استشهد فونسيكا 
بسفر حزقيال وشبه وجود المورسكيين داخل إسبانيا ب«الكرمة» 


(1).معنى أنهم تقبلوا حكم الإعدام وساروا إلى المحرقة في ثبات وكبرياء أو رددوا أدعية إسلامية 
من قبيل الشهادة أو تلاوة القرآن. تذكر أيضاً الخلط ما قبل الحديث بين «القومية الدينية» 
والقومية «العرقية» أو الثقافية في حاشية سابقة [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 3063 


الطفيلية”"» التي كانت «في داخل أمها» و«يغذيها دم سام»!7!. 
وكذلك صوّر الكاهن الأراغون بيدرو أثنار كاردونا 2087ى منرلءم 
38 المورسكيين بأنهم مصدر التلوث في شجبه للنصارى القدامى» 
الذين كانوا يتزوجون مورسكيين ومورسكيات وبذلك «لوثوا النسب 
النظيف الضئيل الذي كانوا يمتلكوه». وى في حالة فونسيكاء عاش أثنار 
كاردوناء ومارس الوعظ بين المورسكيين» وقضى عدة أعوام غير مثمرة 
في الوعظ في أبرشية مورسكية ريفية في وادي خالون إهالهلا 1160 في 
أراغون» قبل أن يكتب كتيبه المعادي بشراسة للمورسكيين (الطرد المبرر 
للمورسكيين). فقد أسهمت هذه الخبرة في اتهام أثنار كاردونا اللاحق 
للمورسكيين بأنهم: 
أراذل الناسء وأغهم أقذار وأعداء للفضيلة والآداب 
النبيلة والعلوم. ونتيجة لذلك كان حظهم منعدما من 
كل الأساليب والعادات اللطيفة والدمثة والمهذبة. 
ويربون أطفالهم دون ضبط مثل البهائم الوحشية» ولا 
يقدمون لهم تعليماً عقلانياً أو تعاليم من أجل الخلاص» 
إلا ما يفرض عليهم, وما يجبرهم سادتهم على مراعاته. 
ن 0 
لأخهم نصروا. وعباراتهم خرقاء وكلامهم يمي 
ولغتهم همجية وطريقة لبسهم سخيفة... وهم أجلاف 
(1) جاء في سفر حزقيال: «أمك ككرمة مثلك غرست على المياه كانت مثمرة مفرخة من كثرة 
المياه» وكان لها فروع قوية .... لكنها اقتعلت بغيظ وطرحت على الأرض وقد يبست ريح 
شرقية ثمرها قصفت فروعها ويبست فروعها القوية أكلتها النار» (سفر حزقيال)» 19: (10- 
2). لكن الإشارة إلى الكرمة في السفر لا تتضمن معنى الطفيلية وإِنما شبّه شعب الله أو 
الكنيسة بالكرمة الإلهية التي غرسها الله بيمبنه ولم يدعها في عوز إلى شيء؛ وقد اختار الله 
الكرمة لأنها -من بين الأشجار الأخرى- تعتبر صغيرة لينة العود ولا يصلح خشبها لأي 


غرضء» فميزتها الوحيدة هي ثمرها الوفير» وهو ما يريده الله- وفقاً للسفر- من كنيسته: أن 
تكون ثمر الروح النفيس [المترجم]. 


204 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


5- «رأراذل الناس» 
في تناوههم للطعام» فيأكلون دائم) على الأرض بلا طاولة 
أو أي قطعة أثاث أخرىء مما يقرف الآخرين... أما ما 
يأكلوه فهو أشياء حقيرة... كالخضراوات وال حبوب 
والفاكهة والعسل والحليب» ولا يشربون النبيذ ولا 
يأكلون اللحم إلا إذا ذبحوه بأنفسهم... ويحبون الشعوذة 
والقصص والرقص والتنزه وغيرها من الانحرافات 
البهيمية©... ويعملون بمهن لا تتطلب عملا كثيراً مثل 
النسج والخياطة وصنع الأحذية والنجارة وما شابه» 
والبيض والمنتجات الأخرى» وهم حمقى في حمل 
الأسلحة© ولذلك تجدهم جبناء ومختثين» ويسافرون في 
ماعات فقطء. وهم شهوانيون وغادرون» ويتزوجون 
وهم صغارء ويتكاثرون كالأعشاب الضارة» فيز حمون 
الأماكن ويلوثونها!ةا. 
يتضخم اشمئزاز أثنار كاردونا الهستيري من الجاعة التي اعتبر 
أفرادها «بلهاء متوحشين» إلى حد المهلوسة في بعض الأحيان» كا في 
تصويره المورسكيين أنهم «ثعالب مفترسة وثعابين وعقارب وضفادع 
وعناكب وسحالي سامة. سَقم الكثيرون وماتوا من سمها القاتل. 
وهم أيضا قطاع طرق شرسون وطيور جارحة تعيش على نشر الموت. 
(1) إنها التعبيرات عينها عن الحضارة أو الثقافة الوسطية «المحبة للحياة»» التي انتهت إليها أوروبا 
الحديثة» في حين يحاول بعضنا إرجاعنا إلى المجتمع المسيحي في عصور الظلام؛ الذي كانت 
الكنيسة تضبط كل تحركاته وأنفاسه وتقيسها على «شريط القياس» الديني [المترجم]. 
(2) وكأن أثنار كاردونا لا يعرف أن الأندلسيين كان محرماً عليهم حمل الأسلحة؛ وأنهم كانوا 
يتع ضون من حين إلى آخر الحملات مصادرة الأسلحة. وهذا الوصف أيضاً يتناقض من الذعر 
النصراني من الأندلسيين والمسلمين إجمالاً [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 365 


الدين والدم 

وهم ذئاب بين الخراف» وذكور النحل العاطلة في الخلية» وغربان بين 
الحمام» وكلاب في الكنيسة» وغجر بين الإسرائيليين”": وأخيراً زنادقة 
بين الكاثوليك»!”!. وثئمة رجال دين آخرون كانوا متشددين كذلك في 
رفضهم رعيتهم السابقين» ومنهم الراهب ماركوس دي وادالاخارا 
8 عل ودعتة31 الذي قال فيهم: «كانوا كالشيطان معادين 
للصليب المقدس»!19؛ ومنهم أيضاً الراهب الدومينيكي بلاس بيردو 
نالئع/ 8135 الذي تذكر «حججهم الفظيعة والمكتومة والصامتة التي 
تصرخ في الدم. فبعد أن وعظنا هؤلاء التعساء قالوا: آباؤنا أندلسيون 
ونحن أندلسيون)!1!]. 

وكا الخال مع الغجر» الذين كانوا يشغلون مكانة ممائلة مزعزعة 
ومهمشة في إسبانيا القرن السادس عشرء كان ينظر إلى المورسكيين دائما 
على أنهم ثقافة ثانوية حاقدة» أفرادها ميالون إلى الممارسات الدينية الكافرة 
والجريمة والقتل. وقد كان هذا التعصب الأعمى قادرا على تحويل حتى 
الخصائص الإيجابية المفروضة عليهم إلى مصدر للبغض والاشمئزاز. 
فبالنسبة إلى فونسيكا تأكدت وضاعة المورسكيين البلنسيين في حقيقة أن 
كثيراً منهم كانوا يعيشون في «أماكن وعرة وجبلية» حيث اختار هؤلاء 
الهمج أن يعيشوا بعيداً عن صحبة الكاثوليك)121]. 


(1) أي برابرة متوحشين بين شعب الله المختارء وكأن إسبانيا الكاثوليكية نفسها ل تعتبر اوثنية 
موسى» هرطقة وتحبر أتباعها على الاختيار بين اعتناق النصرانية قسراً أو الطرد من البلاد أو 
حتى القتل [المترجم]. 

(2) الغجر (أو النوّر أو الصلب أو الكاولي أو غيرها من الأسماء) من الشعوب التي اضطهدت على 
مر التاريخ وفي مختلف مناطق العالم؛ ودفعهم الاضطهاد- وفقاً لفكرة هرم التمييز والدوافع 
0 
والدعارة وغيرها ما ينسب إليهم في مختلف الجماعات التي استضافتهم وتستضيفهم؛ ورا 
يرجع السبب في ذلك إلى أنهم لم تقم لهم دولة قطء تماما كما كانت حال اليهود على مر 
تاريخهم [المترجم]. 


366 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


5- «رآراذل الناس» 


وإذا كان المورسكيون قد احتقروا بسبب الأماكن التى كانوا يعيشون 
فيها أو الطعام الذي كانوا يأكلونه. فإن أعداءهم احتقرو س أيضاً لسمات 
الرصانة والكد نفسها التي جعلتهم جذابين لأرباب الأعمال النصارى. 
ففي قشتالة» كان المراقبون النصارى يبدون دائما الغيرة والدهشة من 
التقدم الاقتصادي السريع الذي حققه بعض المورسكيين الغرناطيين 
وعزوه إلى حقيقة أن المورسكيين أكثر جدية في العمل من النصارى 
وأقل : منهم استهلاكاء وهكذا يت يتمتعون بميزة غير عادلة. وذهبت بعض 
السرديات المعادية للمورسكيين أبعد من ذلك إلى اتهام المورسكيين 
بتعمد العمل لساعات طويلة والعيش المقتصد في مؤامرة جماعية لتقويض 
الاقتصاد النصراني والسيطرة على إسبانيا خلسة”". 

كان النصارى يتخيلون دائياً أن المورسكيين بخلاء وأغنى مما يبدو 
عليهم؛ وكانت هذه المعتقدات ترتبط أحياناً باتهامات أنهم يجمعون سراً 
احتياطيات إسبانيا من الذهب والفضة. ووفرت فكرة أن المورسكيين كانوا 
١(إسفنجة‏ تمتص كل ثروة إسبانيا» تفسيراً جزئياً زائفاً للأزمات الاقتصادية 
وحالات الإفلاس في الأعوام الأخيرة من عهد فيليب. فى كان الحال 

مع المتضرين اليهود من قبلهمء كان الشعور المعادي للمورسكيين يغذيه 
أحياناً الحسد والسخط. وإن كان بدرجة أقل. ففي اجتماع مجلس قشتالة 
في سبتمير 1607, دعا عضو يدعى بيدرو دي بيسغا 1/6588 عل 2070 إلى 
منع المورسكيين من حضور المحاضرات الطبية كطلاب غير مسجلين» 
على أساس أن المارسين الطبيين المورسكيين كانوا يستخدمون المعرفة 
التي يحرزونها في قتل النصارى. ودفع بيسغا بأن الطب ومهن «الشرف» 
الأخرى يجب أن تكون مقصورة على النصارى. ومن أجل دعم هذه 
(1) هذه هي الاتهامات عينهاء التي كانت ترفع عادة في وه اليهود من مختلف الجماعات التي 

استضافتهم على مر التاريخ؛ من إنجلترا البروتستانتية حتى إسبانيا الكاثوليكية [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 3607 


الدين والدم 


الحجج. حكا للمجلس عن طبيب مورسكي في مدريد يدعى «المنتقم) 
قيل إنه قتل ثلاثة آلاف مريض نصراني باستخدام «مرهم سام»» وطبيب 
آخر كان يجدع مرضاه النصارى القدامى حتى لا يتمكنوا من استخدام 
الأسلحة. وحذر بيسغا من أن حضور كثير من الطلاب المورسكيين غير 
المسجلين في الجامعات الإسبانية سيمكن الأطباء المورسكيين قريباً من 
قتل «أناس في هذه المملكة أكثر مما يقتل فينا الأتراك والإنجليز وغيرهم 
من الأعداء)!3!, 

ربااحركات مله الأزفام بيرفا ارط ف« التعلمن دو اللامنة 
الاقتصادية» بيد أن التعصب المعادي للمورسكيين لا يمكن اختزاله 
بحال من الأحوال في التفسيرات الاجتاعية-الاقتصادية. فالتعصب 
والكراهية ولّدا فرضيات خاصة ببههاء كانت في أغلب الأحيان متناقضة 
وغير منطقية. فمع اتهام المورسكيين بالكد لتقويض المجتمع النصراني» 
كان يجري اتهامهم أيضاً بالتطفل والكسل وجمع ثرواتهم المتخيلة عبر 
وظائف سهلة مثل البستنة واحوانيت. 

كانت هذه الادعاءات جميعها تقوم على فرضية أن المورسكيين 
توحٌدهم رغبتهم النهائية في تدمير النصرانية والسيطرة على إسبانيا. 
وبمجرد قبول هذا المنطق. يتحول صاحب الدكان المورسكي المتواضع 
أو الفلاح المورسكي المستنرّف والمستغل حتى النخاع إلى أناس يشكلون 
خطرا على المجتمع النصراني. وقد ضخمت هذا التهديد المواجس من أن 
السكان المورسكيين كانوا يتكائرون سريعاً على حساب التصارى. وكان 
من المتعارف عليه أن المورسكيين يتزوجون في سن مبكرة» ويكوّنون 
عائلات أكبر» في مقابل تناقص السكان النصارى جزئياًء لأن النصارى 
كانوا يحاربون ويموتون في حروب الملكء وأيضاً لأن النصارى كانوا 
يدخلون الكنيسة ويثمّنون العزوبة وضبط النفس في علاقاتهم الجنسية. 


2368 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


5- «أراذل الناس» 

في بيعته لدون خوان النمساوي. صوّر الشاعر خوان روفو غوتيريث 
062 وأناظ هولال إسبانيا في صورة بطولية وهي «تحارب موجات 
منهكة» من الأعداءء في حين يبقى المورسكيون في مأمن في بيوتهم» 
ينجبون أربعة أطفال في ثلاثة أعوام»!*!!. وفي عام 1571» انتقد مراسل 
عائلة فوغر /#86نا المصرفية الألمانية في إشبيلية إبعاد المورسكيين 
الغرقاطين إلى أجواء أخرى من إسباتياءداقعا بأنه ليذه الطريقة سيوداد 
تلوث الإسبان واختلاطهم بالأندلسيين عم| قبل. وبذلك سيصيرون هم 
واليهود العرقين الأنبل والأقوى. لأنهم يتكائرون كالأرانب الملكية». 

على أن شبح الأقليات العرقية التي تتكاثر بسرعة با يؤهلها للهيمنة 
الثقافية ظاهرة تاريخية متواترة» تعتمد على الانطباعات الشخصية 
وسيناريوهات أسوأ الحالات. أكثر من اعتمادها على الحقائق المثبتة. 
وتندرج المواقف النصرانية من المورسكيين ضمن هذه الظاهرة. فلم تجد 
البحوث العلمية الحديثة أن المورسكيين كانوا يتزوجون في عمر أصغر 
كثيراً من النصارىء ولا تدعم الأدلة المتاحة الاعتقاد بأن عائلاتهم كانت 
تنمو بمعدل أسرع من عائلات النصارى في الأعوام الأخيرة من القرن/5'!. 
ففي قشتالة» لم يصل العدد الإجمالي للمورسكيين في عهد فيليب أكثر من 
سبعين ألفاً من إجمالي عدد سكانها البالغ ستة ملايين وستمائة ألف نسمة» 
ومع ذلك كانت تقارير محكمة التفتيش من مدن مثل طليطلة وإشبيلية 
وآبلة تحذر دورياً من آن غدد السكان المورسكين سيفوق غده التصارى 
قريباً. وحتى في بلنسية التي كان السكان المورسكيون فيها أكبر كثيراً 
ظلوا يشكلون ثلث إجمالي السكان تقريباً طوال القرن السادس عشر. 

ومع ذلك فقد كان الاعتقاد بأن المورسكيين «يتكاثرون كالأرانب» 
يؤخذ غالبا مأخذ المسلمات» وأصبح سبباً آخر لكراهيتهم والمخوف 
منهم. رب| نتجت هذه المخاوف السكانية جزئيا عن المدركات النصرانية 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 2369 


الدين والدم 

للغيتوهات المورسكية شديدة الازدحامء التي أعطت للمراقبين انطباعاً 
بأن أعدادهم كانت «تطفح بها» أحياؤهم. لكن الخوف من الخصوبة 
المورسكية كان ينصهر كثيراً كذلك مع الأفكار النمطية الأقدم حول 
«الأندلسي الشهواني»» التي صوّرت المورسكيين على أخهم لا يقتصرون 
على امرأة واحدة كما يفعل النصارى بسبب ممارسة تعدد الزوجات 
وزيجات الأقاربء. في حين كان النصارى أميل إلى العزوبة» ىا زعمت 
هذه الأفكار. أما تعد الزوجات فلم يكن شائعاً للدرجة التي تخيلها كثير 
من النصارىء جزئياًء لأن قليلاً من المورسكيين كانوا يتحملون نفقاته. 
لكن الشهوانية كانت هوساً متواتراً لدى أصحاب كتب المجادلات 
المعادين للمورسكيين مثل الراهب الدومينيكي خايمي بليدا 6تنة1 
48 الذي وصف المورسكيين بأنهم «أشرار وشهوانيون ويشبهون 
الماعزء ويسلمون أنفسهم لكل أنواع الآثام)!6!!. 

كررت هذه الصور أيضا شجب «شهوانية» النبي محمد التي كانت 
شائعة في كتب المجادلات المعادية للمسلمين بالقرون الوسطى. فوصف 
أحد كتاب القرن السادس عشر الإسبان مظاهر العربدة لدى أتباع 
محمد في الحفلات والأفراح» التي يجلدون أنفسهم فيها إلى حد التسمم 
الهذياني و«يسلمون أنفسهم فيها لرذيلة اللحم البهيمية» دون فهم أنها 
شرء ويخدعون البنات في مقتبل العمرء وكأن سعادتهم كلها تكمن في 
الأكل والشراب والشهوة»!7/!!. وقد وجهت هذه الاتهامات بالفسق 
والانحلال الجنسيين أيضاً لجماعات إسلامية وعرقية محددة مثل الأتراك 
والمغاربة. فالرحالة الأوروبيون إلى شمال إفريقيا كانوا يصفون سكانه 
كثيراً بتعدد العلاقات الجنسية والميل إلى اللواط وحتى العلاقات الجنسية 
مع الحيوانات. وبالنسبة إلى الرحالة الإسكتلندي وليام ليئغو صفذللة18 
180 كانت النساء في فاس «شهوانيات لعينات ومهيئات لكل 


200 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


5- «أراذل الناس» 

الأفعال الجنسية التي تشبع شهوة الأنذال المترفين»!!!. ى| شدد دييغو 
دي آيدو في وصف سكان الجزائر بأن «جماع الحيوانات شائع جدا بينهم؛ 
وهم في ذلك يقلدون العرب الذين يشتهرون ببذه الرذيلة»!”'!. ونقلت 
هذه الصورة بسهولة إلى المورسكيين وولّدت أحيانا تخيلات وهمية تبلغ 
حد الشطط عن الخلاعة من النوع الذي وصف في إحدى محاكيات 
محكمة التفتيش في عام 1594 عن المارسات السحرية لجارية مورسكية 
لدى رجل دين نصراني في أنطقيرة©. تضمنت هذه ال مارسات- وفقاً 
للمحاكمة- «نطق بعض الكلمات حتى ظهر ها الشيطان على هيئة رجل 
زنجي»»؛ طار بالمورسكية إلى الريف «لتشبع شهوتها» قبل أن تعود إلى 
البيت عند الفيجر !20 

لا يشترط أن تكون محللاً نفسياً كي تكتشف الرغبة المكبوتة الكامنة 
وراء هذه التخيلات التي ظهرت دائياً في محاكىات الساحرات في أورويا. 
فقد كان هذا الاشمئزاز من الشهوانية المورسكية والافتتان بها ناتجين 
أيضاً عن اختلاف مواقف الكاثوليكية والإسلام من الجنس. ففي حين 
أعلت الكنيسة الكاثوليكية من شأن العفة والعزوبة» كان الإسلام دينا 
تزوج نبيه عدة مراتء وكتابه المقدس مليء بالأوصاف المثيرة للملذات 
الحسية في الجنة. وبين) اعتبرت الكاثوليكية الجنس شرا لا بد منه للحفاظ 
على النوع؛ اعتبره الإسلام نشاطا مقدساء شريطة أن يتم في إطار الزواج. 
وتحوي وثيقة من الممخطوطات الألخامية من القرن السابع عشر ت: تدث إل 
مؤلف مجهول يدعى إشلين التونسي ونصداآ مه 16د كتيباً جنسياً للأزواج 
والزوجات ينصح الأزواج بقول «اباسم الله» عند الإدخال وتأخير هزة 
الجماع «حتى يتأكد من أن الطرفين يصلان إليها في اللحظة نفسهاء فالحب 
الكبير يتأتى حين يؤدى [الاتصال الجنسي] ببذه الطريقة»!12. 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 37/1 


الدين والدم 

على أن هذا الاحتفاء بالعلاقات الجنسية الزوجية لم يكن يعني أن 
الإسلام كان يقر النشاط الجنسي المنفلت. وكذلك لم يكن التبجيل 
الكاثوليكي للعفة والعزوبة يعني أن النصارى جميعاً كانوا يقرونه أو 
يلتزمون به. وانتشار المواخير في إسبانيا الهابسبورغية والأعداد الكبيرة من 
النصارى الذين حاكمتهم محكمة التفتيش على تعدد الزوجات أو «الزنا» 
أو «الإثم الشنيع»» وهو اللواط» دليل على الشقة الواسعة بين النظرية 
والتطبيق» في حين كان فسق الكهنة الإسبان مصدراً دائي] للفضائح أمام 
السلطات الدينية والعلانية» وأيضاً أمام المورسكيين. لكن التعصب أو 
الإجحاف ينحو إلى بناء نسخته الخاصة للواقع التي تتجاهل الحقائق غير 
الموانية التي تناقض فرضياته. ومواقف إسبان القرن السادس عشر نحو 
المورسكيين تحتوي أمثلة عديدة لهذا الميل. 

9# 

على أن هذا الإجحاف لم يقتصر على مسؤولي محكمة التفتيش والكهنة 
الريفيين الشاعرين بالمرارة. إذ كان المورسكيون يصوّرون غالباً في 
أدب «العصر الذهبي الإسباني» عموماً كمصدر للاستهزاء والسخرية 
والانطقان ويفهن أكبر كتاب:إنببانياء فين اشاح القرطي لويين د 
غونغورا 0628013 06 ذناءآ إلى الكاتب المسرحي لوبي دي بيغا 6 عممآ 
2 كانوا يسخرون من نطقهم للغة الإسبانية وبغضهم للحم الخنزير 
وغيرها من الأطعمة» ويستخدمون كثيرا شخصية بائع الفطائر المورسكي 
الأحمق. واستهزأ فرانثيسكو دي كوبيدو 6600© 06 مكواعمه1 
بالألقاب النصرانية التى «انتحلتها العاهرات والمورسكيين» متجاهلاً 
أن هذه الأسماء فر ضت عليهم فرض]!22!. وفي رواية «النصاب» (1626) 
لكوبيدوء وهي من أدب المتشردينء يقيم البطل المتشرد في خان «يملكه 
واحد من أولئك الذين يؤمنون بالله بلا سلوك جيد وبلا صدقء إنهم 


32 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


5- «أراذل الناس» 


المورسكيون كما يسميهم الناس. وهناك الكثير من أولئك الناس الذين 
يمتلكون أنوفاً طويلة يستخدمونها فقط لشم لحم الخنزير»!23ا. 
وتوجد بعض أكثر صور المورسكيين إجحافاً في الأدب الإسباني 
في نص «حوار الكلاب» لميغيل دي ثيرفانتس الذي ينسج فيه الكلب 
بيرغانسا 86183028 وصفه لسيده المورسكي في غرناطة في شكل اتهام 
عام لإسبانيا المورسكية: 
من المعجزات أن تجد رجلا واحدا بينهم جميعا يؤمن 
بالقوانين التصرائية المقدسة فهدقهم الوسين هو جع 
المال واكتنازه» وكي يحققوا ذلك تجدهم يعملون ولا 
يأكلون ... فهم يكنزون أكبر قدر من المال في إسبانيا. 
وهم عبارة عن خزائن أموال وعث وطيور عقعق وأبناء 
غرس» فكسيوة وكقفورن :ها ركسونة ويلفولة كله 
انظر كثرتهم في الشوارع وكيف يكسبون يومياً ويخفون 
قذراً من الماله ولا تسن أن الدمى البطيئة يمكن أن 
تكون قاتلة تماماً كالحمى المفاجئة» ومع زيادة أعدادهم 
يزداد أيضاً عدد من يخفون المال وسيظل يزداد بالتأكيد 
إلى ما لا نهاية | تثبت التجربة. وهم لا يمارسون العفة. 
ولا يحترم أي رجل أو امرأة منهم الأوامر الكهنوتية» 
ويتزوجون جميعاً ويتكائرون جميعاء لأن المعيشة 
المقتصدة تعزز توالد عرقهم. والحرب لا ترهقهم؛ 
وهم لا يجهدون أنفسهم في العمل» وإنما يسرقون منا 
بأسهل ما يكون ومن ثار ممتلكاتنا التي يبيعونها ثانية لنا 
ويغتنون!24]. 
إن ثيرفانتس الذي حارب في معركة ليبانتو وفقد فيها إحدى يديه» 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 373 


الدين والدم 
وقضى خمسة أعوام قاسية أسيراً في حظائر العبيد بالجزائر» أثر بلا شك 
على الأفكار النمطية النصرانية عن المسلمين. ومع ذلك فإن مواقفه نحو 
إسبانيا الإسلامية كانت أكثر تعقيداء ما تكشف إدانة بيرغانسا «للرعاع 
المورسكبين»» فقد قدم لاحقا تصويرا مغايرا للمورسكيين في الجزء الثاني 
من دون كيخوتة الذي كتب بعد الطرد". وعلى أي حالء ففي أواخر 
القرن السادس عشر يندر التصوير الأدبي المتعاطف مع المورسكيين. 
وبعيدا عن تاريخ غرناطة لبيريث دي هيتاء جاءت واحدة من الصور 
الثقافية الإيجابية النادرة لإسبانيا المورسكية في الرواية مجهولة المؤلف «ابن 
السراج والحسناء شريفة» (1561). 
كانت هذه الحكاية الرقيقة عن الحب والمجد والفروسية وصفا قصصيا 
لحادثة حقيقية وقعت في أثناء الصراع الغرناطي-النصراني في القرن 
الخامس عشرء أسر فيها قائد أنطقيرة النصراني رودريغو دي ناربايث 
232 عل مع31ل80 الوجيه الغرناطي الأندلسي ابن السراج» وهو أحد 
أفراد قبيلة ابن السراج الحاكمة© الذي وقع في كمين نصبته بجموعة من 
الحنود النصارى. 
كان طويلاً ووسيا وهيعنه رائعة عل حضاله... وتعلقت 
بذراعه الأيمن سيدة جميلة وحمل في يده رمحا سميكاً 
وطويلاً ذا شعبتين. وكان يلبس خنجراً وسيفاً وعمامة 
تونسية ملفوفة عدة مرات حول رأسه بغرض الحاية 
والزينة. وبهذه الملابس بدأ الوجيه الأندلسي يغني أغنية 
(1) كما ورد في حاشية سابقة؛ ينسب بعض النقاد الأدبيين الجزء الثاني من الرواية إلى سيدي حامد 
الجيلي أو الآيلي» وليس ثيرفانتس [المترجم]. 
(2) قبيلة بني السراج إحدى قبائل المغرب التي كان لها شأن كبير في مملكة غرناطة في القرن 
الخامس عشرء يقال إنها تنسب إلى يوسف بن سراج رأس القبيلة في عهد محمد السابع سلطان 
غرناطة [المترجم]. 


23214 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


5- «أراذل الناس» 


ألمُها بنفسه حول ذكرياته الحلوة مع أحبائه!25ا. 

هاجم الخدم النصارى ابن السراج» فقتل أربعة منهم» وأثبت نفسه 
بذلك ندا جديرا للاجد النصراني رودريغو دي ناربايث» الذي هزم 
ابن السراج وجرحه في المعركة. وحين هموا باقتياده إلى الأسرء أخبر 
ابن السراج ناربايث بعشقه للأميرة الأندلسية الجميلة شريفة» التي اهم 
أبوها بالتواطؤ في مؤامرة ضد ملك غرناطة الأندلسي. فتأثر ناربايث بهذه 
القصة وسمح لابن السراج بزيارة شريفة والزواج بهاء بشرط أن يعود إلى 
الأسر في غضون ثلاثة أيام. 

يعطي ابن السراج كلمته» ويلتئم شمل الحبيبين. وحين يخبر شريفة 
باتفاقه مع ناربايث» تتوسل إليه أن يبقى» وتعرض دفع فديته» لكنه 
يرفض أن يخون عهده. فتعلن شريفة أن «الله لا يرضيه أن أبقى حرة 
وتصير أنت أسيراً» وترافقه إلى الأسر. ولدى وصوهم إلى قلعة ناربايث» 
تعجب النبيل النصراني من هذا التجسيد للشرف والحبء فأطلق سراح 
أسيره وشريفة. وكتب أيضاً إلى ملك غرناطة الأندلسي ليؤكد براءة والد 
شريفة. وتنتهي القصة نهاية سعيدة» فيتصالح أبوها مع الملك ويقبل زواج 
ابتته السريء ويبني ناربايث وابن السراج وزوجة الآخير «صداقة متينة 
دامت طيلة حياتهم) 

ترجع شخصية ابن السراج إلى شخصية «الأندلسي النبيل» الرومانسية» 
التي تجلت في القصائد الغنائية النصرانية زمنَ القرون الوسطى. فمن 
ناحية» تصبح الصداقة بين غريميها التي 0 
مفهومه] المشترك للفروسية؛ وهو تمائل لا يتحقق إلا بين نبيلين يشتر 
اموا سيدا اا ا 
السراج أندلسياً مهزوماً غلبه حارب نصراني متفوق» يتأكد نبله وعظمته 
في شهامته عند الانتصار. وعلى نحو ما يحدث مع «الهندي الطيب» في 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 375 


الدين والدم 


أفلام الغرب الأمريكي فيا بعد الحرب العالمية الثانية» يصبح هذا العدو 
موضوعاً للإعجاب والحنين لأنه لم يعد خطراً. وعلى كلء فإن النهاية 
السعيدة لابن السراج صوّرت تصاحاً متخيلاً على الأقل بين إسبانيا 
الإسلامية والنصرانية» ومع أن هذه النهاية لم تكن واردة تماما فييم| بعد 
غرناطة» فإن شعبية هذه الرواية تقترح أن هذه الإمكانية لم تكن موضع 
رفض من قراء القرن السادس عشر. 

أعادت هذه الصور الأدبية افتتان القرون الوسطى بالثقافة الأندلسية» 
التي كان الزوار الأجانب يلاحظونها بين الأرستقراطية القشتالية» وهو 
الافتتان الذي بقيت لمحات منه في أواخر القرن السادس عشر. فالفرسان 
النصارى الذين استقبلوا دون خوان النمساوي في غرناطة كانوا يلبسون 
أقمشة حريرية أندلسية وقمصاناً متدلية. وفي عام 1593» أرسل فيليب 
الرسام الطليطلي بلاس دي برادو 2200 عل 8135 إلى المغرب بناء على 
طلب من السلطان بأن يرسل له فنانا ليرسم له صورة عائلية. ولدى 
عودة برادو من مهمته بعد اكتالهاء كان قد اعتاد تناول الطعام على وثار 
على الأرض وفق الطريقة المغربية. وتفهم البلاط تأثر فنان مميز «أصبح 
فطرياً»؛ لكن هذا السلوك عينه كان يمكن أن يثير استجابة مختلفة تماماً لو 
لوحظ بين المورسكيين أنفسهم. 

على أن النصارى لم يشتركوا جميعاً في اعتبار المورسكيين «أراذل 
الناس». ففي أكتوبر 1594» وصف السكرتير الملكي فرانثئيسكو دي 
ايدياكيث 10130062 مءد5نءمة7 المورسكيين بأُنهم ثروة ممكنة لإسبانيا. 
فنظراً لإدراكه أن «النصارى غير معتادين على الزراعة»؛ امتدح السكرتير 
كد المورسكيين واقتصادهم ومهاراتهم الزراعية» وكتب أنه «لا يوجد 
ركن واحد من الأرض لا يمكن أن يعطى هم لأنهم وحدهم يجلبون 
الخصب والوفرة للأرض672*. وفي تاريخه لمدينة بلاسينثيا 08م56ةاط في 


36 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


15- «أراذل الناس» 

إشتريادوراء وصف فراي الوتسو فيرنانديث 2ع0مهممء1 مكدماة نره] 
المورسكيين المحليين على النحو التالي: 

كانوا يكدحون في العناية بالحدائق» ويعيشون بعيداً 

عن مجتمع النصارى القدامى» حتى لا تكون طريقة 

حياتهم محلا للمراقبة... وكانوا يبيعون الطعام في 

أفضل الدكاكين في المدن والقرى» ومعظمهم يعيش من 

عمل يديه... وكانوا جميعاً يدفعون الضرائب المفروضة 

عليهم طائعين» وكانوا معتدلين في مأكلهم وملبسهم... 

ولا ينتشر التسول بينهم» وكل واحد منهم له حرفة أو 

تجارة أو يعمل في وظيفة ما!”2). 

وفي فبراير 1585» وجد صبي نصراني يدعى أندريسكو مقتولاً أسفل 
بئر بقرية يبئيس 056865عل١‏ الطليطلية» واعتقلت السلطات العلانية ثلاثة 
مورسكيين غرناطيين للاشتباه بهم. ومع وجود علامات القتل الطقوسي 
في الجريمة والمخاوف السائدة من الغرناطيين في قشتالة» كان هؤلاء 
المورسكيون كبش الفداء المؤكد. وربما كانت إدانتهم مقررة سلفاً. ومع 
ذلك فقد رفضت أم الضحية اتهام المشتبه بهم وأخبرت القاضي المحلي 
أنها غير متأكدة من قتل ابنها. وني المحاكمة اللاحقة قدم نصارى محليون 
مختلفون شهادة حسن سير وسلوك بحق المتهمين» منهم شاهد وصف 
المتهمين الثلاثة بأهم «رجال جيدون يعيشون حياة محترمة ويتمتعون 
بسمعة طيبة»» وأصر على أن «المورسكيين المذكورين لا يمكن أن يرتكبوا 
الجريمة المتهمين بها)1281. 
ونتيجة لذلكء بُرّئ.المورسكيون الثلاثة. وفي مناطق أخرى بإسبانياء 

كانت هناك أدلة على أن الجماعات والأفراد النصارى استطاعوا أن يقيموا 
علاقات مع المورسكيين تحدّت التعصب والتشويه الساتدين. ففي مدن 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 3277 


الدين والدم 

قشتالية مثل بلد الوليد وآبلة وطليطلة كان «المورسكيون القدامى» 
مقبولين من النصارىء لدرجة أن الأخيرين أعطوهم الحق في التصويت 
في المجالس المحلية. وفي غرناطة في عام 5» عارض النصارى أوامر 
ملكية جديدة تدعو إلى طرد المورسكيين» الذين بقوا في المدينة أو عادوا 
إليها بعد الثورة. لكن فيليب أصر على طردهم, فأبعد نحو ثلاثة آللاف 
مورسكي في أغسطس من ذلك العام. 1 

كانت معارضة هذا الإبعاد تستسد جزئياً إلى المضلحة الشخصية) 
لأن كثيراً من هؤلاء المورسكيين كانوا عبيداً للنصارى أو يسهمون في 
الاقتصاد المحلي لكن المصلحة الشخصية والاحتياج المحلي كانا قادرين 
أحيانا على جعل التعايش ممكناء حتى في المناخ الشوفيني لإسبانيا المعادية 
للإصلاح. لكن حتى أكثر تعبيرات التسامح النصراني كرما لم تترجم إلى 
تأكيد إيجابي للمورسكيين باعتبارهم وجودا دائ| ومتميزا داخل المجتمع 
الإسباني. فمع أن بعض الجاعات النصرانية كانت مستعدة لتبني موقف 
أكثر تحرراً نحو عاداتهم ولغتهم من جماعات أخرى. فقد ظل استمرار 
بقاء المورسكيين كجماعة مشروطأ في النهاية بقدرتهم على تجاوز أصولهم 
الإسلامية والاندماج قدر الإمكان في المجتمع النصراني إلى درجة يتعذر 
معها تمييزهم عن النصارى القدامى. لكن حدوث هذه العملية كان 
يتطلب من المجتمع النصراني أيضاً أن يتغلب على تعصبه العميق تجاههم. 

أثار ذلك كله تساؤلات لا تنطبق على القرن السادس عشر فقط: كيف 
يمكن لأغلبية مهيمنة أن تستوعب بداخلها أقلية تعتبرها وضيعة وحقيرة 
وخطرة؟ هل يمكن احتقار المعتقدات الدينية وال مارسات الثقافية لجماعة 
معينة دون كراهية الناس الذين يمارسونها أيضاً؟ وإذا سعت جماعة إلى 
استئصال معتقدات جماعة أخرى وممارساتها بالقوة» فكيف يمكن 
للجاعة الأولى أن تتأكد من أن هذا التحول المفروض أصبح حقيقياً 


32/8 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


5- «رأراذل الناس» 

ودائا؟ 

أمر فيليب الكاتب الديني ألفونسو شاكون «همءعة3© 50مم15ى ببدء 
برنامج للتبشير في عام 01588 لكن ألفونسو حذّر الملك «من ألا تربي 
إسبانيا هذه الوحوشء التي سيأ يوم تأكل فيه لحمها» وادعى أن 
المورسكيين الذين يظهرون في ثوب النصراني الجيد يضعون واجهة 
نصرانية مزيفة «تخفي حقيقتهم وتخفي ما يضمرونه»!”2]. ومع أن شاكون 
أوصى ببذل كل جهد لدمج المورسكبين في المجتمع النصراني» فإنه اقترح 
أيضاً في مناسبة أخرى إجبارهم على وضع علامات خاصة على لباسهم: 
كي تظل أصوهم قابلة للتمييز دائ|. فبالنسبة إلى شاكون. كان دمج 
«الوحوش» المورسكيين يتوقف على جعلهم في متناول اليدء وهو اقتراح 
بلغ ذروته في شكل تفرقة وإقصاء مستمرين من نوع مختلف. 

ا 9# 

أظهر هذا الاقتراح المتناقض مجدداً التوتر الكامن في قلب مفهوم 
إسبانيا عن الدمج والاستيعابء بين التصميم على استئصال المورسكيين 
بامتصاصهم داخلها من جانبء والشك والبغض اللمتبقيين اللذين عبّرا 
عن نفسيهم) عبر الرغبة في إقصائهم وتهبميشهم. وضع ذلك المورسكيين 
في حالة صعبة وغير مستقرة. فالممثلون الأحياء لماض إسلامي محتقر 
لم يعد متاحاً لهم مستقبل جماعي داخل إسبانياء إلا إذا زال وجودهم 
كجاعة منفصلة. وكانوا يعاقبون ويقمعون إذا لم يمتثلوا لمقتضيات الدين 
المفروض عليهم. وفي الوقت نفسه. كانت الدولة والكنيسة تنظر إليهم 
بعين الخنوف والاحتقارء إذ ظلت القيادات الدينية والعلانية تنظر -حتى 
للمورسكيين الأكثر انصرانية»- باعتبارهم كاثوليكاً مرائين» لكنهم مع 
ذلك رفضوا السماح للمورسكيين العنيدين بمغادرة البلاد. 

شهد العقد الأخير من القرن السادس عشر محاولة جريئة لإيجاد فضاء 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 209 


الدين والدم 


جديد للمورسكيين داخل إسبانياء بدأت في عام 1588, حين عثر عمال 
البناء على صندوق غامض وهم يهدمون برج مسجد سابق في مكان 
كاتدرائية غرناطة. ضم الصندوق إلى جانب مخطوطة مكتوبة باللغة 
العربية والقشتالية واللاتينية» جزءاً من منديل قيل إن مريم العذراء 
جففت به دموعها في أثناء الصلب. وكذلك عَظمَّة من الشهيد النصراني 

كان اكتشاف نص ديفي نصراني مكتوب باللغة العربية يرجع إلى زمن 
وضول النصرانية إلى أيبيريا اكتشافاً رائعاء أكذ أن الكنيسة الخرئاطية 
كانت أقدم كثيراً من تأسيسها الرسمي في عام 1492. ابتهج رجال الدين 
وي 0 
م 0 
و1599. بدا أن بعض «هذه الكتب الرصاصية» ربا كتبها قديس غرناطة 
الشفيع المستشهد القديس سيسليو ذ[أء»© وأخوه تسيفون 108زوع1» 
وضمت نقوش أخرى حوارات منقولة بين مريم العذراء والحواريين 
منهم القديس بيتر» وعناوين مثل «كتاب حكم القديسة مريم» واجوهر 
الإنجيل». 

أحدث اكتشاف هذه النصوص ضجة في إسبانياء ترددت أصداؤها في 
أنحاء أوروبا البروتستانتية والكاثوليكية كافة. فالكتب الرصاصية أكدت 
أن قديس غرناطة الشفيع وأخاه كانا عربيين» ويبدو أنهما أدخلا النصرانية 
إلى إسبانيا قبل أن تصل فرنسا وإنجلتراء وأظهرت أيضاً أن الإسلام 
والنصرانية ليسا متناقضين. , بل دينان يكمل أحدهما الآخرء ويشتركان في 
معتقدات ومذاهب متداخلة بينهما. وعلى الرغم من أن هذه الكتب اتخذت 
شكل النصوص النصرانية» فإنها حوت إشارات عديدة مؤيدة للثقافة 


3630 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


5- «أراذل الناس» 

الإسلامية والعربية مثل الحوار التالي بين القديس بيتر ومريم العذراء: 

قال: «حدثينا عن فضيلة العرب الذين سيرفعون لواء 

الدين في آخر الزمان» وحدثينا عن جزائهم وسمو 

لغتهم على كل اللغات الأخرى يا سيدتنا». 

قالت: «العرب هم من سيرفعون لواء الدين في آخر 

الزمان. وسمو لغتهم على سائر اللغات الأخرى 

كسمو الشمس على نجوم السماء. وقد اختارهم الله لهذا 

الغرض وعرِّزهم بنصره. إن مكانة المؤمنين كبيرة عند 

الله وجزاءهم غزير»!20!. 

فبعد أكثر من قرن حاول فيه الحكام الإسبان المتعاقبون استئصال 
الإسلام من شبه الجزيرة الأيبيريه»ء وجد النصارى الإسبان بأنفسهم 
تأكيدا حيرا «للتفوق» الثقافي والديني للعرب من جانب مريم العذراء 
نفسها. لا غرابة إذن أن تصبح صحة هذه الاكتشافات فورا موضع شك. 
ففي حين كلّف رئيس أساقفة غرناطة بيدرو باكا دي كاسترو كينيونيس 
015005 من5ةن) عل و786٠‏ 0تلء2 مترحين مختلفين بفحصها وإعادة 
فحصهاء وخلص إلى أنها موثوقة» أعلن عدد من علماء الدين واللغويين 
انها مزيفة. 
لقد ابتهجت الكنيسة الغرناطية بأهميتها الجديدة لدرجة أن المورسكيين 

الغرناطيين المتعلمين أدهشهم أن يجدوا أنفسهم موضع عطف وتقدير 
وليس اضطهاد بسبب معرفتهم باللغة العربية» حين شرع رئيس الأساقفة 
دي كاسترو في حسم الشكوك حول أصل الاكتشافات. كان من بين من 
استشارهم رئيس الأساقفة أحمد بن قاسم الحجري المورسكي الغرناطي» 
الذي أصبح لاحقاً مترجماً ودبلوماسياً للسلطان المغربي. ففي عام 1595, 
استدعى الحجري كاهنٌ محل في حضور رئيس الأساقفة للمساعدة في 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 361 


الدين والدم 


ترجمة هذه النصوص. تذكر الحجري لاحقاً: «قلت لنفسي كيف يمكن 
أن أنقذ نفسبى» فالنصارى يقتلون ويحرقون كل شخص يجدون عنده كتاباً 
عَرَببا أوزيع فو انديع | اتلقة الفرية امار 
وفي أثناء حمرة الابتهاج الأولى التي تلت اكتشافات الجبل المقدس» 
كانت الكنيسة الغرناطية أكثر اهتاماً بتأكيد نسبها الجديد وحل أسرار 
الكتب المقدسة منها باستئصال الإسلام» ولذلك رحبت بمساعدة 
الحجري. أما خارج غرناطة» فكان علاء الدين واللغويون أكثر ارتيابا 
في صحة هذه المخطوطات. وادعوا أنها مزيفة. وذهب علاء آخرون إلى 
أن اللغة العربية لا يمكن أن تكون قد استخدمت في الأراضى المقدسة في 
الفترة الواردة في النقوش» وأشار آخرون إلى وجود تضاربات في الأسلوب 
ومفارقات تاريخية في النصوص اللاتينية والقشتالية. وحسم الخلاف 
أخيراً في عام 1682» وأعلن رسمياً أن الكتب الرصاصية مزيفة» دون أن 
يذكر شيء عن مؤلفيها والغرض من تأليفها. ويعتقد معظم الدارسين أن 
مؤلفيها كانوا من المورسكيين وتركزت الشكوك عموماً حول ميغيل 
دي لونا وألونسو ديل كاستيوء طالبي الطب الغرناطيين اللذين أصبحا 
مترجمين رسميين للغة العربية لدى فيليب. كان الأول «مترجما» وربها 
مؤلف التاريخ المزيف لسقوط إسبانيا القوطية «التاريخ الحقيقي لدون 
لذريق», الذي كتب في الفترة نفسهاء ويصوّر الفتح الإسلامي باعتباره 
تحريرا من الحكم القوطي الفاسد والاستبدادي. وكان كاستيو شخصية 
مبهمة وغامضة لعبت دوراً أساسياً في الخداع و«العمليات السوداء»”", 
(1) العمليات السوداء وم0 01261 أو العمليات الليلية هي النشاطات السرية التي لا يمكن ربطها 
بالأشخاص ولمنظمات التي تنفذهاء كالاغتيالات والخطف وتخريب الممتلكات وما 
شابهها. وبالنسبة إلى ألونسو ديل كاستيوء فربما كان من الأندلسيين الذين استخدمهم دون 
خوان في أثناء حرب البشرات في تزوير خطايات باسم الفقهاء المسلمين تحض الثوار على 
الاستسلام والرجوع عن الثورة [المترجم]. 


362 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


5- «رأراذل الناس» 

التي ساعدت في إنهاء ثورة غرناطة321. 

كان الرجلان من بين من استدعاهم رئيس الأساقفة دي كاسترو 
لترجمة بعض المخطوطات في غرناطة» ومنها النص المطلسم المعروف 
بالكتاب الصامت. وكان رئيس الأساقفة يثق في المترجمين ويدافع عنهما 
ضد مزاعم التلفيق» لكن تورطهه في الخدعة لم يتأكد أو يفند على نحو 
حاسم. هل كان المقصود بالكتب الرصاصية إنقاذ إسبانيا المورسكية 
من الانقراض وإعادة تشكيل المستقبل بتغيير الماضي؟ أم قصد بها تمهيد 
الطريق لمصالحة بين الإسلام والكائوليكية في أيبيريا بإظهار أن الدينين 
أكثر تقبلاً لأحدهما الآخر؟ وإذا كان الأمر كذلكء؛ فإن هذه التطلعات 
كانت ساذجة ومحزنة أيضاً. ففي ذلك الوقت. كان العداء الديني للإسلام 
نفسه مكونا واحدا فقط في دينامية متناقضة كانت تتكرر غالبا في سياقات 
تاريخية أخرى. فمن ناحية؛ كانت الأغلبية النصرانية المهيمنة تسعى إلى 
استيعاب المورسكيين في المجتمع النصراني كي تتخلص من الأقلية التي 
اعتبرتها أجنبية ووضيعة وخطرة. ومن ناحية أخرى» حال تعصب إسبانيا 
النصرانية وشكوكهاء في الوقت نفسه الذي طلب فيه من المورسكيين أن 
يختفوا أو يختفي تمايزهم» دون هذا التحول» ورفضت القطاعات الأكثر 
تزمتاً بالمجتمع أن تقبل بأن الاندماج ممكن أو مرغوب فيه أصلاً. 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 30 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 


16 
في الطريق إلى الطرد 


دفع الكهنة وقضاة محكمة التفتيش الإسبان الأكثر تشدداً بأن إسبانيا 
لن تكون أبداً آمنة أو نقية تماماً طالما بقي المسلمون على التراب الإسباني» 
حتى قبل أن يبدأ المورسكيون تحوهم الممسوخ إلى نصارى. وعلى مدار 
الوحدة الدينية والضرورة الاقتصادية لإبقاء المورسكيين في إسبانيا 
بشرط أن يصبحوا «نصارى جيدين ومخلصين». لكن بعد غرناطة» أصبح 
المسؤولون الإسبان أكثر تشاؤماً حول إمكانية تحقيق هذا الهدف. وفي 
المتعمد». وبعد عشرة أعوام» أعلن مسؤولو محكمة التفتيش البلنسية: «من 
تجربتنا مع الأندلسيين» خلصنا إلى أهم حتى بعد تعليمهم الدين النصراني 
يظلون أندلسيين». وتأكد هذا اليأس بفعل التقارير المستمرة حول تحدي 
المورسكيين وريائهم. ففي أراغون في عام 1573» نقل الكاهن الجديد 
لقرية جيا دي الباراسين 2اء3ةط1ى 06 063 المورسكية دائمة المشكلاات 
إلى السلطات أن السكان المحليين حفروا نفقاً سرياً للاختفاء من محكمة 
التفتيش» وإقامة مدرسة لتعليم القرآن بها أربعون تلميذة. 


365 
1_طماع !© :161 ]أللا 1 


الدين والدم 

وفي يونيو 1581» تقدمت لويسا كامينيرا دي أركوش 53 هنصة© ودنناءآ 
5هع]ث عل المورسكية من بلدة تيروال الأراغونية إلى مقر محكمة التفتيش 
المحلية» واتهمت أفراداً مختلفين من عائلتها وجيرانها بممارسة الإسلام 
سراً. أزعجت هذه المفاجآت مسؤولي محكمة التفتيش ال محليين كثيراً. 
فبعض العائلات «النصرانية الجديدة» ببلدة تيروال دخلوا في النصرانية 
منذ أوائل القرن الخامس عشر. وكان إي|خهم الديني أمراً مسلا به لدرجة 
أن كثيرين منهم سمح لهم بالمشاركة في الجمعيات الدينية» بل ودخلوا 
الكهانة أيضا. لكن ها هي بيّنة تؤكد الشكوك السوداوية بوجود عالم 
مورسكي مواز داخل المجتمع النصراني» لكنه ليس جزءاً منه. 

وقدمت تقارير ممائلة من أجزاء أخرى من إسبانيا إلى فيليب ووزرائه. 
ففي بلدة هورناتشوس بإشتريادوراء وصف مسؤولون دينيون وعلانيون 
(جمهورية مورسكية» جهادية كان سكامها يقتلون المسافرين النصارى 
ويسرقونهم ويحتفظون باتصالات منتظمة مع الأتراك والمسلمين في شمال 
إفريقياء وقاوموا كل محاولات تنصيرهم'". واشتكى راهب محلي محبط 
من أن هؤلاء المورسكيين يعتبرون «خطبة الوعظ إذلالا والاعتراف 
خْلّعة والعشاء الرباني مشنقة» وأن «أخذهم إلى الكنسية يشبه أخذهم إلى 
القوادس»!!. 

ومن وجهة نظر السلطات. كانت التقارير الأكثر تشاؤماً هي تلك 


(1) كان الهونارتشيون أو أهل هورناتشوس المورسكيون جماعة قوية وعنيدة واستعصى 
ترويضها على الإسبان. وحافظت على استقلالية كبيرة داخل إسبانياء فيما شُبّهِ بجمهورية 
جهادية مستقلة» وشنت الدولة الإسبانية حرباً شرسة على «أهل هورناتشوس الذين صُلبواء 
ووضعت على رؤوسهم تيجان الشوك» (هذا عنوان كتاب للمؤرخ الإسباني فيرمين مايورغا 
أورتاس 5 ] 11370183 انصوع1). وبعد طردهم من إسبانياء شكلوا جمهورية مستقلة 
على مصب نهر أبي رقراق بقصبة الرباط المغربية» مارست «الجهاد البحري» ضد السفن 
والستوااغل الإسيائية [التربي] . 


3536 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


6- في الطريق ‏ إى الطرد 

المتعلقة بالمورسكيين الغرناطيين في قشتالة. فقد قصد بإبعادهم جزثياً 
تسهيل اندماجهم وفرض مزيد من السيطرة عليهم بعزهم بأعداد أصغر 
بين النصارى. لكن في الثامن والعشرين من أكتوبر 1589؛ أي بعد عقدين 
تقريباً من إبعاد الغرناطيين: أخبر أسقف بطليوس”" الملك بأن الغرناطيين 
في أسقفيته لم يكونوا يحققون هذه التطلعات. فعلى الرغم من أن هؤلاء 
المورسكيين كانوا يذهبون إلى القداس والاعتراف, فقد ذكر اللأسقف 
أخهم ل يكونوا يؤدون «الأعمال الخارجية» للدين طائعين مثل طلب إقامة 
قداسات للموتىء أو شراء البيانات البابوية» أو مراعاة الأعياد النصرانية. 

وزعم الأسقف أيضاً أن الغرناطيين أخفقوا في الامتزاج بالنصارى 
ومازالوا «يتحدثون لغتهم العربية ويعيشون داخل أمتهم ويتزاوجون 
منها فقطء إلا نادراء وفي حفلات قرانهم يحتفلون ويغنون باللغة العربية». 
وذكر الأسقف أنه في حين كان رجال الدين في غرناطة يفهمون اللغة 
العربية ويستطيعون أن يراقبوا المورسكيين» فإن السكان النصارى في 
إشتريادورا لم يكونوا يتحدثون اللغة العربية أو يفهمونهاء ولذلك «يعتقد 
أن المورسكيين يؤدون شعائرهم بحرية أكبر من أقرانهم في مملكة غرناطة»» 
وبخاصة أن كثيرين منهم خالفوا أوامر السيطرة عليهم و«انتقلوا من 
أماكن إلى أخرى دون إجازة مرور أو أي معرفة بأماكنهم»!2). 

واتهم مسؤولون قشتاليون آخرون المبعدين الغرناطيين بإفساد 
«النصارى الجدد» الذين كانوا يعيشون في قشتالة قبل وصوهمء وأنهم 
كانوا يشجعونهم على العودة إلى الإسلام. ففي آبلة» وصف محقق محكمة 
التفتيش خوان كاريو و1انقة© هقد «المورسكيين المدجنين»؛ الذين كانوا 
يعيشون في المدينة منذ قرون بأنهم «كانوا أي شيء آخر غير النصارى؛ 
بل أعداء للنصرانية». وفي طليطلة» كان مسؤولو محكمة التفتيش يعبّرون 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 377 


الدين والدم 
دوما عن قلقهم من وجود سكان مورسكيين غير مندمجين في «قلب 
إسبانيا» بأعداد كانت تنمو باستمرار» لدرجة أن المورسكيين سيفوقون 
النصارى في العدد قريباً. وفي سبتمبر 1588 أحاط مسؤول إشبيلي يدعى 
الوتسو غوتيريث 0110061562 410250 الملك ووكزاءة غلا باهو آاكذة 
لا بد أن نعامل كل المورسكيين على أنهم أعداء معلنون» 
سواء المدجنين أو سكان مملكة غرناطة الذين سبوا في 
مقاطعات ومدن وبلدات أخرى تابعة لتاج قشتالة» 
وأن نعتبرهم جميعاً مغاربة مثلهم كمثل سكان إفريقياء 
وإن كانوا يؤدون بعض شعائر النصرانية» فلأنهم 
مكرهون. إننا نراهم رغم ثرائهم يحجمون عن الزواج 
من النصارى القدامى. وفي ماكلهم ومشرمهم يتصرفون 
مثل أولئك الذين يعيشون بالشريعة نفسها في إفريقيا. 
وقد رأينا نية الثورة لديهم في مملكة غرناطة» ونراها 
يقة أكثر التفافا في إشبيلية» وما يُظهره التابعون لتاج 
أراغون عموما. وسنرى مدى ضعف ديننا بينهم حين 
يُترَكون لححاللهم. مع الأخذ بنظر الاعتبار أيضاً أن هؤلاء 
الناس لا يتناقصون, فأعدادهم تتضاعف كثيراً بخلاف 
النصارى القدامى الذين يذهبون عادة إلى إيطاليا 
ومنطقة الفلاندر والإنديزاث. 
كان ذلك محل إجماع على المستويات العليا للدولة الإسبانية في العقود 
الأخيرة من القرن. لكن إذا كان المورسكيون قد تعذر دمجهم في المجتمع 
النصراني» فكيف يمكن للدولة الإسبانية أن تتصرف معهم؟ أرق هذا 
السؤال المسؤولين الإسبان لثلاثة عقود. 


«0# 


3068 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


6- في الطريق إلى الطرد 

وفي ديسمبر 21581 اجتمع فيليب بلجنة خاصة لناقشة تنصير 
المورسكيين البلنسيين في لشبونة الذين نقلهم البلاط القشتالي إليها 
مؤقتاً بعد ضم إسبانيا للبرتغال. وبعد دراسة الأوراق الرسمية السابقة 
حول المشكلة المورسكية» خلصت اللجنة ثلاثية الأعضاء إلى أن تنصير 
المورسكيين «غير ممكن أخلاقياً» وأرجعت الإخفاق في تحقيق ذلك 
الهدف سابقاً إلى عدم توفير التعليم الديني الكاني. لكن اللجنة اتفقت 
أيضاً على أن «كفار» بلنسية «وأوغادها» كانوا «أشد عناداً من المغاربة في 
شهال إفريقيا»» واقترحت مع ذلك أن المورسكيين لاتزال استمالتهم ممكنة 
إلى النصرانية عن طريق جهد تبشيري منظم مثل ذلك «المتبع في الإنديز 
وأماكن أخرى»!*ا. 

وعلى مدى الشهور التالية تعرض هذا التشخيص المتفائل للتحدي من 
جانب را ففي إبريل 1582 قدم رئيس 
محكمة التفتيش خيمينيث دي ريئوسو 1618050 06 11726062 للمجلس 
الأعل لمحكمة تيش تقي راخف لتهديد الأمني الذي كان امور سكيون 
يشكلونه. إذ زعم أن جيشاً من المورسكيين مكون من ما ثتى ألف جندي 
كان متأهباً لمساعدة السلطان التركي في «فتح جديد لإسبانيا»» وتساءل 
عما إذا كان «رمي كل المورسكيين وطردهم من إسبانياء وبخاصة من 
مملكة بلنسية» هو الحل الوحيد الممكن. ومع أن رينوسو اعترف بأن الطرد 
ستترتب عليه آثار سلبية على عاتئدات الملحة العامة والخاصة» فقد دفع 
بأذهةهالكافر مكرة موقة مقط ولا مب «الأمن واقدوء الشاملين 
هذه الممالك». اللذين سينتجان عن «تطهير ال مرطقات وكذلك الشعب 
الذي أوجدها ويوّبّدها»اثا. 

ورغم تصويره المخيف للتهديد المورسكيء» فقد استبعد رينوسو 
احتمال أن يثور المورسكيون البلنسيونء دافعاً بأنهم مرتعدون وعرّل. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 2359 


الدين والدم 

ومن اللافت للانتباه أن اقتراح رئيس محكمة التفتيش بإبعاد المورسكيين 
من إسبانيا لم يلق قبول محكمة التفتيش البلنسية نفسهاء التي وافقت على 
«طردهم جميعا من بلنسية ووضعهم في قشتالة القديمة» وليس إرسالهم 
إلى المشرق أو شمال إفريقياء لأخهم في كل الأحوال إسبان مثلنا». وفي 
يونيو» اجتمع فيليب بنسخة مكبرة من لجنة لشبونة» وعرض مداولاتها 
بالتفصيل على مجلس الدولة بين التاسع عشر والحادي والعشرين من 
سبتمبر. واقترح المجلس في توصياته على الملك «بأن يتحين الفرصة 
لإبعاد المورسكيين عن مالك إسبانيا» ونقلهم إلى شمال إفريقياء على أن 
يبقى الأطفال المورسكيون المعمّدون في إسبانيا ليتلقوا تنشئة نصرانية. 
واقترح المستشارون أن تأتي السفن إلى ميورقة للقيام بهذه المهمة» وأن تبدأً 
بالمورسكيين في بلنسية» يليهم المورسكيون في قشتالة وأراغون. 

لم تكن هذه الاقتراحات مجرد إعلانات مبادئ. إذ يكشف التوثيق 
الباقي أن وزراء فيليب فكروا جديا في إمكانية تطبيق هذه المقترحات في 
العام التالي. ومن غير الواضح ما إذا كان فيليب قد أعطى موافقته على 
الاقتراح» لكن على أي حال لم يكن الموقف الدولي يسمح بإجراء عمل 
لوجستي بهذا الحجم. فلم يكد الإسبان والأتراك يتوصلون إلى ال هدنة» 
حتى استدعي الأسطول الإسباني لصد اعتداءين عسكريين على جزر 
الأزور من جانب المطالب بالعرش البرتغالي دوم أنطونيو متدمغهة سوط 
الذي كان يتلقى دعما من فرنسا وإنجلترا. وفي منطقة الفلاندرء كان القائد 
العسكري الإسباني البارع ألكسندر فارنيسي 1306556 41623007 يحشد 
القوات لهجوم كبير وقع أخيرا في عام 1583. 

وفي ظل هذه الظروفء لم يكن مفاجئاً أن يتردد فيليب في تنفيذ 
مقترحات وزراته ويهاطل بتشكيل لجحنة أخرى لناقشة توفير التبشير 
للمورسكيين بدلاً من إبعادهم. ومع ذلك» فقد كانت مقترحات لشبونة 


200 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


16- في الطريق إلى الطرد 
عتبة جديدة» فللمرة الأولى يوصى بالطرد على أعلى مستوى في الدولة 
«متى كان ذلك ممكناً» دون التطرق إلى التفاصيل العملية. وسوف 
يستغرق الأمر ثلاثين عاماً تقريباً قبل أن تنفذ هذه المقترحات أخيراء 
إذ تحرك حكام إسبانيا ببطء نحو حل كان لا يقل تعقيداً وصعوبة عن 
المشكلة التي يراد به حلها. 

كان رئيس أساقفة بلنسية خوان دي ريبيرا 81662 عل سددد أحد 
الأشخاص الأكثر تأثيراً في الدفع نحو تلك النتيجة النهائية. كان ريبيرا 
أحد رجال الدين المؤثرين في عصره. ولد في إشبيلية في زهاء عام 1532 
لعائلة أندلوسية غنية من ملاك الأراضىء. وبدأ عمله الكنسى في عمر 
الثانية عشرة» حين بدأ بدراسة القانون الكنسي وعلم اللاهوت في جامعة 
شلمنقة. وبعد تخرجه في عام 1557» دخل ريبيرا الكهانة وعين أسقف 
بطليوس عام 1562. وقد أدى مهامه بامتياز لدرجة أن فيليب عيّنه رئيسا 
لأساقفة بلنسية في عام 1568» مع اللقب الشرفي «بطرك أنطاكية»© وهو 
بعد في الحادية والثلاثين من عمره. نتج صعود ريبيرا السريع عن ورعه 
الشخصي وتبنيه القوي للأجندة الإصلاحية لمجمع ترنت. على أن الالتزام 
العنيد بالإصلاح من جانب هذا الراهب المتنسك الزاهد المكرس بتصلب 
للمصالح الأوسع للدين الكاثوليكي لم يكن في البداية محل ترحيب من 
المؤسسة الدينية في أبرشيته الجديدة» لكن ريبيرا تغلب في النهاية على هذه 
المعارضة وقضى بقية حياته في بلنسية. 

م تنته العلاقة بين البطرك ورعيته المورسكيين نهاية سعيدة. فتنفيذاً 
لقرارات مجمع ترنت بغلق الفجوة بين رجال الدين وعامة الناس» كان 
ريبيرا يقضي ثلاثة أشهر: تقريبا من كل عام في التنقل خلال بلنسية ومعه 
(1) لقب شرفي اسم يعبر عن الحتين إلى الإمبراطورية البيزنطية وأهم مدنها أنطاكية؛ التي سقطت 

في عام 1268 أمام السلطان المملوكي الظاهر بيبرس» وألغي اللقب في عام 1964 [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 361 


الدين والدم 

حاشيته من الخدم والمستشارين يقدم الوعظ ويمنح الأسرار المقدسة بنفسه 
في «الأماكن المورسكية» بأبرشيته. كان ريبيرا متفائلا في البداية بإمكانية 
استمالة المورسكيين إلى النصرانية ونفذ بعض المحاولات الإبداعية لبلوغ 
هذا الهدف». وخصص أموالا خاصة لبناء الكنائس المورسكية وتجديدهاء 
ورفع رواتب الكهنة في الأبرشيات المورسكية كي يوقفهم عن ابتزاز 
رعيتهم» وتعاون مع اليسوعيين في برنامج جديد للعمل التبشيري بين 
المورسكيين. 

كانت هذه المبادرات أضعف كثيراً من أن تعوض عقود الإهمال 
التي سبقت وصول ريبيرا. وفي عام 1577: أوقف اليسوعيون حملتهم 
وأعلنوا أن جهودهم لتبشير المورسكبين فشلت في إحداث نتائج إيجابية. 
وكان ريبيرا قد بدأ في استنتاج أن هذه المحاولات محكوم عليها بالفشل» 
وأصبح أكثر انتقاداً للمورسكيين أنفسهم. الذين رأى أنهم كانوا يخدعونه 
في التظاهر بالسعي وراء التعليم الديني» في حين كانوا في الحقيقة غير 
مبالين به. وقد تجلى تغير موقفه في خطبة حول حكاية البذار» قدمها 
لجمهور غالبيته من المورسكيين في شاطبة إبان ذلك العام» قال لرعيته 
فيها إن «البذرة إذا لم تثمر... فليس العيب في البذرة أو البذار» وإنما في 
التربة)[ا. 

ونظراً لكون رئيس أساقفة بلنسية ريبيرا هو الرئيس الروحي للمملكة 
التي كانت تضم أكبر عدد من السكان المسلمين في إسبانياء فقد كان 
شخصية محورية في نقاشات لشبونة عام 1582. وفي رسالة إلى فيليب إبان 
ذلك العام عبّر ريبيرا عن مرارته وخيبة أمله واقترح إبعادا تدريجيا لكل 
المورسكيين عن إسبانيا كأحد الخيارات الممكنة. لكنه أكد: «إننى بفضل 
الله لست مجرداً من الرحمة حتى لا تؤثر هذه الخطوة على روحيء فأنا أعتير 
كثيراً من هؤلاء الناس؛ رعيتي», لكنه مع ذلك رأى أن من الأفضل «أن 


2302 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئلا 1 


6- في الطريق ‏ إى الطرد 


00) 


يذهبوا إلى الأعراف”"» على أن يسمح لكثير من الزنادقة بسب اسم الله)!7!. 

وبعد أن مرر ريبيرا هذه الإمكانية» بدا أنه تراجع عنها وأوصى بأن 
«الخطة الحالية» لتزويد المورسكيين بالتعليم الديني كانت الإجراء الأنسب. 
على أن التزامه بهذا الهدف مسألة غير محسومة. فثمة صورة لريبيرا ترجع 
إلى عام 1607 تُظهر شخصية ورعة ذات لحية بيضاء وعيون سوداء ثاقبة» 
لكن هذه الحيئة اللطيفة تخفى تعصباً دينياً واحتقاراً أرستقراطياً نحو حماعة 
مروبتكنة ل بعدرها الأسقع من الزتادقة والجلافين والرائن تحييتة 
وإنما أطفال بدائيون وأشرار لهم «أرواح قاسية» أيضاً. وكتب ذات مرة أن 
منح الأسرار المقدسة للمورسكيين «يشبه بذر بذور ثمينة بين الصخورء 
أو إعطاء أشياء مقدسة للكلاب. أو نثر اللآلئ أمام خنازير»!ا. 

قد يبدو مفاجتئاً أن هذا الأسقف الذي رأى أن المورسكيين غير 
مؤهلين أخلاقياً للنصرانية» بذل جهداً لتزويدهم بالتعليم الديني أكثر من 
كل أسلافه. وحتى حين كان ريبيرا يدفع في اتجاه الطردء واصل طريق 
التبشير. وكي يجذب كهنة أفضل تأهيلا إلى بلنسية المورسكية» استخدم 
نظام الوظائف الدوّارة في الأبرشيات المورسكية» وكافاً الأبرشيات 
على النتائج الإيجابية. وفي عام 1599 كلف بنشر كتابه #خلاصة لتعليم 
الأندلسيين التَضَرين حديثاً»» وهي خطوة كان أنصار الدمج يطالبون بها 
منذ أعوام. 

لكن لماذا استثمر ريبيرا كل هذا الوقت والجهد في عمل كان يرى أن 
مآله الإخفاق؟ يوجد تفسير لدوافع رتيس الأساقفة في رسالة رعوية كتبها 
في ذلك العام حثٌ فيها الكهنة العاملين في المناطق المورسكية على مواصلة 
«العمل مع أولئك الناسن الذين يمقتوننا»» لكنه طمأنهم مع ذلك على أن 
07 السموس أو الأعراف فى التصراتة عو موطن الأرؤاح اللي ترم مغل النة لقو رياب ار 

كأرواح الأطفال غير المعمدين [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 230 


الدين والدم 

الإخفاق في بلوغ نتائج ملموسة سيكون إيجابياً لإسبانيا «لأن صاحب 
الجلالة... سيطهرها من الكفار»!”!. وهذه بالطبع ليست الرسالة الأكثر 
إهاما وتشجيعاً لبد حلة تبشيرية: تكشفن هذه البيانات أن ريبيرا كان أقل 
اهتراماً بهداية المورسكيين من أن يثبت للملك عدم جدوى هذه الجهود. 
وكان عليه في الوقت نفسه أن ينفذ التزامات الكنيسة بتزويد النصارى 
المعمّدين بالتعليم الديني. وإذا أخفقت هذه المحاولات» وهو ما كان 
ريبيرا يعقتده بالتأكيد» فإن المسؤولية عن هذا الإخفاق ستقع حينها على 
المورسكيين أنفسهم, ما يمكن بذلك من اتخاذ إجراءات جذرية ضدهم. 

كان ريبيرا في ذلك الوقت يعمل جنبا إلى جنب مع الراهب الدومينيكي 
خايمي بليداء الذي كان مستشاره لبلنسية المورسكية. كان بليدا مسؤولا 
سابقاً بمحكمة التفتيش. وكان لقاؤه الأول ببلنسية المورسكية في عام 
5ه حين عيّنه ريبيرا كاهناً للأبرشية المورسكية في كوربيرا 8:ع00:5. 
وقبل أن يتولى هذا المنصب رسمياء قام بليدا بزيارة مفاجئة إلى كنيسة 
الأبرشية» حيث كان الكاهن القديم يقيم القداس. تنكر بليدا في زي 
فرد عادي من الرعية» ودخل في منتصف العشاء الرباني» ولاحظ أن 
المورسكيين يسخرون علناً من العشاء الرباني. تذكر بليدا لاحقاً فقال: 
«لإننى صعقت لما رأيت مخلّصى” يهان بكثير من الأفعال الضلالية» لدرجة 
أنه قار الكنيسة بأداء إيماءة الصليب «دون أن أتحدث مع أحد» وركبت 
حصان وعدت إلى بلنسية» ورميت نفسي عند أقدام رئيس الأساقفة 
المقدس أتوسل إليه بدموع العين أن يعفيني من هذا المنتصب»!9!!. 

رفض البطرك هذا الطلب» وأنتجت مدة خدمة بليدا غير المثمرة في 
كوربيرا بغضاً شديداً لجماعة مورسكية اعتبرها «ذثاباً مفترسة وكلاباً 
ضارية» وكان أفرادها «مولودين والكذب في أفواههم». وزاد بليدا على 
(1) المخلّص- في النصرانية- هو يسوع المسيح [المترجم]. 


204 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


6- في الطريق إلى الطرد 
ريبيرا أن كراهيته للمورسكيين لم تكن تحدها اعتبارات الرحمة أو الإنسانية. 
ورغم تأييد بليدا ا متحمس للطرد فإنه عبّر كثيراً عن أمنيات أكثر تطرفاً 
منها أنه تمنى ذات مرة أن يصاب المورسكيون بالطاعون وهم في طريقهم 
إلى شمال إفريقيا وأن يقتل أهل شمال إفريقيا مزيدا من «الساراكينوس» 
لدى وصوطه”". لم يكن هناك شخص أقوى في دفاعه عن الطرد من هذا 
الراهب المتعصب الذي تضعه كتاباته وجهوده في أقصى الجناح المتطرف 
في نقاش المسألة المورسكية. 
##د 6د د 

كان على بليدا وريبيرا أن ينتظرا وقتاً طويلاً قبل أن يريا اقتراحاته) 
تتحقق على أرض الواقع» ذلك لأن البلاط والحكومة كانا يتشبثان بحل 
بدا دائياً أنه يثير مشكلات لا تقل عن تلك التي أريد به حلها. فقد توقع 
بعض المسؤولين أن الطرد سيزيد صفوف أعداء إسبانيا وأن المورسكيين 
سيكونون أخطر على إسبانيا خارج البلاد منهم بداخلها. وحذّر آخرون 
من النتائج الاقتصادية الكارثية للطرد. وكان هناك أيضا السوّال عما إذا 
كان الطرد يمكن أن ينفذ «بضمير مرتاح» بالمعنى الديني وليس الأخلاقي 
للكلمة. فهل يمكن لدولة نصرانية أن تطرد نصارى معمّدين إلى أراض 
إسلامية «ليصبحوا مغاربة»© مرة أخرى؟ وهل يحق معاقبة الأطفال 
بذنوب آبائهم وطردهم إلى شمال إفريقيا ليصبحوا كفارا؟ لقد نوقشت 
(1) إن وجود هذه الأمنية بأن يقتل مسلمو شمال إفريقيا الأندلسيين لدى وصولهم إلى بلادهم 

من قبل ثلائة عقود من الطرد يعد دليلاً على أن الكتابات الإسبانية حول تعرض الأندلسيين 

للقتل والنهب والاغتصاب في شمال إفريقيا والخطابات التي نسبت إلى أندلسيين مبعدين إلى 

شمال إفريقيا تذم هذه «المجتمعات وتخلفها» وتعبّر عن الشوق إلى (إسبائيا المتحضرة» كانت 

من نوع التفكير بالتمني ع«اعاهنط) انا5طوذ» أو محاولة للتشفي في أعدائهم حتى بعد طردهم؛ 

وبخاصة أن هؤلاء الأعداء خرجوا غالبا في أثناء إبعادهم «خروج المنتصرين» كما سيأتي في 


الفصول التالية [المترجم]. 
(2) الإشارة إلى العرق أو القومية في أمثال هذه المواضع إشارة ضمنية إلى الانتماء الديني [المترجحم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 3095 


الدين والدم 

هذه القضايا طويلاً في أثناء المسألة المورسكية. 

دفع بعض أنصار الطرد. ومنهم ريبيرا نفسهء بأن المورسكيين كانوا 
نصارى من الخارج لكنهم أندلسيون من الداخلء وعلى ذلك فإن إسبانيا 
لا تخون التزاماتها الدينية بإبعادهم إلى شمال إفريقيا. لكن هذه الحجج لم 
تبدد الشكوك حول ما إذا كانت إسبانيا قد فعلت كل ما في وسعها لتوفير 
التعليم الديني للمورسكيين. وكان فيليب الثاني من المعجبين بالكاتب 
الإنساني الإيطالي جيوفانيٍ بوتيرو 80:60 نهمة0107: الذي ذهب إلى أن 
الأمراء النصارى ملزمون بإدخال الكالفينيين والمسلمين في الكاثوليكية. 
وحين تخفق هذه المحاولات فقطء هكذا نصح بوتيرو» يمكن حينها أن 
تفرق هذه الجماعات «أو تنقل إلى بلدان أخرى» أو حتى تذبد!!!!. 

حاول بعض رجال الدين أن يطبقوا هذه المعايير على المورسكيين. 
ففي مايو 1595» نصح عالم اللاهوت خوزيف إستيبان ههناعاوظ امءوول 
أسقف أوريويلة”" الملك ببذل محاولة جديدة لهداية المورسكيين عبر الجمع 
بين التعليم الديني والعزل الصارم وهجمة تشريعية جديدة على «عاداتهم 
الهمجية». وإذا أخفقت هذه السياساتء يكون من حق الملك أن يلجأ 
إلى «إجراءات أكثر صرامة»., لأنه «كما طردت سارة الجارية هاجر من 
بيتها وأراضيها وميراثها... يجب أن يفعل الملوك الشيء نفسه مع الأطفال 
الحاجريين أبناء الجارية» الذين يفسدون ديننا ويسخرون منه)21121. 

لم تنجح هذه الحجج في انتزاع قرار حاسم من الملك. ولم يتمكن 
الكهنة والمسؤولون الذين استشارهم فيليب من حسم المسألة الشائكة 
المتعلقة بأطفال المورسكيين. فمع أنه كان من المتفق عليه عموما من 


(2) اللإشارة إلى قصة النبي إبراهيم وزوجتيه سارة وهاجر في التوراة» التي وردت في حاشية سابقة 


للمترجم [المترجم]. 


306 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


6- في الطريق ‏ إلى الطرد 

حيث المبدأ أن الأطفال الذين لم يبلغوا «سن الرشد» دون عمر العاشرة 
والثانية عشرة يجب أن يبقوا وينشّأوا ككاثوليك. تساءل آخرون عما إذا 
كان هؤ لاء الأطفال قد امتصوا عادات آباتهم ومعتقداتهم لدرجة يصعب 
معها تحويلهم إلى نصارى. 

تفيد قضايا الشرعية من هذا النوع في تفسير الفجوة الطويلة بين 
توصية مجلس الدولة بالطرد في عام 21582 وتنفيذها النهائي بعد ثلاثة 
عقود تقريباً. وكانت الاعتراضات اللاهوتية على الطرد لا أيضاً تشعبات 
سياسية خارج حدود إسبانياء لفت المحلل الاجتتاعي والمحامي الشهير 
مارتن غونثاليث دي سيوريغو أوكندو معنرولاء© عل 60823162 مهتاعة/! 
انتباه الملك إليها في مذكرة «حول جرائم القتل والمخالفات 
والإساءات التي يرتكبها المورسكيون ضد الدين النصراني». ومع ذلك» 
نه سيوريغو إلى أن «بعضهم يطلبون من جلالتك أن تأمر بحرقهم جميعاً 
على هذه الإساءاتء لكنه رفض هذا الخيار لأنه ١لا‏ يليق برحمة جلالتك»» 
ودعا إلى محاولة جديدة لهداية المورسكيين جمعت بين الإكراه الذي تمارسه 
محكمة التفتيش والتبشير. ثم دفع سيوريغو بأن إسبانيا الكاثوليكية إذا 
لم تستطع أن تبشر سكانا مولودين فيهاء فإن الحكام البروتستانت قد 
يستخدمون هذا الإخفاق لتحدي ادعاءات إسبانيا بأنها تمثل ١حقيقة‏ نقية 
وكاملة» نما يقوّض هيبة الملك في أوروبا»!2!!. 

وضعت هذه الحجج كلها أمام حاكم عرف بالحذر والتردد. وعلى 
الرغم من أن فيليب لم يستبعد الطرد بوضوح. فإنه لم يفعل شيئا لتقريب 
حدوثه. بل واصل الاجتماع بلجان الخبراء والوفود الدينية لمناقشة هداية 
المورسكيين. وحتى عام 6»؛ وهو وقت قريب دا من الطرد»ء أقر 
فيليب برنايجاً شاملاً للتعليم الديني في بلنسية باستخدام مبشرين ناطقين 
باللغة العربية ورهبان لحم خبرة في الإنديز نبّه عليهم أن يقدموا الوعظ 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 2367 


الدين والدم 


للمورسكيين بلا «عنف أو طرق قاسية». 

وكا حدث في المحاولات السابقة» ل يحصل هذا البرنامج على التمويل 
أو الموظفين الكفيلين بتعزيز فرصة نجاحه. ففي فبراير 1598» ذكر بيدرو 
دي فرانكوسا إستيبي 851616 42 عل ولء2 سكرتير اللجنة 
المورسكية في بلنسية» التي ترجع إلى أيام شارل الأول وأعيد تفعيلهاء 
أن كبراً من الأديرة التى وعدت سابقآ بإرسال وعاظ إلى الأيرشيات 
المورسكية رفضت الوفاء بذلكء متعللة أن هذه الأبرشيات كانت فقيرة 
جداً لدرجة ستضطر رهبانها إلى قضاء معظم الوقت في إعالة أنفسهم بدلاً 
من الوعظ!4']. وسواء كان فيليب يعتقد حقاً أنه لاتزال هناك إمكانية 
هداية المورسكيين أم كان يريد فحسب أن يُظهر أنه يفي بالتزاماته كملك 
نصراني» فإن القصة كانت مألوفة» إذ تبدأ بالنوايا الطيبة» يليها القصور 
المؤسسي, ولا تقدم شيئاً لتهدئة المتشددين في الكنيسة والحكومة» الذين 
كانوا يطالبون بحلول عاجلة وجذرية. 

عأ عاد عد 

وأنا كانت القوى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الأوسع الدافعة 
للأحداث. فإن الأحداث التاريخية الأكثر وحشية تقرّر غالبا عبر مناقشات 
متروية بين رجال الحكم في غرف اجتماعات مقطوعة الصلة بالنتائج 
الإنسانية لأفعالهم. وتحوي المراسلات الرسمية ومحاضر الاجتماعات 
والسجلات الداخلية المتعلقة بالمسألة المورسكية أمثلة عديدة ناقشت فيها 
أعلى السلطات العلانية والدينية الإسبانية بهدوء وأريحية أبشع الحلول 
وحتى الإبادة الجماعية «للمشكلة» التي كانت تستحوذ عليهم. 

ففي عام 1584» اقترح أحد مسؤولي الملك إبعاد كل المورسكيين 
الغرناطيين في قشتالة إلى محمية" في الأراضى المسطحة المعزولة في 
(1) استخدمت فكرة المحميات كثيراً من الشعوب المقهورة من جانب المستعمرين في العالم - 


208 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


6- في الطريق إ إى الطرد 


ساياغو 581380 بالقرب من نهر دويرة” حيث يمكنهم فيها أن «ينسوا 

الشراسة والفخر اللذين يستمدانههما من انتصاراتهم ضدنا». وفي الثاني 

والعشرين من مايو 1590. ناقش مجلس الدولة إبعاد المورسكيين من 

كل المدن القشتالية الرئيسة» ووضعهم في «قرى وأماكن قليلة الأهمية» 

يقدمون فيها الجزية السنوية من المجدفين للقواديس الملكية. وفي فبراير 

9» اشتملت مذكرة لمجلس الدولة على عدد من الخيارات الممكنة 

الخامسة عشرة والستين لتفريقهم إلى أعداد صغيرة في أنحاء إسبانيا كافة» 

بالموت الطبيعي أو المدني»» أو «النفي الدائم» باستثناء الأطفال دون 

عمر السادسة والسابعة الذين يقدمون لمعاهد نصرانية تموّل عن طريق 
بيع ممتلكات المورسكبين «الميتين أو المبعدين»51'!. وكان من المقترحات 
الأخرى إرسال المورسكيين إلى إفريقيا غير الإسلامية بدلا من شمال 
إفريقيا حتى لا تتهم إسبانيا بأنبا سمحت بتحويلهم إلى كفار» أو الحكم 
على كل الرجال المورسكيين بين عمر الخامسة عشر والستين بالعمل 
في المناجم والسفنء ولا يُترك إلا النساء والأطفال والمسنونء أو تنفيذ 
مذبحة جماعية بحق السكان المورسكيين جميعاً على غرار العقاب الذي 

أنزل بثورة صقلية في القرن الثالث عشر المعروفة بالنواقيس الصقلية©. 

- الجديد وأماكن أخرى, على أن الاسم مضلل لأن المقصود بها لم يكن حمايتهم؛ فهم ليسوا 
أنواعاً نباتية أو حيوانية معرضة للانقراضء وإنما قصد بها عزلهم وإقصاؤهم إلى أن ينقرضوا 
بعيداً عن المجتمع «المتحضر» [المترجم]. 

(1) م#عناط في اللغات الأوروبية [المترجم]. 

(2) النواقيس أو صلاة الغروب الصقلية اسم أعطي للثورة التي اندلعت على جزيرة صقلية ضد 
حكم الملك الفرنسي الكابيتيني شارل الأول الذي حكم مملكة صقلية بداية من عام 1266 بعد 
حرب شتتها البابوية لخلع خلفه مانفريد. فقدت فيها الحكومة السيطرة على الجزيرة» وذبح 
الثوار في ستة أسابيع ثلاثة آلاف فرنسي وفرنسية» وكانت البداية الحرب النواقيس أو - 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 399 


الدين والدم 

وكان من المقترحات الأولى خلال مداولات مجلس الدولة في لشبونة في 
عامي 1582-1581» التي عاودت الظهور على السطح لاحقاً في مناقشات 
رسمية أخرى» شحن السكان المورسكيين جميعهم على سفن بلا أشرعة 
تؤخذ إلى البحر ثم تخرق لإغراق ركابها. ففي مذكرة طويلة إلى فيليب في 
الثلاثين من يوليو 1597» اقترح أسقف سقوربة مارتن دي سالبتيرة”" نقل 
المورسكيين إلى كيب كود 00© 3886© ونيو فند لند 001200ئا7160/10 بأمريكاء 
النتيجة التي اقترح الأنققن ا ا خضي الزجال" وتعقيم 
النساء)61لا. 

لم تكن هذه المرة الوحيدة التي طرحت فيها فكرة الإخصاء الجماعي. 
ويبدو أن هذه الإمكانية كانت معروفة جيداً حيث ظهرت ف إدانة محكمة 
التفتيش من جانب المنفي التونسي» الذي ذكر أن «بعضهم قال إننا سنقتل 
جميعاًء وقال آخرون إننا سنخصىء وقال غيرهم إنه ستوضع لنا كريات 
من النار في ذلك الجزء من جسمناء كي لا نستطيع أن ننجب بعدها»'”'". 
ومن غير المعروف مم كانت تتكون هذه «الكريات من النار»» لكن لا 
توجد أدلة على أن مسؤولي فيليب شعروا بأي نوع من وخز الضمير نحو 
مثل هذه الطرق. 
- صلاة الغروب الصقلية التي سميت بتوقيت انطلاق الثورة في عشية عيد الفصح في الثلائين 

من مارس 1282 مع دق نواقيس صلاة الغروب» بسبب الضرائب العالية وبتحريض من 

الإمبراطور البيزنطي ميخائيل باليولوجسء الذي كان شارل ينوي غزو أراضيه. 00 

في السيطرة على الجزيرة والتمسوا من البايا أن يمنحهم وضعية الكوميونة الحرة» لكنه رفض» 

ا و ا 0 

دون موافقة البابا الذي غير تحالفاته.ممنح المملكة لشارل ابن أخي الملك شارل المخلوع؛ وبارك 

حربه على بدرو لانتزاع المملكة» لكن حملة شارل فشلت؛ وعقدت معاهدة أقرت فريدريك 

ابن بيدرو ملكا لصقلية أقرها البابا بعد أن دفع فريدريك جزية للبابا [المترجم]. 
(1) دسعناة1ة5 عل متامهل8 في اللغات الأوروبية [المترجم]. 


2400 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


6- في الطريق . إى الطرد 

وكا هي الحال دائأء كانت هذه التخيلات الجاحة للإبادة ممكنة 
ويسيرة بفضل اللغة الاستعلائية المستخدمة من جانب هؤلاء المسؤولين 
الذين جردوا المورسكيين من خصائصهم الإنسانية» وكانوا يشيرون 
إليهم أنهم همج وخنازير وزنادقة وكفار يجب أن ١يمسحوا»‏ أو «يبادوا». 
وكان المسؤولون الإسبان يرددون كثيرا الصورة التي استخدمتها الكنيسة 
لنعت الهرطقة في وصفهم للمورسكيين بأنهم عضو أو طرف مريض يجب 
بتره لمنع العدوى من الانتشار عبر جسد المجتمع الإسباني. 

فقد مكنت هذه اللغة رجال الدولة ورجال الدينء الذين ناقشوا المسألة 
المورسكية من طرح أكثر الإمكانات وحشية بهدوء ورصانة. صحيح أن 
مقترحات الإبادة من هذا النوع لم تنفذ» لكنها مع ذلك خفضت عتبة ما 
كان مقبولًء وجعلت إبعاد المورسكيين يبدو بديلاً أرحم كثيراً من القتل 
الجماعي» ولذلك فإنه بحلول عام 1597» قال أسقف سقوربة الجديد 
لفيليب إن خيارات التعامل مع المورسكيين «يمكن اختصارها في اثنين: 
التعليم أو الطرد)!ة!]. 

# عند عند 

كانت الإمكانية الأخيرة- الطرد- تفترض دائياً أن المورسكيين 
سيظلون جميعاً معادين للنصرانية بحزم» وهي فرضية لم يُشكك فيها كثيراً 
في نقاش المسألة المورسكية. وكانت الوثائق الرسمية بهذه الفترة تردد 
الاتهام الشديد «كلهم واحد» لوصف المورسكيين» ويبدو أن الحكومة 
الإسبانية قد أخذت هذا التصوير مأخذ المسلات. وتكررت صورة 
إسبانيا المورسكية نفسها عند المؤرخين الذين أقروا الطرد مثل الكاهن 
البلنبي باسكوال بورونات باراشينا همتطعدسصد8 :802023 1قنادقةط. قفي 
كتابه المليء بالوثائق التي تبرر الطرد: «المورسكيون الإسبان وطردهم» 
(1901)» يشير بورونات مراراً وتكراراً إلى فشل الدمج» ويشدد على 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 401 


الدين والدم 

أن المورسكبين كانوا غير مؤهلين للنصرانية وغير جديرين بها في تقييم 
مجحف لإسبانيا المورسكية كرر وجهات نظر أستاذه خوان دي ريبيرا. 
وحتى مؤرخ محنك وإنساني مثل فيردناند برودل ١‏ يقر الطردء كتب 
أن المورسكيين «ظلوا غير قابلين للاندماج»» و«ارفضوا قبول الحضارة 
الغربية» في وقت إبعادهم!''. 

يقدم بورونات وبرودل الطرد إما كرد مبرر أو رد مأساوي عنيف 
على عناد المورسكيين» حتى إنهم| يعيدان إنتاج الصورة أحادية الجانب 
لإسبانيا المورسكية. التى اتخذها مسؤولو القرن السادس عشر والمراقبون 
الأجانب مأخذ المسلمات. ففي عام 1595 لاحظ السفير البندقي 
فرانئيسكو بيندرامينو ومنتصعلمء/؟ مءواءمهء1 أنه «في كل ممالك إسبانيا 
توجد أنواع مختلفة من الناس الساخطين على الحكومة»» ووضع على رأس 
القائمة «الأندلسيين الذين أكرهوا على الدين النصراني وأجبروا بالعنف 
على العيش في ذلك الدين وشعروا بحنق شديد نحوه)!20. ولااشك في 
أن يرا من المورسكيين كانوا يشعرون فعلا ببذا فالقتق الغديدة» وراد 
نفورهم بسبب إكراههم على النصرانية. لكن بعد قرن تقريبا من تنصيرهم 
الأولي» كانت مواقف المورسكيين نحو النصرانية أكثر تنوعاً وتعقيداً مما 
كان يبدو. 

ففى ذلك الوقت كان المسلمون الأكثر التزاماً يعيشون في بيئة إسلامية 
اجتازت تغييرات جذرية عما كانت عليه عند تنصيرهم الأولي. وكان 
معظم المورسكيين في نهاية القرن السادس عشر يظلون لأعوام مقطوعي 
الصلة بالعالم الإسلامي البعيد عن جماعاتهم المباشرة. وقليلون منهم 
كانوا يحضرون إلى مسجد أو مدرسة دينية» وحتى أكثرهم التزاما كانوا 
مضطرين في غالب الأحيان إلى ممارسة نسخة مجتزأة ومرتجلة من الإسلام 
بفعل الظروف الصعبة التي وجدوا أنفسهم فيها. وفي عام 21583 لاحظت 


402 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


6- في الطريق إ إى الطرد 

محكمة التفتيش البلنسية نفسها أن بعض طقوس الدفن الإسلامية» التي 
كانت تحاول منعها لم تكن تنفق مع التقاليد الإسلامية» وإنما كانت تتألف 
من «طقوس أدخلوها فيا بينهم». وإذا كان بعض المورسكيين قد وجد 
إلهاماً أخلافيا وروحياً في هذه التقاليد المحطمة وواصل رفض النصرانية» 
فهناك آخرون عجزوا عن الاختيار بين الإسلام والكاثوليكية وتأرجحوا 
أحياناً بين الاثنين. هناك أيضاً مورسكيون أديخوا عناصر من الدينين في 
حياتهم اليوميةء مثل فرانئيسكا سباستيان 38فكة56 502نهم1::3 المورسكية 
من تيروال وابنة أب مورسكي وأم نصرانية قديمة» التي كانت تصلٍ 
بانتظام وتتلقى العشاء الرباني» لكن محكمة التفتيش اعتقلتها لأنها كانت 
تقدم تبرعات منتظمة للفقراء المحليين؛ إعمالا للتقليد الإسلامي المعروف 
بالزكاة. 

وني المقابل طور مورسكيون آخرون ارتباطاً صادقاً بالكاثوليكية. 
ففي غرناطة» كان المورسكيون يقتلون بسبب رفضهم التخلٍ عن دينهم 
الجديد. وني أماكن أخرى بإسبانياء كان المورسكيون يذهبون إلى القداس» 
ويسمعون الاعتراف. ويفعلون كل شيء يلزمهم به دينهم الجديد. ففي 
أبرشية إلدفونسو 110610050 بالقرب من بلد الوليد. أوصى مورسكي 
غني يدعى لوكاس دي مولينا 48 هل 5تعنانآ بأن يدفن في كنيسته 
المحلية» وأن توضع صورتان دينيتان و«ورقة كبيرة بآلام المسيح» في 
تابوته. وطلبت مورسكية من الأبرشية نفسها أن تدفن تحت صف المقاعد 
الأول بالكنيسة نفسها كي تكون قريبة من المذبح» وهو الطلب الذي لبي 
لهاا'ةأ. وحتى في بلنسية» ورغم بيانات ريبيراء كان هناك مورسكيون 
أظهروا التزاماً حقيقيا بالنصرانية. ففي عام 1582» أرسل وفد من 
المورسكيين البلنسيين نمثلا نصرانياء هو الكونت مالدونادو 8/121002200» 
إلى البلاط ليؤكد ولاءهم للملك ويناشده أن يوفر لهم تعليياً نصرانياً. 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 403 


الدين والدم 

وفي عام 21594 ذكر نائب الملك في بلنسية لفيليب أن خريجاً مورسكياً 
من المدرسة المورسكية الملكية يدعى خوان نادال 213031 هون كان «يُظهر 
علامات النصراني الجيد والمستقيم» و«يأخذ مقررات في علم اللاهوت». 

على أنه لا سبيل أمامنا لمعرفة عدد المورسكيين الذين اجتازوا هذا 
التحول الحقيقيء لأن كثيرين منهم لم يكن لديهم ما يبرر إعلان أصوهم 
الإسلامية للعالم. وعلى كل فإن هذه الاستجابات المختلفة تكشف أن 
المورسكيين لم يكونوا قابلين للاندماج ضمن القيود الشديدة المفروضة 
عليهم فحسبء بل تكشف أيضاً أن تنصيرهم القسري لم يكن عديم 
الجدوى كلياً. ويمكتنا أن نتخيل ما كان يمكن أن يحدث لو أن هذه 
العملية أعطيت وقتاً أطول. وقد ظل فيليب حتى نهاية حياته يفضل 
الدمج» وإن كان بتراخ» لكن من غير الواضح ما إذا كان الرجل قد اعتقد 
فعلاً أن هذه الجهود يمكن أن تنجح أم أنه كان متردداً فحسب في إقرار 
الحلول الصارمة؛ التي كانت تعرض عليه. 

وفي العقد الأخير من القرن» واصلت أصوات قوية داخل الكنيسة 
والدولة الدفع بأن المورسكيين قد أعطوا وقتاً أكثر ما يستحقون وأن أي 
جهود أخرى للتبشير بينهم كانت بلا جدوى. ورا كان فيليب يشاركهم 
هذا الرأي» لكنه حتى لو كان كذلكء. فإنه لم يكن راغبا في التصرف بناء على 
هذا الرأي. وفي عام 1598» اشتد عليه المرض»ء واعتزل في مختلاه الرهباني 
في قصر الإسكوريال يصارع الحمى والتهاب المفاصل وداء الاستسقاء. 
وعلى مدار ثلاثة وحمسين يوماء تحمل الملك. الذي حيّاه الكاتب الإيطالي 
توماسو كامبانيلا 112ءمدصصة© مكةتصدده؟ بأنه آخر إمبراطور عالمى» 
يعتحبل يضر تحللا ردنا مولا قبل أن يلفظ اتقاته الأخيرة ق العالت عشر 
من سبتمبر عن واحد وسبعين عاماً. وفي حين لف البلاد الحداد» انتقلت 
الآمال بالحل الحاسم للمسألة المورسكية إلى وريثه. 


404 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


17 
«خطروشيك» 


)1609-1598( 


حتى أبشع المآسي التاريخية وأخطرها يدفعها أحياناً أفراد عاديون 
وتافهون» ومن الأمثلة الساطعة على ذلكء. فيليب الثالث (1578- 
1 ؛ ذلك الحاكم الذي أشرف على نباية إسبانيا الإسلامية. تقول 
أسطورة انتشرت بعد الطرد أنه في يوم مولده حذّر كاهن يدعى الأب 
بركاش ١/7835‏ رعيته المورسكية قائلاً: (إذا رفضتم أن تستأصلوا هذا 
الدين الملعرن من قلوبكمء فاعلموا أن أميرا قد ولد في قشتالة سيطردكم 
من إسبانيا». لكن هذا القدر الرائع لفيليب الابن لم يكن واضحاً لأبيه 
الذي اشتكى ذات مرة إلى أحد أفراد حاشيته من «أن الله أعطاني كثيرا 
من المالك» لكن حرمنى من ابن قادر على حكمها». وقد اتفقت الأجيال 
العالية عل هذا التقريم السلبي. فشخضية فيليب الضعيف جسدياً وغير 
المميو عقليا كانت جوفاء تام مقارنة بأسلافه الكاري مين والأقوياء. 
وكانت أبرز سمة فيه هي ورعه الشديد الذي أكسبه لقب القديس 
الصغير هانامة؟ 81 بين رعاياه. واجتمع فيه هذا الحماس الديني مع ولع 
بالجوانب العابثة لحياة البلاط. ومع أنه كان يكرس ثلاث ساعات يوميا 
تقريبا للصلاة والعبادات الدينية» فقد كان يحب التمثيليات والعروض 


405 
1_طماع !© :161 ]أللا 1 


الدين والدم 


المسرحية والموسيقى وألعاب الورق ومباريات المبارزة» وقبل كل شيء 
الصيد البري الذي كان ينغمس فيه كلما سمحت ظروفه. 

وفي عهده تميزت حياة البلاط الإسباني بتألق جديد وتبذير تفاخري. 
كان يقف على طرف النقيض من اعتدال أبيه. وتمتلئ الأوصاف المعاصرة 
لبلاط فيليب بحملات الصيد والاستقبالات المدنية وعروض الألعاب 
النارية وأنوار الزينة الليلية والمآدبء مثل الوليمة الفاخرة التي قدمت 
للبلاط في قصر الدوق أوسيدا 11002 في عام 1611» التي قدم فيها ستمائة 
طبق وانمالت على الحاشية الملكية الحدايا الذهبية والفضية والمجوهرات 
والماء المعطر. 

يرتبط عهد فيليب بشدة بمعلمه السابق فرانئيسكو غوميث دي 
ساندوبال روخاس كهزه1! له530007 عل 06562 ودواعهقء1 مركيز دانية 
(من 1625-1552 تقريباً) المعروف عموماً باللقب الذي منحه فيليب 
إياه: الدوق ليرما. وليرما الذي كان يكبر فيليب بخمس وعشرين عاماً 
كان المستشار المقرب لفيليب ورئيس وزرائه الفعلي» وكان تجسيداً للميل 
الجديد لدى الملوك الأوروبيين لتفويض سلطتهم لأفراد مؤتمنين أو 
«محاسيب)»2. وهو منصب كان يعرف في إسبانيا باسم البريبادو 10800:م 
أو الباليدو 781100. 

م يبلغ أحد من معاصري ليرما القوة والمكانة التي بلغها في عهد فيليب 
الثالث. ومع أن ليرما لم يحضر سوى اثنتين وعشرين جلسة من اجتماعات 
مجلس الدولة التي فاقت السبعائة جلسة في عهد فيليب. فإن القرارات 
المهمة لم تكن تتخذ دون معرفة «الدوق» أو موافقته. ويتجبى صعوده في 
لوحة للرسام بيتر بول روبينث 55ءطناء1 اده :عاء2 في عام 1603 تصوّر 
ليرما راكباً على فرس أبيض» وهو وضع عسكري بطولي كان يخصص 
عادة للحكام وليس لمستشاريهم. وكان المصدر الرئيس لقوة ليرما هو 


406 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


7- «رخطر وشيك» (1609-1598) 

إدارته الحاذقة للعائلة الملكية عبر منصب صاحب الخيل”2©. أعطى هذا 
المنصب لليرما قرباً لا نظير له من الملك؛ ومكنه من نسج شبكة معقدة 
من المحاسيب وتعيين أصدقائه وحلفائه وأفراد عائلته بالمناصب الرئيسة 
في البلاط والحكومة. وكان ليرما مراوغاً شديد الذكاء وساحراً في 
شخصيته. مع ميل إلى نوبات منهكة من الكآبة» وكان فوق ذلك كله 
فاسداً وجشعاً جداً. فليرما الذي ولد في عائلة أرستقراطية معدومة 
نسبيأء استخدم نفوذه في البلاط لتكوين ثروة ضخمة حار معاصروه في 
أضنلها: 

استخدم ليرما ثروته في تأسيس أديرة ومؤسسات دينية» وفي رعاية 
الفنانين والكتاب من أمثال ثيرفانتس ولوب دي بيغاء وأيضا في تجديد 
وبناء القصور وبيوت الصيد الريفية لاستضافة الملك. وكانت ضياعه 
الفسيحة على ضفتي نهر بسويرغا هعمداةة2 في بلد الوليد كبيرة لدرجة أنها 
كانت تضم قصراً ومعتزلاً دينياً وبحيرة صناعية بها أسماك زينة وسهلاً 
مفتوحا كان ليرما ينظم فيه معارك وهمية ومصارعة ثيران ومباريات 
مثاقفة للعائلة المالكة والبلاط. كان هذا الكرم مكوناً أساسياً في العلاقة 
الشخصية والسياسية بين الملك ومستشاره المقرب. فرغم شهرة فيليب 
بأنه حاكم كسول وغير منخرط في عمل الحكومة» فإن شؤون الدولة 
كانت تناقش عادة في هذه الاجتماعات الخاصة في بيوت الصيد الريفية 
والبيوت الصيفية في أرانخويث #عنازههءة والباردو 0مه2 51 ولابينتوسيا 
148 هه ]]. وقد صعب هذا التداخل بين الخناص والعام على المؤرخين 
التثبت من عملية صنع قرار الطرد أو الدور الذي لعبه أبطاله الأساسيون. 


(1) صاحب الخيل 20256 16 04 7035167 منصب في الملكيات الأوروبية يعادل الوزير كان معنياً 
بإدارة شوؤون الأسرة الحاكمة؛ كان في إنجلترا يعتني بالخيول والكلاب الملكية؛ وكان في إسبانيا 
يدبر الرحلات والإسطبلات ورحلات الصيد الملكية [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 407 


الدين والدم 


تأثرت معاملة فيليب للمورسكيين كثيراً بزوجته المتدينة المتزمتة 
مارغريت النمساوية”” (1611-1584). لكن على خلاف ليرماء لم تكن 
مارغريت تحضر اجتماعات مجلس الدولة أو تصدر أوامر من نفسهاء ولا 
يظهر اسمها على أي وثائق تتعلق بالطرد. ومع ذلك فقد أثنى الكاهن 
القونكي ومؤرخ البلاط الأب لويس بالتاسار بورينو عهكةغ[82 دنآ 
50 لاحقا على «الإصرار الكبير» من جانب الملكة الذي جعل الطرد 
ممكناً. وفي جنازتها في عام 1611, حيّا الراهب الغرناطي خوان غالفانو 
0 1138 مارغريت أيضا على «حقدها المقدس» على المورسكيين» 
وادعى أن الطرد يرجع «بالدرجة الأولى... إلى مليكتنا الأكثر صفاء»!!!. 

لم يكن «الحقد المقدس» على الإسلام غريباً على أميرة ناطقة بالألمانية 
من النمسا ال هابسبورغية» التي شكل العثانيون تهديدا متواصلا لها منذ 
أوائل القرن الخامس عشر. وبالنسبة إلى كل من مارغريت وفيليب» فقد 
جرى لقاؤهما الأول بإسبانيا المورسكية في بلنسية في يناير 1599» حين 
وصلت الأميرة ابئة الرابعة عشر في سفينة من أجل زواجها المتفق عليه 
مع فيليب الذي لم تره من قبل. كان رئيس الأساقفة ريبيرا في استقبال 
الأميرة» وهو الذي أجرى مراسم القران وأشرف على الاحتفالات 
المدنية المتقنة التي نظمت على شرفها. وبعد ذلك استضيف الزوج الملكي 
في ضياع ليرما في دانية بمصارعة الثيران ومعارك بحرية وبرية صورية 


(1) لاحظ أن دول الجوار الإسلامي (التي تحاور دولاً إسلامية ودخلت معها في صراع لكنها لا 
تضم جماعات مسلمة) ودول التخوم (التي تجاور دولا إسلامية ودخلت معها في صراع 
وتضم جماعات مسلمة) كانت الأشد عداء للإسلام والمسلمين بسبب حروبها الكثيرة مع 
المسلمين والتهديد المستمر لدولهم من جانب المسلمين ممثلاً في الحروب والغزو والحصارء 
واجتماع مارغريت النمساوية (دولة جوار إسلامي) مع فيليب الإسباني (دولة جوار وتخوم) 
لا بد أنه عرّز كراهية المسلمين لدى الطرفين وقرّب حلا متطرفاً مثل طرد الأندلسيين 
[المترجم]. 


408 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


7- ررخطر وشيك) (1609-1598) 
وعروض مسرحية؛ ومنها مسرحية كتبها لوبي دي بيغا لهذا الغرض 
خصيصاً. قضى فيليب عشرة أشهر في بلنسية وأراغون مع مليكته» تبادل 
خلانها عدداً من الرسائل حول المسألة المورسكية مع ريبيرا. وقابل أيضاً 
مستشار رئيس الأساقفة خايمي بليدا. وبحضور ياغو”" الموجود دائاً في 
المأساة المورسكية» اكتمل فريق الممثلين الذين سيلعبون الدور الحاسم في 
الإنباء الوحشي لهذه المسألة بعد عقد من الزمان. 
باينا 

تزامنت الأعوام الأولى من عهد فيليب بتغيير في السياسة الخارجية 
الإسبانية أسهم في تقريب تلك الخاتمة النهائية. ففي عام 21598 وقع 
فيليب الثاني قبل موته بوقت قصير اتفاقية السلام المعروفة باسم فيرفينز 
95 مع فرنساء التي مكنت ابنه من توقيع سلسلة من المعاهدات مع 
أعداء إسبانيا في شمال أوروبا. وقد قُصد بالتأكيد الجديد على الدبلوماسية 
إعطاء سكان إسبانيا المنهكين هدنة لالتقاط الأنفاس بعد أكثر من عقدين 
من الحروب المتواصلة تأكدت فيها نقائص القوة ال هابسبورغية أكثر من 
أي وقت مضى. ففي عام 1601» انتهت الحملة الإسبانية لمساعدة الثوار 
الكاثوليك الأيرلنديين ضد إنجلترا نهاية مذلة» حين غرقت سفن إسبانيا 
في عاصفة وتعرض الناجون منها للقتل والأسر. ووقعت كارثة أكبر في 
ذلك العام نفسه حين هاجم أسطول إسباني الجزائر» وغرقت عشرات 
السفن حتى قبل أن تصل ساحل شمال إفريقيا. 

وفي وقت كان الجيش الإسباني في منطقة الفلاندر يترنح فيه على حافة 
التفكك وعجزت الخزانة عن تمويل الالتزامات العسكرية في أماكن 


(1) ياغو 1880 هو زوج إميليا وخادم ديدمونة زوجة عطيل في مسرحية شكسبير والخصم الرئيسي 
للبطل عطيل (يسمى عطيل أيضاأ «المغربي») الذي يكرهه ويدبر لتدميره بخداعه بأن زوجته 
تخونه مع تابعه كاسيو. وتشبيه خايمي بليدا بياغو يحمل مضامين كراهية الأندلسيين والمغاربة 
والتدبير لتدميرهم [المترجم]. 


_طماع !© :11 ]آنل 1 409 


الدين والدم 

أخرى» وقعت إسبانيا في عام 1604 معاهدة مع ملك إنجلترا جيمس 
الأول. وبعد ثلاثة أعوام» بدأت مفاوضات الهدنة مع زعماء الثوار 
المولنديين بتحريض من ليرماء رغم المعارضة القوية من المتشددينء 
الذين رفضوا أي مساومة مع «الثوار والزنادقة». وتزامن مع هذا التراجع 
العسكري تدهور في الحالة الاجتماعية والاقتصادية داخل إسبانيا نفسها. 
فرغم الاستهلاك البذخي من جانب البلاط والطبقة الأرستقراطية» 
شهدت فترة أوائل القرن السابع عشر ضيقا اجتماعيا شديدا لمعظم سكان 
إسبانيا. فكانت أعوام من الجوع والمجاعات والحصاد السيىئ وارتفاع 
الأسعار وزيادة الضرائبء. عاش فيها كثير من الإسبان الفقره وغاصت 
فيها المجالس البلدية بالمتشردين والمحاربين القدامى المعاقين أو العاطلين 
الذين ل يكن لدى كثيرين منهم وسائل للتعيّش. وبين عامي 1599 و1600» 
تفشى الطاعون الدبلٍ في نوبة مدمرة بإسبانياء وقتل ما يقدر بستمائة ألف 
حص 

كثيرا ما يصاحب فترات الأزمات الاجتماعية من هذا النوع البحث 
عن كبش فداء» وإسبانيا القرن السابع عشر لم تكن استثناء لتلك القاعدة. 
ففي قشتالة التي كان الطاعون على أشده فيهاء جعل معدل الوفيات العالي 
المخاوف من نمو السكان المورسكيين أكثر قابلية للتصديق. وفي بلنسية» 
تزامنت المخاوف من ثورة مورسكية مع اهيار عام للقانون والنظام؛ وكان 
الكهنة وحتى الأطفال المراهقون يدانون بالاعتداءات» وأحيانا بالقتل في 
نزاعات تافهة» وكان اكتشاف الجثث في الشوارع أمراً روتينياً. فابمجرد 
أن يدخل الليل» لا تستطيع أن تخرج من بيتك في بلنسية دون ترس ودرع 
واق» لأن جرائم القتل منتشرة في كل بلدات إسبانيا ومدنها»» هكذا كتب 
الرحالة الفرنسي بارتليمي جولي 101 زتها 6كطاءد8 في عام 1603 [2]. 

أرجع جولي انتشار جرائم القتل إلى مناخ بلنسية» لكن السكان 


410 1_طماع1© :21 ]آئلا 1 


7- «اخطر وشيك) (1609-1598) 

النصارى كانوا يرون الفوضى وقطع الطرق غالباً من الأفعال الخاصة 
بالمورسكيين. وبين عامى 1602 و1604 عمل خوان دي ريبيرا نائبا 
للملك ببلنسية» وحاول استعادة سلطة التاج باتباع نظام قاس يقوم على 
الإعدام والجلد وحظر ألعاب المخاطرة وحيازة الأسلحة, لكن لم تحقق 
هذه الجهود نجاحا كبيرا. وكان من علامات العلاقة المتوترة بين رجال 
الدين البلنسيين والمورسكيين أن ريبيرا طلب استثناء الكهنة المعينين 
في الأبرشيات المورسكية من حظر حيازة المسدسات ذات قفل الأمان 
]نا » على أساس أنهم كانوا يحتاجون هذه الأسلحة لحاية أنفسهم» 
حتى وهم يقيمون القداس. 

تميزت هذه الأعوام أيضاً باستمرار الغارات على البلدات الساحلية 
والسفن الإسبانية من جانب القراصنة المسلمين وسفن القراصنة 
النصرانيين» التي سُرّحت من الحرب بموجب الهدنة البروتستائتية- 
الكانوليكية» لكنها واصلت نشاطاتها لخسابها الخاص» وكائت تنطلق 
كثيراً من موانئ شمال إفريقيا نفسها. وأدى عجز إسبانيا عن منع هذه 
الهجمات إلى تكثيف القلق الرسمي من الشائعات حول الاتصالات 
التحريضية بين المورسكيين الأراغونيين والبروتستانت الفرنسيين 
والتقارير حول الوفود المورسكية إلى القسطنطينية وفاسء ورغبة الجزائر 
في دعم ثورة قادمة. وى) هي ال حال دائمأء فلطالما كانت هذه التقارير غير 
موثوقة أو معقولة. ففي عام 21602 ذكر تقرير لمحكمة التفتيش أن مجموعة 
من المورسكيين البلنسيين زاروا ملك فرنسا هنري الرابع المعادي لإسبانيا 
ووعدوه بمساندة نحو مئة ألف مسلح مورسكي ويهودي وكائثوليكي 
ساخط إن هو غزا إسبانيا. 

بالغ المورسكيون في هذه الأرقام بالتأكيد, إن لم تكن المبالغة قد جاءت 
من محكمة التفتيش نفسهاء ولم يكن لدى هنري أي نية للاستجابة إلى 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 411 


الدين والدم 

دعوتهم. وثمة مؤامرات وهمية لا تقل شططأ كانت تُذكّر دائياً كدليل 
على «الخطر الوشيك»». الذي كان المورسكيون يشكلونه على الدولة. وفي 
سبتمبر 1602 حذّر راهب قطلوني يدعى سباستيان نيد 
كاعم عل ليرما من أن المورسكيين في بلنسية قد نظموا أنفسهم فعلاً في 
سرايا سرّية» وأخذوا يشاركون في تدريبات عسكرية ترقباً «للأسطول 
المغربي»» الذي كان على وشك غزو إسبانيا. وكالعادة لم تُقَدَم أدلة تؤيد 
هذه الادعاءات» ولم تقع الثورة أو الاحتلال المغربي. لكن ثمة اتصاللات 
أخرى كانت صحيحة بالتأكيد. ففي عام 21604 سلمت الحكومة 
الإنجليزية كبادرة على حسن النية» وثائق داخلية إلى إسبانيا كشفت عن 
حدوث محادثات بين المورسكيين في أراغون والدوق دي لا فورس عابا1 
0:0 12 ع0 حاكم بيرن» حول إمكانية الثورة بمساندة بيرنية. 

لم تكشف هذه الوثائق ما إذا كانت قد أجريت محاولات لتحقيق 
هذه التطلعات على أرض الواقعء لكنها فاقمت الشكوك الرسمية في 
المورسكيين» في وقت كان التاج الهابسبورغي الإسبانن فيه قد شرع في 
محاولة مؤقتة لبعث الجهاد ضد الإسلام في البحر الأبيض المتوسط. فقد 
كانت حملة الجزائر الفاشلة» وتورط إسبانيا المتزايد في الحروب الداخلية 
على السلطة في المغرب من نتائج توجه إستراتيجي جديد دُمج دوماً مع 
التطلعات الصليبية القديمة. ففي الرابع والعشرين من ديسمير 1603».. 
تعرف امنججم نصراني» بلسي يدعى فرانثيسكو نافارو 10ة2]37 مع5اءم 12 
على هيئة تنجيمية نادرة تُعرّف بالاقتران العظيم ادم أمعرع 
فسرها على أنها إشارة إلى الدمار التالي للإسلام» الذي سيقود فيه فيليب 
الثالث جيشاً من الإسبان «الذين ولدوا تحت كوكبة القوس والرامي)©. 
لاستعادة أورشليم» ويكون ذلك فاتحة لآخر الزمان. 
(1) كناية عن الاصطفاء الإلهي نهم والقدر المناط بهم [المترجم]. 


412 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


7- «رخطر وشيك)») (1609-1598) 

وفي أوائل القرن السابع عشرء وردت تنبؤات ممائلة في عدد من 
النبوءات الدينية عرفت باسم «التكهنات) 5م0205016:م. وأرجعت بعض 
النصوص الهزائم العسكرية الأخيرة لإسبانيا إلى غضب الله من استمرار 
وجود الكفار على أراضيهاء وتنبأت بتحول مذهل في حظوظ إسبانيا إذا 
اننتاضلت الوؤرسكين امو آراضها: وير اث الال داناء تظلف هذه 
التنبؤات عادة بالطوالع والنذر. ففي عام 1600, سُّمع جرس الكنيسة 
الأسطورية في بلدة بليا 12اذاء/ا في أراغون يدق دون تدخل بشري. وهي 
معجزة متكررة كان يعتقد أنها تبشر بأحداث عظيمة» ورأى فيها بعض 
الإسبان علامة أخرى على قرب طرد المورسكيين. وكانت بلنسية كالعادة 
أكثر عرضة هذه الظواهرء فامتلأت الأعوام الأولى من القرن بتقارير 
عن زلازل مدمرة» وعواصف ثلجية تقصف بقطع من الثلج في حجم 
بيضة الدجاجة» ومشاهدة «سحابة ملطخة بالدم» رأى داميان فونسيكا 
أنها تعبير عن «إرادة ألله بأن يُرمى المورسكيون خارج إسبانياء ولو لزم 
الأمر بالدم والنار». وفي حادئة أخرى» وصف فونسيكا كيف اجتثت 
اازوبعة1 ضخمة سبعائة شجرة قبل أن تنتزع مورسكيين كافرين إلى 
أعلى في ا هواء وتقذفهم فتقتلهم. وفي هذا المناخ المطبوع بالأزمة والكساد 
وترقب الألفية السعيدة» أخذت المسألة المورسكية تتصاعد على الأجندة 
الرسمية» واقترب حكام إسبانيا كثيراً من العلاج المتطرفء الذي قاومه 
أسلافهم. 

جد عد ع 

كان فيليب ووزراؤه يتلقون منذ الأعوام الأولى لعهده سيلاً من التقارير 
والمذكرات وأوراق الرأئي حول المشكلة المورسكية. وفي مارس 1600؛ 
أوصى رئيس محكمة التفتيش فرناندو نينو دي جيفارا عل 1150( ملصهسره] 
28 ببذّل محاولة جديدة لتقديم التعليم الديني للمورسكيين. وإن م 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 4153 


الدين والدم 

نكجب امور شكيوق- عكذا قال حمتاوا للملك- سيكون شرضا عنديد 
أن نعلن أنهم «أعداء لله ولجلالتك» ونستخدمهم كمجدفين أو عمال عبيد 
في المناجم» ليس في إسبانيا فقطء وإنما في الإنديز أيضاء التي «انقرض 
الهنود فيها تقريباً»!3). 

ومن بلنسية» قام خوان دي ريبيرا أيضاً بجهد منظم لإبراز إلحاح 
المشكلة المورسكية أمام الملك. ففي مايو 1599 أخبر فيليب ريبيرا بقراره 
بإصدار مرسوم عفو لمدة عام واحد في بلنسية كمقدمة لحملة تبشير» 
وطلب من البطرك المساعدة في هذا «العمل الورع والمقدس». بنشر كتاب 
تعليم العقيدة باللغتين الإسبانية والعربية الذي كلف البطرك بنشره سابقا. 
ونفذ ريبيرا هذه التعلييات ومد العفو إلى عام آخر. وسرعان ما تكشف 
يأسه واضحاً في مذكرة أرسلها إلى فيليب في ديسمبر 1601» ادعى فيها 
أن العفو لم يأت بحالة اعتراف واحدة» واتهم كل المورسكيين في بلنسية 
بأنهم «زنادقة عنيدون وخونة للتاج الملكي». وألقى ريبيرا باللائمة على 
المورسكيين عن التراجع العسكري الإسباني» وأرجع الفشل في «مشروع 
إنجلترا» وحملة الجزائر الأخيرة إلى الغضب الإلهي من استمرار وجود 
«الحمى» المورسكية. وحذّر رئيس الأساقفة من الكوارث الأكبر» التي 
ستأتي مالم تحل هذه المشكلة» وتنبأ قائلاً: إن جلالتك إذا لم تأمر بقرار... 
فأخشى أنني سأرى في عمري ضياع إسبانيا»!4]. 

أراد ريبيرا هذه الوثيقة العاطفية أن تكون مؤثرة» وقد كانت. فقد كتب 
كاهن الاعتراف الملكي غاسبار القرطبى 0610068 06 :م635 لريبيرا 
حول «الدهشة والصدمة» اللتين تركتهم| رسالته في ليرما والملك؛ كما علم 
رئيس الأساقفة من رجل ليرما الفاسد في بلنسية بيدرو دي فرانكيسا 
118 ع0 وتلء2 كيف جحظت عينا فيليب بفعل «وضوحها 
وحماسها». وفي يناير 1602 طلب فيليب من ريبيرا أن يستفيض في شرح 


414 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


7- «خطر وشيك) (1609-1598) 

وجهة نظره حول المسألة المورسكية» فرد الأخير بخطبة قاسية معادية 
للنورسكيين. قال للملك ف هذه الرسالة: إن المورسكيين لأ يسعترفون 
الثروة من إسبانيا فحسبء وإنا كانوا المسؤولين أيضاً عن معظم النشاط 
الإجرامي في بلنسية» لدرجة أن «النصارى القدامى» الذين كانوا يعيشون 
في المناطق المورسكية لا يتجاسرون على مغادرة بلداتهم ليلاً». واستبعد 
ريبيرا أي إمكانية لتحويل المورسكيين إلى نصارى. 5 كان أنصار 
الاندماج يصفون المورسكيين بأنهم اابراعم وليدة» تحتاج رعايتها بلطف» 
وصفهم ريبيرا بأنهم «أشجار ذابلة مليئة بعقد الحرطقة»» ويجب اجتثاثها 
من جذورها «حتى لا تتسبب في أضرار ولا تطلع منها براعم جديدة تدمو 
سريعاً إلى أشجار». وحث ريبيرا الملك على القيام بهذه المهمة التي وصفها 
بأنها «استرداد جديد» يشبه هزيمة داوود للفلسطينيين!0015. 

كان ميل ريبيرا الواضح للطرد يلقى دعم مستشاره المتعصب المعادي 
للمورسكيين خايمي بليداء الذي زار روما في ثلاث مناسبات ليناشد 
البابا الموافقة على الطرد دون جدوى. وقام الدومينيكي الذي لا يكل 
أيضاً بعدة رحلات إلى مدريد للترويج لما أساه «قضيته» المورسكية في 
البلاط والحكومة. وني عام 1603» أرسل بليدا لفيليب ملخصا لكتيبه 
المعادي للمورسكيين «الدفاع عن الدين»؛ الذي استشهد فيه بعدد هائل 
من المرجعيات الدينية والسوابق التاريخية لدعم الشرعية اللاهوتية للطرد 
من الإمبراطور الروماني تودؤسيوس ال سييكا والقديس أوغسطين:. 
ورفض بليدا أيضاً الاعتراضات الاقتصادية على الطر د. وادعى أن العمالة 
المورسكية سيعوضها المستوطنون النصارى سريعاء وسيقدمون ضول 
(1) بخاء فى سق حول أن الالسطيين بعد أن هزموا إسرائيل «واصطف الفلسطينيون للقاء 

إسرائيل واشتبكت الحرب فانكسر إسرائيل أمام الفلسطينيين وضريوا في الصف من الحقل نحو 


أربعة اللاف رجل» (2:4)» قام داوود وقتل الفلسطيني «وأخذ داوود رأس الفلسطيني وأتى به 
إلى أورشليم ووضع أدواته في خيمته» (17:57) [المترجم].. 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 415 


الدين والدم 

أكبر لملاك الأراضى البلنسيين!؟ا. 

وكا أزاة دير اعن قله قفيد رليذا جه أذ فاقة غرور الك 
الشاب سريع التأثر بتقديم الطرد باعتباره عملاً مجيداً ودينياً يجلب 
الشرف من ينفذه. ودفع مشاركون آخرون في نقاش المسألة المورسكية 
بقوة أيضا في اتجاه الطرد. ففي عام 1602» اقترح فرد من الحاشية يدعى 
غوميث دابيلا توليدو 101600 22118 #عمدة0 أن يؤخذ كل الأطفال 
المورسكيين بين عمر الثانية والرابعة عشرة من ذويهم» ويعطوا لعائلات 
نصرانية لتنشئتهم وأن يفرق المورسكيون البالغون من الذكور والإناث 
في جماعات صغيرة في أنحاء العالم كافة» حتى «تنتهي الأصول الملعونة 
للهاجريين تماماً». وعلى خطى ريبيرا الذي وصف المورسكيين بأنهم 
«حمَى1ء وصفهم غوميث دابيلا بأنهم «وباء داخل الجسم» هدد بتلويث 
المجتمع الإسباني وتدميره مالم يُستأصلء فك «أن الجسم البشري حين 
يمرض في قدمه أو ساقه أو ذراعه يجب تطهير الجسم كاملاء كذلك يجب 
تطهير إسبانيا كلها من هذه البذرة الفاسدة»71]. ونظر مجلس الدولة أيضاً 
غددا من «المقترحات» حول المسآلة المورسكية من الأب يدرو آريان 
5 ونل26 أسقف الأخوية الرهبانية الأوغسطية في أراغون, التي دفع 
فيها بأن «ال هاجريين» يستحقون عقوبة الموت على تجاوزاتهم الدينية وأنه 
«لا ظلم في قطع رقابهم». وعلى أقل تقدير كان فيليب «ملزماً لأسباب 
تتعلق بالضمير والحكم الجيد بإبعادهم عن ممالكه». واجتثاث «الجذع 
الذي تنبت منه هذه البراعم الشيطانية»!9!. 

كانت حجة أن المورسكيين «يستحقون» الموت على تجاوزاتهم الدينية 
تستخدم دائم] لتقديم الطرد كبديل أكثر شهامة ونبلاً. على أن تفضيل هذه 
الإجراءات لم يكن محل إجماع بين الكهنة. ففي مذكرة إلى الملك في عام 
4 ناقض فليثيانو دي فيغيروا 18 عل ممق ناء1 أسقف سقورية 


416 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


7- «خطر وشيك» (1609-1598) 

وسكرتير ريبيرا الشخصي السابق تقييم رئيس الأساقفة المتشائم لعفو 
فيليب في بلنسية» وأصر على حدوث «تقدم ملحوظ» بين المورسكيين 
في أبرشيته نتيجة لمرسوم العفو الأخير. حتى إن كثيرين منهم لم يعودوا 
مختلفين عن النصارى القدامى. وفي نقد غير مباشر لريبيرا نفسه. ذهب 
فيغيروا إلى أن «الأساقفة ما كان ينبغي أن يفقدوا الصبر والثقة بهذه 
السرعة» في قدرتهم على هداية المورسكيين. وحث فيليب على أن 
يستعيض عن «التعليم غير المتقن»» الذي كان يقدم في السابق بيرنامج 
جديد للتبشير لا يستتبع «إطلاق الجيوش أو سفك الدماء»!”ا. 

ودافع كهنة إسبان وأجانب بارزون آخرون عن سياسة معتدلة مماثلة» 
منهم اليبسوعي الإنجليزي جوزيف كريسويل 0265861 <امء105 نمثل 
مصالح الكاثوليك الإنجليز لدى البلاط الإسباني الذي حث فيليب 
على بذل جهود جديدة لاستمالة المورسكيين» ورفض آراء رجال الدين 
الإسبان الذين «يعتقدون أن هذا الضرر غير قابل للعلاج»» ودفع بأن 
هؤلاء الكهنة «لم يروا ما يمكن فعله مع زنادقة ليسوا أسهل في هدايتهم 
من المورسكيين912!]. ىا أعلن البابا بول الخامس نفسه أنه يؤيد التبشير» 
رغم جهود بليدا لإقناعه بعدم جدواه. وأصدر رسالة بابوية في عام 1606 
وجه فيها ريبيرا وأساقفته إلى مناقشة طرق أخرى هداية المورسكيين 
البلنسيين. 

وجاءت واحدة من أكثر الحجج المؤيدة للدمج تروياً في كتيب عام 
الدين والمفكر الشهير بيدرو دي بالينثيا 8أءمء1ة عل 0:لء2 بعنوان 
"مقالة حول المورسكيين الإسبان» (1606). جاء تصوير بيدرو لإسبانيا 
المورسكية مليئاً بتحيزات.وفرضيات عصره. مثل وصفه المورسكيين أنهم 
(أعداء معلنون وظاهرون للكنيسة النصرانية برمتها»» وأن عددهم اليس 
عشرة ولا مئة ولا ألف ولا مئة ألف. وإنما أكثر من ذلك بكثير» وهم 


١_طماع‏ !© :161 ]آنلا 1 417 


الدين والدم 


0 إمبراطورية الإساعيليين”", 
تفتهم»» وجميعهم «تلهبهم الكراهية العدوانية» نحو النصرانية»!!!!. 

ل م لي سكان أجانب 
وغرياء» دافعاً بأن «كل أولئك المورسكيين.. . إسبان مثل غيرهم ممن 
يعيشون في إسبانياء ولدوا ونُشَئُوا فيها على مدى ما يقرب من تسعرائة 
عام»» وأرجع إخفاق الدمج إلى حقيقة أنهم لم يعطوا «شرفاً وتقديراً 
مساويا» للنصارى القدامى. 

ورفض بيدرو دي بالينثيا الطرد على أساس أن «الجمهورية يجب أن 
تصون كل أجزائها». وأوضح أن «الملوك والجمهوريات يجب ألا يصل 
سخطهم إلى درجة الوحشية المتطرفة التي تبيح قتل شعوب كاملة». 
وأوصى بدلاً من ذلك ببرنامج قومي منظم للتبشير يبدأ بفترة صوم وصلاة 
في كل كنائس إسبانيا»» وتصحبه عقوبات «معتدلة وليست صارمة» على 
تجاوزات المورسكيين. وذهب بيدرو دي باليتثيا حتى إلى أن المورسكيين 
يمكن تجنيدهم في الجيش الإسباني» ذلك أن تدبيرهم وقدرتهم على العمل 
الشاق تجعلاهم جنوداً طبيعيين. فكى) أدمجت روما مواطنين غير رومان في 
فيالقها ونشرتهم على «حدود الإمبراطورية»؛ يمكن إرسال المورسكيين 
لتعزيز حاميات إسبانيا الضعيفة في شمال إفريقيا. 

لم يحظ هذا الاقتراح الإبداعي بأي اهتمام» وهو المصير نفسه الذي 
آلت إليه اقتراحات بيدرو دي بالينثيا الأخرىء لكن مقالته كانت إشارة 
أخرى على تنوع الآراء حتى في هذه المرحلة المتأخرة من مناقشة المسألة 
المورسكية؛ ذلك النقاش الذي سلّم بأن المورسكيين «مشكلة». لكن كان 
هناك مع ذلك تباعد حقيقي بين متطرفين مثل بليدا وريبيرا ظَهّرا مهيئين 
000 

العرب بالهاحرين نسية إلى أم اسماعيل [التوجم]. 


48 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


7- «رخطر وشيك» (1609-1598) 
للتفكير في الإبعاد أو حتى الإبادة الجسدية للمورسكيينء وأولئك الذين 
رأوا أنهم يمكن, بل يجب أن يسمح لهم بالبقاء في إسبانيا. وفي النهاية تقرر 
الاختبار ين الخبارات من جانب جموعة صشيرة نيا من السؤولية 
الأقوياء» وهؤلاء الأفراد هم مَنْ سنحوّل انتباهنا إليهم فيما تبقى من هذا 
الفصل. 
ع 

آراء فيليب كانت تتأثر بمستشاره القوي ليرما. ونظراً إلى أن الأخير 
شغل سابقاً منصب نائب الملك في بلنسية» ولأن ضياع أجداده كانت 
تقع في ميناء دانية» فقد كان محيطاً بالشؤون البلنسية وحساساً للتأثير 
الاقتصادي السلبيء الذي قد يلحق بالمملكة جراء الطرد. وكانت تربطه 
أيضاً علاقات وثيقة بطبقة النبلاء البلنسيين من خلال صلات عائلية. 
التي قدمت في اجتماع لشبونة» وتوصيته بتحسين دفاعات بلنسية بدلاً من 
الطرد. وجاء تأسيس المليشيا البلنسية في عام 1599 بالدرجة الأولى نتيجة 
لجهوده. ورغم ذلك ففي ذلك العام نفسه؛ في اجتماع مجلس الدولة في 
الثاني من فبراير» تبنى ليرما موقفاً أكثر تشدداء فأعلن أن «المورسكيين 
ظلوا أندلسيين ى] كانوا من قبل» وأنهم يستحقون الموت»» واقترح سلب 
القوادسء وطرد النساء وكبار السن إلى شمال إفريقياء وإيداع أطفاههم في 
معاهد نصرانية!12]. 

إن أسباب هذا التغير في الرأي غير واضحة» ومع ذلك ظل ليرما 
والملك يبحثان عن سياسات أكثر اعتدالاً في المدى القريب. ففي فبراير 
0» دعا مستشارو فيليب إلى إعطاء المورسكيين في بلنسية تعليما دينيا 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 49 


الدين والدم 
على يد وعاظ «متحمسين ومستقيمين ومتعلمين» يعاملونهم «برقة ولطف 
ودون إكراه فيم| يتعلق بلغتهم ولباسهم». وكان فيليب ووزراؤه ملتزمين 
بذلك الهدف لدرجة أن رئيس الأساقفة ريبيرا تعرض للتوبيخ حين أمر 
كهنته بتحذير المورسكيين أنهم سيواجهون الطرد إن لم يستجيبوا إلى هذه 
الجهود. غير أن هذه البوادر التصالحية كانت دائ) مؤقتة ومشروطة. 
ففي الثالث من يناير 21602 اجتمع فيليب بلجنة أخرى لبحث المشكلة 
المورسكية؛ كان من بين أعضائها ليرما ورجل الدولة المخضرم خوان دي 
إيدياكيث 10120062 ع0 11135؛ السكرتير السابق لفيليب الثاني» والعضو 
الباقي الوحيد من لجنة لشبونة الأصلية. 
اجتمعت اللجنة في وقت كان مرسوم العفو فيه على وشك الانتهاء 
في بلنسية» وكانت مذكرة ريبيرا اللاذعة في العام السابق لاتزال حية في 
عقول أعضاء اللجنة. وناقش الوزراء تقارير جديدة عن الاتصالات 
بين المورسكيين الأراغونيين والبروتستانت الفرنسيين» وأيضاً بين 
المورسكيين البلنسيين والمغربء إذ قيل إن وفداً من خمسين مورسكياً 
حاول أن يقنع السلطان مولاي زيدان”" بأن الوقت قد حان «لاستعادة 
إسبانيا» ووعدوه بمساندة مائتي ألف مقاتل إذا هم بالمحاولة. كان هذا 
الرقم خياليً» على فرض أنه ذُكرء ومع ذلك يبدو أن مستشاري فيليب 
صدقوه واستشهدوا بتقارير من الجواسيس الإسبان قالت إن السلطان 
المغربي وافق على هذا الطلب ووعد المورسكيين بأن الأمراء ا هولنديين 


. 


سيقدمون «جسرا من السفن» لتسهيل الغزو. 


(1) السلطان مولاي زيدان ( حكم من حوالي 1603 إلى 1627) ابن أحمد المنصورء شهدت المغرب 
في عهده حرباً أهلية واسعة» عد معاهدة صداقة مع البلاد الواطئة» وأوفد إليها محمد الوزير 
والحجري ويوسف بيسكانوء وثلاثتهم من المورسكيين. بقيت منه مكتبته الكبيرة معحض 
الصدفة؛ فلقد خشي السلطان على كتبه فأمر بوضعها كلها على سفينة» لكن آمر السفينة فر 
بها إلى إسبانياء حيث وضعت في الإسكوريال [المترجم]. 


400 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


7- «رخطر وشيك) (1609-1598) 

لكن من الصعب تصديق أنَّ هؤلاء الوزراء صدقوا فعلاً أن مولاي 
زيدان كان ينوي غزو إسبانياء دع عنك قدرته على ذلك. لكن كما كانت 
الخال في الماضى. فإن هذه المخاوف الأمنية أدمجت سيناريوهات افتراضية 
مغ إمكانات واقعية فخت التهديد الورسكي في نظر مسؤول الملك: 
وقد لخص فحوى هذه المناقشات مسؤول متوتر استشهد بالسخط على 
الحكم الإسباني في إيطالياء واحتمال الصعود العثماني في البحر الأبيض 
المتوسط للتحذير من أن إسبانيا كانت تواجه «أعداء كثيرين وأقوياء. 
وأنهم قد يتحركون ضد صاحب الجلالة بطريقة لا يمكن مقاومتهاء 
وحينها سيكون كل شيء في خطرا. 

أثرت هذه المخاوف على المقترحات المتطرفة التي ناقشتها اللجنة 
لاستئصال التهديد المورسكيء التي تراوحت من الطرد إلى النزوة القديمة 
التي كانت تتمنى وضعهم جميعاً في سفن ثم خرقها في عرض البحر. وبدا 
أن اللجنة كانت أميل إلى الطرد دون استبعاد الخيارات الأخرى. لكن 
فيليب رد على توصيات المجلس بحسم مفاجىء وأعلن: «إذا أمكن 
طردهم بضمير مرتاح» أعتقد أنه المسار الأكثر ملاءمة وسهولة وسرعة». 

وأوضحت وثيقة غير مؤرخة» ربا كتبها أحد سكرتيري فيليب» 
استعجال الملك للأمر. كرر الملك فيها تقارير حول تواطؤ المورسكيين 
مع السلطان المغربي» وأبدى خخوفه من «كثرة المورسكيين الذين كان بينهم 
رجال متلهفون جدا للتخلص من خضوعهم لناء وشديدو العناد في 
تمسكهم بدينهم». ونتيجة لذلك «يرى صاحب الجلالة أنه لم يعد هناك 
وفت نضيعه للبحث عن علاج لهذه الشرور الطائلة. وهو مصمم عل 
التخلص من هؤلاء الناش الأشرار بأفضل السبل وأسرعهاء ولن يتوانى 
عن ذبحهي)!3!!. 


اتيانيا 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 421 


الدين والدم 


كان فيليب في حينها يؤثر الطرد على الذبح» وأمر وزراءه بالبدء في 
الاستعدادات «بأسرع ما يمكن»» ونشر السفن والجنود في ميورقة 
للتعجيل بالطرد في ذلك الصيف. لكن على أرض الواقع لم تنفذ هذه 
الاستعدادات» واستغرق الأمر سبعة أعوام أخرى لوضع هذه الأوامر 
موضع التنفيذ. كان هذا النمط من التعاطي القائم على مقترحات جذرية 
لايليها أي فعل» من خواص مناقشة المسألة المورسكية. وفي هذه الحالة 
يمكن تفسير التأخر بالصعوبات اللوجستية في وقت كانت إسبانيا فيه 
لاتزال متورطة في نزاع في شمال أوروبا. وكذلك كان يجب أخذ التأثير 
الاقتصادي للطرد في الاعتبار» في وقت كانت الالية الملكية فيه مجهدة 
جداً. ىما أن مسألة ما إذا كان يمكن طرد المورسكيين «بضمير مرتاح» لم 
تكن قد حسمت نبهائيا. 

عد ع 

ومرة أخرى. نجد حكام إسبانيا يذهبون إلى الحافة ثم يرجعون ثانية. 
ففي يناير 1607» رفضت لحنة أخرى طرد المورسكيين البلنسيين» وأوصت 
ببذل محاولة جديدة لهدايتهم؛ مع أن أعضاءها أدركوا أن «رئيس الأساقفة 
ريبيرا له رأي مختلف, ولا يئق مطلقاً في هداية أي من هؤلاء الناس». 
وفي أكتوبر» وافقت نسخة مكبرة من اللجنة نفسها على أن «محاولة رفع 
هذه الأرواح إلى السماء بدلاً من تدميرها أو طردها إلى شمال إفريقيا تجلب 
مزيداً من المحبة والثناء لربنا»!4!]. 

ورغم ذلكء ففي الثلاثين من يناير 1608» أي بعد ما لا يزيد على 
ثلاثة أشهرء رفضت جاسة لمجلس الدولة هذه التوصيات واقترحت 
طرد المورسكيين من بلنسية. حضر ليرما هذه الجلسة» وأعلن فيها تأييده 
للطرد على أساس أن المورسكيين البلنسيين قد «أعطوا الفرصة ليكونوا 
نصارى وأهدروها». ووافقه مستشارون آخرون على ذلك. وحتى الدوق 


422 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


7- «رخطر وشيك» (1609-15986) 

انفنتادو 22800م1 الذي كان يميل وها إلى اتخاذ موقف معتدل من 
المسألة المورسكية» وصف الطرد بأنه «فكرة عظيمة وجديرة»» في حين 
كرر الكونت ألبة دي ليستي عاذنآ عل وط1اى 2ه غمناه2© القول القديم 
المضلل بأن المورسكيين كانوا يستحقون الموت. وأن الطرد رحمة لهم. 

لا توضح محاضر هذه المناقشات السبب وراء هذا التغيير المفاجئ في 
المسار» باستثناء الادعاءات المعتادة عن عناد المورسكيين والتقارير المكررة 
عن اتصال المورسكيين بأعداء إسبانيا المسلمين ومزاعم أنّالروسكين 
كانوا في طريقهم ليفوقوا النصارى عددًاة'. ما الذي تغير؟ لاشك في أن 
الطرد كان ممكناً من الناحية اللوجستية أكثر ا وج الى فإسيانيا 
كانت قد حققت السلام مع أغلب أعدائها الشماليين» وكانت مفاوضات 
الهدنة جارية في منطقة الفلاندرء وكان العثمانيون مشغولين بالثورات 
في بلاد فارس والأناضول. هل أدرك وزراء فيليب فرصة قصيرة الأمد 
لإبعاد المورسكيين نبائياً؟ أم أرادوا بالطرد التخفيف من أثقال إسبانيا 
لفرض إرادتها على بقية أوروبا؟ لقد ألمح ليرما لاحقاً إلى الإمكانية الأخيرة 
في اجتماع يجلس الدولة في عام 7» حين اقترح أن تع إسبانيا توقيع 
اتفاقية السلام مع سافوي بمهاجمة البندقية» مستشهداً بطرد ا مورسكيين 
كسابقة قدمت لإسبانيا #اخروجا كريم|» من منطقة الفلاندر. 

ومن غير المعروف ما إذا كان فيليب قد نظر إلى الطرد من هذا 
المنظور. ومع ذلكء فقد قبل الملك الطرد من حيث المبدأء ومرة أخرى 
أراد الاطمئنان من ريبيراء وكتب إلى رئيس الأساقفة يطلب رأيه حول 
فرص هداية المورسكيين دون أن يخبره بالقرار الذي توصلوا إليه. لم يترك 
البطرك مجالاً للغموض في رده؛ إذ أخبر الملك أن الأمر يحتاج السنوات 
وربما قرون» لداية المورسكيين» وأن دفاعات المملكة ضعيفة وأن 
«الحكمة تقتضى منا درء الخطر)!؟!!. 


1_طماع !© :161 ]ألا 1 425 


الدين والدم 


ربها كان المورسكيون يشعرون با ينتظرهم» فشرع بعضهم فعلاً في 
مغادرة إسبانيا بإرادتهم» عبر عبور جبال البرانس وشق طريقهم إلى شمال 
إفريقيا عن طريق مارسيليا. ومع ذلك ظل فيليب يتأرجح في موقفه. 
فدعا في نوفمير 1608 مجلسا من علاء الدين البلنسيين للانعقاد بتوجيه 
من ريبيرا لمناقشة المشروعية اللاهوتية للطرد. استمرت مداولاته حتى 
مارس من العام التالي. وفي أثناء هذه المناقشات تعرض ريبيرا لمعارضة من 
الراهب الفرانسيسكاني أنطونيو سوبرينو 506,180 منده]0ث» وهو كاهن 
بلنسي قضى أعواماً في وعظ المورسكيين. دفع سوبرينو بأن المورسكيين 
كانوا مؤهلين للنصرانية» وأن كثيراً منهم أصبحوا نصارى مخلصين رغم 
تعرضهم لاستغلال قاس من سادتهم النصارىء الذين كانوا ايعاملونهم 
معاملة العبيد أو أسوأ». وأصر على أن «طرد نصارى معمّدين يخالف 
الضمير»» وأوصى سوبرينو بأن تواصل الكنيسة محاولاتها لاستمالة 
المورسكيين بطرق أرحو!”7!". 

ورغم اعتراضات ريبيرا القوية على هذه التوصياتء فقد قبلها زملاؤه 
من علاء الدين. لكن لم تكد هذه المناقشات تختتم» حتى شرع حكام 
إسبانيا في مسار مختلف جذريا. ففي الرابع من إبريل 21609 وقبل خمسة 
أيام فقط من توقيع هدنة مدتها اثنا عشر عاماً في منطقة الفلاندرء أعلن 
مجلس الدولة بالإجماع أنه يؤيد الطرد» بدءا بالمورسكيين البلنسيين في 
الخريف. وهنا أيضاً نجد صعوبة في فهم الأسباب وراء هذا القرار. وعلى 
الرغم من أن المستشارين نبّهوا إلى الهزيمة الأخيرة للمنافس على العرش 
المغربي المدعوم من إسبانيا وأبدوا قلقهم من أن مولاي زيدان المنتصر 
قد باجم إسبانيا بالتعاون مع العثانيين و«الأمراء النصارى السيئين»» 
فلم يكن هناك ما يوحي بقرب هذا الاحتمال. بل على العكس من ذلك» 
تكشف مداولات المجلس اعترافاً عاماً بأن الطرد كان ممكناً في المقام 


424 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


7- «رخطر وشيك) (1609-1598) 

الأول لعدم وجود تبديد فوري لإسبانيا!8!]. وأا كانت حسابات ليرماء 
فإنه ما كان ليقر الطرد لو لم يكن واثقاً من أن كبار النبلاء البلنسيين كانوا 
إل ممتلكات مُفْطعِيهم المورسكين تعريضاً عن أى خسائر اقتصادية 
قد 2 يتكبدوها. 

أقر الملك هذه المقترحات من حيث المبدأء لكن بدا مرة أخرى أن 
فيليب متردد في تنفيذ قراراته. ربم| نتج هذا التردد جزئياً عن نقص الإجماع 
خارج غرف المجالس. ففي يونيو من ذلك العام» سأل السكرتير الملكي 
اتلرضىي دي برادا 25208 عل 420565 قائد أسطول البحر الأبيض المتوسط 
الإسباني بيدرو الطليطل 101600 عل 0ل عم إذا كان يوافق على الطرد 
من حيث المبدأ. أبدى بيدرو عدم حماسه في رد طويلء ونبّه على أن «إبعاد 
أناس كثيرين عن بيوتهم التي ولدوا ونشأوا فيها» عمل ينم عن العقوق 
«ويحتاج الرجل الميت نفسه لأن يسكر بشدة كي يقدم عليه'. ودفع 
الطليطلي بأن الطرد من شأنه أن «يشوّه سمعة إسبانيا» ويتسبب في نتائج 
سلبية على النصارى في الأراضى التركية» وأن المسألة المورسكية كانت 
تحتاج «علاجاً عاماً لكل إسبانيا وليس للأسطول فقط»» وأنَّ من الأفضل 
معاملة المورسكيين ب«قوانين جيدة وأوامر تنفذ بطريقة جيدة» بدلاً من 
طرده»!؟20]1, 

وفي أواخر شهر أغسطسء تلقى فيليب احتجاجا مباشرا من نبيل 
() لعل القارئئ لاحظا- على طول الكناب- أن القياذات والشخصيات غير الدينية (الغلماتين 

كما يسمون في المجتمع المسيحي) كانوا أكثر تسامحاً بكثير من رجال الدين وأبعد منهم عن 

الحلول الدموية؛ لا يرجع'ذلك بالطبع إلى الدين وتعاليمه» فالديانة المسيحية مسالمة حقاً وإنما 

لحالة الهوس الديني» التي جعلت رجال الدين ينسون الدين نفسهء وكذلك رغبة رجال الدين 

في الصعود السياسي والاجتماعي والقرب من دوائر صنع القرار» وفي الأخير بلوغ القوة 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 425 


الدين والدم 


نصراني يدعى دون مانويل بونسى دي ليون هقع.آ عل ععمو2 اعناهة]/3 دوج 
عه اتلك نمصل قن الاج ااإضدهة لكين «التي لا تحترم 
التقوى النصرانية أو ال مارسات الأخلاقية والسياسية الجيدة» مثل: «قطع 
الأعضاء التناسلية»» الذي أدانه لأنه «يتناقض مع الحماسة الكاثوليكية» 
و[هو فعل] غير إنساني» وهمجي». وأدان بونسي دي ليون الطرد على 
أسس دينية وأخلاقية وسياسية» واقترح أن يحْدو فيليب حذو العثمانيين 
مع رعاياهم النصارى بفرض جزية خاصة على المورسكيين» ليستخدمها 
في تحديث الدفاعات الساحلية لإسبانيا!20). 
د عد عد 

إن رد فيليب على هذه المقترحات غير مسجلء, لكن يبدو أن الملك 
كانت تساوره شكوك في الطريق الذي بدأه. وني الثالث والعشرين من 
يونيو فقط أعطى أوامره أخيراً ببدء الطرد في بلنسية. وعلى مدار الصيف». 
معت المكونات الإدارية والعسكرية المطلوبة لتنفيذ الطرد على عجل وفي 
سرية تامة. ورغم تحفظات ببدرو الطليطل؛ فقد عيّن قائداً للنقل البحري 
للمورسكيين إلى شمال إفريقيا. ووضعت العمليات العسكرية البرية نحت 
قيادة الجنرال المخضرم أوغسطين ميخيا 8]ز1/16 8أذناعة؛ 00 0 
لدون خوان النمساويء الذي خدم في كل حروب إسبانيا الرئيسة تقويباً 
في العقود القليلة الماضية. كان ميخيا يمتلك تحت تصرفه قوات هائلة» 
منها فيالق محنكة من نابولي وصقلية» والفرسان القشتاليين» والمليشيا 
البلنسية» ومجموعة شبه عسكرية كانت تعرف بإخوان الصليب أنشئت 
بتحريض من خايمى بليداء ارتدى أفرادها سترات بيضاء مزينة بالصليب 
الذي كان لمفخدة دعارا للحملات الصليبية. 

وفي أغسطس نقلت السفن أربعة آلاف فارس وجندي مشاة من 
قواعدهم في إيطاليا إلى ميورقة للقيام بمهمة لم تكشف حتى لضباطهم» 


426 1_طماع1© :21 ]آئلا 1 


7- «خطر وشيك» (1609-1598) 

ووزّعت كتائب الفرسان القشتالية على طول الحدود الداخلية مع بلنسية» 
لمنع المورسكيين من الهرب إلى الداخل الإسباني. وفي هذه الأثناء كان 
مندوبو الأسطول الإسباني يجوبون موانئ أوروبا بحثا عن سفن خاصة 
لتعمل جنباً إلى جنب مع أسطوطم الرسمي. ومع بداية شهر سبتمير» 
كانت اثنتين وسبعين سفينة قادس كبيرة وأربع عشرة سفينة نقل قد 
جمعت في جزر البليار من جنسيات مختلفة» إضافة إلى سفن الأسطول 
الإسباني. 

وفي الوقت الذي كانت تجري فيه هذه الاستعدادات على قدم 
وساقء كان الملك ووزراؤه مشغولين بتعيين المسؤولين وكتابة الرسائل 
والمراسيم وجمع الجهاز الإداري» الذي سيدير عملية الطرد. وفي الرابع 
من أغسطسء استدعي ميخيا والطليطلي إلى شقوبية» وهناك حضر 
فيليب قداساً خاصاً طلباً للعون الإلحي في «المهمة المقدسة» التي بدأها. 
ثم اجتمع بليرما وسكرتيره أندريس دي برادا وقاتديه البحري والبري في 
قلعة القصر التاريخية التي تزوج فيها أبواه» وأخذ يصدر خطابات موقعة 
تأمر بالطرد. وحفاظاً على السرية» أرسل ميخيا إلى بلنسية تحت ذريعة 
التفتيش على تحصينات المملكة. وفي العشرين من أغسطسء سلم لريبيرا 
ونائب الملك في بلنسية لويس كاريو الطليطل 101600 عل وللتسةن سآ 
ومركيز كاراثينا 0628هنة© نسخاً من التطايابت الملكية التي تعلن نوايا 
فيليب بطرد المورسكيين. 

وبعد أعوام طويلة قضاها ريبيرا في الضغط من أجل هذه النتيجة» 
كانت استجابته الأولية فاترة على غير المتوقع» واحتج فورا على طرد 
المورسكيين البلنسيين.قبل مسلمي قشتالة. وربا نتجت هذه الاستجابة 
جزئياً عن تقديره المتأخر للضرر الذي سيلحقه الطرد بكنيسته» وهي 
الإمكانية التي كشفتها نبوءته الكثيبة لبليدا بأثنا «ربي] نضطر في المسستقبل 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 427 


الدين والدم 


لأن نأكل الخبز والأعشاب ونصلح أحذيتنا بأنفسنا»”". لكن قلقه من 
المورسكيين القشتاليين كان مؤشراً أيضاً على مدى انتقاله من إيانه السابق 
بالدمج إلى موقف متعصب وعنيد اعتبر «الأندلسيين» القشتاليين تهديدا 
أكبر للنقاء الديني لإسبانيا من رعية أبرشياته» لأخبم كانوا أكثر اندماجاً في 
المجتمع النصراني وأكثر قدرة على تلويثه. وذهب أبعد من ذلك في رسالة 
إلى سكرتير الملك في الثالث والعشرين من أغسطس زاعما أن «المورسكيين 
في هذه المملكة محفتون بدرجة أقل» من مسلمى قشتالة وأراغون. مقللا 
كثيرا من الأخطارء التي ظل يؤكدها هو نفسه مرارا وتكرارا على مر 
السئين[21]. 

ل يكن ريبيرا يعرف أن الملك قد قرر فعلا توسيع نطاق الطرد. وفي ذلك 
اليوم نفسه. نتّه مجلس الدولة على أن الملك «مصمم على طردهم جميعاً» 
وأوصى بطرد المورسكيين في أندلوسيا وغرناطة ومرسية بعد ذلكء يليهم 
مسلمو أراغون. وبناء عللى توصية من ليرماء وافق المجلس على التكتم 
على هذه النوايا وإعلان أن الطرد سيطبق على بلنسية فقط للحيلولة دون 
إمكانية اندلاع مقاومة في أماكن أخرى. ومع أن ريبيرا لم تحط علماً ببذه 
النواياء فقد حافظ على تكتمه. وكتب في الأسبوع التالي» في الثلاثين 
من أغسطسء إلى ليرما معبراً عن تأييده قرار الملك بطرد المورسكيين 
من بلنسية. ومع أنه ظل يلح على أن «ما يجري في بلنسية سيكون عديم 
الأهمية» إذا لم ينفذ الشيء نفسه في إسبانيا كلها». ادعى أن الإقطاعيين 
البلنسيين كانوا مستعدين لتنفيذ أوامر الملك «بامتثال وطاعة كبيرين»» 
وطبآن لبرما عل أن لاهذه اللملكة ستكون تموذجا لبعنة سانا ة1221, 
(1) هذه إحدى الآليات الدفينة غير الشعورية وراء التمييز» فالجماعة المهيمنة حين تمارس التمييز 

ضد جماعة أصغر تدفعها لقبول القيام بأعمال وخدمات ما كانت لتقوم بها لولا تعزيز 

الشعور بالدونية لديها. وها هو رجل الدين يخشى من الطرد؛ لا لأنه سيحرم أرواحاً من 

«الخلاص»ء وإنما لأنه سيحرمه تمن يخبزون طعامه ويصنعون أحذيته [المترجم]. 


428 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


7- «رخطر وشيك)» (1609-1598) 

وهذا بالضيظ هما أراد قيليب وليرها أن يسمغاءة وأعيلى اضيا قور 
مهمة حسم مصير الأطفال المورسكيين الذين كان موقفهم اللاهوتي 
لايزال مصدر جدل شديد بين رجال الدين وعلائه. وفي أوائل سبتمبر» 
اقترح ريبيرا أن يبقى كل أطفال المورسكيين المعمّدين تحت عمر العاشرة أو 
الحادية عشرة «حتى وإن طلبهم آباؤهم»» وأن يربوا كخدم للنصارى". 
واعترض ميخيا ونائب الملك كاراثينا على هذه المقترحات. متعللين 
بأن المورسكيين قد يثوروا إذا أخذ أطفاههم منهم بالقوة» ومشيرين إلى 
الصعوبات العملية المتضمنة في رعاية كثير من الأطفال» وبخاصة 
الأطفال الرضع. 

أنتتجت هذه الاعتبارات المتناقضة الجدل الجاد والملتوي المعتاد. فاقترح 
أحد رجال الدين أن تبقى الأمهات المورسكيات إلى أن يفطم أطفالهن» 
وبعدها يطردن ويؤخذ منهن الأطفال. واقترح آخر أن تخصص مرضعة 
نصرانية لكل طفلين مورسكيين» وأن يوزع عليهن حليب حيواني حتى 
فطام الأطفال. وجادل كاهن الاعتراف الملكي لويس دي ألياغا عل وذددآ 
8 بأن المرضعات لسن أولوية. لأن الأطفال المورسكيين المعمّدين 
الذين سيموتون في إسبانيا سيستحقون بذلك دفناً نصرانياً. 

وفي حين كان علاء الدين يناقشون أفضل الطرق لإنقاذ أرواح 
الأطفال المورسكيين» كان المسؤولون المكلفون بإبعاد آبائهم وأمهاتهم 
يكملون استعداداتهم. ورغم التكتم الرسميء. بدأت تحركات السفن 
والجنود تلفت الانتباه في بلنسية. وفي الخامس من سبتمبر» طلب وفد 
من النصارى تفسيراً لهذا النشاط من نائب الملك الذي قال لهم إن «كل 
(1) الذي يريد الاحتفاظ بالأطمال المورسكيين ليكونوا خدماً للنصارى هو رئيس الأساقفة ريبيرا 

الذي طلما تشدق بحرصه على «هداية» المورسكيين إلى الكاثوليكية» و«اضطر» إلى قبول 

الطرد لأنهم غير مؤهلين لهذا التحول؛ وأيضاً رجال الدولة غير الدينين هم الذين اعترضوا 

على اقتراحه [المترجم]. 


١_طماي‏ !© :161 1آنلا 1 429 


الدين والدم 

ما يفعله صاحب الجلالة يكون في مصلحة رعاياه المخلصين». لكن هذه 
التطمينات لم ت#هدئ عامة النصارىء الذين بدأو ا في جمع النساء والأطفال 
في العاصمة لتأمينهم. 

حاولت طبقة النبلاء البلنسية أيضاً أن تستطلع نوايا كاراثيناء لكنه 
كان دائم| يعطيهم الرد المراوغ نفسه. وفي السادس عشر من سبتمير» 
عقد الاستامنتس ميليتار :ائ1411 5اهعدمهاد8 وهو المنتدى الذي كان 
يمثل مصالح طبقة النبلاء في البرلمان البلنسي اجتماعاً صاخباً في العاصمة 
لمناقشة شائعات الطرد وفيه كاد يندلع قتال بالسيوف» ومات نبيل 
نصراني بنوبة قلبية. ولخص الكونت كاستيار 26[اعاوة0 04 86ناه0) موقف 
كثير من التبلاء البلنسيين» حين حذّر من أن هذه السياسة ستؤدي إلى 
«اخراب هذه المملكة». لكن في ذلك الوقت لم تعد الحجج الاقتصادية ضد 
الطرد بوضوحها السابق. ففي حين كانت الأرستقراطية مالكة الأراضي 
في بلنسية لاتزال تعتمد بدرجة كبيرة على مُقُطعيهم المورسكيين» كان كثير 
من البارونات قد أخذوا قروضاً تعرف باسم السينسوس 560505 من 
دائنين نصارى مستخدمين الإيجاراتء التي كانوا ينتزعونها من مُفْطْعِيهِم 
كضمان. 

وبحلول أوائل القرن السابع عشر كانت هذه الإيجارات قد تجمدت 
إلى درجة أن بعض المقْطِعين كانوا ينفقون في دفع الدين والفائدة أكثر 
تما كانوا يأخذون من مُقْطْعيهم. ولذلك كان الطرد بالنسبة إلى الملاك 
كثيري الديون يشكل مهربا مكنا من دائنيهم» إذ كان سيسمح لهم بإعلان 
إفلاسهم والقطيعة مع الماضي. وكان بعض البارونات في هذا الاجتماع 
على علم بالتأكيد بوعد التاج بتعويضهم. ولهذه الأسباب لم يتمكنوا من 
تقديم جبهة متحدة» واتفقوا فقط على إرسال مبعوثين إلى مدريد لإقناع 
الملك بالعدول عن الطرد. لكنهم لم يكونوا يعلمون أن الوقت قد فات. 


230 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


7- «رخطر وشيك» (1609-1598) 


ففي اليوم السابق فقطء اجتمع مجلس الدولة بحضور فيليب نفسه على 
غير العادة ووافق على أن يبدأ الطرد في الأسبوع التالي. وفي الاجتماع نفسه. 
اتفق أيضاً على طرد المورسكيين القشتاليين» وترك التوقيت والمواعيد 
للأحداث التي ستتكشف في بلنسية. وفي الثاني والعشرين من سبتمبرء 
استدعى كاراثينا كبار النبلاء والقضاة والمسؤولين في بلنسية لإطلاعهم 
على أوامر الملك. ففي الوقت الذي وصل فيه النبيلان البلنسيان إلى 
مدريد كمبعوثين إلى الملك. كانت إسبانيا قد بدأت فعلا في تنفيذ الحل 
الذي ناقشه حكامها لأعوام طويلة. 


١_طماي‏ !© :161 1آئلا 1 431 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 


18 
«المحرقة المستساغة» 


في صبيحة الرابع والعشرين من سبتمبر 1609 أخذ منادو البلدة في 
مدينة بلنسية يعلنون مرسوم الطرد بمصاحبة الطبول والقرون والأبواق. 
أتهم في :. فيليب في المرسوم كل السكان المورسكيين في بلنسية بالحرطقة والردة 
و«الخيانة العظمى الإلهية والبشرية»» 'وأعلن نيته طردهم إلى شال إفريقيا 
ليضمن «حماية تمالكه وأمنها»!!!. وأعطي الورسكيوة عيعا فلن ة أيام 
للرجوع إلى بيوتهم وانتظار المفوضين الملكيين لاقتيادهم إلى الموانئ 
المخصصة لترحيلهم. وقد استثني من ذلك المورسكيون الذين عاشوا بين 
النصارى القدامى لعامين» أو تلقوا العشاء الرباني بموافقة كهنتهم» رغم 
إصرار ريبيرا على عدم وجود مورسكيين ضمن هاتين الفئتين» وأن يبقى 
ستة من كل مئة عائلة مورسكية مؤقتاً للحفاظ على الإنتاج الزراعي 
وتقديم الخبرة والتعليم للمستوطنين من النصارى القدامى» وأعطي 
الحق للزوجات المورسكيات لنصارى قدامى في أن يبقين» ولم يعط الحق 
نفسه للرجال المورسكيين المتزوجين من نصرانيات!7!» في حين سمح 
للأطفال المورسكيين دون سن الرابعة» الذين «يريدون البقاء» في إسبانيا 
بأن ينالوا ذلك بموافقة آبائهم؛ وهي عبارة فاتت سخافتها بالتأكيد على 
واضعيها. 


413 
1_طماع !© :1]61]أللا 1 


الدين والدم 

وزّعت نسخ مطبوعة من المرسوم في أنحاء المملكة كافة» وأعلن في كل 
ناحية» حتى إنه في خلال بضعة أيام كان كل الناس في بلنسية 5 تقرييا عل 
علم بمحتوياته. وفي حين كان ريبيرا يأمر كهنته بالصلاة من أجل اخباية 
جيدة وسريعة لهذا العمل). كان الجنود الرسميون والمليشيات قد بدأوا 
في القيام بدوريات في البلدات والمدن الرئيسة لاستعراض القوة» وشرع 
العمال في نصب المشانق على جوانب الطرق كتحذير للمورسكيين الذي 
يفكرون في المقاومة. وفي مدينة بلنسية كان الحدادون وصناع السيوف 
وصناع البارود يصنعون أسلحة وذخيرة بارا وليلاً على دوي طبول 
المليشيا وطلقات الجحنود الذين كانوا يتدربون على الرماية. 

استقبلت أوامر الملك بتهليل واسع من السكان النصارى. وامتدح 
النبلاء والكهنة» على حد سواءء فيليب على حصافته وحكمته وورعه. 
ومنهم أنطونيو سوبرينو الذي عارض الطرد بقوة في ذلك العام!* عل 
أن هذا الثناء م يكن عاماًء وربما كان بعضه رياء #وإل جاب الابتهاع ساد 
اللنوف ]يا من انال تورة اللورسكيق والأمن بين المتطعين التصارى» 
الذين كانوا أمام خراب اقتصادي محقق. ففي هذه الأيام الأولى لم يكن 
الملك أو وزراؤه يشعرون بالثقة من أن الطرد سيحدث بسلاسة وأن طبقة 
البلاء سجعاون: 

وفي السابع والعشرين من سبتمبر» وفي خضم هذا التوتر وتلك 
الحيرة» ألقى خوان دي ريبيرا ما يمكن اعتباره أهم عظة في حياته أمام 
حشد كبير في الكاتدرائية الرئيسة ببلنسية. ففي العام السابع والسبعين من 
عمره. الذي لم يبق فيه غير أقل من سنتين» أدمج ريبيرا في عظته اقتباسات 
من الكتاب المقدس بالسياسة وكامل ذخيرة التعصب المعادي للمسلمين» 
في محاولة متحمسة لحشد رعيته وراء قرار الملك. أثنى ريبيرا على فيليب 
وليرما و«الأمة البلنسية» الذين هموا بالعمل أخيراً ضد «الأعداء المحليين 


434 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


8- «ا محرقة ا مستساغة)» 


الذين يتمنون أن يشربوا دمنا ويستولوا على إسبانيا»» وحذّر رعيته من 
«الخزي والعار» الذي يلحق بمن يواصل الاتصال بالكفارء وأغدق 
الثناء على الإقطاعيين البلنسيين الذين كانوا يقاومون دائياً جهوده لهداية 
المورسكيين في الماضي لدعمهم «البطولي» للطرد على حساب مصا حهم 
المادية. 

كان كثير من هؤلاء البارونات في الحشد القابع أمام ريبيرا في ذلك 
اليوم» وربا لم يجدوا عزاء في تطميناته بأن «دأب الحواري هو أن يرى 
نفسه غنياً اليوم وفقيراً غداً». وذهب ريبيرا أبعد من أي من تصريحاته 
السابقة حول المسألة المورسكية. إذ برهنت عظته ا حالمة على أن الطرد كان 
وسيلة لتوحيد المجتمع النصراني وتجديده. وني دعائه لبلنسية المريضة 
والمانسة بأن تستعيد صحتها الروحية قريباء وتدخل عصر الوفرة المادية 
والأمن والانسجام الاجتماعي. وبينم| تكشف التصريحات الخاصة لرئيس 
الأساقفة أنه هو نفسه لم يكن يصدق هذه النتيجة» لكنه مع ذلك وعد 
رعيته بأن بلنسية «سترى هذه الكتاشن بعد أن كانث تمتليع بالتنانين 
والوحوش البرية تمتلئ بالملائكة والساروفيم”"» بعد طرد الأندلسيين!4!. 

م يكن مفاجئاً أن يلقى هذا التمثيل للطرد موافقة متحمسة من البلاط 
الإسباني. فهنأ ليرما ريبيرا على خطبته التي «جاءت لتنويرنا وتنوير عامة 
الناس»» وطلب مثات النسخ المطبوعة منها للتوزيع العامء حيث كانت 
بلنسية تبيئ نفسها لواحدة من أهم الحوادث المفصلية في تاريخها. 

يان 

غطت استجابات المورسكيين أنفسهم طيفاً واسعاً. ففي مستوطنات 
المورسكيين الأكثر انعزالا في الداخل البلنسيء التي كانت الشائعات حول 
(1) الساروف أو الساروفيم في اللعقد اليهودي القديم هو أحد ملائكة الطبقة الأولى الحارسين 

لعرش الله [المترجم]. 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 435 


الدين والدم 


نوايا الملك قد اخترقتهاء نزل الطرد على المورسكيين كالصاعقة وأصابهم 
بالصدمة واليأس. وأعلن بعضهم نيته «العيش كأندلسي» في شال إفريقيا 
وبدأوا في ممارسة العبادات الإسلامية علانية للمرة الأولى منذ عقود. 
ورأى آخرون أن النشاط العسكري في بلنسية كان مقدمة لمذبحة شاملة» 
ورفضوا مغادرة بيوتهم. وثمة مورسكيون آخرون أصروا على أنهم 
نصارى جيدون وتوسلوا استثناءهم. ووفقاً لمؤرخ البلاط لويس كابريرا 
القرطبي» فإن بعض المورسكيين رفضوا المغادرة حتى تحت تهديد الموت 
وفضلوا «الموت كنصارى»!”. وعرض بعض المورسكيين الأغنياء تقديم 
ضريبة خاصة لتحصين السواحل إذا سمح هم بالبقاء» وتعهد آخرون 
بدفع فديات الأسرى النصارى في شمال إفريقيا. لكن هذه النداءات 
رفضت في غالبيتها بناء على أوامر الملك. 

وأا كانت مواقف المورسكيين من الطرد» فقد قبلوه وشرعوا سريعاً 
في الاستعداد لرحلتهم. فعبر البلدات والقرى في بلنسية كلهاء بدأ 
المورسكيون في بيع بيوتهم ومحاصيلهم وسلعهم وجمع ممتلكاتهم للرحلة. 
فبيعت الماشية والخراف وحيوانات الحمل والطحين والزبيب والعسل 
والحرير والمجوهرات جميعها في الغالب في أسواق المشترين2©. ومع أن 
بعض النصارى ربحوا من هذه الصفقات» فقد اشتكى آخرون من أن 
المورسكيين كانوا يبيعون «حتى مسامير بيوتهم»» ومن أنهم حرموا من 
الممتلكات التي كانوا قد وعدوا بها كتعويض. واشتكى بعض النصارى 
من أن المورسكيين كانوا يغادرون كأنهم منتصرون وليسوا كفاراً 
مهزومين» ومنهم ريبيرا الذي كتب إلى ليرما «لا يمكن أن أرضى بأن 
يغادر أعداء الله وصاحب الجلالة البلاد أغنياء» في حين يستحقون أن 


(1) سوق المشترين ]12211 5* 2ع لإناط سوق يضم عدداً من البائعين أكثر من المشترين» ما يؤدي إلى 
زيادة العرض على الطلبء وبذا تنخفض الأسعار [المترجم]. 


2436 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


8- «ا محرقة ا مستساغة» 

تصادر سلعهم., وأن يترك أتباع صاحب الجلالة المخلصون فقراء»[6]. 
أنتجت هذه الشكاوى محاولات لتقييد بيع وشراء تمتلكات المورسكيين» 
لكن السلطات كانت حذرة دائياً من إثارة الثورة» ولذلك ل تُفْرَض هذه 
القيود عموما. 

وفي غضون أيام قليلة من نشر أمر الطرد بدأ المورسكيون الأوائل في 
الوصول إلى الموانئ المخصصة لهم على السواحل الأقرب إلى مستوطناتهم 
كا رُنّب أن يعود عشرة من المبعدين الأوائل إلى شال إفريقيا لإعلان 
الوصول الآمن لذويهمء وقدم بعض النُطنين النصارى ضمانات أكثر 
بمرافقة مُفْطعيهم بأنفسهم. ففي الثامن عشر من سبتمبرء أخير أحد 
أغنى ملاك الأراضي البلنسيين» وهو دوق غاندياء فيليب بأن فرداً من 
عائلته سيرافق خمسة آلاف من مُقطعيه من دانية إلى شمال إفريقيا. وعلى 
الرغم من أن غانديا كان يخشى من أن خسارة عماله المورسكيين في حصاد 
السكر التالي قد ينذر ب«دمار هذا البيت»» فإنه طمأن فيليب على «أنني 
راض جداً من دونهم وأدرك المقاصد الجيدة والمقدسة لجلالتك»71. 

كوفئ غانديا بسخاء لاحقا على ولائه» وهو ما كان يعرفه بلا شك» 
وأقنع امتثاله التام الآخرين على أن يحذوا حذوه. ففي العاشر من أكتوبر» 
تلقى فيليب رسالة حزينة من إقطاعي بلنسي يدعى خوان دي بيلاغروت 
الصعدالةلا عل هدوة أعلن فيها استعداده لفقد مُقْطّعيهء لكنه ناشد الملك 
التعويض حتى يتمكن أطفاله من أن «يعيشوا ويظلوا مكرمين بموجب 
مكانتهم»!ة). وفي الثاني من أكتوبرء أبحر ثلاثة آلاف وثاناثة وثلاثة 
مورسكيين من دانية إلى وهران. وبعد ثلاثة أيام» نقل ثانية آلاف آخرون 
من أليقنت”" في أسطول مختلط من السفن الإسبانية والبرتغالية والصقلية 
والسفن المؤجرة. وأخذ المورسكيون من مختلف سهول بلنسية وجباها 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 417 


الدين والدم 


يغادرون بيوتهم والارتحال على الطرق الترابية إلى الساحل بمرافقة 
مفوضين وجنود ملكيين. وتركوا خلفهم مشهداً من الفوضى والخراب» 
إذ تدافع اللصوص النصارى على قراهم المهجورة وخهبوها وجمعوا 
الماشية التي لم تبع والحيوانات المنزلية التي دخلت أحياناً بيوت أصحابها 
السابقين. ركب بعض المورسكيين خيولاً أو بغالاً أو أبقاراء وبعضهم 
ركب عربات مليئة بالملابس والطعام والأثاث وأدوات الطبخ. لكن 
غالبيتهم سافروا مشياً على الأقدامء حاملين حزم ممتلكاتهم على أكتافهم؛ 
وأموالهم وجوهراتهم مخاطة في ملابسهمء لإخفائها عن اللصوص. 
ضمت هذه القوافل رجالا ونساء من كل الأعمار» بعضهم نقلوا على 
أكتاف أقاربهم أو على كراس ومحفات مصطنعة. مثل المرأة البالغة من 
العمر مئة وثلاثة أعوام» التي وصلت إلى ميناء بلنسية على باب خشبي» 
يحملها أربعة من أحفادها. ولدى وصوفم إلى الموانئ المحددة لهمء اقتيد 
المورسكيون مباشرة إلى السفن المنتظرة في دفعات من مائتي شخصء أو 
أخذوا في مراكب أصغر إلى سفن كانت راسية بعيداً عن الشاطئ. وفي 
حال عدم توافر السفن في الحال» كان القادمون الجدد يلزمون بالانتظار 
في أحواض السفن وعلى الشواطئ. وسرعان ما أصبحت بلنسية ودانية 
وأليقنت وبيناروث 103:02 وميناء مانكوفا 3430018 الصغير تغص 
بالمبعدين والجنود والميشليات» وكان البحارة والمسؤولون والمفوضون 
الملكيون يشرفون على تحميل السفن» فضلاً عن المتفرجين الذين جاءوا 
لمشاهدة هذا الترحيل غير المسبوق» وفي بعض الحالات للتربح من 
ورائهم. ففي أليقنت وصف ساكن نصراني كيف كانت «الشوارع 
والميادين تعج بالمارة» في أيام الترحيل. وأصبح ميناء بلنسية سوقا للسلع 
الرخيصة أو المستعملة» واحتشدت فيه سيدات نصرانيات متأنقات في 
عربات أنيقة في صحبة رجال يرتدون قبعات مُرَيّشَْة لمشاهدة الترحيل 


438 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


8- «(ا محرقة ا مستساغة») 


وانتهاز الفرص لشراء المجوهرات والأقمشة الحريرية والملابس المطرزة 
بأرخص الأثمان من المورسكيين. 

تكشفت المناظر المحزنة والمأساوية دائياً عند تحميل المورسكيين على 
السفن المنتظرة. وصل رجل مسن إلى بلنسية معلناً أمنيته في أن يدفن في 
تراب إسلامي؛ لكنه وقع ميتاً وهو يصعد إلى السفينة. ومات مورسكيون 
آخرون من الجوع والإعياء قبل أن يغادروا الشاطئ. وانفصل بعض 
الآباء عن أطفالهم بسبب الفوضىء وترك آخرون أطفالهم مع نصارى 
محليين. ففي لوحة «رحيل المورسكيين من ميناء بلنسية» للفنان البلنسى 
بيري أوراميغ #ندده0 هط نجد رجلاً مورسكياً جائياً وهو يودع ابتته 
الصغيرة التي تقف مع عائلة نصرانية. وحدثت حالات كثيرة من هذا 
الوداع مع استمرار الترحيل. وحتى بعد صعود المورسكيين للسفن» 
كان الكهنة والرهبان والنصارى المتحمسون يواصلون مناشدتهم 
للمورسكيين لأن يتركوا أطفالهم حتى ينشأوا كاثوليكيين. وشاركت 
زوجة كاراثينا دونا إيزابيل دي بلاسكو هعوقاء/١‏ عل 15301 1208 بنفسها 
في إقناع كثير من الآباء بترك أطفالهمء أو اختطافهم حتى» من أجل 
الخلاص الروحي للأطفال. واستسلم بعض المورسكيين لهذا الالحاح» 
لأنهم شعروا بأنهم غير قادرين على رعاية أطفالهم. في حين رفض غيرهم 
بشدة» مثل المورسكية التي ولدت طفلها في الميناء ثم «صعدت بالرضيع 
اا ال ا 
التفتيش البلنسية» وتجاهلت النصارى الذين توسلوا إليها أن تثر 
إضيعها معينم'” 

وفي وسط الحزن كان هناك ابتهاج أيضاً. ففي دانية» أمضى المورسكيون 
الوقت بين رحلات السفن في تنظيم مسابقات مصارعة رومانية» ورقصت 
المورسكيات على الشاطئ على صوت الأعواد والدفوف» في حين كانت 


1_طماع !© :161]أللا 1 439 


الدذين والدم 
السيدات النصرانيات يقلدن خطواتهن. وفي أليقنت» وصلت مجموعات 
مورسكية وح تصنو ردي انان عالت ممنوعة عليهم فيا مضىء 
ويعزفون الآلات الموسيقية «كما لو كانوا في طريقهم إلى أسعد الأعياد 
وحفلاات الزفاف»». كما كما ذكر بليدا. وارتدت مورسكيات كثيرات أفضل 
ملابسهن وحليهن للمناسبة. وبعضهن لبسن القبعات ذات الحواف 
العريضة والفساتين السوداء التي كانت ترتديها النصرانيات» وليبست 
أخريات ملحفاتهن البيضاء بفخرء فيه| ارتدى رجاطن القبعات أو أحياناً 
العمائم الحمراء لإعلان نيتهم «العيش كأندلسيين200. 
وصور النزوح البهيج للمورسكيين موضوع متواتر في كتابات أنصار 
الطرد» الذين شاهد كثير من منهم الصعود إلى المراكب بأنفسهم. فلااحظ 
بليدا مورسكيين نزلوا إلى البحرء وحمدوا الله ومحمداً على تمكينهم من 
الانتقال إلى أراضي أسلافهم أو تبجحوا على المتفرجين النصارى «بأنهم 
ذاهبون إلى حيث أرسلهم الملك. لكنهم سيعودون قريبا ويطردوننا». 
ورأى بلاس بيردو «يد الله» في أن المورسكيين ذهبوا طائعين إلى أماكن 
ترحيلهم» ولم يكونوا يحتاجون إلا إلى «صوت البوق» ليذكرهم بيوم 
الحساب» في حين وصف داميان فونسيكا الطرد بأنه «عمل إِلهى أكثر 
منه بشري». وبالنسبة إلى أنصار الطردء كان هذا النزوح الطوعي برهاناً 
(1) كانت هذه البهجة وخروج «المنتصرين» من جانب المبعدين مولمة جداً للمسؤولين ورجال 
الدين النصارى الذين تخيلوا أنهم يطردون المورسكيين من «الجنة»» فإذا بالمطرودين يغنون 
وبرقصون ايارع ع بي ا ااي 11 
العربية؛ وهو ابر لا ار كرا 0 598 الطرد العنارف ضخموه يوا السو 
من ناحية» ومن ناحية أخرى لشيطنة سكان شمال إفريقيا «البرابرة الهمجيين المتوحشين 
الخارجين على القانون» الذين لم يستشوا حتى أيناء جلدتهم من ثمارساتهم البربرية. ومن الوارد 
أيضاً أن كثيراً من المورسكيين الذين أبدوا فرحتهم بالطردء قد فعلوا ذلك خصيصاً لتفويت 
فرصة التشفي على «أعدائهم» النصارى [المترجم]. 


440 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


8- «ا محرقة ا مستساغة) 

على نفاق المورسكيين الذي استوجب عقابهم في المقام الأول» لكن هذا 
الوصف يحتاج إلى ضبط. فلا شك أن كثيرا من المورسكيين احتفلوا 
بنجاتهم من الظلم النصرانيء واعتبروا بقاءهم الديني والثقافي نوعاً من 
الانتصار. وقد جاء في أغنية مورسكية انتشرت في أراغون قبل الطرد 
وصف شال إفريقيا بأنه أرض الوفرة «التي يوجد فيها الذهب والفضة 
الصافية في كل جبل وآخر)»ء وأعلنت: 

لنذهب جميعاً إلى هناك 

حيث يكثر المغاربة 

حيث يوجد الخير كله 

وشّه أحد شعراء الألخامية في تونس نزوح المورسكيين بنزوح اليهود 

من مصرء الذي ورد في التوراة» وحمد الله على تحويل البحر الأبيض 
المتوسط إلى "مرج من الزهور المخضراء» مكن إخوته في الدين من ا هرب 
من «فرعون إسبانيا»!”'). لكن في حين احتفل بعض المورسكيين بطردهم: 
قبله آخرون تضامناً مع جيرانهم أو اشمئزازاً من المجتمع الذي طردهم. 
مثل مُقُطعى دوق غاندياء الذين رفضوا بازدراء دعوته لاستغلال نسبة 
الستة في المئةء الذين كان مسموحاً لهم بالبقاء للعمل في حصاد السكرء 
وأعلنوا أنهم «يفضلون أن يكونوا مُقْطعين للأتراك على أن يكونوا عبيداً 
لإسبانيا». وحتى بين أولئك الذين أظهروا البهجة بطردهم, كان بعضهم 
بالتأكيد يحاول التظاهر بالشجاعة في أمر اعتبره حتمياء لكنهم لم ينجحوا 
جميعاً في ذلك. فقد وصف الشاعر النصراني غاسبار دي أغيلار دوه 
ناث ع0 كيف كانت المورسكيات المسشنات يغادرن بيوتبن في غانديا 
ابالدموع والعويل... ثم يكشرن ويغيرن انفعاللات وجوههن!!!!. وهذا 
الضيق مفهوم. فأيا كانت مشاعر المورسكيين على مغادرة إسبانياء فإن 
قليلين منهم فقط كانوا يشعرون بالثقة في قدرتهم على النجاة من رحلة 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 441 


الدين والدم 
تحفها الأخطار منذ لحظة مغادرة بيوتهم. 
د جد جد 
تعهدت أوامر الملك بوضوح بألا يُلحق النصارى أي أذى بالمورسكيين» 
لكن هذه الأوامر خرقت كثيراء إذ كانت عصابات اللصوص النصرانية 
تكمن لقوافل المورسكيين على الطرق؛ وتجردهم من أمواهم وممتلكاتهم 
الثمينة. وتعرض بعض المورسكيين للسرقة حتى قبل أن يغادروا بيوتهم. 
ففي قرية بالومار 23105 بوادي البياضة 'ز1/2116 153102ىم ذبح ثلاثة 
نصارى مزارعاً مورسكياً كان يجمع الزبيب من بستانه للرحلة. وحين 
ألقت زوجته الذاهلة بنفسها فوق جثة زوجهاء قتلوها بال هركوبة. وق 
اثنان من أفراد العصابة بعد ذلك على جريمتهم» ومع ذلك ظلت حوادث 
قتل ممائلة تتكشف عبر المملكة. ففي أراضي دوق غاندياء اتهم كارائينا 
عصابة من لصوص الماشية النصارى بقيادة أحد رجال الدوق الخاصين 
«بإلحاق أذى كبير» بالمورسكيين في المنطقة. وفي الثالث من أكتوبر» نقل 
نائب الملك إلى فيليب خبر مقتل أكثر من خمسة عشر مورسكياً في الأيام 
الثلاثة السابقة» وأن «الاضطرابات والسرقات والشرور»» التي ارتكبها 
النصارى القدامى بحق المورسكيين وصلت إلى درجة أنه «لم يعد طريق 
وَاخد آمناً لم2 
حاولت الحكومة أن تمنع هذه الهجمات» وكانت تعاقب مرتكبيها دائ] 
بشدة» لكن بدا من المستحيل حماية المورسكيين من الغوغاء النصارى 
الحقودين والمبتهجين بالنصرء الذين اعتبروا الطرد أحياناً تفويضاً 
مطلقاً للسرقة والنهب. وفي بعض ا حالات كان المورسكيون يتعرضون 
إلى الهجوم من الجنود المرافقين أنفسهم. ففي حادثة» قبض على جندي 
نصراني لاغتصاب نساء مورسكيات في عهدته» فتعلل بأن «الله هو الذي 
خلقه ذكراً». واعتقلت محكمة التفتيش ضابطأ آخر لاغتصاب أربع نساء 


412 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


8- («را محرقة ا مستساغة) 
مورسكيات وطفلة في عمر الثانية عشرة. 
ولما اكتشف المورسكيون عجز السلطات عن منع هذه الهجمات» أخذ 
بعضهم يتولون الأمر بأيديهم. ففي السادس من أكتوبر» صاح نصراني 
مذعور في كاتدرائية بلنسية في أثناء القداس: «الأندلسيين! الأندلسيين!») 
وأعلن أن أربعة آلاف مورسكي كانوا يذبحون النصارى خارج المدينة. 
فأرسلت كتيبة من سلاح الفرسان إلى المنطقة» فوجدت مائتي مورسكي 
فقط يطاردون عصابة نصرانية سرقت أحد جيراهم وقتلته. 
ورغم الفوضى والعنف في الريف. استمرت عملية النقل بالسفن 
بكفاءة ملحوظة. ففي الرابع والعشرين من أكتوبر, كتب كابريرا القرطبي 
أن «الشاغل الرئيس الآن هو إرسال واستقبال أخبار آخر المستجدات 
حول المورسكيين البلنسيين»» وأن عشرين ألف مورسكي كانوا قد نقلوا 
إلى الجيب الإسباني في وهران» وأن عشرة آلاف آخرين كانوا في انتظار 
السفن!13]. وكانت رحلات الوصول والمغادرة تسجل بعناية في سجلات 
رسمية» وترسل إلى ناتب الملك والحكومة في مدريد؛ ومن أمثلتها السجل 
التالي من ميناء بلنسية: 
في الخامس من أكتوبر 1609 أبحرت سفينتان تدعيان 
سانتا أنا وسان بيسنتى بقيادة رينالدو غرانيير الميورقى 
الشاطىئع من غراو ع ببلنسية» مهما ستمائة تسن 
مورسكياً من منطقة القصر ومئة طفل صغير وثلاثون 
رضيعاً. وفي اليوم المذكور أبحر القبطان الميورقي 
أنطونيو خوردي بسفينته سانتا ماريا بونفنتورا بثلاثائة 
وأربعين مورسكياً وستين طفلاً وثئانية عشر رضيعاً على 
صدور أمهاتب.!4!!. 
كان من المفترض أن يقدم للمورسكيين لدى وصوهم إلى الساحل 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 443 


الدين والدم 


قوت لرحلتهم, لكن السلطات واجهت صعوبات في الحفاظ على تدفق 
المؤن. وفي الأسبوع الأول من نوفمبر أجبر الطقس السيئ عدداً من 
السفن على العودة إلى موانئها أو البحث عن ملجأ في أماكن أخرى. وني 
الثاني من نوفمبر» اضطر عدد من السفن أبحرت من بيناروث على متنها 
أربعة آلاف وخمسمائة مورسكي إلى اللجوء إلى ميناء لوس الفاكوس 1.05 
5و 1ه بأراغون. بسبب الطقس الطائج. ومع ذلك ظل المورسكيون 
يتدفقون على موانئ ترحيلهم؛ وتمتلئ المراسلات بين مسؤولي الموانئ 
المحليين والحكومة المركزية في مدريد بالطلبات المستعجلة للبسكويت 
والحمص والتحذيرات من أن المورسكيين في عهدتهم كانوا عرضة إلى 
خطر المجاعة. وفي السابع من نوفميره ذكر مسؤولون في بلنسية في تقرير 
لهم أن أسطولا من السفن الشراعية البرتغالية تأخر في الوصولء وأبدوا 
قلقهم من العجز عن إطعام المورسكيين الذين كانوا في انتظار الشحن» 
إذا اسعمر التأخير. وفي التاسع من ديسمبرء أخبر كاراثينا الملك ووزراءه 
بأن السلطات لم تعد قادرة على إطعام المورسكيين» الذين كانوا يتوافدون 
على أليقنت. فمع أن بعض هؤلاء المورسكيين جلبوا طعامهم معهم؛ 
كما ذكر نائب الملك. فقد كان آخرون منهم يعتمدون كليا في قوتهم على 
إحسان مُفْطعيهم النصارى, «فعلى الرغم من أن كثيراً منهم أغنياء» فإن 
الفقراء بينهم كانوا لا يحصون)151!. 

كان التاج في ذلك الوقت قد خلف وعده بتحمل تكاليف الطرد, وبدأ 
في إجبار المورسكيين الأغنياء على دفع ثمن مؤنهم, وتمويل نقلهم» ونقل 
الفقراء الذين كانوا لا يتحملون نفقات أنفسهم. ورغم هذه الصعوبات» 
واصلت سفن النقل الإبحار ذهابا وإيابا بين بلنسية وشمال إفريقيا. على 
أن كثيراً من المورسكيين الذين ركبوا السفن لم يبلغوا مقصدهم. فقد 
غرقت بعض السفن في العواصف. وهاجم القراصنة بعضها. وتعرض 


444 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


8- «اا محرقة ا مستساغة ) 


المورسكيون أحياناً للسرقة والقتل في عرض البحر من جانب بحارة 
السفن التي كانت تقلهم. وانتشرت هذه الحوادث بشكل خاص على 
السفن الخاصة» التي عملت إلى جانب الأسطول الإسباني. فقد كان 
الطرد في معظمه عملاً متعدد الجنسيات» إذ تضمن سفناً من إنجلترا 
وفرنسا وإيطاليا والبرتغال. جاءت بعض السفن بتكليف من السلطات 
الإسبانية» وجاء غيرها طوعاً مدفوعين بفرصة الأرباح السهلة. وكان 
المورسكيون الأغنياء يفضلون دائ] السفر على هذه السفن بدلا من السفن 
المقدمة من التاج» رغم أجرتها الأعلى. اعتقاداً منهم بأغبا أكثر أهانا لكن 
هذه التوفعات كانت تخيب ذاق] يوق حي كاتنت أطقهها تبرق 
الركاب وترميهم في البحر أو عل جزر معزولة وشبواطع الريقية ثالية 
قبل اختطاف نسائهم وأطفاهم لبيعهم عبيدا. وفي بعض ال حالات كان 
البحارة النصارى يغتصبون النساء وحتى الأطفال ثم يرمونهم في البحر. 

في واحدة من الحوادث القليلة التي د تتوافر حوها تفاصيل محددة» تآمر 
ربان قطلونيٍ يدعى خوان ريبيرا 81658 هدناد مع ربان نابولي لانتظار 
أحدهما الآخر في منتصف الرحلة» وذبح ركاب السفينتين. وبمجرد 
أن ابتعدت السفينتان عن البرء قتل ريبيرا وطاقمه الركاب المورسكيين 
على منصة الربان ورموا جثثهم في البحر. ووعد البحارة الركاب بالطابق 
السفلي بأنهم لن يقتلوا إذا سلمهم الرجال أموالهم وممتلكاتهم. ثم صعد 
الركاب الذكور إلى السطح واحداً بعد الآخرء حيث كانوا يسرقون 
ويقتلون ويرمون في البحر. وحين صعدت نساؤهم إلى السطح واكتشفن 
ما حدث. أصيبت كثيرات منهن بالهلع» فألقين بأنفسهن في البحر ومعهن 
أطفالهن. في حين اغتصبت أخريات قبل أن يلقين في البحر. 

وحتى الراهب الشرس في معاداة المورسكيين فونسيكا غضب من 
المعاملة التي تعرض لا الركاب. الذين وصفهم ب«الهمج السذج» على 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 445 


الدين والدم 

أيدي «نصارى سيئين12!]. كانت الناجية الوحيدة من هذه المجزرة 
البحرية امرأة مورسكية جميلة قرر ريبيرا إعادتها إلى برشلونة كتذكار 
شخصى له. وعند عودته إلى المدينة» خشى أن تتحدث أسيرته» ولذلك 
اغرقها فى فم جور لوبريقات 1101682 بضريها بمجداف حتى الموت. 
وسرعان ما اكتشفت المذبحة» حين حاول الطاقم بيع غنائمه؛ فسّنق ريبيرا 
وقطع جسمه أرباعاء وقد شاهد فونسيكا بنفسه عملية الإعدام بارتياح. 

على أنه من غير الممكن بحال معرفة عدد الحوادث المائلة التي وقعت. 
إذ كان البحارة النصارى يجبرون ركابهم المورسكيين دائاً على توقيع 
أوراق تؤكد وصلوهم آمنين» قبل سرقتهم وقتلهم والعودة إلى إسبانيا 
لتكرار العملية. لكن هذه الحجمات كانت معروفة للسلطات الإسبانية. 
ففي يناير 1610» كتب الأب بيرناردو دي مونروي عل ملعقمسء8 
هنده81؛ الكاهن النصراني بالجزائر» إلى كاراثينا طالباً من حاكم الجزائر 
السماح بعودة مجموعة من المورسكيين إلى إسبانيا مؤقتاً لطلب تعويض 
من البحارة الإنجليز والفرنسيين» الذين سرقوا رفاقهم وقتلوهم. فهر 
غير المعروف ما إذا كان هذا الطلب قد لَبّي مع أن املك ووزراءه كانوا 
يعاقبون مرتكبي هذه الجرائم حال اكتشفاها. 

يجتهد مؤرخو الطرد مثل بليدا وفونسيكا دائياً في نسبة هذه الهجمات 
إلى السفن الخاصة لا سفن التاج» ويبدو أن ذلك صحيح بوجه عام رغم 
عدم صحة زعم بليدا بأن «الملك ووزراءه لم يكونوا مسؤولين مطلقاً» عن 
اختيارات المورسكيين. فلم يكن سلوك مسؤوي الملك مثاليا دائ). ففي 
ميناء قرطاجنة 188678:ة© تسجل وثيقة رسمية أن أربعة جنود نصارى 
قبض عليهم المهاجمة المورسكيين في الليل وإصابتهم وسرقتهم»» وليس 
ثمة ما يبرر الاعتقاد بأن هذه الحادثة كانت فريدة من نوعها. 

على أن مصير المورسكيين الذين وصلوا إلى شمال إفريقيا لم يكن دائياً 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 


8 - «ا محرقة ا مستساغة» 

أقل سواداً. فقد كان معظم المورسكيين البلنسيين يشحنون إلى قلعة 
الحامية الإسبانية في وهران بالقرب من الجزائر» حيث كانوا ينامون في 
خيام أو في العراء قبل أن يشقوا طريقهم إلى الأراضي الإسلامية. وفي 
الأسابيع الأولى من الطرد تمكن القائد الإسباني في وهران الكونت أغيلار 
من نقل هؤلاء المبعدين وإطعامهم. وتفاوض حتى مع الحكام المسلمين 
المحليين لضمان حمايتهم. لكن سرعان ما غصت احامية الإسبانية بأعداد 
القادمين وبدأت في اقتياد المورسكيين عبر الحدود البرية دون التأكد من 
توافر المؤن أو الحاية لهم. 

وفي طريقهم إلى البلاد التي كانوا يقصدوهباء كان المورسكيون 
مضطرين دائاً إلى العبور بمناطق قبلية خارجة على القانون» قطنها بدو 
أمازيغيون وعرب أخفق الحكام المسلمون على الساحل في إخضاعهم. 
واكتملت المأساة حين وجد المورسكيون الذين طردوا من إسبانيا لأنهم 
«نصارى سيئون» أنفسهم مرفوضين من هذه القبائل المسلمة» لأنهم 
«مسلمون سيئون» يشبهون النصارى في زبهم وكلامهم. فكان هؤلاء 
المنفيون العزّل حين يُلقَون على غير هدى في الطرق الخارجة على القانون 
بين تلمسان وفاس في المغرب دون مرافقين أو حماية» يتعرضون دائاً 
للسرقة والقتل والاغتصاب. ووفقاً للمقري التلمساني» الذي عاصر 
الطرد» فإن كثيراً من المورسكيين «هوجموا على الطرق من جانب العرب» 
وتمن لا يخافون الله»» لدرجة أن «قليلين جداً منهم وصلوا إلى البلاد التي 
كانوا يقصدونها»!17!. على أنه من غير الممكن تقييم هذه الادعاءات» لكن 
بعض المؤرخين الإسبان المعاصرين قدروا أن ثلاثة أرباع المورسكيين 
البلنسيين الذين وصلوا شمال إفريقيا ماتوا من الجوع أو المرض أو العنف. 

ومع أن السلطات الإسبانية تلقت تحذيرات من مسؤوليها في وهران 
من وقوع هذه الحجماتء فإن أولويتها الأولى تمئلت دائاً في إبعاد السكان 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 417 


الدين والدم 


المورسكيين عن بلنسية بأسرع ما يمكن, إذ لم تكن تكترث بمصيرهم 
اللاحق, إلا إذا كان ناتجاً عن عملية الطرد. ولذلك لم يفعلوا شيئاً لإبطاء 
عملية الطرد أو ضان الحاية لمن عبروا الحدود. ووجد بعض المؤرخين 
النصارى سخرية مَُرْضية في معاناة المورسكيين» الذين نبذوا «الجنة 
الدنيوية» في إسبانيا رغبة في «الصحارى القاحلة» في شمال إفريقيا على 
أيدي العرب المسلمين» وهو الاسم الذي كان يطلق على رجال القبائل. 
وابتهج بليدا كثيراً من أن «المسلمين الإسبان» قتلهم «جلادون قساة من 
ملتهم» معلناً أنهم «لو ماتوا جميعاً لكان ذلك أفضل لإسبانيا». ولم يقل 
عنه بهبجة زميله الدومينيكاني بلاس بيردو الذي هزأ من «هذا الكرم 
والحب الذي يعامل به بعض أتباع هذا الدين بعضهم, فتلك هي محبتهم. 
لماذا لم يحفظهم محمد في الصحارى الإفريقية؟ ولماذا لم يخرج هم الماء 
من الصخر؟ أين الَنُ؟”" لعلكم تعرفون الآن جيداً الفرق بين القلوب 
النصرانية الإسبانية والإسلامية المغاربية»181]©, 


(1) يُعرَّض الاستشهاد بالآية القرآنية: #وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم الَنّ والسلوى كلوا من 
طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون» (البقرة» 57)) وَالَنَ هو مادة 
غير معروفة؛ قال بعض المفسرين أنها الترنجبين أو الطرنحبين» وقال بعضهم إنها صمغة حلوة» 
وقال بعضهم عسل أو شراب حلو أو خبز الرقاق» وقال آخرون بأنها كل ما مَنّ الله به على 
عباده من غير تعب ولا زرع [المترجم]. 

(2) لا شك في أن جرائم من النوع المذكور ارتكبت بحق المورسكيين من جانب القبائل العربية 
والأمازيغية في شمال إفريقياء لكنها بالتأكيد لم تكن بهذا الحجم قط. فحكام شمال إفريقيا 
الذين جدوا في إعادة المورسكيين قبل عقود من الطرد» ومنهم عروج بربروس الذي قيل إنه 
أعاد سبعين ألف مورسكيء, وسلاطين المغرب الذين اتخذوا المورسكيين وزراء وسفراء وقادة 
عسكريين وجنودهم ومنحوهم الأراضي من قبل الطرد بعقود؛ من غير المرجح أن يتركوهم 
نهبا للقبائل الخارجة على القانون. رجما وقعت هذه الأحداث في بداية الطرد» نتيجة للمظهر 
النصراني للمور ان ان ال واريجة اميم لاد لكا اواك ا . لكن في 
مقابل هذه المعاملة من المسلمين لبعضهمء وهي شيء غير متحضر وغير إنساني بالتأكيد» كان 
الإسبان أنفسهم من أبشع المستعمرين في التاريخ» سواء في البلاد الواطئة ومنطقة الفلاندر» 
التي عاملوا فيها البروتستانت «المسيحيين» ب«الدم والنار» بتعبيرهم» فقمعوا ثوراتهم - - 


446 11_طماع !© :161 ]آنل 1 


8- «ا محرقة ا مستساغة» 

على أن المورسكبين لم يتلقوا جميعاً هذا الاستقبال القابي. فقد حدث 
الطرد دون إعلان مسبق» وذلك لأسباب واضحة. وكان التدفق المفاجئ 
لعشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال مباغتاً حتى لأفضل 
الحكام المسلمين حسنّ نيّة. ومع انتكشاف ما حدثء بدأ المورسكيون 
البلنسيون يتلقون معاملة أفضل. فحصل بعضهم على ضمان العبور 
الآمن من الحكام المحليين» وتوافر لهم مرافقون عبر المناطق القبلية. 
وحصل آخرون على الطعام والملجأ من الأهالي» الذين اعترفوا بأنهم 
إخوة مسلمونء وتعاطفوا مع مأزقهم. وبحلول منتتصف أكتوبر كانت 
الشائعات حول المعاملة التي لقيها المورسكيون في أثناء نقلهم وبعده قد 
بدأت في اختراق بلنسية. ففي الثامن والعشرين من أكتوبرء كتب مجموعة 
من المورسكيين إلى حاكم شاطبة يلتمسون العفو منه لأننا انعرف يقيناً 
أن كثيرا من الناس ماتوا في البحرء ولدينا رسائل مؤكدة حول ذلك... 
ونحن إذا كنا خائفين» فإن ذلك لأننا معمّدون, وإذا أصبحنا بين هؤلاء 
الممج» وعرفوا أننا نصارى سيقتلوننا بمجرد وصولنا»!”'!. ورفض كثير 
من المورسكيين الآخرين مغادرة بيوتهم. واستعد غيرهم لخوض آخر 
المعارك المستميتة في تاريخ إسبانيا الإسلامية. 

ا 

ورغم المخاوف المتواترة من اندلاع ثورة مورسكية؛ فإن العلامات 
الأولى للمقاومة المسلحة لم تبدأ في الظهور إلا في النصف الثاني من أكتوبر» 
حين بدأت فرق من المورسكيين حول بلدة خالون القريبة من دانية في قتل 

ما فعل كورتيس ورفاقه من المستعمرين» الذين تفتقت عبقريتهم عن استخدام غير مسبوق 

للمحتلين حين اتخذوهم مطايا ركبوها عبر جبال الإنديز» حيث كان المستعمر يركب على 


ظهر الهندي ويسوقه عبر الجبال كما يركب الحيوان» أو حتى ما يسجله هذا الكتاب من 
جرائم وحشية وإبادة وتنصير قسري وترحيل داخليء ثم إبعاد كامل للمورسكيين [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 449 


الدين والدم 


النصارى والمورسكيين» الذين رفضوا الانضمام إليهم. وبحلول أوائل 
شهر نوفمبر كانت هذه ال هججمات قد بدأت تلتئم في عصيان قوي. حين 
لجأ نحو عشرين ألف مورسكي بعاتلاتهم وحيواناتهم وممتلكاتهم إلى 
الجبال القاحلة الوعرة في وادي لاغوار نإ116ة/ا :هدوة.1 إلى الجنوب من 
بلنسية. وفي الشمال اندلع العنف في وادي انوا 'إء11/ا هزمنرث القريب 
من مدينة بلنسية» حيث قتل المورسكيون في ضياع المركيز دوس أغواس 
5 1058 01 5أناوكة1/1 فنقوضاً ملكا وخمسة جنود كانوا قد أرسلوا 
لمرافقتهم إلى الساحل. وفي المنطقة المحيطة» بدأ المورسكيون في مهاجمة 
القلاع والكنائس ومنازل الإقطاعيين وحرقها وقتلوا المدافعين عنهاء 
واستولوا على أسلحة» وجمعوا مجندين جدداً. وني العشرين من أكتوبر» 
أخبر نصراني محلى نائب الملك بأن آلاف المورسكيين كانوا يتدفقون نحو 
مولادي رس 00165 عل 3اع د11 أعلى نهر خوكار 11766 م1503 البكثير 
من البنادق والهاركوبات»» تصحبهم عائلاتهم وماشيتهم. 

كانت الهضبة المنبسطة التي يسميها البلنسيون مولا كورتيس أو كتلة 
كورتيس بمنحدراتها الشاهقة المطلة على بلدة كورتيس دي بالاس توفر 
مأوى طبيعياً هائلاً» وسرعان مان! معسكر الثوار» حيث توافدالمورسكيون 
من أنحاء بلنسية كافة على هذه المنطقة. وكا في المرات السابقة» هرب 
المورسكيون من مضطهدببم النصارى إلى معاقل جبال إسبانياء لكنهم 
في هذه المرة لم يكونوا يحاربون من أجل الاستقلال الديني أو الثقاني» بل 
من أجل الحق في البقاء في البلاد. ورغم التحذيرات على مدى الأعوام 
من مخابئ الأسلحة والجيوش السرية المورسكية» لم تكشف الأدلة عن 
تخطيط أو استعدادات خلف هاتين الانتفاضتين. وعلى الرغم من أن 
بعض المورسكيين كانوا يمتلكون أسلحة نارية» فإن أسلحتهم تكوّنت 


4530 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


8 - «ا محرقة ا مستساغة » 


في الأساس من النقّافات وحراب منزلية الصنع ومطارد”" مصنوعة من 
شفرات المحاريث ومناجل حصاد وأحجار وصخور وضعوها على قمم 
الجبال لإزاحتها على المهاجمين. وفي وادي لاغوار انتخب الثوار «ملكا» 
لقيادتهم. وني مولا دي كورتيس اختار المورسكيون قائداً يدعى بيسنتي 
توريئي تنا عنمعءتلاء الذي قبل المنصب ببعض التردد. وطمأن 
اارعاياه») الب به ده انار عدا مر 

لكن لا السحر أو الترسانة المورسكية البدائية كانت فرصتها قوية 
أمام فيالق ميخياء التي عركتها الحروبء مع أن سلوكها غير المنظم كان 
مصدر قلق لعامة النصارى. فقد أطلق الجنود النصارى العنان لغرائزهم 
اللصوصية في المورسكيين المستسلمين» حين أمرهم ميخيا ببدء العمل 
أول نوفمبر. وبغرض إتمام الطردء عرض الجنرال المخضرم على الثوار 
العبور الآمن في البداية إذا وافقوا على مغادرة إسبانيا. وحين رفضوا هذا 
العرض بأنفة» بدأت الفيالق والمليشيات في ملاحقة الثوار في الجبال. 

وفي العشرين من نوفمبر» قاد ميخيا وقائد فيلق نابولي سانشو دي لونا 
4_] ] عل مطاعمة5 رتلين منفصلين من اتجاهين مختلفين في زحف ليلٍ نحو 
مواقع المورسكيين فوق وادي لاغوار. صعد الجنود ورجال المليشيات 
مثقلين بأسلحتهم ودروعهم في صمت خلال التضاريس الوعرة 
بصنادلهم ذات الحبل الواحد. فوجدوا تمثال مريم العذراء وقد حطمه 
الثوار وشوهوه. توعد ميخيا بفرض عقاب قاس على هذا التدنيس 
للمقدسات, وقد أوفى بوعده. فعند فجر اليوم التاللي تدفقت قواته على 
موقع الثوار سيئ الدفاعات في قلعة بوب م20 الخربة» وحصروا أعدادا 
كبيرة من المورسكيين في سهل معزول. ونفذ الجنود ورجال المليشيات 
مذبحة شنيعة. ووصف أنطونيو دي كورال روخاس 00581 عل 010مامة 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 451 


الدين والدم 

كدزه الجندي الذي شارك في الحملة كيف غطت «دماء الأبرياء والنساء 
والأطفال» أسلحة الجنود!”*!. قاتل بعض المورسكيين لأقصى إمكاناتهم» 
خين قل كدير منهو: وهم بعاثون عل ركبهم يطابود الرخف لكهم” 
وفقاً لفونسيكا- ١لا‏ يستحقونبها؛ أولتك الذين أساؤوا استخدامها كثيراً». 

وفي نباية اليوم» كان زهاء ثلاثة آلاف مورسكي قد قتلوا في مقابل 
إصابة عرضية واحدة فقط لجندي نصرانيء واندفع الجنود في تجريد الجثنث 
من الملابس والمجوهرات. وتراجع آلاف المورسكيين إلى أعالي الجبال» 
وهناك آثر ميخيا أن يقتلهم بالجوع والعطش بدلا من تنفيذ هجوم مباشر. 
وفي الثامن والعشرين من نوفمير» استسلم الباقون على قيد الحياة بسبب 
الجوع والعطش. وهنا تذكر كارول روخاس «منظراً جميلاً وسائغاً من 
بعيد لكنه يثير العجب والارتباك لدى تفحصه عن قرب. حيث رأى 
جثثاً كثيرة قتلها الجوع والعطش بين تلك الصخورء معظمهم أطفال» 
والأحياء منهم ذابلون وفاقدو القوة وقاطعو النفس تقريباً ومتسخون 
ويملؤهم القمل)!!2). اقتيد ثلاثة عشر ألف مورسكي إلى أسفل هذه 
الجبال» وكان بعضهم مصابين بالجفاف لدرجة أنهم ألقوا بأنفسهم في 
أول جدول قابلهم وعبّوا من الماء حتى مرضوا أو ماتوا. 

وهوجم آخرون من جانب نصارى حاقدينء أو قتلهم مرافقوهم لأنهم 
لا يستطيعون المشي» أو اختطفوا وبيعوا عبيدا. وجرد بعض المورسكيين 
من كل ممتلكاتهم لدرجة أنهم وصلوا عراة إلى موانئ ترحيلهم؛ وفيها 
ماتوا جوعاً وهم ينتظرون السفن لنقلهم أو باعوا أطفالهم للجنود 
النصارى والبحارة الأجانب في مقابل كسرة خبزء وهو ما اعتبره كورال 
روخاس «عقاباً عادلاً من السماء بحرماهم من أغلى ما يحبون؛ لكنه رحيم 
بالنظر إلى تدنيس المقدسات والأعمال الوحشية التي اقترفوها»!22!. 

في هذه الأثناء كانت العمليات العسكرية تجري في مولا دي كورتيس 


232 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


8- «ا محرقة ا مستساغة» 

بقيادة خوان القرطبي 8 هل هقنال؛ قائد فيلق لومباردي. لكن 
المورسكيين هنا قبلوا دعوة الاستسلام, بيد أن المفاوضات هوت سريعاً 
[وتحولت] إلى فوضى عنيفة» حين رفض الجنود النصارى حرماءهم من 
الغنائم. وفي لوحة بيسنت ميستر :]2165 7106814 السردية بعنوان «ثورة 
المورسكيين في مولا كورتيس» تظهر فرق الفيلق والفرسان القشتاليون 
برماحهم وحرابهم وراياتهم في تشكيل المعركة الكامل خارج كورتيس 
دوبالاس» وهم بوحفرك عل عرلا فق نظام لحن ل الواقعي كان 
الانضباط العسكري غائباًء إذ اندفع الجنود النصارى في فورة من 
الاغتصاب والنهب واصطياد العبيد. 

أسر الجنود مئات النساء والأطفالء في حين قفزت أخريات من الجبال 
العالية بأطفالهن لتفادي هذا المصير قبل أن يسيطر القادة النصارى على 
الموقف» ويقتادوا الباقين إلى الساحل. وفي الخامس من ديسمير» كتب 
كاراثينا إلى الك يخيره بأن الثلاثة آلاف مورسكي الذين وصلوا من مولا 
إلى ميناء بلنسية كانوا في حالة مجاعة» في حين أخبر خوان القرطبي ميخيا 
في.وقت لاحق من ذلك الشهر بآن مئة وستين رجلاً وامرأة مورسكية قد 
أخذوا إلى شاطبة «معظمهم في حالة شديدة من الضعف والجوع؛ لدرجة 
أنني لا أعرف كيف سيصلون إلى هناك»2210]. 

على أن الثوار لم يؤسروا جميعاً. إذ فر مئات منهم إلى الجبال القاحلة 
بين مولا دي كورتيس وقشتالة» وواصلوا تنفيذ هجات متقطعة على 
النصارى. لكن رغم هذه الحوادث الدموية تلاشى تماماً ديد الثورة 
المورسكية الشاملة. وفي العاصمة البلنسية» احتفلوا بالاستسلام في 
مولا دي كورتيس بمهرجانات ومواكب وأنوار ليلية ساطعة أضاءت 
سماء المدينة. وقاد ريبيرا بنفسه موكباً مهيباً لتقديم الشكر إلى «عذراء 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 2453 


النصر»”". وأمر بتوزيع النبيذ الأحمر والأبيض مجاناً من الحوض القائم 
أمام معهد كوربس كريستي تأكقط0) 5نام01© [ جسد المسيح ]. وفي يناير» 
أسر الجنود النصارى بيسنتي توريشي في كهف. وهبطوا به إلى بلنسية 
ووضعوه على حمار وقدموه إلى ريبيرا. وحكم على آخر ملوك إسبانيا 
المورسكية بالشنق وتمزيق جثته. وهي المحنة التي تحملها «بصبر عظيم»؛ 
وفقاً لكابريرا القرطبي» بعد أن اعترف بذنوبه وأعلن رغبته في الموت على 
النصرانية. ْ 

شكّلت هذه الأحداث جميعها جزءاً مما أسماه فونسيكا «المحرقة 
المستساغة» لبلنسية المورسكية. وفي وسط هذه المأساة الإنسانية ا هائلة» 
كان الملك الذي حيّاه لوبي دي بيغا بلقب «جوبيتر فيليب»© يواصل 
التمتع بنشاطاته المعتادة. ففي الحادي والعشرين من نوفمبر» وفي الوقت 
الذي كان المورسكيون فيه يُذبحون في جبال لاغوار» سجل كابريرا 
القرطبي مهرجاناً رائعاً للبلاط في مدريدء استمتع فيه الملك والملكة 
بالرقص ومصارعة الثيران وحفلة تنكرية على ظهور الخيل. وفي العشرين 
من ديسمبر» ذهب الملك والملكة للصيد وجرح خنزير بري حصان الملك 
في حملة ناجحة أخرى قتل جلالته فيها عدداً من الأرانب والثعالب 
والأيائل. 

ورغم الشكوك الأولية لدى خوان دي ريبيرا بخصوص الطرد. ظل 
رئيس الأساقفة يعبّر عن دعمه القوي له طوال حياته. فقد ذكر لفيليب 
في رسالة في فبراير 1610 أنه في كل يوم يعطينا الله معجزات جديدة في 
(1) عيد عذراء النصر 8ذ105»ة/9 18 0# 1760؛ 1 موكب ديني يحتفلون به في إسبانيا في الثامن 

من سبتمبر كل عام؛ يحبي ذكرى انتصار فيردناند وإيزابيلا على الأندلسيين؛ وثمة عيد آخر 

يحتفل به في دول مسيحية كثيرة أدخله البابا بيوس الخامس في عام 1572 إحياء لذكرى انتصار 


الأسطول المسيحي على العثمانيين في ليبانتو في السابع من أكتوبر 1571 [المترجم]. 
(2) جوبيتر هو كبير الآلهة عند الرومان [المترجم]. 


454 11_طماع !© :161 ]أللا 1 


8 - «ا محرقة ا مستساغة» 

هذا العمل»؛ وشبّه الطرد عاد إياه «عملاً إعجازياً» بالأعمال «الأخرى 
التي نقرأها في الكتاب المقدس240]. وفي السادس من يناير 1611» مات 
القديس الها 0 بسلام في معهد جسد المسيح. الذي اعتيره ميرائه 
الأبقى. وثمة أقوال على أن ريبيرا كان في فراش الموت أكثر تناقضاً حول 
الطرد منه في رسائله الاحتفالية إلى الملك. فقد ذكر بعض كتاب سيرته أنه 
شعر بالذنب من التأثير الاقتصادي للطرد على السكان النصارى» وظل 
نميه يؤلبه لآن كثيرا من التضارض اعغروه المسؤول #تخضيا عيف كن 
وامرأة وطفلء» الذين اجتثوا من بيوتهم» وطردوا إلى الجانب الآخر من 
البحرء أو عشرات الآلاف من المورسكيين الذين كانوا يبعدون حينها من 
بقية إسبانيا. 


رس 
7) طؤب ريبيرا قديساً بعد موته في عام 1796 وطوبه البابا جون الثالث والعشرين في عام 1960 


11_طماع !© :161]أللا 1 455 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 


19 
التكتم والخداع 


وقبل أن تنطفئ نيران الثورة في بلنسية» كان فيليب ومستشاروه قد 
بدأوا الاستعدادات لتوسيع نطاق الطرد إلى بقية إسبانيا. كان الملك ينوي 
دائاً طرداً #شاملاً» بناء على ما تتكشف عنه الأحداث في بلنسية. وكان 
الطرد المرحلي من وجهة نظر مصمميه يمكن من تركيز موارد الدولة في 
مناطق غخددة» واستبعاد إمكائية المقاومة المنظمة التى تود المورسكيين 
ل الناطق المتصلفة .وكات إجزاء الطردغل مراحل ضروريا أيضاً لتقادي 
إمكانية الفوضى الإدارية» التي كان يمكن أن تقوّض المشروع كله. وكان 
المسؤولون يعتبرون السكان المورسكيين في بلنسية المصدر الأكثر ترجيحاً 
للثورة بسبب عددهمء لكن وقوع أغلب تجمعاتهم على بعد مسيرة بضعة 
أيام من الساحل سهّل نسبيا اقتيادهم إلى الموانئ المخصصة لهم بمجرد 
بدء عملية الطرد. لكن في مناطق إسبانيا الأخرى» كان المورسكيون 
مبعثرين دائأ بأعداد أصغر على بعد مئات الأميال داخل البلاده ولذلك 
كان تنظيم نقلهم وتنسيق مرافقيهم ومؤنهم الغذائية وإعاشتهم في أثناء 
الترحيل أعقد. ‏ . 

كا أن هؤلاء المورسكيين كانت تربطهم دائاً علاقة بالمجتمع 
النصراني مختلفة كثيراً عن علاقة نظرائهم البلنسيين به. ففي بلنسية» كان 


21517 
1_طماع !© :161 ]أللا 1 


الدين والدم 

معظم المورسكيين يعيشون منعزلين عن السكان النصارى القدامى؛ 
ويمكن التعرف إليهم وجمعهم بسهولة. أما في قشتالة ولامانشا ومرسية 
وأندلوسيا فكان كثير من «المورسكيين القدامى» يعيشون جنبا إلى جنب 
مع النصارى القدامى» ويتعذر التعرف إليهم عبر لغتهم أو عاداتهم أو 
ممارساتهم الدينية. ولم يكن هؤلاء «الموَلّدونَ القدامى» يعتبرون أنفسهم 
نصارى فحسبء وإن| كانت السلطات الدينية والعلمانية النصرانية المحلية 
عموماً تعتبرهم كذلك. وفي السادس عشر من أكتوبر 1609» كتب مجلس 
مدينة مرسية إلى فيليب معبراً عن قلقه من الشائعات حول مدّ الطرد إلى 
منطقتهم. عند هذه النقطة» لم يكن إعلانٌ من هذا النوع قد صدرء وناشد 
أعضاء المجلس الملك ألا يطرد المورسكيين المقيمين في المدينة وحوطاء 
لأنهم «صدقوا في الدين النصراني» لدرجة أنه لا توجد فيهم أي علامة أو 
أثر لأي شيء يمكن أن يثير الشك أو الارتياب. فغالبيتهم ولدوا ونشأوا في 
هذه المدينة» ولا يجوز اعتبارهم أحفاد النصارى الجدد... ونحن نعتبرهم 
أتباعا غخلصينء وموالين للتاج الملكي» وسيكون من المذهل بالنسبة إلينا 
أن يقال فيهم عكس ذلك»!!]. 

وأكد أعضاء المجلس أن مناشدتهم لم تكن تستند إلى أي منافع اقتصادية 
كان المورسكيون يسهمون بها في مجتمعهمء وإن) إلى «العلاقة المتبادلة 
المنسجمة؛ التى أرسيناها عبر تواصلنا المستمر». كانت هذه المطالبات 
زائعةامخ لس بل نصراني!2!. وقد تلقت الحكومة التماسات ماثلة 
كثيرة من أجزاء أخرى من إسبانيا في شتاء 1610-1609. وقد جعلت هذه 
العوامل كلها توسيع عملية الطرد أعقد منها في بلنسية من عدة نواح» 
وأجبرت الحكومة على إخفاء نواياها وراء واجهة من التكتم والخداع. 
لتضليل النصارى القدامى والمورسكيين على حد سواء. 


د 


458 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


9- التكتم وا خداع 

عين فيليب» ف نوفمبرء خوان دي مندوسه 21680023 ع0 032ل؟ 
مركيز سان جيرمانء لتولي القيادة العامة للمرحلة التالية من عملية 
الطرد في غرناطة ومرسية وأندلوسيا. وساعد سان جيرمان في مرسية 
قائد الأسطول الأطلبى الإسباني لويس فاخاردو 0لعدزه ونسلء الذي 
كان مسؤولاً عن طرد المورسكيين البلنسيين من قرطاجنة» والقائد العام 
لأندلوسيا دوق مدينة شذونة©؛ الأدميرال السابق «للأسطول الذي 
لا يقهر» ضد إتجلتن01. كات دوق عدينة كذونة موولاة عفرما فلأ 
بمشكلات الدفاع عن ساحل أندلوسياء ولم يكن متحمساً للطرد الذي 
رأى أنه يزيد صفوف أعداء إسبانيا في شمال إفريقياء لكنه مع ذلك امتثل 

لأوامر الملك. 
وبتوجيه من ليرماء اثٌفْق على تقديم هذه المرحلة من الطرد باعتبارها 

إجراء أمنيا يطبق فقط على المورسكيين الذين عاشوا داخل عشرين 

فرسخاً من البحرء حتى يصدق المورسكيون في مناطق إسبانيا الأخرى 
أن ذلك لم يكن يسري عليهم. غير أن هذه المناورة لم تنجح كلياً. ففي 
نوفمبرء أرسل البرلمان الأراغوني ممثلين بارزين إلى مدريد للتحقق مما إذا 
كان فيليب ينوي طرد المورسكيين من أراغون. وقيل لهذين الممثلين إنه ‏ 
يُتخذ قرار بهذا الشأن بعد. وفي الشهر التالي» كتب نائب الملك في أراغون 
إلى فيليب» ليطلعه على أن كثيراً من المورسكيين قلقون من «أن يفعل بهم 

(1) قنهه510 3متلء14 في اللغات الأوروبية [المترجم]. 

(2) الأرمادا أو الأسطول الذي لا يقهر: هو الأسطول الإسباني الذي أرسل في عام 1588 بقيادة 
دوق مدينة شذونة للإطاحة بإليزابيث الأولى ملكة إنحلترا ووضع حد لتدخل إنحلترا في 
الأراضي الواطئة الخاضعة لإسبانيا وأعمال القرصنة في المحيطين الأطلنطي والهادي» وحين 
رسا الأسطول بالقرب من الشاطى؛ فتحت عليه السفن الحربية الاتجليزية النار» فشتتت سفنه 
في البحر وطاردتهاء واكتملت مأساة الأسطول الإسباني بالعواصف التي أغرقت كثيراً من 
سفنه التي لم يعد منها إلى إسبانيا غير ثمانين سفينة من أصل المئة والثلاثين» التي أبحرت إلى 
إبجلترا [المترجم]. 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 059 


الدين والدم 


ما فعل في ملكة بلنسية» وطلبوا عهداً عاماً بعكس ذلكء. وهو عهد يبدو 
أنه قد أعطى لهم. وطبقت إستراتيجية الخداع نفسها في قشتالة. ففي 
العامع عقر من أكتويرء درس غنلسن الدولة فعلاً قرارا بطر المورسكيين 
القشتاليين. وحين طلب وفد من مورسكبي آبلة من فيليب أن يعيد تأكيد 
الترتيب الخاص الذي منحه أبوه لهم. الذي سمح لمم بالانضمام إلى 
المليشيا المحلية» في محاولة واضحة لمعرفة نوايا الملك» ماطل فيليبء ولم 
يمنحهم ما طلبواء ول ينكره. ٍ 

وفي العاشر من يناير من العام التالي فقط» أعلن سان جيرمان رسميا 
المرسوم الملكي الذي يأمر المورسكيين في مرسية وأندلوسيا وغرناطة 
بمغادرة البلاد» وكذلك الجيب المورسكي الجهادي في هورناتشوس 
بإشتريادورا. وإضافة إلى الأتهامات المعتادة بالردة والعضيان» ذكر 
فيليب في المرسوم الأعمال الوحشية التي ارتكبها المورسكيون في أثناء 
ثورة البشرات 1570-1568 كمبرر لطردهم. اتهم فيليب المورسكيين 
الغرناطيين وأحفادهم بأنهم رفضوا فرصة 0 كنصارى صادقين», 
وتآمروا مع أعداء إسبانياء واستشهد فيليب على ذلك بأنه «على مدى 
سنوات كثيرة لم يتقدم واحد منهم لكشف أي شيء عن مكائدهم 
ومؤامراتهم»» وذلك «دليل واضح على أنهم كانوا على قلب رجل واحد 
في العداء لله وللملك». وكي نضمن «ألا تنتقل عدواهم إلى الآخرين». 
اعطى الور كيون لاقن روما لقمر ره شؤودىم ومقادرة الات 

ورغم هذه التهم الخادعة. توقع فيليب بوضوح معارضة نصرانية» 
ولذلك أمر «بألا يتجاسر أحد في كل تمالكي مهما علت مكانته على 
استقبال مورسكيين أو مورسكيات أو حمايتهم سراً أو علناً»!2]. لكن 
سرعان ما أهمل هذا الأمرء فلقد تدفق على مجلس الدولة سيل من 
مناشدات الاستثناء من المورسكيين والتصارى على حد سواء. فطلب 


460 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


9- التكتم وا خداع 

دوق مدينة شذونة استثناء ستة مورسكيين من البستانيين ومربي النحل 
في ضياعه على أساس و لائهم وتدينهم النصراني النموذجيين. وفي الثالث 
عشر من فبراير» بحث مجلس الدولة طلباً ممائلاً من أرستقراطي آخر من 
أندلوسياء هو دوق أركوشء نيابة عن بعض خدمه المورسكيين. الذين 
«كانوا دائهاً نصارى جيدين وتخلصين». وفي رسالة أخرى؛ ذكر أركوش 
الملك بأن بعض هؤلاء المورسكيين خدموا في جيشه في أثناء حرب 
غرناطة» ودفع بأن أوامر الطرد يجب ألا تطبق على المورسكيين «كبار 
السن والعاجزين عن المثي... أو أن يعاني الأطفال الأبرياء بذنوب لم 
يقترفها آباؤهم أنفسهم»!4. 

نه وزراء فيليب في توصياتهم له على «أن ما يمنح لدوق مدينة 
شذونة لا يمكن إنكاره على أركوش»» لكنهم مع ذلك أوضحوا أن هذه 
الاستئناءات ستجعل من الصعب «تطهير المملكة من هؤلاء الناس» لأن 
هناك الكثيرين ممن يريدون البقاء». وخلص المستشارون إلى أن السياسة 
المثلل هي «غلق الباب في وجه الجميع»؛ لكن كان من الصعب تجاهل 
نداءات شككت في شرعية الطرد. ففى فبراير 1610» التمس المجلس 
البلدي لكاثيريس 65:ءعة0 بإشترييادورا من الملك ألا يطرد المورسكيين 
المحليين» الذين وصفهم بأنهم «أناس مسالمون ومتواضعون»؛ كانت 
أعمالهم ضرورية ١لخير‏ هذه الجمهورية». وقدم قاضي وس طلبا 
عماثلا نيابة عن المورسكيين في مدينتهء الذين «كانوا يحيون دائما حياة 
جيدة وفقا للدين النصراني. فهم أناس فقراء ومتواضعون ومنضبطون 
جداً». فالمورسكيون لم يولدوا وينشؤوا في المنطقة و«لا يتحدثون أي لغة 
غير لغتنا؛ فحسبء وإنما أكد القاضي أيضاً أن أعماهم كانت ضرورية 
للمجتمع؛ ذلك لأن العمال الزراعيين المورسكيين «هم أكثر من يزرعون 
الأرض ويفلحونها». 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 461 


الدين والدم 
وفي يناير من ذلك العام تلقى الملك مناشدة ملتهبة من الدوقة كاردونا 
طلبت فيها الرأفة بال مورسكيين في ضياعها في قمارش”"» القريبة من مالقة 
تأميسا غل أنه: 
خرج من أصلابهم أبناء وبنات تربوا جيداً على أيدي 
نضارى. قدامىء. وكاتوا 'لذلك: يغيشون” كتضارئق 
جيدين. ى) تزوج بعض المورسكيين نصرانيات قديهاً 
وتزوجت بعض المورسكيات نصارى قدامى» ونتج 
عن هذه الزيجات أبناء وبنات في مقتبل العمر. وبعضهم 
مسنون وفقراء جداً لا يستطيعون المي أو يمشون 
بصعوبة» وبعضهم أيتام لا يوجد من يرعاهم أو يقرر 
نيابة عنهم. وهم يخدمون نصارى قدامى لقنوهم 
وعلموهم أمور الدين جيدأء وكثيرون منهم لديهم 
امتيازات وأدلة على التحدر من نصارى قدامى» ومن 
المثير للشفقة أن تسمعهم يصرخون ويحتجون بأنهم 
جميعاً نصارى ويأملون أن يعيشوا ويموتوا كنصارى 
وينفذوا كل ما تأمرهم به جلالتك كأتباع مخلصين!". 
وجاء عدد من المناشدات من مسؤولي الكنيسة. ففي غرناطة كتب 
وفد من رجال الدين إلى فيليب يحثونه على تذكر أن «كنيسة أمنا المقدسة©© 
تحمي أولتك الذين أخطأوا»» ويناشدونه «علاجاً أخف ومزيداً من 
التريث والوقت». وفي الرابع والعشرين من يناير» كتب رئيس أساقفة 
غرناطة بيدرو باكا دي كاسترو إلى الملك للاحتجاج على مرسوم وصفه 


(1) وعمة د00 في اللغات الأوروبية [المترجم]. 
(2) يشير مصطلح «كنسية أمنا المقدسة» أو ((كنيسة الأم المقدسة» أو (الكنسية الأم» إلى الكنسية 
الكاثوليكية الرومانية التي تعتبر أم في رعايتها للمؤمنين وتعهدهم وحمايتهم [المترجم]. 


462 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


9- التكتم وا خداع 

بأنه كان «عاماً جداً لدرجة أنه تضمن أناساً لم يذنبوا». وأكد دي كاسترو 
على التدين النصراني النموذجي للمورسكيين في غرناطة» وذكر أنه أدخل 
بعضهم في الدرجات الكهنوتية. ورفض أي دعاوى تجعل من المورسكيين 
في غرناطة تهديداً أمنياء لأن غالبيتهم كانت من النساء والرجال كبار 
السن» وصفهم بسخرية بلغت حد الإهانة بأ: نهم #يععجزون عن القيام 
بأي اضطرابات أو حمل للسلاح» . وكان رئيس الأساقفة صريحاً بالقدر 
نفسه في نقد أوامر الملك بفصل الأطفال المورسكيين عن ذويهم وفصل 
الأزواج المورسكيين عن زوجاتهم النصرانيات. وأوضح أن هؤلاء 
الأزواج «تزوجوا بنية حسنة وإذن من جلالتك» وبموجب شريعتهم 
وشريعة كنيسة الأم المقدسة»» وتساءل رئيس الأساقفة بسخط «لماذا 
تؤخذ منهم زوجاتهم؟ لا أحد يستطيع أن يفعل ذلك)!6]. 

كانت الحال في بلنسية مختلفة تماماء إذ استطاع فيليب أن يبرر الطرد 
بناء على الشهادة السلبية ضد المورسكيين من أعلى رجل دين في المملكة. 
ومع ذلك فقد كانت هناك أدلة تنكر جذرياً الاتبامات التي وجهها 
إليهم. وإذا كان المورسكيون ليسوا خونة ولا يشكلون تهديداً للدولة: 
وإذا كانوا قد أصبحوا فعلاً نصارى «في قلوبهم». فا وجه الضرورة 
في طردهم إذن؟ ولما وجد الملك نفسه أمام هذه المناشدات من جانب 
رجال الدين أنفسهم. أمر الأساقفة في أندلوسيا وغرناطة ومرسية بإجراء 
تحقيق مفصل للتأكد ما إذا كان المورسكيون يعيشون كنصارى حقا في 
لغتهم ولاسم يا وشعارام م ماري كدان 
لرويكة بالمدينة كانوا «نصارى د 5 وكانوا يعيشون 
على هذا النخوء. ويلتزمون بالدين الكاثوليكي لا الإسلامي». وأشار 
تقرير حول المورسكيين من قرطاجنة أن «العدد الكبير من ذوي النصرانية 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 463 


الدين والدم 

الصادقة بينهم يبعث على الرضا»» في حين وصف رجال الدين في إشبيلية 
المورسكيين المحليين بأنهم «لا يختلفون عن النصارى القدامى في اللغة 
واللباس وشعائر الدين». 

جاءت هذه الشهادات أيضاً مناقضة للإجماع المهيمن في المستويات 
العليا لإدارة الدولة. فرغم منح بعض الاستثناءاتء لم تؤثر هذه 
التحقيقات على الاتجاه العام للطرد. وف الشهور الأولى من عام 0 
مرسية. وطرد نحو سبعة آلاف وخمسائة من إشبيلية وحدهاء التي تذكر 
فيها مراقب نصراني «أنهم كانوا جميعاً يبكون, وأن كل الناس رقت قلوبهم 
لرؤية بيوت كثيرة تجدث. وتعساء كثر ينفون»7!2!. ووصف شاعر نصراني 
«(النساء المورسكيات اللاي يعصرن أيقيوقة البيضاءء ويرفعن أعينهن 
إلى السماء» وينحن يا إشبيلية يا وطني!» وهن ينادين بأسماء الكنائس 
والأماكن بالمدينة التي قضين حياتهن فيها!ة!. 

وفي إشتريادورا كانت «الجمهورية الصغيرة» المورسكية الجهادية في 
هورناتشوس قد عوقبت ب| يكفي في عام 1608 باليد الحديدية للقاضي 
المتجول ريغوريو لوبيث ماديرا 2120658 2ءم6آ 30,رمعء:0)» الذي عَينَ 
خصيصاً لذلك الغرضص””". ففى أثناء تحقيقه حول المخالفات الكثيرة التى 
نسبت إلى سكان البلدة» وجد لوبيث ماديرا ثلاث وئانين جثة مدفونة في 
أحد الحقول. لذلك أمر بشنق عشرة من أعضاء المجلس البلدي» وحكم 
على مئات من المورسكيين الآخرين بالجلد أو الخدمة على القوادس. لكنه 
في تنازل فريد» سمح للمطرودين من هورناتشوس بالاحتفاظ بأسلحتهم 
(1) وصف كتاب صدر مؤخراً للمؤرخ الإسباني فيرمين مايورغا أورتاس 1/12/0182 متنصمع1 


19 بعنوان «أهل هورناتشوس الذين صلبوا ووضعت على رؤوسهم تيجان الشوك» 
هذا العقاب الذي يتجلى في عنوان الكتاب نفسه [المترجم]. 


464 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


9- التكتم وا خدا ع 

في مقابل رسوم دفعوها للتاج. وفي ثلاثة أسابيع» كان سكان البلدة البالغ 
عددهم ثلاثة آلاف ونصف مورسكي قد اقتيدوا جميعا مثل جيش غير 
مهزوم إلى إشبيلية التي نقلوا منها إلى المغرب. 

ولم يتمكن جميع المورسكيين من المغادرة محفوظي الكرامة. فكما حدث 
في بلنسية» فقد كثيرون منهم ممتلكاتهم وعائتلاتهم وأحيانا حياتهم في 
أثناء رحلتهم. ففي يناير» ذكر دون لويس القصري”" قاضي أستجة© 
القريبة من قرطبة أن المورسكيين رفضوا مغادرة بيوتهم بسبب «الأخطار 
التي تتهدد نساءهم على الطرق». وفي مالقة» أجبر المسؤولون النصارى 
المورسكيين على بيع أراضيهم وممتلكاتهم لهم بأسعار تافهة قبل طردهم. 
وعند وصول المورسكيين إلى الموانئ المخصصة لهمء كان البحارة الأجانب 
يفرضون عليهم دائاً أجوراً باهظة في مقابل نقلهم؛ ولم يصلوا جميعهم إلى 
الشاطئ المقابل. ففي الثاني والعشرين من يناير» ذكر مسؤول ملكي في 
قرطاجنة أن البحارة الفرنسيين كانوا يختطفون الأطفال الأصغر من عمر 
الرابعة لبيعهم في أسواق العبيد. وكانت هناك أيضاً إشارات على أن نظام 
النقل وشبكة الإمداد بالطعام كانا قد أنهكا تماما. ففي فبراير» كتب لويس 
فاخاردو من قرطاجنة طالبا المزيد من المساعدة لتقديمها إلى المورسكيين 
القادمين إلى المدينة» الذين كانوا «يعانون المررض والجوع مثل سابقيهم ف 
بلنسية». وبعد شهرين» ظل فاخاردو يحذر الملك من عدم وجود سفن 
كافية في قرطاجنة» لنقل المورسكيين» الذين ”لا يمكن إجبارهم على فعل 
المستحيل... إذ سيموتون إذا لم يقدم لهم شيء يأكلونه أو سفن تنقلهم». 


عد عد د 





00( 16287 عل 5ذداءآ ه120 نسبة إلى مدينة القصر :810323 بإشبيلية التي بنيت مكان قصر إشبيلية 
الذي بناه الموحدون ولايزال أقدم قصر في أوروبا يستخدم حتى الآن [المترجم]. 
2) #زنه في اللغات الأورويية [المترجم]. 


1_طماع !© :161]أللا 1 2465 


الدين والدم 


في ذلك الوقتء كانت المرحلة التالية من الطرد يجري التحضير 
ها وتنفيذها. ففي نوفمير 1609» عين الملك برناردينو دي بلاسكو 
وعقةاء عل 5نزلتددرهء8 كونت سالاسار وألونسو دي سوتومايور 
7 عمل 410850 كقيادة مشتركة لعملية طرد المورسكيين من 
تشغالة القديمة والجديدة كان سالاسار عضواً بمجلسن: الحرب وكان 
بيروقراطياً مجدّاً وطموحاً جعله إخلاصه لما أسماه «ماكنة» الطرد واحداً 
من أقوى الرجال في إسبانيا. ومع أن سالاسار وسوتومايور كانا يجوبان 
قشتالة في تكتم لتعيين مفوضين وجمع قوائم بالجنود ورجال المليشيات 
المطلوبين لتنفيذ الطرد. ظل فيليب ومسؤولوه يتكتمون على نواياهم. 

وحين سمع فيليب بأن النصارى بدأوا يسخرون من المورسكيين 
لاحتهال طردهم الوشيكء, أمر بإيقاف هذه الإهانات. وفي الثامن 
والعشرين من ديسمبر 1609» أذن الملك بالسفر للمورسكيين القشتاليين 
«المنزعجين» الراغبين في مغادرة إسبانياء معلناً أنه «ليس في نيتى إكراه 
أحد على العيش في ممالكي رغم إرادته». على أن هذا القرار لم يأت من 
باب الشهامة | بدا. ففيليب عبر إعلان استعداده للسماح للمورسكيين 
القشتاليين بالمغادرة طوعاء أرسل أيضاً إشارة مؤداها أنه لن يكره أحدأ 
على المغادرة» حتى في الوقت الذي كان مسؤولوه يعدّون فيه العدة للطرد. 
ولا حاجة بنا إلى القول إن هذا العرض لم يكن خالياً من الشروط. 

فالمورسكيون الذين اختاروا المغادرة لم يسمح لهم إلا بأخذ قدر محدود 
من أموالهم, إذ كان عليهم أن يدفعوا نصف مدخراتهم وممتلكاتهم للتاج» 
وكانوا ملزمين بالمرور بمدينة برغش حيث كانوا يسجلون ويفتشون 
تحت الإشراف اليقظ من جانب سالاسارء للتأكد من عدم تجاوز النسبة 
المسموحة لهم من الأموال والأشياء الثمينة. وقد تمكن بعض المورسكيين 
الأغنياء أحياناً من استخدام علاقاتهم في تحويل أموالهم خارج البلاد عبر 


466 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


9- التكتم وا خداع 


حوالات ساعدهم فيها دبلوماسيون فرنسيون ومصرفيون برتغاليون» 
لكن كثيراً منهم لجأوا إلى تهريبها. ودفن بعضهم أموالهم وممتلكاتهم الثمينة 
في الريف. ثم استردوها بعد التفتيش أو أخفوا المجوهرات والأموال في 
أمتعتهم وملابسهم. وقد أمسك سالاسار عائلة مورسكية هربت ذهبا 
وفضة في محور عجلات مجوف بعربة. 

كانت العقوبات على هذه الخروقات قاسية فعلاً. فا لا يقل عن 
ثلاثين مورسكياًء ممن عبروا من برغشء شنقوا على التهريب بأوامر 
من سالاسارء وحكم على العشرات بغرامات أو الجلد. وسالاسار 
المتمسك بالشكليات» والدقيق في اتباع الأوامرء كان مثاليا لمهمة ضمان 
أن يتربح التاج من إبعاد المورسكيين» فكان يرفق بتقاريره المنتظمة إلى 
رؤسائه قوائم مفصلة بالممتلكات المورسكية المصادرة من المجوهرات 
إلى الملاءات والأوشحة الحريرية وغيرها من قطع الملابس الثمينة. ورغم 
هذه الاشتراطات» فقد أحس كثير من المورسكيين بنوايا الملك وفضلوا 
المغادرة بإرادتهم. وفي الربيع» أخذت أعداد المورسكيين المارين ببرغعش 
تتزايد كثيرأ» فبحلول شهر إبريل كان نحو ستة عشر ألف شخص قد 
عبروا إلى فرنساء وغصت البلدات الحدودية الفرنسية مثل مدينة سينت 
جين دي لوز منرآ-ءل-موء[-26نه5 باللاجئين المورسكيين. وقد كان 
سالاسار قلقاً جداً من مغادرة «كثير من رجال الطبقة العليا الأغنياء» إلى 
أراض معادية» ولذلك طالب قبل الترحيل بغلق الحدود معها. 

وني العاشر من يوليوء أعيد فتح الحدودء حين أعلن فيليب أخيراً 
القرار الذي اتخذه قبل عام تقريباًء وأمر كل المورسكيين في قشتالة بمغادرة 
البلاد. وهنا أيضاً أثار نُشر مرسوم الطرد سيلاً من مناشدات الاستثناء 
من جانب المورسكيين والنصارى القدامى على حد سواء. فى) كانت 
الخال ني أندلوسياء كان للمورسكيين أحياناً أنصار أقوياء بين رجال 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 467 


الدين والدم 

الدين وأرستقراطية ملاك الآر اضيء منهم الدوق باسترانا #ممنعوم 
الذي طلب استثناء عشرة مورسكيين في ضياعه القريبة من مدريد» منهم 
الأخوان ميغيل ولويس غرسيه 03:2 وذندآ 4مة اعدع:381 اللذان أكد 
أنهه| كانا يعيشان حياة نصرانية نموذجية» وكانا «ماهرين جداً في أشغال 
الخريراء وكات الدوق سعما جد ق الاستقاط بيؤلاء المتطعين المبرةه 
وناشد الملك بأن يسمح لهم على أقل تقدير بإرجاء ترحيلهم إلى أن يعلّموا 
حرفتهم لمن كانوا سيحلون محلهم من النصارى القدامى !"ا 

من غير المعروف ما إذا كان هذا الطلب قد لبى للدوقء, لكن فيليب 
ووزراءه كانوايرتابون دائياً في شهادات «الحياة النصرانية النموذجية» بحق 
المورسكيين من جانب ملاك الأراضي النصارىء الذين رأوا أهم وضعوا 
مصا حهم الاقتصادية الأنانية فوق مصلحة الدين. وبالمثل» نظر فيليب 
ومسؤولوه بارتياب إلى رجال الدين» الذين دافعوا عن المورسكيين, لأن 
كثيراً من الأديرة والكنائس اعتمدت أيضاً على عمل المورسكيين» لكن 
هذه المناشدات تطلبت إجراء تحقيقات. فكىا في حالة غرناطة وأندلوسياء 
أمر فيليب الأساقفة والكهنة في أنحاء قشتالة كافة بتقديم قوائم بأسماء 
المورسكيين في مناطقهم, والتحقق إن كانوا يعيشون كنصارى. وهنا 
أبضا حافت هذه التسقيعات إنناية وخلصضت عموما إلى أن المورسكيينة 
كانوا حريصين على حضور الطقوس الدينية بلا إكراه» وكانوا يُظهرون 
إخلاصهم في الدين عبر «أعمال جيدة»» مثل الاعتراف بالذنوب اليلق 
أو استدعاء الكهنة لمسح الأموات بالزيت» والتزيد في ذلك. 

على أن بعض الردود كانت أكثر حذراً. فقد أدرج أسقف بلد الوليد 
أسماء سبعين عائلة مورسكية في المدينة كان تدينها النصراني ١غير‏ مؤكداء 
لكنه دفع مع ذلك بعدم ضرورة طردهم. وحين عرض مستشارو فيليب 
هذه النتائج والمقترحات عليه» أمر بأن «تعامل السبعون عائلة مثل 


2468 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئلا 1 


9- العكتم وا خداع 

الباقين)101]. وفي نوفمبر من ذلك العام. أصدرت الحكومة للأساقفة 
القشتاليين مجموعة معايير جديدة لتقييم السلوك النصراني للمورسكيين 
في ضوئها. وبداية من هذا التاريخ لم يعد كافياً أن يقوم المورسكيون 
بالتزاماتهم النصرانية» إذ بات عليهم أيضاً أن يؤدوا «أفعالا إيجابية ضد 
الدين الإسلامي»» مثل شرب النبيذ وأكل لحم الخنزير وتجنب الاتصال 
ب(أفراد أمتهم). 

وعلى الرغم من أن الملك نبّه على الأساقفة بأن يكونوا «شديدي 
الفطنة في التمييز» وأن يعرفوا هدفهم جيدا»» فقد وجدت تحقيقاتهم 
عرة أخري أن معظم المورسكيين كانوا يفون بالمتطلبات الجديدة» ومرة 
أخرى أيضاً أبدى فيليب ووزراؤه ترددهم في قبول هذه النتائج. فحين 
أفاد راعي أبرشية أوروبريسا 652:م060 القريبة من آبلة أن المورسكيين في 
أبرشيته كانوا «ملمين بدينهم وتعاليمه بدرجة لا تقل بحال عن النصارى 
القدامى», أمر سالاسار بإجراء ثلاثة تحقيقات أخرى, خَلصّت جميعها 
إلى النتائج نفسها. وطبقت إجراءات مماثلة في الأماكن الأخرى جميعهاء إذ 
رفضت الحكومة قبول النتائج التي تناقض فرضياتها. وفي بعض ال حالات» 
أعطيت استثناءات لأفراد أو ماعات مورسكية كاملة» لكنها أبطلت بعد 
ذلك. وني حالات أخرى, تجاهل فيليب ووزراؤه شهادات رجال الدين 
والمسؤولين. وأمروا بطر المورسكيين. فقد دافع أسقف أبلة بقوة عن 
المورسكيين «أحفاد المتَضَرين القدامى». الذين كانوا يعيشون في المدينة 
(منذ زمن سحيق»). وكان هؤلاء المورسكيون يشاركون النصارى في 
المهن والامتيازات نفسهاء إذ كان مسموحاً لهم حمل الأسلحة والتصويت 
في المجلس البلديء وكانوا يشكلون جزءاً من المليشيا المحلية. وبعضهم 
قاتل في حروب إسبانيا في شمال إفريقيا. 

أعطت هذه الاعتبارات للمورسكيين في آبلة مهلة مؤقتة. لكن في 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 469 


الدين والدم 


الثاني من يوليو 1611, جاءت نباية إحدى أقدم الجماعات المورسكية في 
إسبانياء حين جمع 770 رجلاً وامرأة وطفلاً عند الفجر واقتيدوا من 
المدينة إلى فرنسا في أناقة وروح عالية ىا لو كانوا في طريقهم إلى حفل 
زفاف بلا أي تعبير عن الحزن»؛ كما ذكر شاهد عيان نصراني!!!]. كان 
قصلب الملك ووؤراقة تفرضه جرياً اعازات عملية ذلك أن اللكومة 
لم تكن تستطيع أن تتحمل الإبقاء على السفن والجنود والمسؤولين في 
أماكن الطرد لآماد مفتوحة» وكان تقييم المناشدات والالتاسات عملية 
تستغرق وقتاً وتهدد بعرقلة عجلات البيروقراطية. ورأى الملك وكبار 
البيروقراطيين المسؤولين عن الطرد أن الحجم الضخم لطلبات الاستثناء 
من جانب النصارى والمورسكيين جعل من الصعبء. إن لم يكن من 
المستحيل فحصها حالة حالة» دون تعريض كامل المشروع للخطر. وكم| 
يدعون أنهم نصارى قدامى لدرجة «أنني أخشى أن تطلب الأماكن كلها 
قاءه +121] 
بقاءهم) 1 

على أن تصلب فيليب ومسؤوليه لم ينتج عن المقتضيات البيروقراطية 
لعملية الطرد فحسبء وإنما كان أيضاً انعكاساً للتعصب الذي حرك 
الطرد في المقام الأول. ففي اجتماع مجلس الدولة في طليطلة في الثامن 
عشر من يونيو 1611» تقرر رفض كل التتاسات الاستثناء» سواء قدمها 
مورسكيون أو نصارى قدامى. كان من المسؤولين الذين اعتمدوا هذا 
القرار رئيس أساقفة طليطلة ورئيس محكمة التفتيش بيرناردو روخاس 
دي ساندوبال له لسة5 عل كدزه1 3700مجء8 عم ليرماء الذي أعلن أن 
ا موزسكين نيعا كانوا لأثاساً مؤذيرة» يمتحقون الطرة: وكان فيليت 
ومستشاره المقرب ليرما لا يقلان تصلباً عن ذلك. فحين كتب مسؤول 
باسكي إلى ليرما في فبراير 1612 سائلاً عا يجب أن يفعله مع لورينثو 


0/0 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


9- التكتم وا خداع 
بوتيستا 820518 20مع1.01آ المورسكي المسن المطرود من بلد الوليد. الذي 
عاد من فرنسا مع زوجته. تلقى الإجابة المقتضبة: «نفذ أوامر الطرد». بدا 
ذلك مختلفاً تماماً عا حدث في عام 1492. حين خيّر الملكان الكاثوليكيان 
البهوة بين النفى والترصير» + كان اللتصيود من الطرة كاعري الايدماج 
واطفاظ عل دين المشرية الذين كانوا قد اعتنقوا النصرانية فعلاً. لكن 
بعد أكثر من قرنء كان ورئتهما الهابسبورغيون غير مستعدين لتصديق 
إمكانية حدوث الاندماج وتجاهلوا عموماً الأدلة المناقضة لاعتقادهم. 
د +3 6 

وحتى مع تكشف هذه الأحداث في قشتالة» كانت ماكنة الطرد تُجمّع 
سراً في أراغون وقطلونية. ففي إبريل» أرسل أوغسطين ميخيا من بلنسية 
إلى سرقسطة للإشراف على إبعاد المورسكيين من أراغون وقطلونية. في 
ذلك الوقت. كانت الشائعات حول نوايا الملك قد انتشرتء لدرجة أن 
كثيرا من المورسكيين توقفوا عن العمل في الحقول وبدأوا بيع ممتلكاتهم» 
في حين حذّرت محكمة التفتيش الأراغونية من أن يتحولوا إلى قطع الطرق 
أو يثوروا إذا لم ينفذ الطرد سريعا. 

وني التاسع والعشرين من مايوء أعلن مرسوم الطرد في أنحاء 
أراغون وقطلونية كافة» ونزلت فيالق ميخيا على الساحل» وبدأت في 
تأمين الحدود والممرات الجبلية. روّع هذا الاستعراض للقوة كلاً من 
المورسكيين وحماتهم الأرستقراطيين» لدرجة أن أحداً منهم لم يحاول 
معارضة الإبعاد. وحتى حين ترك جنود ميخيا أماكنهم احتجاجاً على قلة 
مرتباتهم» تمكن ضباطهم من تجنيد ما يكفي من البدائل المحليين لمواصلة 
الطرد. ومرة أخرى طلب فيليب تقارير حول المورسكيين من رجال 
الدين الأراقوتيين» وهرة أخرى أيضا جاءت قاتجها عكس توتحاته. 
فد أر سل أسقف طرطوشة دون بيدرو مائريك عناونضهة/ة معلءط دمط 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 471 


الدين والدم 

قائمة شاملة بالمورسكيين في أبرشيته تضم أساءهم ومهنهم وشهادات 
من الكهنة والراهبات تصف مدى التزامهم الصادق بجميع واجباتهم 
الفييةاث, 

كان من شأن هذا التقرير أن يعفي المورسكيين في طرطوشة من المصير 
الذي لقيه سبعون ألفاً من مواطنيهم أجبر معظمهم على مغادرة أراغون 
وقطلونية» عبر ميناء لوس ألفاكوس القريب. وعبر اثنان وعشرون ألف 
مورسكي تقريباً إلى فرنسا في أقصى حرارة الصيف. في نزوح جماعي 
شهده عدوهم اللدود بيدرو أثنار كاردوناء الذي وصفهم بأنهم «كانوا 
في غاية الحزن والبكاء» وفي حالة من الفوضى واختلاط الأصوات» 
مثقلين بنساتهم وأطفالهم ومرضاهم المسنين وصغار السنء يغطيهم 
الغبار والعرق وهم يلهثون». وكان المورسكيون المبعدون يتعرضون 
دائم| للاستغلال ولإساءات قاسية من جانب مرافقيهم الملكيين» الذين 
كانوا يأخذون منهم أجراً حتى على الشرب من الأهار أو الجلوس في 
الظل. وأصدر ليرما أوامر بمنع هذا السلوك» لكن مع توسيع الطرد إلى 
مناطق إسبانيا كافة» لم يكن بمقدور السلطات دائاً أن توفر للمورسكيين 
الأراغونيين الطعام والملجأء ناهيك عن ضمان أمنهم. وقد اتضح 
الإجهاد الذي نال من جهاز الطرد في رسالة إلى مجلس الدولة من قائد 
عام برشلونة» الذي اشتكى من عدم كفاية المجدفين على سفنه. التي كان 
يفترض أن تنقل المورسكيين «لأن عددا كبيرا تمن كانوا معه في موانئ 
الترحيل ماتوا» في بلنسية!4!!. 

وتعرض المورسكيون أيضاً لهجمات من قطاع الطرق» وبخاصة في 
قطلونية» التي شهدت انتشارا وبائيا لقطاع الطرق بين عامي 1609 و1615. 
وفي حادثة إيان صيف عام 1612» تعرضت جماعة من مائتي مورسكي 
كانوا يسافرون من ليريدا 161108 إلى برشلونة إلى كمين من عصابة كبيرة 


4 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


9- التكتم وا خداع 

من قطاع الطرق كان بينهم خيالة مسلحون. جردوهم من كل أموالهم 
وممتلكاتهم. وحتى حين وصل المورسكيون الحدود الفرنسية» فإنهم ظلوا 
عرضة للخطر. ففي وقت آخر من ذلك الصيف. أجبر أربعة عشر ألف 
مورسكي على العودة من قرية كانفرانك 0505800 الحدودية في جبال 
البرانس الأراغونية» وأن يقطعوا طريق العودة كاملاً إلى لوس ألفاكوس 
على الساحل سيرا على الأقدام. مات كثيرون منهم من المرض أو الإعياء» 
ووصلوا الميناء في حالة سيئة جداًء لدرجة أن السلطات خشيت من تفشى 
الطاعون على السفن التي كانت تنتظر لنقلهم. فبعد سنوات طويلة من 
التآمر مع المورسكيين الأراغونيين» أصبح حاكم بيرنيه الدوق دي لا 
فورس أقل ترحيباً بالمنفيين الذين جاؤوا على حدود دوقيته. وفي يونيوه 
وجد زهاء خمسة آلاف مورسكي أنفسهم محاصرين بلا طعام على طول 
الحدود. حين رفض الدوق السماح لهم بدخول فرنساء وهدد بذبحهم إذا 
حاولوا عبور الحدود. وفي الشهر التالي سمح للمورسكيين بدخول البلاد 
على دفعات منفصلة» وبعدها سمح لهم الدوق بعبور الحدود في مقابل 
تحصيل من عشرة إلى اثني عشر ريالا على الفرد. 

اشترطت أوامر الطرد في أراغون وقطلونية صراحة أن يترك 
المورسكيون أطفاهم إذا أرادوا الإبحار إلى شمال إفريقياء لكن كثيراً من 
المورسكيين أبحروا بأطفالهم على سفن خاصة إلى فرنساء وبعد ذلك 
أقنعوا البحارة بأخذهم إلى أراض إسلامية. وآثر بعضهم الاستقرار 
في فرنسا التي لقوا فيها استقبالا مختلطاً. فلم تكن السلطات الفرنسية 
متحمسة للوجود العابر لجماعة من المورسكيين الفقراء على أراضيهاء لكن 
هنري الرابع سمح أخيزاً للمورسكيين بالبقاء الدائم في البلاد» بشرط أن 
يتحولوا إلى الكاثوليكية» وأن يستقروا في جنوب دوردوني 20:00806. 
وسمح للمورسكيين الذين رفضوا هذه الشروط بالسفر إلى أماكن أخرى 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 2473 


الدين والدم 


من الموانع الفرنسية. وى] كانت ا حال في إسبانياء لم تكن المراسيم الملكية 
ضانة للأمان» إذ تعرض المورسكيون المسافرون عبر الأراضي الفرنسية 
أو على السفن الفرنسية كثيرا للسرقة والابتزاز» ئما حدا بالسلطان العثماني 
أحمد الأول أن يطلب من السلطات الفرنسية اتخاذ إجراءات أقوى 
لحايتهم. وفي عام 1612. أرسل السلطان المغربي مولاي زيدان وفداً 
إلى فرنسا طلباً لتعويض المورسكيين الذين سرقوا في فرنساء وكان من 
أعضاء الوفد المورسكي الغرناطي أحمد بن قاسم الحجري مترجم الكتب 
الرصاصية من الجبل المقدس. وفي وصفه لرحلته؛ ذكر الحجري كيف 
سلم رسالة مختومة من السلطان إلى بلاط الفرنجة اشترطت أن «يعاد كل 
ما سرق من الأندلسيين إليهم». وذكرت «واحدا وعشرين قائدا بحريا 
سرقوا الأندلسيين الذين استأجروا سفنهم» في بلدة أولون عمم010 !:1!. 
لقي التغارينو”© الذين وصلوا إلى شمال إفريقيا بوجه عام استقبالاً 
أفضل من نظرائهم البلنسيين. في حين ظل المسافرون الذين شقوا طريقهم 
عبر المناطق الداخلية القبلية الخارجة على القانون عرضة للنهب من 
العرب. لكن السلطان العثماني أمر أتباعه في شمال إفريقيا بالعناية بالمنفيين» 
الذين أنزلوا على شواطئهم» وقد أوضحت الماعات «الأندلسية») سريعة 
النمو بالجزائر وتطوان وفاس وغيرها من المدن أن كثيراً من المورسكيين 
وجدوا ملجأ آمناً فيها. وقد حظي المورسكيون بأفضل استقبال في تونس» 
التي قدم لهم حاكمها عثمان داي7 المؤن بأوامر من السلطان العثماني. 
لكن هؤلاء المورسكيين الناطقين بالإسبانية لم يكونوا دائما محل ترحيب 
من جانب المسلمين المحليين» وفي بعض الحالات أجبر المورسكيون على 


(1) التغارينو هو الاسم الذي أطلق على المسلمين الأراغونيين [المترجم]. 

(2) عثمان داي حاكم تونس العثماني (1610-1593)) قدم للأندلسيين المنفيين تسهيلات» منها 
منحهم الأراضي وإعفاؤهم من الضرائب لثلاث سنوات» حيث استقبلت تونس نحو ثمانين 
ألف مورسكي [المترجم]. 


2474 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


9- التكنم وا خداع 
إثبات أنهم ليسوا نصارىء بإظهار أخهم قد ختنوا أو بالموافقة على الختان. 
على أن المورسكيين لم يكونوا مستعدين كلهم لفعل ذلك. وفي تطوان, قيل 
إن مجموعة من المورسكيين ظلت ملتزمة بالنصرانية لدرجة أنها رفضت 
دخول المساجدء فرجم أفرادها حتى الموت. 
لمانا 

من الصعب أن نتخيل -من منظور القرن الحادي والعشرين- مدى 
المشقة والرعب اللذين ألحقتهما هذه الرحلات بالمبعدين. فكثير من 
المورسكيين لم يكونوا قد سبق أن غادروا بيوتهم وقراهم» ناهيك عن 
إسبانياء وكانت معرفتهم بشمال إفريقيا لا تزيد على معرفتهم ببلدات 
ومدن أوروبا النصرانية التي مروا بها. فقد أجبر الفلاحون والحرفيون» 
وكنات العدال والعسفان وتساحو القزير والسغائيوقه والكفناء والققراء: 
وحتى الخياطون المورسكيون الذين كانوا يلازمون سيدات البلاط» على 
أن يكونوا أبطالاً لإبعاد جماعي لم يبق منه سوى القليل من الأوصاف 
والروايات على لسان أبطاله. 

قدمت مخطوطة مجهولة المؤلف من المخطوطات الألخامية «معلومات 
الطريق» للمورسكيين الراغبين في عبور فرنسا وإيطالياء للذهاب إلى 
الأراضي الإسلامية. تقدم المخطوطة تفاصيل حول تكاليف الإسكان 
والطعام والنقل لكل مرحلة بالرحلة» وتوصي المنفيين باتباع حيل مختلفة 
لإخفاء هويتهم الإسلامية عن النصارى المعادين» منها التظاهر بأنهم 
مدينون فارون من دائنيهم» أو التظاهر بأنهم حجاج نصارى يقصدون 
زيارة الكنائس والأماكن المقدسة النصرانية. وقد كان لزاماً عليهم أن 
يحافظوا على هذا التظاهر على طول الطريق إلى أن يبلغوا البندقية؛ تلك 
المدينة الكونية» التي تبدأ فيها الحدود بين العالمين الإسلامي والنصراني في 
التلاثي» وقها كان وك المبعدين اق يلوا المساعدة صراحة: 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 475 


الدين والدم 

اذهب إلى الميدان لتشتري كل ما تريده. ستجد هناك 

أتراكاً بعرامات بنضاء وسودا بعانات صفراء وتهارا 

من الأتراك العظاء» يمكنك أن تسأهم عن أي شيء 

تريده» وسيرشدونك إليه بصدق. قل لهم إن لك إخوة 

في سالونيك وإنك تريد الذهاب إليهم» ستدفع دوكاتية 

واحدة لكل فردء وستدفع في أثناء المرور مقابل ما 

تأخذه من الماء والحطب. اشتر مؤنا لخمسة عشر يوماء 

واشتر يخنة وأرزاً وخلاً وزيتوناً أوغيرها من البقوليات 

البيضاء وخبزاً طازجاً يكفي لثانية أيام» وكعكاً بعشرة 

باوندات للشخص الواحد!؟!!. 

وتوجد لمحات حول هذا الترحيل في الرسائل التي كتبها المورسكيون 
المطرودون إلى أرباب أعمالهم أو أصدقائهم النصارى السابقين في إسبانيا. 
ففي الثاني والعشرين من نوفمبر 1610» كتب المورسكي الغرناطي بيدرو 
إيرنانديث 1167250062 2070 إلى سيدته السابقة دونا كتالينا دي بالديس 
65 ع0 2دتلة)2) 12053 واضفاً لها كيف أبحر هو وزوجته من مالقة. 
وقضيا اثني عشر يوماً في البحر قبل أن يسرقهم البحارة ويتركوهم على 
جزيرة مهجورة بعيداً عن ساحل شمال إفريقيا لا يلبسون سوى «سراويل 
من الكتان بلا أي عباءات أو ملابس». وشق الرجل وزوجته طريقهما 
أخيرا إلى تطوان؛ ومنها كتب إيرنانديث كيف أن «الله مخلصنا... خلصنا 
من الشيطان» وبسط علينا نعمته كي نعبده»!17]. 
وأبدى إيرنانديث- رغم محنته- رغبته في العودة إلى «أجمل بلد في 

العالم2» وناشد دونا كتالينا أن ترسل له مالا كي يتمكن هو وزوجته من 
السفر إلى مارسيليا وال هرب من «الناس الأشرار»»ء الذين وجدا نفسيههما 
بينهم. لم يكن هذا الحنين شاذأء فقد حاول مورسكيون كثيرون بصعوبة 


476 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


9- التكتم وا خداع 

أن يتكيفوا مع البلدان التي استضافتهم» واشتاقوا إلى الأصدقاء والجيران 
والمناظر الطبيعية التي تركوها في إسبانيا. ومن هؤلاء دييغو لويس مورليم 
23+ + #فنناءآ 0عء01]؛ المورسكي من لامانشاء الذي سافر برا إلى فرنسا مع 
زوجته إليسا 1154 وهناك انضما إلى جماعة كبيرة من اللاجتين المورسكيين 
في مدينة سينت جين دي لوزء وقد كتب في العاشر من نوفمبر 1611 إلى 
مُمُطعه السابق في قلعة رباح” عن مأزقه الذي كان يشاركه فيه بلا شك 
كثير من أبناء جلدته المبعدين: 

أود أن أحيط سموك علا بالمعاناة والحنين اللذين 

نعايشه] هنا. وندعو الله أن يكفر بها ذنويناء إذ إننا في 

حالة سيئة لدرجة أننا لا يمر علينا يوم أو ليلة دون أن 

نتذكر أراضينا وجيراننا الذين أبعدنا عنهم دون أي 

سبب أو إساءة من جانبنا. وقد اتفق بعضنا على أننا 

يمكن أن نثبت تحدرنا من النصارى القدامى خلال خط 

الذكورء ونرسل هذه المعلومات عبر ممثلين إلى مدريد» 

لأننا عازمون بكل قوة على مغادرة هذه المسالك المملة 

حيث وجدنا أنفسنا في أرض غريبة بعيداً عن أرضناء 

التي نبكي دماً على فراقهاء وننوي العودة إليها حتى لو 

شغ 

وكا هي الحال مع كل الشعوب التي بلا وطن, كان المورسكيون بلا 

حول أو قوة» ويعتمدون في بقائهم على رضا السكان. الذين كانوا يمرون 
ببلادهم. يتضح ذلك الضعف والخطر جليين في رسالة من الجزائر 
بتاريخ الخامس والعشرين من يوليو 1611 كتبها «الخريج مولينا» 001102 


(1) ولاقعلة لمن عل ممرصسة© في اللغات الأوروبية [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 477 


الدين والدم 

المورسكي الغرناطي من ترجلة”" بإشتريادورا إلى صديق نصراني يدعى 
دون خيرونيمو دي لوايسا دديدمآ عل مستدقع3 صو»ا"!. ويبدو أن 
مولينا كان رجلاً موسراًفي مدينته الأصلية» وتذكر بحنين زياراته المنتتظمة 
إلى بيت لوايسا. وأخبر صديقه كيف سافر برا مع مجموعة من المورسكيين 
من ترجلة إلى ميناء قرطاجنة قبل أن يبحروا إلى مارسيليا التي «استُقبلنا 
فيها بطريقة حسنة وتلقينا وعوداً مغلظة بالحماية». لكن في غضون بضعة 
أيام من وصوهم في شهر مايوء اغتيل هنري الرابع على يد الكاثوليكي 
المتعصب فرانسوا رافيلاك ع112نة3؟1 130015 وسرعان ما هوت فرنسا 
في الاضطراب السيامي. وعلى الفور أثيرت شكوك في تورط إسبانيا 
في الاغتيال» فوجد مولينا ورفاقه المنفيون أنفسهم متهمين من جانب 
الإدارات المحلية في مارسيليا بالتجسس لصالح فيليب الثالث لتمهيد 
الطريق نحو غزو إسباني لفرنسا. وربما أثيرت هذه الاتهامات كذريعة 
لابتزاز المورسكيين الذين جردهم المداعون عليهم من «جزء كبيرا من 
مدخراتهم. وحين عيّنت الملكة الوصية ماري دي ميديشي عل عنة1ا 
كنك قاضياً لرد هذه الخسائرء وصفه مولينا بأنه «لا يقل شرهاً إلى 
المال عمن ابتزوهم أولاً». وسافر الرجل المورسكي مع ألف من جماعته 
إلى ميناء ليفورنو الإيطالي» وفيه «حدث لنا الشيء نفسه. الذي وقع في 
مارسيليا». 

كانت غالبية هؤلاء المنفيين» مثل مولينا نفسه» تنتمي إلى الطبقة 
الوسطى المورسكية المتعلمة» التي سرعان ما خاب أملها في المْقُطعين 
الإيطاليين الذين «كانوا يريدون منا فحسب أن نزرع الحقول» ونعمل 
بالمهن الحقيرة الأخرى. التي لا يعرف معظم الناس كيف يقومون بهاء 
ولم يتعلموها». وقد فكر مولينا ورفاقه في العودة إلى إسبانياء لكنهم 


478 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


9- التكتم وا خداع 

غيروا رأههم حين سمعوا تقارير من مورسكيين آخرين من إشتريمادورا 
حول انتشار السرقة والاغتصاب على السفن التي أخذتهم من الموانئ 
الإسبانية. وبدلا من ذلك» شقوا طريقهم إلى الجزائر» التي كانت تغعص 
بالمنفيين المورسكيين من جميع أنحاء إسبانيا. وذكر مولينا لصديقه أن 
مضيفيه المسلمين «لم يكرهونا على أي شعائر روحية أو جسدية لجعلنا 
نرتد عما كنا عليه»؛ ما يوحي بأنه كان نصرانياًء وأن المنفيين المورسكيين 
الذين كانوا يُظهرون دينهم النصراني» عوملوا أحياناً بدرجة من التسامح 
لم تكن معهودة دائما في شال إفريقياء ناهيك عن إسبانيا. ومن الواضح 
أن مولينا كان رجلاً متدينء ويبدو أنه وجد بعض العزاء في الاعتقاد بأن 
مصيره كان مقدراً من الله» ويستحيل تجنبه: 

لا أعتقد- سموك- أن ملك إسبانيا هو الذي أبعدنا 

عن أرضه. بل الوحي الإلهي, لأنني رأيت هنا نبوءات 

ترجع إلى أكثر من ألفي عام تنبأت بها حدث لنا وما 

سيحدث يقيئاء مفادها أن الله سيبعدنا عن أرض 

[إسبانيا] ويبث هذه النية في قلب الملك ومستشاريه؛ 

وأن غالبيتنا ستموت في البحر وعلى الآرضء وهو ما 

حدث في النهاية. 

تنتمي هذه «النبوءات» إلى تقليد رؤيوي نصراني ظل يفتن كثيراً من 

النصارى الإسبان على مدار القرن السابع عشرء تمتد جذوره عبر الصوفي 
من القرون الوسطى يواكيم الفيوري2؟ ( 1202-1145 تقريباً) إلى سفر 
الرؤيا والتزييف النصراني الذي أضيف إلى وسيطات الوحي العرافات 
القدييات©. كان جوهز هذا التقليد هو الاعتقاد بنهاية التاريخ يليها 


(1) عتماط 4ه دمنطءوه1 نسبة إلى بلدة فيور بجبال كالابريا 0313618 الإيطالية [المترجم]. 
(2) وسيطة الوحي عاءه,ه لدى الإغريق كاهنة يعتقد أن الإله يجيب على لسانها عن الأسئلة - 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 479 


الدين والدم 


حريق كوني يكون فاتحة لآخر الزمان وعودة المسيح أو المخلّص المنتظر”». 
وعلى مر القرون» اكتسب هذا التقليد تلوينات حديدة» اكتسى بعضها 
يعدا إنسانيا عاقيا للوسلام. من ذلك نبوءة إيزيدور الإشبيل 05 151006 

11 لم5 بمجىء ملك قوي سيحكم إسبانيا ويطرد (نجاسات الإسبان» 

قبل أن يذهب لفتح أورشليم. ىا وجدت رؤيا ميثوديوس الكذاب©) 

بالقرن السابع مرتعا خصبا بين النصارى السوريينء ردا على الفتوحات 

حرباً مظفرة ضد الإسلام نيابة عن النصرانية. وقد أدمج كثير من هذه 

النبوءات في النبوءات التى انتشرت في إسبانيا القرن السادس عشر. 

ومولينا كنصراني وضحية للطرد يبدو أنه اعتبر فيليب اليد التى أراد الله 

أن يحقق مها هذا الوعد. 

ك# 
كان أنصار الطرد النصارى يعتقدون أيضاً أنه مقدر إهياًء لكن من 
منظور انتصاري» لا من منظور الظلم الذي يؤذن بعودة المخلص. من 

ذلك أن مجلس الدولة درس في الثالث والعشرين من ديسمير 1610 
بتفعيلة سداسية إغريقية تنسب إلى العرافات والإ516 اللاتي كن ينطقن بالوحي الإلهي في حالة 
من الجنون [المترجم]. 

(1) تشترك الأديان السماوية الثلاثة في فكرة المخلص الذي سيأتي في آخر الزمان ليملا الدنيا 
عدلاً بعد أن ملكت ظلماً: الماشيح في اليهودية» والمسيح في المسيحية» والمسيح والمهدي في 
الإسلام [المترجم]. 

(2) ريا ميثوديوس الكذاب نبوءة من القرن السابع الميلادي شكلت الخيال الأخروي للعالم 
المسيحي خلال العصور الوسطىء كتبت باللغة السريانية ردأ على الفتح الإسلامي للشرق 
الأدنى ونسبت زيفاً إلى الأب ميتوديوس الأولمبي 5 051 2160015 (نسبة لمدينة 
أوليمبوس القديمة على الساحل الجنوبي لتركيا)» تضمنت موضوعات أخروية كثيرة مألوفة 
في المسيحية مثل ظهور المسيخ الدجال وسيطرته وغزوات يأجوج وماجحوج والمحن التي 
تسبق نهاية العالم [المترجم]. 


450 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


9- التكتم وا خداع 

مذكرة من خايمي بليدا حول «العجائب والمعجزات التي أظهرها الرب 
ف أنناء طرد الورسكين) من يلسيية 001 كاق باينا يقصد بمذكرته أن 
يستجدي تمويلاً رسمياً للتأريخ الذي كتبه لاحقاً للطرد الذي أوجز 
محتوياته بطريقة قصد بها أن ترضى الملك ووزراءه. ذكر بليدا الإشارات 
المختلفة التي لقي فيها الطرد استحساناً إهيء من الطقس الحيد الذي 
مكن سفن الملك من إبعاد المورسكيين. إلى «الأشجار والحصاد» الوفير» 
الذي عم المملكة منذ رحيلهم. كان ذلك كله من نتاج خيال بليداء ومنه 
أيضاً وصفه للصليب «الأبيض المتألق» العملاق الذي ظهر فوق لوس 
ألفاكوس في أثناء طرد المورسكيين من أراغون وظل في السماء طيلة فترة 
إبعادهم. ورأى الدومينيكي المتعصب أيضاً تدخلاً إهياً في غزو إسبانيا 
لميناء العرائش المغربي في ذلك العام. 

كانت الدراسة الجادة والمحترمة التي لقيتها هذه الوثيقة الغريبة من كبار 
رجال الدولة الإسبان مؤشراً على التداخل بين النبوءات الدينية وسياسة 
الدولة» الذي نظر البلاط ال هابسبورغي من خلاله إلى الطرد. وسواء أكان 
فيليب ومستشاره المقرب ليرما اعتقدا حقاً بأن بلنسية أصبحت فجأة أكثر 
خصباً نتيجة لمغادرة المورسكيين. أم كانا يريدان أن يعتقد رعاياهما ذلك 
وحسبء. فلا شك أن الرجلين نظرا إلى الطرد على أنه يلقى استحسان 
الرب وتمنيا أن يجلب هذا الرضا الإلهي منافع إيجابية على إسبانيا. ودون 
هذه التوقعات» يصعب فهم إصرار ليرما أمام مجلس الدولة في ديسمبر 
0 على أن «أعظم شيء فعله ملك العام سيظل ناقصا» إذا لم يطرد 
المورسكيون "بلا استثناء)!2!. 


(3) لقب كان ملوك إسبانيا الهابسبورغية يطلقونه على أنفسهم نظراً لاتساع إمبراطوريتهم التي 
امتدت عبر أربع قارات» وكذلك من باب التطلع إلى قيادة العالم المسيحي وتوحيده بقيادة 
إسبانيا الكاثوليكية [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 481 


الدين والدم 

في ذلك الوقتء كانت غالبية المورسكيين قد أبعدت عن البلاد» 
وأزيل أي مهديد ربها شكلوه على وحدة إسبانيا الدينية أو على أمن الدولة. 
والباقون إما استوعبوا تماماً في المجتمع النصراني لدرجة أنه كان يصعب 
حتى التعرف إلى أصوهم المورسكية في المقام الأول» أو أن أعدادهم 
القليلة بين النصارى لم تعطهم الفرصة ليشكلوا جماعات متماسكة كما 
كانت الحال سابقاً. ظاهرياًء تحققت الأهداف الأوسعء وكان يمكن 
إيقاف عملية الطرد عند هذه النقطة. 

لكن تطهير إسبانيا من المسلمين لم يقصد به فحسب مجرد استئصال 
أقلية عرقية منحرفة أو محرد العقاب على العصيان والثورة. فبالنسبة إلى 
الحكام الذين اعتبروا الفشل السياسي والعسكري علامة على السخط 
الإلمي» كان الطرد عملاً استرضائياً لله القدير» أريد به تغيير مسار 
التاريخ» وأن يكون فاتحة لعصر جديد ومجيد في حظوظ إسبانيا وتحقيق 
الهيبة والمكانة للمملكة التي أنجزت هذا التطهير. ولم يكن بليدا الوحيد 
الذي رأى في غزو العرائش ضثيل القيمة نسبياً العلامة الأولى على 
العصر الجديد الذي حلّ. ومن أجل ديمومة البعث الجديد» كان لزاماً 
على إسبانيا أن تتطهر تماماً من أي مورسكي على أراضيها. ولم يتوقف 
مصدر الدنس على المورسكيين وحدهم. ففي صيف عام 1610» أوصى 
مجلس الدولة بطرد جماعة الغجر الإسبانية» الذين وصفهم بأنهم «أناس 
متشردون وضارون». لكن حملة التطهير الثانية على الغجر لم تنطلق قطء 
لأن مهندسي الطرد استغرقتهم محاولتهم المحبطة والعقيمة لضمان عدم 
بقاء أي مورسكي في البلاد. 


452 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


20 
النتيجة التامة 


)1614-1611( 


في الثالث والعشرين من مارس 1611 سجل كابريرا القرطبى أن 
فيليب حضر قداس شكر خاصاً في مدريد لإحياء ذكرى «الحدث ا 

المتمثل في طرد المورسكيين». 
حضر المراسم حشد رفيع المستوى من الوجهاء الأجانب والمحليين 
ضم السفير البابوي وكثيراً من السفراء الأجانب وأعضاء بارزين من 
الطبقة الأرستقراطة ورجال الدين: الى قيلي كلاسن بيضاء هق 
رأسه حتى أخمص قدميه في إشارة رمزية إلى نقاء إسبانيا الذي تحقق 
مؤخرأء وقاد موكباً مهيباً من كنيسة سانتا ماريا إلى دير ديسكالاس»ء وفيه 
شكر «مريم العذراء» على عونها في الطرد. وأرسل رئيس أساقفة غرناطة 
الجديد مذكرة اتسمت بالغلو لإحياء المناسبة» وصف فيها الطرد بأنه 
أحد عجائب الدنيا السبع» وشبّهه بالانتتصارات النصرانية الكبرى على 
الإسلام» كمعركة بلاط الشهداء بالقرون الوسطىء والهزيمة الأحدث 

للأسطول العثماني في ليبانتو. 
جرّت هذه الاحتفالات في وقت كانت فوائد الطرد فيه غائبة 
بوضوح عن كثير من مناطق البلاد. ففي مختلف أنحاء إسبانياء خلف 
2413 

١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


الدين والدم 


طرد المورسكيين مشهداً من الخراب» بدءاً من البيوت الخاوية والأحياء 
والقرى المهجورة إلى انخفاض العائدات. وفي بلنسية» ورغم استحضار 
بليدا لعصر جديد من الوفرة» تواترت تقارير عن محاصيل لم تبذرء 
وأخرى لم تحصد. ومزارع كرمة وبساتين تعفنت ثارها على سوقها 
لعدم وجود الأيدي الكافية لحصادها. وبلغ نقص القوة البشرية مداه 
إلى درجة جعلت ليرما يفكر في إمكانية توطين النصارى اليونانيين في 
الريف البلنسىء في حين حذّر كاراثينا الملك في ديسمير 1609 من أنه قد 
يكون ضروريا استخدام المورسكيين من غرناطة لتعويض النقص''. وفي 
مناطق إسبانيا الأخرى اشتكى ملاك الأراضى العلمانيون والدينيون من 
نقص العالة؛ وطلبت المجالس البلدية معونات مالية من التاج لتعويض 
ما خسرته جراء طرد المورسكيين. 

وفضلاً عن أن «الحدث السعيد» لم يكن يحظى بالشعبية التي أوحت بها 
الاحتفالات في مدريد» فقد كانت هناك أيضاً أدلة مزعجة على أن الطرد 
لم يكتمل. ففي ديسمبر 1610» أمر خوان دي ريبيراء في الشهور الأخيرة 
من حياته» بإبعاد أربعة آلاف مورسكى من بلنسية كانوا قد استطاعوا 
البقاء في المملكة لأكثر من عام بعد بداية الطرد. وبعد ستة أشهر تقريبا 
ظل نائب الملك كارائينا يذكر لفيليب أن كثيراً من المورسكيين قد بقوا 
خفية». كان بعضهم يعملون في أراضي مُقطعيهم النصارى رغم الحظر 
الصارم لذلك. وكان هناك أيضاً الناجون من ثورة 1609 في مولا دي 
كورتيسء الذين واصلوا العيش في الكهوف في الجبال المحيطة» وهاحموا 
من حين إلى آخر المستوطنات النصرانية النائية. 

وفي الخامس والعشرين من مايو 1611 أصدر كاراثينا أمراً همجياً وعد 
فيه بتقديم مكافأة عن كل مورسكي يؤتى به من مولا حيا أو ميتا. تلت 
ذلك عمليات بشعة لاصطياد البشرء إذ تكالب صائدو الثروات النصارى 


464 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


0- النتيجة التامة (1614-1611) 


على هذه الجبال» وبدؤوا في العودة برؤوس المورسكيين للمطالبة 
بالمكافآت”"» إلى أن تعهد ساكن نصراني في بلنسية يدعى سيميون ثاباتا 
8 ممع م51 بإقناع المورسكيين بالنزول من الجبل. وفي تجل لإنسانية 
كانت تغيب يقيناً عن بلنسية في تلك الأعوام؛ قضي ثاباتا شهوراً يجوب 
مولا دي كورتيس وحده. وأقنع المورسكيين في النهاية بمغادرة إسبانيا 
طوعا. وبين يناير وفبراير 1612» اقتاد ثاباتا هؤلاء المورسكيين بنفسه إلى 
الساحل» وأرسل أخاه على إحدى السفن المتوجهة إلى الجزائر لضمان 
أمانهى!2!. 

وف مناطق أخرى من إسبانياء اختفى المورسكيون لتفادي المفوضين 
الذين جاءوا لإبعادهم ثم عادوا إلى بيوتهم بعد أن رحل المسؤولون 
الملكيون. وحصل بعضهم على شهادات من مسؤولين نصارى محليين 
تجيز لهم البقاء. وقد كانت هذه التطورات مصدر إحباط كبير للملك 
ووزرائه. فقبل أيام قليلة من احتفالات الشكر في مدريد, أمر فيليب 
ابن عمه المركيز كاربيو وأمتة© 06 ؤ5ذنان:213 بتنفيذ عملية طرد جديدة 
للمورسكيين ني إشبيلية الأنه من المفهوم أن كثيرين منهم لم يغادرواء وأن 
آخرين ممن غادروا رجعوا وتمكنوا من الاختفاء». ومن أجل ضان أن 
١تنتهي‏ هذه العملية بالنتيجة التامة إرضاء لله والملك», أصر الملك على 
طرد كل هؤلاء المورسكيين «حتى لو كانت معهم شهادات بأهم كانوا 
يعيشون كنصارى جيدين لأن هذه الوثائق مشكوك فيها»!ذا. 

وفي أكتوبر 21612 عاش فيليب مأساة شخصية» حين ماتت زوجته 
المحبوبة مارغريت النمساوية في أثناء الولادة. قبل موتهاء كانت مارغريت 





() كان الواحد من «صيادي البشر» الإسبان يكافا على عدد الرؤوس أو «القضبان» التي يعود 
بها إلى غرناطة» فقد كان الواحد منهم يقطع رأس أو «قضيب) فريسته ليريح نفسه من حمل 
الجثمان كاملا أو حتى الرأس [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 485 


الدين والدم 
كل أسفيت دير التجسيد 8263208168 18 0 00096010 في مدريد شكر ا 
لله على الطرد. لم يتزوج فيليب بعدهاء وظل وفياً للمهمة التي أيدتها 
بكل إخلاص. وقد كان لدى ليرما هو الآخر مبرر لضمان أن إسبانيا قد 
«تطهرت تماماً من المورسكيين حتى لا تبقى ذكرى لهؤلاء الناس»[4]. 
فشهرته ارتبطت بقوة بنجاح المشروع الذي فعل الكثير لإطلاقهء | أن 
مكانته في البلاط تزعزعت كثيراً بعد اكتمال الطرد. ففي عام 01612 طرد 
رودريغو كالديرون ه6مع 210 معهمله؛ أحد أكثر أتباع ليرما فساداً من 
البلاط في عملية انتهت بإعدامه. كان هذا الحدث انتصاراً كبيراً لأعداء 
الدوق السياسيين وتأكيداً آخر على تراجع نفوذهل”!. وربها أسهمت هذه 
الظروف الشخصية في تقوية عزيمة الرجلين على (إكمال» عملية الطرد. 
التي اتضح أنها أكثر خلافية وضرراً وتعقيداً مما ظن أي منهما. 
علد عاد عاد 

في الجزء الثاني من رواية دون كيخوتة التي كتبت بعد الطرد» قدم 
ثيرفانتس صورة أكثر ودا لإسبانيا المورسكية من كتاباته السابقة حول 
الموضوع في شخصية الصديق المورسكي المطرود لسانشو بانثا 0اءمةة 
8ه المدعو ريكوتي الآأندلني 1 ع) 110016؛ صاحب دكان سابق 
في مدينة سانشو الأصلية. يلتقي الرجلان ثانية على غير المتوقع» حين 
يعود ريكوتي إلى إسبانيا من شمال إفريقيا متنكراً في هيئة حاج نصراني 
كي يستخرج كنزاً كان قد دفنه في قريته. نوى ريكوتي أن يأتي بزوجته 
وابنته من شمال إفريقيا بأخذهما إلى ألمانياء لأنه| «نصرانيتان كاثوليكيتان» 
وعلى الرغم من أنني لست في تدينهم النصراني» فإنني من الداخل نصراني 
أكثر من كوني أندلسيا». يتحدث صاحب الدكان المورسكي إلى سانشو 
عن «الرعب والفزع» الذي أحدثه أمر الملك بالطرد بين «أبناء أمتي»» 
ويندب المصير الكارثي الذي لاقاه كثير من المورسكيين في شمال إفريقياء 


486 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


0- النتيجة التامة (1614-1611) 
معلناً: ا(إننا م نعرف حظنا السعيد إلا بعد أن فقدناه20 وحجميعنا شري 
يشتاقون بلهفة إلى العودة إلى إسبانيا لدرجة أن غالبية من يعرفون اللغة» 
وهم كثر» وأنا منهم» يعودون ويتركون زوجاتهم وأطفاهم بلا حماية حبا 
في إسبانيا»!“). 
كانت هناك بالفعل نماذج واقعية من ريكوتي» نجحت في العودة إلى 
إسبانيا رغم الصعوبات الضخمة التي اعترضت طريقها. ومن هذه 
النماذج الرحلة الملحمية لدييغو دياث 12132 معءئ2 المورسكى القشتالى 
من بلدة ديميل» الذي اعتقلته محكمة التفتيش في بلمونتى عاهمصراء8 
بقونكة في عام 1633. وصف دياث في محاكمته كيف تلقى هو وعائلته أمر 
الطرد من إسبانيا في عام 1611» حين كان في أواخر العقد الثاني من عمره. 
حملت عائلته تمتلكاتهم على عربات» وسافرت إلى مدينة سينت جين دي 
لوز بفرنساء وكا أخبر دياث المحكمة «رأيت البحر أولَ مرة» لكن البلد 
كانت رطبة وباردة» واللغة والعادات غريبة عليناء ولذلك اشتقنا للعودة 
إلى إسبانيا»!7ا. 
تسلل دياث ورفيق له عائدين عبر الحدود. لكن سرعان ما اعتقل 
المورسكيان» وقضيا ثلاثة أشهر في السجن قبل أن يُبعدا ثانية إلى فرنسا. 
(1) طبعاً هذا الوصف للجنة المفقودة من عند مؤلف الراوية» وهو شكل من الخنطاب الاتتصاري 
الذي يعلي من شأن الذات الوطنية على ما عداهاء وبخاصة أعداؤهاء وإلا فأين الجنة المفقودة 
من الأهوال التي عاشها المورسكيون في إسبانيا من قبل الطرد بزمن طويل؟ أليست هذه الجنة 
هي التي أدخلتهم في النصرانية تحت حد السيف وبعد قتل عشرات الآلاف منهم؟ أليست هي 
التي كانت تجبرهم على ممارسة شعائر النصرانية تحت شبح محكمة التفتيش المائل دائماً وأبدا؟ 
أليست هي التي عذبتهم بأبشع الطرق وأعدمتهم في حفلات جماعية للحقد المقدس بتهم 
سخيفة تتعلق بعدم صدق الإيمان أو إظهار مفردات الثقافة الأندلسية أو الأكل على الأرض 
أو الاستحمام؟ إلا إن كان'هذا الحب لإسبانيا كأرض وتضاريس ومناخ وأنهار وتربة خصبة» 
لكنه بالتأكيد ليس لإسبانيا كمجتمع وثقافة وناس. ومن المؤكد أن إبراز حسرة المبعدين على 
فراق إسبانيا روّج لها الكتاب الإسبان في المقام الأول» لإظهار أن الطرد كان اتتصاراً على 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 417 


الدين والدم 


وبعد أشهر قليلة استطاع أن يشق طريقه عائداً إلى ديميل التي عمل فيها 
خادماً. وفي عام 1612» اعتقل دياث للمرة الثانية» وأفلت بصعوبة من 
حكم بالتجديف على السفن عبر الموافقة على الإبحار مع مورسكيين 
آخرين من قرطاجنة إلى الجزائر. أنزل دياث ورفاقه على الشاطئ على بعد 
بضعة أميال من المدينة» وسجل الاستقبال الحيد الذي لقيه هو ورفاقه 
من الجنود والمدنيين المسلمين الذين «بعد أن واسونا وأطعمونا أخذونا 
إلى المدينة... واعتنوا بنا على أحسن ما يكونء وحملوا مَنْ لم يكن يستطيع 
المثي منا على ظهور خيول جيدة» وأركبوا النساء» على شرج لينة خلف 
الرجال. 

وعندما وصلوا الجزائرء زعم دياث أنه ختن قسرأء وأخبر المحكمة 
لاحقاً أن ضميره أنْبه كثيراً لدرجة أنه ببحث عن رجل دين نصراني اعترف 
له داذنبهه. عل أن دياث ليس راوياً موتوقاً كليأء وربا أراد بقضته أن 
يفلت من العقاب. ويخفي ماضيه الإسلامي السري. لكن لا مجال للشك 
في تصميمه على العودة إلى إسبانيا. وبعد أن أمن انتقالاً على مركب صيد 
مع طاقم من المورسكيين القطلونيين والأراغونيين» غادر الجزائر وسبح 
إلى الشاطىئ حين بلغ الساحل الإسباني”". ثم شق طريقه إلى سرقسطة 
ومنها إلى فرنسا بحثاً عن أبيه وإخوته. ليكتشف أنهم إما ماتوا أو عادوا 
إلى إسبانيا. قرر دياث بعد ذلك السفر إلى روما بعد أن علم أن ختانه لا 
يغفره إلا البابا. وحين مر بأفينيون”» علم أنها أرض بابوية» وأن الغفران 
من أحد أساقفتها أو السفير البابوي له مفعول الغفران البابوي نفسه. 

وأخيراً اعترف لراهب ناطق بالإسبانية» وعاد بشهادة غفران إلى إسبانيا 


(1) إذن فمراكب الهجرة غير الشرعية من شمال إفريقيا إلى أوروبا عبر ابحر المتوسط في هذه الأيام 
لها سلفها في أوائل القرن السابع عشر! [المترجم]. 
(2) مدينة أفينيون- كما ورد في حاشية سابقة- كانت تشتهر بقصور الباباوات» وعاش فيها كثير 
من الباباوات الحقيقيين والمزيفين [المترجم]. 
1_طماع !© :161 ]أللا 1 


0- النتيجة التامة (1614-1611) 

التى عمل فيها جزاراً في مناطق مختلفة من البلاد» قبل أن ينتهى به المطاف 
في بلمونتي بقونكة: التي أبلغت عنه فيها خادمة ساخطة محكمة التفتيش 
بتهمة الإسلام. أوضح دياث في محاكمته» وهو دفع منطقيء ب«أنني لو 
أردت أن أتبع شريعة محمد لبقيت في الجزائر» وهي أرض تتمتع تع بالوفرة 
في كل شيء1. ومكن من إقناع محاكميه بالسماح له بالبقاء في البلاد. 

أظهر مورسكيون كثيرون آخرون الرغبة العنيدة نفسها في العودة إلى 
وطنهم: سافر بعضهم من شال إفريقيا إلى أوروباء ثم شقوا طريقهم 
برا إلى إسبانياء واستأجر آخرون سفناً لنقلهم إلى الساحل الإسباني. 
وقد اغْتّرضت سفينة إنجليزية بالقرب من أليقنت بحمولة خمسمائة 
رورس وأكد الربان توماس توللر ع19116 كقصمط]” أنهم «أجيروه على 
العودة بهم إلى إسبانياء ولو حتى كعبيد, قائلين إنهم يفضلون أن يكونوا 
عبيداً في أراض نصرانية على أن يعيشوا في أراضى المغاربة». وربما قصد 
توللر» بتأكيده الإكراه الذي تعرض له منهمء أن قتائقسة من العقاب» 
لكنه على كل الأحوال أمر بإعادة ركابه إلى شمال إفريقيا. وفي مايو 21613 
كتب نائب القاضي الأول في أراغون غاسبار دي كاستيلبي عل تدوكة© 
“اعاكهه إلى فيليب ليسأله عما يرد به على ربان فرنسي من الجزائر طلب 
التوسط نيايةغن أريعالةموزسكي أزادوا العودة إل إسبائيا في ايعيشيز] 
ويموتوا كنصارى جيدين». وقد عرض هؤلاء المورسكيونء وفقاً للربان 
الفرنسي» أن يحضروا معهم بعض الأسرى النصارى في مقابل المعونة 
المالية من إسبانيا لدفع أجرة رحلتهم. وجاء رد فيليب مخادعاًء فقد أمر 
كاستيلبى بأن يقبل ذلك الترتيب إلى أن يصل الأسرى النصارى سالمين» 
وبعلاها ايبعذ المورسكيين إلى أي مكان بريدوة» ضاعدا إسبانيا!18. 

ع د 
كان المورسكيون الذي يضبطون عائدين إلى إسبانيا يتعرضون لطيف 
اه :1ع ]آلا 11 


الدين والدم 


واسع من العقوبات القاسية: بدءا من الجلد والسجن حتى أحكام طويلة 
بالتجديف على القوادسء وانتهاء بالإعدام. ففي يونيو 1613» طرد 
سالاسار ثانائة مورسكي من عادوا إلى بيوتهم ف ألماغرو 0 
بلامانشا بعد الحكم على عدد كبير غيرهم بالعمل في السفن ومناجم 
الزئبق. لكن القمع الأشد لم يكن كافيا لإغلاق حدود إسبانيا النفاذة» 
فواصل مورسكيون من كل الأعمار ومن الجنسين العودة إلى البلاد. ومع 
أن بعضهم عادوا إلى بلداتهم وقراهم» فقد كان يستحيل تعقب غيرهم» 
لأمهمء ى) ذكر أحد مسؤولي فيليب من مالقة في نوفمير 1610» «كانوا 
يستقرون في أي مكان لا يُعرَفون فيه»» ويمتزجون فيه مع السكان 
المحليين «على أنهم من النصارى القدامى». 

وفي صيف عام 21611 أبعد نحو ستمائة مورسكي من بلدة بياروبيا دي 
لوس أوخوس 0[155 105 06 12طنا:ة11:/ا بلامانشاء واقتيدوا إلى مدريد. 
وفي أثناء الرحلة» فر مثتان وخمسون منهم من مرافقيهم احتجاجاً على 
طردهم. واحتلوا قصراً شاغراً يملكه مُقُطعهم الكونت ساليناس 6«ناه© 
15 06. الذي كان غائياً عن العاصمة. ومع أن بعض المورسكيين 
الأكثر تشبثاً استطاعوا الحصول على استثناءات عبر هذا الاحتجاج؛ 
فإن الباقين اقتيدوا خلال برغش إلى فرنسا. وفي نباية العام» تسلل كل 
هؤلاء المورسكيين تقريبا عائدين إلى إسبانياء وشقوا طريقهم ثانية إلى 
بياروبياء وهناك اضطرت السلطات لتنفيذ طرد ثان. واستطاع كثير من 
المورسكيين من البلدة أن يعودوا مرة أخرىء فأجري طرد ثالث من 
بياروبيا في عام 1613. وحتى بعد ذلك. كىم| تؤكد الدراسة المهمة للطرد في 
بياروبيا للمؤرخ الإنجليزي تريفور دادسون 116012 رجع كثير 
من هؤلاء المورسكيين إلى بيوتهم مرة رابعة» وربم| نجحوا في البقاء فيها 


بشكل وا" 


460 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


- النتيجة العامة (1 4-161 ١‏ 16) 

اهتم الملك وكبار مسؤوليه كثيراً بالأدلة التي أفادت أن النصارى 
القدامى كانوا يساعدون المورسكيين في العودة إلى إسبانيا أو تجدب 
الطرد. ففي بياروبيا رفض النصارى شراء البيوت التي أخلاها جيرانهم 
المورسكيونء على ما يبدوء لأن مالكيها السابقين يمكن أن يعودوا 
إليها لاحقاً. وعلى الحدود الفرنسية» سمح المسؤولون الإسبان أحياناً 
للمورسكيين المرضى والعجائز بالعودة إلى البلاده بل وأعطوهم مالا 
وطعاما لرحلتهم. وفي بعض الحالات». سمح ملاك الأراضي لمقُطعيهم 
السابقين بالعودة سراً إلى ضياعهم» وبخاصة في أراغونء التي كان من 
السهل على المورسكيين أن يتسللوا إليها عبر الحدود من فرنسا. وفي 
سيعفين 1612 اشتكى بالاسان إل ليرها من 'أن كثيرا هن المووسكييق 
كانوا يعودون من فرنسا بتشجيع من مُقطعيهم السابقين» وتذمر من 
«ضعف الاهتام الذي أبداه القضاة باعتقالهم وعقاءهم». 

نفذت الحكومة محاولات مختلفة لمنع هذا التواطؤ. ففي العشرين 
من إبريل 1613» صدر أمر ملكي يذكر المسؤولين في أنحاء البلاد كافة 
بواجبهم بطرد «كل المورسكيين والمورسكيات» الذين عادوا أو ل 
يغادروا البلاد؛ وشجب «المحاكم والأشخاص المختلفين». الذين أعطوا 
المورسكيين «تقارير شريرة وبراهين زائفة» مكنتهم من طلب الاستثناء. 
وني الشهر التالي» اضطر فيليب لإصدار مرسوم آخر شجب فيه «إهمال» 
النصارىء. الذين سمحوا «للأندلسيين والآتراك» بالعودة إلى إسبانياء 
وأمر كل المسؤولين «أياً كانت منزلتهم ومكانتهم» بتنفيذ أوامر الطرد. 

كانت مهمة فرض هذه الأوامر تقع بالدرجة الأولى على الكونت 
سالاسار الذي لم يكل أو يملء إذ تولى وحده قيادة الطرد في قشتالة بعد 
موت ألونسو دي سوتوماير في عام 1610. أبدى ثيرفانتس لاحقا تقديرا 
ساخراً لدور سالاسار في الطرد. حين حيّا ريكوتي الأندلسي الرجل الذي 


1_طماع !© :1ع]1]أللا 1 491 


الدين والدم 

تحمل «بتعقل وحصافة ويقظة وكذلك بإرهاب... ثقل مشروعه الواسع 
حتى إنجازه كاملا ولا تمتلك فنوننا أو حيلنا أو التاساتنا أو احتبالاتنا 
القدرة على إمبار عيون آرغوس”2 التي تراقب دائ] لترى ما إذا كان أحدنا 
لايزال يكمن مختفيًء ليدمو كجذر خفي مع الوقت ويحمل ثاراً سامة في 
إسبانيا»!9!!. وقد تقرر مصير كثير من المورسكيين بفعل هذه «العيون 
الآرغوسية»؛ حيث كان سالاسار يركب جيئة وذهاباً عبر إسبانيا ليدقق 
الأنساب والسجلات المحلية بحثاً عن المورسكيين الذين أفلتوا من 
الطردء فيطلب قوائم بأسماء المورسكيين من الإدارات المحلية» ويرفضها 
لكونها ناقصة أو خاطئة. ويصطاد المورسكيين الذين عادوا إلى البلاد. 

كان سالاسار مصمأ] أيضاً على إبطال الاستثناءات التي استطاع 
المورسكيون أن يحصلوا عليها من المحاكم المحلية. فرغم أوامر مجلس 
الدولة برفض كل هذه الالتماسات» ظل كثير من المورسكيين يتحدون 
طردهم بمبررات مختلفة» إذ تذرع بعضهم بالشيخوخة والوهن» وأصر 
غيرهم على أنهم كاثوليك جيدون. أو التمست بعض النساء الاستثناء 
نيابة عن أزواجهن المورسكيين» في حين أنكر آخرون نسبهم الأندلمي. 
أو ذهبوا إلى أن الطرد كان خرقا لاتفاقات قانونية قديمة مع الحكام 
النصارى ترجع لقرون في الماضي. وكانت هذه الالتماسات تجد دائ) تأييدا 


(1) ارغوس بانوبتس 65]م29020 وناع_ح-- في الميثولوجيا اليونانية- عملاق ذو مئة عين كان مكلفاً 
بحراسة البقرة إيو 10. كانت إيو وصيفة هيرا 116,8 زوجة زيوس كبير الآلهة, وأحب زيوس 
إيو واغتصبهاء ثم حوّلها إلى بقرة حتى لا تتعرف عليها زوجته الغيورة هيراء لكن هيرا لعلمها 
بحقيقة البقرة طلبتها منه كهدية» وعيّنت لها أرغوس كثير الأعين لحراستها بعيداً عن زيوس. 
وتستمر الأسطورة إلى أن يرسل زيوس هيرميس 1167065 لقتل أرغوس» وبعد موت الأخير 
حوّلت هيرا عيونه المئة إلى ذيل طاووسء وأطلقت هيرا البقرة إيو وأجبرتها على أن تهيم على 
وجهها في الأرض دون راحة» وأرسلت نعرة لتلسعها من حين إلى آخر. طافت إيو.كصر حيث 
وضعت ابنها بيلوس» الذي أصبح ملك مصر وأبا المصريين؛ في حين عاد ولداها كادموس 
ودانوس إلى بلاد اليونان [المترجم]. 


402 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


0- النتيجة العامة (16|4-1611) 


وبدا أحياناً أنهم يقرّضونه بقوة. ففي عام 01612 أمر رئيس أساقفة 
إشبيلية كهنته صراحة بعدم جمع قوائم «المورسكيين القدامى» في تحدٌ 
صريح لأوامر الملك. وفي أغسطس من ذلك العام أخبر السوط السابق 
لهورناتشوس ريغوريو لوبيث ماديرا سكرتير سالاسار عن كاهن اشديد 
الخبث» في بياروبيا دي لوس أوخوس يدعى الأب تارانخو وزمهمدة]< 
ادعى عدم وجود مورسكيين في أبرشيته. وفي صيف عام 1612» قبض 
المجلس البلدي في بلاسينثيا بإشتريمادورا على أحد أتباع سالاسار كان 
قد أرسل لجمع قوائم بأسماء المورسكيين في منطقتهم. ورغم احتجاجات 
سالاسار ظل تابعه في السجن أكثرٌ من عام. 

كانت المعارضة النصرانية في معظمها تتخذ أشكالا سرية. ففى بعض 
الحالات كان المسؤولون في أسفل السلم البيروقراطي يحاولون تأخير 
الطرد بطلب مزيد من التوضيحات من سالاسار أو بإبراز صعوبات 
في تنفيذ أوامره. كما تزوج بعض الرجال النصارى من مورسكيات 
لإنقاذهن من الطرد. ففى أكتوبر 1612 اشتكى سالاسار للملك من أن 
كثيراً من هؤلاء المورسكيات المتزوجات حديئاً كن يطلّقن أزواجهن بعد 
ذلك للحصول على درجات دينية بتواطؤ من الأديرة التي كانت "تبيع 
الدخول فيهاء ىا لو كان سلة من الإجاص»» وهي ظاهرة رأى سالاسار 
أنبا كانت «تدمر المملكة وتروعها»!!!!. 

كان الكونت المجتهد مجيراً دائمأً على الاعتهاد على مسؤولين «كثيري 
النسيان»» كان يشك في أغهم يقدمون قوائم ناقصة بالمورسكيين في 
مناطقهم؛ أو مجبراً على إصدار تعريفات جديدة للمورسكي لمواجهة 
التقييرات الإجابية من وجال الدين المخلبين. وحاول سالاسار أيضاً أن 
يغرض سلطة الملك على المحاكم والقضاة العلمانيين» الذين اتهبمهم بتزويد 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 2003 


الدين والدم 

المورسكيين ب«تقارير ووسائل أخرى زائفة» مكنتهم من طلب الاستثناء. 
وفي نوفمبر 1612» منح ليرما لسالاسار ترتيبا خاصا مكنه من الإشراف 
شخصياً على كل طلبات الاستثناءات لتجنب «التعقيد والتطويل 
والاحتيالات والارباكات» المنبثقة عن المحاكم العلمانية. ورغم التسلح 
بهذه السلطات الاستثنائية» لم يتمكن هذا البيروقراطي العنيد والقاسي قط 
من التغلب على هذه الأفعال. 

من الواضح أن الإسبان لم يكونوا جميعاً يبشاركون حكامهم الالتزام 
العنيد بهدف النقاء الديني. فالأرستقراطيون والكهنة والنصارى 
العاديون كلهم أيدوا الطرد بدرجات متفاوتة من الحماس. لكن أعضاء 
الجماعة الواحدة منها كانوا أيضاً مختلفين في بينهم. فلم يشأ بعضهم أن 
يخسر مصدراً مهما للدخل» ورأى بعضهم أن الطرد كان ظااً ولا يتفق 
مع النصرانية» ورفض آخرون إرسال العجائز والأطفال الصغار إلى ما 
اعتبروه موتاً محققآء وكان هناك أيضاً من لم يوافقوا على طرد أصدقائهم 
وجيرانهم. ومع أن المؤرخين المحافظين يعتبرون الطرد دائ] أولوية عرقية 
أو وطنية ساحقة» فإن التواطؤ الذي اجتهد سالاسار لمنعه يوحي بصورة 
مختلفة تماماً لعملية طرد أطلقت ونفذت من أعلى؛ وظلت تعمل عاماً مؤكاً 
بعد اخرء حتى بعد فترة طويلة من انحسار الغبطة والشعور بالانتصار 
اللذين رافقا الإبعاد الجماعي الضخم في بلنسية. 

د 6د د 

ازداد هدف إكمال الطرد تعقيداً بسبب الأعداد الكبيرة من الأطفال 
المورسكيين المعروفين باسم المورسيكيو 2405150111105 أو المورسكيين 
الصغار الذين بقوا في إسبانيا بعد طرد ذويهم وعائلاتهم. ففي إشبيلية 
وحدهاء تخلف زهاء ثلاثمائة طفل بعد موجة الطرد الأولى من أندلوسيا. 
وفي يناير 1610» حذّر كاراثينا فيليب من أن «الأولاد والبنات الصغار 


2404 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


0- النتيجة التامة (1614-1611) 

السن». الكثيرين الذين بقوا في بلنسية» كانوا عرضة للاستعباد» وأوصى 
بأن يوضعوا في رعاية «أشخاص أغنياء من ذوي المكانة» إلى أن تتوافر 
بيوت دائمة لهم. وفي إبريل من ذلك العام» أحيط مجلس الدولة علماً بأن 
نحو ألفي طفل مورسكي تحت عمر السابعة بقوا في بلنسية. وكان هناك 
أيضاً آلاف من الأطفال الأكبر سنا والمراهقين مبعثرين عبر المملكة. 
بعض هؤلاء الأطفال تخل عنهم ذووهمء وبعضهم اختطفوا كعبيد أو 
احتفظ بهم المقُطعون النصارىء الذين رأوا فيهم وسيلة لإعادة إنتاج 
قوة عاملة مورسكية. ومُّنع عدد من الأطفال من المغادرة» إما بالقوة 
أو الإقناع» من جانب كاثوليك متحمسين رأوا أن واجبهم الديني يحتم 
تنشئتهم كنصارى. وقد حاولت الإدارات المحلية أن تتعقب هؤلاء 
الأطفال وتجمع قوائم بأسائهم وأعمارهم وساتهم المميزة في سجلات 
رسمية» فضلاً عن أسماء الأوصياء عليهم؛ إن وجدوا. 

من أمثلة ذلك سجل من بلدة أونيل 0511 البلنسية يسجل الأطفال على 
هذا النحو: «خوان في الثالثة من العمرء أبيض وأشقر بعينين سوداوين 
وفم كبير»» في وصاية نصراني محلي يدعى خوان موليناء و«أليسيا في الثالثة 
من العمرء فمها صغير». و(أنطونيا في الثانية عشرة من العمر سمراءء 
وفمها كبير والاثنتان في رعاية الدوقة مانداس!2']. كان كثير من هؤلاء 
الأوصياء من النساءء ويشير لقب الدونا 2058 إلى حسبهن الاجتماعي» 
والأطفال الذين تركوا في رعايتهن ربا كانوا حظوظينء أياً كانت الظروف 
التي جاءت بهم إليهن. فكثير من الأطفال المورسكيين المسجلين في هذه 
السجلات لم يكن لهم أوصياء أو أسماء أو حتى أعمار. وكان بعضهم في 
عامه الأول أو الثاني من العمر ويُميّزونَ فقط بسماتهم الجسمية البارزة. 

كان الأطفال المورسكيون مصدر قلق استحوذ على فيليب وكبار 
مسؤوليه الذين كانوا دائماً ممزقين بين واجبهم الديني نحو تنشئة هؤلاء 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 4695 


الدين والدم 

«الأبرياء» كنصارى جيدين» وبقايا التحيز والريبة التي اعتبرت حتى 
أصغر الأطفال «بذرة فاسدة» يمكن أن «تعدي» إسبانيا ثانية. وكان 
المراهقون والأطفال الأكبر سنا موضع اشتباه أكثر من الأطفال الأصغر 
سناء لاحتمال تشرمهم بعادات ومعتقدات ذويهم» وقدرتهم على إعادة 
إنتاجها في المستقبل. ولذلك كان هؤلاء الأطفال يراقبون دائما عن قرب 
من جانب السلطات الدينية والعلمانية للتعرف على الأمارات الواضحة 
للفيروس الإسلامي, مثل النفور من لحم الخنزير. وفي مارس 1610» أعرب 
الدوق ليرما القوي نفسه عن القلق من التقارير حول الأولاد المورسكيين 
في بلنسية الذين اكْتشِف أنهم يلبسون «ميداليات على شكل أهلة». 

لم تكن هذه الشكوك ترتبط بالضرورة بطول الوقت الذي قضاه 
هؤلاء الأطفال مع ذويهم. فبالنسبة إلى القطاعات الأكثر تشددا بالمجتمع 
الإسباني التي كانت ترى أن الإسلام سمة ة متأصلة 5 لدم أو الروج؟ 
الأندلسية. كان الأطفال الذين لم يبلغوا اسن الرشدة يشكلون تبديداً 
محتماة على النقاء الدينى لإسبانياء الذي تحقق بشسق الألفى» وحتى 
الأطفال الرضع الذين لم يكملوا عامهم الأول في الحياة قد لا يكونون 
أبرياء ىا يبدون. فنظراً لعدم معرفة أصوهم وخلفيتهم دائياء كان من 
المستحيل معرفة ما إذا كانوا قد عَمَّدواء وما إذا كان القربان المقدس قد 
ندم هم بالطريفة يقة الصحيحة. وحى إذا كان الطمل الورسكي فل عمد 
وفقاً للطقوس الكائثوليكية» كان يظل هناك دائماً شىء هن الشك ف أن 
يحمل هؤلاء الأطفال «ذكرى من دين آبائهم» معهم في سن البلوغ. 

هل تكفي التنشئة النصرانية لضان أن «ينسي هؤلاء الأطفال منبتهم» 
ويصبحون نصارى كاثوليكيين مثاليين يحبون ديننا» بتعبير فيليب؟ 
وكيف يجب العناية بهم؟ وهل السلطات ملزمة أخلاقيا بتوفير الرعاية 
هؤلاء الأطفال» أم كان من لأسي من منظور منع «إعادة العدوى» 

11_طماع !© :161]أللا 1 


0- النتيجة التامة (][6!-1614) 

طردهم جميعاً إلى شمال إفريقيا يا بغض النظر عن مصيرهم هناك؟ أخضعت 
هذه الأسئلة لدراسة متأنية من جانب رجال الدين وعلماء الدين وكهنة 
الاعتراف الملكيين» الذين كان فيليب يطلب مشورتهم في هذه القضية. 
وفي ربيع عام 1610» خلص مجلس من علاء الدين في مدريد إلى أن 
الأطفال المورسكيين دون عمر السابعة يجب ألا يطردوا إلا إذا كانوا 
(ملوثين بدينهم» لدرجة يصعب معها تخليص أرواحهم. لكن المجلس 
ذكر فيليب- مع ذلك- بأن هذه النتيجة ترقى إلى حكم الإعدام» وأن 
هذه النتيجة «لا تتفق مع الحماس المقدس لجحلالتك». وبدلاً من ذلك» 
اقترحوا أن يعطى الأطفال المورسكيون جميعهم لعائلات نصرانية 
كم ككائوليك جيدين و«استخدامهم في]| بعد كخدم» لدفع ثمن 
تنشئتهم وتعليمهم. وفي مارس من ذلك العامء اقترح مجلس الدولة أن 
يوضع الأطفال المورسكيون في خدمة «الأساقفة والسادة» القشتاليين» 
وأوصوا بفصل الأولاد عن البنات لمنعهم من «الزواج والتكاثرة؛ وهو 
الاحتمال الذي كان يشغل رجال الدين ورجال الدولة الإسبان دائماً في 
أثناء هذه المناقشات. لم يرق للملك إقرار المجلس للعبودية» لكن فيليب 
ل د 
في الشهر التالي» بدلاً من ذلكء أن الأطفال المورسكيين يجب أن تتبناهم 
عائلات نصرانية وتتعهدهم وتربيهم إلى أن يبلغوا عمر الثانية عشرة» 
وبعدها يخدمون عائلاتهم بالتبني لعدد غير محدد من الأعوام «في مقابل 
الجهد والتكلفة اللذين أنفقا في تنشئتهم وتربيتهم». 

م يكن الفرق بين هذا الشكل من العبودية المنزلية والعبودية الصريحة 
واضحاً تمامأ ومع ذلك فلم يمض غير شهر حتى غيّر فيليب رأيهء وأعلن 
نيته طرد كل الأطفال المورسكيين فوق عمر السابعة من بلنسية. لكن من 
الواضح أن هذا الأمرلم ينفذ. وفي شهر أغسطسء أمر رئيس الأساقفة 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 407 


الدين والدم 


ريبيرا بإعادة معمودية كل الأطفال المورسكيين في بلنسية بغض النظر عن 
عمرهم لإزالة الشكوك المتبقية حول صحة معموديتهم الأصلية. وقد 
تعرض ريبيرا لانتقادات كثيرة على ما اعتبر خرقا للمذهب الكاثوليكي» 
لكن إعادة التعميد لم يقصد بها بالضرورة دمج الأطفال المورسكيين في 
المجتمع النصراني» إذ يبدو أن بعض النصارى كانوا يتمنون ما أسماه 
خايمى بليدا «الأمل البسيط» بأن يموت هؤلاء الأطفال المعمّدون 
بعد ذلكه وه الشيجة الى كان تسمع للكنيمة تخايصن أرواحهب 
كنصارىء وفي الوقت نفسه تستأصل أي تهديد قد يشكله هؤلاء الأطفال 
في المستقبل. على أن بليدا نفسه لم يكترث بالخلاص الروحي أو حتى 
البقاء المادي لهؤلاء الأطفال» ودعا إلى طردهم جميعا إلى شمال إفريقيا 
بغض النظر عن مصيرهم. 

وبغض النظر عما إذا كان ريبيرا قد شاركه «الأمل البسيط» بأن يموت 
هؤلاء الأطفال» فقد رفض بشدة منح الأطفال المورسكيين الذين أعيد 
تعميدهم منزلة النصارى نفسها. وفي نوفمير اقترح أن يباع الأطفال 
المورسكيون «كعبيد بأسعار منخفضة». ومن أجل ضان ألا يصبحوا 
الصوصاً ومومسات» أو يتورطوا أمام حكمة التفتيش أوصى ريبيرا 
سادتهم بأن «يوبخوهم ويضربوهم بالسياط ويكبلوهم لمعاقبتهم» وأيضاً 
أن يحبوهم ويعلموهم مهارات مفيدة». ورأى ريبيرا أيضاً في الاستعباد 
وسيلة لمنع هؤلاء الأطفال من الزواج» وبذا يُضمن «انقطاع توالد هذه 
الذرية الشريرة في هذه المالك)131!. 

لا أعد يعرف ينا إذا كاتف هذه المقترحات قل تفلت قعلك ولايرال 
مصير الأطفال المورسكيين يشكل أحد ألغاز الطرد. وفي النهاية لم تكن 
هناك سياسة متاسكة واحدة. فبعضهم دفعوا بلا شك إلى السفن» 
وأرسلوا إلى مصير مجهول» وبعضهم استعبدوا أو ماتوا وهم في عناية 

1_طماع !© :161 ]أللا 1 


0 النتيجة التامة (1 4-16[ 16) 


السلطات قبل أن يقرر مصيرهم. لكن غالبيتهم تربوا في عائتلات 
نصرانية» ونسوا آباءهم وأمهاتهم المبعدين» والشوائب الموجودة في دمهم 
التي أحهبت القلق والاشمئزاز لدى علماء الدين ورجال الدولة. 
+ عإد عند 

كان التخبط بشأن الأطفال المورسكيين مؤش را آخر على الهوة السحيقة 
بين الرؤية المجردة للنقاء الديني» الذي أراده فيليب ومسؤولوه من ناحية» 
والتعقيدات والصعوبات العملية أمام بلوغ هذا الهدف من ناحية أخرى. 
وبحلول عام 3 كان الطرد قد فقد معظم كثافته الأولى» وتقلص 
جهازه الإداري بشدة. ومع أن سالاسار واصل محاولاته لاستئصال 
المورسكيين» الذين بقوا في البلاد أو عادوا إليهاء فقد غدا بعض مستشاري 
فيليب متلهفين إلى إغلاق الموضوع. وارتابوا في أن سالاسار كان يطيل 
عملية الطرد لتعزيز نفوذه الشخصي. 

وحدث آخر إبعاد واسع النطاق في مرسية؛ التي منح مورسكيون 
كثيرون فيها مهلة بفضل شهادات إيجابية من الإدارات المحلية. كان 
معظم السكان المورسكيين يتركزون في سلسلة من القرى في وادي 
ريكوتي معن الخصيب على نهر شقورة!", الذي منحه التاج لأحوية 
شنت ياقوب العسكرية القوية. خدم كثير من هؤلاء المورسكيين المرسيين 
كفرق استكشاف في جيوش فيليب الثاني في حرب البشرات» وربا 
يفسر ولاؤهم المثبت للدولة وحماتهم الآقوياء السبب في أنهم لم يبعدوا 
في مربحلة مبكرة من الطرد: لكن وجودهم لم ينس .رغم ذلك. وفي عام 
72,؛ أرسل مجلس الدولة كاهنا يدعى خوان دي بيريدا ه4ءمء5 ع0 0نال 
لإجراء بحث كامل للمُورسكيين الباقين في مرسية. وفي تقرير مفصل من 
ثلاث وعشرين صفحة قائم على مقابلات مع نحو سين رجل دين محليأء 

1_طماع1© :1ع]]آئلا 1 


الدين والدم 


كتب الأب بيريدا أن «الرأي العام» إزاء «المورسكيين القدامى) في مرسية 
هو أنهم «نصارى جيدون وأتباع محلصون»» يمتثلون لكل واجباتهم 
الكاثوليكية[14]. فلم يكن هؤلاء المورسكيون يتلقون الأسرار المقدسة 
طوعاً فحسب. وإنا ذكر بيريدا أيضاً أنهم كانوا يقدمون تبرعات خيرية 
بضع «نساء عجائز»» فإنهم لا يتحدثون اللغة العربية أو يتذكرونها. ووجد 
بيريدا أدلة دامغة على إخلاصهم للنصرانية في قرى وادي ريكوتي التي 
طور المورسكيون فيها مواكب توبة ومناسك جنائزية خاصة. تقوم فيها 
«عذارى حافيات في أردية بيضاء» بحمل صلبان ثقيلة وهن «مغطيات 
وجوههن حداداً». وقد أعجب الكاهن بشكل خاص بالمواكب الليلية 
في هذه القرىء التي كانت النساء المورسكيات يحضرن فيها صلوات في 
الكنائس المحلية وهن حاملات صلباناً وصور دينية وشموعاً ويبكينء في 
حين يقوم رجالهن بضرب أنفسهم بالسياط» وإخضاع لحمهم إلى «تأديب 
الدم». 

أكد تقرير بيريدا شهادات سابقة عن الاندماج الكامل للسكان 
المورسكيين الذين كان صدق تدينهم النصراني لا شك فيه. ومع ذلك» 
وعلى غرار ما حدث في مواقف سابقة» رفضت الحكومة في مدريد قبول 
النتائج التي تحدّت فرضياتها. وزعم أنصار النقاء المطلق الأشد عناداً أن 
بيريدا كان ضحية لخداع متقن من المورسكيين المرسيين وحماتهم النصارى» 
وحرضوا الملك على طردهم. ونوقش مصور المورسكيين في مرسية في عدة 
مناسبات على أعلى المستويات» وفي ربيع عام 1613 صوّت مجلس الدولة 
لصالح طرد كل المورسكيين الباقين في مرسية بفارق صوت واحد كان 
لعم ليرما المتشدد بيرناردو دي ساندوبال. وقبل فيليب هذه التوصيات» 
وفي أكتوبر استدعي سالاسار إلى القصر الملكي في أرانخويث,ء وقدم له 


500 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


0- الحيجة العامة (1614-1611) 


الملك المرسوم الموقع بالطردء الذي زعم فيه الملك أنه تلقى «معلومات 
حقيقية ومؤكدة جداً» أثبتت أن المورسكيين في مرسية «سيرتهم مخزية في 
كل شيء»»: وأنه لذلك صمم على طردهم جميعا. 

كانت هذه الاتهامات تتناقض تماما مع كل شيء ورد في تقرير بيريداء 
وم يقدم الملك أي أدلة جديدة تدعمها. لكن الأدلة لم تكن يوماً عاملاً 
مهباً فى موقف الملك من الورسكيين. ففيليب المتعؤل فى غاله المزخترف 
بالمآدب والقصور والمنتجعات الريفية» الخاضع لنفاق وتملق حاشيته 
ومحاسبيه؛ لم ير عشرات الآلاف من الرجال والنساء الذين غادروا إسبانيا 
بأوامره؛ ول يكن مستعداً للتفكير في أي نسخة لإسبانيا المورسكية تناقض 
ما كان يعتقده. 

وفي الثامن عشر من ديسمبرء دخل سالاسار وادي ريكوتي بنحو 
مئتين وثمانين جندياً من فيلق لومبارديء وأعطى المورسكيين عشرة أيام 
لبيع بمتلكاتهم والمغادرة. وفي يناير 1614 اقتيد زهاء سبعة آللاف مورسكي 
إلى الساحل حيث كانت السفن تنتظر لنقلهم إلى شمال إفريقيا. نجح 
بعض المورسكيات في الإفلات من الطرد بالزواج من نصارى قدامى 
أو دخول الأديرة» وانسل مورسكيون آخرون عبر الحدود إلى بلنسية ثم 
عادوا لاحقا. ومبذا التهجير الجماعى الكئيب وغير المبرر وصل الطرد 
العرامر تله بول الخامس والنكريد مو يتاي اخ بالاثاز اللاف بان 
«طرد المورسكيين من وادي ريكوتي ومملكة مرسية أنجز فعلاً ى| أمرت 
جلالتك؛ وبذلك لم يعد مكان في إسبانيا كلها يوجد فيه أي شخص يحمل 
اسم المورسكيين». وفي العشرين من فبراير» دعا مجلس الدولة في مذكرة 
إلى الملك تفوح بالضجر 'أكثر منها بالانتصارء إلى الإيقاف الرسمي لعملية 
رأى أعضاء المجلس أنها تجاوزت غرضها الأصلى: 

ناقش المجلس الأهمية القصو مسضرية دوقت 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 501 


الدين والدم 

لإيقاف التحقيقات والسلطات القضائية المرتبطة 

بموضوع الطرد وإنبهائها. ويجب أن تقتصر جهودنا 

فقط على منع الذين طردوا من العودة ومعاقبة من 

فعلوا ذلك بواسطة القضاة العاديين... ويجب أن يؤمر 

الكونت سالاسار بكف يده عن هذا الأمرء ويجب ألا 

يقبل القضاة أي تحريات أخرى حول المورسكيين, إلا 

ما يتعلق منها بالعائدين... وبداية من اليوم فصاعداً لن 

يؤذى مَنْ لم يغادروا إسبانيا حتى لو كانت لهم قضايا 

معلقة بالمحاكم. ولن يجري الحديث عنهم. لأن هذا 

الأمر إن لم يوقف فلن ينتهي أبداء وكذلك المظالم التي 

قد تنتج عنهأة'. 

وفي أغسطس من ذلك العام فقط كان فيليب مستعدا لإعلان «الإنباء 

بعد طرد كل المورسكيين» في مرسوم متناقض أمر أيضاً ١كل‏ المورسكيين 
الذين لم يغادروا البلاد أو عادوا إليها بأن يغادرواء وإلا تعرضوا للعبودية 
على السفن ومصادرة الممتلكات»61'!. لكن هذه الأوامر توحي بأن نهاية 
الطرد لم تأت بعدء مع أن فيليب ومسؤوليه قطعوا أشواطاً بعيدة على هذا 
الطريق. وكان سالاسار وحده ممانعا لترك امتيازاته البيروقراطية. وحتى 
عام 1615» ظل يضغط على الملك للسماح له بإجراء المزيد من التحقيقات 
حول المورسكيين الذين بقوا في البلاد. لكن هذه الطلبات لم تلب. وشهد 
شهر أغسطس 1614 الإنهاء الرسمي لعملية الطرد التي استنفدت أخيرا 
صبر مطلقيها. وفي أقل من خمسة أعوام؛ طرد حكام إسبانيا نحو ثلاثمائة 
ألف رجل وامرأة وطفل إلى المنفى أو أرسلوهم إلى الموت» واستأصلوا 
آخر بقايا الحضارة الأندلسية» التي بدأت قبل ألف عام تقريباء حين 
وصلت جيوش طارق بن زياد أول مرة إلى الصخرة التي حملت اسمه. 


5202 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


21 
الحساب 


قبل فترة طويلة من إنباء الطرد. كان أنصاره قد بدأوا محاولة متواصلة 
للترويج له كإنجاز ضخم أمام السكان الإسبان والعالم أجمع. كانت 
الدعاية ضرورية من وجهة نظر البلاط ال هابسبورغي من أجل الشرف 
و«المكانة» اللذين أراد بلوغهما من خلال الطرد. ففي عام 1610, كلّف 
فيليب فنانين بلنسيين برسم سلسلة من اللوحات السردية تصوّر أحداثا 
رئيسة من الطردء ثم نسخت وقدمت كهدايا لكبار المسؤولين. وبين 
عامي !161 و21618 نُشر ثلاثة وعشرون كتاباً ومخطوطة حول الطردء 
من التواريخ والتبريرات النثرية إلى السرديات الشعرية المجهولة المؤلف» 
قضلاً عن كثير من الأوراق والأشغار الشعبية المجيولة الؤلف»العروقة 
باسم «الأدب الخيطي» 1م11 عمتناى الذي سمي مبذا الاسم لأن 
هذه الكتيبات الرخيصة كانت تعرض على خيوط في أكشاك الباعة وعلى 
جانبي الشوارع. وكثير من الكتب المهمة حول الموضوع كتبت برعاية 
مالية من أفراد أقوياء في البلاط والحكومة» مثل كتاب خايمي بليدا 
الضخم: «تاريخ الأندلسيين في إسبانيا» (1618)» الذي تضمن إهداء 
متزلفا إلى ليرماء امتدح الدوق على نبالة دمه و«حبه لله وحماسه الديني في 
تدمير الطائفة المحمدية»» وعلى دوره في تشجيع الملك. ليتبنى هذا «العمل 


3503 
1_طماع !© :161 ]أللا 1 


العظيم ضد الأندلسيين». 
واحتفظ بليدا بالثناء الأكبر والأطول لفيليب نفسه. الذي اعتيره 

«الغازي الأخير والنهائي للأندلسيين بإسبانيا». وثمة تواريخ أخرى 

للطرد لم تكن أقل تملقاً من كتاب بليدا. فقد حيّا أثنار كاردونا «فيليب 
ومَعَلم الجمهورية» وناشر الأمن في ربوعهاء ونصير المضطهدين» وحامي 
الشريعة الإلهية والروحية». وأجزل بللاس بيردو الثناء على (أسل العاتلة 
النمساوية»؛ الذي نشر السلام في ممالكه. ونقاها بطريقة إعجازية «بلا 
أسلحة أو عنف». وعلى الغلاف المصور لتأريخ داميان فونسيكا للطرد 
يصوّر فيليب في هيئة هرقل وهو يقتل تنينا متعدد الرؤوس يرمز إلى 
«البدع السبع)”/, التي كان الإسلام سابعها. وفي عام 1619» ى)| ذكر 

مؤرخ البلاط الأب بالتاسار بورينوء زار فيليب أحواض السفن بلشبونة» 

وهناك تملقوه بتمثيلية مجازية مأخوذة من الأساطير الكلاسيكية بعنوان: 

«خرافة حرب الجبابرة» صوّرت الملك في هيئة جوبيتر المنتصرء الذي 

يتصدى «للنوايا المرعبة» لحبابرة جبل أولمبياد !1 ©. 

و ع 
ووضع عدد من الكتاب فيليب في النبوءات الألفية” في تلك 
الفترة» ووصفوه بأنه إمبراطور آخر الزمان» والخفى”. وأسد 

(1) ثمة نسخ كثيرة من البدع تختلف وفقاً للفترة التاريخية والمذهب المسيحي, منها القول بعدم 
إلوهية المسيح» والقول بإن جسد المسيح وروحه بشريان» وتوحيد الالوهية (الإسلام)» من 
بين أخرى [المترجم]. 

(2) جبل أولمبياد أو أولمبوس هو أعلى جبل باليونان» كان في الأساطير اليونانية موطن الآلهة 
الأولمبيين الاثني عشر بالعالم الإغريقي القديم, وعليه هزم الآلهة الجبابرة في «حرب الجبابرة» 
[المترجم]. 

(3) راجع حاشية سابقة للمترجم حول العصر الألفي السعيد في المسيحية [المترحم]. 


(4) إمبراطور آخر الزمان هو المسيح المخلّص [المترجم]. 
(5) راجع حاشية سابقة للمترجم حول الخفي [المترجم]. 


504 
1_طماع !© :161 ]أللا 1 


21- ا حساب 


600 


يهوده'”» الذي قيض له الله أن يود العالم النصراني في حريق كوني 
سيكون فاتحة للعصر الذهبي. وحث أثنار كاردونا فيليب على أن يتبع 
«انتصاره الفريد» بقيادة «الإسبان الذين ولدوا تحت كوكبة القوس 
والرمح» لاسترداد أورشليم» في حين حثه بليدا على استثمار كنوزه القادمة 
من الإنديز في حرب مقدسة على الإمبراطورية العثمانية!2]. 

نحا هذا الإطراء إلى إطالة قامة حاكم كسولء اقتصرت خبرته بالحرب 
عل مشاهدة «العروظن البحرية» ومباريات المثاققة»فضلاً عن أن تصوير 
الطرد كاامعركة» بطولية لم يعكس المواجهة غير المتكافئة تماماً بين السكان 
المورسكيين العرّل والقوة المسلحة للدولة الإسبانية. فهذه التمثيلات تتبع 
تقاليد تملق البلاط» لكنها كانت أيضا شكلا من التلفيق والدعاية على 
طريقة القرن السابع عشرء أريد مها حشد الموافقة الشعبية على عملية طرد 
كانت شرعيتها دائياً موضع شكء ولم تكن نتائجها بحال من الأحوال 
إيجابية على نحو ما صوّر أنصارها. 

ع 

وحتى أكثر الحكومات الملكية استبداداً تضطر إلى الاستجابة للرأي 
العام» ولا شك في أن الطرد لم يكن يحظى بالشعبية التي توقعها البلاط 
ا هابسبورغى أو أرادها. كما أنه أحدث رد فعل دولياً لايقل انقساماً. فأعلن 
الإنجليزي المتحول إلى الكاثوليكية اللي تون ماثيو «اعط)ة21 عزطم1ك» 
الزائر المنتظم للبلاط الإسباني أن «الأندلسيين» كانوا يستحقون الطرد 
على «نفاقهم الفظيع والراسخ والكامل في أمور الدين وأفعالهم اليومية 
والمستميتة ضد التاج». وفي عام 1611.» أبدى السفير البندقي في إسبانيا 


(1) كان أسد يهوده رمزاً لقبيلة يهوده الإسرائيلية في سفر التكوين بالتوراة» والملك داوود والمسيح 
كلاهما من قبيلة يهوده» التي ترجع إلى يعقوبء ولذلك يرمز الأسد إلى يهوده وإلى المسيح 
[المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 505 


الدين والدم 


أيضاً موافقته على الطرد. ووصف المورسكيين بأنهم «أسوأ ناس)!3]. لكن 
ثمة سياسيين أجانب آخرين كانوا أقل ترحيباً بالطرد. من هؤلاء؛ السفير 
الإنجليزي في مدريد اللورد فرانسيز كوتنغهام تسهطعه غ00 وأءسدرل. 
الذي اعتبر الطرد «وحشية لم يُعرّف طا مثيل في أي عصر» لكا وشجب 
الوزير الأول الفرنسى كاردينال ريشليو داءذاعطء21 1ةهذكههكه ما اعتيره 
«أكثر الأفعال حماقة وهمجية في تاريخ البشرية»!"!. 
وجاء رد البابوية أيضاً أكثر فتوراً مما أراد البلاط ال هابسبورغى. ففى 

عام 1610» أرسل فيليب الراهب الدومينيكي البرتغالي داميان فونسيكا إلى 
روما من أجل حشد تأييد البابا بول الخامس للطرد. ونشر دفاع فونسيكا 
باللغة الإيطالية قبل أن يترجم إلى الإسبانية في محاولة لحشد التأييد لقرار 
الملك خارج إسبانيا. وحتى قبل الطرد كان فيليب متلهفاً إلى الحصول على 
الموافقة البابوية» وتكشف رسالة بعثت في السادس عشر من سبتمبر 1614 
إلى السفير الإسباني في روما فرانئيسكو دي كاسترو أنه أخفق في نيل هذه 
الموافقة» ويبدو أن الرسالة كتبت رداً على انتقادات من جانب البابا بول 
بأن طرد الأطفال المورسكيين كان «عملاً قاسياً». ومن أجل إزالة هذه 
الفكرة لدى الباباء أمر فيليب سفيره بإطلاع البابا على التقارير الأخيرة 
التى أفادت بأن «أكثر من ثمانية آلاف أندلسى بلنسبى» قد استقبلوا بطريقة 
حسنة» وخصصت هم وظائف في الجزائر وتونس» في حين كان وجودهم 
يشكل دليلا قويا على: 

أنه لو لم ينفذ الطرد في حينه» لوجدت نفسي في حالة 

هزيلة لا أتمككن فيها من اجتثاث الإسلام من تمالكي. 

لقد كانت العناية الإلهية هى التى أعانتنى وأعطتنى 

الرؤية والحزم لمتابعة هذا العمل. ولو سمحت لأولئك 

الأطفال بأن يكبروا في ممالكى. لأدى ذلك -خلال 


5206 1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


21- ا مساب 
بضعة أعوام- إلى تكاثر عدد أعداء ديننا الكاثوليكي 
المقدس [6 0 

م ل ل 
إحداث الأثر المنشود» لكن قلق فيليب كان مؤشراً آخر على أن رواية 
التاج للطرد لم يكن يشاركه فيها دائياً جمهوره المستهدف. يفسر هذا التباين 
جزئيا الإحساس الغريب بالهبوط المفاجئ» الذي تجلى واضحا حتى 
قبل إنهاء الطرد رسمياً. فمنذ عام 1611 وهو وقت مبكرء اقترح رئيس 
أساقفة غرناطة استحداث عطلة وطنية سنوية لإحياء ذكرى الطرد.ء وهو 
موضوع ناقشه فيليب ووزراؤه في مناسبات مختلفة» لكن هذه العطلة لم 
تقر قط. ولا يوجد محضر أو سجل يبيّن السبب وراء عدم إقرار التاج 
لاستحداث هذه العطلة» لكن التفسير الأكثر ترجيحاً هو أن حكام 
إسبانيا كانوا يدركون فيم| بينهم أنها لن تكون عطلة شعبية» وأن كثيرا من 
رعياهم ل عدوا سيا وجيها سمال بالطرف 

وعلى النقيض من ذلك» خلف رحيل المورسكيين في كثير من مناطق 
إسبانيا فجوات في الاقتصاد المحلي استغرق إصلاحها وقتا طويلاً. ففي 
سيوداد ريل 286381 01020؟ عاصمة لامانشاء انخفض عدد السكان 
من اثني عشر ألفاً إلى أقل من ألف بعد الطرد. وفي إشبيلية» أدى طرد 
المورسكيين إلى حرمان الميناء من معظم قوته العاملة من الحمالين وعمال 
الأحواض. وفي أنحاء البلاد كافة» خسرت الكنائس والأديرة وملاك 
الأراضى العلمانيون العمال المهرة والعمال الزراعيين والبستانيين» الذين 
كان دخل هذه الكنائس وأولئك الملاك يعتمد عليهم؛ وفقدت المجالس 
البلدية مصدرا مهما للضرائتب. وفي بلد الوليد» ناشد رهبان الكاتدرائية 


(1) معنى ذلك أن الأطفال المورسكيين طردوا أيضاً كما جاء في بعض توصيات مجلس الدولة 
[المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 5207 


الدين والدم 

المحلية فيليب أن يعوضهم عن البات التي كان المورسكيون السابقون 
يسهمون بها في عاتداتها. وصدرت نداءات ممائلة من مناطق إسبانيا 
الأخرى لعدة أعوام بعد الطرد. 

كان التأثير الاقتصادي للطرد على بلنسية أشد منه على غيرهاء 
لأنبا خسرت ثلاثين بالمائة من سكانها. وفي ذلك كتب المؤرخ غاسبار 
إسكولانو في عام 1611 واصفا كيف حول الإبعاد الجماعي للمورسكيين 
«المملكة الأكثر ازدهاراً من الناحية الزراعية في إسبانيا إلى أرض مقفرة 
خربة»!7]. وبدت مستوطنات مورسكية كثيرة مهجورة. وظلت أراضيها 
بلا زراعة لأعوام كثيرة» مما دفع مُقٌطعيهم إلى الفاقة والخراب. ولم يكن 
البارونات هم المتضررون الوحيدون. إذ خسرت محكمة التفتيش الدخل 
الذي كانت تحصل عليه عبر الغرامات ومصادرة ممتلكات المورسكيين. 
وخسرت الكنيسة الأعشار من الأبرشيات المورسكية؛ وحُرم التاج نفسه 
من الضرائب. 

غير أن هذه الصورة للخراب لم تكن شاملة أو دائمة» فلم تتعرض 
بلنسية للانهيار الاقتصادي العام الذي خشيه خوان دي ريبيرا. صحيح 
أن بعض المحاصيل «المورسكية» مثل السكر والأرز تدهورت طويلاء 
لكن تعافت محاصيل أخرى مثل الكرم والقمح والحرير» وشهدت نبوضاً 
كذلك!. وتمكن بعض المقُطِعن من التفاوض على عقود إيجار ملائمة مع 
مستوطنين نصارى حلوا محل المقطعين المورسكيين المطرودين» ولذلك 
لاحظ تقرير إل ليرها أن «كثرا من التطميق تكبدوا غسائره فى جين 
ربح آخرون». واستغل عدد من المقُطعين الإفلاس كفرصة للإفلات من 
الدائنين» أو للحصول على أسعار فائدة أدنى على ديونهم. وتربح آخرون 
من بيع الأراضي والممتلكات المورسكية» ومنهم ليرما وعائلته» ى) جاء في 
قصيدة هجائية خبيئة انتشرت في البلاط. تساءلت هذه القصيدة: 


5208 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


21- ا حساب 


رحل مئة ألف مورسكي» 

لكن بقيت هذه البيوت» 

ترى على من وزّعت؟!"أ 

لم تكن هذه الادعاءات بلا أساس. ففي مايو 1610» ذكر السفير 
الإنجليزي؛ اللورد كوتنغهامء أن فيليب وزع بعض الإيرادات الناتجة عن 
بيع الممتلكات المورسكية على ليرما وأقاربه» وكان للدوق أيضا شبكة 
من الوكلاء في بلنسية كانت تشتري الأراضى والممتلكات نيابة عنه. 
وتريخ يازونات آخروة أرقا من هله المستقات» أو خصاراعل القاك 
جديدة ومنح من الأراضي تعويضاً لخسائرهم. فدوق غانديا الذي خشي 
في السابق من خراب بيته كوفئ على ولائه بسخاء حتى تمكن من إعادة 
مكانة عائلة بورجيا إلى عظمتها السابقة. 
لكن الجميع لم يستفيدوا من سخاء التاج في تسوية ما بعد الطرد. ففي 

عام 1614» أرسل مفوض ملكي إلى بلنسية لمعالجة القضايا الاقتصادية 
المعقدة الناتجة عن الطردء وبخاصة المطالب المتعارضة للدائنين الذين 
ساعدت قروضهم في تمويل الأرستقراطية مالكة الأراضي البلنسية لأعوام 
كثيرة» والذين اشتكوا في النهاية من استغلال مدينيهم طرد المورسكيين 
كذريعة للتهرب من التزاماتهم. وبعد عامين من المفاوضات الملتوية» 
سويت هذه النزاعات على حساب الدائنين الحضريين الذين أجبروا على 
قبول أسعار فائدة منخفضة في مقابل السداد. فيا احتفظ ملاك الأراضى 
المدينون بأطيانهم وإمكانية التعافي الاقتصادي. ومع ذلك» ظلت هذه 
الضياع راكدة وغير منتجة لأعوام. فرغم التنبؤات المتفائلة بحلول 
مستوطنين نصارى سريعاً محل المورسكيين» تردد النصارى دائاً في العمل 
ُِ الداخل القاحلء الذي كانت تقع فيه معظم المستوطنات المورسكية» 
ورفض كثيرون منهم قبول الإيجارات العالية والشروط الثقيلة التي 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 509 


الدين والدم 


حاول البارونات البلنسيون أن يفرضوها على مُقُطْعيهم الجدد. 

وأخيراً فرضت الحكومة المركزية قوانين لإعادة الاستيطان في محاولة 
منها لإرضاء كل من المقُطعين ومُقُطعيهم؛ ومع ذلك ظلت سرعة إعادة 
الاستيطان بطيئة وغير منتظمة. ففي عام 1638» كانت مئتا قرية مورسكية 
وخمس من أصل أربعماتة وثلاث وحمسين قرية في بلنسية لاتزال خاوية 
على عروشهاء في حين بقيت المناطق المورسكية النائية بلا استيطان تماما. 
وخلف الطرد أيضا ميراثا تماثلا من الركود والتدهور في أراغون, التي 
فقدت خسة عفر بالثة تقريا هن سكاها. فبعد ترحيل المووسكين من 
ضفتى نهر إبروء دخلت واحدة من أكثر المناطق الإسبانية خصباً في حالة 
من التدهور. وعلى غرار ما حدث في بلنسية» تعرض كثير من المقطعين 
الأراغونيين للخراب والفقر بسبب فقدان مُقُطعيهم. تمكن بعضهم من 
التعافي» ووجدوا نصارى يحلون محل المورسكيين المبعدين» لكن هؤلاء 
المستوطنين كافحوا لاستصلاح الأراضي الخصبة» التي أهملت منذ تبجير 
المورسكيين» ووقع كثيرون منهم في الدين أو تخلوا عن المحاولة» ولذلك 
بقيت أجزاء كثيرة من المملكة غير منتجة ومخلخلة السكان لسنوات 
طويلة. 

+ د د 

م يكن الكتاب الذين احتفلوا بالطرد غافلين عن هذه النتائج السلبية» 
لكنهم إما غضوا الطرف عنها باعتبارها كبوات مؤقتة» أو قللوا من شأنها 
مقارنة بخلق إسبانيا التي توحدت بذلك على «دين كائوليكي واحدء 

هو الرسولي الروماني»» بتعبير ماركوس دي وادالاخارا. كى) قدم بعض 
الكتاب استعداد إسبانيا المفترض لاجتياز الحرمان المادي كبرهان على 
عظمتها الروحية. فبالنسبة إلى يلاس بيردو كان «من الأفضل أن تضعف 
إسبانيا وتتعسر» شريطة أن تصبح نظيفة ومطهرة»» في حين أثنى خوان 


50 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


21- ا حساب 

دي سالاسار على فيليب على «حفاظه على نقاء ممالكه ودينها» وتطهير 
إسبانيا من «جماعة فاسدة وحقيرة»» وغضه الطرف عن التكلفة التى 
تحملها في عائداته. ْ 

وزعم بعض الككتاب أن المجتمع الإسباني أصبح أكثر أمناً وانصياعاً 
للقانون عبر إبعاد الثقافة المورسكية الإجرامية. لكن ذلك لم يكن غير 
محض أوهام ودعاية. فحتى بعد فترة طويلة من الطردء» ظلت بلنسية 
تظهر ميلها المروّع إلى السرقة والقتل والإجرام الشبيه بأعمال المافيا. 
ففي عام 1689» ذكر نائب الملك في بلنسية للملك أن المملكة ابتليت 
باعصابات من اللصوص وقطاع الطرق والقتلة والمجرمين من كل 
نوع لا يتركون حياة المسافر أو محفظته أو حتى الحصان الذي يستخدمه 
الفلاح للحرث»!9''!. ولا توجد أدلة توحي بأن نسبة الجريمة انخفضت 
في المناطق الأخرى بالبلاد بعد مغادرة المورسكيين. وفي إشبيلية استمر 
نمو عالم الجريمة المؤلف من نصابين وقتلة مأجورين ولصوصء وظل 
يؤرق السلطات على مدار القرن. وفي مدريد. لاحظ تقرير رسمي في عام 
9 أنه «لا يمر يوم دون قتل أو إصابة على أيدي قطاع الطرق أو الجنود» 
أو سطو على البيوتء. أو اعتداء على الفتيات وسرقتهن». 

وفي عام 1613؛ رسم ماركوس دي وادالاخارا صورة شاعرية لإسبانيا 
ما بعد الطرد «تتدفق فيها البضائع بحرية برا وبحراً... فقد أصبحنا أحرارا 
على سواحلنا وشواطئنا من السرقات والهجمات الإفريقية» وتوقف الموت 
الذي كان يقع كل ساعة»!!!!. وذلك يندرج أيضاً ضمن التفكير بالتمني. 
فطوال عملية الطرد. ظل القراصنة المسلمون والنصارى يهاجمون البلدات 
الساحلية والسفن الإسبانية» ومن الواضح أن هذه الهجمات ازدادت 
كثيراً بعد الطرد وفقاً للسفير الإنجليزي اللورد كوتنغهام؛ الذي أخبر 
مجلس شورى الملك في عام 1616 بأن «قوة قراصنة شال إفريقيا بلغت 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 5311 


الدين والدم 

أوجهاء في كل من المحيط الأطلنطي والبحر الأبيض المتوسطء حتى إنني 
لا أعرف شيئاً يكدر البلاط ويحزنه أكثر منها»!2!!. 

وعلى نحو ما توقع دوق مدينة شذونة وآخرون» ضمت صفوف 
القراصنة أعدادا كبيرة من المورسكيين. ففي عام 1617» تحدث السياسي 
الإنجليزي البارز اللورد جورج كاريو «عنة0 +060:8 إلى صديقه السير 
توماس رو 106 1500335؛ السفير الإنجليزي في البلاط المغولي» عن موجة 
من القرصنة «التركية» تعم جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط» وبخاصة 
في إسبانيا نفسها التي «يغيرون فيها على القرى الساحلية» ويأخذون كثيرا 
من الأسرىء وقد اشتدت بسبب الأندلسيين المبعدين الذين كانوا يقطنون 
سابقاً في الساحل الشرقي من إسبانيا»!ة!]. ولاحظ كاريو أن «هؤلاء 
القراصنة أصبحوا ملاحين محترفين». وأبدى قلقه من أن «تطال زياراتهم 
السواحل النصرانية البعيدة على المحيط». ومع أنه لا يمكن إرجاع الزيادة 
في القرصنة إلى الطرد وحده؛ فلا شك في أن المورسكيين المطرودين لحأوا 
إلى القرصنة إما لكسب قوتهم أو للانتقام من معذبيهم السابقين. وفي 
يونيو 1618» شن أسطول مكوّن من ستة آلاف قرصان من الجزائر» منهم 
مئتان وخمسون مورسكياء غارة ضخمة على لانثاروثي لاصطياد العبيد. 
وكان أشهر القراصنة المورسكيين ينتمون إلى الجماعة المورسكية الجهادية 
بهورناتشوسء التي استوطنت في ميناء سلا (الرباط) المغربي الخرب» 
على مصب نهر أبي رقراق. فإلى جانب تشكيلة من المرتدين النصارى من 
بلدان مختلفة» حول اللمورناتشيون الميناء إلى حمهورية مستقلة للقراصنة لها 
أسطول مكون من أربعين سفينة» وها قائد أعلى ومجلس حكم أو ديوان 
ينسق عملياتها ويوزع غنائمها. 

وعلى مدى أكثر من نصف قرنء ظل «القراصنة السلاويون»2 ىا 


512 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


[2- ا حساب 


كانوا يعرفون في إنجلترا يعملون في البحر الأبيض المتوسط والمحيط 
الأطلسي ووصلت سفنهم إلى القنال الإنجليزي وآيسلندا ونيوفندلند. 
وقد خُلّدت سمعتهم السيئة في رواية روبنسون كروز 050506 508طلطه1 
لدانيل ديفو التي أسر بطلها «من جانب قرصان تركي من سلا في أثناء 
بعثة تجارية إلى إفريقياء واستعبد بعد ذلك» قبل أن يمهد هروبه بمساعدة 
«مورسكي» محلي الطريق لمغامراته اللاحقة. 

تلقي هذه العوامل كلها ظلالاً من الشك على إنجاز الملك؛ لم تتمكن 
الدعاية من تبديدها كليا. ولم تتحسن مكانة ليرما كثيراً بدوره في الطرد. 
ففي مارس 1618.» عينه البابا بول الخامس كاردينالاء وهو ما اعتيره 
أعداؤه مناورة لتجنب الإعدام على ممارساته المالية الفاسدة. وفي أكتوبر 
من ذلك العام» نجحت ادعاءات الفساد من هذا النوع أخيرا في إقناع 
فيليب بإبعاد خليله عن البلاط في انقلاب أعده ابن ليرما نفسه. غادر 
الدوق مكتب فيليب باكياء وانسحب إلى ضياعه التي ظل فيها منبوذاً من 
دوائر السلطة حتى وفاته في عام 1625. 

وفيليب نفسه لم يعمر طويلاً بعد السقوط السيامي لخليله. ففي فبراير 
1.» مرض القديس الصغير بالحمى القرمزية» فصحته الضعيفة أنمكتها 
سنوات من النهم في الأكلء ولم يتعاف رغم ثلاث عمليات فصد أجراها 
أطباؤه» ورغم وضع بقايا القديس إيزيدور الشافية في غرفته. وحين 
واجه الموت». كان فيليب يعصره الندم على عيوبه كحاكم., وانتابه الفزع 
من احتمال طول اللمقام في الَْطهَر”©. وبالتأكيد كان لديه الكثير مما يندم 
عليه. فبعد أن أمنّ فترة من السلام كان رعاياه المنهكون من الحرب في 
أمس الحاجة إليهاء أخفق هو وليرما في استغلالها. فعلى مدى أعوام» ظل 
مستشاروه الأذكياء يدفعونه لاتخاذ إجراءات لحل المشكلات الاجتتماعية 
(1) المظهر موطن تظهر فيه نفوس الأبرار بعد اموت بعذاب محدود الأجل [المترجم]. 


١_طماع‏ !© :161 ]آنل 1 5213 


الدين والدم 


والاقتصادية التى كانت تواجه البلاد» من التمويل الإسباني الفوضوي 
والنظام الضريبي القمعي إلى التراتبية الاجتماعية المنحرفة» التي كانت 
مثقلة بالأرستقراطيين والبيروقراطيين ورجال الدين وتفتقر إلى المزارعين 
للعمل في الأراضي. وفي عام 21619 نشر مجلس قشتالة تقريراً بتكليف من 
ليرما نفسهء اعتبر التخلخل السكاني في الريف أحد أخطر المشكلات التى 
كانت قوائجة الباكده وأوصى بإعاذة توطين غططة للموارغيق الأهرين فى 
مناطق إسبانيا الملهجورة. 

وهذا بالضبط هو النشاط الذي كان المورسكيون يبرعون فيه» لكنهم 
ذهبوا قرباناً لوهم النقاء الديني» الذي ظن الملك وخليله أنه سيعيد 
لإسبانيا عظمتها ويجلب الشرف واطيبة للعائلة المالكة. وفي الحادي 
والثلاثين من مارس 1621» مات فيليب بعد عيد ميلاده الرابع والأربعين 
بقليل» وانتقل العرش إلى ابنه فيليب الرابع (1665-1621). وفي خلال 
بضعة أعوام. طوى النسيان التوقعات الخائبة بالانبعاث الوطني التي 
أحاطت بالطرد كأنها لم تكن» وواصلت إسبانيا أفولها العنيد» الذي كان 
من عدة نواح مثيرأ تماما مثل صعودها إلى القوة. 

# د 

وحتى قبل موت فيليبء كان السلام الهش الذي يسر الطرد قد بدأ 
في التلائي. ففي عام 21618 أطلقت ثورة معادية للكاثوليكية في بوهيميا 
حرب الثلاثين عاماً”©» أدخلت إسبانيا في دوامة أخرى من الصراع الديني 
الوحشي. وني عام 1621» وني أحد أفعاله الأخيرة كملك» رفض فيليب 
(1) حرب الثلاثين عاماً: سلسلة من الحروب الدامية مزقت أوروبا من عام 1618 إلى 1648؛ بدأت 

اكحريت دينية بين فرنسا والنمساء وتورطت فيها معظم القورى الأوروبية آنذاك ماعدا 

إبجلترا وروسياء وجحرى معظمها في أوروبا الوسطىء وخاضت فيها إسبانيا حروبا شرسة 


ضد فرنساء كانت في الظاهر حروبا دينية وفي الحقيقة حروباً على السيطرة والنفوة» انتهت 
بصلح ويستفاليا عام 1648 [المترجم]. 


514 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 





[2- ا مساب 

تجديد الهدنة مع المقاطعات المولندية المتحدة» وأطلق مرحلة جديدة من 

النزاع» كانت الأطول بين حروب إسبانيا كلها. وبحلول عام 1625: 

عادت الجيوش الإسبانية للحرب في نزاعات متعددة» مع نشر ثلاثائة 

ألف جندي في الخارج ونصف مليون آخرين معبئين في المليشيات. ورغم 
الجهود الضخمة التي بذها الوزير الأول المقتدر لفيليب الرابع وخليفة 
ليرما الكونت أوليفاريس 01155 أه مناه ©)» تمكنت إسبانيا بالكاد من 

توفير المال والقوة البشرية لإسناد هذا العمل العسكري الواسع. 
أشعلت الحرب نيران العصيان الحارقة في أنحاء ممتلكاث إسبانيا 

الهابسبورغية كافة. فبين عامي 1640 و1652, أدت الثورة الانفصالية 

في قطلونية المعروفة بحرب الفلاحين" إلى جلب قوات فرنسية إلى 
الإمارة دعماً للثوار» وأرغمت إسبانيا في النهاية على التنازل عن جزء 
كبير من الأرض لعدوها اللدود. وأخذ الصرح المتهاري للإمبراطورية 

ا هابسبورغية الإسبانية في أوروبا يتآكل بفعل ثورات أخرى في بلنسية 

والبرتغال ونابولي وصقلية» وأخذ توازن القوة يتحول شبات لصالح 

فرنسا. وفي عام 1643» أباد الجيش الفرنسي سبعة آلاف من خيرة جنود 
إسبانيا في معركة روكروى 806701 في أسوأ هزيمة عسكرية في التاريخ 
الإسباني. وبعد أربعة أعوام. وضع السلام الذي جلبته ويستفاليا 
خباية لحرب الثلاثين عاماء وتأكد الضعف الإسباني بالاعتراف بسيادة 
المقاطعات المولندية المتحدة في معاهدة مونستر :34055]6؛ التي كانت 
لنظة نارؤة أنيت قانين غافماً من الخرب» وكاتة أيضا النهاية الزموية 

«للقرن الذهبي» لإسبانيا. 

(1) حرب الفلاحين أو النورة القطلونية: ورة شنها الفلاحون في قطلونية على الحكومة الاإسبانية 
بسبب وجود القوات القشتالية على أراضيهم في أناء حرب إسبانيا مع فرنسا في حرب 
الثلاثين عاماًء الذي أنهك الموارد القطلونية» استمرت إلى ما بعد ويستفالياء وتحالفت فرنسا 
فيها مع الثوار واحتلت قطلونية؛ وانتهت .معاهدة البرانس 1659 [المترجم]. 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 55 


الدين والدم 


ومع نباية القرن السابع عشرء كانت إسبانيا تتأرجح على حافة الانميار 
الإداري والمالي» ولم تعد الدولة قادرة على فرض سلطتها على رعاياها أو 
مقاومة اعتداءات أعدائها الخارجيين. وفي ذلك. أعلن المبعوث الفرنسى 
المركيز فيلار 5عقلاة/1 عل ونتوئة3 في عام 8 أنه (ايصعب وصف 
المدى الكامل للفوضى في حكومة إسبانيا»» ولاحظ أن «قوة الإسبان 
وسياستهم كانت تتراجع بثبات... منذ بداية القرن»!4". وفي عام 1700 
تلا موت الملك المجنون الذي لم ينجب أطفالا؛ شارل الثاني» حرب 
وقبل فترة طويلة من الاخبيار الأخير للعائلة ا هابسبورغية الإسبانية» 
كان كثير من الإسبان قد بدأوا في النظر إلى الطرد باعتباره أحد العوامل 
الرئيسة التى أسهمت في تدهور إسبانيا المذهل. وفي ذلك كتب القسيس 
والسكرتير الملكي بيدرو فيرنانديث دي نافاريتى عل 2علمقسءظ ملعم 
عأءصة310 في تحليل متشائم لمشكلات إسبانيا الاقتصادية بعنوان «حماية 
الحكومات الملكية» في عام 1626 «أنها سياسة مؤذية للغاية أن تسحب 
الدولة ثقتها من رعاياها»» ألقى فيه باللائمة عن خلو قشتالة من السكان 
(1) حرب الخلافة اللإسبانية (1714-1701) حرب بدأت مع موت شارل الثاني ملك إسبانيا واخر 
ملوك سلالة هابسبورغ الذي لم ينجب أبناء» فأورث كامل مملكته إلى فيليب دوق أنحو حفيد 
أخته غير الشقيقة ماريا تريزا- إليزابيث ملكة فرنسا- من الملك الفرنسي لويس الرابع عشرء 
الذي أصبح ملك إسبانيا باسم فيليب الخامس. أصبحت أسرة البوربون بذلك تحكم إسبانيا 
وفرنساء فضلاً عن أن فيليب كان الوريث الشرعي لعرش فرنسا نفسها. طالب الإمبراطور 
الروماني المقدس ليوبولد الأول بالعرش الإسباني» وخافت القوى الأوروبية الأخرى؛ على 
رأسها بريطانيا العظمى والجمهورية الهولندية والبرتغال ودوقية سافوي؛ من توسع النفوذ 
الفرنسي» فاتحدت في حربها ضد مملكتي البوربون» وامتدت الحرب من التراب الأوروبي 
إلى العالم الجديد, وانتهت بتوقيع معاهدة أوتريخت في عام 1713 ومعاهدة راستات عام 1714 
التي أقرت فيليب الخامس ملكا على إسبانياء لكن مع استبعاده من خلافة العرش الفرنسي» 
للحيلولة دون الاتحاد المستقبلي بين مملكتي إسبانيا وفرنساء وآلت معظم ممتلكات إسبانيا في 
إيطاليا وهولندا إلى النمساء وتضعضعت الهيمنة الفرنسية على القارة الأوروبية [المترجم]. 


5316 1_طماع1© :11 ]آنا 1 


[2- ا ساب 


على «عمليات الطرد الكثيرة للأندلسيين واليهود أعداء ديننا الكاثوليكى 
المقدس». ومع أن نافاريتي أدان طرد الجماعتين باعتباره اقراراً سيا 
خاطا». فإن موقفه من المورسكيين كان متناقضا جدا. فمن ناحية وصف 
الطرد بأنه «نفذ بطريقة جيدة على يد ملكنا المقدس فيليب الثالث». لكنه 
مع ذلك يلمّح إلى أنه م يكن ضرورياء وكتب في ذلك: 

سأذكر فقط أنه على الرغم من الأهمية الكبيرة لزيادة 

السكان في تمالكناء كان الملوك الإسبان يفضلون دائاً أن 

تقلص الدولة أعدادها على الموافقة على وجود أخلاط 

ضارة قد تلوث الدم الجيد... فأصحاب العادات 

والدين المختلف ليسوا جيرانء بل أعداء محليون... 

ورغم كل ذلك فإنني على قناعة بأننا لو وجدنا وسيلة 

لمنح [المورسكيين] بعض الشرف دون وصمهم بالعار 

قبل أن يقودهم يأسهم إلى هذه الأفكار الشريرة» لربما 

دخلوا من باب الشرف إلى معبد الفضيلة متوحدين مع 

الكنيسة الكاثوليكية وموالين لهاء دون أن يدفعهم رأينا 

السيئع فيهم إلى الشر [5ذا. 

وبدأ أعضاء بارزون آخرون بالبلاط والحكومة أيضا في إعادة تقييم 

الطرد مع اشتداد أزمة القوة البشرية في الريف. ففي الثامن والعشرين من 
سبتمبر 1622 بعد عام أو يزيد قليلاً على موت أبيهء اعترف فيليب الرابع 
رسميا «بالضرر الكبير الذي سببه الطرد» في بلنسية في شكل انخفاض 
الإيجارات والتخلخل السكاني. وفي عام 1633» رفض فيليب اقتراحاً 
من مجلس قشتالة بطرد الغجرء على أساس أن هذا الخيار درس ورُفض 
قبل ذلك بسبب «فراغ هذه امالك بعد طرد المورسكبين». وكانت أزمة 
التخلخل السكاني حادة جداً لدرجة أن كاهن الاعتراف الخاص بفيليب 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 5317 


الدين والدم 


اقترح دعوة المورسكيين للعودة إلى البلاد» وقدم أوليفاريس اقتراحاً مماثلاً 
بإعادة اليهود. وحتى في عام 1690» بعد الطرد بفترة طويلة» زعم السفير 
المغربي في مدريد أنه سمع مسؤولي البلاط ينتقدون الطرد ودور ليرما 
فيه. وقد انعكس هذا التغير في المواقف على التصوير الثقافي المتعاطف 
مع المورسكيين بل المحب لهمء الذي تجلى بعد الطرد. بدءاً من الجزء الثاني 
من دون كيخوته إلى مسرحية بيدرو كالديرون القوية «الحب بعد الموت». 
تصف حكاية كالديرون المأساوية للحب والانتقام المأخوذة من حادثة 
من تاريخ خينيس بيريث دي هيتا لحرب البشرات» كيف يتسلل الوجيه 
المورسكي الطوزاني 56ة2نا1 اء إلى المعسكر النصراني بعد نهب غليرة» 
انتقاماً اه مليكة 74316 على يدي جندي إسباني قتلها لسرقة 
قلادتها. يعرض كالديرون شخصيات تاريخية حقيقية مثل ابن أمية ودون 
خوان النمساويء ليصوّر الثورة المورسكية باعتبارها ثورة جماعية ضد 
الظلم النصراني» ويبرز الفرق بين نبل أبطاله المورسكيين والنهب القذر 
من جانب الجنود الإسبان. 

تزامنت عملية إعادة تقييم الطرد مع رفض رسمي جزثي لقوانين 
نقاء الدم بإسبانيا التي شجبها أوليفاريسء لأنها «تناقض القانون الإلهي 
والقانون الطبيعي وقانون الأمم». وتركزت هذه الانتقادات عموما على 
الخداع والمراوغة اللذين تسببه| هذه القوانين وتأثيرها السلبي على طبقة 
النبلاء» أكثر من تركيزها على المبادئ التي تستند إليها. ومع أن فيليب 
الرابع حظر «الكتب الخضراء» سيئة السمعة» وهو ما استاءت منه الطبقة 
الأرستقراطية» فإن الاقتران بين نقاء الدم ونقاء الدين ظل يشكل مَعْلّاً في 
الهوية الإسبانية لعدة قرون تالية» في نظر كل من الإسبان والأجانب على 
حد سواء. ففي قصيدته الهجائية دون خوان». التي كتبت في أوائل القرن 


56 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


]2- الحساب 


التاسع عشرء وصف اللورد بيرون بشكل هازئ والد بطله بأنه «هيدل© 
حقيقي» خال من أي تلوث بالدم الأندلسي أو العبري» وقد تعقب أصله 
إلى سادة إسبانيا القوطيين». وحتى في منتصف القرن التاسع عشرء وجد 
الرحالة الإنجليزي ريتشارد فورد 70:0 8103150 إسبانا كانوا لايزالون 
يتفاخرون بأنهم نصارى أصلاء غير ملوثين. وم تلغ محكمة التفتيش إلا 
دعا 4زة ند رانين التميزين التصارى القداس اندو ريني لاه 
عام 1860. حين أقر البرلمان الإسباني أن المنضمين إلى الجيش لم يعودوا 
مطالبين بإحضار شهادات تثبت خلوهم «من أي مزيج من اليهود أو 
الأندلسين1. 

على أن الأسف على النتائج الاقتصادية السلبية لحملات التطهير 
الكبرى التي نفذتها إسبانيا لم يكن يعني أن حكامها كانوا مهيئين لنقضهاء 
وكذلك لم تترجم عملية إعادة التقييم إلى مزيد من التسامح نحو من بقوا 
في البلاد. ففي عام 1615» وصف السفير الإنجليزي جون ديغبي 00ل 
لاون عرضا تكفيريا ضخ]| شهده فيليب الثالث في طليطلة» تضمن 
مورسكياً محكوماً عليه بالإعدام «ظل على عناده متبعاً الدين الأندلسي» 
وأظهر الناس ضده قدراً غريباً من العنف. لدرجة أنهم قطعوه إربا وهو 
في طريقه إلى الإعدام»!؟!!. وتكشف هذه المواقف السبب في عدم دعوة 
المورسكيين أو اليهود للعودة إلى إسبانيا. 

وحتى عام 1728 المتأخر كثيراً عن الطرد» حاكمت محكمة التفتيش مئة 
وستة مورسكيين في غرناطة» واتهمت مئة وتسعة عشر آخرين في العام 
التالي. وفي عام 1787 زعم الرحالة الإنجليزي جوزيف تاونسيند 1م1056 
4م أنه «حتى يومنا هذا يعتقد أن المسلمين واليهود كثيرون في 
إسبانيا: المورسكيون في الجبال واليهود في كل المدن الكبرى, يتنكرون 


١‏ ص 
(1) الهيدلج وع1لزط إسباني من طبقة النبلاء الدنيا [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 519 


الدين والدم 

بالدرجة الأولى وراء الحماس العام للامتثال الخارجي لكل تعاليم 
الكنيسة»!17). ومع أن هذه الادعاءات كانت غير محتملة» فمن الواضح 
أن محكمة التفتيش كانت تصدقها. صحيح أن كثيراً من المورسكيين 
أفلتوا من الطرد. ونجحوا في البقاء في إسبانيا أو عادوا إليها بعد الطرد. 
لكن من الصعب تصديق أن المورسكيين أو اليهود كانت لديهم القدرة 
أو الرغبة في الحفاظ على هذا النفاق طوال هذه المدة الطويلة» حتى وإن 
ظلت بعض آثار الماضى جلية للمراقبين الأجانب ذوي العيون الفاحصة. 
ففي كتابه الموسوعي للمسافرين إلى إسبانيا (1845)» زار ريتشارد فورد 
بلداق البشرزات التي وصف أهلها بأنهم «نصف أندلسيين على الرغم 
من أنهم يتحدثون الإسبانية»» ورأى أن لغتهم الإسبانية كانت «مصبوغة 
بقوة باللغة العربية». وذهل فورد على نحو خاص من مظهر الفلاحين 
في مرسية الريفية الذين «يضعون مناديل على رؤوسهم تشبه العمائم 
ويلبسون تنورات بيضاءء ويبدون عبر هذا التناقض بين الكتان الأبييض 
وبشرتهم البرونزية داكنين تماماً مثل الأندلسيين)181]. 

ثمة إغراء في القول بأن هؤلاء «الأندلسيين» المرسيين هم أحفاد 
المورسكيين شري الذين طردهم سالاسار في عام 1614 وأفلتوا من 
الطرد أو عادوا سراً إلى البلاد» لكن ذلك لا يمكن إثباته. ففي الأخيرء 
تتتمي قصص المورسكيين الذي بقوا إلى تاريخ خفي ربما لن يحكى أبدا. 
لكن من الواضح أن فيليب وليرما لم ينجحا في استئصال «كل الذكريات 
الأندلسية» من إسبانيا. فقد نجا ميراث الماضي الأندلسي من حملة التطهير 
الكبرى» وعاش في عمارة إسبانيا ومنظرها الطبيعيء وني أديها ومطبخهاء 
وفي آلاف الكلمات الإسبانية المستعارة من اللغة العربية. وبعد أكثر 
من مائتي عام من الطردء ظلت إسبانيا الأندلسية تشكل فصلاً منسياً 
وتخزياً من التاريخ الإسباني ولم يكن المورسكيون أنفسهم يُذَكّرون على 


520 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئلا 1 


[2- ا حساب 

الإطلاق. 

وفي القرن التاسع عشر فقطء بدأ كتاب أجانب من أمثال فورد 
وواشنطن إرفينغ في زيارة الخرائب الإسلامية المهملة بإسبانيا وتقديم 
رؤية رومانسية وإيجابية لإسبانيا الأندلسية لجمهور عالمي. وفي الفترة 
تمتها يدا جا جديد مر التفعريين الانسان قل باسك وال غاباتكوين 
وميغيل آسين بالاسيوس 22180105 4518 اعناعذ34 وإدواردو سافيدرا 
8 :50113 في التنقيب في التراث الثقافي للأندلس» وبدأت 
الترجمات الأولى للمخطوطات الألخامية في تسليط الضوء على العالم 
المنسي لإسبانيا المورسكية» وبذلك انطلقت عملية قد تؤدي في النهاية إلى 
إعادة دمج الماضي الإسلامي في مجرى التاريخ الإسباني. 

د د عد 

توجد آثار للمورسكيين الذين غادروا إسبانيا أوضح بكثير ممن بقوافيها. 
فالأماكن التي قصدتها رحلات تبجيرهم غطت مساحة واسعة» حيث وجد 
المورسكيون في مصر وتركيا والبلقان» وفي لبنان واليونان وإفريقيا جنوب 
الصحراء. واستقر بعضهم في سورياء وفيها خصص م السلطان العثماني 
أراضي» وأنشئت مستعمرة مورسكية صغيرة في مدينة تمبكتو بوالي المعاصرة 
التي بقيت فيها كتيبة من الجنود «الأندلسيين» بعد حملة استكشافية نيابة عن 
السلطان المغربي. وتفرق معظم المورسكيين عبر شمال إفريقيا في عشرات 
المدن والبلدات والقرى» من تطوان وفاس وطنجة إلى الجزائر وطرابلس. 
واستوطن زهاء ثانين ألف مورسكي في تونسء معظمهم في العاصمة 
تونس وحوها التي لاتزال تضم حياً يعرف بزقاق الأندلس. وانتقل آخرون 
إلى وادي مجردة العشبي ؤشبه جزيرة الرأس الطيب الخصبة اللذين ربا أدى 
انتشار بساتين. الحمضيات فيهما إلى تذكير اللاجئين المورسكيين بالسهل 
المروي في بلنسية» والأمجاد المفقودة لمرج غرناطة. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 521 


الدين والدم 


اتجه هؤلاء المنفيون إلى العمل في بلدانهم الجديدة بالمهن نفسها التي 
كانوا يزاولونها في إسبانيا. فعمل بعضهم في الزراعة» وعمل آخرون 
حرفيين وصناعاء وكيفوا مهاراتهم مع الاحتياجات المحلية أو أدخلوا 
تجديدات من عندهمء مثل القبعة اللبادية الحمراء المعروفة باسم الشاشية» 
التي لايزال التوتسيون يلسوها إلى اليوم. وعمل مورسكيون آخرون 
جنوداً لحكام شمال إفريقيا وسكرتيرين ومترحمين وتجاراً ودبلوماسيين. 
وبعد الطرد مباشرة شكل كثيرون منهم جماعات متايزة كانت تتطابق 
مع المناطق الإسبانية التي جاءوا منها. على أن تكيفهم مع الموقف الجديد 
الذي وجدوا أنفسهم فيه لم يكن سهلا دائما. وحتى حين كان الررمكيون 
يؤدون عبادات المسلمينء كان السكان المحليون يعتبرونهم دائما نصارى 
أو مرتدين. وفي تونسء استاء كثير من التونسيين العاديين من الوضعية 
الضريبية الخاصة التي منحها للمورسكيين حاكم تونس المتعاطف معهم 
عثمان داي» ولم ينس السلطان العثماني أن يصدر أوامر جديدة إلى وريث 
عثمان الأقل تعاطفا معهم لضمان حسن معاملة المنفيين. 

واجه المورسكيون أيضاً صعوبات جمة في توطين أنفسهم على المنافي 
التي أبعدوا إليها. فكثير منهم لم يكونوا يتحدثون العربية» وغير ملمين 
بعادات البلدان التي وجدوا أنفسهم فيها وثقافاتها. وحتى المورسكيون 
الأكثر التزاماً بالإسلام, انتابهم شعور قوي بالشوق والحنين إلى الوطن 
الذي نميه الآسبان انيوراتها 8 ووفي تونسء احتفل الشاعر 
المورسكي المنفي إبراهيم الطبيلي'" بنفيه» باعتباره تحرراً من الظلم 
النصراني وكتب أشعاراً قاسية تهاجم الدين والمجتمع اللذين طردا أبناء 


(1) إبراهيم الطيبيلي ذآزطبرة1 مسنطوءم1 أو الطيب علي 15/5111 الى فقيه وشاعر مورسكي ولد في 
طليطلة» ونفي إلى تونس. اسمه الاإسباني خوان بريه 22 30نا1[. صدرت له بعض الكتابات 
الإسلامية في إسبانياء ويرتبط اسمه بإنجيل برنابا المنحولء فقد كان من أوائل من أشاروا إليه 
في كتاباتهم [المترجم]. 


522 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


21- ا حساب 

جلدته. لكن كان هناك أيضاً كتاب مورسكيون, من أمثال المنفى التونسى 
منصرل1 عل 00دنوتقء5 المجهول. كانت كتاباتهم دليلاً على الميراث الثقافي 
المتباين الذي أراد حكام إسبانيا استئصاله. احتفظ المنفي التونسي المسلم 
الووع يلاكريات عريرة للجعامله التي ليها هو واخونه ق«النين من 
«الزنادقة النصارى» في وطنه الإسباني الذي «كنا فيه ندعو الله ليلا ونهارا 
كي ينقذنا من المحن والأخطار الكثيرة» وأردنا أن نأي إلى ديار الإسلام 
حتى لو كانت جرداء». ومع ذلك» فقد كتب كتيبا عن المضاجعة الجنسية 
باللغة الإسبانية» وجاء مليئاً باقتباسات من أشعار لوبي دي بيغا وغونغرا 
8 استظهرها من الذاكرة!9!. 

انتابت مورسكيون كثيرون آخرون العواطف المتناقضة نفسها. ففي 
عام 1627 ذكر جاسوس إنجليزي في المغرب يدعى جون هاريسون 
ه11 مله[ لحكومته أن المورناتشيين الجهاديين في سلا عرضوا عليه 
أن يصبحوا أتباعاً ملك إنجلترا في مقابل حمايتهم من سلطان المغرب. 
وأيد هاريسون طلبهم. دافا بأنهم كانوا مستعدين لاعتناق البروتستانتية 
لأن «غالبيتهم كانت حائرة بين الدين الروماني الوثني”" الذي نشأوا في 
ظله. والإسلام الذي يرزحون تحته الآنء ولا يعرفون بأي دين يجب أن 
يدينوا»!”7!. ومع ذلك» فقد كتب وفد من ال محورناتشيين إلى فيليب الرابع 
في عام 1 يعرضون عليه تسليم سفنهم ومعداتهم لإسبانيا إذا سمح 
لهم بالعودة إلى بيوتهم السابقة في إشتريادورا. ووضعوا شروطاً مختلفة» 
منها أن يبقى المورناتشيون مورسكيين تماما كي يتجنبوا «المشقات» التي 
سبقت الطردء وألا يعيش كاهن أو راهب في البلدة» وأن يعفى السكان 
من ملاحقة حكمة التفتيش لعشرين عاماً. 

ربا نتج هذا العرض الغريب جزئياً عن ال حالة الخطرة للهورناتشيين 
(1) يقصد الكاثوليكيةبما أنه إيجليزي بروتستاتتي [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 525 


الدين والدم 


في العالم العاصف للسياسة المغربية» لكن تفكيرهم في العودة إلى إسبانيا 
مع كل ما يرتبط بذلك من أخطار كان مؤشراً آخر على التعلق القوي 
الذي كان كثير من المورسكيين يشعرون به نحو وطنهم. ولا توجد أدلة 
على أن هذا العرض قد لقي قبولاًء وليس من الوارد تماماً أن يكون قد 
قبل. وعلى مر السنين» تضاءل هذا الحنين مع اندماج المورسكيين في 
مجتمعاتهم الجديدة. ومع ذلك. فقد ظل كثيرون منهم يشكلون حماعة 
«أندلسية» متميزة في البلدان التي استضافتهم. فمع أنهم مارسوا عبادات 
المسلمين وبنوا مساجد. فقد ظل كثيرون منهم يتحدثون الإسبانية فيا 
بينهم» ويتزوجون من المورسكيين. وأديجحوا سمات وموضوعات معمارية 
إسبانية في بيوتهم ومساجدهم الجديدة» وظلوا يطبخون طبخات من 
وطنهم السابق. وفي أفراح الزفاف والحفلات والمهرجانات كانوا يغنون 
الأغاني القديمة التي كانت محكمة التفتيش تحظرهاء والتي شكلت 
الأناس للموسيقن التوضية الوطية العروفة بالالوقوي ” 

وفي عام 1720» وصف الأب فرانثيسكو خمينيس الكاهن الإسبانٍ 
في مستشفى نصراني بتونس زيارة إلى بلدة تستور التونسية التي وجد 
فيها عدداً كبيراً من أحفاد «الأندلسيين والمسلمين الأراغونيين»» كان 
بعضهم لايزال يتحدث الإسبانية و«ايتحدثون عن الأشياء نفسها التي 
يتحدث عنها الإسبان حين يتكلمون» لدرجة أنني شعرت بأني في إحدى 
قرى إسبانيا»2'1). وقابل الرحالة الإنجليزي من القرن التاسع عشر 
السير آرثر كابل بروك ع1هه:8 1[أمدك عناطة أحفاد «الأندلسيين» فٍ 
الجزائر الذين ظلوا فخورين بأصوهم الإسبانية. وإلى اليوم لاتزال آثار 
ال هجرة المورسكية واضحة في بلدات شمال إفريقيا ومدنه» في الموسيقى 
«الأندلسية» بالمغرب والجزائر وفي مهرجانات المالوف السنوية في تونس 
التي لايزال الموسيقيون يعزفون فيها الآلات نفسها التي جلبها أسلافهم 


5224 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


[2- ا حساب 


معهم في أثناء حملة التطهير الكبرى في الفترة من عام 1609 إلى عام 1614» 
ومازالوا يغنون الأغنية التى انتقلت عبر القرون: 

ألالووللك الظر الساتظ! 

لقد كانت أحب أيامى في الأندلس» 

نهر زماننا فعا متريعا حلم ثاقه 

أو الحظة اختلست من الزمن !122 


١_طماي‏ !© :161 1آئلا 1 525 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 


خاتمة 


تحذير من قلب التاريخ 


كان إدراك القرن السابع عشر للطرد باعتباره نكبة قومية يقوم جزثياً 
على فكرة مبالغ فيها إزاء عدد المورسكيين الذين طردوا. ففيرنانديث 
دي نافاريتي اعتقد أن ثلاثة ملايين مورسكي قد أبعدواء وثمة تقديرات 
تاريخية لاحقة لا تقل ضخامة عن هذا العدواة. واليوم» يقدّر معظم 
الدارسين أن إسبانيا فقدت بالطرد زهاء أربعة بالمئة من إجمالي سكانهاء 
البالغ عددهم ثانية ملايين شخصء. ولذلك كان تأثيره القومى أقل 
كارثية نما تخيل نافاريتي ومعاصروه. لكن عواقب الطرد لذ نكن أن 
تقاس من منظور نتائجه الاقتصادية أو الإحصاءات السكانية وحسب. 
فإبعاد المورسكيين كان ذروة متصل تاريخي بدأ بتنصير اليهود في الفترة 
من عام 91 إلى عام 1412 التي نقض حكام إسبانيا خلاهها -بلا رحمة- 
المجتمع الأيبيري المتنوع دينياً وثقافياًء الموروث عن العصور الوسطى”". 
وفرضوا هوية كاثوليكية متجانسة واحدة على كل رعاياهم. 

وبالنسبة إلى المتأسبن الأمريكي هنري لي» الذي كان يكتب في بداية 
القرن العشرين» فإن: «التعصب الذي طرد اليهود والمورسكيين يغطي 
(1) أي المجتمع الذي ورئوه عن الأندلس الإسلامية» التي سمحت بتعايش أصحاب الديانات 

المختلفة جنباً إلى جنب» حتى وإن لم يمتزجوا ئهاماً [المترجم]. 


5227 
1_طماع !© :]ألا 1 





الدين والدم 

الأرض كنعش يشل طاقتهاء ويجعل تعافيها مستحيلاً»» وحوّل إسبانيا إلى 
«جنة للكهنة والرهبان ومسؤولي محكمة التفتيش» حيث كانت كل حركة 
فكرية تقمع» وكل قناة تواصل مع العالم الخارجي تحرس. وكل جهد 
لتحسين العالم يعطل»7!2. وقد ظلت القوى الاجتماعية» التي جعلت هذا 
التحول ممكنا تحوم في إسبانيا لعدة قرون تالية» فخنقت تطورها الفكري 
والاجتماعي ووقفت عائقا أمام التحديث والإصلاح. وني عام 1876؛ 
ألقى الشاعر والسياسي الإسباني غاسبار نونيث دي أرسي 52ل :3م0235 
ععرش عل باللائمة عن التدهور الثقافي والفكري لإسبانيا على «الاضطهاد 
الديني الأشرس والأطول في تاريخ البشرية»» الذي تلا غزو غرناطة في 
عام 1492. وأدان دي أرسي طرد اليهود والمورسكيين» ودفع بأن الحدثين 
أسههما في الضمور الثقاني اللاحق لإسبانيال. وقد استغرق الأمر سنوات 
طويلة من التطور الاقتصادي والاجتماعي والصراع المدني والدكتاتورية 
قبل أن تتمكن إسبانيا أخرى من الانبئاق من هذه الحالة الرجعية. 

وفي الحرب الأهلية بين عامي 1936 و1939. أجهضت «الحملة 
الصليبية» الفرانكوية”© التجربة الليبرالية للجمهورية الإسبانية بدعم 
من النازيين والكنيسة الكاثوليكية» وبمساعدة من المرتزقة المغاربة 
من شمال إفريقيا الذين شكلوا قوات الصدمة بالنسبة إلى القوميين!4. 
ورغم وجود التعددية الدينية من حيث المبدأ في ظل دكتاتورية فرانكوء 
احتفظت الكنيسة الكاثوليكية بمكانتها المهيمنة» وظلت الكاثوليكية في 
صميم الهوية القومية الإسبانية. وانصهرت «الكاثوليكية القومية» للنظام 
أيضاً مع مسحة قوية من الشوفينية الثقافية القشتالية» قمعت أي تعبير عن 
(1) نسبة إلى الدكتاتور فرانئيسكو فرانكو (4 ديسمبر 2 إلى 20 نوفمبر 1975)) الذي حكم 

إسبانيا من أكتوبر 1936 حتى وفاته في عام 1975» وصل إلى السلطة بعد الحرب الأهلية الإسبانية 


(1939-1936) التي تسبب فيها بانقلابه على حكومة الجبهة الشعبية» اعتمد في جيشه على 
قوة من الجنود المغاربة الريفيين (سكان الريف) مكونة من خمسين ألف جندي [المترجم]. 


52286 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئلا 1 


خاتهة.. نحذير من قلب التاريخ 

الاختلاف الثقافي واللغوي للباسك والقطلونيين بطرق سبق أن خبرها 
الووسكيوة: 

كان فرانكو يُظهر دائ] موقفاً متناقضاً من ماضي إسبانيا الإسلامي. 
فمن ناحية» مجْد الاسترداد باعتباره إنجازاً مجيداً للشعب الإسباني» 
ووضع نفسه ضمن تقاليد الملكين الكاثوليكيين» لدرجة أنه أثنى على 
طرد اليهود في أثناء الحرب العالمية الثانية. لكن في فترة ما بعد الحرب» 
كان فرانكو يستدعي ماضي إسبانيا العربي-الإسلامي كثيراً في محاولاته 
لبناء علاقات جيدة مع العالم العربي» الذي قدم نفسه له باعتباره (اسيدي 
فرانكو». واستغل النظام أيضاً بدهاء تراث إسبانيا الأندلسي والغجري 
في وقت العزلة السياسية عن بقية أوروباء لجذب السياح الأجانب إلى 
البلاد في فترة الرخاء الاقتصادي بالستينيات. 

وفي العقود التي تلت موت فرانكوء تغيرت إسبانيا بطرق كان يستحيل 

م 3 0 - 

تخيلها. فأقرت التعددية الدينية في عام 1978 في أول دستور ديمقراطي 
للبلاد» واليوم تعد أرض بليدا وثيسنيروسن من أكثر بلدان أوروبا تساعحاء 
حتى أصبح زواج المثليين مشروعا فيهاء وحتى اتهم البابا السابق شعبها غير 
المتدين بأنهم وثنيون جدد. واليوم لم يعد الإسبان يحتفلون بتاريخ وصول 
كولومبوس إلى العالم الجديد بصفته «يوم العرق»""» ويستطيع الباسك 
والقطلونيون أن يتحدثوا لغاتهم ويطوروها دون أن يعتقلوا أو يؤمروا 
بأن «يتحدثوا النصرانية»© و«لغة الإمبراطورية». وفي العقدين الماضيين» 


(1) يوم كولومبوس احتفال تحيي فيه إسبانيا ودول كثيرة في العالم الجديد في الثانٍ عشر من أكتوبر 
من كل عام ذكرى وصول كولومبوس إلى العالم الجديد؛ كان يسمى في إسبانيا «يوم العرق» 
26 عدا 6ه :إل أو «يوم الشعب الإسباني» في إشارة إلى سمو العرق أو الشعب الإسباني على 
ماعداه؛ وتحديداً على الشعوب الأصلية التي واجهها في العالم الجديد [المترجم]. 

(2) على أساس أن القشتالية أو الإسبانية هي لغة المسيحية أو الكائوليكية, كما كان رجال السياسة 
والدين يزعمون على مر تاريخ إسبانيا ما بعد الأندلسية [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 52 


الدين والدم 


تحولت الدولة ذات التاريخ الطويل مع التهجير والإبعاد مقصداً أساسياً 
للعمال المهاجرين من العالم الثالث. ونتيجة لأن إسبانيا أحد الموقعين على 
اتفاقية شنغن» التي ألغت التأشيرات داخل الاتحاد الأوروبي؛ فقد كلفت 
إسبانيا بإغلاق الحدود الجنوبية لأوروبا في وجه المهاجرين من إفريقيا. 
ومع ذلكء يعبر سنوياً آلاف المهاجرين غير الشرعيين البحر الأبيض 
المتوسط في مراكب مخروقة تعرف باسم الباتيرا 2]685م طلبا للعمل في 
إسبانيا أو أوروبا. ويقبض على غالبيتهم لدى وصوهم ويعادون إلى حيث 
جاؤواء لكن يغرق آلاف منهم في أثناء المحاولة. ونجح آخرون في دخول 
البلاد بشكل غير قانوني» أو حصلوا على تصاريح عمل مراوغة جدأء 
وحوّل وجودهم كثيرا من المدن الإسبانية إلى عوالم ثقافية مصغرة من عالم 
البحر الأبيض المتوسط الأكبر. 

كثير من هؤلاء المهاجرين مسلمون من ششمال إفريقيا. فبعد قرون 
من الحرب المقدسة وحملات التطهير والطرد. أصبح للإسلام مرة 
أخرى وجود كبير في المجتمع الإسباني» ويقدّر عدد المسلمين في إسبانيا 
حالياً بمليون شخص. أي أكثر قليلاً من اثنين بالمئة من إجمالي سكان 
إسبانيا. وقد تهيأت بلاد قاطع رقاب الأندلسيين والاسترداد التي كانت 
الكاثوليكية فيها -حتى وقت قريب- حجر الزاوية لهويتها القومية» على 
نحو مذهل لعودة الإسلام بعدة طرق. ففي عام 1992» اعترفت الدولة 
رسمياً بالإسلام الإسباني في أثناء الذكرى الخمسمائة لفتح غرناطة» حين 
وقعت الحكومة الإسبانية سلسلة من اتفاقات التعاون مع منظيات تمثل 
المسلمين واليهود والبروتستانت. وجاءت لحظة فارقة أخرى في تصالح 
إسبانيا مع الماضي في عام 2003» حين بني مسجد جديد في البيازين 
بغرناطة قبالة قلعة قصر الحمراء مباشرة» بعد حملة دامت نحو عشرين 
غابا جاتن السلين الحلية: 


5230 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


خائمة.. نحذير من قلب التاريخ 

وربما كان التجلي الدامغ لتطور إسبانيا هو رد فعلها على تفجيرات 
محطة قطارات مدريد المروّعة في مارس 2004. فحتى بعد أن تأكد أن 
هذه الجريمة البشعة نفذها مسلمون من أصول شال إفريقية لم يحدث 
رد فعل معاد للمسلمين» وقاومت الحكومة الاشتراكية التى وصلت 
إل السلطة يعدكة:عخاولات تصوير هذا العمل الوحكى فنمن تموذج 
«صدام الحضارات»». الذي كانت له الهيمنة في الأعوام الأخيرة. وني 
عام 6» شارك رئيس الوزراء الإسبانني خوسيه لويس ثاباتيرو في 
رعاية تحالف الحضارات بالأمم المتحدة الذي حذّر بيان رسالته من أن 
«تصنيف المجتمعات المرنة والمتنوعة من الداخل عبر خطوط حضارية 
صارمة يتعارض مع الطرق الأكثر استنارة لفهم مسائل الحوية والدافعية 
والسلوك)!3, 

ورغم هذا التبني الرسمي للتسامح. فلاتزال آثار ماضي قطع رؤوس 
الأندلسيين عصية على النسيان. ففي مارس 22001 دفع وزير الهجرة 
الإسباني إنريكو فيرنانديث ميراندا 02ممعناة-2علمقمع" عبوعمط 
بأن اندماج المهاجرين في المجتمع الإسباني سيكون أسهل إذا اعتنقوا 
الكاثوليكية. وفي عام 42003 وُزَّعت على الجنود الإسبان والأمريكيين 
اللاتينيين الذين شاركوا في غزو العراق صلبان القديس جيمس قاطع 
رقاب الأندلسيين. وفي عام 1982» سنّت الحكومة الإسبانية قانوناً يمنح 
الجنسية الإسبانية لأحفاد اليهود, الذين طردوا عام 1492: لكن الإجراء 
نفسه لم يُمنح لأحفاد المورسكيين. وفي مارس 2005: كان مقرراً أن 
يزور الملك خوان كارلوس مدينة تطوان المغربية التي طالب فيها أحفاد 
المورسكيين المطرودون باعتذار رسمي عما حدث. وزعم مؤرخ محل 
بالمدينة أنه جمع سبعة آللاف اسم عائلة من أصل إسباني في المدينة» وأعلن: 
نريد تعويضات أدبية عن الآلام التي تكبدناها. فنحن من الناحية النفسية 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 551 


الدين والدم 

نشعر بالانتماء إلى هذا التاريخ وتلك العادات. والتقاليد الإسبانية همي 
تقاليدنا أيضاً)!كا. ألغى الملك زيارته بشكل مفاجئ لأسباب لم توضحء 
وم يُلب هذا المطلب. 

يكشف ذلك كله عن أن إسبانيا لم تتصالح كليا مع ماضيها الإسلامي؛ 
أو حتى حاضرها. صحيح أن معاداة المسلمين في إسبانيا ليست باتساعها 
في بعض البلدان الأوروبية» لكنها لاتزال تكشف عن نفسها في الحملات 
المعارضة لبناء المساجدء من نوع المعارضة المحلية الشديدة لبناء الجامع 
الكبير في البيازين بغرناطة. كما أبدت الكنيسة الكاثوليكية» التي تآكل 
عدد رعيتها وفقدت مكانتها المهيمنة في المجتمع الإسباني قلقا متزايداً 
من الوجود الإسلامي. وعلق رئيس الأساقفة الإسباني البارز الكاردينال 
أنطو نيو ماريا روكو فاريلا 2اعئةلا معناه هاعدل3 مندمنمكة على إلغاء 
الحكومة الاشتراكية للطبقات الدينية الإلزامية والشائعات حول وضع 
أديان أخرىء منها الإسلام» على قدم المساواة مع الكاثوليكية قائلا: 
«بعض الناس يريدون أن يعيدونا إلى عام 711... وكأننا نسعى إلى محو 
أنفسنا من التاريخ»!17. 

تزامن هذا الشعور بعدم الأمان حول مستقبل الكنيسة مع محاولة 
قوية من جانب الجماعات المسلمة بإسبانيا لنيل مكانة مساوية في المجتمع 
الإسباني. وكان من الأمور محل النزاع الحملة التي أطلقها المسلمون في 
قرطبة» للسماح لهم بإقامة صلاة الجمعة داخل الجامع الكبير الذي لايزال 
المسيحيون يتعبدون فيه في الكاتدرائية» التي لم ترق لشارل الأول سابقاً 
لأسباب جمالية. ذهب بعض أنصار الحملة إلى أن السماح بذلك سيجعل 
الجامع رمزا للمصا حة» لكن السلطات الكنسية رفضت مرارا وتكراراء 
متعللة بأن وجود المصلين المسلمين «سيشوش» على المسيحيين. 

وعلى نحو ما حدث في أماكن أخرى بأوروباء حاول اليمين الإسباني 


5222 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


خائمة.. نحذير من قلب التاريخ 

استغلال «الحرب على الإرهاب»» وحشد هذه المخاوف لصالحه بربط 
الماضي بالحاضرء وهو الميل الذي انعكس في كتب مثل (إسبانيا تواجه 
الإسلام: من محمد إلى بن لادن» و«الجهاد في إسبانيا: هوس استرداد 
الأندلس». وفي الوقت الراهن تراجعت هذه الرؤى إلى ال موامش» لكن 
ذلك قد لا يدوم طويلاً مع استمرار التراجع الاقتصادي العالمي الحاليي في 
تقويقن اذفان إسياتيا امش 

وأياً كان ما يمكن أن يأتي به المستقبل» فإن ذكرى الأندلس لم تعد 
مصدراً للخزي. ففي كل عام يزور آلاف السياح البقايا المعمارية الرائعة 
لإسبانيا الأندلسية وقلعة قصر الحمراء والجامع الكبير بقرطبة ومدينة 
الزهراء والخيرالدة0". وبعيداً عن آثار الأمراء والخلفاء» ترقد بقايا 
التاريخ الأكثر تواضعاًء الذي كتب كلمة النهاية لذلك العالم. فمن حين 
إلى آخر» يكتشف البنّاؤون وعمال البناء بعضاً من المخطوطات الألخامية 
في تجاويف بالجدران وتحت ألواح الأرضيات. وفي عام 22004 اكتشفت 
مخطوطتان عربيتان في صندوق قديم في هورناتشوسء إحداهما تضم كتابا 
للصلاة. 

وف قرية بالور بشرق البشرات» وضعت مجموعة من الإسبان اعتنقت 
الإسلام© لوحة صغيرة تقديراً ل«ابن أمية والمورسكيين: أوج النضال 
من أجل حرية الأندلس». ويمكن للمسافرين الذين يأخذون الطريق 


(1) الخيرالدة 6152103 مئذنة مسجد من عهد الموحدين في إشبيلية تحولت إلى برج لأجراس 
كاتدرائية إشبيلية طولها خمسة وتسعون مترأ ونصف»ء كانت من أهم رموز المدينة في العصور 
الوسطى [المترجم]. 

(2) مؤكد أنهمء أو بعضهم على الأقل» من أصول أندلسية» فاعتناق إسباني للإسلام لا يستلزم 
تمجيد تاريخ ابن أمية والأندلس» ناهيك عن معرفته بهم, إلا إذا كانوا من أحفاد ابن أمية 
والأندلسيين» وإنه لأمر غريب أن يحتفظ هؤلاء أو غيرهم .معرفة أصولهم وتقاليدهم طوال 
هذه القرون من القمع الديني الوحشي [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 53 


الدين والدم 


المتعرج الممتد من أرجبة إلى سيرانيفادا أن يتوقفوا للاستمتاع بالمناظر 

الخلابة لسهول البشرات من «بارانكو دي سانغري» 06 معموقسة8 

38 45؟ أي وادي الدم. وهو ذلك الموقع الذي شهد المعركة المستميتة 

بين النصارى والمورسكيين في أثناء حرب البشراتء التي تقول الأسطورة 

إن الدم النصراني فيها صعد على التلال كي لا يختلط بدم الكفار. 
لا يذهب زوار كثر إلى الجبال الوعرة أعلى خبر خوكار التي كانت 

في الماضى «تيرا مورسكا»؛ أي أرض المورسكيين. وهناك لاتزال توجد 

ات البيورت المورسكية والحدائق الغناءء التي كانوا يزرعونهاء 
وخرائب القلاع التي كانوا يلجؤون إليها في أوقات الخطر. وعلى 
أطراف بلدة كورتيس دي بالاس أسفل مولا دي كورتيس يوجد وادي 
هو الأجمل في إسبانيا كلهاء لايزال المزارعون فيه يروون حقولهم عبر 
قنوات الري والآبار التي حفرها المورسكيون. وهنا تفيض جداول 
الماء والنباتات المورقة ومنحدرات التلال الصخرية والسماء الزرقاء 

المشرقة والمنظر البعيد لخزان خوكارء تفيض جميعها بالصفاء والسلام» 

لدرجة يصعب معها أن تتخيل المشاهد الشنيعة التي وقعت سابقا على 

الأجراف والمنحدرات القريبة التي قفزت من فوقها المورسكيات ليضعن 
حداً لحياتهن في الشتاء الرهيب لعام 1609: ذلك أن مجموعة صغيرة من 
الرجال التافهين والمتعجرفين والمتعصبين اعتبروا وجودهن على التراب 

الأسباق مدني”. 

(1) ئمة نظرية تفسر اندلاع النزعات الطائفية برغبة بضعة أشخاص- في كل حالة- أن يحشدوا 
جماعاتهم للفعل الطائفي بغرض الحصول على القوة» سواء كانت مالا أو سلطة. ينطبق ذلك 
على الحركات الطائفية والانفصالية المعاصرة وعلى مروجي أفكار الصدام بين الحضارات 
الحاليين» كما ينطبق على قادة الحروب الدينية والحملات الصليبية والجهاد والفتوح قلياً. 
قدم هذه النظرية ماريو أبوستولوف في كتابه «العلاقات الحضارية المسيحية الإسلامية بين 


احتمالات التعاون والصراع»: الذي ترجمه المترجم للمركز القومي للترجمة» القاهرة 
(2010) [المترجم]. 


534 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


خائمة. . تحذير من قلب التاريخ 
ناناننا 

ما الدروس التي تعلمها قصة المورسكيين لقرننا الحالي» إن وجدت؟ 
بعد أربعمائة عام قد ينظر بعضهم إلى حملة التطهير الكبرى التي نفذتها 
إسبانيا باعتبارها مأساة تاريخية بعيدة من عصر اتسم بالجهل والتعصب. 
وقد تبدو ظواهر مثل الحجاء الشرير من بليدا وأثنار كاردوناء والمشهد 
المسرحي الباروكي للعروض التكفيرية» واضطهاد الرجال والنساء على 
أكل الكسكسي أو غسل شعرهم؛ وسلاسل النسب للدم والدين» قد 
تبدو جميعاً تعبيرات مَرضية للحقد الدينى لا مكان ا في الأزمان الأكثر 
استنارة. لكن هكذا كانت إسبانيا في القرن التاسع عشرء حين صوّرها 
المؤرخون الأوروبيون والأمريكيون الليبراليون باعتبارها معقل التخلف 
والجمود في أوروبا ما بعد التنوير. «كان التعصب في نظر إسبانيا دائماً هو 
مجدهاء وفي نظر أوروبا هو خزيبها»» هكذا كتب ريتشارد فورد في عام 
5. ومنذ ذلك الحين أنتج العالم الحديث حملات تطهير وطرد لا تحصى» 
لدرجة تجعل أي مجتمع لا يقنع بقدرته على العقلانية والتسامح. 

ولم يثبت حتى الآن أن انتشار العلانية يقي من هذه الأحداث. فالدولة 
العلمانية صراحة» من ألمانيا النازية إلى يوغسلافيا السابقة وروانداء 
حاولت جميعها أن تحقق التجانس العرقي أو الثقافي داخل إقليم قومي 
واحدء من خلال الإبعاد المادي أو القتل الجماعى للسكان غير المرغوب 
فيهم أن «القاتضيق» غين الطاجة: .وكيا كانت الخال قي إستبانيا. القرث 
السادس عشرء تقدم هذه الأفعال دائ| باعتبارها دفاعا عن النفس من 
جانب الأغلبيات التى شرعت في تطهير أنفسها أو في حماية قيمها الجماعية 
من التسادرا لد فيس ,نرقلب انافاه الميوادث دائ] توازن القوة يخيف 
تقدم الأغلبيات القوية أنفسها كضحايا لا كمضطهدين؛ وأن وجودها 
تدده الجماعة الأضعف. التي شرعوا في استئصاطا. والتاريخ يعلمنا أنه 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 535 


الدين والدم 

حين تؤخذ هذه الأفكار مأخذ المسلات» يصير أئ شيء ممكناً. في دفاعه 
عن المنشق سباستيان كاستليو 5ذلاء]035 5663538 من القرن السادس 
عشر الذي كتب في وجود شبح هتلر» لاحظ الكاتب النمساوي إشتيفان 
سبيغ مقع )5 أن «كل عصر جديد يعرى مجموعة جديدة من 
الأشخاص التعساء تُفرّغ فيهم قوارير الكراهية الجماعية. يحدث ذلك 
أخياناً بسب ديتهم» وأحياناً يسبب لون يشرهيم أو عركهم أو آصلهم 
أو نموذجهم الاجتماعي أو فلسفتهمء وفي النهاية ب يصبح أعضاء جموعة 
ضغيرة وضعيفة ننباً أهدافاً لطاقات الابادة 0 ار كثير منا)!8!. 

واليوم؛ في مطلع القرن الحادي والعشرين, لاتزال «طاقات الإبادة» 
تطارد العالم المشبع بالإعلام» الذي تقوم فيه قوى اقتصادية مهولة وتغير 
تقني غير مسبوق بتذويب الحدود القومية والثقافية والتقريب بين أكثر 
الناس تباينآ على غير توقع منهم أو رغبة. ومن النتائج الأخرى أن هذا 
التقارب الشديد يصحبه تقارب جديد بين السياسة والدين» وانبعاث 
النزعة القومية والانفصالية» وتزايد التوتر العرقي والثقافي في كثير من 
البلدان المختلفة. ْ 

م تسلم الدول الصناعية الغنية بالعالم الغربي نفسها من هذه الميول. ففي 
أوروبا والولايات المتحدة أطلقت مستويات الهجرة غير المسبوقة من العام 
الثالث شعوراً عنصرياً كارهاً للأجانب. ففي حين كان ينظر إلى المهاجرين 
نوادرها اللؤينة ارمع ستسيراك أورينا السابقة على أنهم مكونات 
أساسية لاقتصاد ما بعد الحرب. أخذت مدرسة فكرية مؤثرة في مطلع 
القرن الحادي والعشرين تصوّر التنوع الثقافي والعرقي الناتج عن تيارات 
الحمجرة على أنه تهديد للهويات القومية الأساسية للبلدان التي تستقبلهم. 

وفي بعض البلدان» ولدت هذه التخوفات رد فعل ضد نموذج 
الاندماج متعدد الثقافات, الذي كان في السابق يحتفي بالتنوع الثقافي 


5236 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


خاتمة.. حذير من قلب التاريخ 

باعتباره ظاهرة إيجابية» لصالح التأكيد من جديد على التجانس الثقافي. 
وزعم النقاد أن التعددية الثقافية (أخفقت»» ومهدت الطريق للانفصالية 
الثقافية والعرقية على حساب «التماسك الاجتاعي». وفي الولايات 
المتحدة حذر العالم السياسي الراحل صامويل هنتنغتو ن من (أسبنة» 
المجتمع الأمريكي, وادعى أن ميراث أمريكا البروتستانتي الأنجلو- 
أمريكي كان معرضاً لخطر التآكل؛ بسبب المهاجرين المكسيكيين الناطقين 
بالإسبائية» الذين تسولوا الجواة من الجنوب إلى ا«أمريكا مكنيكية: 
0 

وفي حين كانت الجماعات المهاجرة السابقة تمتصها «البوتقة» 
الأمريكية» جادل هنتنغتون بأن المكسيكيين يقاومون الاندماج ويحتفظون 
بولائهم اللغوي والثقافي وحتى السيامي لبلد المنشأء لدرجة أن مستقبل 
«العقيدة القومية» الأمريكية بات في خطر. وفي أستراليا ألقى ١حزب‏ 
أستراليا أولاً» باللائمة على سياسات التعددية الثقافية «للرأسالية 
الكونية بالنظام العالمي الجديد» عن تحويل أستراليا إلى «أمة من القبائل». 
وتكشفت مشاعر ممائثلة في أوروبا التى أبدى فيها سياسيون من بلدان 
مختلفة انتقادات مائلة لما قاله الوزير الدنمركي للشؤون الثقافية بريان 
ميكلسين «ءواعل8111 مداوظء حين دو المؤتمر السنوي لحزب الشعب 
المحافظ الذي ينتمي إليه في عام 2005 من أن سياسات التعددية الثقافية 
بالدنمرك كانت تمهد الطريق لامجتمع مواز تمارس فيه الأقليات قيمها 
ورؤاها غير الديمقراطية التي ترجع إلى القرون الوسطى»2''. 

وفي الدنمرك» كما في غيرها من بلدان أوروباء تركز رد الفعل ضد 
التعددية الثقافية بالدرجة الأولى على السكان المسلمين بالبلاد. تأوي 
أورويا في الوقت الراهن ما بين خمسة عشر وثانية عشر مليون مسلمء 
كانوا قد بدؤوا في التوافد عليها بأعداد كبيرة كعمال مهاجرين في أوائل 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 5177 


الدين والدم 


السبعينيات. كان من الممكن في البداية تمييز هؤلاء المهاجرين وفقاً 
لأصوهم القومية إلى أتراك أو بنغاليين أو باكستانيين أو مغربيين مثلاً» 
لكنهم وأحفادهم أصبحوا الآن يصوّرون على أنهم أعضاء في فئة متجانسة 
هي المسلمين» وهي فئة يتنامى النظر إليها بخوف وارتياب وكراهية. وقد 
6 هذه المشاعر بفعل هجمات الحادي عشر من سبتمبر و«الحرب 
على الإرهاب» وسلسلة الأعمال الوحشية التي تورطت فيها جماعات 
وأفراد مسلمون متطرفون» من تفجيرات مدريد ولندن إلى قتل ثيو فان 
غوخ”" في هولندا. واجتمعت المخاوف الأمنية المتولّدة عن حالة الطوارئ 
الإرهابية المتواصلة مع «حروب الثقافة»» التي ميزت الأعوام الأخيرة» 
مثل الغضب من الرسوم الدنمركية» حتى أصبح الوجود الإسلامي في 
أوروبا يقدم دائم) كتهديد مشترك, ليس للثقافات القومية كل على حدة 
فحسبء وإنما لمستقبل الحضارة الأوروبية ذاتها أيضاً. 

تحوي سرديات التهديد من هذا النوع طيفاً واسعاً من القناعات 
الإيديولوجية» وفي بعض الأحيان مواقف متناقضة, نجد فيها مدافعين 
ليبراليين عن حرية التعبير الثقاني يطالبون بمنع غطاء الرأس الإسلامي؛ 
وعلانيين وملحدين يدعون إلى (إعادة تمسيح) 20 نمه )ع1 
أوروباء وكاثوليكاً يقدمون أنفسهم كمدافعين عن التنوير» وفاشيين 
سابقين يدافعون عن جوهر أوروبا «اليهودي-المسيحي». لكن تشترك 
كل هذه المنظورات المختلفة في رؤية ممائلة للإسلام تعتبره النقيض 
البربري للحداثة» المصمم على فرض نفسه على العالم أجمع عبر التسلل 
(1) ثيو فان غوخ ماع00 208 1560 (23 يوليو 1957 إلى 2 نوفمبر 2004) مخرج ومنتج سينمائي 


وكاتب صحفي ومؤلف وممثل هولندي» أنتج مع الكاتبة الصومالية الأصل أيان حرصي علي 
فيلماً بعنوان «الخنضو ع» 08زوونمرطنا5 انتقدا فيه معاملة المرأة في الإسلام» وأثار الفيلم جدلاً 


بين المسلمين» وقتل بسببه في الثاني من نوفمبر 2004 على يد الهولندي مغربي الأصل محمد 
بويري [المترجم]. 


5238 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


خائمة.. نحذير من قلب التاريخ 

الثقافي الخفي أو العنف الصريح. وبهذا الإجماع المعادي للإسلامء يبدأ 
القرن الحادي والعشرين أحيانا في التلبس بروح القرن السادس عشر. 
ولا شك في أن مسافراً من زمن القرن السادس عشر الإسباني عبر 
أوروبا الحالية سيربكه تصوير مسلمي أوروبا كتهديد جماعي للعلانية 
والتسامح الأوروبيين» ناهيك عن الإشارات المتكررة إلى نور أوروبا 
«اليهودية-المسيحية». لكنه سيشعر بألفة يقينا حين يسمع الخطاب 
الحدلي للبابا بنيديكت السادس عشر في سبتمبر 2006» الذي اقتبس فيه 
ملاحظة الإمبراطور المسيحي البيزنطي بالقرن الرابع عشر مانويل الثاني 
باليولوجوس بأن محمداً -عليه السلام- لم يجلب للتاريخ «غير أشياء 
شريرة وغير إنسانية»» مثل شنه الحرب كي «ينشر دينه بحد السيف»!!!!. 

وإذا كانت بعض سرديات «التهديد الإسلامي» المعاصرة تر جع 
فيها أصداء كتب الجدل المعادية للإسلام بالقرون الوسطى في تصويرها 
للإسلام» باعتباره «دين السيف» العدوانيٍ من داخله. فإن بناء العدو 
الإسلامي المعاصر يصهر دائ| الثقافة والدين والسياسة بطرق لن يستغربها 
مطلقاً الزائر من إسبانيا الهابسبورغية. فى) كان مسؤولو القرن السادس 
عشر الإسبان ينظرون إلى المورسكيين على أنهم «أعداء محليون» تربطهم 
صلات بقراصنة شمال إفريقيا والعثمانيين» يصوّر الصحفيون و«خبراء 
الإرهاب» مسلمي أوروبا على نحو متزايد باعتبارهم «العدو الداخلي», 
الذي يرتبط بالإرهاب والأعداء خارج حدود أوروبا. وى) كان قضاة 
محكمة التفتيش ينظرون إلى الجماعات المورسكية على أنها معاقل غامضة 
للوسلام والعصيان السريين» يصوّر لنا بعض هؤلاء المعلقين قارة تتخللها 
جيوب إسلامية عدائية) أو ما أسماه بعضهم «لندنستان»”"» وهي مناطق 
11111111117 وغيرها من مدن أوروبا إلى حالة شبيهة.مدن 

باكستان وغيرها من دول جنوب ووسط آسيا [المترجم]. 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 539 


الدين والدم 

محرمة تقع كلياً خارج رقابة الدولة وسيطرتهاء يكون منظر اللحية فيها أو 
قميص الشلوار”" أو النقاب دليلاً على التنافر الثقافي أو رفض الاندماج. 

وكما كانت ا حال في القرن السادس عشرء يميل تصوير مسلمي أوروبا 
أنهم «جماعات مشتبه فيهاه إلى تفسير الاختلاف الثقافي والديني» سواء 
الحقيقى أو المتخيل فحسبء على أنه تعبير عن تحد مقصود للأغلبية. 
راضم الوجه النسائى القظل عوضيوعاً ددا 1ذا الاناف حت وآذة 
كانت المعاني المرتبطة به قد تغيرت. ففي حين كان رجال الدين الإسبان 
يربطون الملحفة بالشهوانية النسائية» ويرونها تبديداً للأخلاق والفضيلة 
الكاثوليكية» أصبح الحجاب الإسلامي يفسر في الأعوام الأخيرة على أنه 
#بديد للعلمانية الأوروبية ورمز لاضطهاد النساء أو حتى كتهديد إرهابي» 
على نحو ما وصف مجلس الوزراء ا هولندي البرقع في نوفمبر 2006 في أثناء 
مناقشات أنتجت قراراً بمنعه في الأماكن العامة في أنحاء هو لندا كافة. 

وهولندا ليست البلد الأوروبي الوحيد الذي استن تشريعاً يحظر 
البرقع والنقاب والحجاب. وسواء قدمت قوانين منع الحجاب على أنها 
دفاع عن حق المرأة في المساواة ا فإنها تشترك جميعاً 
في فهم الإسلام على أنه ثقافة بدائية أو دين يجيز تشويه الأعضاء التناسلية 
ورجم المثليين واضطهاد النساءء ويفرض الجهاد العنيف كواجب ديني. 
وحتى الثناء على الإسلام في هذه السرديات بوصفه «دين سلام» نقياء 
يخفي تحته تعصب دفين. تحتوي كل الأديان عناصر متناقضة ضمن 
مذاهبها وتقاليدها يمكن أن تستخدم أو يساء استخدامها وفقاً للظروف 
التاريخية والثقافية المحددة» و 00 ليس استثناء لذلك. وهناك عناصر 
رجعية بين جماعات أوروبا المسلمة تشجب «انحطاط» الغرب وتتحدث 


(1) قميص الشلوار أو شلوار قميص 1270662 553136: قميص وسروال فضفاضان يشبهان 
لباه للجتسين ينتشران في جنوب ووسط اسيا الإسلاميين [المترجم]. 


5220 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


خائمة.. نحذير من قلب التاريخ 

عن إعدام المرتدين والمثليين» وتتباهى بتفوق الحضارة الإسلامية. وهناك 
أقلية صغيرة من المتطرفين نفذت أو حاولت أن تنفذ عمليات قتل 
جماعي للمدنيين الأوروبيين. لكن هذه الجماعات تشكل أقلية داخل 
الأقلية» وبخاصة حين تقارن بالإجماع العدائي الذي يبدأ بالتشكل بين 
الإعلاميين والسياسيين» و«خبراء الإرهاب». والناس العاديين الذي 
يصوّر مسلمي أوروبا أنهم أقلية خطرة ورجعية لن يتمكن أفرادها من 
التكيف مع المعايير الأوروبية. 

يتجاهل هذا العداء الاختلافات بين المسلمين المتدينين والعلانيين 
والتيارات الإسلامية المختلفة والتقاليد الثقافية المختلفة للمسلمين 
الأوروبيين» وبين مصطلحات «الأصولي» و«الإرهابي» و«الإسلامي»» 
مفضلاً الاستشهاد بأكثر الوعاظ تطرفاً ورجعية مثل أبي حمزة أو أبي 
قتادة كدليل على حالة تخلف ثقافي معممة. ومع أن هناك جماعات دينية 
أخرىء منها جماعات مسيحية» تتبنى هي الأخرى مواقف رجعية نحو 
النساء والمثليين» لكن هذه المواقف بين المسلمين تبرز وتضخم كدليل على 
تناقضهم الجماعي مع القيم المتفوقة لأوروبا العلمانية والمستنيرة والمتساعحة. 
وقد أخذت إحدى المدارس الفكرية المؤثرة المعادية للمسلمين في تصوير 
أوروبا على أنها قارة على شفى الانتحار الثقافي والتحول الوشيك إلى 
مستعمرة للإسلام تدعى أورابيا ونطهءرن5 *©. والكتاب المحافظون 
واليمينيونفي أوروبا والولايات المتحدة الذين يشتركون في هذه الأطروحة 
يدجون دائما رؤى خيالية لمستقبل مخيف. مع إشارات تاريخية إلى معركة 
بلاط الشهداء أو حصار فيينا في عام 1683 في تقديمهم لمهاجري أوروبا 





(1) شك مصطلح أورابيا وزطومن8 بالجمع بين مصطلح عممءنا8 [أوروبا] ومصطلح 4614م 
[بلاد العرب] للدلالة على تحول أوروبا إلى بلاد عرب جديدة» وإن كانوا يستخدمون المعنى 
للدلالة إلى المسلمين ككل وليس العرب تحديداً [المترج]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 541 


الدين والدم 


المسلمين باعتبارهم طليعة لغزو إسلامي جديد”". وبالنسبة إلى أصحاب 
السيناريوهات الأورابية 26128:دا8 من أمثال الكاتبة المولودة في مصر بات 
يور©» والإعلامية البريطانية المعادية للمسلمين ميلاني فيليبس”, فإن 
كل مسجد جديد وكل استثار عربي وكل منحة عربية لجامعة أوروبية 
تأكيد للمرض الروحي لأوروبا وتذللها للإسلام؛ الذي جعل مؤسسات 
القارة في حالة من «الذمية)". 

ثمة كتاب آخرون. مثل المفكر الكاثوليكي الأمريكي جورج فيغل 
اعوأء8١‏ معدمء6 والكاتب الصحفي الكندي مارك ستين «لاءغ5 11ل 
يصوّرون لنا أوروبا انتحارية وماسوشية” ابتليت بأزمة معنوية حضارية 
قاتلة. وبالنسبة إلى المؤدلج الأمريكي المعادي للإسلام دانيال بايبس 


(1) راجع حواشي سابقة للمترجم حول معركة بلاط الشهداء وحصاري فيينا [المترجم]. 

(2) بات يو رمعلا ]82 أو بنت النيل هو الاسم المستعار الذي تستخدمه الموؤرخة والكاتبة البريطانية 
جيزيل ليتمان :1)]02.آ عا0156 التي ولدت في القاهرة في عام 1933 لعائلة يهودية» وهي 
مختصة في شؤون الأقليات المسيحية واليهودية في الشرق الأوسط وتعرف ,مواقفها الانتقادية 
للؤسلام [المترجم]. 

(3) ميلاني فيلييس 5م1111 24613016 (ولدت في 4 يونيو 1951) صحفية ومؤلفة بريطانية يهودية 
بدأت على يسار الطيف السياسي وانتقلت في التسعينات نحو اليمين» من مؤيدي دولة 
إسرائيل» ومعروفة بارائها المعادية للإسلام والمهاجرين المسلمين في أوروبا [المترجم]. 

(4) الذمية ع0د0 نموم نال إشارة إلى نظام أهل الذمة في الإسلام الذي أعطى لأهل الكتاب من 
غير المسلمين الحق في الاحتكام إلى شرائعهم وممارسة عباداتهم وشعائرهم وحكم جماعاتهم 
الدينية» وعلى الرغم من أنه أرقى كثيراً ثما فعلته أوروبا بغير المسيحيين والمسيحيين المخالفين 
في المذهبء فإن الخط الفكري العام في الغرب يأخذ عليه أنه قسم المجتمع الواحد إلى ملل 
وطوائف»؛ تعيش في مجتمع واحد دون أن تمترج وتنصهرء وتُقدَّم تركيا العثمانية عادة مثالاً 
لهذه الحالة» ومع أنه انتقاد وجيه فإنه يتجاهل التعصب والإرهاب الديني الذي كان يمارس 
في أوروبا ضد المخالفين في الدين أو حتى المذهب داخل المسيحية نفسهاء ومنه ما عرضه 
هذا الكتاب من أعمال وحشية مارستها إسبانيا بحق اليهود والمسلمين والبروتستانت وغير 
الكاثوليك عموماً [المترجم]. 

(5) الماسوشية أو المازوخية 213500155 انحراف جنسي يتلذذ فيه المرء بتعذيب ينزله به رفيقه» 
وتوسعاً هو تلذذ المرء بالاضطهاد [المترجم]. 


52422 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


خائمة.. حذير من قلب التاريخ 

ومن اعنهة©» تنشأ أورابيا عن «اغتراب أوروبا عن تقاليدها اليهودية- 
المسيحية ومقاعد الكئيسة الفارغة والافتتان بالإسلام», ف حين «ييظهر 
المسلمون حماساً دينياً يتتحول إلى عقلية جهادية ونزعة سيادية على غير 
المسلمين وانتظار أن تعتنق أوروبا الإسلام»!2!!. 

مؤكد أن هؤلاء الجزعين الذين يحذرون من هذا المستقبل الأورابي 
لا يدركون التشابه بين نظرياتهم المذعورة حول السيطرة الإسلامية 
والكتيبات المعادية للسامية مثل: «بروتوكولات حكماء صهيون)". 
ولا تأتي هذه الرؤى من مؤدلجين مهمشين على أقصى اليمين السياسي» 
وإننامن كتاب مكل بابيسس وبدين وفياريس يكتيون بانتظام لي الصحب 
والمطبوعات الرئيسة. وفي حين حذر الكتاب الإسبان المعادون 
للمورسكيين في السابق من أن المورسكيين كانوا يتناسلون بسرعة أكبر من 
النصارىء لا تخلو السرديات الأورابية من نبوءات سكانية رؤيوية مماثلة» 
ستؤدي فيها معدلات الولادة الإسلامية المتصاعدة ومعدلات الخصوبة 
المتراجعة بين الأوروبيين «العلانيين» و«المسيحيين» إلى تحويل أوروبا 
إلى ما أسماه الصحفي الإيطالي الراحل أو ريانا فالامي عدالة5 دمدز,0: 
«مقاطعة إسلامية» ى) كانت إسبانيا والبرتغال في زمن الأندلسيين... 
تعب بالملالي والآئمة والمساجد والبراقع والعباءات)131]. 

على أن معظم مروجي هذه السيناريوهات المفزعة يبدون أكثر اعتدالا 
من فالامبى» الذي يذهب إلى أن المسلمين الذين "يتناسلون كثيراً» يفعلون 
ذلك كشكل من «الغزو» أو «الحرب الصليبية المضادة)!4!). لكن حتى 
الأكاديميون الوسطيون يدعمون هذه الأفكار أخياناء ومنهم مؤرخ 
(1) «بروتوكولات حكماء صهيون» مجموعة من النصوص تعرض خطة لسيطرة اليهود على 

العالم نشرت لأول مرة في الإمبراطورية الروسية في عام 1903 يقال إنها ملفقة للإساءة إلى 

اليهود, ويعتبر تصديقها من أشكال معاداة السامية [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 53 


الدين والدم 


برنستون بيرنارد لويس 1.6015 8615350» الذي قال للصحيفة الألمانية داي 
فيلت 78/616 216 في يوليو 2004 إن «أوروبا ستكون فيها أغلبيات سكانية 
إسلامية بنهاية القرن الحادي والعشرين على الأكثر»» وهو الاحتمال الذي 
توقع أن يحوّل أوروبا إلى «جزء من المغرب العربي»/5٠!.‏ وثمة معلقون 
آخرون وصفوا مستقبلاً مريعاً يبتلع فيه المسلمون أوروبا وتغرقها 
أعدادهم إلى أن يتمكنوا من فرض الشريعة على كل أوروبا. ويرجع 
بعض المعلقين ذلك التحول السكاني إلى معدلات المواليد المنخفضة بين 
السكان الأوروبيين كبار السن. في حين يزعم آخرونء ومنهم فالاسي» 
أن المسلمين الأوروبيين يزيدون أعدادهم للسيطرة على أوروباء باعتبار 
ذلك نوعا من الجهاد. وهي فكرة مجنونة كان خايمي بليدا وماركوس دي 
وادالاخارا سيشاركانه فيها بالتأكيد. 

توجد أدلة كافية لإثبات أن هذه النبوءات السكانية غير موثوقة في 
أحسن الأحوال» ومضخمة أو وهمية في أسوأها. فوفقاً لمكتب المرجع 
السكاني داهععسا8 ععمعععاء»1 مود ارامه2 المحتر م 5 أمر يكاء فإن معدلاات 
الخصوبة بين المسلمين تتراجع باستمرار» ليس فقط في أوروبا وإنما في 
شمال إفريقيا أيضاًا'". ىا فندت صحفة فاينانشيال تايمز في مقالة في 
أغسطس 2007 النبوءات الأورابية عن التراجع السكاني» وأشارت إلى 
حدوث «عودة إلى الحالة الطبيعية في الخصوبة» في شال أوروبا في الأعوام 
الأخيرة. وبالاستشهاد بأرقام من الأمم المتحدة وكتاب الحقائق العالمي 
اوكالة الاستخيارات الركرية توضح عدم وجوه ترف كن بن معدلرات 
ولادة النساء الجزائريات في فرنسا والنساء الفرنسيات» خلصت المقالة إلى 
أن «الأسلمة» ناهيك عن تطبيق الشريعة؛ ليست احتمالاً سكانياً وارداً في 
أوروبا»!”!]. 


ورغم وفرة الأدلة الإحصائية أسهل كثيراً تما كانت عليه الحال في 


5244 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


خاتمة.. نخذير من قلب التاريخ 

القرن السادس عشرء فإن التعصب وأوهام التراجع الثقافي يمكن أن 
تولّد منطقها الخاصء وتقود إلى فرضيات ومعتقدات تُقبل بلا تمقحيص» 
ويتم التصرف بناء عليها. فكما كانت الحال في القرن السادس عشرء 
تقتزضى هذه السيتاريوهات السكانية عموماً أن السلمين خريعاً جره هن 
كتلة واحدة ينقل أفرادها قيمهم الثقافية والدينية الثابتة من جيل لآخر. 
وهنا أيْضاً تجد أن هذه الفرضات لا تقتضر عل الحوامشن السياسية 
بل يشترك فيها مؤرخون محترمون من أمثال مارتن غليرت «نانة/ا 
نط1 ونيل فيرغسون دووناعمع5 8/111 اللذين يتبنيان أطروحة أورايبا 
والكابوس السكاني الذي تحمله. 

على أن عالم أورابيا الوهمي مجرد مكون واحد في مد متصاعد للعقلية 
المعادية للمسلمين في أنحاء أوروبا كافة» اتخذ أشكالا مختلفة» من التغطية 
الإعلامية السلبية دائياً وغير الأمينة تماماً للمسلمينء إلى المجيات المادية 
والحملات ضد بناء المساجد وأعمال التخريب ضد البنايات الإسلامية 
والحوادث الغريبة مثل «عرض الخنازير» في بولونيا الذي حمل فيه السكان 
المحليون رؤوس ونقانق خنازير إلى موقع مقترح لمسجد في محاولة 
ل«تدنيسه). 

لكن بوجه عام؛ يتجنب السياسيون الأوروبيون اللغة التي استخدمها 
جانكارلو جنتيلينى نهذ1ناه06© واعدعمة1) نائب رئيس بلدية تريبيزو 
66010 الذي 5 المسلمين ذات مرة بأنهم «سرطان يجب أن يستأصل 
قبل أن يبدأ في الانتشار»!ة'!. ويميل الخطاب السياسي الإنجليزي المحترم 
لأن يكون أكثر تحفظاً من حفيد وينستون تشرشلء الذي حذّر من أن 
«سيطرة» الطائفة الديوبندية" على المساجد البريطانية تخلق «عش أفاع 





() الديوبندية 26002503 حركة فكرية إحيائية في الإسلام السني الحنفي» اسمها مشتق من مدينة 
ديوبند الهندية» نشأت في الهند وباكستان وأفغانستان وبنغلاديش وامتدت إلى بريطانيا - 


11_طماع !© :1]61]أللا 1 5245 


وسطنا»!'!]. لكن كثيراً من السياسيين والمعلقين الإعلاميين الأوروبيين 
يشاركون تشرشل في الاعتقاد بأنه «على خلاف معظم فئات المهاجرين 
الأخرىء يقاوم المسلمون الاندماج» وفي الغالب الأعم يتابعون أجندات 
خاصة بهم). وفي سبتمبر 2000» دعا الكاردينال جاكومو بيفي 01200500 
8 رئيس أساقفة بولونيا إلى الحد من الهجرة الإسلامية إلى أوروباء 
متعللاً بأنه «في غالبية الحالات يأتي المسلمون هنا وهم عازمون على أن 
يظلوا غرباء عن تراثنا القائم على «الإنسانية» الفردية أو الاجتماعية في كل 
شيء أسامي وثمين»!'”1. وتُرجع في حجج بيفي أصداء الأحزاب اليمينية 
المتطرفة الأوروبية» مثل حزب فلامس بيلانغ 98 19 البلجيكي» 
الذي قال زعيمه لصحيفة نيويورك تايمز ذات مرة: «يجب أن نوقف الغزو 
الإسلامي. فأنا أعتقد أنه يستحيل دحك في بلادنا إذا كنت إسلامياً»!!2). 

كانت اتهامات ممائلة توجه لليهود في أوروبا القرن التاسع عشر 
وأوائل القرن العشرين. وتتجاهل هذه الفرضيات انبثاق التمييز والتحيز 
من داخل البلاد «المضيفة» نفسهاء وترجع عدم حدوث الاندماج إلى 
العداء أو التنافر المتبقى من جانب «الضيوف» المهاجرين المنغلقين. وردا 
على هذه اللفكلة الدركةة نحا عدد متزايد من الحكومات الأوروبية إلى 
نموذج سلطوي للاندماج. يُطلَب فيه الاندماج و«التماسك الاجتماعي»؛ 
بدلا من التفاوض عليه» ويَفرّض من خلال متطلبات صارمة للمواطنة 
واختبارات الاندماج المدني وثقافة ماكارثية" تطلب من المهاجرين 
الأوروبيين أن يثبتوا «اعتدالهم» لتبرير استمرار وجودهم. 

الأجنبية» ومن أعلامها المعاصرين الشيخ أبوالحسن الندوي [المترجم]. 
(1) نسبة إلى جوزيف مكارثي لإظطاتة 2840 طوءوو[ عضو مجلس الشيوخ الأمريكي الذي قاد 


حملة لاضطهاد الشيوعيين في النصف الأول من العقد السادس من القرن العشرين» ويستخدم 
النسب إليه للإشارة إلى اتهامات الخيانة والتخريب غير المسندة بأدلة [المترجم]. 


5246 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


كان الوجود الإسلامى مكوناً أساسياً في التشريعات الأخيرة التى 
استحدثت في عدد من البلدان الأوروبية هيدف التخلص من المهاجرين 
«غير المتوافقين». من خلال اختبارات المواطنة والاندماج التي يفترض 
أنها تقيس قدرتهم على التعاطي مع أفكار التسامح والعلانية الأوروبية. 
ففي عام 5 استحدثت وزارة الداخلية بولاية بادين فير تبيرغ معل2 8 
س7 الألمانية اختبارا مدته ساعتين يقدم بالدرجة الأولى 
للمسلمين المتقدمين للحصول على المواطنة الألمانية» يسأل فيه المتقدمون 
أسئلة على مواقفهم من المثلية الجنسية وحرية التعبير والزيجات المرتبة©. 
ولاحقاً استحدثت اختبارات ممائلة في بلدان أوروبية أخرى. ففى مارس 
6 أدخلت الحكومة الهولندية اختبارا للاندماج المدني يُعرَض فيه على 
المهاجرين الراغبين في احصول على المواطنة ال هولندية فيلم فيديو بعنوان: 
«إلى هولندا» يعرض مثليين يقبلون بعضهم على شاطئ وامرأة عارية 
الصدر تخرج من البحر. 
لايستهدف الاختبار ال هولندي المسلمين تحديداًء وإنها أقارب المهاجرين 
من البلدان غير الغربية» الراغبين في الانضمام إلى عاتلاتهم والمقيمين غير 
الهمولنديين في هولنداء لكنه استحدث بعد سنوات كان الوجود الإسلامي 
فيها يتواتر بانتظام على ألسنة سياسيين وسطيين وشعبويين يمينيين من 
أمثال بيم فورتين ره ممنط باعتباره التهديد الثقافي الأكبر للتسامح 
(1) الزيجة المرتبة أو الزواج المرتب ععةنصقمم لمعمدصة هو شكل من أشكال اختيار الزوج/ 
الزوجة ينتشر في جنوب ووسط وشرق آسيا والشرق الأوسط وإفريقياء يقرره ذوو العريس 
والعروس أو أفراد عائلاتهما الأكبر سأء حيث يقومون هم باختيار العروس أو الموافقة على 
العريس» أو عن طريق طرف ثالث» مثل الخاطبة أو المكاتب الحديثة التي تقوم بعملها أو 
قريب أو صديق أو أحد المعارف» وهو ما أصبح يطلق عليه حالياً في الإعلام العربي مصطلح 
«زواج الصالونات». على أن هذا الشكل من اختيار الزوج/الزوجة يقوم على رضا العريس 
والعروسء كل ما هنالك أن طرفاً ثالثاً يساعدهما في التعارف؛ وهو لذلك يختلف عن الزواج 
بالاإكراه 8 لم102 الذي يحدث رغم رفض أحد الطرفين أو كليهما [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 517 


الدين والدم 

الليبرالي المولندي. وقد تكشف نمط مائل في أجزاء أخرى من أوروبا. 
وفي تطور آخر يعيد أصداء إسبانيا الهابسبورغية» اكتسبت هذه الحركة 
الدمجية إلحاحاً جديداً بفعل المخاوف الأمنية» وبات أي اختلاف ثقافي 
ودينى إسلامى يخلط بسهولة بالتطرف السياسى والعنف الإرهابي. وهذه 
التصورات تقود على نحو متزايد إلى ميل إلى اعتبار الاندماج؛ بمعنى 
الامتثال الإلزامي للقيم المدركة للأغلبية» شرطأ أساسياً للأمن القومي. 

في القرن السادس عشر أيضاء كان المسؤولون الإسبان يعتبرون 
النصاتضن الأندلسة العقية لدي المورسكية دليلاً على العداء والكخيانة 
السياسية والعصيانء. وهو الاقتران الذي جعلهم دائاً مصممين على 
استئصال هذه الاختلافات بالقوة. لكن إذا كان تاريخ المورسكيين يقدم 
درساً واحداً للحاضرء فهو أن الدمج القسري ليس وسيلة فعالة لتهدئة 
المخاوف الأمنية» بل إن هذه العملية لا تيسر الاندماج. فمنذ اللحظة 
التي شرعت فيها الأغلبية الكاثوليكية ية الإسبانية في فرض ثقافتها وقيمها 
على مسلميها السابقين بالإكراه» وقعت في شرك شكوكها وتنبؤاتها غير 
الواقعية. وبدلاً من أن يشجع الإكراه الاندماج» ولد سخطا وها 
واغتراباً بين المورسكيين» عززت بدورها نظرة حكام إسبانيا إليهم على 
أنهم جماعة مشتبه فيها وخطرة. 

هل أورويا عرضة لخطر الاستسلام للعملية نفسها في تعاملها مع 
أقلياتها الإسلامية؟ أرى أننا لا يجب نبالغ في أوجه الشبه بين الحالتين. 
فلا توجد محكمة تف تفتيش لمراقبة السلوك الثقافي والديني لمسلمي أوروباء 
واختبارات الاندماج والمواطنة لد تتساوى مع الزنازين والعروض 
التكفيرية. لكن أوروبا تبتعد أكثر فأكثر عن الوصف الشهير للاندماج» 
الذي قدمه وزير الداخلية البريطاني السابق روي جينكنز كمنلمء1 10 


5248 1_طماع1© :1ع]]آئلا 1 


خاتمة. . تحذير من قلب التاريخ 

بتنوع ثقاني في جو من التسامح المتبادل»221!. وبدلاً من ذلك؛ أخذ عدد 
متزايد من البلدان الأوروبية يتبنون منطق إما/ أو. الذي فصله رئيس 
الوزراء البريطاني السابق توني بلير في عام 2006, حين أصر على أن 
التسامح «هو الذي يصنع بريطانيا»» وأن كل المواطنين عليهم أن «يمتثلوا 
له أو ألا يأتوا هنا»!22!. تميل هذه الرؤى إلى التسليم بتفوق هذه القيم 
المهيمنة» وتفترض حتى أن كل المواطنين البريطانيين يشتركون آلياً في 
الالتزام بها. وهذه التصريحات بإصرارها الشديد على الهوية المتجانسة» 
التي تنتمي إليها هذه الأغلبية المتخيلة» تطلب الامتثال ثمنا لدخول 
الإقليم القومي» وهي مطالب تتركز على جماعات دينية أو ثقافية أو عرقية 
محددة ينظر إليها على أنها غريبة وأجنبية. 

في هذه الظروفء يتحول الدفاع عن التسامح والهوية القومية بسهولة 
إلى مبرر لتعصب يرى القوامة في نفسه «وطغيان الأغلبية» الشموليء الذي 
يصم الأقليات ويصوّرها أنها غير راغبة في أن تكون متسامحة أو غير قادرة 
على ذلك. صحيح أن عدداً من الحكومات الأوروبية تجاوزت سَجن 
وإبعاد «المهاجرين الاقتصاديين» وطالبي اللجوء «الزائفين» غير المرغوب 
فيهم: لكنها تستخدم اختبارات الاندماج كتبرير لطرد المهاجرين الذين 
يفترض أنهم غير متوافقين. ففي فرنساء اقترح نيكولا ساركوزي حين 
كان وزيراً للداخلية طرد كل العائلات التي «تحتجز الزوجة رهينة 
في البيت دون أن تتعلم الفرنسية». وفي هولنداء تفرض غرامات على 
المهاجرين الذين يفشلون في اختبارات الاندماج الجديدة أو لا يُظهرون 
تقدماً ملحوظاً بعد ستة أشهر. وفي سويسراء دعا حزب الشعب إلى تغيير 
قانون العقوبات بحيث يمكن إبعاد كل الأجانب الذين يرتكبون جرائم 
بعد أن يقضوا أحكام السجن. وفي مارس 006 درس وزراء داخلية 
البلدان الستة الأكبر في الاتحاد الأوروبي اقتراحا يطالب المهاجرين بتعلم 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 549 


الدين والدم 

لغة البلاد التي استضافتهم والتكيف مع معاييرها الاجتماعية وإلا فإنهم 
يتعرضون إلى الطرد. 

وفي النرويجء اقترح حزب التقدم اليميني أن يفقد المهاجرون الذين 
لا يتعلم أطفاهم اللغة النرويجية الضمان الاجتماعي ومخصصات الطفولة» 
بغرض ضمان تمسكهم المستقبلي ب«القيم النرويجية». وفي إسبانياء أعدت 
الحكومة الإقليمية في بلنسية مشروع قانون جديدا يلزم كل المهاجرين 
بتوقيع عقد اجتاعي يتعهدون فيه «باحترام قوانين إسبانيا وبلنسية 
ومبادئهما وعاداته)». ومع أن هذه التوجهات الدمجية لا تستهدف 
المسلمين تحديداء فإنها وكذلك اهجوم على التعددية الثقافية الذي يرافقها 
دائهاء اكتسبا دفقا جديدا بفعل التهديد المدرك للهجرة الإسلامية على 
القيم «الأساسية» لأوروبا. 

ودفع بعض المعلقين بأن هذه الإجراءات قد لا تكفي لحاية تراث 
أوروبا من الحشود الإسلامية. واقترح المعلقون الليبراليون والمحافظون 
على حد سواء إيقاف الحجرة الإسلامية للحيلولة دون الأسلمة الثقافية 
لأوروبا. وهناك أيضاً من يؤكدون الحاجة إلى حلول أكثر صرامة. 
وفي ذلك كتب الناقد الأدبي الأمريكي بروس باور 8238/62 ععن8 أن 
«المسؤولين الأوروبيين أمامهم طريق واضح للخروج من هذا الكابوس. 
فهم يمتلكون جيوشاً وشرطة وسجونء وبمقدورهم إبعاد حمولات 
طائرات يومياء ويمكن أن يبدؤوا غداً في إنقاذ أوروبا»!124. 

إن باور المثلي المسبيحيء الذي يعيش في إسكندنافيا» ويكتب في صحيفة 
نيو يوركر وغيرها من المطبوعات الرائجة» هو مؤلف أحد نصوص 
أورابيا الأساسية «حين نامت أوروبا: كيف يدمر الإسلام المتطرف 
الغرب من الداخل»» الذي أثار جدلا حين رشح لجائزة الحلقة القومية 
لنقاد الكتب في عام 2007. وأخذ «الطريق الواضح» لباورء الذي كان في 


520 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


خائمة.. تحذير من قلب التاريخ 
السابق فضاء أقصى اليمين» يغلب على تيار الوسط. ففي عام 2006» قال 
الروائي مارتن أميس 5ن 112.10 لمحاور تليفزيوني: «ثمة طريق محدد 
وهو أن 'الجاعة الإسلامية يجب أن تعاني حتى ترتب بيتها'. لكن أي نوع 
من المعاناة؟ ليس الطردء بل الإبعاد إلى أسفل السلمء بتقييد حرياتهم» 
بالتفتيش الذاتي للأشخاص» الذي يبدو أنهم من الشرق الأوسط أو من 
باكستان... وغيرها من الأمور التمييزية» حتى تتأذى الجماعة كلهاء وتبدأ 
في التشدد مع أطفالها»)25[1ا. 
زعم أميس لاحقا أنه يقدم «تجربة فكرية» وليس اقتراحا عملياء لكن 
لاهو أو كثيرون من أولئك الذين اقترحوا الإبعاد في الأعوام الأخيرة 
يبدو أخهم يكترثون بالتتائج الإنسانية» ولا يبدو حتى أنهم ملمون بسابقاتها 
التاريخية”". وإذا كان حل «المشكلة الإسلامية» في إسبانيا حادثة بعيدة في 
التاريخ الأوروبي ولا يتذكرها الكثيرونء فإن الحل النازي «للمشكلة 
اليهودية» بأوروبا يقدم مثالا أحدث لما يمكن أن يقود إليه هذا التفكير. 
لكننا ننسى دائا أن النازيين نظروا إلى التهجير والإبعاد الإجباريين لليهود 
الألمان على أنه الحل. وكما أوضح الكاتب السويدي سفين ليندكيست 
(!) يشكل عدم الإلمام بالسوابق التاريخية أحد أكثر الأسباب للتخبط في صياغة السياسات على 
المستوى الدولي والوطني؛ فمع أنه «لا جديد تحت الشمس» تقريباً في أمور تنظيم المجتمع 
الدولي والوطني, إلا أن غير الملمين بالتاريخ يتبنون أفكارا ورؤى تسببت في كوارث في 
الماضيء أو على الأقل ثبت فشلها مراراً وتكرارأء ويعتبرونها حلولاً جديدة «إبداعية»» مع 
أنها حلول قديمة لمشكلات قديمة. ينطبق ذلك على دعاة تقييد الهجرة إلى الغرب والتضييق 
على المهاجرين» كما ينطبق بالقدر نفسه على المهاجرين الذين يكافحون لدخول المجتمعات 
الغربية وما أن يدخلوها حتى ينفصلوا عنها في داخلهاء وينطبق أيضاً على دعاة «الدولة 
الدينية» في دول «ثورات الربيع العربي» الذين يتخيلون أن مجتمعاتهم اليوم أبعد منها في 
الماضي عن الإسلام وأن ما"يعتبرونه تطبيق الشريعة أو أسلمة الدولة سيقدم حلاً ناجزا لكل 
مشكلات المجتمع؛ وهم غافلون عن أن أشد فترات التاريخ الإسلامي انحطاطاً هي تلك 
التي سادت فيها هذه الدعوات» إن لم تكن هذه الدعوات عينها تعبير عن التراجع ونابحة عنه 
[المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 5251 


الدين والدم 
15 نآ د50 فإن الخط الفاصل بين الطرد المادي والإبادة يمكن دائاً 
0 ل2615] 

عبورة بسهوة 0 

بعد المحرقة» نقض الغرب التمييز العنصري «العلمي» أو «البيولوجي» 
ونظريات التفوق العرقي ونبذها كلا في عملية عجلت بها أيضاً تصفية 
والكراهية يمكن أن يجدا دائياً قنوات جديدة للتعبير وطرقاً حديثة لاكتساء 
الشرعية. من ذلك أننا اليوم نجد كلاً من السياسيين اليمينيين المتطرفين 
والمدافعين الليبراليين عن التسامح الذين يحذّرون من التهديد الإسلامي 
لأوروبا يتحدثون غالبا عن الثقافات والأديان المتنافرة والصدامات 
الحضارية وليس عن العرق أو البيولوجياء لكن هذه السرديات تشترك 
دائاً في الوظيفة عينهاء فضلاً عن أنها يمكن أن تؤدي إلى نتائج لا تقل 
ترويعا. 

حدر عالم الاقتصاد الفائز بجائزة نوبل أمورتو شين 568 :ةدم 
من الميل الخطر لبناء «هويات جهادية» تأسيساً على حضارات يفترض 
أنها متناقضة ومن إمكانية العنف والدي|غوغية اللذين تحويههما هذه 
المقولات!27. ويرفض شين فكرة الانقسامات الواضحة بين الثقافات 
والحضارات». ويدفع بأن البشر هم حاصل جمع هوياتهم وانتماءاتهم 
«الجمعية» أو «المتنوعة» التى تنتشر عبر الحضارات. وما أحوجنا في 
هذه الأوقات الخطرة والمضطربة» لأن نتمسك ببذه الفكرة وأن نجد 
طرقا لتطبيقها على أرض الواقع في أوروبا وخارجها. فبذور الكراهية 
والتعصب تكمن في كل المجتمعات» والبشرية يمكن أن تعود إلى الوراء 
ك| يمكن أن تتقدم إلى الأمام. وبعد أربعمائة عام من تدمير المورسكيين» 
يقدم هذا الحدث مثالا لما يمكن أن يحدث حين يستسلم المجتمع لأسوأ 


غرائزه ومخاوفه في محاولة من جانبه لطرد شياطينه المتخيلين. 


552 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


هوامش الفصول 


مقدمة 


0 .م ,162وأنامناء 2[ ,0011200 ل 3[الاموط . 


1 .م ,1[واء50 م6نء1ل2م0) ,ععمول 


.340 .م ,5ة27501م5ع 2000705ع1ع5 105 ع0 212مأسلط ,منزماءعط جعللمقدةء1ة . 
.545 .م ,1 .701 ,8315 ع لازواعع2] ,تعلادظ . 
.2 ,لم5 01 /15)02!] رعلعاءط لمة لمقمامع8 . 


عل داأذالاع؟1 «رصم 1513 اء 'زا 9قهوم85» ,2ممممطلخة-جعطعمدذ مللننهات 
بتصقا؟] أعل كه1ااعنط] ,الدمد8-ج2عم6آ مز لعاكء ,27 .م,(1929) 7 عتمعلاعع0 
8.04 


7نااعع1[) «لاكترمسع1' 5* /إدل10” ره 5عوعط1' معلاء5» ,تقدعة مكة]8 1056 . 


.(2004 ,21 ععطموعامء5 ,)10 ,م«ماأعمتطعهة/78/ ,لإأزومعء اتملآ ولاماعورمء0 
.67-87 .مم «ركنا1ة لتك -[ة 01 ععمعتع لع )م1» ,تلنة مزلعاك 


تمهيد: «نهاية ماسي إسبانيا» 


5 .م ,53436675 ,10138 هل لعأك ,754 01 عاعتصوصصعطن) . 
1.م,11122308لن) ممتأامقطن)-20 1513 :10 عههن) ,أعتلادظ . 


وكما يلاحظ بوليت أيضاًء فإن هذا الإسهام كثيراً ما تم تجاهله أو غض 
الطرف عنه في أوروباء لكنه مع ذلك يظل مصدر فخر لكثير من المسلمين. 


10ماع]عع ؟ نا5 01م 02)611605) دعلزع 1 105 عل وعأوةن) ,مدع لد عل ملمقورع؟ . 


270-71 .مم ,للقم5 عنصذ!؟] ,لإعتضقط ما لعاك ,توعلناظ عل ملمقمعءطآ 


لاما عتطوعة درم .كمقنا «رمة تاذ مهدره06 عط ما لهعممة4 معكلرهل8" . 


.م رقتء16 ادلاعللع11 رعأطهاكم0ن) صز رعممم810 .1 وعدرول 


.232 .م ,0ل ساع ]1 أعل 1135مممع]8 ,2ءع10قصسعء8 .5 


.3 .م ,2 .701 كملع متكا اكتمهم5 بطامقع !لالط م1 لع1لن) ‏ . 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 


52535 


الدين والدم 


1- الاستشاء الأييري 
.م ,لم5 ط810015 ,وعطعاعا متلع0 .1 
. كان سيروت 0406 يشير بالدرجة الأولى إلى الأبطال المسلمين الذين 
يكتسون مسحة رومانسية في الأدب «الأندلسي» الإسباني في أواخر القرن 
السادس عشر؛ لكن هذه المسحة الرومانسية تكشفت قبل وقت طويل من 
هذه الفترة» وحافظت على بقائهاء ولم تنحصر في إسبانيا فقط. من أجل 
مناقشات الولع الأندلسي وأفكار سيروت, انظر: هذ 5دتاذنا/1 ,برعبصة1] 
1ط 2هناوعة11 . 198-201 .مم ,وندم5 وانظر أيضاً: أعمال سيروت 
حول المشكلة المورسكية. 
لاترال عذه المهرجحانات تشكل نحرءاً متظماً عن المهريحانات الضيفية 
للأحياء في كثير من القرى الإسبانية» مع أن محتواها قف كثيراً في السنوات 
الأخيرة فأصبحت دمى النبي محمد لا تحرق عموماً ولا تُغْرَق في الآبار. 
:15لا 0طاع اع[ ع1طأوانامآ ,دعتمسعصظ [ها810» ,طعمعك-اله داحذ ما لعاز0 .4 
لكت 320 أكنالا/137 152012 مذ «روعلا 51لا[هلمة مذ ذرعممعطاءهل<! 
.2.2 ,2لهم5 ممتآكنا81 01 لإعوعع.1 
0م ,18قم5 رهةن) مز «روععخ 111001 لإأمدظ عط1» رععطعئععءاط لمقطعن] ععذ .د 
.63-90 
لدل21 جع620مع381 دمفقصة؟] .له ,متدمكظ عل ادرعمع0 معتمةق 0 ومعسمط .6 
8 .م ,535326625 ,10132 هآ لمعك ,313 .م ,(1955 ,0210ة31) 
رع[طهاكهممن) لإط عتطوعرذ 00 .كصقنا ,(713) كتدملنا1 01 بزندعء1 عط1 .7 
7 .م ,هع16 1[وناء1ل»1/1 
31 5ام001) ,111151112051005 5لاللاء1201 ,كلاكة[4 5نالأنا23 .8 
لتعاوعء/1/ ,لتعطانامذ 11350 .كمقنا ,314-15 :35 لرنموء 721521 نار 
لتمصدط :ذالا ,عع لتنطصةن) دععثة 511001 عطا ما صسداأ؟آ] 014 وبوعك/ا 
.6 .2 ,53536615 ,10180" هل لعااء ,(1962 ,رووعوط رازو المل] 
5011001111110 2010115 ,532210111111 54622011316 ,كتائع10نا8 9 
,00003 01 1131915 عط1' ,أجع0016) لمد تلظ .كمون ,397-98 :2.1.1 
عتأمطةن) :)10 ,دوماع ستطكه18) د5عع:ناه50 عط 01 56103 ىم :850-859 
.2 ,101312,53326615 هل لماك ,(1962 ,وع رعسم له تالو /المنآ 
.6 .2 ,311م5 عتدعة ]15 ,لإعلاعدط م1 لم01 .10 
.5 .م ...11.1510 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 


هوامش الفصول 


12. يبدو أنْ المسلمين والنصارى واليهود كانوا مندبجين تماماً في تيروال» وأن 
هذا التعايش ظل واضحا في القرن السادس عشر. انظر: علنآ ,ؤنة812120 
ج8111 عط م أوعطمالا. 

.45 .م ,ةأعمعلهة/ا 01 1:05 1[كد81 ,ممدمعنزء14 مز لم01 .13 

الاء[ع 2ع 85) /طنعهو2 عأطدعه-ممدم15 ,عمعم840 .1 د5عمرول سم .14 
320 .م ,(1974 رووعع قنمرم لهت أه تإاأورع املا 

عل 5عز13لا ,1قلهع2ع354 وأععدت هذ «رلةطاندسموه8 موع[ا عل عز1/12 “.15 
.298 .م ,1 .01/ ر5مرء زمهماءرء 


2- الغالبون 

,إأع1ع50 08لاناععومع2 2 01 3)100 لمعه رععه8400 .1 

لدعزعه21عم2ع6) 320 (ضزدرعلمهن) ‏ 11355» ,ععءطرعزل1 مز 0160 .2 
0 .م «روع )11د امع8/1 

3. 1 

.م ,.ل10ط1 .4 
5. توجد مراجعة لتطور فكرة نقاء الدم في العصر الاستعماري في ,562كانة1/! 
479-0 .مم «رهتوم5 ب«ع[8 4ه 81000 عاعد81». وقد وجدت عاللمة 
الأتثروبولوجيا ديان نيلسونء في غواتيمالا أواخر القرن العشرين» أن 
أحفاد المستعمرين الإسبان كانوا لايزالون يعرّفون أنفسهم بأنهم «بيض بلا 

شائبة من الدم الهندي». انظر: 

,740015 ما «, 0102670313 مز ععوعء8 1ع011016م810» رموذاء81 .81 عمدالا 
.122-46 .مم ,رع11اة[1 رعع3غ] ,مقتلمة لمة بعاعوم»1 

25 .2 ,1200151110 امتمةم 5 ,262 .6 

81-2 .مم ,51100أناوم] لاكاصدم5 ,طأهخ1 .7 

مهال لاط مهة1اتاكةن) 8010 .كهقتا ,لمعل عط 01 مهأكلناماظ 01 بعامقطن) .8 
353-54 .مم ,رقتععط1 لوناع 14603 ,عاطقاكده© مز رومعاعط 

1 ةنا عط لعكنا 230 1 .262 .م ,200 ماع11 أعل 35لممرء81 ,2ع10قمرء8 .9 
.صم رقعع1ا0) عط [عطدذ] ,دكانآ مآ 

مع ,31,1492 طعقة]1ةا ,قل صدعثم 1ه ألناهن) 10 لنقصتلعع ممما رعناع.] .10 
١‏ 2.21 ,100101511108 تاأكتمقم5 ,معسوك1 

كعم عتامطند0) عط 0غ وتاطصنن[0ن) ععطممأفعطن) هزه ععزع1 .11 
بع1طهاقه00) مز ,ومتللئط صهنل1ة17# نزط م0113 5ة0) مم8 .كصدئ ,(1493) 
.م ,3م15 1ه/اع01ع11 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 555 


الدين والدم 


3- المغلوبون 


.392 .م رقة5)1ة0لإ0آ مملعسدمسقط810 عطا 1ه تورمأؤلط ,مقن1130-ل[3 . 


2. ئيس غريباء بالنظر إلى طول المدة الزمنية وندرة البيانات السكانية المووقة 
حول عدد المهاجرين من العالم الإسلامي؛ ونسبة اعتناق الإسلام بين 
النضاري الأييرينة أن الدازسين لآ يقبلوت هذه الأحصاءات عموما, 
ومنهاء على سبيل المثال» تقدير غليك اءن01 لعدد السكان المسلمين 
الأيبيريين الأصليين بخمسة ملايين وستمائة ألف في عام 1100 في إسبانيا 
الإسلامية والمسيحية» الذي شك فيه هار في لإعنمة1] دافعاً بأنه كبير جداً 
7-9 .مم رعتهم5 عتدوة 151 . ومع ذلك يتفق المؤرخون جميعاً على الانخفاض 
المفاجئ في عدد السكان المسلمين بداية من عام 1100 فصاعداً. 


.60 .م رع تناقدع؟1' [دنا0خ] ,[اء:805 10 .3 
حلة عقلاز' تعدلة طوقالتكا ,لطوتعقطدمهة21-1 20صصمطخى كقططة [اناطث درم .4 


,لإءلاقهلطآ مز عتطومث عطا مزه .كمقنا ,141 .م ,(1981 نأقطة1) لطاع نامر 
.58-59 .مم ,3108م5 عللمة151 


17 .م ,؟ع8111 عطا ما أهعط/118 ملآ ,كلة 1131397 دز لع 011 . 
.365-66 .مم ,0101ال) 002آ ,كعامة رع , 


7. من أجل وصف مثير للمواقف من الاستحمام في فرنسا أوائل العصر الحديث 
وإشارات إلى إسبانياء انظر: ووعمن[امةء01© 6ه وامععم00 ,والععقع ألا. 


.م ,للةم5 عندصة ]15 ,لإعضة1ط ما لماك ,وعلمةن) ,تقواناط . 


4- وعود مهدرة: غرناطة (1500-1492) 


.م ,13م 5 عنلصة1؟] ,لإعبصموط ملعل . 
63 .م ,مة1اعطعء: 18[ عل 11150313 ,لوزوصةن) ا [مصصعةكلا . 


157 .2 ,ة13506وع1اععع 11150113 ,223علع2 عل عل تامسدء 8 


مم5 كم ع(13ل/ا ,11021 . 
8 .م وملهم5 علق 151 ,لإع برآ . 


1 


6 .م ,[قاضع72ناء00 مؤاعءع01ء ,ر5ع35زع121010 كمآ ,0065303 0معلم] مآ . 
.8 .م ممواع1] عطا 01 نكزماذ11] أأمعوع 2‏ . 


5256 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


هوامش الفصول 
6 الورة والتصير الفسري 


.06 .م ,0أقهم25 [2ع1 ,معمكاعة81 امتطعطن5 غ56 . 
.338-39 .مم ,10هم5 عتصة1ذ5] ملاعمو ملعن . 

.164 .م ,3[208طتصظ همن_آا ,ممعتطومة 'ل عتتامدل/ا . 

.69 .م رقمء10 21/لع01لع81 رعاطهاكه20) مز «رلهعمم4 معنلره84" . 


. لايقتصر هذا الاعتقاد على المؤرخين الحديثين. ففي رأي فراي خوسيه دي 

سيغونثا؛ مؤّرخ القرن السادس عشر لأخوية إيرونيموسء أنه «لو وجد 

أساقفة أكثر ساروا على دربه؛ لما كانت هناك كل هذه الأرواح العنيدة في 

تمسكها بديانتي موسى ومحمد في إسبانياء ولا هؤلاء الزنادقة الكثيرون في 

الأمم الأخرى». 

2020) متمتصقمع1 مود عل دعل0 13 عل دمماوالط ,22 رعناوزد عل 056ل 
0 .2 ,120111511101 21511م5 ,1212062 مل لعأاك ,306 .م ,(1907 


,20.127 ملقأاضع22ناء00 مقاععع01ت ,5ع:21زع21110 05آ ,011653203 مزع30آ م[ . 


.م 


6 الدين المنتصر 


مز «رةتهقمو8 2 «مؤمممع11» 81 عمزاءظ عل 5ع[13/ا» ,عستة1[هآ عملمامة . 


.5 .م ,5مك زمقعاءء عل 5ع ز12 ,لهلمء2ع11 واععة 0 


.620 .م ,112800515 امتصدم5 ,طمدع [لت منلع 01 . 
7 .م ملاآنصسة" 20023ع11 ,جع130 . 


«.0101ا3 أعل ماعزعع5 310180 نا 58م فتاع1[» ,1/358اع0ا) مللمامك '(110 . 


5 .م ,ل3اء50 ه16ء01مه0ن) ,تعمةل مذ لماك 


.م ,1201153 0139208 ,653[أناعة 5متسة8 هآ . 


7- المعقل الأخير: أراغون (1526-1520) 


2.57 ,3182م 5 12 811511505 ,لاوط م1 2110 . 


: م تكن هذه الظواهر تقتصر على إسبانيا. فبداية من العصور الوسطى» 
كانت ثورات الفلاحين تتخذ دائماً شكلاً دينياًء وكانت هذه الهبات 
تسبقها وتصاحبها دائماً طوالع ونذر ممائلة. انظر: عط 2ه غتندصبط ,رمطامك 


111161 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 


سم يح إزيا الكل 


2537 


5258 


الدين والدم 


. توجد روايات كثيرة لهذه الأحداث في تاريخ المورسكيين» من أحد 


و أشهر ها وعموزواعءل و5وعزمرع11 ,معمدلظ- جعطعمةد دعالمعظ الذي 
يتحدى كثيرا من الفرضيات التي قدمها مورخون سابقون حول مدى 


. لا يوجد بالطبع ارتباط مباشر بين هذين «الفتحين»» لكنهما يشتركان 


في عناصر السيادة الكائوليكية فيما بعد الاسترداد. فالمستعمرون الذين 
أسقطوا الإمبراطورية الأزتكية استدعوا اسم القديس جيمس قاطع رقاب 
الأندلسيين؛ فيما أشار كورتيس إلى المعابد الأزتكية في رسائله المبكرة باسم 
الميشكيتا 1 وهي المقابل الإسباني لكلمة (مسحد). 


. كانت ثورة الأخويات واحدة من عدة حوادث في التاريخ خ اللوسباني 


الحديث المبكرء أشيع فيها أن الشخصية التوراتية ب ّ 
كان يعتقد أنها على وشك التجلي. وكانت هذه الزيارات الوشيكة م“ 


آخر للنبوءات الألفية التي سادت هذه الفترة» وهي نبوءات كانت 0 


دائماً عن تأكيد عبر الحركات الاجتماعية المتطرفة وشوردون الدولة على حد 


يوام 


. حول هذه النقاشات» انظر: .701 ,5مء215مم 5مآ ,ةلأطعوسةظ8 نز كقممره8 


131-2 .مم ,1. وبورانات الذي كان يكتب في عام 1901 أيد الطرد بشدة» 
وقد أراد بكتابيه المهمين أن ينقل أطروحته التي كانت مبررة وحتمية هاماً. 


.6 .م ,1 . 


من أجل سردية مفصلة للأحداث في بني وزيرء انظر: » ,37101620 ملجوم 
1133-4 .مم « 'رلاعا1 هناد 13 عةالوو عع5'. 


2 .م ,2122653م 1066303 ,ممقامء85 .9 


.95-6 .2م ,8112م 5 12 1125[ كنا ,لزع مقاط ع5 .10 


8- «بيت مليء بالأفاعي والعقارب» 
.162-64 .مم ,1 .701 ,12011505 5مآ يقمتطاعدسة8 نز أقممره8 مز ععناع.1 


. وكذلك تجنبوا هذا الاتصال تماماً كما تثبت تقارير الكنائس الفارغة. 
. كان فرانئيسكو دي بورجيا استثناء في عائلته ذات التاريخ الصحي المعتل» 


وقد شهد في المنام الجثة الفاسدة لزوجة شارل الإمبراطورة إيزابيلاء التي 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 


1 


2 


هوامش الفصول 
فيما بعد تقديراً لورعه وحماسه الديني. 


. يكن ذلك ناتّجاً بالضرورة عن كراهية الكاثوليكية من جانب آبائهم. فكثير 


من الصبية المورسكيين في البيازين كانوا أبناء حرفيين محليين» وكانوا يعملون 
مع آبائهم منذ سن مبكرة جدأًء ولذلك كانوا يتركون المدرسة مبكراً. ومع 
زيادة عدد السكان النصارى القدامى بغرناطة في القرن السادس عشرء 
امتلأت فضاءاتهم بنصارى قدامى كانوا حريصين على أن يتلقى أطفالهم 
تعليماً كاثوليكياً بغرض إلحاقهم بالكهانة أو أي عمل بالكنيسة. 


0001116 ,12261 10 «رومه220115 105 عل [102]6212 هع ملاع تأقطة 150لاء "1(15‏ . 


.266-68 .مم ,50181 


.53 .م ,0132808 مقتاد امطن) ع متندع , ممدمع اهن م1 00160 . 


. لم يحدث ذلك على المستوى القومي. وتوجد أدلة على مقاومة الزيجات 


المختلطة من كل من النصارى القدامى والمورسكيين في القرن السادس 
عشر. ومع ذلك كانت هذه الزيجات شائعة في بعض البلدات والجماعات 
الريفية» مثل تيروال ومناطق قشتالة التي كان المسلمون والنصارى مندبجين 
فيها لفترة أطول. 


. يوحد وصف مفصل لهذه التعقيدات في بلد الوليد» التي كانت منتشرة بلا 


هم 


شك في أماكن أخرى في 
1 82اعنام 1112 012 200 12ع025 31205ئ140 أعتنامد18 
2 ع0 15100قةتاوتقء 21 لةذوقء لثممك عل مأعرعع0 [ع0 كمع ناعء0005)» 
-1999) 16-17 5نالهلمك-[ة ومقطذ «,1/211200110 ع0 720:2 مسسقرزلة 15 ع 
.117-39 .مم ,(2002 
8 .م ,3205 اكاك لا 7140115205 رع2ة11تهلعةن) م1 لع1 1ت 
.226-34 .مم ,121051505 5مآ ,582001721 عناصة 200 متسا8 مع03116 هآ 


. حاكمت محكمة التفتيش البلنسية لوس أنخليس في عام 1544. من أجل 


مقتطفات من المحاكمة, انظر: ,70215605 5م0.آ ,08تطعهصة8 نز غ3ممره8 
4859 .مم ,1 .701 


. 443-69 .مم ,.0ز15. كانت محكمة التفتيش تعلم بنشاطات كاردونا منذ 


فترة» لكن قوة الإقطاعيين البلنسيين أخرّت محاكمته إلى عام 1570 حين 
شعرت المحكمة أنها قوية .ما يكفي لاعتقاله ومحاكمته. وبالنظر إلى ثقل 
مخالفاته, جاء حكم كاردونا مخففاً نسبياً بالغرامة والعزل» لكنه مات بعد 


الحكم مباشرة. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 


9 


10 


259 


الدين والدم 


23 .2 ,12010151102 ط15مةم5 ,لمعه »ا 10 01160 .13 


9- حياتان متوازيتان 
.60-63 .مص ,312م5 12 1235[كد/8 ,لإع مم ع5 .1 
3 .م ,48405152605 300 325 تاك مطن) معء اع 8 رذرع لطظ دز 01160 .2 
. 24 .م ,5مسمقتاكنىك نز ووءو710 ,ع1113ه0تة© مز 60©. يحوي كتاب 
كاردياك حوادث مماثلة كثيرة تعتمد بشدة على سجلات محاكمات محكمة 
.0 .م ,12001511082 بدصعع01 مز 0160 .4 
76-78 .مص ,رعأ10نال) 208آ ركعاهة062) ع5 .5 
. ترجع فكرة اعتبار المخطوطات الألخامية «إنديز أدبية» عموماً إلى الكاتب 
وجامع الكتب سيرافين إستيبان كالديرون مه,عل21© مدطنادوظ مقدرءى» 
الذي وصف هذه الكتابات بأنها «إنديز الأدب الإسباني» الذي لم يكتشف 
أو يستكشف» في كلمة في مبنى أتنيو دي مدريد 8120510 عل معمعاه في 
عام 1848. 
. لا يكفي المجال هنا لإعطاء الكتابات الألخامية حقها. من أجل تحليل 
ومناقشة مفصلين, انظر: ,لإءبصة1] لصة ,أوع78 عط لمة تمهقاذ1 ,عمنرعط 
م 8[ 5[1105نا8. 
. يوجد فحص موؤثر لأسطورة كركايونة وأهميتها في إسبانيا المورسكية في 
27-4 .مم ,صع754310 55ع01 صو , بصعط . 
.2 ,لم5 12 38/511105 ,لإعبضدآط مز 0160 .9 
2 .م,.10.15610 
.331-40 .مم «,7230023218 05آ» ,عطعق2آ و1لهطة ععذ .11 
,0132203 مقاأققغطن) ع128أدهء1) ,مهدرع 001 15 0160 .12 
. يوجد تفسير لحياة كاستليو وأفكاره من منظور القرن العشرين في ,2/618 
لإوع2ع11 ماغطع1؟1. 


0- سنوات خطرة: (1568-1556) 
ر0أكع ممعم -جعلمقميع1 عمنتاء1 مز لماك ,جعمه لم عدكة]821 0تلنمامة نن13 .1 
.140 .م ,متدم5 ,ندن) مز «رعرامصط عاطوطه0رمد] عط]1» 
3 .م ,ع53281 ع0 105 اأهاوء 5م[ ,51011 م1 لم011 .2 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 


هوامش الفصول 


2 .م ,لمعوع.آ ومقطاعة8 ,تعطوة1 مذ لعاز0. ورغم اللعنة التي أعلنتها معظم 
الحكومات الأوروبية على جيوب القرصنة بشمال إفريقيا أو رما بسبيهاء 
كانت هذه المدن تحذب دائماً المنبوذين الأوروبيين والهاريين من القانون 
أو من الأعراف المسيحية عموماً. يوجد وصف نابض بالحياة لهذا التاريخ 
المفقو د في 5ةأمماتنآ عندماط رمهذاتلالا. 


. يوجد تحليل قوي لمحنة ثيرفانتس في الجزائر وتأثيرها على أعماله في 


وقعاع لذ دأ دعألنة رع ن) ,035065 . 


582 .م مقع مدوع]تلء14 ,أعلنادرظ دز 00060 . 

.م ,0ن أكتنانه1 اكتصقم5 رمعصة ا مز لم01 , 

.225-28 .م2 ,701.1 ,2201156035 05آ قمتطعو س8 لز غهمم01ظ8 مز أرممع ]1 . 
4 .م الإوعععآ 01 5ع امهم ,تعنلدهكلة مآ . 

.9 .م ,ض12326ع1ل0ع74 , أعلل 8 10 ل 0116 , 


المسؤول المقصود هناء وهو الخريج أورتادو؛ كان يكتب من البشرات في 


صيف عام 1561» وأخبر الملك فيليب الثاني أيضاً بأن المورسكيين كانوا 
يعانون بلا شكوى لأكثر من عشرين عاماً من «جرائم وإساءات وسرقات لا 
تحصى» على أيدي أولئك الذين كانوا يتهمونهم بالعصيان. انظر: ,8721061 
7 .م ,لقعم 11011253 . 


م عل د6عصةرط همل جزم رعناع1 ,1512 (©[8) مزوعء 1 ,>1 8510200 , 65 . 


.9 ,29 2ع1056ه0 ,كة/(02) عل أعوضرطة0 10 


7- مرسوم غرناطة 


٠‏ لم يكن هذا التشريع جديداً على التاريخ الأوروبي» وإن كانت شدته ومداه 


غير مسبوقين في إسبانيا نفسها. ففي عام 21367 أصدر التاج الإنجليزي 
مرسوماً أصبح يعرف بقوانين كيلكيني دع لإصمع !11 00 حظر 
استخدام اللغة الغالية عزاوه© وتصفيفات الشعر والملابس السلتية أو الكلتية 
وغيرها من العادات الأهلية الأخرى في المستعمرة. وأصدر هنري الثامن 
تشريعا ممائلا حين أعلن نفسه ملكا لأيرلندا في عام 1540. انظر: وموطعة8 


5 «رومع11025 طوك[ عط 300 ععكدعم5 :قموودع.[ امتمةم5» ,كطعنظ 





مما حك ل من وا 


مم 


1 


(1) كيلكيني 'وهمع!11 مدينة أي رلندية تقع حول نهر النور 1056 .مقاطعة لينستر 5:66ماء.1 تعاقب 


عليها الغالبون» ومنهم النورمنديون والانحليز [المترجم]. 


1_طماع !© :161]أللا 1 


5261 


الدين والدم 


-43 .مم ,(2002 ععأست/الا) 1 .مم ,42 1500-1800 ,عسننورء اا طدتاعومظ مذ 
62. 

. توجد نسخ مختلفة من هذه الوثيقة المهمة. وكل الاقتباسات التي استخدمتها 
هنا مأخو ذه من غمعلزوعع2 عط 105 تملمةرمممء81 ,برع 3111 . 


72-3.مم .1010 . 


. يورد مارمول كارباخال بعض هذه الجفور في عمله المهم عل 51150518 
75-0 .مم ,3 .مهطك ,3 علمهط ,هقنتاءء: 15. ويزدري المؤرخ الغرناطي 
«الريفيين المورسكيين الجهلة»؛ الذين وضعوا ثقتهم في هذه «الأوهام»» 
ونسي على ما يبدو أن السكان النصارى كانوا لا يقلون عنهم ميلاً لهذه 
النببوءات في القرن السادس عشر. 


.م ,1م015 740515205 ,دع[ ما «ر1568 01 821120 طدومرمه84" . 


٠.‏ 47.م ,0232803 سذعة/1] ,1120023 عل 81011800. موذكد أن مندوسه م يكن 
يعرف نص كلمة الصغير بالضبط؛ لكن هذه الكلمة المتخيلة» كما هي الحال 
مع كتابات المؤرخين الكلاسيكيين الذين أحبهم مندوسة» جاءت متفقة مع 
روح إن لم يكن محتوى الأحداث التي كان يعرضها. 


2- «حرب صغيرة قذرة» 


21 قزل لعاك ,1579 ,22 1الزمث ,2عناوعة/ا مهنال 10 11 ملتلتطط عمل . 


.م ,متوم5 2ه متلتطط 


.2.69 ,203 سصقمت) مز عهة/1لآ ,023لمع81 عل ملهاسسط . 
+115[ صا «, 1571 ,18 طاعنة164 ,01322023) طآا لعغدوطعاعن) ع1 عل مأنق" . 


.245 .م ,51]102أناوس]آ اأكتموم 5ك 


5 .مرق .مفطء ,4 غ001 ,رمفناعاع: 12 عل دتمه)1115 ,لدزه ةن '8 [مصمة1ة . 
3 .م ,مدعمدعرع] للء11 ,أعلنومر8 عه5 . 
.79-80 .م ,006153) هآ ,1ط عل جعرة2 . 


710250 عغطأا صا معدره ا 01 ممتأهمكء هدم عط 01 5زولإلهمة لعلتداعل 2 :10 . 


.585-09 .مم ,مصعل1121 ود5ع01مة1] ,بحرعط عع5 ,1[مرعر 


87 .م,0006153) هآ رقاللط عل جعرة2 . 


3- الهريمة والعقاب 


401-2 .مم ,1 .701 ,11آ عمنتاعء1 عل لماكل ,0020062) عل ورععطهةن ‏ . 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 


در 


بح ما 2© لد 


هوامش الفصول 


2. تدعي أغرب الروايات وأبشعها لموت ابن أمية أنه وجد في السرير مع 
امرأتين» وأن قاتليه كانوا سكارى بالحشيش وخنقوه بحبل حريري. ويزعم 
آخرون أنه مات وهو يعلن أمنيته في أن يكون نصرانياً. لكن هذه الادعاءات 
لايمكن التثبت منهاء وإنما يجب بالنظر إليها بعين الشك. 

6 .م الإع[عع1ناا5 5م12 01 11205 لصة ع11آ ر5عء521 موعة1' هذ 01160 


.13 .م.1010 .4 


1[ متلئط5 عمنا مغ 73و[م عل 65عمةءظ ,1512 مزدوع!ا ,>آ ملهاو8 رذعم . 


9 ,18 معط لمعامء5 


ما لعككء ,1570 ,20 لإتقتصطع1 ,مطه1 أصنام0 0) ععمه02 01 امسقتلاكا . 


6 .م ,1آ1آ متلتطط ,وععليوط 


.0 .2 ,01661326311ع711 ,أعل ساترظ دز 01160 .7 


5 1 ,1570 ,14 أكناعناث ,1] متلنط2 عمتكا 0 وقاأوناك 1ه مطل مه10 . 


.م ,14021563 0130203 رقع اناعم 

مذ لعاك ,1570 ,5 تعطصاء 1107 ,جعمرة0 لإنالآ 0 13تأذناث 01 صطول دهدآ 
.م بقع مقع ألع51 ,اعلسور8 

3532-3 .00 ,01061152 3[ ,8118 عل جعرةط 

05 ع310ع31 عط 1ه خرممعء ,2157 وزميعع1 ,2[اتاقة0 عل قتقصسةت ,كم 
,لقاع 117 لماك ,1570 ,8 تعطمروععع2]آ رعاأععوطاة دا ومع نان1405 عل هدمتاه83/140 
114 .م ,رصعل8421 5وع1لمة1] 


[آ متلتطط عمكا ما ترممعء: ,2157 مزدعع1 ,صهالتاقةن) عل متقسقكت ,رذق . 


60 15 2عءطمءعع10 

01 62201/ام0ع عطا 01 أزممع: ,2157 هزدعع1 ,13للأكةن عل قتقسةن ,كلم 
13 .م مهع14210 ذوع1]2201 ,بصع مز , 1 157 ,4 لإكةنارةل ,1516103 

45 .م ,مقطاعتلع14 ,تعاأوع1لة 8 مذ لع011 

.164 .م ركأاضةنلع20202) ,متاعدل/ا 2علمقمرعء] معد 


4- الخوف الكبير 

٠‏ نفذت هذه الحملة المشؤومة بتحريض من سباستيان وبدعم من الملك فيليب 
الثاني رغم بعض التردد. لم يعثر على جثة سباستيان» وولّد اختفاوه الطائفة 
الغريبة والباقية المعروفة باسمه «السباستيانية» 5610 في البرتغال» 
التي يعتقد أتباعها أنه سيعود يوماً ما. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 


10 
11 


12 


13. 


14 
153 


5265 


5 ,2502111326 12 ,7280م 01 1102 أدأتاوس]آ 01 رممع ]1 1202 


0 


سه 


204 


.454-59 .مم ,6215012205 لا 


. لم يعن تورط العثمانيين على هذه الجبهات أنهم تجاهلوا إسبانيا كلية. فهناك 


أدلة وثائقية تكشف أن السلطان العثماني فكر في إمكانية الاستجابة لطلبات 
المساعدة من المورسكيين في أواخر القرن السادس عشرء حتى وإن لم تود 
هذه المداولات إلى نتائج عملية. انظر: «رمسسا طأكلط هقدمه08» ,ووء1] 
1-5 .مم.. 


5 ع5051 105لنااأوظ ,32[اعع1 ها امع ناعمل 120260 320 5نامملإودممث . 


2207-8 .2م ,1220115005 


7 .م رقعطمهأواعع0 ددع أمرع]1] ,معمماظ-جعطعمة5 جعألمعظ8 مالع 01 . 
.م,.010آ1 . 
.مم ,720215605 05آ ,[قضععة واعقة0) مز «قالتاكةن) 2ع 201205 سمعع 5مطل" . 


69-0. 


-/إ101» ,فوع متصمعآط اولان لم3 002152235 عللول دهمع] دع لاأكتامهاة . 


:(1540-1700) 511108انالم1 اكتصدم5 عط 01 5ع035) 0مقكنامط1: عتمم 
بلاءوعلة1 لنة معوع للممع]ط ما «رعتعدظ 1028 [دعمضم)5 1ط 2 01 5أدنإ[همم 
.100-129 .مم رعممقناط ممعله184 لإلعدط ما مهلا تكاناومآ1 


توجد روايات كاملة لاضطهاد عائلة كومبانيرو في 06 1165مهم ,61امه1/ة 
2218-2 .مم ملإوعره11. 


.روايتي لهذه الحادثة المأساوية مأخوذة أساساً من و2025 هآ بعأمعل:ه 0 


8 عل «ننادء8. يضم الجزء الأول من الكتاب إعادة بناء قصصية قوية 
لما حدثء ويضم الجزء الثاني وثائق حقيقية للقضية من سجلات محكمة 


.م «رقلة] [ناكنالر وتلتدء أعل مةاعه2لمعاعدعة)» ,دجلومظ من لع 0 . 


5- «أراذل الناس» 


بر 


لاعغ1 آء لقنك اع مع معملن /ز وأمعطء0 مكلخ اعل دع اهمظى» ر,عاءعه0ن) عناوممظط . 


,210 ناث رعملاء1 م20[ عمإعمصط اع مم ,عمزتاع8 دنآ هتدمو عل مع1اماةت 
2 11 «رضمعةعك أع0 مماعكا أعل د5ع26من) 5دآ أعمع] 2 200م810 2 عنا1 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 


1 


5 


حم 


هوامش الفصول 


.م ,32[6505كاءاء عل 11365 ,لقلدء2ء51 

«, تع 1طهع2 71401150 عط مدق عاعمل1اخ عل ملتدحد 1» ,لع12[موآ مز ل 011 .2 
.44678 .مم 

01 مز «,1584 عزداا عل مناعداء]1 12[ عل مكنقالط» رعوعطعوظ8 مانصة0) .3 
7 .م ,326505 ماءاء عل 171365 ,316262021 


. توجد دراسة ممتازة «للكتابات التركية» وتطور اتحاهات آل هابسبورغ 


النمساويين إزاء العدو العثماني في هه همع 01 مه رمسع] ,رع صغطء 11 زع ناك . 

222 126 :841511105 عغطا 220 عم20ناط» ,علدما5ة54 32جده1 ع56 .5 
217 .مم ,روع520نلت) 71 ر5و1اع5 له لطوع نان مز «7ع530 نت 

5 .م ,112162 قمر زوز لاء,8 ,03585 135 .6 

.م ,لةأة[نامكاء ]5[ ,3ع10256 .7 

10 غ20ماءاء ,(32-3618 101105) 2032ع5اكناز مةأوانامر8 ,2م0300 تقمجعم .8 
2227-5 .2م ,7120115605 5مآ ,لقمعرة وأعتة 0 

95-6 .م ,205قلأكلك /ز 11011505 ,ع13انهلكة0) صز 0160 .9 

.58 10110 رمةأوانابيتء ع1طهمممعء14 ,يعاحدة لز وعة 0032012 .10 

7 .م ,3 ع001ط ,ؤ5ه0ئقعمع065 لا 8283505 ,تلمء/١‏ .11 

0 .م ,هقة51[تام<ء ها5نال ,1005668 .12 

بلهمععث وأعقة©) صآ ,1607 ,13 ععطتمعامعة5 ,علتاكة0) آه و5ع.من) أه رممع 18 .13 
0 .ص ,2120115605 105 

4 .م ,720115605 5مآ ,3ز0عة8 0عهةن) مز لعن .14 


. انظر» على سبيل المثال» دراسات إشبيلية المورسكية في 5ا2ت10كتة ,عاط 


1941 .مم «,5م11056» ,لاء035) 3150 عء5 .154-70 .مم ,5ئع1520 300. 
.6 .م ,060123 ,21403 .16 

62 ماعهع5 'ز موروعاث أعل 0ن1ع1013م0) ,مؤعوء:ط0 ع0 عمم17.1 

6 .م ,10105101151365 105 06 15028611 رآ ,163252 5عمنا8 1زز لع]نكء ,(1555) 


. نقلاً عن 1 .م ,135م1710 6غةرزط ,هو1815. يلاحظ ويلسون أن الخصائص 


نفسها التي بغضها بعض الرحالة والأسرى الأوروبيون كانت جذابة جداً 
كذلك لغيرهم من الأوروبيين» لدرجة أن بعضهم فضل أحياناً البقاء في 
شمال إفريقيا و«التحول إلى أتراك» على العودة إلى أوروبا. 


. نقلا عن 239 .م ,28035اناقناطة 105 عل مععقهذ 2آ ,2ئتة10 كعطناظ. أر اد 


أيدو ببحثه أن يبرز محنة الأسرى النصارى في مدينة الجزائر» التي لم يزرها 
بنفسه مطلقاً. وثمة شكوك أيضاً فيه أنه هو الذي كتب الكتاب بنفسه. 


11_طماع !© :161 ]أللا 1 565 


.21 


28 


32 


5266 


الدين والدم 


انظر: 33-34 .مم ,كرعنع الى مذ وعأصهبمع0 , و0326 . 
,1953 وز[2عع1 ,100111512168 ,3812050 ,لقدماعة]8 معرماوتك والطععة .20 
.43 .م ,1108563 001311203 ,53 [أناعذ 5متصقظ8ظ دآ لعاكء 
كشف النقاب عن كتابات «المنفى التونسي» لأول مرة في الأرشيفات 
الوسبانية على يد دارس الأدب لوبيث بارالت 6ل8م2-82ءم1.6 الذي نشر 
مقتطفات منها نحت عنوان: [50دم5ع 3نأنا5 08هةع1 هلا 
ا لعأك ,5ة131ع2عع 5ع1اء2326ة عل مدع لاممرعءء ,ملع ع0 عل معواعمة22.1 
.19 .م ,1201515605 05آ ,152:23 265نا8 
5 «11023560» 2165[كمقتا ترعملخ .107 .م ,قعللمساجاد عط1 ,0ل0ء 23.007 
«.1]002- )لقط» 
.295-96 .مم ,5102125 لإكة 1م تع ,دعاة ارع0) .24 
,510111 ظز ,135112 2052صضع1] 12 نز ء[2معء07عطم أعل 25.1115013 
.129 .م ,2 .1آهمئلا رمتقمك مز 34005 لمه 
8 .م ملقاع50 د16 00001) عمد[ .26 
,25 .مقطء ,3 عله60 ,وأعمعدجاط عل لماكل ,دعلسمقصعط مكدملى (هط. 27 
.68 .م ,210515605 05آ ,لقمعقة واعتة0 هل لعأ 
توجد رواية أكثر اكتمالاً لهذه الحادئة والسياسات المحلية المعقدة التي 
شكلت نتيجتها في 1359 .مم «رقعط)0 عط عصتلدء 41829 ,معرعظ. 
.5 .م ,5]18205كء لا 140115605 ,03031113 1 01660 . 29 
12020 6) 22026ه2ع53 أعل 5معطصضمتاام 1105[ وما ,لالأرعع د 1056 أعدع 3/41 .30 
«,عاع101[خ عل 0لن2طوع8» ,لعد 001لا دز لمعك ,(1980 ,[همم1عد1ظ! 2ئم لل 
05 
.1م125 105[[كن 84 ,لاع مقط مز لم01 . 31 


توجد رواية تدم عن بحث متروٌ لحياة ألونسو ديل كاستيو المتقلبة والملغزة» 
تقدم أيضا بعض التفاصيل حول ميغيل دي لونا في ,عدو عله مداعمةطهت) 
0متلة ضوع 22021520 اظا. 


6- في الطريق إلى الطرد 


. 


. نقلا عن ,72202156005 105 عل 11150513آ ,أمععمل! 0مة 0112 جعناعستم1201 


3 .م. وفقاً لكل الروايات» كانت هورناتشوس مثالاً استثنائياً للعصيان 
والتمرد المورسكيين» حيث كان سكانها يمارسون الإسلام علناً وبتحد. وم 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 


4 


عسو 


هوامش الفصول 


يكونوا يأبهون بسلطة الدولة. وتنضح روحها الجماعية في وصف ذكره 

أحد أبنائها لكاهن محلي قال فيه: «أبوناء ابق في ديرك ولا تخرج للوعظ 

لأننا سئمنا منه تماماً. فنحن لسنا بحاجة إلى كهنة أو مشاف أو علاجات». 

3 .م ,.010]. 

71 162016 18202302 01 م8150 ,2196 2(0ع16 ,250113 ع0 12قسة0 , 5نم 
.9 ,285 7عطمغ001 ,1210115605 


,6 ؟عطمعامء5 ,لمتأوعنان 11013520 عط نه أتممع؟ ,2عم6نان0 وكمملك . 


634-38 .مم ,1 .01 ,72011505 05آ ,لطع سفظ '[ 8010224 مز ,1588 


, 38/011505 عط 01 موزؤوقع امك عط 101 01022016210201005ع16 13ضنال موطولآ ‏ . 


1 .701 ,22011505 05آ ,للتطعدسضة8 '[( 8020234 مز , 1581 ,4 بعطترععع2آ1 
.291-94 .مم 

,595-692 .مم ,.10ط1 ,120111610260025م0عع1 5 1127050 01 أنزع] [أنط 

.100 .م ,210115605 320 كمةلأمعطن) وعم لتاع8 رورع لاط مز لعا 

.5 .م ,.010آ 

.0 .م ,نط1 

115 .م.1010 . 

.م ,وعنمةن ,هلع81 

0004 ,ماعنا ما لعأكء ,5131 01 لممدع] ع1 ,مجعا80 لتممة0107) لممعرط 
103 .م مكمهقتأكقطن) انططائه1 200 

/ا 8010234 ما ,1آ منلئطط عمتكا م داعسطك0 02 ممطكلظ ,مدلاعاو8 :ماع120 
.638-56 .مم ,1 .701 ,22021505 5م] يممتطعدسد8 


1 ع1 0غ 1111013220102 ,200عنان0) معم مره 11عن) عل 002316) لكاكة 8/1 . 


ن) عط أومتدع ل 5ععمعجء ©1252 3210 0112255 ,0105 لم0 عطا مه 
2 ,220515605 05آ ,723/25 12 «ر3/10115605 عط لاط لعغ)) 1 لصمدمم0) رممائوتاكء ]1 
3877 


٠‏ لاتقنقطع ,1آ متلتنطط متكا ما عاعائ ع ودعناوموع عل معلءط دجزمرا مااع[ 


353-0 .م2 ,220515605 05.آ ,223[/35 عل هذ ,1598 ,7. يتألف كتاب دي 
ساياس 22945 في معظمه من سلسلة مهمة من الوثائق تتعلق بال مورسكيين 
كانت من المقتنيات الخاصة للمؤلف» وهي جزء من مجموعة من المخطوطات 
أحضرها أرستقراطي بريطاني من إسبانيا في أثناء حرب شبه الجزيرة وتعرف 
باسم يجموعة هولندا ومناءء1[مء 00ة11ه11. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 


م اج م هو ص 


10 


11 


12. 


13 


267 


الدين والدم 


05 ركةلا22 ع0 م1 ,1599 ,2 امقتططعء1 ,انال ةلطعم عنهاد 1ه اأعصنام . 


.369-70 .مص ,120215605 


بققتطعمسقظ 'ل غهممئه80 ها جعم2م 521921622 ع0 مقامد81 1ه )زعا انظ . 


.612-34 .مم ,1 .701 ,120115605 05آ 


1 .م «,20ة151 01 لإعدوعط» ,الدعة 8 -جعم6]آ مذ لع011 . 
12211377 ,11] متاتطظ عمتكا 0غ أء٠طممعء5‏ 01 «ممطواظ ,جعءة 82015198 لقنال . 


.3264 .م ,1 .701 ,72011505 05.آ ,73لطع8353 /( 8020224 مز ,1597 ,10 


7 .م ,مهعم هطع ئلع186 ,أعلنهرظ . 
)20 


وأععة) مز «,1595 ع(12/ا عل ممزإعداع1» ,ممتصسدعلمعءلا معواعممظآ 
.1489 .م ,5م2ع زصهماءاء عل 11265 ,351222021 


امقطاند؟ كمه 0000 رع ا أعنال عه ردءامصصةئء عة[تمرأة رعطنه لصه عوعط ,ه10 . 


01151305 


7 «خطر وشيك»: (1609-1598) 


,220515605 105 عل 11150512 ,امععماا 200 01012 جعناعمتصه2آ متلع ات . 


161 


15 


لدت 


1 


5-5 
ل- 


18 


0 


1 


سر 


2 


.م ,قا معلة/ 01 مرملع متكا ,لإعودن) م1 01160 .2 


مز ,1599 ,11 أذناعناة ,111 منائط2 عمتكا ما دمدناعنان عل مقتاط ملمممعء . 


.2 ,720115005 05آ ,35 /إ2,3 


.م ,140215005 300 كمةلأمعطن) معع تتاع8 روتعلطظ منلع 1ت . 
14 .م.1510 . 
.411-55 .مم ,220255605 05آ ,722(/35 18 /700313نا5 85164035 01 ]ه11 , 


بطع قعة 8 '[ غهمه802 ما لعاكء ,1505ناكء015]آ ,0لع101' ا 0259112آ تعمرة0 . 


.64 .م ,2 .701 ,120115005 105 


91-2 .مم ,.110 ,أعهوناءتء ,212 0[ديمع1 ,00هاو8 ,رذكمة . 
.431-43 .مم ,.1010 ,2622013201012 25مجعناع 1 01 انعا [آنظ . 
01 1/1207 رطموع!1111 ما لعاككء ,عاملوعم 0ع02منا ,الع دوعن طمعدهل. 


.208 .م رللهم 5ك 


1126200 ,ق[عمع191 . 
.240 .2 ,5108 [نامناء 2[ ,0011200 '[ 112لامه»ط مز لم011 . 
6 .2 ,121أع50 168زء20201) ,ععمةل . 


.2 ,22025605 105 ع0 11150512 ,أمععما؟ 220 0112 معناع مكادده12 دز لعزن . 


1/0 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 


الى +4 مها 6ح ل- 


م606 


7 


همه 


هوامش الفصول 
3128 8010131 11 , 1608 ,30 1321353 ,5ع نا قلط 5121 01 اأعمناه0 


.457-74 .مم ,2 .7/01 ,12025605 05] 
.0 1 ,23 عط ممعامء5 ,209 851200 , 05م 


. تبادل سوبرينو رسائل مع أسقف سقوربة فليثيانو دي فيغيرواء الذي شاركه 


الرأي وذهب بعيداً حتى إلى حد القول إن «مليكنا لا يمكن أن يكون 

مرتاح الضمير بالأمر بطرد المورسكيين المعمّدين من إسبانيا»» وإنه كان 

من «أمارات الالتزام بالكائوليكية أن نحفظ الدين فيهم). 0) 1156503 

15605 05.آ ,ققلطع83153 نز غ002ئ80 صز ,1609 ,10 طععدلة ,مملعطه5 
5 .م ,2 .1آ0لا. 

.1609 ,رك اتترث ,3 [ناكدم» غغ5]3 02 اأعدناهن ,218 مزدعع1 ,85200 ,05م 

60 101600 عل مقلع 1200[ 5020 ععناع1 ,218 وزدعع1 ,ملماوظ ,كمم 

.609 ,7 026ل بولوعط 165لمم 

,28 أذناعناتث «,113(65]20 ناك 2 ونعنآ عل ععدم2 أعنامة]38 .(1آ عل مامد“ 

.237-46 .22 ,220115005 05نآ ,[قلاععث 031213 رز ,1609 

لا 8010284 هز ,1609 ,23 أؤناعسث ,2203 عل ك5كنتكلمث مغ درعطنئر 

17 .2,2 .701 ,12025605 5منآ ,للتطعوضة8 

.169-70 .مم ..10ط1 ,1609 ,30 أكناعناك قرع[ 0غ درعط 1 8] 


8- «المحرقة المستساغة» 


. يوجد نص كامل لمرسوم الطرد في .مم ,5م085 5مآ ,1قمععة هاعمو 


5دذ249-5. 


. فكر الملك ووزراؤه أيضاً في طرد المورسكيات المتزوجات من نصارى 


قدامى» لكنهم رفضوا هذا الخيار في آخر اجتماع لمجلس الدولة قبل 
الطرد مُق في الخامس عشر من سبتمبر بحضور الملك فيليب الثالث. أبدى 
الوزراء في هذا الاجتماع مخاوف من أن الزوجات المورسكيات قد ينحرفن 
إلى الزنا في شمال إفريقياء ويلدن «أطفال زنا وأندلسيين». انظر: 1هداه© 
,2 .01/ ,220115005 05آ ,73 [طأعوضة8 /ز 8010034 12 0165 تام 5316 01 
8له544. 


11_طماع !© :161 ]ألا 1 


15 


16 


15 
19 


20 


21 


22 


2069 


.16 


200 


الدين والدم 


. انظر: (غ162 وععتنامودء7 عط 0هة موأ ولايد عطا ده مسلمدءممعق3 


«, 11280012 عط 01 مانا عط عأدءه اعمط ما عءتاعدوعظ مادأ غناط ع8 ل1لامطاك 
248-50 .مم ,220215005 105 ,[ممععة 12ع025) مز ,1609 عع طممعامعه5. 
ومع أن سوبرينو وصف قرار الملك بأنه نتاج «حتمي للمصلحة الوطنية» 
ورحب بالابعاد الذي تلاه «لهذا الشيء القييح غير المحتمل»» فإنه ظل 
واعياً بألم «بالخراب والدمار»» اللذين كانا يحتمل أن يحلا ببلنسية. 
2202150 23رع1ط10م 81 ,2ناعنامة 111 جع ناو عة81 عع5 رلمممعء: 5 3رعط1] .ه10 . 
8--72.295 


. قعدملعولاع28 مز ,1609 ,20 ععطصعءء2 ,وطمل:06© عل وععتطة©. كتب 


الجندي المخضرم وفرد الحاشية والمؤلف كابريرا القرطبي تاريخ عهد فيليب 
الثاني» ويمتلئ تأريخه المهم لبلاط فيليب الثالث بلمحات كاشفة عن الطرد 


من منظور الحكومة في مدريد. 


00201167 ,تعصول مز ,1609 ,7 عتعطماء0 ,تصمدعط ما وورعط ]1 ممما ععاع]آ 


304-5 .مم ,506181. ريما لم يكن اهتمام ريبيرا بالنصارى الفقراء في بلنسية 

تحركه فقط الشفقة أو الاستياء من المورسكيين» وإنما الشعور بالذنب أيضاًء 
لأنه كان واعياً بلا شك بأنه كان مسرولاً مثل الآخرين عن خسائرهم. 

مناتطط عمتكا 0غ 12لصة) 01 ععانانآ دده ععناع1 , 217 هزهعع1 ,ملمائط رذع . 

.609 ,1 ععطمغا00 ,111 

.199-00 .مم ,2 .7/01 ,22051505 5منآ بفمتطعهمةة8 إز أقممعهظ8 وآ . 

95 ,نقع.آ 12 «رهاعمعله1 صرم مماوانصيدط عطا آه ممتنماع] أعم8" . 

43944 .مم ,متهم5 01 


220 .م «ر هق [تاكنادم وللتناء أعل مقاعهجمعاعوعة)» ,28لقمط متلعاكت ‏ .109 
.صم ,220515005 105 ,8320[9 0عقةن) مل لم016 .11 
,3 ءع0005 ,111 متلتطط عملا م ومععومهن) ,217 ه[دع»12 ,85200 ,ذثل .12 


1609. 


5 .2 ,15613010165 12 ,1609 ,24 ععطم0]هع0 ,020062 عل جرع 1ط3) .13 
«,12أعدع21/ا 01 :همرت عط لمم لعامدطدرظ ومعواءهل8ا 01 دعنأوناماك" .14 


.0 ,116م060812) ,ع الاعم2آ 13 ,1609 ,23 ععامغء0) 


,9 5ع205عع106 ,111 متلتطط عستكا ما 2مععهمة) ,217 ه[دعع1 ,00هاو8 رذتث .15 


1609 
وردت هذه الحادثة المفزعة في .مقط ,5 عأمصط ,102ك[ناماء ]115 رهعع025] 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 


هوامش الفصول 


3. كان فونسيكا في برشلونة حين وصل ريبيرا ببضاعته المسروقة» ووصف 

كيف اجتمعت «برشلونة كلها لترى الغنائم وتشتري منها». أعدم ريبيرا في 
الثاني عشر من ديسمبر عام 1609. 

.ص ,0(:035)165آ سقلع20202 1402 عط 01 /زره)115] ,مهو 21-112 

.144 .م ,2505م مع5ع0 نا 3505ع م8 ,لم17 

7 0ز[ديمع1 ,85300 ,كم 

.م رمقاء13ع] ,ك25ز1]0 /ز 021 

1610... 

161 

3 م 0050002) ع0 مقنال مرم] ععناع1 ,217 وزدعع1 ,851200 ,ركم 

.9 ,10 عط ررءعهع10 

2016 ,عمقل مذ ,1610 ,10 نلمقتصطعط ,111 منلتطط عمتك] ما وعرعطل] 

م.م ,1هاع50 


9- التكتم والخداع 


,13261 هل ,1609 ,17 عتعطماء0) ,111آ مناتنطط عمتكا 0 اأعصنامء ماما هلع840 . 


.م ,لهاعه50 مةاعتلمه) 
. أرسلت مناشدة المجلس البلدي إلى مجلس الدولة مع رسالة مرافقة من 
القسيس المرسي المحليء الذي ألح على أن المورسكيين في مرسية كانوا 
متورطين في اتصالات تحريضية مع القراصنة» وحذر من أن «صاحب 
الجلالة من مصلحته ألا يثق في المسؤولين وأعضاء مجلس هذه المدينة» 
(319 .م ,31ه5 و6 ه00 ,:ء130). اضطرت هذه الادعاءات المتعارضة 
الملك ووزراءه إلى إجراء تحقيقات أو اتخاذ قرارهم بتصديق أحد الطرفين» 
. يوجد نص هذا المرسوم في 4024 .مم ,ملهم5 مذ 505 8/1511 ,لزع مول[ . 


) 015 ؤوع7طعنا(آ عطا مامظ ععناء1 ,220 وزدعع1 ,0لهاك8 ردقه . 


10 ,18 3211359[ ,111 متلاط8 عمتحا م0 روع00095) 01 2دعناوعة31 


0 035:0) عل وعدا مقلع م00آ ددم ععناع1 ,220 وزدعع1 ,ملهاو8 ,ذتنه . 


110 ,24 لاكقناصةل ,111 متلتطط عمكب]1 


0 م0ئأوهن) عل وعدا وعلء2 من2آ ددم ععناع1 ,220 و[ديمع1 ,1200و كعم . 


60 ,24 لاكقنامةل ,111 متلتطط عمك]1 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 


15 
19. 
20 
21 
22 
23. 
24. 


25. 


52/1 


6 


هر 


2م52 


الدين والدم 


.م ,720215605 105 عل 115)052] بامععما/ا لة نم0 جعناعمتصدهحآ مز لعان .7 
.)159 

ع1 لع1اعمءط 111 متلتطط عمتكا نإط/الا لمه نامل م0» ,ممكدنا مكاكنوةم .8 
3 .( ,720115605 05آ ,0[3ع83 معقن) صا لعأ «,212م5 020 5مع310215 

.10 ,23511303 05 عغ1نانآ مزه رعااع1 , 2745 0[هعع1 ,851200 ,05م .9 

مالتطط عضتكا م0 2][ناكممء عغ512 01 [أعمنا0ن ,2745 0(ديمع1 ,ملهاقط ,رذتعة .10 
.60 ,4 نع طتمعامعء5 ,111 

2.6 نسم ع 2201152 0121121020 هآ ,2ع1ع2ة5 قتمة1 مز لعن 11 

7 .م ,13طتاقة7111 ع0 72021505 5مآ ,020502آ م1 لمع )نت .12 

أعمأذلل 1011052 01 84025605 02 101512102ما , 241 وزدعع1 ,85300 ,ذم 
.0 ,29 أذتاع ناث ,1011053 01 م8150 ,رعناواتصة81 متلء2 هنآ د-ها1 

!1 منتانطط عصتكا م تعناع1 0لعنهلهن ,220 وزدعع1 ,856300 ,دعقم .13 

مالآ -له علكة!! طدغن>! دده2] كممتاءعاء5>» رمدرد21-11 لسزوكة0) حاظ لقصطخ .14 
مماعنتاء ]0 +ماععم عط 6ه علمه80 عط1) ممقد عا لله مرحه0-[21 212 
015115 عغطا 01 كلصقة عطا م[ ,كه غ842 ما «ررومع/اعناءعطمنآ عطا أوملهعة 
5.14 

.54041 .مم «رتصة!15 2ه لإعدعوعط» ,الدعة2-8عم مآ مز لمان .15 


. يوجد النص الكامل لهذه الرسالة في: .م ,تطبصةالة7؟ عل 5هء15,مم 5مآ 


359 
0 .م .110 صة ,1611 ,10 #تعطصرع 810 ردرع54011 دتتائآ معء 17.12 
,3261ل 12 ,1611 ,25 لإ1نالآ ,59/ا2مآ عل ملستمقعع1 0غ 2من[آه84 1200ءمعع1ءآ .18 
350-51 .مم بلقاعه5 م6لء01م00) 
2 1211 '(1'52 150112 226120131011111 ,2754 0[دعع1 ,لهاو ,رذق .19 
.60 ,23 تعطدوعءعع10آ ,ممقاعمع01١1‏ 
60 ,29 5طتاععع20آ1 ,51316 01 اأعدنامن) ,235 0[ديىع1 ,850300 ,5ه .20 


0- النتيجة العامة؟ (1614-1611) 


٠‏ .م ,مة[طنتة![ز/ا ع0 720115605 ذ5مآ ,مو5ل02آ مز لعاكء ععناع1 5ممععوعةت 


7. مرركد أن الملك فيليب الثالث لم تَدق له هذه الإمكانية» ولم تبذل 
عاولات افيد أي من هذين التبارين. 


. امتدحت قصيلة منسية لفيسينتي بيريث دي كولا لانن عل جعرقط عنوعء171 


بعنواك: عل 1[عن7 بوسءز5 12 عل د5عل1عطع؟ 5مءع35,ممم 105 عل ممأواتام:] 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 


هوامش الفصول 
وسقاعمع ١21‏ 8غهم22 «معمزز5 عمم 65ر00 جهود ثاباتاء او كنت على تنفيذه 


لإبعاد «الخنازير الكفار الهمجيين البهيميين؛ الذين شكلوا تهديدا مولا 
وغير إنساني ووقحاً للنصارى». 
2.329 ,1م125 1105 كد84 ,نوع صوق مز لمعت 


95 ,020501آ هل لعلاء ,1612 ,9 تعطامتعامء5 ,200ع72 عنداذ 1ه اأعصنام0 . 


.3 .م ,مأطنصة ]1 عل 12011505 
. جاء سقوط كالديرون بعد القبض على رجل آخر من رجال ليرما يدعى 
بيدرو دي فرانكيسا أستيبي ]85 ع 52عناوضة11 عل ملعم في عام 1607 
بتهم اختلاس أموال الدولة. وقد نتج هذا الاعتقال جزئياً عن مكائد 
الملكة مارغريتء التي كانت مستاءة من نفوذ ليرما في البلاط» وكانت 
مهتمة بإسقاط كالديرون الذي لم يكن أقل فساداً. ا 
معروفة لدرحة أنه أشيع في البلاط أن كالديرون سمّمها. انظر: ,532062 
5 . 
: في 816-22 .0 ,]1150ل 000آ , وعامة برع . لاتعني النبرة الحنينية في تصوير 
ثيرفانتس لريكوتي أن الأول أقلع كلياً عن تحيزه المعادي للمورسكيين» 
الذي أبداه في «حوار الكلاب»). فالمدافعون عن الطرد ومنهم بليدا نفسه؛ 
كتبوا كثيراً عن تعلق المورسكيين المنفيين بإسبانياء كما لو كان ظاهرة عامة 
0 فيه إشباعا لأنفسهم الحاقدة. ويذهب ثيرفانتس أبعد من ذلك 
يجعل ريكوني يثني على حكمة الطرد (تمفردات قشتالية تماماً» وليس 
0 على أساس أنه «من غير المعقول أن تربي أفعي في صدرك» 
وتترك أعداء في بيتك. لقد كان من الحكمة أن نعاقب جميعاً بالنفي». 


5 ,واقدععهى 3:12 12 10122 مع1016 ره كأعدتااء [2ضا [1]013ك1لاوم1 . 


.271-84 .م ,120115605 


.ص ,5هللناوظ بقاوع مزلم 01 . 


. وردت هذه الحادثة في أطنصة 711 عل 0235605م: 05.آ ,220508 كمثال آخر 
لما يسميه المؤلف «التصميم الخارق» لسكان بياروبيا على البقاء في بيوتهم. 
وفي سرده لتأثير الطرد على قلعة رباح؛ يكشف دادسون أن دييغو دي سيلفا 
مندوسه 1/1620029 نز 511172 عل معع1(1؟ أي الكونت ساليناس كان معارضا 
لطرد المورسكيين من ضياعه؛ وربما كان متواطئاً وراضياً عن «لجوئهم» إلى 
قصره في مدريد. ويوكد دادسون أن ساليناس كان معارضا للطرد» وفعل ما 
بوسعه لتأخيره» وهي ظاهرة رأى أنها تكررت في أجزاء أخرى من إسبانيا. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 


5273 


52/14 


الدين والدم 


.55 .2 ,00111016 1002 ,روعامة عن .10 
7 .00 ,ع1 !مقع 060 ,ع الإعمقآ م1 أعدكاءاء ,252 مزدعع1 ,85200 ردنمش .11 
05 79قأع5ع56 ,11620023 عل 11011200 مقن[ ,252 مزدعع1 ,85300 ,05 .12 


2 2ع5مغه0 ,111 متانط عمتكا 6 عدجهل52 01 أمنامت علطا 


.147-48 .مم ,ومع810215 300 5ق ااععطن) ممع تتاء8 رومع[ طظ 10 0160 .13 
01 74025605 08 11مجمع1 دلع2ء2 ع0 مقرل ,254 0[دع»14 ,ملماوظ ,كتن .14 


لمث ,دأع ناا 


8 10 226120130101173 5136 02 اأعصناه0) ,2644 وزدعع1 ,85200 ,65 .15 


4 ,20 لتقنتتاع1 ,111 متاتطط 


.له , 2644 0زديمع1 ,85300 ,كن .16 


1 الحساب 


آء ,1آ عمتاتط .نآ نإعع رمتاعد اعل 5مطععط 'ز ومطء01آ ,مقعصه2 نو5هاله8 . 


,120135 185 لا 8585م5ع 135 ع0 71023522 101210105ع لا ,21551100ع]0ج ,ملعتا 

.5 2262 12 ,2130210 
كتب بالتاسار هذا الكتاب في عام 1639 للثناء على الملك فيليب الثالث 
في زمن فيليب الرابع» ويقدم لمحات ساحرة حول البلاط الهابسبورغي 
الإسباني. ويبالغ بالتاسار في الاطراء على الطرد الذي يعتبره «أعظم شيء 
عرفه التاريخ على الإاطلاق»؛ وهي الادعاءات التي كان خواوها قد بدأ 
يتكشف في وقت اعتلاء فيليب الرابع للعرش. 


. تود دراسة لهذه النبوءات الدينية وطريقة نسجها في أساطير الطرد في: 


((لإععطمه؟ ممتمهمة111]/ا» ,معتمعة11. 


.ص متهم 5 01 "ممستلا ,تمدع 111ل مالعا . 

.م..ل01] . 

.م ,701.2 ,220115605 5مآ ,8لل اعد سضد8 [غجممعه8 مز 0160 . 

,16 ععطلعامء5 ,مغأوهن) عل معوإعمصوء 0 111 متلتطط عمتكءا صزمءا ععناعا . 


399-400 .مم ,11 .701 ,22011505 05آ ,ةللطعه مم8 'ز 80202214 نز ,1614 


. لم يكن إسكولانو الكاهن والمؤرخ معارضاً للطرد في ذاته» الذي شبّهه 


بطرد الأرواح الشريرة. وكتب في ذلك أنه كما «يترك الشيطان دائماً ندبة 
في جسم الارنسان الذي تلتّسه... فإن وجحود كثيرين منهم [أي الشياطين 
المورسكيين] في مملكة بلنسية لا بد أن يترك آلاف الندبات التي تسبب 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 


بن لبه جا ح 


هوامش الفصول 


البكاء لعدة قرون) في ,كقاء20 ,رعأكناظ هذ لماك ,834 .م ,2 عأموط ,2602085 
2 .م. 
. يوجد تقييم للتاثير الاقتصادي بعيد المدى للطرد في بلنسية في: ( الإعوة 0 
102101195 
,3ز0132-812آ ها لعأاك ,1303ل111326/ا 01 غمنه0 عط ما لعاناط راج عورع/ا .9 
.9 .م ,111 عمزاع] 
.م بقأعمع1ة/1 01 لمملع م1 »1 ,لإعوهن) دز لم0 .10 
2201 ,1221 12 ,مم أولنامةاء 5420251 ,01020313312 عل ومع:113 . 11 
.9 .م ,له1اء50 
.169 .مروع72اط لإنهطئة8 ,رعطواط م1 0160 .12 
1321 ما ,1617 لمث ,ع10 كقصصمط]!' عاذ ما للاعند0 عع 1م00 13.1010 
.م ورع10 1201085 زد 6غ /لاععدل 010.]آ عع06018 10137 5ع1)ع.] 
.م مملهم5 ادتتعمتم] ,)غأمللاظ مز لعزن .14 
,67-81 720131010135 06 2167 تاء0025) ,رعاعسة 7131 عل جعل مقمرء8 ملع .15 
.2 بلإكقع01 01 10150101565آ ,2للن) هآ لعأ 
2 .م ,8128م5 01 1/]11501 , طتتدع 21111 م1 لعزن .16 
.4 .م ,912م5 لأعناممط1' 010[ ,10170520 .17 
.م ,قلهم5 صا ؤرع11ء120' :ه10 ع1زم0ط1]13205 ,10:0 .18 
1 .م «,151300 02 لإعووعآ» ,الدمد2-8عم نآ مالع 1ن .19 
7 .م ,135م0]0] عنهماط ,رمه115/ا١ا‏ ما لعن .20 
.م ,015181221160آ ,لمعصة»ا مز لم011 . 21 
0علمقعث 521001 «,513نالهلطث ننم دع للءاظ» ,1175 موذناك مز 22.0110 
1991 أدناعناك/إ1نال ,ل1عه10آ 


خاتمة: تحذير من قلب التاريخ 

. من ذلك على سبيل المثال أن جانيه :مود وهو يكتب في منتصف القرن 
التاسع عشر اعتقد أن «أكثر من مليون شخص» قد طردوا. م6 0001© 
131ع50. 


.400-401 .مم ,10هم5 01 54025005 رومع[ .2 
«.1059ع1اع؟]1 داعمققة1ماه[ هله رععجرم .3 


. وما زاد من سخرية الموقف أن عودة «المغارية» إلى إسبانيا قويلت دائماً 
بتمييز عنصري معاد للمسلمين من الجانب الجمهوري. يوجد تحليل لهذه 


11_طماع !© :1]61]أللا 1 527 


الدين والدم 


الحادثة ومناقشة جيدة للمواقف من الماضي الأندلسي في إسبانيا المعاصرة 
في (5نالهلصخ-آة 0 ععمععء أرعام1» ,تلنخ. 


منا10 أعلاع .آ-طعناط! عط غ0 ممع :011111230005 01 ععموتللة عع5 . 


-0آ1آ1/لا051101م0185/16. 79777197.111120 26 33112616 ,2006 ,13 عتعطصرع 8101 
,01م. مم1 


2.77 «ركنا[ة لمش حل 01 ععمعقء أرعام1[» ,اللخ م1 1160 . 

0 .ص ,لهم 5 01 كأن0طان ,أأعلدرع ا مز لم011 . 

.8 .م املإوعدكع1آ م1 اطع 11 ,عاء 27 . 

عغقطع أوع01 5وعمرمعمرم 2ع/177 ععخ مطأالا ,ومماأعمتصس اأعناصسدذ عع5 . 


.(2005 رذووء:2 ععع1 عط]" بعرملا بوعل8) 


2 1262220031 «,1:25[كناكا طخل كبمعاطمعط 5 اتقصمعءط". 


.6 ,12 لمقتصاع1 ,رعمناط رآ" 


بلاعععم5 5'عم0م عط 04 2)102[كصهعا طامتاعصظ مدعندلا لداء5أه عط عه . 


:تع طنة 'إ1]101 عط أه عتناعع] «رنإزومع الملا عطا لصة ممقوقع] ربطاتهط» ععو 
006 ,12 6ع امع5 رع 1ناطقمععع1 01 لإاأورع اندلا عط 01 همع 812 داناث 
7510-9474 لسخطم. 211222ناكا ا /طاكتاممع/ع01. أتمعح. 5لا غ2 21211361 


.200 ,19 اتامرخ رصةذ[دعادنا4 عغط!1' «27أطهتناظ تن عممضتناظ» ,وعماط [عتمد©طآ . 
«,101115360011لن) لعمعادعء11' 2 08 اطناوط لمة ع1838 :أعقللة ممدتين" . 


.2003 ,16 طععة11! روعدم ةط" /م202ناك 


7 .م علط عط لمة معدظ أعدالهظ. لم تكن فالاسي ككاتبة تنتقي 


كلماتها. فرغم اعترافها باللالحاد ومعاداة الإكليروسء, جاء نقدها المعادي 
للمسلمين دائماً مشابهاً تماماً لريبيرا وبليدا في تصويرها للمسلمين أنهم 
شكل من القذارة والدنس «يلوّث» الكنائس والقصور والمتاحف. وهم 
يستخدمون أحواض التعميد «مراحيض». وفي كثير من الأحيان يكون 
طلبها للرحمة بكنوز أوروبا الثقافية» مبرزاً للعن والقذف بكلمات حاقدة 
مثل تصويرها للمهاجرين المسلمين الذي حوّلوا تورين فءداآ «مدينة كافور 


الرائعة إلى قصبة قذرة27». 


ح لب من في 


يم 
م 


12 
13 


(1) أخذ اسم القصبة المغربية من القصبات الأندلسية» وهي مبان حصينة كانت تتخذ مقرأ للجند 
للدفاع عن منطقة معينة وتأمينها من الأخطارء ومن أمثلتها قصبة الوادية التي كانت مقراً 


26 


لحامية الرباط وقصبة الجزائر وقصبة باجة [المترجم]. 


1_طماع !© :161 ]أللا 1 


هوامش الفصول 


غآء/7 عانا «رماعة5 اأعكنصتة1]51 كارعل0تاطعطة[ 5ع12[ علمظ دصرخ لا دممسساظ .15 
04 ,28 لإانال 

:1710 11207 5[11:05نا84 1(0» ,لتقعساظ ععمعرع1ع1 مملندانامه20 عع5 .16 
2008 إتقتراع1 «اعم متنا مرعزوع/1]ا مز معصره/8] رعط)0 مقط مععل1ئطت 
.7 م35.عم70نا 12512 [كنتم2008/1 /دع[ع لهم /ع1ه.طعم. 119 غ2 ع1طقاتة31 
.1 

أكناعللث ركع1110' [2أءمقمصا1 «رمتط سسا 01 مماكل؟ دعزاءع8 أصراه©) لدء17.“2 
0007 27 

2[ « ,1111201 1ن 5020 10301 [عكتامم 1[1» تاأقلطعع1 2 7اأودع]آه ووأبك1"" .18 
.7 , 27 تع طتوععع12 رق تاططرامع؟]1 

]م5 ,لطاموعععاعء1' :12211 ,تمأللء عطا 0 تعناع1 «روعع مهدا أكتلمية و1“ .19 
18,07 

.م باعة1/1 لإعووعممرع2آ 320 مههاذ] معط/الا ,تتدوع) 10 لم011 .20 

11505 11م" بزعل8 «رغطعن]1 لموكاط عط 01 5أ15انامه تطعند/لا 0 ععتط 21.1 
.6 ,21 امم 

مل صمل)تمفعل علطا ع7220 كملامعل .11 .م ,ممتكهروعام!]ا ,عاععاء1 01160 .22 
.166 

,8 تعطمزوءءع2آ ,وبرعل8 8800 «رللاط 535 ,لإأعزء50 نا 0غ 0زم1مم ).23 
2006 

لاكقناقكة ل ,لإمتاطء ع510 «رع20010نإ5 تمامطلاء560 5'عم0؟ناظ» ,جع:83159 ععتار8 . 24 
2007ع7أتأءعققع10طالمامع.,اء ال2طاعع111. 7/0/1 , 2007 ,26 

ع2 اقع713 وعدا عط1' «رععمء اعم رط 01 ععزمل/١‏ ع1 » ,لمقعنا100آ لمات . 25 
.06 ,9 ععطلرعامء5 

7+5 ص1 .8 .م ,«دعالر8 عط [[لخ ع 2متصمعءاط» ,غ15 12001آ عه26.5 
*,3ع50:0 عط عع/0 ملاعل ' 216305 0للتلمعاءتء ملاهآ عط 1» رممماة اناصده1 
عا متمطعاءء طو اعمط عطا ععمعل '.علنااعاء رطكتههط ,عاتع ' ركتامتممع) 
« '.ع15[ مسرم طدتصقط ,طادعل 0 تعلرمط عط ععنه عحاعل' ممدعمم اعتطى 

.10162 0هة 9ا1أمع10 ,اعد .27 


١_طماع‏ !© :121 ]آنلا 1 277 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 


مراجع الكتاب 


مراجع الكتاب 


المصادر الأو لية 
.(511232625 ع0 ادرعوء) 0الطعئة) 05م 


المصادر الأولية المطبوعة 

,36583[] .ك|70هجرده 5م7705 105 ع4 0ع الأاكلاز ادن كالاصيوط .مرلع2 ,0300828) كقحجم 
1612 

ك0كك ع 0م بر ومزوقء 21 نمع (اكمتدعاءعءه هخ10ئزل] .معذاءمةرط بوجدعلء2 عل 2ع تع 
ر0تاترع! 050«ءلمح لاى عل ه0070 رولودده<0 عل وءعزامامء «متوناء< بر موملته هآ ء0 
.8 0139203 .©0701 ناى 46 45ل 1( ]606 بر 

5 :1130010 .دمء :]0ه عءنو! ده| ع0 ملوجدنء< أءك دونوتجرعل/ا .ومكعلصك ,2عل1اقمعء8 
2 ب8236563 0م11" 

.8 ب13ع3162/١‏ .ه#دودط عل 5م70 دما عه وءزدم 0 .عصتد[ بهلع1ا8 

٠1. 1110‏ .701 .هفورظ ع0 + ,آل عصناء 1 عل و1«ماكىة .تنآ ,وط0ل:00) عل هرععة0) 
.8 ,رطمع.آ /ا 0250112 ع0 2أضبال 

9 ]| علدءل همووطظ ع0 ءام و[ دك كمل1لععلاى كودمء كد| ع0 كعرماعهاء!1 . 
.7 برطفع.آ /م 0350112 عل 2غصقتال ١/211200110:‏ .4 6/1[ مواكهم 

كلل ,اتمذاكة 011 رم كعانألوء!! :وأمءط[ أونء نوعلا .لع ,عنص 1 011015 ,عاطماوده © 
7 رؤوعع 3آمة؟الإكمدء2 01 /ااورع نتلمل] :ةتطماعلةالطط .كمع يمك بإكزسعل 0ه 

أءعل دمء 7:05 05[ ع0 :0 اكالاصيده نر دن ةاءعء أعك نعو[ .متدماصط ,5كدزه 1 نا [هجره) 
.878 ,قطقاعمع21/١‏ 020مع501 :1613 ,200110الهلا .متعمعءات! ع0 مور 

4004نت و0010 بر رتنع أكدة و[ ع0 و1«ماكة] و[ 0 1716ماع ه2600 .:31م035 ,مصذامءو18 
6 ,ةتعمع الهلا .منعمرءاها ع0 ماسم بر 

,110176 .ه#موكط 0 دمء 70 05ل ع0 :0 أكالادرت وأكلال .مقتدصةط©آ ,وععكده]آ 

.6 ,71382303) عل 2176151030[] :203هة1) .كمء 71015 دما .وع0ع1462 راأممعدة وأع:02) 

1050 :أمعناءوط نز ه#ووكط «مم دمع زبه اع 42 دوزه1! .0ع 1056 ,لولوعمع54 وأععة 0 
+35[ تناع ل :12080/! .1 .01؟ ,['1[]( وأوزى أعل 165 أ ه1451[ 77710105 5ه71 05صرة1127 05[ 
.1952 

.151©05ن) ع0 71©1162آل معكاعتره :1 عك كهتمعه! دما 12 كونااحل ,مناودن) عل 2عم:رة 0 
984 ,12 متقهموظ 1322 أورع لمن مؤاء2لصن :35130210 

6 1270اقء4 7710أككة اعلا بر ددن كأناصعه عأطه70ء1/1 .ع0 113:05 ,تع231 ]2 لا هعة ز01130813 
.كه |070«كه ومء5 70 05[ 

0 :4 [6 4785-1[ ,17191015111011 :[07115 2ك ©1171 .5885 380 .لع رمث نامآ ,110123 
.2006 بخاأععاع113 :100135320115 .كءع1م5 0 برع 4711/0/0 





1_طماع !© :161 ]أللا 1 579 


الدين والدم 


طتتهلتع[االتطك متامة آلآ .كصدما ,20104 مث 170 17 .80ع101آ ,151620023 ع0 0ل0 مدآ 
2 بلإأعزع50 110[ه10 :دهل5مآ 

70105[ كدأ| عل «ماءءصسادءل0 وأ ءل «ؤتعماء7 ه«أكاندعء :8 .ع0 016 [مصهه8 ,ركة35ن) 135 
.5 ,عصكة5 :3/130 

,10 1107125 31 10 بن 007) تم ه0207 011 زر 12015 .لع رقطه1 ,مدع آءع8/13 
0 ة) :002همآ .617 لذ [6[ اهماما أمء 7 18 [ه ا«لاهن) 17 ها “هدكو ط ل 
.1860 ,لجاعاء50 

ك كه[ :077176007 0/7ل/[ 7[ كزن بممادةلط :717 .20 «تتسمقطسل8 م15 لدصصطث ,1أئةو21-513 
.184043 ,دع الى .11.8 :مه200ه.آ .5معمةئإة0) ع0 [قلاء235 .05ةكا ,ارتومك درا 

أءك دمءىة710 05! ع0 مونادعه نر مةذاءطء7 هأ ء0 و1هادة2 .ذاددآ ,له زه/صمدن) نز [ممسةكلة 
.2004 ,لقتاناوكة [1010:12 :دع5/1212! .عدممه: 0 0 مداعر 

كه| ع4 م02زهطتته ودلا .رع تطعصة عل عنتئة8/1 مرلع2 22 ,معاعاط ر3ء تطعمث*0 عتتتردل/83 
1947 ,211300110 .03:12 لا 031:19 ؤ5ألاآ .05ةكا رمامتوطه دمءذانله0 كعبر[ 
4 ,20ل112 

,20111620 :71/120:10 . 494-95 [ :امول اعمط نر وتتمودط مجر عزهة/! .0تطتمؤعع[ ,تعع مكل 
19291 

أوبره! عطاكره ادع وةدوء +2 عرزا “تم 112710071011171 4 .معذ5اعصةعط ,لإعابكة معقنلة 
,تت 27 زه 077 سكل أمدره وال ع7[ زه ا“ريت0ن0) موعن تهنن) تنه مأعدرء 41 لل 
.7 ,رؤوع21 016280 01 لإأأووع الملا :مع تعلط .ماعامة8 امععماا .دمدنا لمة 

5 7علاع 5ه[ ع0 انهم ه0«نتوء5) كمء :770 05| عل ه7زعلاع هنآ .5ع0أ0 ,هاذآ] عل دعم 
.8 ,03هصهرن ع0 5100م لونلا :دلهصهةرن .لوممدهء2 ءل عع [ادزه 

عل ماعنءوظ تعالابع5 .1 .آ0ثى ومع[ 1ه0) دعنك ]1 دو[ ءك وعندثن 0 .ع0 وكوهالخى رجنت) 523215 
1 ,42262103205 -320م1115 155ل تاوع 

هملظ :مع 1/1212 .هم#موكظ ع0 دمءئة هم ده! ءك معرءعه مومله :1 .ع0 معلعط ,وتعدع لها 
.7 1832م 

أكالاصتء و[ 0 وك«لاء كك اهلا «(مء ,وراجرءة! أء0 05 7#هع7ء5ءل بر وه معط .5ها8 ,نلعلا 
61 ب8همأععنة8 .«قاعع كلك عل ك0كانه كاهلا بر ,ه#موكطظ ءك ومءكثمره7 5و[ ع0 

,1/1200 .[[! عوناءط درول عل وتممائط و[ منمم 5ه 0درءل/7 .صقنل ,دعمهلا 


المصادر الثانوية 

«.5ء35880865 120115005 ع0 1311112 11113 :23112313 05آ)» .32050 زع1ث رعطعتق2] :لحطف 
.(1988) دمعكاجمل! بر ومأ4ليال :1 دعدو«مع0 ل ومررءةاوء12 

«ناوء/17 عط 220 ,ه15 ,ملهم5 :05[هلمك-1ة 01 ععمعرع مع امآ عط1» .نآ سمقطذل]] ,تللم 
67-7 .مم ,(2006 اع 0متنا5) 87 2 .00 ,24 16 أوزعوى 

تملا :08ههةى0 .4 .701 ,وكهددم27 ع0 مترماداط .عاأمعبكقة] أعنونا8ة ,معماتموعاة 
2 ,09هصة02 ع0 

لمتنطتاء )-طأامعع :51 ما عوم(1[هع0مخة 01 5ع أععطمه80» .513112 5ع10ئا0 يآ ,دعام 
أمنءةوء/1 «كهةنآ-31 سنتصة] كه عل12 كبام علهم/8ا عط لسة كع ١1/115‏ مع215ه0ل/8 
566601 .مم ,( 2007 ععطامتعامء5) 13 .13,20 كرعادبامء1ل1 

ب18أهاكة) :85/120110 .070ل ودمسسعط و بر ءزمررء 481 أءعل 10119ك ةط ,5نا0 لمهم 
.2007 

58 .20 ,لم0 7لا واكانع1 «.1059ع18اع]1 2أعضمرء[ماه1 ه[» .عل دعقسل؟ مقمقة0 رععرم 
.(1876 ,28 /إ13/12) 

عطا 380 كع تأتامع10 ستامسل/! تمتدمك ما منقاأذآ عساعمءوعرمع1» .ممعاط بمتاعوائف 
.563-34 .مم .,(2006) 4 .م« ,96 وآعم] ناكا «. متطدمع0دع.1 1ه ممتاهاوعاوه 0 


560 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


:76/110110 كلمع أء ته كمع ةتف أكة كهة تالا .معصمةن) اعل دأعدلة ,وعده]! مأععروظ 
84 ,تتعمدعله/ا عل 51020اء حكتدلا .ماععءامأك نروة ماكز 

أه«لتاأيان) كه ع لاله نعءاطرا ع711ه|5[-ماصنوت) :5 !5 2) 061ا20) .أتاععم الا رقناء اروظ 
سملم 01 نجاتواء للملا :كتامم ةعصصتا/! .نومك بررعممللة برأممط بز ععزاعومط 
.5 ,رؤووع]2 

:01311208 .7162004 071011710(0© هرأ :77107150 2707104024) . أعناقفة1/1 رمع اتنوة دومسة8 
,روع002035) 21ءه11ل8 

كه| تع أه1ة !ه71 هدك ةأه 111 بر 05 ةمول .137205 جعطاعهذؤذ ممدلء [ة/ا مه 
01 ,0182208) عل 551020 لملا :ه12220ت) .كم جره زلام] ار 

2011320 3020 ,آنا ,0:1010 .71أ موري مجر وساعل ©2[) [ه 1071كالاصوط ©1171 .لكتهة1] بممماعظ 
,111226101/ل طواللاء[ 01 لووط 1رآ 30تا رآ :011 

وء أنه 710179015 هرا :0125 آكلعءء0 كمءتمنءلط .أع1212 ,معمد اظ-جء طاعصؤد جمعاتمء8 
ر730تصفمع 7/12 اء مكمصمك1لة دنا تطاكم] تداعمعالهل/ا .ددمممنء مع لهس دمءئة ممم دوم] مر 
.2001 

01118 501601181 :2هماءعء:83 .070 02 واوزد أء0 و#ممعط ما .غممهاممفقظ ,تةدمهممءع8 
.2004 

ماوع 2011 [هع0.آ 220 ,عضن رؤمع5 1402 :كع0 عط مسمتلدعء 17 م0 ,معععظ 
,8 001071115 1س أنه 1لعل/ا «لاتنططع0) طاوعة»: 5 غ2[ عط ما لمهاءعء ساك 5*ه1016»00' 
.1135-9 .مم ,(2002 ععط77عع106) 2-3 ,مم 

:0001.آ .711-1931 :نومك إه بورمادلع 776 .عاماء2 5ع اأمقطن عزك لمة كتنامآ بلسمئرع8 
4 ,ع01157000م5 0م عاط 

١ 2021001 1‏ #175 ]لين هآ «.2:مم0135آ 320 2ه أوأتايٍاط معكتره81 عط1» معع180 ,ع8025 
بع001168) 5عمضتكا :مملهمآ .مانزة1' يحصدظ لم عأه110 1020/10 .لع ,ارتومك اودع قوء11 
1990 

.705 2 ,1(مأكالاصت لاى نر وء/770هجيه دمءئة 70 وما .أهنءكة2 يهستطعوصد8 ل 800024 
.2 ,03قصوعت عل 251020ع17ول] :03د ةي 

زه بعلم رر) ج12 «رء تلا 207711711115) 77د اأكلتابلط ١ء‏ تلاكوء 17 أوبرمز 717 .صطو1 ,ااعسصوم8 
رو215 لإألقاء الملا علهلا :01 رمع ج11 بجع[ .بويادرعر) طادرءءاسلتمط ©[1 :1 (0ج0 1ل 
.1977 

0 0 0:1 انمايا و زه ترترتاكء10 تنه ارمع 17 ل[ كءارو ««مرءوط 17 .امقحا ,تلمدرط 
.9 ,رعم032) قطقط221ه10 :5000م.آ .000 بجعلء/7ا ,/ا.ن) .مدنا ,عرام م« ع-و| 110 

زه عول عط دز 7/00[ وعدتو ءالع[ 11 071 0716071 12727(مء/1ة 717 .0سمقمعء 1 ,اعلبوم8 
.6 ,قتقاطه 1 :2002مآ .آلآ ماقام 

:011لا بن[ .211001 ع ]دن تروفائة[ن)-0ج«رهو اك[ «مرءدمن) 772 .للا لعقطء1] راع نااسط 
2004 رؤووع:2 لأوء لالمنآا وأطسساه 6 

ع 7/016 أءل نر 0:15 77اغاكلة7:1 05] 4 7(ء و2716 هط .ع0 أععصث اأعباع 1/1 ,دسهةط] وعصتظ 
عل :1م110ءم1ا5 0 عكط00) :1/1220 .[1لآلز بر ا/[ل[ دوماواد ده] 0 متموكط وا اك وعذراكء 
.89 ركةء لأخمع1ن) 121751015261025 

ووراتزع اهلا 2ك وأره روه «ماكتاط تمع ناكار 10نء7711وكتزءم أ© اك 710715005 105 . 
,086013 5عمم1ء101] :1/12050آ .ممت تعنوادم 

:20110116707) 1/776 0715ل 10د 6077120[ 12/] وكندن/!4 زه كك!170 1716 .1 أزعطهظا كنظ 
0 زوع الهلا تمتطماعل شح لنطط .كمعو4 ءل00ةا! عدا ون ععدمط وتره اعءالء 1ط 
.1990 رووعع 1/3213 /زوضصومعم 

هون .مااثايم) أعل وكدما4 ورت وواتمجع معكتءهم أط .مكةنآ ,دعدواعله180 كداعمةطة0 
91 ,ع1 ااوععمء) لز ووطاسمقطلة 1 ع0 مأمدممئوط 

-492 [) معتجةامع ماضء أ هادع تي لا :07105قاكات نر ومن 840715 .داددآ ,عدا اتهلعوةت0 








11_طماع !© :161 ]أللا 1 581 


الدين والدم 


.79 بنع نؤصمعظ معن [ن0 عل ملدهط :01 معتبرعء 1/1 .(640 1 

1م :71/130280 .0ه ع0 موجراء: أء4 كمء 772015 05ط .10آدال ,8320[3 مننة0 
.2003 ,1ةهغ1ل10 

0 ,رؤوء21 ج151 0177لآ 07100 :7011 بجع[! .بموتكقط 4 :توص .لع ,1330020 رد 

0 .كمنةعا ,ماعط اع 1 16 17110011302 471 :ك0 :5207110 7716 .6260 متظ ,معاقة0) 
روو25 قأمنه2[1) 01 بجالومع لصتا :بإعاعاعء8 .معناء تدع :112 دتساء5 2020 عمتكا ."1 
1971 

:]ا بماعع221 .1188 .سآ للللمتقظ .قطهنا ,نوبماكقط اأكتدهمك زه ء«ناعل9517 176 . 
54 رووعءء2 لإأزووء نالولآ لماع ع معط 

.99 بع01011608] :008طمآ .توماكاط أوأع50 4 :تساومك مرع0م//! براموط .5ع 920[ ,لإعوه0) 

عع 0لطامتةن) .بوتاضعر) طنادرعء71زعن ك5 1872 درا واعترءاه/[ “زه ««ممع اك[ 1716 . 

.9 رووع؟2 1أومع17لملآ 

0 .20 ,1ت(ءوء 27 0214 )ك2 «<«.وأعمع [و/ا 01 ممئغ2 ا نامممء(7آ عط مسد 5مع110215)» . 
.1971 بمقنمطاء 2) 

1/6 3210 عورم «لاعا 1« كتج ]كنتابا جاع12/( نهنع 127:0 أ0تجه تجرو|اكل دع !1 .عمتزاعع10 ,لمووع 0 
.2004 رمه التصعد!/! عحم ولط عأزملا بجعا ,وء ناوا ولء1ثدرلا 

,820015 متنووء2 :5008مآ .معطه0) 1.114 .كصمهما ,عامة 0 دره2] .ع0 اعدنوتالا ردعامد ع0 

1250. 











لإالواء الهلا 010:0 :0:1010 .صوذمتتآ لإعاوعآ .كدعا ر5ء 3101 بوره امعد . 
.8 رووععط 

01 لإألواء الهلا عتهاذ :لإمهطاط .دمءئة ما[ :717 :ادء7! 16 4:14 :«ده|ك[ .© عو نعط ,عمرزعط0 
.3 ورووعع2 ع1[زملا بج لح 

© واكاك ]1 «عارعلا!ا و] ع4 كملاووء 2[ 4712 عل وعأمعناط كهط)» .عللرظ بمعمعمه0 
.467-85 .مم ,(2007 ععطموععءء2آ-لإانال ) 138 .0م ,69 وعينهع 1.11 

010 كته مدع | اقل[ بدرعدمنانامنكع] :«تتصدء| |[ عط كزه اقلاكى لاط 1/76 .فدهك رصطاه 6 
.1978 ,قكل800 5لل2212 :هه0مم.آ .كمع ءالونا! عنه| عازه كاكتاء و4 أهء اكبلا 

ا ع «لتلألن) كلتوأعوناء)1 ته نراءاء30 :ولهددهج02 درو كاسن عد«تاوعن .02010آ مهمع اه 
جالقاء دنآ اأعمنهن :لالط يهعهطا] .1492-1600 بون مرعتزورم رط سم /!!-0[9 درن 
.2003 رووععط 

4 ,12©1]31135آ :1130110 .2!!:له2 عأ عأجاوء8 مع :7:0 هط .100010اء1] ,عامعل0:ه0 0 

,1670071 117 «مر 8011/1 أهد«ة 1 1 :هء3 18 “زه كع «اصرتودطل .امع 10 رلزع1 ه00 
.8 26 ع مع726 :1.0200 .1521-1580 

د أعندمل] عنتودعروء 21 1/172 10ت 7دم/ك غ1 أماع50 :اعنام إن 01/055ء215] ,.[ عصدة رعلمت) 
.1999 رؤوعء81 مكهمده1 آ0 بطتوءالطتا :مامم1ه1' .«تومك تجرعمماة تروط 

(11[1) ل( وماعزى) ده[ ده| ع0 متطيدسم!!:!!آ ع4 دمءئة7:0 805 .ل كولاء11' ,103050 
07 :372163مرعط1 أهده) تلظ :312050 

موأوانايظ عط لسة دلصدئدممءع2 :لزتادع] لوعم.آ كنوع عترماعط1] لهك 015» . 
لم ,71[ هجر تجرع لماز برأءروط د برا ذأوعغ]] مده عترماع اا هآ «. دومع عتعملطة عط آه 
.006 ,800165 13126515 :0820028.آ .لاط .1ل لعقداع ]1 

1120510 .دء|ه#0ودردء دمء 70:5 05ل ء4 «رمةكانتيت وآ .اعنصةكل8 ,0011200 نز 1ألامة2آ1 
1859 

| ع0 1تزء لمعه أوء: هو[ عاتيه دملاء| ومكلاء ىز[ «وأعدرءاو![ 02 7771021124مع هنل . 
4 ,0ل د/! .و رمات[ 

.7 بقاعمة21 :22م1عء:82 11[ عمناء/ .0لمقم 1 ,10132-213[2 

.659 [-5[6 أ تأومد زه عع4 :00/14 17 .0ا1تامخصك ,01 جعناعدتتده2آ1 
7 ,رنهنامء ألا ع لاع 1 دعلنء11 











552 1_طماع1© :1ع ]آئلا 1 


مراجع الكناب 


8 ذلط :10لة1/! .دمع كفرويم كوا عن وتروزوزار بامععصلا لمعقصء8 قمد 
.2003 ,020 تكاع الملا 

17705[ كلة أب[ 10وحن 1 11110 ] ار نم1 0 كك 71 717 .0م بققضعة تأعطعظ 
,لافضظ نسعلاعآ .متممكى ودع 0)- ادرو 11/1 

رع 0111608 :1.0200 .400-1700 [ ءممتلاط ابمناك ةمرت يرز وسول :77 .صطو1 ,كلمو جل 
1988 

كلامطع1' :آنا رع ألطومع]5نا10[) ,امراك [21011511015٠‏ ©1[] 0110 771009ع/ة 109 . 
.5 ,وعصتطو اطنط 

04 مه 1[ 0 «ملال :دمءكتممال[ 10نه كتاكت 0 تعوسوء8 .صتصسة زمعظ8 ,ومعلطع 
وطتكامه1! ص”!اه1 :8211:0201 .568-1614 1 ,وأعمءاما| صذ «سرمك ]1 دبدمتوذاعر 
.6 رووع22 /زاأورع الول] 

3 ,لتأتاعدء2 :02001.آ .469-1716 [ ,ا«توم5 امأمعمم1 .1.11 رامخلا 

لا 5قع6[35لناط عل ١102‏ رآ :132 تاكناته وذلألاع أعل مؤاع 2 رعاء0322)» عل اع5411 ,123هم8 
.(1988) دومع كةمما! بر ومأ4لال :1 دعت 1معو ل وممرءفاوء0] «رومهء5 مم 

2001 ,63 0كنالآ[-كاء21(آ :18/120110 .ماع :كفلاو 1 | ه 116© ز 77101505 1205 . 

2 1]122011 بعلتملا بج ١1‏ .ءعونمط ء[1 1ه موه 776 .2مدن0 رأعة 111 

:100 .عصمتلاط دا كاطع[ أأمطان) 4ه ,وأطه 7م70 هاك] ,«مقله نوعاط .2نآ رعاعماء ]1 
.20 ,55ه120ع11 عع113 01 عألتلأكمآ 

.03 ,150353 :71/120610 .وء11ن)هن) وإ أء05؟] .اعناهملا ,دععه لاخ دعلمقمء ]1 

عت لاع 1معلنء77 :2ه200م.آ .وأأءطس؟] فجره ودهدتمرء/ .عمناء ١‏ ,مأسوع دعم -جعلصقصسع م 
,مهوامء1ل8 

اكة) ع0 0:65 زغ10: 5و] ع0 مع ةا امم نز أو1ع50 ملمادظ ."1 ,22[162هه0 ا ععلمقصء م 
11300 

5ماع31 :10أ/200!أ0! «ء 5م710 بر 5وودهلءك» ,007160107115 .5ألاءآ ,1/13 جعلمقص ]1 
.8 ,211200110/آ عل 51020سع ا نطلا .711 بر للا 

1598-1621 ,آلآ صنأة زه «قومد 11 دا #«اكةااسلاوددهط 2:10 ون كعك .10لماصكى رومى ]1 
.00 رووع:2 لإأزورء /المنا عع0 7ط مدن 

-5 41 [ معتتزا املق جز بوتراط هجره ء0ه<1 ج110 :عوط بدروط 80 .نزء0005 بتعطمتط 
7 ورؤووع:2 اجاأوقء ملآ 010:0 :كنا ,01010 .1530 

4 ,كاتسصعمطط :مملهم.آ .«نومى اكترممل8 .لتقطعنظا ,رتعطعاعاط 

.(1614 عامء1!]! عل ء[أه[آ) دمء7105 14[117105 05]آ .[ معوأعمةةظ ,ماعتزمسلهم وع:ه1]1 
.9 ,ملطة5 اء )3 مكمم 1ل 12مرعء20ع مث :دع هقلطة 521 

.277 01 05و12 1ه ,اتقوجك «ذ كزء| عطق1 مز ع[0 10700 4 متقطء 11 ,0م10 
.6 ,رؤوع21 كتاقكرء2) :1ن] ,أعلصنصمم 

معم متلا 0770 ,تجزه |1 ,17/01 نجل[ 11:6 :ع راع« 0110 15ك :141:77 .18ةطعد8 رخطعنط 
,رووع]2 لطاذأويع المنآ ععل#طصهن) :انا ,ععل71تطسدن) .دو ن/ نامرع 1 

بالعوقة0) :همملدم.آ .1 .01+ ,لمآ «مرعائع 17 11 إن 814/5 عنبزدزعء12 ...ل تعلاط 
2001 

عط لهل .ونءدءاج]آ عل مدزء: أءكل ومءدز710 دوا عل :0 كألاويه ها .2[2عصة8 دؤاء2 لبط 
.7 ,2(3عمة8 رؤاء 1203 

.969 بولاعنال وزع مع01) [دتزماتلط :1/1205 .كمنك نر ومء710:15 ,كماء20 .088[ راع أوناطا1 

0 أء0 كمءعئط:710 805آ .|532001/2 لذن 10250[ة 3820 ,متممخصة ,ماعط معع للهدن 
عل 20لزوقء انهلا نولهمهعت) .554 [ عل حتمه) عل 0ل هتأد أء «تاعوء5 موده 0 ع0 
.6 ,0130203 

:ع 1اأبتطمة[! .ء[12 ؤءطتاومن) 4 :كرءنع أل 11 029007115 .18لاماصك 513212 ,و6ععة 0 
2002 رووع]2 اإأزهاء الملا ا1زطعلمدلا 











١_طماي‏ !© :161 1آئلا 1 553 


الدين والدم 


5ل ال :23ماعء ع8 .متعوعلت!1 ع0 كمأن عع عمط .8163500 رأععية0 وأعنه 
1 ,قالاكرامء2 

,171011505 05طآ :710721710005 171110105 ب[ 82211 ,1/1211 .ومع 821165 5انانآ 08113 
.7 ,0232203 عل 2176251080ل] :013308 
1 كنع 71015 4 [0210ت نر وأمءاهداع ,مكار أ0ك80:0 .محمتأمقطء5 ,جع مأامةل8 وأعنعة0 
7 بقأعمع ١/1‏ عل لهلاو حلولا .!] عمناءط عل وموماءء أء عادو «لاك ونءدعاواآ 
225 ,قاع12215[طلات الاعناقة[1ا/ا 0122 3200 بأعناصة1/ ركمم :54013 03:13 
ع0 22012 213513 12 دع 1502 ع ملكذتلمةلاقتككء 21 مفاوعء ثممء عل مغععععل اعل 
.(1999-2002) 16-17 .20 ,كنأه0م4-اه ورونك «.1/211200110 

عل دعع 0 1أطتظ :0مل12/! .جمد «صارء بروك1/[ :دومع ركان إونرء0 جم اط . 056[ ,ه02 وأعنة 
,1992 ,021512205 0165أناث 

بللماععمأ؟8 .كمع ل [/00غ1اب( برأسمط [ا ها ا«تودد تنمةاكقم[ن) هته ن711ه|ك] .مقصضمط! ركاء زا 
.9 رووعء2 زوع الملا مماعع مم2 :للح 

.2000 ,88 | اتطاعةا/! :عاكملا بد [! .“رمع كزه مولع 12 1/12 :1101/15/10 ,لإ10 بمعة 1 

6 0710 مأ نعم دمن و1 ةرمن ننء ]| ]تابط 1[ ها أمء/!] مانا .تصقالطا ردتهة12137] 
تعأكملا بن[ تروعم 4 بصياترعر)-:[اترعء عطاك دز بوقاترء ك1 ]كيتاب زه ترمقاعيةتاكددمي) 
.5 رووع22 لإالومء 17 1رل] 2أطتتتنااه) 

3 أماعة7/1 :اهملا بجع |[ .07706 دكزممء !1 ع1[ ١«ز‏ ملاظ [ه 11001ه12] دن 776 .صطول ,علة1] 
,1994 

-478 1[ ,ماع تارعات!1 زه 71م لعأ[ | («أ بوزءلء 30 0214 17191/13511101 الاعطامع]5 ,ع2 1211] 
.0 رووع21 021102018 01 نوازومء املا الإعاعارء8 .18534 

1 07105 1اكلت بز ذو 1/015[ :70107101 ماءة اورم لا .و1أنا1آ أطعده متععملد1آ1 
190 ,0تاتسمفمع 112 عل مكممكاث فاأعنطتاكم] :دأعمعلهة/١‏ .منعرءام/] 

رو5ع21 01216380 01 لإأأوقعء لول :ممدعلط0 .1500 ٠6‏ 250 1 ,ا«أهمى ©11ه|ى]! ...نآ ,لاع و11 
1300 

رقوع27 0م تعلط 01 لطزوعع الملا :مع دعلمان .614 [ 16 500 1 ,اتومك ا كار أأكيالا . 

2005 

«.5م02)6112) 5علاع1 105 52[5 0232203 دع 20516 2010 ملآ :موععمقظ عكتالا» . 
297-302 .مم ,(1956) 2 .0 ,21 كنتأهك مم4 

براسمط دآ 1011ل كقلتود] 717:2 .كلع ,تطاعوعلع1 صطول 200 ,01051210 ,معدم متمد 1] 
95 متعطاءه1]! :آ1 ,مالهعاء(آ .كه مزاءل! 14نه د5ءء«لا30 1ه 5 لاك :عم «لاط 
.6 رووعع2 16و ملآ 

نوالاة انزع )-1/1تزعء اذى ءا كزه بورماكقط 4 :)ددمل برع ازمجدمط 71116 .0 بتاع عل مك رووء1آ 
7 ,رووع:2 280علطن) 01 لإألوعع اللا :معمدعلطن) رع ناموط تدمع ارم مرء 1 

1 5111.7 لاع ن)-1أ2ع 5116 12 مستا 01 1113 تنقتاره)01 مق . 
1-5 .مم ,(1968 ععطماء0) 1 .مم ,74 سعاد 18 أمعتعماى ةل[ 

[انزأبا هزه ةلوجه ط 1/1 :500-1700 1 ,انتوعد و «بمجرزالط 776 .]1 مزاعءول ,سدع 11 لز 
.0 رؤوع]2 مهم [اطء11/! 01 لجااووع لملا تتمطرث ممذظ 

231 :1 [1آ ,011010 .7015 2 ,250-1516 [ ,كانممع 1:1 “| داومك 7176 . 
.6 رووعم2 

قامع 1م11 :1120510 .ه#مدكط ع0 دمءعكاءم دما ع0 أماء0د م0001 .مأعوعءه|]ط معمول 
.7 ,115023 5د! عل 2 نتدرعلدعءث ادع 15 عل 

عط1 :1609-1614 ا منهم5 2زه؟؟ 5مع840215 عط 04 2ه1و[نافظ عط1» عداا بومذقدول 
2 .20 ,نودم إكقط أهذهل0 زه أه«لاول «لمعطممء2 عنصقاذ] مد 1ه مم 1ع تصاوع2] 
195-22 .مم ,(2007) 

,1لاألان) #أكةتتومك زه ع7:/ما/! 11 071 ء[نعدط +110 /دذئىة0] 1/176 ,لحتضء1آ بمعصروة1 














5264 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئلا 1 


مراجع الكتاب 


7 روكهة5)00[1عءمتهةآآ :ارملا بجوعل7 . 492-1975[ 

«[ادرءء11زءناء 35 210 [انزعءاعنا3 ©1171 1:1 اتلهم3 ازا براعقء 350 نجه 0د[ أكانتونر1 . 

.5 روهكامء تلا عد لاع أمعلاء/7 تصملمم[آ .ع مدع 

7 بووعع© بالووع للهلا علهلا :01) ,مع جه1! بوع81 .برقومك /ه منآاطط . 

1991 ,ت8تتع 68[ :ه00همآ .ا 7[7مم) زه نوزءاء50 4 :469-1714 [ ,ارقومد ١‏ 

ع للعتمعلاء/7ا :مملدمنآ .ترمذكاعخ]] أمءةرماعقط دا :د10 أكنيو [١‏ اأكتدجومد 176 . 
.7 روه15[معذل18 

لعن 1جداك] زه لمء :مك 112 صده7] :كادء و00 و4 اوء27) 776 .طعبط] ,بلعممع1 
2007 ,ههكامء1[! عد 10ء1معل1ء/7 :م0000.آ .رآ عسطرط 76[ لاما عر 

71 أكلةاب! زه بجمعءط 77 .كل0ء ,قأكة14 2[عناضة]1 31:0 ,521502 ,أكنلكز12 دعل قطك1 
02 ,لالظ .لظ بمعل1ع1 

كانا ,ععتطووعغ5نا010) ,لنهناك .«مرعمومظا امم 17 علا دعاسو .0ادعهآ] بالتصسطء كماع 11 
2004 بعمنتطعناطن ممغايك 

أوعنارهآ 2:14 ااأهمد 7 ءاالتاءء11 4/1 2114 “4 .501513 دناعة384 لض ,ععرمع0 ,عع ادك 
.59 ,لتتاووء7 :مملحدم.آ .1500 10 500[ ,كددم زتره 2] رمع سرج كر مرزه 111 2:10 

ع0 70أء 1 أل ه :15و00 ول بره][ذادمون) .آععدذ أعدع 341 ,5203ع01) 0ع120 
.7 ,6568 )رع 57 0221غ1ل8 :1211200110 

05 80160513[1 فجمذتلخ :71/120510 .دمء:!ن1م) دعنجخ[ 5وه/ 06 ه#موكطظ ما . 

01220 عل 51020وء الول] :010202 .واكالتوتدرم 4ل 0 دملاتودءل ولواره :2 . 

1988 

مالطتاكم] :1200110له/؟ .! اعطهد]ل عل دمصجء11 ده وااقاكمهن) 0 5 77:1:106[07 1.05 . 
.9 ,بفعتاكةاوعاءظ ونءم)115] عل «دء 1ا02)6) 12 [عطة15]» 

2 ,1/1200 .701.7 رعتموكظط عل أو«عتعع ونمه1ك71] .مأوء8400 رعامع نهآ 

عأوكة 01 علعفا8ظ :م01 متتالد8 .متومك جة عرمماة ع[ زه بورم/3 7172 .لإءاصماد ,عاموظ-عمهآ 
.0 رؤووع2 

,122111 :2002م.آ .7015 4 ,انأهدى زه 1719115110 1/1 [0 بورماكاط 4 .0 تمصع روعآ 
1906-7 

نقتطماع0 2 لخطط ,درم كانتصيوط تبه ورمتكسرعناورمن) «قء11 :هوك إن ومءكامما1 176 ٠‏ 
0 ,ومعطامءظ8 وعم[ 

.9 ,لالط ط لاط :كقعة .عنتوكامم)ب( ءترعوووكط ' سآ عل ءن جره و60 .1رمع1] رعروعم2آ 

-370 ,عورصعلاط زه عاناعاها/![ ء[! 14نه داك[ :ءلوكيدسن) 5 004 .م ملع لامآ 103110 روانوعآ 
200 نمه .7.7( مارملا بجع 1« .12135 

1 :102002 .غ12 مهن[ .كمدعا ,دكءاندح8 ع[ إأل 1101 ناعدطل» .معلا5 ,رأكااو20 انآ 
2 ,28001 

(اذواء انملا 01010 لملا بو[ .177:5 014 عإارا :21120) 11 أءطهد] .لوعء١‏ رووانآ 
2 يرووعع2 

20 .ماوتومهيه وعنامة!!! وات :7هاذا أء0 كدااء)ة!] .ععنااآ بالهعدظ-جعمةآ 
.9 بمفوعم11آ 

0 أكنالز12 دعلحطكاط هآ «.ع ع مجع انآ اكتهدم5 صا م:صه51] 1ه لإعوعع.] عط1» . 
1/1 

372171 17#أكناب! زه بومعوء ا 

.5 ,كةقماء 16[ :8/12010 .امتموري مايا3 وتجهعا «لا . 

للملا بج 11 :علهولا بجع[ .5أ0؟ 2 ,كومنتطعرهلط ءا «ء0:4)ا وود .طول ,طعصلاآ 
4 رؤوعم2 نالو 11ول1 

عط اه 111 مناتطع 2ه ممه تقتطترك8 عط لمة نإععطمه2ط ممصدمعء 84111)» .ععدر0 معتمعدل3 
-1999) 16-17 درأو فاك ونوك «.ومء5 8102 عط 1ه دم أذ [نامءاظ عط 1ه عمرنل 





























١_طماع‏ !© :161 1آنلا 1 565 


الدين والدم 


.187-09 .مم ,(2002 

زكه :9002| كه ناه 50ع0) م7105 وتررءأطممم أط .مع5اعصةع ]1 ,ولاعناصة]11/ا جعناوعةك8 
1991 ,كقعهاءءط1.رآ :15130210 

,517 ع0 #711626 آنا تمتدم5 بجعل8 01 81000 عاأعماظ عط[» .دصعاط وعدكل8 ,دعم تمدك8 
هف]/1 «.معتعع كلا ادتدهاه0) نزامو مزعء بوط لعتعلمعء0 لمة ععمع اوكا أهجاعة ]1 
.479-520 .مم ,(2004) 3 .0« ,61 برإرءاويبر) بحها! 070 

دز عاذ[ أعده :1 عنطه مل :كارمناكة) زه كما 182 7ل .كطقعا 320 .لع ,اأطدل8 كماه/1 
.2003 ,ع08ع1]50161 :ه200هم.آ .نصبابرعر) [اترعع|نرء م5 116 

.د |70هرريء 205:هل70عاء1 دو| ع0 215101 .0ص [ااعوعة1ة ,منزواءط معلمغمء31 
3 ,35© لأأمع1ن) 5عمه10عدع أأوء121 عل عمرعمناذ مزعومه 0 

0714 كناعل ,كنم ة أكيتاط سمط +7014[ ءاره انعدو ) 7772 .15053 512215 ,ادعممءك81 
:1205011 .ازتومك أمطعقلء/ز برا ععجروىء |10 كزه عسنتاأين) و وعاوء0) كرمتاكتس[ن 
200 م810 ,مآ 

:أعذاهذا تنه مل نوبرع ط زه عع4 عطا جز وأءترءأهل! زه كنذا كيتاطز 17 .1/1316 ,نهد نزع1/1 
2 ]0 جلو الملا الإعاءععارع8 .علوكيسن) 0دره ععترءاكتوءمن) برععبيوء 18 
9 رووعع2 
5م 1/17 71م جر 17191415111011 (أكأدومك 177 :تردء علط زه كبرءخ 1701 .1130لا ,تعامهكل1 
90 رووعع2 نوازورع 17 دنآ عع ل7طدعةن) :آنا ,عع ل لطصسدن .رازءأ5 ما كلارها 
11 014 ,7/11 ,عع20, .قله ,مقتلصدط لمقدخ لمة رعاءدوه0؟]! علو[ ,.5 1200210 ,ع:هموكل38 
.03 ,رؤووع21 لإالوقء107لانا ععلنا0آ :110 ,متقطكددآ .عءدع ع قرط زه :)ناموط 

الع تتاء812 نذألا بدعل1/121! .نززءزء50 عا«تاباعء كرعط و زه :110و مط 76 .1].1 رعدهه310 
1906 

.0 10 1350 ,ع 1:هككتودء!! اكتارومى 1172 جز بران هط وعم0تعل8ة 717 .معاء1] ,رعلدلا 
4 ,رووع؟2 هأقممء11/15 01 515 01197لآ :م71/130150 

مرك نصنااجرع) ط[ادرعء أ[ 1[ ده ةا أكايةو01] ع1 إن دتعت« 17 .ممتجمع8 بلاط دزصماء ل( 
.5 رعؤناه1] دوملمةخ] رملا بوعل8 

1م05 :عازهلا تجا 11 .لمم زه اك1/5 1207 7176 :492 [ هوهدرهم2) .239010آ رع1امء ذلا 
.8 ,ع لأطوتاطنط 

©[ 11 كت 111 واقأل[ زه «دمةاباعء وبرعط :عع برع أوثلا زه ك1 ةدم .103110 رعرع طمع عالط 
.9 رووعع2 إاأومع117لوملآ ممأععصلءظ :[11 رممأععملءط .دععو4 ء/114100 

هذ كصة لأ دتعطن) لصة دوتع زوع [إشاصعء14 لدعنأعه21عمء) 200 ممزورع 1م00 18/1355) . 
.(2002 بتحدحاع 1) 174 .00 ,اأترعدء 27 070 إكعه2 <«.متهم5 بمساادء ن)-طأأامعع]111 

اعل 115002 :*لزع! هناد 12 عة![52 عع '»)» .15321560 030ل ,1401620 ملتوط 
7 03:105) 52غأهمء اأعقناعمدمء8 عل 113 15[ عل 3580 نز مأعتتال رمأمء تممقامة127 
.113-54 .مم ,(1997-1998) 14-15 كنأهل مل -أه وره 5 «.(1525-1526) 

.5 ,راأتاعدء2 :50010مآ ./أومنه غ/ عاب[ 11 .لزء تلامع0 ,تعاعوط 

79 ,لهكملطع 11 :مملصدمآ .1ا مقط . 

:5 نلا إندرء ندا ) أونة«ماكقاط درا :كلع :اه اهن [كةبرومد ,لإعاصماد ,عمروط 
4 رووعع8 مأموممء1/15ا 1ه لوت ازملآ 

1 | 70151110 نز 226110/0810 ,4701/11205 :110 5011 70005 .8/133 1056 ,[وتاععرءع 2 
1/1 بر ['[/( دمأواى دنا عانره لال وأمقووره وأنتو :ه710 د[ ب معكتموج أعل 
.7 ,روع122611625[ث 0105تأو1 عل مالأتاكم] :13م تطاث 

04 ,8005 ع1 8105 :ه000م.آ .11107 كلناو1! كنومى 77 .امعوم1 ,وعم 

زه د ااه 116 0:10 كمع كمايق :مرء نمالا ددء/0:ه80 77 .طاأعطدصعتاط بصداة ,بصصعط 
,21655 لإلأأوء الملا «مأععمةء :1[[1 رصماعءملوط .نومك بدرعومل برأاسمط ««ة رمتو ةاعر 
.م2007 








5356 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


مراجع الكتاب 


للا اترعت) [ادرعءعاعناى 1[6 1 لزاء1ع50 :نهذ [ازي5 :رمه :1 لجره كامس و]كام4 .طائحط بععازم 
0 رووع؟2 انديع انمتا اأعمده2© :71 روعهطا1 

ع اامطاعن) عن واأعطه كل مجه فتمنم مجع ؟1 زه تجونء 8 ع[ زه بدرم/ئةع .11 مسهذ1اتبلا بكامعوعرط 
,.00 320 مأعطءدمعصده5 سوبدد :لضم 1 

.5ةكا ,كأءداه/! عنتودء7مء :”1 [كةتتوجك ونا1 هآ .ءا مسد 178:6 .عل معوتعصمظ ,ملع معن 
.9 رنكله80 متمومء2 زمهلهم.ةآ بأرعماة اعمطءنتق3 

ا عا «اأعنساعدمن) :ععوموعيدن ننن 73 176 .قلء ,ؤ[اء5 .ى اعقطء111 لهة ,مدعصسظ ,تطوعسن© 
.2003 رووع:8 تدمع حلصلا وتطتمن[ه00) يعارملا بووع11 ,بروجرعدركر تجرذ| كبز 

الاء[! .امقومد تترع مايا برأمو دز نراءاء50 ره ,انمتعنأء !1 ,عل .معاء1آ ,وومتاسهع 
200 بصق لتمسعة818 عنتومعاجط :علرملا 

.4 ,راعاكظ :8هماءعع:83 .دمءئز:م, دم| ء5057 ده اوباوط صقو[ رقاعع جه 

:7130510 .اهمه ها ا وأعدءل 21 لاى نز ©0705 ه7451 هط .مقتآبال ,رنمهسة1 نز معط نه 
7 لقأص ناما 1هتده11ل8 

6 ع امناد14 :طامتصدم5 لصة لع01191115) ,كمة نك أعط» .84.1 ,ه0لدع521-ج2عنع 21له 1 
8 بوعاع30 أوءتمماكةق] أعبره] 181 زه 1015اء1727150 «.210م5 امدطصء0)-طامعع 1ك مذ 
233-51 .مم ,(1998) 

.1964 ,0م710 .7/.177ا :ارملا بجاع1! .وا أكالتو م1 :[ىة«ومى 7176 .[أعع0 رطام ] 

.عل دء06010 5 «نهمك تزه وأوطدء 1 176 0 :دمر نركزن) ع0 ععدم6 مال .عامط ,اعسصتصسير 
9 ,اودع متنا عأها5 مممجمة :«أمعمطط 

عبرو تنه ترعدر70[ ١د[‏ 17 270 ,1(عء/ا0) 117 ,ككء /طراداط ©7776 .5 5138051622 ,معطاعمةدك 
لواأووع1لمنآ كمكامه1آ مطم1 :ع1ممتتالدظ .نومك ره []] متاتطط كه أصامن) ع[ا أه 
.1998 رووعرط 

متسعمء8 :للدملا بجع81! .بردرةاوء 12 زه ««مزعبه!!|[ 1 :ععدء[10آ ته ةارع 10 .ةلاأتقمطة معد 
6 ,80015 

171 بر 17لز دماعاى ده| 11ت كهأىرء010من) :ء7ه5011 42 كمانالوايء ك05ط .عطاك ,1أم اك 
.5 روع682 8011 كنمناة1” :1513050 

رآعاكمتصعة/7 .95-1614 [! :[[ .امآ ,توم «ة كعدمما! ننه كتنهةاكةن) .لع ,مناه ,طتتصرة 
.89 ,ومتلاتطط ين واعة :آنآ 

,770020ء1/[ عل ووماسياط معء 21 دده[ :معط هال ءاره ترمد .قعلض ,لإك[1/5هعل118م5 
.0 رؤوع21 16245 01 /1515 2117لا :متأولاكة .1504-1575 

,15/1477 موكتطموعره أط :ولمده:0 ع0 مأودموط أوءع]! .كنادعل ,تع متاعة1/! 10[19طارء طناك 
.007/1©1/05] بر وأمناائظ ,(6 [1486-1[5) 71000 ملماىء أء بر وتععاع[ ها 
.5 ,182203 عل ومسمطاخ عل لترعمء0 

مادم /0ن) عتما عجره 11 :07 1م1012 0تره م12 .دانحة© ,تعصطاطء اط ععاياك 
.200 ,820015 ده اعلدع1 :002000.آ .1526-1850 ,15/47 

:ةع مهمنة[ة؟ .واانا عل معكة ١ه‏ هلجم مط .عل ه قوء5 ,تعطعصؤة وزمد1” 
1 ,وتعسمقتطة521 020 عتمتا وعمم1ء1ل8 

.(1515-78 ع) نزءاعآنةا5 ك5ه187071 /0 177165 0:1 ء/زنآ 1/16 .ك1 ققناك ر5عه531 2نجة1" 
.203 ,مقاطو ااطنا2 عنمعطوة :آنا بأمطومعل1م 

بلاع1! .11001و هه[ تبمعممياط أوبعناوعءل/! ع[ ما هادا :كترععصجهد .لا عطول ,مهاه]" 
رووعع2 ل1ووع الملا 12طالصنامن) 1رملا 

اعوط :(ع1:00آ1 كئ نورديام ه طأعناه/1 كأءنه :1 :تراودت زه كاى620 .165ؤ0) ,لاع [صمعم]” 
1 0 اعد ط عل ععطة"1 :10002 

.015 3 ,1787 هسه 786[ كنوء7 11 2« انقوم5 [عنام1/17 ولاه 4 طاوعده10 ,لمع كم ه10" 
ئ0111آ .0 تمملدم.آ 

برأروط دا مدممناكة طن أنه دمءكتمماية «كدمتاع طن ألا [اذهط 0:4 2004 .5عصدل ,ععلاعن1” 


١_طماع‏ !© :161 ]آنلا 1 517 


الدين والدم 


2 مبتطأنا50 عط 1ه 5وععط نطالوعع لملا تكمدع 021 بوع81 .ترزممى برع ومل 

ععداك ععتره ل ازا كعولةاةالك عو««طع71ه00) :كك «تادجوء |0 زه كاصء6ن) .عع2معء0 ,هااععدع الا 
رووع26 راوع 'كلمنا ععللطمسدن) 1ن رععلقصطصةن .دمعلا ء/1:00! عار 

فاعهانام 101 .1/1( مأوذى أءل وتموكظ وأا د 0005 «تع207: بر عهأو قل[ .لكقصدعظ8 بأمععم ما 
.7 ,0232303 عل 

2 رووع22 لإازووعء تلصتا لطع كناحامتلظ .تارمم عندره|؟] زه بورمادةلط 4 .لتعصامعاده1/1 ,20/لا 

وللتناعدء 5 :ع[01لا بجع[ .ءرام ندرا ع71أنزه0 هرا :كع التطدصه لط 7716 .لاع علط ب1معع )2ع ط نلا 
106 

بناء1! .2771| 5[ 0تنه رم ترعاكة 7[ برع عبسواء8 اعة 71م 1/72 إن برورماكة 11 4ه :جالعك 7و1 . 
.03 ,متتعمء :1زملا 

تنه نامث ع1[! 1ه ه71عط إن 1016(آ ©7111 نعاأ«منره] نوء07 ©7171 لع ةط ,ركد دخ ]1لا 
01 بروالورع كلمنا :قتطماعل2انطط . 598-1621[ ,نومك زه 111 اقوط زه أدرء رمرعناه) 
.0 رؤووع؟2 1/3213[ لإقصمء2 

82,2001 1 لمعدا/! ع تهج لةط 011لا بدك 71 .[] متاخ[ط . 

ملكا عا روكدم #أدتممما/! ,كداممانا عزوج«اط .مروط تمر[ ععاءط ردهكل/الا 
.2003 ,7026013ماناث :]1 بلالإلك[ه810 .5ء040هوء 121 

لاك شر نترع[طه؟85 مع1/10115 عط لصة عععللخ عل ملجتممع8» .لخ تحصطاه؟! رلعةاهم1؟ 
5001 دا كع اولاق دقاو وعدم ) «الإع0[10ع10 عع دنع مقا باكتهمدم5 مدعله84 رامد 
.446-80 .مم ,(2002) بدرماكىخ1] 1ه 

ل 1( اعلاءء كاعم ,0720171 :1400قه ع4 0ا#كاعه أء بر ومءئة7 720 ومط .عل م80 2ل10 ,ك5ة(2,3 
.6 ,233ناتكاخ :001002 .(612[-499[) «نتعوامممءل 

دتء ع باء 8 تجرة] دبالل بويةاترء)-://1(ء31:12 فر : وأءونه 1 «عاكعيكء 71 ١1218116.‏ ,02115آ لاملوع2 
.6 ,بع 136 على جع 1"2 :2002م.آ .كله! 10[ 

د23 عقلع0) لة قتلظ .كمقنا ,بروعجء8 م انزع :17 [3520] كلاتروهط .مذاعا5 رعاء 200 
.6 رووع22 طلطع50101 :02002آ1 








5288 ١1_طماع‏ !© :1ء]1آئنا 1 


1_طماع !© :1]61]أللا 1 


نبذة عن المؤلف: 


ا ل ال ل 
من أهم أعماله الاخرى «الماكنة 
00 لك 00 


55-825 الإارهاب ا 0 التاريخية 


0 0 ا--1 الدولي 


ال 0 
--5 00-1 ا 052 والبحث 


556 


تت 





1_طماع1© :21 ]آئلا 1 


ل 


0 00 
«التعليم والتحديث الثقافى: نقض 
الأسطورة» (المكتبة العصارة ان 
مم ال ا ل 
م ا 00 
القاهرة 50 ا نا 
0 ال 000 
م ا ل لت 
ل ل ا 0 
(مركز الترجمة بجامعة الملك سعود 
ج00 ا 000 
العظمى» (مركزالترجمة بجامعة 
المللك سعود. 2012). و«مولد الوفرة - 
كيف تشكل رخاء العالم الحديث» 
(مركزالترجمة بجامعة الملك سعود. 
2 ا ال 0 
ل 6 ا 0 
01112000 


وروماالقدمتين» (هيئة أبوظبي 
ا 0 3 57 
لاطا 





1_طماع1© :121 ]آئلا 1 


الدين والدم.. إبادة شعب الأندلس 


م ا ا ا ا 10 
يقرب من نصف مليون مسلم ظلوا يعيشون في إسبانيا بعد سقوط آخر الممالك 
م ل ا ا ا ل ا ا ل ل 0 
ا ل 0200 
ا ا 0 ا م اا 0 0 5900000000 
ا ا لكك ا ات ل 000 
9507 النصرانية. وتلاشت خيطوط الفصل الدينية وإلُثقافية التي كانت تفصلهم عن 
ا ا ا ا ا ل م ا 0 
الل ا ال لا اال ل 00 
هذه التساؤلات وغيرها. عبر تناول تاريخي رصين. ومحايد. ومتوازن. وشامل. لقصة 
ا ا ا اا ا ا ا ال 5000 
النهائي من إسبانيا عام 1614. 





١-0‏ ا 


ل ها لبو و 0